صفة المؤمن الكامل وما يلقاه من النعيم يوم القيامة

الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد النبيين والمرسلين وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد.
جعل ربّنا عزّ وجلّ للمتقين منزلة عالية وخصّهم بالعزة والإكرام، فقال: ﴿ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون﴾.
وإنّ من صفة المؤمن الكامل الذي وصل إلى مكانة عالية عند الله تبارك وتعالى ما وصف النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “الدنيا سجن المؤمن وسنته فإذا فارق الدنيا فارق السجن والسّنة” أي أنّ الدنيا بالنسبة للمؤمن الكامل أي التّقيّ الذي يؤدي الواجبات ويجتنب المحرّمات كأنها سجن وقحط، فإذا فارق الدنيا كأنه فارق السجن إلى الانطلاق وفارق القحط إلى الرخاء.
المؤمن الكامل إذا فارق هذه الدنيا خرج إلى النّعيم، هذا القبر الذي نخافه نحن الآن، بالنسبة له روضة من رياض الجنة، الله تبارك وتعالى يمنع عنه كلّ هامّة من هوامّ الأرض ويجعل له في قبره من هواء الجنّة ورائحتها ويوسّع قبره ويُملأ خضرة ونورًا وهناءً وسرورًا، هذا القبر الذي هو في نظر النّاس كحالته حين حفر بقعة ضيّقة يوسّعه الله تعالى عليه سبعين ذراعًا في سبعين ذراعًا، أي طوله سبعون ذراعًا وعرضه سبعون ذراعًا، وبعض النّاس قد يوسّع قبرهم أكثر من ذلك إلى مدّ البصر، قدرة الله تبارك وتعالى ليست محصورة على حسب أوهامنا وتقديراتنا بل قدرته تامة يقدر بها على كل شىء.
فالإنسان المؤمن بعد خروجه من هذه الدّنيا يكون في نعيم عظيم بحيث لو أنّه عرض عليه أن يرجع إلى الدّنيا ويكون هو مالك الدنيا شرقها وغربها لا يحب أن يرجع إلى الدّنيا، لأنّه ذاق شيئًا لم يذقه قبل ذلك من النعيم والراحة، لا يشتهي الرجوع، إلا الشهيد، شهيد المعركة فإنّه لما رأى من كرامة الشهادة عند الله، يشتهي أن يعود إلى الدّنيا فيقاتل في سبيل الله فيُقتل مرة ثانية، يشتهي ذلك من عظم ما امتلأ قلبه من الإعجاب بكرامة الشهداء عند الله.
والنعيم الذي يلقاه المؤمن الكامل في قبره جزاء له على ما قدّم من العمل الصالح أقلّ بكثير من النعيم الذي أعدّه الله تعالى له في الآخرة، فقد قال عزّ وجلّ في وصف نعيم أهل الجنّة: ﴿وجوه يومئذ ناعمة، لسعيها راضية، في جنّة عالية، لا تسمع فيها لاغية، فيها عين جارية، فيها سرر مرفوعة، وأكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابيّ مبثوثة﴾.
فأهل الجنّة تكون وجوههم متنعّمة نضرة وكما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كُحْلٌ لا يَفْنَى شَبَابُهُمْ وَلا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ” ويكونون في مكانة عالية لا يسمعون فيها باطل ولا مأثم، ويكون لهم عيون ماء وعلى حافاتها أكواب يشربون بها تلذّذًا لا لعطش، ويجلسون على سرر ألواحها من ذهب مكلّلة بالزبرجد والدرّ والياقوت مرتفعة في الهواء وذلك لأجل أن يرى جميع ما أعطاه ربّه في الجنّة من النّعيم، ولهم فيها وسائد صفّ بعضها إلى جنب بعض يستندون إليها ويتّكئون عليها، وبسط عِراض فاخرة كثيرة متفرقة هنا وهناك في المجالس.
فليعلم إخوة الإيمان أنّ العبرة في نعيم الآخرة، أمّا النعيم الذي يناله الإنسان ممّا رزقه الله تعالى في هذه الدنيا فهو زائل وليس هو علامة على علوّ قدر هذا الإنسان عند الله تعالى، فقد قال عزّ وجلّ: ﴿إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ فالله تعالى يعطي المؤمن والكافر حظّه من الدّنيا، فالكفار الذين ما عرفوا الله، الله ابتلاء لهم جعلهم يعرفون بعض أمور الدّنيا ويتمتعون بالملذات ليعذبهم لأنّهم ما شكروا الله على هذه النّعم، فلو أراد الله بهم خيرًا لرزقهم الإيمان، فهؤلاء مثلهم كمثل إنسان يأكل الحلوة المسمومة فيؤثر به السمّ شيئًا فشيئًا، وكذلك بعض المسلمين الذين يوافقون الكفار في بعض الفواحش والرذائل فهؤلاء أهلكوا أنفسهم أيضًا، إلا أن المسلم إن عذّب في النّار لا يخلد فيها أما الكافر فلا يخرج منها أبدًا.
عباد الله، يروى عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما أنّه قال: رأينا من طلب الآخرة فأعطاه الله الدنيا والآخرة وما رأينا من طلب الدنيا فأعطاه الله الآخرة، ومصداق ذلك قوله تعالى: ﴿ومن يرد ثواب الدّنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين﴾.

شاهد أيضاً

التسوية بين الزوجات

ننتقل الآن للكلام على القَسْم بين الزوجات. والتسويةُ فى القسم بالنسبة للمبيت واجبةٌ بين الزوجات. …