بيان في التنـزيه والإيمان

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين أجمعين.
اعلموا أن الله تعالى يقول في القرءان الكريم: ﴿واعبد رَبَّكَ حتى يأتِيَك اليقين﴾.
أيها الأحبة الكرام، لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالثبات على الإيمان حتى الموت، لأن بذلك النجاة من الخلود الأبدي في النار، لأن من مات على عقيدة فاسدة مخالفةٍ لدين الله أو وقع في كفرية واحدةٍ ومات قبل الرجوع عنها فهذا مآله نار جهنم خالدًا فيها لا ينقطع في الآخرة عنه العذاب إلى ما لا نهاية وما هو بخارج من النار كما أخبر سبحانه وتعالى في القرءان بقوله: ﴿إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرًا خالدين فيها أبدًا لا يجدون وليًا ولا نصيرًا﴾. فالثبات على عقيدة أهل الحق أهلِ السنة والجماعة هو السبيل للنجاة في الآخرة، لأن الإيمان هو الأصل الذي لا تصح الأعمال بدونه.
ومعنى الإيمان هو أن يعتقد الإنسان اعتقادًا جازمًا بأن الله تعالى موجودٌ لا شك في وجوده ولا أحد يستحق أن يعبد أي أن يتذلل له نهاية التذلل إلا الله، لأن الله تعالى هو خالق العالم بأسره، هو الذي خلقنا وهو الذي يحفظ علينا وجودنا إلى الوقت الذي شاءه، ولا خالق لشىء من الأشياء إلا الله كما قال تعالى: ﴿هل من خالقٍ غيرُ الله﴾.
ومن أصول الإيمان أيضًا أن يعتقد المسلم أن الله تعالى لا يشبه شيئًا من الموجودات، لا يشبه الإنسان ولا النبات ولا الجمادات ولا الملائكة ولا الجن، ولا يشبه الهواء ولا الروح، لا يشبه العوالم الكثيفة ولا العوالم اللطيفة. ويجب على الإنسان أن يعتقد أن الله تبارك وتعالى كان قبل كل شىء، كان قبل السموات والأرض وقبل الشمس والقمر والنجوم، وقبل الظلمات والنور، كان في الأزل وحده لأنه وحده الموجود الذي لا بداية لوجوده وكل ما سواه حدث بخلقه تعالى. فهو تعالى موجود لا يشبه شيئا من العوالم لذلك قال الله تعالى: ﴿ليس كمثله شىء﴾ هذا معنى الإيمان بالله تعالى.
أما الإيمان برسول الله، فمعناه أن يعتقد الإنسان اعتقادًا جازمًا لا يخالطه شك بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول الله صادق في كل ما جاء به، وأن كل ما جاء به صحيح حق عدل ما جاء بشىء فيه ظلم ولا بشىء خلاف الحكمة. بل كل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، حق وصدق وحكمة وعدل، هذا معنى الإيمان بمحمد فمن اعتقد هذا صار مؤمنًا برسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ءامن بالله ورسوله وثبت على ذلك إلى الممات فهذا لا بد أن يدخل الجنة وإن سبق له دخول النار بسبب المعاصي، فالإيمان هو السبيل للنجاة من الخلود الأبدي في النار. وليعلم أيها الأحبة أن معرفة أمور الإيمان طريق الخلاص لا يكون إلاّ بالعلم، علم أهل السنة الذي يؤخذ بالتلقي كما قال عليه الصلاة والسلام: “يا أيها الناس تعلموا فإنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه فمن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين”. فهذا الحديث فيه حث على التعلم، لأن العلم لا يؤخذ بقراءة الكتب، فكم من أناس اعتمدوا على المطالعة ففهموا ما يعارض دين الله تبارك وتعالى فضلوا وأضلوا.
وقد قال الله تبارك وتعالى: ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾. فالله تعالى أمرنا في القرءان الكريم وعلى لسان نبيه عليه الصلاة والسلام بطلب العلم، لذلك فقد وردت أحاديث كثيرة تبيّن أهمية طلب علم الدين وأن ذلك يكون بالتلقي في مجالس أهل العلم الذين يعلمون الحق وما يوافق كتاب الله وسنة نبيّه، وهناك أحاديث كثيرة تبيّن أهمية التعليم أيضًا لأن الإنسان إذا تعلم الحق فينبغي أن يعلّمه للناس فقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذي “نضّر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها”. فهذا الحديث فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا لمن يسمع حديثه فيَعيه ثم لا يغيّره ولا يبدّله ثم يبلّغه غيره بنضرة الوجه أي بحسن وجهه يوم القيامة بالسلامة من الكآبة التي تحصل من أهوال يوم القيامة. لأن يوم القيامة يوم الأهوال العظام والشدائد الجسام لذلك ربّنا تبارك وتعالى قال: ﴿مالكِ يوم الدين﴾. هو الله تعالى مالك الدنيا والآخرة مالك كل شىء فإنما قال: ﴿مالك يوم الدين﴾ ليفهمنا عظم أمور ذلك اليوم، الأمور التي تجري في الدنيا من الأهوال هي كلا شىء بالنسبة للأهوال التي تحصل يوم القيامة، أي أن الشدائد التي تحصل ذلك اليوم، أشد وأعظم من الشدائد التي تحصل في الدنيا، فكل مصائب الدنيا كلا شىء بالنسبة لمصائب الآخرة وشدائد الآخرة. فالرسول دعا لمن تعلم علم الدين بالتلقي وعلّمه غيره بأن يكون وجهه نضرًا حسنًا في ذلك اليوم العظيم. وقد بين النبي أيضًا في أحاديث كثيرة عظيم ثواب حضور مجالس العلم: منها قوله عليه الصلاة والسلام: “ما من مسلم يأتي المسجد ليس له همة إلا أن يتعلم أو يعلم إلا كان له أجر حجةٍ وعمرة تامتين”. وقد روى مسلم حديثًا: “إن لله ملائكةَ سيّارةً فُضُلا، يتتبعون مجالس الذكر فأينما وجدوها قعدوا معهم وحفَّ بعضهم بعضًا بأجنحتهم حتى يملؤا ما بينهم وبين السماء”. وفي نهاية الحديث: يقول الله عز وجل: “قد غفرت لهم وأعطيتهم ما سألوا وأَجَرتهم مما استجاروا”. قال: (أي النبي) “فيقولون (أي الملائكة): يا رب فيهم عبد فلان خطّاءٌ إنما مرَّ فجلس معهم، فيقول الله عز وجل: وله غفرت هم القوم لا يشقى جليسُهم”.

شاهد أيضاً

التسوية بين الزوجات

ننتقل الآن للكلام على القَسْم بين الزوجات. والتسويةُ فى القسم بالنسبة للمبيت واجبةٌ بين الزوجات. …