اَلنَّار حقٌّ وهِي باقيَةٌ لا تَفْنَى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له من يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله من بعثه الله رحمة للعالمين هاديا ومبشرا ونذيرا بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا من أنبيائه صلوات الله وسلامة عليه وعلى كل رسول أرسله أما بعد إخوة الإيمان، أوصي نفسيَ وإياكم بتقوى اللهِ العليِّ العظيم.
يقولُ الله تعَالى فِي القرءانِ الكريمِ: ﴿وَلِلذِينَ كَفَرُوا بِرَبهِم عذابُ جهنَّمَ وبئْسَ المصِير إذَا أُلقُوا فِيهَا سمِعُوا لهَا شهيقاً وهيَ تفُور﴾
بهذهِ الآياتِ العظيمةِ أبتدأُ خُطْبَتي اليومَ مذكرًا نفسِي وإيَّاكُم بما وردَ فِي القرءانِ الكريمِ منْ وعيدِ الله تباركَ وتعالىَ، علَّها تكونُ سببًا للتوبةِ من الذنوبِ والآثامِ، فجهنَّم هيَ نارٌ عظيمةٌ جدًا وقدْ جاءَ في الحديثِ الذِي رواهُ الترمذيُّ أنهَا أوقدَ عليهَا ألفَ سنةٍ حتىَّ احمرَّت وألفَ سنةٍ حتىَّ ابيضَّت وألفَ سنةٍ حتى اسودَّت فهيَ سوداءُ مظلمةٌ وهيَ بئسَ المآلُ والمنقلبُ الَّذي ينتظرُ منْ ماتَ علَى غيرِ الإيمانِ باللهِ ورسولِه صلى الله عليه وسلم، وإذَا أُلقِي الكفَّارُ وطُرِحُوا فِيهَا كمَا يُطرَحُ الحطبُ في النَّارِ العظيمةِ سمعُوا لها شهِيقًا وهو الصوتُ الذِي يخرجُ منَ الجوفِ بشدةٍ والمرادُ أنَّهُم سمعُوا صوتًا منكرًا كَصوتِ الحمارِ تصوتُ مثْلَ ذلكَ لشدةِ توقُّدِها وغليَانِهَا وهيَ تغلِي بهمْ ويزيدُ اللهُ في حجمِ الكافرِ في النارِ ليزدادَ عذابًا حتى يكونَ ضرسُه كجبلِ أحدٍ، ما بينَ منكبي الكافرِ يومَ القيامةِ مِثل مَا بينَ لبنانَ والأردُن ولوْ كانتْ خِلقَتُهم تكونُ كمَا هيَ فِي الدنيَا لذهبتْ بلحظةٍ، ولا يَحْيَوْنَ حياةً هنيئَةً طيبةً بلْ هُمْ دائمًا في نكَدٍ وعذابٍ، وطعامُهم من ضَرِيعٍ وهو شجرٌ كرِيهُ المنظرِ كريهُ الطعمِ كريهُ الرائحةِ قالَ الله تعَالى: ﴿ليسَ لهمْ طعامٌ إلاَّ منْ ضَريعٍ لا يُسمِنُ ولا يُغْني منْ جُوع﴾ وقالَ الله تعَالى: ﴿إنَّ شجرةَ الزقومِ طعام الأَثِيم كَالْمُهلِ يغْلِي في البطونِ كغلْيِ الحمِيمِ﴾.
وهذِه الشجرةُ منظرُها قبيحٌ جدًا رائحتُها كريهةٌ جدًا لا تُطَاقُ لكِنْ همْ من شدةِ اضطرارِهِم ومنْ شدةِ جوعِهِم وحرمانهِم كأنَّهُم يأْكُلُونَه بدونِ اختيارٍ، ملائِكَةُ العذابِ يُطعِمُونَهم من هذَا وكذلكَ يأكلُ أهلُ النَّارِ من الغِسْلِين قالَ الله تعَالىَ: ﴿فليسَ لهُ اليومَ ههُنا حميمٌ ولا طعامٌ إلاَّ مِن غِسلِين لاَ يأْكلُه إلاَّ الخاطِئُون﴾ اَلغِسلِين إخوةَ الايمانِ هوَ مَا يسيلُ منْ جلودِ أَهلِ النارِ من القذَرِ لأنهُ كلَّمَا أَنضجَت جلودَهُم النَّارُ يُكْسَونَ جلُوداً غيرَها، يُبْدِلهُم اللهُ جلوداً غيرَها فيهَا رُطُوبَة ثمَّ تَحْتَرِقُ وقدْ سالَ منهَا شيءٌ كثِيرٌ من المسْتقْذرِ فهذَا الذِي يسِيلُ من جلودِهم جعلَه اللهُ طعامَ أَهلَ النارِ قالَ الله تعالى: ﴿كُلَّما نضِجَت جلودُهُم بَدَّلنَاهُم جلودًا غيرَها ليذُوقُوا العذابَ﴾. “تَكَادُ” تَتَقَطَّعُ وتَتَفَرَّقُ منَ الغيظِ علَى الكُفَّارِ فجُعِلَتْ كالمغتاظَةِ عليهِمْ استعارةً لشدةِ غليَانِهَا بهِ يقولُ ربُّ العزةِ فِي القرْءانِ الكريمِ: ﴿فأمَّا منْ طغَى وءاثَر الحياةَ الدُنيَا فإنَّ الجحيمَ هيَ المأوَى﴾ أيْ من تجاوزَ الحدَّ في العِصيانِ والكفرِ “وَءاثَرَ الحياةَ الدنيَا” أيِ انهمَكَ فيهَا بِاتِّباعِ الشهَواتِ والرُّكونِ إِليهَا وتركِ الاستعدادِ للآخرةِ “فإنَّ الجحِيمَ هِي المأوَى” هيَ مأوَى من طغَى وءاثَر الحياةَ الدنيَا.
وجهنَّمُ تَرْصُدُ منْ حقَّتْ عليهِ كلمةُ العذابِ فيدخلُهَا الكافرُ ويُحبَسُ فيهَا قالَ اللهُ تعالَى: ﴿إِنَّ جهنَّمَ كانتْ مِرصَادًا للطَّاغِين مآبًا لابثِين فيهَا أحقَابًا﴾ أيْ أَنَّ الكفارَّ سَيمْكثُون في النارِ ما دامتِ الأحقابِ وهي لا تنْقطِعُ كلَّما مضَى حُقْبٌ جاءَ حُقْبٌ وهكَذَا إِلَى مَا لا نهايةَ لهُ، فالنارُ لا تَفنَى ولا يجوزُ القولُ بفنَائِهَا وقدْ عدَّ علمَاءُ الإسلامِ القولَ بفناءِ جهنَّمَ منَ الضلالِ المبينِ المخرجِ من الإسلامِ والعياذُ بِاللهِ كمَا قالَ الإمامُ الحافظُ السبْكِي في رسالتِه الَّتي سماهَا الاعتبَار ببقَاءِ الجنةِ والنارِ، فربُّنا عزَّ وجلَّ قيَّدَ لِهذَا الدِّينِ منْ يدَافِع عنهُ ففِي ذاكَ الزَّمنِ ردَّ السُّبكِيُّ رضيَ اللهُ عنهُ علَى ابنِ تيميةَ الحرَّانِي الَّذِي قالَ بفنَاءِ النارِ، ونحمدُ اللهَ تعالَى أنْ قيضَ لنَا في هذَا الزَّمنِ منْ يردُّ علَى منْ قالَ بمقُولَةِ ابنِ تيميةَ وتلميذِه ابنِ القيِّمِ الجوزِيةِ ومنْ تَبِعهُم بهذَا الكلامِ الفاسدِ وهو يوسفُ القرضَاوِي الذِي طَالعنَا له مقالَة فِي مجلةِ الأَهرامِ العرَبي تحتَ عُنوَان القرضَاوي مؤيدًا ابن الْقَيم يقولُ النفُوسُ لنْ تُخلَّدَ في النارِ ويُتابِع الناشرُ كلامَه قائِلا ونقلَ القرضَاوِي فِي بدايةِ حديثِه عنِ الفقِيهِ ابنِ القيمِ قولَه الحِكمَةُ والرَّحمَةُ تَأبَيانِ بقاءَ هذِه النفُوسِ فِي العذابِ أبدَ الأبَادِ، ولوْ كانَ أهلُ الجنَّة أقسَى خلقِ الله لَرَقُّوا لحَالِ أعدائِهِم بعدَ طُولِ عذابٍ.
إِخوَاني إِنَّ ابنَ تيميةَ ليسَ فقِيهًا ولا مجتهِدًا فبِالله عليكُم كيْفَ نَأخُذ أمورَ دِينِنا ممَّنْ خرَقَ الإِجمَاعَ يعْني خَالفَ الإِجمَاعَ بنحوِ ستِّين مَسأَلة وكذَلكَ تلميذُهُ ابنُ القيِّمِ الجوزِيةِ ليسَ فقيهاً ولا مجتهداً فكيفَ يكونُ فقيهاً ومجتهداً وهوَ يتبعُ ابنَ تيميةَ فِي مقولاتِه الفاسدةِ وكذلكَ منْ أخذَ بكلامِهم هذا الفاسدِ ليسَ أهلاً أنْ يؤخذَ منهُ عِلمَ الدِّينِ. فنقولُ لهُ إنَّ الله تعَالى قَالَ في القرءانِ الكريمِ فِي سورةِ الأحزابِ: ﴿إنَّ الله لعَنَ الْكافِرِينَ وأعدَّ لهمْ سَعيرًا خالدِينَ فيهَا أبَدًا لا يجدُونَ فيهَا وَليًا وَلا نَصِيرًا﴾ فأجمعتِ الأُمةُ المحمديةُ علَى أنَّ النارَ باقيةٌ إلىَ مَا لاَ نهايةَ كمَا ذكرَ الطحَاوِي رضيَ اللهُ عنهُ فِي رسالتِه الَّتِي ألَّفَهَا لبيَانِ عقيدةِ السلفِ الَّتي بدأهَا بقولِه: “هَذا ذكرُ بيانِ عقيدةِ أهلِ السُّنةِ والجماعةِ وفيهَا قَوْلهُ: “والجنةُ والنارُ مخلوقتَانِ لا تفنيَانِ أبداً ولا تَبِيدانِ” فبِذلكَ يظْهرُ بطلانُ قولِ ابنِ تيميةَ الحرانِي الذِي قالَ بفناءِ النارِ كمَا أثبتَ ذلكَ عنهُ تلميذُهُ ابْنُ القَيم الجوزِية في كتابِه المسمَّى حادِي الأروَاح إلى بلادِ الأفرَاح.
فَالْكُفَّارُ في جهنَّم في ذُلٍّ مَا بعدَه ذُلٌّ وَهَوَانٍ ما بعدَه هوانٌ وقدْ وردَ أنَّهُم يسْتَغِيثُونَ بمالِكٍ خازِنِ النارِ فيُجِيبُهم بعدَ ألفِ سنةٍ إذْلالاً لهُمْ واسْتِغَاثَتُهُم هذِه ليستْ لِلخُروجِ بلْ يَطْلُبُونَ الموتَ منْ شدةِ العذابِ قالَ الله تعَالى: ﴿وَنادَوْا يَا مالِكُ لِيقْضِ علَينَا رَبُّكَ قالَ إنَّكُمْ مَاكِثُونَ لقَدْ جِئنَاكُم بِالحقِّ ولكنَّ أكْثرَكُم لِلحَقِّ كَارِهُونَ﴾ يُجِيبُهُم بعدَ ألفِ سنةٍ جواباً يَزِيدُهُم هماً وغماً بأنهمْ ليسَ لهمْ خُروجٌ منَ النارِ. إخواني فلْنعمَلْ في هذِه الدنيَا قبلَ أنْ يأتيَ يومٌ لا ينفعُ فيهِ ندمٌ واللهَ نسألُ أن يُحسنَ أحوالَنا ويُحسنَ ختامَنا ويُجيرَنا من نارِ جهنَّم إنَّه علَى كلِّ شيءٍ قديرٍ.

شاهد أيضاً

التسوية بين الزوجات

ننتقل الآن للكلام على القَسْم بين الزوجات. والتسويةُ فى القسم بالنسبة للمبيت واجبةٌ بين الزوجات. …