ما يجب معرفته في حق الأنبياء

الحمد لله الواحد القهار، العظيم الجبار، والصلاة والسلام على سيد البشر محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى كلّ رسول أرسله. وبعد
اعلم أخي القارئ أن الله تبارك وتعالى أمرنا بتعظيم الأنبياء بما يليق بهم، وجعل أصلاً من أصول الإسلام معرفة ما يجب في حقهم وما يستحيل عليهم وما يجوز في حقهم، فمن عرف الله تعالى وعرف نبيه وصدّق بقلبة ونطق بلا إله إلا الله محمد رسول الله فهو مؤمن، ومن وصف أنبياء الله بما لا يليق بهم من الصفات الدنيئة فقد كفر بالله تعالى، إذ أنه ترك أصلاً من أصول الإيمان ألا وهو تبرئة الأنبياء عمّا لا يليق بهم، وقد قال عزّ وجلّ في شأن الأنبياء: ﴿وَكُلاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.
فمن صفات أنبياء الله تعالى الصدق والأمانة والفطانة فيستحيل عليهم الكذب والخيانة والرذالة والسفاهة والبلادة، فالأنبياء سالمون من الكفر والكبائر والصغائر التي فيها خسّة ودناءة، وأما الصغائر التي ليس فيها خسة ولا دناءة فتجوز في حقهم لكن ينبهون فورًا للتوبة منها قبل أن يقتدي بهم فيها أحد لأنهم قدوة للناس، والله تعالى جملهم بالصفات الحميدة فلم يتلبس أحدهم بكفر ولا كبيرة ولا بما ينفّر الناس منهم، وذلك قبل النبوّة وبعدها، فهم على ذلك من نشأتهم.
وأما ما ورد في القرءان في حقّ إبراهيم عليه السلام: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًا قَالَ هذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾.
فهو على معنى الاستفهام الإنكاري فكأنه قال: أهذا ربّي كما تزعمون، فقد أراد إبراهيم عليه السلام أن يحاجج قومه بالحجة العقلية بأنّ الذي يتغير من حال إلى حال لا يكون ربًا، وقد قال ربّنا عزّ وجلّ: ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءَاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾.
وكذلك ما ورد في قصة يوسف عليه السلام في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَءَا بُرْهَانَ رَبَّهِ﴾.
فقد قيل فيه نحو خمس تأويلات وأحسن ما قيل في ذلك أن يقال أنه لولا أن عصمه الله تعالى من الفواحش لهمّ بها لكنه ما همّ بها لأنه مطهّر عن ذلك، فالأنبياء لا يقعون في الزنى ولا يهموّن به، وقد جاءت براءة يوسف عليه السلام في القرءان فقد قال عزّ وجلّ: ﴿قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾.
وكذلك من الصفات الواجبة في حقّ الأنبياء التبليغ، فليس بينهم من سكت عن تبليغ ما أوحى الله إليه من أمور الشرع، وليس بينهم من سكت عن الحق، إذ أنّ وظيفة الأنبياء تبليغ الناس مصالح ءاخرتهم ودنياهم.
وكذلك يستحيل على نبيّ من أنبياء الله تعالى الأمراض المنفّرة كخروج الدود من الجسد، فسيدنا أيّوب عليه السلام ابتلاه الله بفقد المال والأولاد وبالأمراض حوالي ثماني عشرة سنة ومع ذلك ما كان مرضه بخروج الدود لأن المرض المنفر ينافي المطلوب منهم ألا وهو تبليغ الناس، والله تعالى حكيم.
فمن هذا المفهوم الذي عليه جمهور أمّة محمد صلى الله عليه وسلم، يجب الحذر من بعض الروايات الباطلة التي يرويها بعض المفترين على دين الله تعالى فينسبون إلى يوسف عليه السلام الهمّ بالزنى بامرأة العزيز، أو يزعمون أن إبراهيم عليه السلام عبد الكوكب والقمر والشمس والعياذ بالله تعالى من الكفر، أو يزعمون أن خطيئة ءادم عليه السلام كانت من الخطايا العظيمة الكبيرة وأنه حياءً من الله صار يهرب في الجنة ليختبئ، أو ينسبون إلى موسى عليه السلام أنّه كان عصبيّ المزاج فقال أحد أهل الضلال: (لنأخذ موسى، إنه نموذج للزعيم المندفع العصبي المزاج) ثم قال: (فلندعه هنا لنلتقي به في فترة ثانية من حياته بعد عشر سنوات، فلعله قد هدأ وصار رجلاً هادئ الطبع حليم النفس، كلا…) فهذا فيه تنقيص بنبيّ الله موسى عليه السلام، وكل ذلك كذب وافتراء على أنبياء الله، فمن روّج هذه الروايات فليتق الله فإن الله تعالى لا يغفل عما يصنع الكافرون.
إخوة الإيمان ليعلم أن الله تعالى أنزل القرءان الكريم منه ءايات محكمات واضحة المعنى ومنه ءايات متشابهات يجب صرفها عن ظاهرها، لأن الأخذ بظاهر الآيات المتشابهات يؤدي إلى فهم القرءان على غير وجهه الصحيح وضرب الآيات القرءانية بعضها ببعض، وهذا لا يجوز إذ أنّ القرءان يعاضد بعضه بعضًا ولا يتناقض.
فيجب على طالب الحق أن يتعلّم ما افترض الله عليه من علم الدين، فإن طلب علم الدّين هو أولى ما تنفق فيه أنفس الأوقات، وينبغي التحري عمّن يؤخذ علم الدين، فإنه ليس كلّ من قرأ كتابًا أهلاً لتعليم الناس وإرشادهم، وإنّ هذا العلم دين فانظروا عمّن تأخذون دينكم كما يقول محمد بن سيرين.

شاهد أيضاً

التسوية بين الزوجات

ننتقل الآن للكلام على القَسْم بين الزوجات. والتسويةُ فى القسم بالنسبة للمبيت واجبةٌ بين الزوجات. …