الحمدُ للهِ ربِّ الكائنات، المنـزَّهِ عنِ الحدودِ والغاياتِ والأركانِ والأعضاءِ والأدواتِ، ولا تحويهِ الجهاتُ الستُّ كسائرِ المبتدعاتِ ومن وصفَ اللهَ بمعنىً من معاني البشرِ فقد كفر. والصلاةُ والسلامُ على خيرِ الكائناتِ سيدِنا محمدٍ وعلى سائرِ إخوانِه النبيِّينَ المؤيَّدينَ بالمعجزاتِ الباهراتِ فبِعصا موسى انفلقَ البحر وبدُعاءِ نوحٍ نزلَ المطرُ ولمحمدٍ شهدَ الشجرُ والحجرُ وانشقَّ القمر.
يقول الله تعالى في القرءانِ الكريم: ﴿هو الذي أنزلَ عليك الكتابَ منه ءاياتٌ محكماتٌ هنَّ أمُّ الكتابِ وأُخرُ متشابهاتٌ فأما الذين في قلوبِهم زيغٌ فيتَّبِعونَ ما تشابهَ منه ابتغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويلِه وما يعلمُ تأويلَه إلا اللهُ والراسخونَ في العلمِ يقولونَ ءامنَّا بهِ كلٌّ من عندِ ربِّنا وما يذَّكَّرُ إلا أولوا الألباب﴾.
القرءانُ الكريمُ كتابُ الله، هنيئًا لمن تفهَّم ءاياتِه، هنيئًا لمن حفِظَ ءاياتِه، هنيئًا لمن عمِلَ بمُقتَضى ءاياتِه البيِّنات ولم يكن من أهلِ الزيغِ والضلال. هذا القرءانُ العظيمُ فيه ءاياتٌ محكماتٌ وفيهِ ءاياتٌ متشابهاتٌ. الآياتُ المحكماتُ كقولِ اللهِ تباركَ وتعالى: ﴿قل هو الله أحد﴾ كقولِ اللهِ تعالى: ﴿ولم يكن له كفُوا أحد﴾ كقولِ اللهِ تعالى: ﴿ليسَ كمثلِه شيءٌ﴾ كقولِ اللهِ تعالى: ﴿وللهِ المثلُ الأعلى﴾ وكقولِ اللهِ تعالى: ﴿هل تعلمُ لهُ سمِيًّا﴾. هذهِ الآياتُ المحكماتُ من القرءانِ العظيمِ، واضحةُ المعنى والدلالة، صريحةٌ في المعنى المرادِ وهو تنزيهُ اللهِ تعالى عنِ الشريكِ والضِّدِّ والنِّدِّ والزوجةِ والولد، صريحةٌ في أنَّ اللهَ تعالى يستحيلُ عليه أن يكونَ قائمًا أو قاعدًا أو مستلقيًا أو منبطحا، صريحةٌ في أنّ اللهَ تبارك وتعالى لا يشبهُ شيئًا من مخلوقاتِه لا الشمسَ ولا القمرَ ولا النجمَ ولا الكوكبَ ولا الضوءَ الأبيضَ ولا الأصفرَ ولا غيرَ ذلك من الألوان. هذه هي عقيدةُ السلفِ الصالحِ لذلك قالَ سيدُنا أحمدُ بنُ حنبل رضيَ اللهُ عنهُ في الآياتِ المتشابِهاتِ ومنها هذه الآيةُ: ﴿الرحمنُ على العرشِ استوى﴾ استوى كما أخبر لا كما يخطُرُ للبشر. فالآياتُ المحكماتُ كالتي ذُكرت، والآيات المتشابِهات كقولِه تعالى: ﴿الرحمنُ على العرشِ استوى﴾كقولِ اللهِ تعالى: ﴿تجري بأعينِنا﴾ عن سفينةِ نوحٍ، كقولِ اللهِ تعالى: ﴿ولتُصنعَ على عيني﴾ عن سيدِنا موسى عليهِ السلام، كقولِ اللهِ تعالى: ﴿ءأمِنتم من في السماءِ أن يخسِفَ بكم الأرض﴾ كقولِ اللهِ تعالى: ﴿وهو الذي في السماءِ إلهٌ وفي الأرضِ إله﴾ كقولِ اللهِ تعالى: ﴿إليهِ يصعدُ الكلِمُ الطيبُ والعملُ الصالحُ يَرفعُه﴾ وكقولِ اللهِ تعالى: ﴿بل يداهُ مبسوطتانِ ينفِقُ كيف يشاءُ﴾ هذهِ من الآياتِ المتشابهات التي لا يجوزُ لأحدٍ أن يحملَها على ظاهرِها، فلا يجوزُ أن يُقالَ في قولِ اللهِ تعالى: ﴿الرحمنُ على العرشِ استوى﴾ جلسَ وقعدَ واستقرَّ، فلا يجوزُ أن يُقالَ في قولِ اللهِ تعالى: ﴿إليهِ يصعدُ الكلِمُ الطَّيِّبُ والعملُ الصالحُ يرفعُه﴾ أنَّ اللهَ ساكنٌ في السَّماء، فلا يجوزُ أن يُقالَ في قولِ اللهِ تعالى: ﴿وهو الذي في السماءِ إلهٌ وفي الأرضِ إله﴾ أنَّ اللهَ مُنبَثٌّ في السماءِ ومستقِرٌّ في الأرض، فلا يجوزُ أن يقالَ في قولِ اللهِ تعالى: ﴿بل يداهُ مبسوطتانِ﴾ إنَّ للهِ يدينِ جارحتينِ ممدودتينِ مثل الإنسان، وأما قولُ اللهِ تعالى: ﴿ولتُصنعَ على عَينِي﴾ وأما قولُ اللهِ تعالى: ﴿تجرِي بأعيُنِنا﴾ أي بالحِفظِ والرِّعايَة، أليسَ قالَ اللهُ تعالى في القرءانِ الكريم: ﴿إذ يقولُ لصاحبِه لا تحزَنْ إنَّ اللهَ معنا﴾ أي معنا بالنُّصرَةِ والكلاءَةِ والتَّأييد. من هنا عرَفْنا أنَّ السلفَ الصالحَ الذين اتبعوا الصحابةَ بإحسانٍ لم يحرِّفوا في العقيدةِ ولا في فروعِ الأحكام، هؤلاء أوَّلوا هذه الآياتِ المتشابهاتِ ولم يحمِلوها على ظاهرِها ومنهم الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل الذي قالَ في قولِ اللهِ تعالى: ﴿الرّحمنُ على العرشِ استوى﴾ استوى كما أخبر لا كما يخطُر للبشر، أي ليسَ استواءُ اللهِ على عرشِه بمعنى الجلوسِ والاستقرار. من هنا أيها الأحبة عرفنا أنَّ الطائفةَ الوهابيةَ التي تزعُم أنها سلفيةٌ، عرفنا أنَّ الطائفةَ الوهابيةَ التي تدّعي أنها سلفيةٌ وفي كثير ٍمن المقالاتِ الصَّحفيةِ والمقابلاتِ التلفزيونيةِ وفي كثيرٍ من المؤلفاتِ والكتبِ وفي كثيرٍ من المعارضِ يقولونَ فلان السلفي أو يقولونَ هذه عقيدةُ أهلِ السلفِ أو يقولونَ عن أنفُسِهم نحنُ سلفِيُّونَ ليُموِّهُوا على المسلمين، وهم في الحقيقةِ الفرقةُ الوهابيةُ التي تقولُ إنَّ اللهَ فوقَ العرشِ كما أنا فوقَ المنبرِ ولذلكَ قالَ ابنُ تيميةَ لما خطبَ على المنبرِ الأمويِّ بدمشق: “ينزِلُ ربُّنا كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا – فنزَلَ عن المنبر ِ- وقالَ كنُزولي هذا”. هذا ليس معتقدَ السلفِ الصالحِ، هؤلاءِ كالوثنيِّينَ، مشبِّهةٌ مجسِّمةٌ نفاةُ التوسل، اعتقدُوا أنَّ اللهَ شيءٌ له جسمٌ وطولٌ وعرضٌ يقعُد على منبرٍ أو عرشٍ أو كرسيٍ ومن اعتقدَ أنَّ معبودَه له شكلٌ وصورةٌ ما عرفَ اللهَ تعالى.
