قال الله تعالى: ﴿يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون، الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين، أُدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم فيها تحبرون، يُطاف عليهم بصحافٍ من ذهبٍ وأكوابٍ وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذُّ الاعين وانتم فيها خالدون، وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون، لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون﴾.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إني لأعلم آخرَ أهل النارِ خروجاً منها وآخرَ أهلِ الجنةِ دخولاً الجنةَ رجلاً يخرج من النار حَبْوَاً فيقول الله عز وجل له: إذهبْ فادخل الجنة. فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع ويقول: يا رب وجدتُها مَلأَى فيقول اللهُ عزَّ وجلَّ “إذهب فادخل الجنة” قال فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملأى. فيقول الله “إذهب فادخل الجنة فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها أو إن لك عشرة أمثال الدنيا” قال ابن مسعود: لقد رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بَدَتْ نَواجِذُه. قال: ابن مسعود فكان يُقال ذاكَ أدنى أهلِ الجنةِ منزلةً” متفق عليه.
نعيم الجنة حسي:
يجب الإيمان بأن الجنة دارُ نعيمٍ حسيٍ أي فيها نعيم حقيقي ملموس وشراب ملموس. وفيها أنهار من عسلٍ مُصَفَّى وأنهار من حليب وأنهار من ماء لا يتغير طعمه من طول المكث فيه. وفيها أنهار من خمر لكنه ليس كخمر الدنيا فلا يُخْبِلُ العقلَ وليس نَجِسَاً. يصير المؤمنون في الجنة بطول ءادم عليه السلام. والواحد من أهل الجنة يكون ابن ثلاث وثلاثين ولكن بلا لحية حتى الأنبياء. وإذا كان له أقرباء مؤمنون فإنه يراهم متى ما تمنَّى ذلك في الجنة. أما من مات من أقربائه على الكفر فإنه لا يشتاق إليهم ولو كان أباه أو أمه لأنه يكون مشغولاً بالتلذذ بالنعيم الذي كان موعوداً به. ثم إنه لا يوجد عزوبة في الجنة حتى الولد الذي مات وهو ابن يومه يدخل الجنةَ ويتزوجُ فيها والأنثى يُزوّجُها اللهُ بمن شاءَ من الذكور. وليس ذلك خوفاً من الزنا إنما هو نعيم أنعم الله فيه عليهم.
ويُفهم من الحديث أن الناس على درجات هناك لأنه ورد أن الشهيد يتزوج اثنين وسبعين من الحُور العِين. وورد أيضاً أن للمؤمن في الجنة خيمةً من لؤلؤةٍ مُجَوَّفَةٍ إرتفاعها ستون ميلا في السماء للمؤمن فيها أهلون أي أزواج.
لهم فيها ما تشتهيه الانفس:
لا يوجد في الجنة ما تكرهه النفوسُ فلا يوجد حَيضٌ ولا يوجد بولٌ ولا غائطٌ ولا عَرَقٌ يتولّد منه وَسَخ ورَشْحُهُم كالمسك وأزواج الشخص هنّ له إلى ابد الاباد والحُور العِين من مخلوقات الجنة لهنَّ من الحُسنِ والجمالِ ما لو برزت الواحدة منهن إلى الدنيا لملأت ما بين المشرق والمغرب من الرائحة الزكية.
وبمجرد أن يدخلَ أهلُ الجنةِ الجنةَ ويستقرونَ فيها يسمعونَ النداءَ من المَلَكِ: “يا أهل الجنة إنّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً وإنَّ لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبداً وإنّ لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبداً وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً” ثم إن أهل الجنة يكونون في نعيم يتجدد ولا ينقطع، فكل ثمرة يقطفها المؤمنُ في الجنة يجعل مكانها ثمرة والثمرةُ كالجرة والشجرة في الجنة سَاقُها من ذَهَب. وكذلك لما يرى المؤمنُ الطيرَ ويشتهي أن يأكلَه يقعُ بين يديه مشوياً إن اشتهاه مشوياً من غير كلفة.
النعيم المقيم:
إن الذي قام بتوحيد الله تعالى واجتنبَ معاصيه وأدّى فرائضه فإنه يدخلُ الجنةَ بلا عذابٍ حيث النعيمُ المقيمُ الخالدُ بدلالة الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قال الله عز وجل: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأتْ ولا أذن سَمِعَتْ ولا خَطَرَ على قلبِ بشر” وقال أبو هريرة: “إقرأوا إن شِئتم قولَه تعالى: ﴿فلا تَعْلَمُ نفس ما أُخْفيَ لهم من قُرَّةِ أعينٍ جزاءً بما كانوا يعملون﴾. ولما عُرِجَ بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السمواتِ العُلا إطَّلَعَ في الجنة فرأى الحُورَ العِين فطلبَ منه سيدُنا جبريلُ أن يُسلِّم عليهنَّ بالقول فقلنَ له: “نحنُ خَيِّراتٌ حِسانٌ أزواجُ قومٍ كرام”.
ورأى صلى الله عليه وسلم في الجنة الوِلْدَانَ المخلَّدِينَ وهم خَلْقٌ من خَلْقِ الله ليسوا من البشر ولا من الملائكة ولا من الجِنِّ خَلَقَهُم اللهُ تعالى من غير أم ولا أب، هم كاللؤلؤ المنثور، لِيَخْدِموا أهل الجنة. الواحد من أهل الجنة أقل ما يكون عنده من هؤلاء الوِلْدَانِ المخلدين عشرة آلاف بإحدى يدي كل منهم صحيفة من ذهب وصحيفة من فضة.
تفكر أخي المسلم في أحوال أهل الجنة وفيما خصّهم الله من النعيم المقيم الدائم، يُعرف في وجوههم نَضَرَةُ النعيم ويُسْقَونَ من رَحِيقٍ مَخْتُومٍ ويَجلسون على منابر الياقوتِ الاحمر ولهم خيامٌ من اللؤلؤ الأبيض ويتكئون على الأرائك ولهم من الحُور العِين الخَيِّراتِ الحِسان كأنهنَّ الياقوت والمرجان، فهل من مُشَمِّرٍ للجنة.
أليس الحري بنا أن نعمل لآخرتنا وأن نتزود لها وأن نتسابق إلى الطاعات والخيرات فالله عز وجل يقول: ﴿سابِقوا إلى مغفرة من ربكم﴾ ويقول: ﴿وفي ذلك فليتنافس المتنافسون﴾ فالعجب العجب ممن يتنافسون على الدار الفانية ولا يستعدون للحساب في الدار الباقية. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن أول زمرة تلج الجنةَ صورتُهم على صورة القمر ليلةَ البدر لا يبصقون فيها ولا يَتَمَخَّطُون ولا يَتضغَوَّطُون. آنيتُهم وأمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم من الألوّة ورَشْحُهُم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض. قلوبُهم قلبٌ واحدٌ يُسبحون اللهَ بُكرةً وعشياً”. متفق عليه
أخي المسلم، أحرصْ على المحافظة على إيمانك وصُنْ لسانَك عن الكفر حتى تموتَ على الإيمان وتكونَ من أهلِ الجنة، وسارع إلى أداء ما فرض الله عليك من الصلوات الخمس والصيام والزكاة وتعلُّمِ علمِ الدين وبِرِّ الوالدين وصِلةِ الأرحام وغير ذلك حتى تكون من الزمرة الفاضلة التي مدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اللهم إنا نسألك أن تميتنا على كلمةِ لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله وأن تجعلنا من أهل الجنة بفضلك يا أرحم الراحمِين.
