الأشاعرة على حق

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له من يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله من بعثه الله رحمة للعالمين هاديا ومبشرا ونذيرا بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا من أنبيائه صلوات الله وسلامة عليه وعلى كل رسول أرسله أما بعد إخوة الإيمان، أوصي نفسيَ وإياكم بتقوى اللهِ العليِّ العظيم.
فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ عن جابرٍ رضيَ اللهُ عنه أن الناسَ عَطِشُوا يومَ الحُديبيةِ فطلبوا الماءَ فلم يجدُوهُ وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين يديهِ ركوةٌ فوضَعَ يدَه في الركوةِ فجعلَ الماءُ يفورُ من بينِ أصابعِهِ كأمثالِ العيونِ فشرِبوا وتوضؤوا وكانوا ألفَ رجلٍ وخمسَمائة.
إنَّ سيدَنا محمدًا صلى الله عليه وسلم صادقٌ في كلِّ ما جاءَ بهِ فجميعُ ما أخبرَ بهِ عنِ اللهِ تعالى هو حقٌ وصدقٌ سواءٌ كانَ ذلكَ من أخبارِ من قبلَهُ من الأُممِ والأنبياءِ وبَدءِ الخَلقِ أو مما أَخبَرَ بهِ عمَّا يحدُثُ في المستقبَلِ في الآخرةِ أو في هذهِ الدُّنيا فربُّنا تبارك وتعالى يقولُ في حقِّ سيدِنا محمدٍ عليه الصلاةُ والسلام: ﴿وما ينطِقُ عنِ الهَوى إن هو إلا وحيٌ يوحى﴾.
وقد قالَ صلى الله عليه وسلم: “لَتُفْتَحَنَّ القُسطَنْطِينِيَّةُ فلنعمَ الأميرُ أميرُها ولنعمَ الجيشُ ذلك الجيش”. رواهُ أحمدُ والحاكم.
لقد مدحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بحديثِهِ هذا الجيشَ الإسلاميَّ الفاتحَ وقائدَهُ السلطانَ محمد خان الثاني العثمانيَّ المعروفَ بالفاتحِ وبشَّرَ بفتحِ القسطنطينيةِ التي كانت عاصمةَ البيزنطيِّينَ فأخبرَ عن ذلكَ قبلَ حصولِهِ بما يزِيدُ على ثمانِيةِ قرونٍ من الزمنِ فكان في دخولِ المسلمينَ لهذهِ المدينةِ ظهورُ معجزةٍ أخرى لرسولِ الله محمدٍ عليه الصلاة والسلام.
لقد كانَ السلطانُ محمدُ الفاتح أحدَ السلاطينِ العثمانيينَ الذينَ كانَ فيهم كثيرٌ من الأولياءِ والصالحينَ وكان عمُرُه لمَّا جلسَ على سريرِ الملكِ تسعَ عشرةَ سنةً وخمسةَ أشهرٍ وكان حليمَ الطَّبعِ وَقُورًا جلِيلاً من أعظمِ الملوكِ جِهادًا وأقواهُم إِقدامًا وأكثرِهم توَكُّلاً على الله، ثم إنهُ حبًا بالجهادِ وحبًا في نشرِ هذا الدينِ العظيمِ طلبًا لمرضاةِ اللهِ عز وجل بدَأَ يُعِدُّ العُدةَ لفتحِ القسطنطينيةِ وكانت من أعظمِ البلدانِ وأمنعِها محصَّنةً بثلاثةِ أسوارٍ يُحيطُ بِها البحرُ من كلِّ جانبٍ إلا من طرفِها الغربي فحاصَرها مدةَ واحدٍ وخمسينَ يومًا بعد ذلكَ استطاعَ المسلمونَ دخولهَا فدخلوها بأجمعِهم وسُمِّيَتِ المدينةُ إسلامبول.
إنَّ السلطانَ محمدًا الفاتح كانَ أشعريَّ العقيدةِ والمشربِ وكانَ يُنَزِّهُ اللهَ تبارك وتعالى عنِ المكانِ والجهةِ والكيفيةِ والكميةِ والحدِ ويعتقِدُ جوازَ زيارةِ قبورِ الأنبياءِ والصالحينِ والتبركِ بآثارِهم والتوسلِ إلى اللهِ بذواتِهم الفاضلةِ شأنُهُ في ذلكَ شأنُ الكثيرينَ من الملوكِ والأمراءِ كالسلطانِ صلاحِ الدينِ الأيوبيِّ الذي أمرَ بتدريسِ العقيدةِ الأشعريةِ للاطفالِ في المدارِسِ ليحُصِّنَهُم منَ الزَّيغِ والضلالِ كما أمَرَ بقراءةِ شىءٍ مِنْ معتقَدِ الأشاعرةِ على المنائِرِ كلَّ يومٍ قبلَ أذانِ الصُّبحِ ليسمَعَ المسلمونَ مُعتقدَ أسلافِهِم الذينَ أخذوهُ كابِرًا عنْ كابِرٍ وُصولاً إلى صحابةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
هذا دأبُ الأشاعرةِ أتباعِ الإمامِ أبي الحسنِ الأشعريِّ العلمُ والعملُ كيف لا، وهم جمهورُ أهلِ السنةِ والجماعةِ وهم السوادُ الأعظمُ من المسلمينَ وما امتداحُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في حديثِهِ لفاتِحِ القسطنطينيةِ ولجيشِهِ إلا بشرى عظيمةٌ للأشاعرةِ الذي كانَ الفاتِحُ منهم ويعتقِدُ معتقدَهم ويناضِلُ عنهُ، فماذا يقولُ أدعياءُ السلفيةِ أعداءُ الدينِ الذينَ يُكفرونَ المسلمينَ، بل ماذا يفعلونَ بحديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلو كانَ الاشاعرةُ على الشركِ كما يدعي هؤلاءِ لَما مدحَ النبيُّ جيشَ الأشاعرة وأميرَه لأنهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ لا يمدحُ كافِرًا أبدًا.

شاهد أيضاً

التسوية بين الزوجات

ننتقل الآن للكلام على القَسْم بين الزوجات. والتسويةُ فى القسم بالنسبة للمبيت واجبةٌ بين الزوجات. …