المقدمة
الحَمدُ للهِ الَّذِي أَنشَأَ الخَلَائِقَ بِقُدرَتِهِ، وَأَظهَرَ فِيهِم عَجَائِبَ حِكمَتِهِ، وَدَلَّ بِآيَاتِهِ عَلَى ثُبُوتِ وَحدَانِيَّتِهِ، قَضَى عَلَى العَاصِي بِالعُقُوبَةِ لِمُخَالَفَتِهِ، ثُمَّ دَعَا إِلَى التَّوبَةِ وَمَنَّ عَلَيهِ بِقَبُولِ تَوبَتِهِ، فَأَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَسَابِقُوا إِلَى جَنَّتِهِ، يَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَيُؤتِكُم كِفلَينِ مِن رَحمَتِهِ. أَحمَدُهُ عَلَى جَلَالِ نُعُوتِهِ وَكَمَالِ صِفَتِهِ، وَأَشكُرُهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَسَوَابِغِ نِعمَتِهِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي أُلُوهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ المَبعُوثُ إِلَى جَمِيعِ بَرِيَّتِهِ، بَشِيرًا لِلمُؤمِنِينَ بِجَنَّتِهِ، وَنَذِيرًا لِلكَافِرِينَ بِنَارِهِ وَسَطوَتِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى أَبِي بَكرٍ خَلِيفَتِهِ فِي أُمَّتِهِ، وَعَلَى عُمَرَ المَشهُورِ بِقُوَّتِهِ عَلَى الكَافِرِينَ وَشِدَّتِهِ، وَعَلَى عُثَمَانَ القَاضِي نَحبَهُ فِي مِحنَتِهِ، وَعَلَى عَلِيٍّ ابنِ عَمِّه وَزَوجِ ابنَتِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ وَمَن تَبِعَهُ فِي سُنَّتِهِ، وَسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعدُ:
فقد وصلنَا في هذا الكتابِ المباركِ كتابِ رياضِ الصالحينَ إلى الحديثِ الرابع من بابٍ في الأمر بالمحافظة عَلَى السنة وآدابها، وهو الحديثُ التاسع والخمسونَ بعدَ المائةِ مِنْ كتابِ رياضِ الصالحينَ
الحديث
قال الحافظ النووي رحمه الله تعالى: الرَّابِعُ: عَنْ أَبِي مُسلِمٍ، وَقِيلَ: أَبِي إِيَّاسٍ سَلَمَةَ بنِ عَمرِو بنِ الأَكوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِشِمَالِهِ، فَقَالَ: «كُلْ بِيَمِينِكَ» قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: «لَا اسْتَطَعْتَ» مَا مَنَعَهُ إِلَّا الكِبْرُ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ. رَوَاهُ مُسلِمٌ.
الشرح والتعليق على هذا الحديث
الرَّابِعُ (أي الحديث الرابع من باب في الأمر بالمحافظة على السنة): عَنْ أَبِي مُسلِمٍ، وَقِيلَ: أَبِي إِيَّاسٍ سَلَمَةَ بنِ عَمرِو بنِ الأَكوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ (هُوَ: سَلَمَةُ بنُ عَمْرِو بنِ الأَكْوَعِ، وَاسمُ الأَكْوَعِ: سِنَانُ بنُ عَبْدِ اللهِ، أَبُو عَامِرٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ. وَيُقَالُ: أَبُو إِيَاسٍ الأَسْلَمِيُّ، الحِجَازِيُّ، المَدَنِيُّ. قِيْلَ: شَهِدَ مُؤْتَةَ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ. رَوَى: عِدَّةَ أَحَادِيْثَ. حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُهُ؛ إِيَاسٌ، وَمَوْلَاهُ؛ يَزِيْدُ بنُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبٍ، وَالحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ.
قال ابن إسحاقَ: وقد سمِعتُ أنَّ الذي كَلَّمَه الذئبُ سَلَمةُ بنُ الأكوعِ، قال سلمةُ: رأيتُ الذِّئْبَ قد أخَذ ظَبْيًا، فَطَلَبْتُه حتى نَزَعتُه منه، فقال: وَيْحَكَ! ما لي ولك؟ عَمَدتَ إِلى رِزْقٍ رَزَقَنِيهِ اللهُ، ليس مِن مالِك تَنْتَزِعُه مِنِّي؟ قال: قلتُ: أيا عبادَ اللهِ، إنَّ هذا لَعَجَبٌ، ذئبٌ يَتَكَلَّمُ، فقال الذئبُ: أعجبُ مِن هذا أنَّ النبيَّ عليه السلام في أُصُولِ النخلِ يَدْعوكم إلى عبادةِ اللهِ وتَأْبَون إلا عبادةَ الأوثانِ، قال: فلَحِقتُ برسولِ اللهِ ﷺ فأسلَمتُ.اهـ
وكان يَقُوْلُ: بَايَعْتُ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ عَلَى المَوْتِ يوم الحديبية، وَغَزَوتُ مَعَهُ سَبْعَ غَزَوَاتٍ.
وفي صحيح مسلم في حديثه الطويل أنه كان مع النبي ﷺ في صلح الحديبية، وبايعه رسولُ الله ﷺ في الحديبية ثلاث مرات في أول الناس وأوسطهم وآخرهم، وكان شجاعًا راميًا محسنًا خيِّرًا فاضلًا، وقال فيما قال: فَقَعَدَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حول البئر في الحديبية فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَصَقَ فِيهَا [أي للبركة، لتعم بركته هذا الماء] قَالَ: فَجَاشَتْ فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا [وهذا من بركته ﷺ وهي من معجزاته]،
وقال سلمة: تَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي مُهَاجِرًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ﷺ، وَفِي نَفسِ القِصَّةِ أَنَّهُ حَاصَرَ عَدَدًا مِنَ المُشرِكِينَ فِي مَعرَكَةِ ذِي قَرَدٍ وَهِيَ المَعرَكَةُ الَّتِي أَغَارَ فِيهَا بَعضُ المُشرِكِينَ عَلَى إِبلٍ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَتَصَدَّى لَهُم سَلَمَةُ بِنَفسِهِ وَوَحْدَهُ ابْتِدَاءً قَبلَ مَجِيءِ الجَيشِ، وَقَالَ سَلَمَةُ لِلمُشرِكِينَ: وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ لَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلَّا ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاهُ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، وكَانَ يَرمِي الْمُشرِكِينَ بِالنَّبلِ وَيَقُولُ لَهُمْ مُخِيفًا لَهُمْ عِندَمَا هَجَمَ عَلَيهِمْ مُدَافِعًا عَنْ إِبِلِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ … وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعِ.
وَأَرَادَ بَعضُ المُشرِكِينَ قَتلَهُ وَالتَفُّوا حَولَهُ فَقَالَ لَهُمْ: هَلْ تَعْرِفُونِي؟ قَالُوا: لَا، وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ ﷺ لَا أَطْلُبُ رَجُلًا مِنْكُمْ إِلَّا أَدْرَكْتُهُ، وَلَا يَطْلُبُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَيُدْرِكَنِي [كَانَ سَرِيعًا جِدًّا بِحَيثُ يَسبِقُ الخَيلَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَكَانَتِ العَرَبُ تَفتَخِرُ بِمَنْ كَانَ هَذَا حَالَهُ، وَهُمْ أَقِلَّةٌ كَانُوا هَكَذَا، مِنهُم سَلَمَةُ بنُ الأَكوَعِ، وَمِنَ العَرَبِ كَذَلِكَ مَنْ كَانَ يَسبِقُ الخَيلَ مِنهُم: سُلَيْك بن سُلَكَةَ السَّعدِيُّ، وَالشَّاعِرُ المَعرُوفُ المُسَمَّى تَأَبَّطَ شَرًّا، وَالشَّاعِرُ الشَّنفَرَى، وَغَيرُهُمْ]،
وَكَانَ سَلَمَةُ مَعَ جَيشِ المُسلِمِينَ الرَّاجِعِ مِنَ الحُدَيبِيَةِ لِلمَدِينَةِ فَكَانَ يَسبِقُ الجَيشَ وَقَالَ: فَوَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ ﷺ لَتَبِعْتُهُمْ أَعْدُو عَلَى رِجْلَيَّ حَتَّى مَا أَرَى وَرَائِي مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ﷺ وَلَا غُبَارِهِمْ شَيْئًا [يَعنِي أَنَّهُ كَانَ يَسبِقُ الجَيشَ فُرسَانَهُ وَمُشَاتَهُ مِنْ سُرعَتِهِ عَلَى قَدَمَيهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ حَتَّى إِنَّه لَوْ نَظَرَ خَلفَهُ لَمَا رَأَى أَحَدًا مِنْ بُعْدِ المَسَافَةِ].
وَهُوَ القَائِلُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بَعدَ غَزوَةِ ذِي قَرَدٍ: فَلَمَّا أَصْبَحْنَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: كَانَ خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ، وَخَيْرَ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ. قَالَ: ثُمَّ أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ ﷺ سَهْمَيْنِ؛ سَهْمَ الفَارِسِ وَسَهْمَ الرَّاجِلِ، فَجَمَعَهُمَا لِي جَمِيعًا [فَإِنَّهُ كَانَ يَسبِقُ الفُرسَانَ عَلَى خُيُولِهِم وَأَبلَى بَلَاءً حَسَنًا فِي المَعرَكَةِ]، ثُمَّ أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ وَرَاءَهُ عَلَى الْعَضْبَاءِ [وَهُوَ اسمُ نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ] رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ قَالَ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ لَا يُسْبَقُ شَدًّا [كَانَ صَحَابِيٌّ آخَرُ مِنْ أَسرَعِ الصَّحَابَةِ وَقَدْ سَابَقَهُ سَلَمَةُ فَسَبَقَهُ]، قَالَ: فَجَعَلَ يَقُولُ: أَلَا مُسَابِقٌ إِلَى الْمَدِينَةِ؟ هَلْ مِنْ مُسَابِقٍ؟ فَجَعَلَ يُعِيدُ ذَلِكَ. قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي وَأُمِّي ذَرْنِي فَلِأُسَابِقَ الرَّجُلَ، قَالَ: إِنْ شِئْتَ. قَالَ: قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَيْكَ، وَثَنَيْتُ رِجْلَيَّ، فَطَفَرْتُ فَعَدَوْتُ، قَالَ: فَرَبَطْتُ عَلَيْهِ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ، أَسْتَبْقِي نَفَسِي [قَالَ النَّوَوِيُّ: مَعْنَى رَبَطْتُ حَبَسْتُ نَفْسِي عَنِ الجَرْيِ الشَّدِيدِ وَالشَّرَفُ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ وَقَوْلُهُ أَسْتَبْقِي نَفَسِي بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ لِئَلَّا يَقْطَعَنِي الْبَهْرُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِجَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْأَقْدَامِ وَهُوَ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ إِذَا تَسَابَقَا بِلَا عِوَضٍ اهـ يَعنِي أَنَّهُ بَطَّأَ فِي البِدَايَةِ حَتَّى لَا يَشعُرَ بِالتَّعَبِ وَالإِرهَاقِ ثُمَّ سَبَقَهُ]، ثُمَّ عَدَوْتُ فِي إِثْرِهِ قَالَ فَأَصُكُّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، قَالَ: قُلْتُ: قَدْ سُبِقْتَ وَاللهِ، قَالَ: أَنَا أَظُنُّ، قَالَ: فَسَبَقْتُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ.اهـ
وَالحَدِيثُ بِطُولِهِ رَوَاهُ مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.اهـ
وَرُوِيَ عَن سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُوْلُ اللهِ ﷺ مِرَارًا، وَمَسَحَ عَلَى وَجْهِي مِرَارًا، وَاستَغفرَ لِي مِرَاراً، عَدَدَ مَا فِي يَدَيَّ مِنَ الأَصَابِعِ. وفي البخاري أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ ﷺ فِي البَدْوِ، فَأَذِنَ لَهُ [أَيْ أَنْ يَعِيشَ فِي البَادِيَةِ]. وروي عَنْ زِيَادِ بنِ مِيْنَاءَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٌ، وَرَافِعُ بنُ خَدِيْجٍ، وَسَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ مَعَ أَشْبَاهٍ لَهُم يُفْتُوْنَ بِالمَدِيْنَةِ، وَيُحدِّثُونَ مِنْ لَدُنْ تُوُفِّيَ عُثْمَانُ إِلَى أَنْ تُوُفُّوا.
وَعَنْ عُبَادَةَ بنِ الوَلِيْدِ: أَنَّ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ قَالَ: اذْهَبْ بِنَا إِلَى سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، فَلْنَسْأَلْهُ، فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِي أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ القُدُمِ. فَخَرَجْنَا نُرِيْدُهُ، فَلَقِيْنَاهُ يَقُودُهُ قَائِدُهُ، وَكَانَ قَدْ كُفَّ بَصَرُهُ.
وَعَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ، خَرَجَ سَلَمَةُ إِلَى الرَّبَذَةِ، وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ امْرَأَةً، فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا، وَقَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِلَيَالٍ، نَزَلَ إِلَى المَدِيْنَةِ وتوفي بها. قيل إنه تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِيْنَ. وكَانَ مِنْ أَبْنَاءِ التِّسْعِيْنَ، وَحَدِيْثُه مِنْ عَوَالِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ. رُوِيَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ سَبعَةٌ وَسَبعُونَ حَدِيثًا، اتَّفَقَا عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ، وَانفَرَدَ البُخَارِيُّ بِخَمسَةٍ، وَمُسلِمٌ بِتِسعَةٍ):
أَنَّ رَجُلًا (قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرحِهِ لِمُسلِمٍ: هَذَا الرَّجُلُ هو بُسْرُ بن رَاعِي الْعَيْرِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَبِالْمُثَنَّاةِ الْأَشْجَعِيُّ) أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِشِمَالِهِ فَقَالَ: «كُلْ بِيَمِينِكَ» (قَالَ ابنُ عَلَّانَ: أَمْرُ نَدبٍ عَلَى المُعتَمَدِ وَالدُّعَاءُ الآتِي عَلَيهِ لِقَصدِهِ مُخَالَفَةَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ، وَمَحَلُّ النَّهيِ عَنِ الأَكلِ بِالشِّمَالِ حَيثُ لَا عُذرَ يَمنَعُ مِنَ الأَكلِ بِاليَمِينِ مِنْ مَرَضٍ أَو قَطعٍ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ حِينَئِذٍ) (هُوَ الأَصلُ بِالشَّخصِ أَنْ يَأكُلَ بِاليَمِينِ وَلَكِنْ لَيسَ حَرَامًا أَنْ يَأكُلَ بِالشِّمَالِ بَل يُكرَهُ إِذَا كَانَ بِلَا عُذرٍ، وَهَكَذَا السُّنَّةُ أَنْ يَأْكُلَ بِيَمِينِهِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى أَنْ يَأْكُلَ، يَعْنِي الرَّجُلَ، بِشِمَالِهِ [حَتَّى وَإِنْ كَانَ الشَّخصُ كَمَا يَقُولُونَ عِندَنَا عَسرَاوِيًّا يُمَرِّنُ نَفسَهُ عَلَى الأَكلِ وَنَحوِهِ بِاليَمِينِ] أَوْ يَمْشِيَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ [هُوَ مَكرُوهٌ تَنزِيهًا. يُكرَهُ تَنزِيهًا أَنْ يَمشِيَ الرَّجُلُ فِي نَعلٍ وَاحِدَةٍ أَي إِنْ كَانَ بِلَا عُذرٍ].اهـ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَأكُلَ الشَّخصُ بِيَمِينِهِ، رَوَى التِّرمِذِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَعِنْدَهُ طَعَامٌ، فَقَالَ: ادْنُ يَا بُنَيَّ، فَسَمِّ اللهَ تَعَالَى وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ)، (قال النووي: اسْتِحْبَابُ تَعْلِيمِ الْآكِلِ آدَابَ الْأَكْلِ إِذَا خَالَفَهُ) (وَهَذَا فِيهِ بَيَانُ شَيءٍ مِنْ آدَابِ الأَكلِ، وَمِنْ آدَابِ الطَّعَامِ الَّتِي عَلَّمَنَا إِيَّاهَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ: التَّسمِيَةُ فِي بِدَايَةِ الطَّعَامِ، فَإِذَا نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ فِي أَوَّلِ الأَكلِ، فَليَقُلْ: بِسمِ اللهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَالأَكلُ بِاليَمِينِ، وَالأَكلُ مِنَ الجَانِبِ الَّذِي يَلِيهِ، وَالأَكلُ مِنْ جَوَانِبِ الطَّبَقِ، وَتَركُ الأَكلِ مُتَّكِئًا، وَأَلَّا يَعِيبَ طَعَامًا حَلَالًا، وَأَنْ يَكُونَ أَكلُهُ مُقَسَّمًا كَالتَّالِي ثُلُثًا لِطَعَامِهِ وَثُلُثًا لِشَرَابِهِ وَثُلُثًا لِنَفَسِهِ، وَعَدَمُ النَّفخِ فِي الأَكلِ وَالشَّرَابِ، وَعَدَمُ تَركِ اللُّقمَةِ السَّاقِطَةِ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسلِمٍ، فَإِذَا سَقَطَتْ لُقمَةٌ تُمِيطُ الأَذَى عَنهَا وَتَأكُلُهَا، وَالحَمدُ بَعدَ الطَّعَامِ. وفي الحديث: (لَا يَأْكُلُ أَحَدُكُمْ بِشِمَالِهِ وَلَا يَشْرَبُ بِشِمَالِهِ)، وَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ الْأَكْلِ بِالشِّمَالِ وَأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ مِنْ حَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَعِنْدَ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَائِشَةَ رَفَعَتْهُ: “مَنْ أَكَلَ بِشِمَالِهِ أَكَلَ مَعَهُ الشَّيْطَانُ“. الْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْمِلُ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ الْإِنْسِ عَلَى ذَلِكَ الصَّنِيعِ لِيُضَادَّ بِهِ عِبَادَ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ثُمَّ إِنَّ مِنْ حَقِّ نِعْمَةِ اللهِ وَالْقِيَامِ بِشُكْرِهَا أَنْ تُكْرَمَ وَلَا يُسْتَهَانَ بِهَا، وَمِنْ حَقِّ الْكَرَامَةِ أَنْ تَتَنَاوَلَ بِالْيَمِينِ وَتُمَيِّزَ بِهَا بَيْنَ مَا كَانَ مِنْ النِّعْمَةِ وَبَيْنَ مَا كَانَ مِنْ الْأَذَى. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَشَبَّهَ بالشَّيْطَانِ) قَالَ: لَا أَسْتَطِيعُ. قَالَ: «لَا اسْتَطَعْتَ» (قَالَ ابنُ عَلَّانَ: دُعَاءٌ عَلَيهِ لِمُخَالَفَتِهِ الحُكمَ الشَّرعِيَّ بِلَا عُذرٍ) (قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الدُّعَاءِ عَلَى مَنْ خَالَفَ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ بِلَا عُذْرٍ، وقال: فِيهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي كُلِّ حَالٍ حَتَّى فِي حَالِ الْأَكْلِ.اهـ وَالأَمرُ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ وَاجِبٌ مِن وَاجِبَاتِ الدِّينِ وَفَرضُ كِفَايَةٍ عَلَى المُسلِمِينَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: [كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ]، فَالشَّرعُ الكَرِيمُ دَعَانَا إِلَى الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ وَإِلَى إِبطَالِ البَاطِلِ وَإِحقَاقِ الحَقِّ، فَقَدْ ثَبَتَ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ حَذَّرَ مِمَّنْ غَشَّ فِي الطَّعَامِ، وَثَبَتَ عَنهُ أَيضًا أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلَينِ كَانَا يَعِيشَانِ بَينَ المُسلِمِينَ: “مَا أَظُنُّ فُلَانًا وَفُلَانًا يَعرِفَانِ مِنْ دِينِنَا شَيئًا“. وَإِذَا كَانَ الرَّسُولُ ﷺ قَالَ لِلخَطِيبِ الذِي قَالَ: “مَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعصِهِمَا فَقَد غَوَى”: “بِئسَ الخَطِيبُ أَنتَ” وَذَلِكَ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَينَ اللهِ وَالرَّسُولِ بِضَمِيرٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ لَهُ: “قُلْ: وَمَنْ يَعصِ اللهَ وَرَسُولَهُ” فَلَمْ يَسكُتْ عَنْ هَذَا الأَمرِ الخَفِيفِ الذِي لَيسَ فِيهِ كُفرٌ وَإِشرَاكٌ، فَكَيفَ يُسْكَتُ عَمَّنْ يُحَرِّفُ الدِّينَ وَيَنشُرُ ذَلِكَ بَينَ النَّاسِ، فَهَذَا أَجدَرُ بِالتَّحذِيرِ وَالتَّنفِيرِ مِنهُ.
وَلَيسَ هَذَا مِنَ الغِيبَةِ المُحَرَّمَةِ إِنَّمَا هُوَ مِنَ التَّحذِيرِ الوَاجِبِ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنتَ قَيسٍ قَالَتْ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: “يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ خَطَبَنِي مُعَاوِيَةُ وَأَبُو جَهمٍ“، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “أَمَّا أَبُو جَهمٍ فَلَا يَضَعُ العَصَا عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ، انْكِحِي أُسَامَةَ“. فَإِذَا كَانَ الرَّسُولُ حَذَّرَ فَاطِمَةَ مِنهُمَا وَذَكَرهُمَا فِي خَلفِهِمَا بِمَا يَكرَهَانِ لِهَذَينِ السَّبَبَينِ، أَحَدُهُمَا: كَوْنُ مُعَاوِيَةَ شَدِيدَ الفَقرِ لَا يَقُومُ بِحَاجَتِهَا بِأَمرِ النَّفَقَةِ، وَالثَّانِي: أَنَّ أَبَا جَهْمٍ يُكثِرُ ضَربَ النِّسَاءِ. فَكَيفَ أُنَاسٌ ادَّعَوُا العِلمَ وَغَشُّوا النَّاسَ وَجَعَلُوا الكُفرَ إِسلَامًا. وَلِهَذَا حَذَّرَ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَفصٍ الفَردِ أَمَامَ جَمعٍ وَقَالَ لَهُ: “لَقَد كَفَرتَ بِالله العَظِيمِ”. وَقَالَ فِي مُعَاصِرِهِ حَرامِ بنِ عُثمَانَ وَكَانَ يَروِي الحَدِيثَ وَيَكذِبُ: “الرِّوَايَةُ عَنْ حَرَامٍ حَرَامٌ”. وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الفُقَهَاءِ عَلَى تَغلِيطِ بَعضِهِمْ بَعضًا إِذَا غَلِطَ، حَتَّى إِنَّ إِمَامَ الحَرَمَينِ غَلَّطَ أَبَاهُ فِي غَيرِ مَسأَلَةٍ، وَأَبُوهُ مِنْ كِبَارِ أَصحَابِ الوُجُوهِ فِي مَذهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَهِيَ الطَّبَقَةُ الَّتِي تَلِي الشَّافِعِيَّ، ذَكرَ ذَلِكَ فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ. وَالغَرَضُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ حِفظُ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّهُ لَولَا تَجَنُّبُ الرُّواةِ الذِينَ لَا يَستَحِقُّونَ أَنْ يُروَى عَنهُمْ لَضَاعَ الدِّينُ) مَا مَنَعَهُ إِلَّا الكِبْرُ (التَّكَبُّرُ عَلَى عِبَادِ اللهِ مِنَ الْكَبَائِرِ وَهُوَ نَوْعَانِ أَوَّلُهُمَا رَدُّ الْحَقِّ عَلَى قَائِلِهِ مَعَ العِلْمِ بِأَنَّ الصَّوَابَ مَعَ الْقَائِلِ لِنَحْوِ كَوْنِ الْقَائِلِ صَغِيرَ السِّنِّ فَيَسْتَعْظِمُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْحَقِّ مِنْ أَجْلِ أَنَّ قَائِلَهُ صَغِيرُ السِّنِ وَثَانِيهِمَا اسْتِحْقَارُ النَّاسِ أَيِ ازْدِرَاؤُهُمْ كَأَنْ يَتَكَبَّرَ عَلَى الْفَقِيرِ وَيَنْظُرَ إِلَيْهِ نَظَرَ احْتِقَارٍ أَوْ يُعْرِضَ عَنْهُ أَوْ يَتَرَفَّعَ عَلَيْهِ فِي الْخِطَابِ لِكَوْنِهِ أَقَلَّ مِنْهُ مَالًا. وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ عَنِ التَّكَبُّرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ [سُورَةَ لُقْمَان/18] أَيْ وَلَا تُعْرِضْ عَنْهُمْ مُتَكَبِّرًا وَالْمَعْنَى أَقْبِلْ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِكَ مُتَوَاضِعًا «لِذَلِكَ الرَّسُولُ ﷺ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي دُعَائِهِ «اللهم أَحْيِنِي مِسْكِينًا» أَيْ مُتَوَاضِعًا «وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا» أَيْ مُتَوَاضِعًا «وَاحْشُرْنِي فِي زَمْرَةِ المَسَاكِين» وَلَا تُوَلِّهِمْ شِقَّ وَجْهِكَ وَصَفْحَتَهُ كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُتَكَبِّرُونَ ﴿وَلَا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا﴾ [سُورَةَ الإِسْرَاء/37] أَيْ لَا تَمْشِ مِشْيَةَ الْكِبْرِ وَالْفَخْرِ. «بَلْ وَرَدَ فِي الْحَدِيث أَنَّ هَؤُلَاءِ يُصِيبُهُم مَا يُصِيبُهُم يَوْمَ القِيَامَةَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَجْعَلُهُم بِصُوَرِ الذَّر يَطَئُهُم النَّاسُ بِأَقْدَامِهِم يَوَمَ القِيَامَةِ») (وَمِنْ شُؤمِ التَّكَبُّرِ وَمَا يَؤُولُ إِلَيهِ مَا أَخبَرَنَا بِهِ النَّبِيُّ ﷺ كَمَا فِي البُخَارِيِّ عَنْ قِصَّةِ رَجُلٍ كَانَ يَمشِي مُتَبَخْتِرًا فَأَصَابَهُ العَذَابُ، الرَّسُولُ ﷺ حَدَّثَ أَنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَ هَذِهِ الأُمَّةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ كَانَ يَمْشِى مُتَبَخْتِرًا يَنْظُرُ فِى جَانِبَيْهِ أَعْجَبَهُ ثَوْبُهُ وَشَعَرُهُ تَهْيِئَةُ شَعَرِهِ وَحُسْنُ شَعَرِهِ، بَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي مُتَبَخْتِرًا أَمَرَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ الأَرْضَ فَبَلَعَتْهُ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا. هَذِهِ الْحَادِثَةُ أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهَا عِبْرَةً حَتَّى يَعْتَبِرَ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ)
(الرَّسُولُ سَمَّى التواضع أَفْضَلَ الْعِبَادَةِ«إِنَّكُمْ لَتَغْفُلُونَ عَنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَةِ التَّوَاضُعُ»، وَقَالَ ﷺ: «مَنْ تَوَاضَعَ للهِ دَرَجَةً رَفَعَهُ اللهُ دَرَجَةً حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى عِلِّيِّـينَ»، وَقَالَ: «مَنْ تَكَبَّرَ دَرَجَةً خَفَضَهُ اللهُ دَرَجَةً حَتَّى يَبْلُغَ أَسْفَلَ سَافِلِينَ». مَن استمَرَّ عَلَى التكبُّرِ يَصِلُ إِلَى أسفلِ السَّافِلِينَ فِي الانْحِطَاطِ الْمَعْنَوِيِّ وهو الْخُسرانُ معناه هو أَخْسَرُ الْخَاسِرِينَ.
وَأَهْلُ العلمِ يَكْثُرُ الاسْتِفَادَةُ مِنْهُمْ عَلَى حَسَبِ تَوَاضُعِهِم، وبِفَقْدِ التَّوَاضُعِ أهْلُ العِلْمِ يَقِلُّ الانتفاعُ بِهمْ. فَيَنبَغِي أَن نَكُونَ عَلَى التَّوَاضُعِ وَالتَّذَلُّلِ لِبَعضِنَا البَعضِ، كَمَا وَصَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ صَحَابَةَ الرَّسُولِ ﷺ حَيثُ قَالَ: ((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ، تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا، سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ، وصفهم بأنهم رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (التَّكَبُّرُ أَحيَانًا يُوقِعُ الإِنسَانَ فِي الكُفرِ، وَهَذَا مِثلُ مَا حَصَلَ مَعَ قَارُونَ لَعَنَهُ اللهُ، كَانَ قَارُونُ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَقَدْ رَزَقَهُ اللهُ تَعَالَى سَعَةً فِى الرِّزْقِ وَكَثْرَةً فِى الأَمْوَالِ حَتَّى فَاضَتْ بِهَا خَزَائِنُهُ وَاكْتَظَّتْ صَنَادِيقُهُ بِمَا حَوَتْهُ مِنْهَا فَلَمْ يَعُدْ يَسْتَطِيعُ حَمْلَ مَفَاتِيحِهَا مَجْمُوعَةٌ مِنَ الرِّجَالِ الأَقْوِيَاءِ وَكَانَ يَعِيشُ بَيْنَ قَوْمِهِ عِيشَةَ التَّرَفِ فَكَانَ يَلْبَسُ المَلَابِسَ الْفَاخِرَةَ وَلا يَخْرُجُ إِلَّا فِى زِينَتِهِ وَيَسْكُنُ الْقُصُورَ وَيَخْتَارُ لِنَفْسِهِ الْخَدَمَ وَالْعَبِيدَ وَيَسْتَمْتِعُ بِمَلَذَّاتِ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ. لَكِنْ قَارُونُ لَمْ يَكُنْ عَبْدًا شَكُورًا فَبَدَلًا مِنْ أَنْ يُطِيعَ اللهَ أَخَذَ يَغْتَرُّ بِنَفْسِهِ وَيَتَكَبَّرُ عَلَى قَوْمِهِ وَيَفْتَخِرُ بِكَثْرَةِ مَا ءَاتَاهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ الأَمْوَالِ وَالْكُنُوزِ فَنَصَحَهُ النُّصَحَاءُ مِنْ قَوْمِهِ وَوَعَظُوهُ وَنَهَوْهُ عَنْ فَسَادِهِ وَبَغْيِهِ وَلَكِنَّهُ أَجَابَهُمْ جَوَابَ مُغْتَرٍّ مَفْتُونٍ مُسْتَكْبِرٍ مُدَّعِيًا أَنَّهُ لا يَحْتَاجُ إِلَى نَصَائِحِهِمْ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ مَالَهُ بِعِلْمِهِ وَفَضْلِهِ مُعْتَقِدًا عَلَى زَعْمِهِ أَنَّ اللهَ يُحِبُّهُ وَلِذَلِكَ أَعْطَاهُ الْمَالَ الْكَثِيرَ. وَيُرْوَى أَنَّهُ عِنْدَمَا أُنْزِلَتْ فَرْضِيَّةُ الزَّكَاةِ عَلَى سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ أَخْبَرَ قَوْمَهُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ لِقَارُونَ مُذَكِّرًا إِيَّاهُ بِتَقْوَى اللهِ وَحَقِّهِ عَلَيْهِ إِنَّ عَلَى كُلِّ أَلْفِ دِينَارٍ دِينَارًا وَعَلَى كُلِّ أَلْفِ دِرْهَمٍ دِرْهَمًا فَحَسَبَ قَارُونُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاةٍ فَاسْتَكْثَرَهُ فَشَحَّتْ نَفْسُهُ فَكَفَرَ بِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ.
ثُمَّ جَمَعَ قَارُونُ بَعْضَ مَنْ يَثِقُ بِهِمْ مِنْ أَتْبَاعِهِ وَقَالَ لَهُمْ إِنَّ مُوسَى أَمَرَكُمْ بِكُلِّ شَىْءٍ فَأَطَعْتُمُوهُ وَهُوَ الآنَ يُرِيدُ أَخْذَ أَمْوَالِكُمْ فَقَالُوا لَهُ مُرْنَا بِمَا شِئْتَ. قَالَ ءَامُرُكُمْ أَنْ تُحْضِرُوا سِبَرْتَا العَاصِيَةَ فَتَجْعَلُوا لَهَا أُجْرَةً عَلَى أَنْ تَزْعُمَ أَنَّ مُوسَى أَرَادَ الزِّنَى بِهَا وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَأَرْسَلُوا لَهَا طَسْتًا مِنْ ذَهَبٍ مَمْلُوءًا قِطَعًا ذَهَبِيَّةً. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ لَهُمْ أَتَى قَارُونُ لَعَنَهُ اللهُ إِلَى سَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ مُتَظَاهِرًا بِالْوِدِّ فَقَالَ لَهُ إِنَّ قَوْمَكَ قَدِ اجْتَمَعُوا لَكَ لِتَأْمُرَهُمْ وَتَنْهَاهُمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ نَبِىُّ اللهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ لَهُمْ مَنْ سَرَقَ قَطَعْنَا يَدَهُ وَمَنْ زَنَى وَهُوَ غَيْرُ مُتَزَوِّجٍ جَلَدْنَاهُ وَإِنْ تَزَوَّجَ وَزَنَى رَجَمْنَاهُ حَتَّى يَمُوتَ. فَقَالَ لَهُ قَارُونُ وَإِنْ كُنْتَ أَنْتَ. قَالَ مُوسَى أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ إِنَّنِى لا أَقْرَبُ هَذِهِ الفَوَاحِشَ. فَقَالَ لَهُ قَارُونُ إِنَّ بَنِى إِسْرَائِيلَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ فَجَرْتَ بِـسِبَرْتَا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلامُ ادْعُوهَا فَلَمَّا جَاءَتْ اسْتَحْلَفَهَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ بِاللهِ الَّذِى فَلَقَ الْبَحْرَ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ أَنْ تَصْدُقَ فَتَدَارَكَهَا اللهُ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ فَتَابَتْ وَتَبَرَّأَتْ مِمَّا نَسَبُوا إِلَى مُوسَى وَقَالَتْ كَذَبُوا بَلْ جَعَلَ لِى قَارُونُ أُجْرَةً عَلَى أَنْ أَتَّهِمَكَ بِالزِّنَى فَسَجَدَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ وَدَعَا اللهَ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَأَوْحَى اللهُ تَعَالَى إِلَيْهِ مُرِ الأَرْضَ بِمَا شِئْتَ فَإِنَّهَا مُطِيعَةٌ لَكَ. وَفِى الْيَوْمِ التَّالِى خَرَجَ قَارُونُ كَعَادَتِهِ فِى مَوْكِبٍ كَبِيرٍ يَضُمُّ ءَالافَ الْخَدَمِ وَالْحَشَمِ وَقَدْ تَزَيَّنَتْ ثِيَابُهُمْ بِالذَّهَبِ وَالْجَوَاهِرِ وَرَكِبُوا عَلَى بِغَالِهِمْ وَأَفْرَاسِهِمْ وَهُوَ يَتَقَدَّمُهُمْ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ زَيَّنَهَا وَقَدِ ارْتَدَى أَجْمَلَ ثِيَابِهِ وَأَفْخَرَهَا مَزْهُوًّا بِنَفْسِهِ مُتَطَاوِلًا وَالنَّاسُ عَلَى الْجَانِبَيْنِ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ بِدَهْشَةٍ وَمِنْهُمْ مَنِ اغْتَرَّ بِهِ فَقَالَ هَنِيئًا لِقَارُونَ إِنَّهُ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ مَالٌ وَجَاهٌ. فَلَمَّا سَمِعَهُمْ بَعْضُ الصَّالِحِينَ مِنْ قَوْمِهِمْ نَصَحُوهُمْ أَنْ لا يَغْتَرُّوا بِزَهْرَةِ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا غَرَّارَةٌ.
وَقِيلَ إِنَّ قَارُونَ مَرَّ فِى مَسِيرِهِ عَلَى مَجْلِسٍ لِسَيِّدِنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فَأَوْقَفَ الْمَوْكِبَ وَخَاطَبَهُ قَائِلًا يَا مُوسَى أَمَا لَئِنْ كُنْتَ فُضِّلْتَ عَلَىَّ بِالنُّبُوَّةِ فَلَقَدْ فُضِّلْتُ عَلَيْكَ بِالمَالِ وَلَئِنْ شِئْتَ فَاخْرُجْ فَادْعُ عَلَيَّ وَأَدْعُو عَلَيْكَ فَخَرَجَ سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ ثَابِتَ الْقَلْبِ مُتَوَكِّلًا عَلَى رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبَدَأَ قَارُونُ بِالدُّعَاءِ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ وَدَعَا سَيِّدُنَا مُوسَى وَقَالَ اللهم مُرِ الأَرْضَ فَلْتُطِعْنِى الْيَوْمَ فَاسْتَجَابَ اللهُ لَهُ فَقَالَ مُوسَى يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ فَأَخَذَتِ الأَرْضُ قَارُونَ الْمَلْعُونَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَتْبَاعِهِ الْخُبَثَاءِ إِلَى أَقْدَامِهِمْ ثُمَّ قَالَ يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ فَأَخَذَتْهُمْ إِلَى رُكَبِهِمْ ثُمَّ إِلَى مَنَاكِبِهِمْ ثُمَّ قَالَ أَقْبِلِى بِكُنُوزِهِ وَأَمْوَالِهِ فَاهْتَزَّتِ الأَرْضُ تَحْتَ دَارِهِ وَمَا فِيهَا مِنْ أَمْوَالٍ ثُمَّ أَشَارَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ بِيَدِهِ فَقَالَ يَا أَرْضُ خُذِيهِمْ فَابْتَلَعَتْهُمْ جَمِيعًا.
وَلَمَّا حَلَّ بِقَارُونَ مَا حَلَّ مِنْ خَسْفِ الأَرْضِ وَذَهَابِ الأَمْوَالِ وَخَرَابِ الدَّارِ وَخَسْفِهَا نَدِمَ مَنْ كَانَ تَمَنَّى مِثْلَ مَا أُوتِىَ وَشَكَرُوا اللهَ تَعَالَى الَّذِي لَمْ يَجْعَلْهُمْ كَقَارُونَ طُغَاةً مُتَجَبِّرِينَ مُتَكَبِّرِينَ فَيَخْسِفَ بِهِمُ الأَرْضَ)
(التَّكَبُّرُ أَحيَانًا يُثنِي وَيُبعِدُ البَعضَ عَنِ الرُّجُوعِ عَنِ الخَطَأِ إِذَا وَقَعَ فِيهِ، كَمْ وَكَمْ مِنَ الأَشخَاصِ عَرَفنَاهُمْ أَخطَؤُوا فَمَنَعَهُم كِبْرُهُمْ أَنْ يَرجِعُوا إِلَى الصَّوَابِ وَبَقُوا عَلَى فَسَادِهِم حَتَّى هَلَكُوا وَالعِيَاذُ بِاللهِ، جَبَلَةُ بنُ الأَيهَمِ وَاحِدٌ مِنهُم، كَانَ مَلِكَ نَصَارَى العَرَبِ فِي الجَاهِلِيَّةِ وَأَدرَكَ الإِسلَامَ وَأَسلَمَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فَقَدْ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُعلِمُهُ بِإِسلَامِهِ وَيَستَأذِنُهُ فِي الوُفُودِ عَلَيهِ فَسُرَّ بِذَلِكَ هُوَ وَالمُسلِمُونَ فَكَتَبَ إِلَيهِ عُمَرُ: أَنْ أَقدِمْ فَلَكَ مَا لَنَا وَعَلَيكَ مَا عَلَينَا، ثُمَّ حَضَرَ المَوسِمَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَبَينَا هُوَ يَطُوفُ بِالبَيتِ إِذْ وَطِىءَ عَلَى إِزَارِهِ رَجُلٌ مِنْ فَزَارَةَ فَحَلَّه، فَالتَفَتَ إِلَيهِ جَبَلَةُ مُغضَبًا وَلَطَمَهُ فَهَشَمَ أَنفَهُ فَاستَعدَى عَلَيهِ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَبَعَثَ إِلَيهِ يَقُولُ مَا دَعَاكَ إِلَى أَنْ لَطَمْتَ أَخَاكَ فَهَشَمْتَ أَنفَهُ؟ قَالَ إِنَّهُ وَطِئَ إِزَارِي فَحَلَّهُ فَلَولَا حُرمَةُ البَيتِ لَأَخَذتُ الذِي فِيهِ عَينَاهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَمَّا أَنتَ فَقَدْ أَقرَرتَ فَإِمَّا أَنْ تُرضِيَهُ وَإِلَّا أَقَدْتُهُ مِنكَ. قَالَ أَتُقِيدُهُ مِنِّي وَأَنَا مَلِكٌ وَهُوَ سُوقَةٌ؟ قَالَ عُمَرُ: يَا جَبَلَةُ إِنَّهُ قَد جَمَعَكَ وَإِيَّاهُ الإِسلَامُ فَمَا تَفضُلُهُ إِلَّا بِالعَافِيَةِ. قَالَ: وَاللهِ لَقَد رَجَوتُ أَنْ أَكُونَ فِي الإِسلَامِ أَعَزَّ مِنِّي فِي الجَاهِلِيَّةِ. قَالَ عُمَرُ: هُوَ ذَاكَ فَقَالَ جَبَلَةُ: أَخِّرْنِي إِلَى غَدٍ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ قَالَ: ذَلِكَ لَكَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيلُ خَرَجَ هُوَ وَأَصحَابُهُ فَلَمْ يَلبَثْ أَنْ دَخَلَ قُسطَنطِينِيَّةَ عَلَى هِرَقلَ فَتَنَصَّرَ، فَأَعظَمَ قُدُومَهُ وَسُرَّ بِهِ وَأَقطَعَهُ الأَموَالَ وَالأَرَضِينَ وَالرِّبَاعَ. وَكَانَ جَبَلَةُ بَعدَ ذَلِكَ يَقُولُ وَهُوَ فِي القُسطَنطِينيَّةِ:
تَنَصَّرتِ الأَشرَافُ مِنْ عَارِ لَطمَةٍ ***** وَمَا كَانَ فِيهَا لَو صَبَرْتُ لَهَا ضَرَرْ
تَكَنَّفَنِي مِنهَا لَجَاجٌ وَنَخوَةٌ ***** وَبِعْتُ لَهَا العَيْنَ الصَّحِيحَةَ بِالعَوَرْ
فَيَا لَيتَ أُمِّي لَمْ تَلِدْنِي وَلَيتَنِي ***** رَجَعتَ إِلَى القَولِ الذِي قَالَهُ عُمَرْ
وَيَا لَيتَنِي أَرعَى المَخَاضَ بِقَفرَةٍ ***** وَكُنتُ أَسِيرًا فِي رَبِيعَةَ أَوْ مُضَرْ)
وَهَذَا الحَدِيثُ فِيهِ إِشَارَةٌ وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعضَ الصَّحَابَةِ قَدْ يَقَعُ بِمَعصِيَةٍ كَمَا حَصَل مَعَ هَذَا الصَّحَابِيِّ الذِي صَدَرَ مِنهُ الكِبرُ، وَلَكِنْ يَنبَغِي عَلَينَا أَنْ نَنتَبِهَ لِمَسلَكِ التَّوَسُّطِ وَالاعتِدَالِ فَنَحنُ أَهلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ لَا نَقُولُ بِتَضلِيلِ وَمَسَبَّةِ الصَّحَابَةِ وَلَا بِتَكفِيرِهِمْ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، وَلَا نَقُولُ كَذَلِكَ بِأَنَّهُمْ جَمِيعًا لَا يَقَعُ مِنْ أَحَدِهِم مَعصِيَةٌ بِالمَرَّةِ، فَقَدْ ثَبَتَتِ المَعصِيَةُ مِنْ بَعضِهِم كَبَعضِ الصَّحَابَةِ الذِينَ أَقَامَ النَّبِيُّ عَلَيهِمْ حَدَّ القَذفِ أَو حَدَّ شُربِ الخَمرِ، فَكُلُّ هَذَا حَدَثَ فِي الصَّحَابَةِ لَكِنْ لَا نَقُولُ بِتَضلِيلِهِم فَهُمْ نَقَلَةُ الشَّرِيعَةِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وحُبُّنَا لِلصَّحَابَةِ لَا يَعنِي أَنَّنَا نَرفَعُهُم لِدَرَجَةِ الأَنبِيَاءِ وَلَا نَقُولُ بِعِصمَتِهِم، كَمَنْ يَقُولُ بِعِصمَةِ أَئِمَّتِهِ مِنْ بَعضِ الفِرَق)
وَالَّذِي يُبْغِضُ كُلَّ الصَّحَابَةِ يَكْفُرُ. «قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي عَقيدَتِهِ” وَبُغْضُهُم كُفْرٌ وَنِفَاقٌ وَطُغْيَانٌ” الْمُرَادُ بِهَذَا بُغْضُ جَمِيعِهِمْ فَمَنْ أَبْغَضَ جَمِيعَ الْصَّحَابَةِ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَا يَعْنِي مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَبْغَضَ وَاحِدً يَكُونُ كَافِرًا وَلَاسيَّمَا إِنْ كَانَ بُغْضُهُ لِبَعْضٍ لِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ».
(وَأُرِيدُ التَّأكِيدَ هُنَا وَالتَّنوِيهَ وَالتَّذكِيرَ بِأُمُورٍ مِنهَا: الوَسَطِيَّةُ وَالِاعتِدَالُ فِي نَقلِ الشَّرِيعَةِ وَالِالتِصَاقُ بِحُكمِ الشَّرعِ، وَعَدَمُ الِانسِيَاقُ لِلعَوَاطِفِ الْمَائِلَةِ عَنِ الصَّوَابِ وَعَدَمِ الِانسِيَاقِ وَرَاءَ الشِّعَارَاتِ الَّتِي يَرفَعُهَا البَعضُ لِمُجَرَّدِ رَفعِهَا، نَحنُ أَهلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ مَاذَا نُعَلِّمُ، نُعَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بُغضُ الصَّحَابَةِ، فَالعُلَمَاءُ بَيَّنُوا لَنَا مَعصِيَةً مِنَ المَعَاصِي الَّتِي قَدْ تَصِلُ بِالشَّخصِ إِلَى الكُفرِ وَهِيَ بُغضُ الصَّحَابَةِ، فَإِذَا أَبغَضَهُمْ كُلَّهُم كَفَرَ، بِهَذِهِ القُيُودِ، وَلَا نَفعَلُ كَمَا فَعَلَ البَعضُ، بِزَعمِهِم أَحَبُّوا عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَبَعضُهُم أَلَّهَهُ وَبَعضُهُمُ اعتَبَرَهُ أَفضَلَ مِنْ أَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ وَبَعضُهُمْ قَالَ فِيهِ إِنَّهُ أَولَى بِالرِّسَالَةِ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، وَلَا نَقُولُ كَذَلِكَ بِبُغضِ الصَّحَابَةِ كَمَا فَعَلَ الخَوَارِجُ أَبغَضُوا عَلِيًّا وَغَيرَهُ وَكَفَّرُوهُ وَقَتَلُوهُ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى، وَلَيسَ مَعنَى مَحَبَّةِ عَلِيٍّ أَنْ تُبغِضَ أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ وَعَائِشَةَ، وَلَيسَ مَعنَى مَحَبَّةِ أَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ أَنْ تُبغِضَ عَلِيًّا وَالعِيَاذُ بِاللهِ، فَالجَمعُ سَهلٌ لَكِنْ عَلَى مَنْ وَفَّقَهُ اللهُ تَعَالَى، فَالصَّحَابَةُ الكِرَامُ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ هُمْ مِنْ رُمُوزِ أُمَّةِ الإِسلَامِ بَعدَ النَّبِيِّ ﷺ، هَؤُلَاءِ الأَفَاضِلُ الَّذِينَ اخْتَارَهُمُ اللهُ تَعَالَى لِصُحبَةِ خَاتمِ أَنبِيَائِهِ، فَسَارُوا عَلَى هَديِ القُرآنِ الكَرِيمِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ العَظِيمِ، فَكَانُوا كَوكَبَةً مُنِيرَةً قَالَ فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “خَيرُ النَّاسِ قَرنِي، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الذِينَ يَلُونَهُمْ”، رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَنِي، وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابًا، فَجَعَلَهُمْ لِي وُزَرَاءَ وَأَنْصَارًا وَأَصْهَارًا، فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.
هَذَا هَديُ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ وَمَا عَلَّمَنَا إِيَّاهُ عَنْ صَحَابَتِهِ الكِرَامِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ بِمَا يَشمَلُ آلَهُ الذِينَ كَانُوا فِي حَيَاتِهِ، وَهُوَ الذِي بَشَّرَ بِالجَنَّةِ مَنْ شَهِدَ بَدرًا وَالحُدَيبِيَةَ وَمَنْ بَايَعَ تَحتَ الشَّجَرَةِ وَبَشَّرَ عَشَرَةً مِنَ الصَّحَابَةِ بِالِاسمِ، فَنَشهَدُ بِمَا شَهِدَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ لَا نَحِيدُ عَنْ هَذَا أَبَدًا.
وَيَقُولُ رَبُّنَا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى آمِرًا بِالأُخُوَّةِ وَالِاعتِصَامِ بِحَبلِهِ المَتِينِ: {وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [سورة آل عمران: آية 103] وَيَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ وَاعِظًا أَصحَابَهُ: “قَد تَرَكتُكُمْ عَلَى البَيضَاءِ لَيلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنهَا بَعدِي إِلَّا هَالِكٌ، فَمَنْ يَعِشْ مِنكُمْ فَسَيَرَى اختِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيكُمْ بِمَا عَرَفتُمْ مِنْ سُنَّتِي، وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ المَهدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيهَا بِالنَّوَاجِذِ” رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ.
وَمِمَّا قَالَهُ النَّبِيُّ ﷺ فِي الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ: «رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَنِيَ ابْنَتَهُ، وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الهِجْرَةِ، وَأَعْتَقَ بِلَالًا مِنْ مَالِهِ، رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، يَقُولُ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا، تَرَكَهُ الحَقُّ وَمَا لَهُ صَدِيقٌ، رَحِمَ اللَّهُ عُثْمَانَ، تَسْتَحْيِيهِ المَلَائِكَةُ، رَحِمَ اللَّهُ عَلِيًّا، اللَّهُمَّ أَدِرِ الحَقَّ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ». رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَضلِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَنَّ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللهِ ﷺ المِنبَرَ فَحَمِدَ اللهَ تَعَالَى وَأَثنَى عَلَيهِ ثُمَّ قَالَ: “مَا لِي أَرَاكُمْ تَختَلِفُونَ فِي أَصحَابِي؟ أَمَا عَلِمتُمْ أَنَّ حُبِّي وَحُبَّ أَهلِ بَيتِي وَحُبَّ أَصحَابِي فَرَضَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى أُمَّتِي إِلَى يَومِ القِيَامَةِ؟” ثُمَّ قَالَ: “أَينَ أَبُو بَكرٍ؟” قَالَ: هَا أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: “ادْنُ مِنِّي” فَضَمَّهُ إِلَى صَدرِهِ وَقَبَّلَ بَينَ عَينَيهِ، وَرَأَينَا دُمُوعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ تَجرِي عَلَى خَدِّهِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ بِأَعلَى صَوتِهِ: “مَعَاشِرَ المُسلِمِينَ هَذَا أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ، هَذَا شَيخُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ، هَذَا صَاحِبِي صَدَّقَنِي حِينَ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَآوَانِي حِينَ طَرَدُونِي وَاشتَرَى لِي بِلَالًا مِنْ مَالِهِ فَعَلَى مُبغِضِهِ لَعنَةُ اللهِ وَلَعنَةُ اللَّاعِنِينَ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنكُمُ الغَائِبَ” ثُمَّ قَالَ: “اجْلِسْ يَا أَبَا بَكرٍ” ثُمَّ قَالَ ﷺ: “أَينَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ؟” فَوَثَبَ إِلَيهِ عُمَرُ فَقَالَ: هَا أَنَذَا يَا رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: “ادْنُ مِنِّي” فَدَنَا مِنهُ فَضَمَّهُ إِلَى صَدرِهِ وَقَبَّلَ بَينَ عَينَيهِ، وَرَأَينَا دُمُوعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ تَجرِي عَلَى خَدِّهِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ بِأَعلَى صَوتِهِ: “مَعَاشِرَ المُسلِمِينَ هَذَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، هَذَا شَيخُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ، هَذَا الَّذِي أَمَرَنِي اللهُ أَنْ أَتَّخِذَهُ ظَهِيرًا وَمُشِيرًا يَقُولُ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا هُوَ الذِي لَا يَخَافُ فِي اللهِ لَومَةَ لَائِمٍ هُوَ الَّذِي يَفرَقُ الشَّيطَانُ مِنْ شَخصِهِ هُوَ سِرَاجُ أَهلِ الجَنَّةِ، فَعَلَى مُبغِضِهِ لَعنَةُ اللهِ وَلَعنَةُ اللَّاعِنِينَ ثُمَّ قَالَ: “أَينَ عُثمَانُ بنُ عَفَّانَ؟” فَوَثَبَ عُثمَانُ وَقَالَ: هَا أَنَذَا يَا رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: “ادْنُ مِنِّي” فَدَنَا مِنهُ فَضَمَّهُ إِلَى صَدرِهِ وَقَبَّلَ بَينَ عَينَيهِ، وَرَأَينَا دُمُوعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ تَجرِي عَلَى خَدِّهِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ بِأَعلَى صَوتِهِ: “مَعَاشِرَ المُسلِمِينَ هَذَا عُثمَانُ بنُ عَفَّانَ، هَذَا شَيخُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ، هَذَا الذِي أَمَرَنِي اللهُ أَنْ أَتَّخِذَهُ سَنَدًا وَخَتَنًا عَلَى ابنَتَي وَلَوْ كَانَ عِندِي ثَالِثَةٌ لَزَوَّجْتُهَا إِيَّاهُ هَذَا الذِي اسْتَحيَتْ مِنهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ فَعَلَى مُبغِضِهِ لَعنَةُ اللهِ وَلَعنَةُ اللَّاعِنِينَ” ثُمَّ قَالَ: “أَينَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ؟” فَوَثَبَ إِلَيهِ وَقَالَ: هَا أَنَذَا يَا رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: “ادْنُ مِنِّي” فَدَنَا مِنهُ فَضَمَّهُ إِلَى صَدرِهِ وَقَبَّلَ بَينَ عَينَيهِ، وَرَأَينَا دُمُوعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ تَجرِي عَلَى خَدِّهِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ بِأَعلَى صَوتِهِ: “مَعَاشِرَ المُسلِمِينَ هَذَا شَيخُ المُهَاجِرِينَ، هَذَا أَخِي وَابنُ عَمِّي وَخَتَنِي هَذَا لَحمِي وَدَمِي وَشَعَرِي هَذَا أَبُو السِّبطَينِ الحَسَنِ وَالحُسَينِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهلِ الجَنَّةِ هَذَا مُفَرِّجُ الكَربِ عَنِّي هَذَا أَسَدُ اللهِ وَسَيفُهُ فِي أَرضِهِ عَلَى أَعدَائِهِ فَعَلَى مُبغِضِهِ لَعنَةُ اللهِ وَلَعنَةُ اللَّاعِنِينَ وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنكُمُ الغَائِبَ” ثُمَّ قَالَ: “اجْلِسْ يَا أَبَا الحَسَنِ” خَرَّجَهُ أَبُو سَعدٍ فِي شَرَفِ النُّبُوَّةِ وَأَورَدَهُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الخَضِرِ المُلَّا المَوصِلِيُّ) فِي وَسِيلَةِ المُتَعَبِّدِينَ بِتَمَامِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ) فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ (وفي رواية: «فَمَا وَصَلَتْ يَمِينُهُ إِلَى فِيهِ بَعدُ») (وَهَذَا فِيهِ إِجَابَةُ دَعوَةِ الرَّسُولِ ﷺ فَورًا، فَالنَّبِيُّ ﷺ مُجَابُ الدَّعوَةِ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا لِلنَّبِيِّ ﷺ فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ: [مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا يُسَارِعُ فِي هَوَاكَ)، قَالَ ابنُ حَجَرٍ: أَيْ مَا أَرَى اللَّهَ إِلَّا مُوجِدًا لِمَا تُرِيدُ بِلَا تَأْخِيرٍ، مُنْزِلًا لِمَا تُحِبُّ وَتَخْتَارُ.اهـ
وَقَد لَا يَدعُو نَبِيُّنَا رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَمرٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَدعُوَ فَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ حَاطِبِ بنِ أَبِي بَلتَعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَهُوَ مَنْ أَرسَلَهُ رَسُولُنَا ﷺ إِلَى المُقَوقِسِ مَلِكِ القِبطِ فِي مِصرَ فقَالَ لَهُ المُقَوقِسُ: إِنِّي سَأُكَلِّمُكَ بِكَلَامٍ وَأُحِبُّ أَنْ تَفْهَمَهُ مِنِّي قَالَ: قُلْتُ: هَلُمَّ، قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ صَاحِبِكَ أَلَيْسَ هُوَ نَبِيٌّ، قُلْتُ: بَلَى هُوَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: فَمَا لَهُ حَيْثُ كَانَ هَكَذَا لَمْ يَدْعُ عَلَى قَوْمِهِ حَيْثُ أَخْرَجُوهُ مِنْ بَلَدِهِ إِلَى غَيْرِهَا، قَالَ: فَقُلتُ عِيسَى بنُ مَرْيَمَ أَلَيْسَ تَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، فَمَا لَهُ حَيْثُ أَخَذَهُ قَوْمُهُ فَأَرَادُوا أَنْ يَغْلِبُوهُ أَي يَقتُلُوهُ أَلَّا يَكُونَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُهْلِكَهُمُ اللهُ عز وجل حَتَّى رَفَعَهُ اللهُ الى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: أَنْتَ حَكِيمٌ جَاءَ مِنْ عِنْدِ حَكِيمٍ هَذِهِ هَدَايَا أَبْعَثُ بِهَا مَعَكَ إِلَى مُحَمَّدٍ قَالَ: فَأَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ ثَلَاثَ جَوَارٍ مِنْهُنَّ أُمُّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَوَاحِدَةٌ وَهَبَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ لِأَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ وَوَاحِدَةٌ وَهَبَهَا لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ.اهـ). رَوَاهُ مُسلِمٌ.اهـ