المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحَمدُ للهِ اللَّطِيفِ الرَّؤُوفِ الْعَظِيمِ الْمَنَّانِ، الْحَلِيمِ الْكَرِيمِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ، الْمَوْجُوْدِ أَزَلًا وَأَبَدًا بِلَا جِهَةٍ وَلَا زَمَان.
جَلَّ عَنْ شَرِيكٍ وَوَلَدٍ، وَعَزَّ عَنِ الاحْتِيَاجِ إِلَى أَحَدٍ، وَتَقَدَّسَ عَنْ نَظِيرٍ وَانْفَرَدَ، وَعَلِمَ مَا يَكُونُ وَأَوْجَدَ مَا كَانَ.
أَنْعَمَ عَلَى الأُمَّةِ بِتَمَامِ إِحْسَانِهِ، وَعَادَ عَلَيْهَا بِفَضْلِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَجَعَلَ شَهْرَهَا هَذَا مَخْصُوصًا بِعَمِيمِ غُفرَانِهِ، ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾.
أَحْمَدُهُ عَلَى مَا خَصَّنَا بِهِ فِيهِ مِنَ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى بُلُوغِ الآمَالِ وَسُبُوغِ الإِنْعَامِ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ الَّذِي لا تُحِيطُ بِهِ الْعُقُولُ وَالأَوهَامُ،
وَأَنَّ مُحَمَّدًا أَفْضَلُ خَلْقِهِ وَبَرِيَّتِهِ، الَّذِي انْشَقَّ لَيْلَةَ وِلادَتِهِ الإِيوَانُ.
مَنْ بِسِيْرَتِهِ تَتَعَطَّرُ الْمَجَالِسُ، وَتَرْتَاحُ الْقُلُوْبُ وَتُشَنَّفُ الْآذَانُ.
صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَفِيقِهِ فِي الْغَارِ، وَعَلَى عُمَرَ فَتَّاحِ الأَمْصَارِ، وَعَلَى عُثْمَانَ شَهِيدِ الدَّارِ، وَعَلَى عَلِيٍّ ابنِ عَمِّهِ وَكَاشِفِ غَمِّهِ سَيِّدِ الشُّجْعَانِ، وَعَلَىْ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ.
أَمَّا بَعْدُ: قالَ اللهُ تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
فَضَّلَ اللهُ تعالى بِحِكمَتِهِ بعضَ الشُّهورِ على بعضٍ، وذلكَ لِيُقبِلَ العبادُ إلى إِعمَارِ تلكَ الأيامِ بالتَّعَبُّدِ والنَّيلِ مِن فضائِلِها،
وها نَحنُ فِي أفضلِ الشهورِ على الإطلاقِ، إنهُ شَهرُ رمضانَ، فيهِ يُشَمِّرُ العابدُون ويتنافَسُ المتنافِسُون ويُقبِلُ المُتَّقُون على طاعةِ ربِّهِم عز وجل، وقد أَمَرَنا الشرعُ الحنيفِ بتقوى اللهِ فِي جميعِ الأحوالِ، وقَصدِ رِضَا رَبِّنَا بجميعِ الأقوالِ والأفعالِ في كل أيامِ العامِ؛ فإِيَّاكُم ومعصِيَتَهُ فإنَّها سَبَبُ الطَّرد والنَّكَالِ، وهذا رمضانُ شهرُ التوبةِ والإقلاعِ، والجِدِّ والإسراعِ؛ أنزلَ اللهُ فيهِ كرِيمَ ذِكرهِ، وخصَّهُ بلَيلَةِ قَدرِهِ.
فَطُوبَى لِامْرِئٍ أحسنَ الصيامَ والقيامَ، وحَمَى جوارِحَهُ عن مَوارِد الآثامِ، وأمسَكَ عن فُضُولِ الكلامِ، ولم يَنطِقْ إلا بذكرِ اللهِ، وذلك مِمَّا يُتأكَّدُ أكثرَ في رمضانَ، فهَنِيئًا لمَنِ اغتنَم الخيرَاتِ خيرَ اغتِنامٍ، وبُؤسًا وتَعسًا وبُعدًا لِامرِئٍ ظَلَمَ نفسَهُ بتَركِ صيامِهِ أو غَفَلَ عنِ الصَّلواتِ أكثرَ أيَّامِهِ، أو سوَّدَ صحِيفتَه بأَكلِ حرامِهِ، مُتَّخِذًا لهُ راحَةً زائلَةً مزعومَةً في الدنيَا، وتنعَّمَ وتفنَّنَ بالمَآكِلِ والمشَارِبِ بالحَرَامِ، لَا والله ليسَ هذا حالَ الفائِزِ بأَعَالِي المراتِبِ والدرجاتِ، وإنَّما الفائزُ مَن جرَّدَ نفسَهُ للطاعةِ، وخَلَعَ ثيابَ الرَّاحةِ الدُّنيَوِيَّةِ الزائلَةِ، واشتغَلَ بالخيرَاتِ ليلَهُ ونهارَهُ.
روى النَّسائِيُّ عن أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ أنهما كانا يَقُولَانِ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ يَوْمًا فَقَالَ: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ“، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَكَبَّ، فَأَكَبَّ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا يَبْكِي لَا نَدْرِي عَلَى مَاذَا حَلَفَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فِي وَجْهِهِ الْبُشْرَى، فَكَانَتْ أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ، ثُمَّ قَالَ: “مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَيَصُومُ رَمَضَانَ وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَقِيلَ لَهُ: ادْخُلْ بِسَلَامٍ“.اهـ
كلُّ هذا يُرشِدُنا إلى أنَّ رمضانَ فرصَةٌ لا تُعَوَّضُ، رمضانُ لن تَجِدَ شهرًا في السنةِ مثلَهُ،
قال ابنُ الجوزيِّ: تَاللَّهِ لَوْ قِيلَ لِأَهْلِ الْقُبُورِ تَمَنَّوْا لَتَمَنَّوْا يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ. اهـ وذلك لِمَا عايَنُوا مِنَ الأجرِ المُعَدِّ للصائمِ،
وقالَ ابنُ الجوزيِّ أيضًا مُتَعَجِّبًا سائلًا مخاطِبًا المُقَصِّرِين المضيِّعِينَ لساعاتِ رمضانَ ودقائِقِهِ:
أَنْتَ فِي رَمَضَانَ كَمَا كُنْتَ فِي صَفَرٍ، إِذَا خَسِرْتَ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَمَتَى تَرْبَحُ، وَإِذَا لَمْ تسافر فيهِ نحوَ الْفَوَائِدِ فَمَتَى تَبْرَحُ، يَا مَنْ إِذَا تَابَ نَقَضَ، يَا مَنْ إِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، يَا مَنْ إِذَا قَالَ كَذَبَ، كَمْ ستَرَ اللهُ عليكَ مِن مَعْصِيَةٍ، كَمْ غُطِّيْتَ عَلَى مُخْزِيَةٍ. اهـ
وَقَد قِيلَ:
يَا ذَا الَّذِي مَا كَفَاهُ الذَّنْبُ فِي رَجَبٍ *** حَتَّى عَصَى رَبَّهُ فِي شَهْر شَعْبَانِ
لَقَدْ أَظَلَّكَ شَهْرُ الصَّوْمِ بَعْدهُمَا *** فَلَا تُصَيِّرْهُ أَيْضًا شَهْرَ عِصْيَانِ
وَاتْلُ القُرَانَ وَسَبِّحْ فِيهِ مُجْتَهِدًا *** فَإِنَّهُ شَهْرُ تَسْبِيحٍ وَقُرْآنِ
كَمْ كُنْتَ تَعْرِفُ مِمَّنْ صَامَ فِي سَلَفٍ *** مَنْ بَيْنِ أَهْلٍ وَجِيرَانٍ وَإخْوَانِ
أَفْنَاهُمُ الْمَوْتُ واسْتبقاكَ بَعْدَهُمُ *** حَيًّا فَمَا أَقْرَبَ القَاصِي مِنَ الدَّانِي
هنيئًا لكُم معاشِرَ المسلمينَ بهذا الشهرِ العظيمِ، فما أعظمَهُ وما أكثَرَ بركاتِهِ، قالَ عنهُ حبيبُنَا ﷺ فيما رواهُ ابنُ عساكِرَ وابنُ الجوزيِّ وغيرُهمَا: “إِنَّ الْجَنَّةَ لَتُنَجَّدُ وَتُزَيَّنُ مِنَ الْحَوْلِ إِلَى الْحَوْلِ لِدُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هَبَّتْ رِيحٌ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ يُقَالُ لَهَا الْمُثِيرَةُ فَتَصْفِقُ وَرَقَ أَشْجَارِ الْجَنَّاتِ وَحِلَقَ الْمَصَارِيعِ فَيُسْمَعُ لِذَلِكَ طَنِينٌ لَمْ يَسمَعِ السَّمَّاعُونَ أَحسَنَ مِنهُ، فَيُشرِقْنَ الْحُورُ الْعِينُ حَتَّى يَقِفْنَ عَلَى شَجَرِ الْجَنَّةِ، فَيُنَادِينَ: هَلْ مِنْ خَاطِبٍ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُزَوِّجَهُ؟، ثُمَّ يَقُلْنَ: يَا رِضْوَانُ مَا هَذِهِ اللَّيْلَةُ؟ فيَقُولُ: يَا خَيْرَاتٌ حِسَانٌ، هَذِهِ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَتُفتَحُ فِيهَا أَبوَابُ الجَنَّاتِ لِلصَّائِمِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ (بِكَلَامٍ لَيسَ حَرفًا وَلَيسَ صَوتًا وَلَيسَ لُغَةً) يَا رِضوَانُ افتَحْ أَبْوَابَ الْجِنَانِ، يَا مَالِكُ أَغْلِقْ أَبْوَابَ الْجَحِيمِ عَنِ الصَّائِمِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، يَا جِبْرِيلُ اهْبِطْ إِلَى الأَرْضِ فَصَفِّدْ مَرَدَةَ الشَّيَاطِينِ وَغُلَّهُمْ فِي الأَغْلَالِ حَتَّى لَا يُفْسِدُوا عَلَى أُمَّةِ حَبِيبِي صِيَامَهُمْ“،
قَالَ: “ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ [أي يَقُولُ ملَكٌ مُبَلِّغٌ عنِ اللهِ تعالى]: هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ سُؤْلَهُ؟، هَلْ مِنْ تَائِبٍ فَأَتُوبَ عَلَيْهِ؟، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟“.
وَفِي رِوَايَةٍ عندَ ابنِ أبِي الدنيا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: “فَيَنْظُرْنَ الْحُورُ الْعِينُ إِلَى ذَلِكَ، فَيَقُلْنَ: رَبِّ اجْعَلْ لَنَا مِنْ عِبَادِكَ فِي هَذَا الشَّهْرِ أَزْوَاجًا تُقِرُّ أَعْيُنَنَا بِهِمْ، وَتُقِرُّ أَعْيُنَهُمْ بِنَا“، قَالَ: “فَمَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ رَمَضَانَ إِلَّا زُوِّجَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فِي خَيْمَةٍ مِنْ دُرَّةٍ مُجَوَّفَةٍ، كَمَا نَعَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾،
عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ سَبْعُونَ حُلَّةً، لَيْسَ مِنْهَا حُلَّةٌ عَلَى لَوْنِ الْأُخْرَى، وَتُعْطَى سَبْعِيْنَ لَوْنًا مِنَ الطِّيبِ، لَيْسَ مِنْهَا لَوْنٌ عَلَى رِيحِ الْآخَرِ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سَرِيرٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، مُوَشَّحٍ بِالدُّرِّ، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ فِرَاشًا بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ، وَفَوْقَ السَّبْعِينَ فِرَاشًا سَبْعُونَ أَرِيكَةً، وَيُعْطَى زَوْجُهَا مِثْلَ ذَلِكَ، عَلَى سَرِيرٍ مِنْ يَاقُوتٍ أَحْمَرَ، عَلَيْهِ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ مُوَشَّحٍ بِيَاقُوتٍ أَحْمَرَ، هَذَا لِكُلِّ يَوْمٍ صَامَهُ مِنْ رَمَضَانَ، سِوَى مَا عَمِلَ مِنَ الْحَسَنَاتِ“.
مَا أجمَلَ هذَا الكلامَ وما أعذَبَهُ وأرقَّهُ، وما أعظمَ رحمةَ اللهِ بعبادِهِ، فبِعملٍ قليلٍ، بصيامِ يومٍ واحدٍ مِن رمضانَ يَجزِي عبدَهُ كلَّ هذَا النَّعِيمِ والثوابِ المُقيمِ الذي لا يُمَلُّ منهُ في الآخرةِ.
مَن عرفَ هذهِ الفضائِلَ فإنهُ لا يُضَيِّعُ لَحظَةً واحدِةً مِن رمضانَ، بلْ ويشغَلُ أوقاتَهُ بطاعَةِ مولَاهُ عز وجل،
وبعدَ كلِّ هذَا أقولُ: أَلَا راغِبٌ فيمَا أَعَدَّهُ اللهُ للطَّائعِينَ في الجِنانِ؟ أَلَا طالبٌ لِمَا أَخبَرَ بهِ رسولُنَا الكريمُ ﷺ مِنَ النَّعيمِ المُقِيمِ، معَ أنَّهُ ليسَ الخَبَرُ كالعِيانِ؟.
مَن يُرِدْ مُلْكَ الجِنَانِ *** فَليَدَعْ عَنهُ التَّوَانِي
وَليَقُمْ فِي ظُلمَةِ اللَّيلِ إِلَى نُورِ القُرَانِ
وَليَصِلْ صَومًا بِصَومٍ *** إِنَّ هَذَا العَيشَ فَانِي
إِنَّمَا العَيشُ طِيبُ العَيشِ فِي دَارِ الأَمَانِ
وإنَّنَا إذَا نَظَرْنَا إِلَى العِبَادَاتِ، وَإِلى مِفتاحِ الخيراتِ، وإلى ما نَشغَلُ به الأوقَاتَ فِي سيِّدِ الشهورِ رمضانَ، لمْ نَجِدْ أَنفَسَ وَلَا أَعلَى ولا أَعظَمَ ولا أَرقَى ولَا أَنبَلَ ولا أَرفَعَ مِن عِلمِ الدينِ مَنزِلَةً عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ،
قالَ أهلُ العِلمِ والفضلِ قَبلَنَا: تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ، فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ للَّهِ خَشْيَةٌ، وَطَلَبَهُ عِبَادَةٌ، وَمُدَارَسَتَهُ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لأَهْلِهِ قُرْبَةٌ، وَهُوَ الأَنِيسُ فِي الْوَحْدَةِ، وَالصَّاحِبُ فِي الْخَلْوَةِ، فَمَنْ تَعَلَّمَ وَعَلَّمَ وَعَمِلَ فَذَلِكَ يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ، فأَيُّ شَيْءٍ أَدْرَكَ مَنْ فَاتَهُ الْعِلْمُ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ فَاتَ مَنْ أَدْرَكَ الْعِلْمَ؟.
وقد قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ: طَالِبُ الْعِلْمِ، وَطَالِبُ الدُّنْيَا، وَهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ، أَمَّا طَالِبُ الْعِلْمِ فَيَزْدَادُ رِضًا مِنَ الرَّحْمَنِ، وَأَمَّا طَالِبُ الدُّنْيَا فَيَزْدَادُ فِي الطُّغْيَانِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾، وَقَرَأَ: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ﴾.اهـ
وروى الطبرانيُّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى مَجْلِسَيْنِ، أَحَدُهُمَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ، وَالْآخَرُ يَتَعَلَّمُونَ الْفِقْهَ، وَيَدْعُونَ اللَّهَ وَيَرْغَبُونَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: “كِلَا الْمَجْلِسَيْنِ عَلَى خَيْرٍ، وَأَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْآخَرِ، أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيَدْعُونَ اللَّهَ، فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَيَتَعَلَّمُونَ وَيُعَلِّمُونَ الْجَاهِلَ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا، فَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ“، ثُمَّ جَلَسَ مَعَهُمْ.اهـ
وَقِيلَ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ: إِلَى مَتَى يَحْسُنُ لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَعَلَّمَ؟، قَالَ: مَا دَامَ يَقْبُحُ عَلَيْهِ الْجَهْلُ يَحْسُنُ لَهُ التَّعَلُّمُ.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّه قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَا لِي أَرَى عُلَمَاءَكُمْ يَذْهَبُونَ وَجُهَّالَكُمْ لَا يَتَعَلَّمُونَ، تَعَلَّمُوا قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، فَإِنَّ رَفْعَ الْعِلْمِ ذَهَابُ الْعُلَمَاءِ.اهـ
وَذُكِرَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ اخْتَلَفُوا هَلِ العلمُ أفضلُ مِنَ المالِ أمِ المالُ أفضلُ مِنَ العلمِ؟، فَبَعَثُوا رَجُلًا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: الْعِلْمُ أَفْضَلُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: إِنْ سَأَلُونِي عَنِ الْحُجَّةِ مَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟ قَالَ: قُلْ لَهُمْ: إِنَّ الْعِلْمَ مِيرَاثُ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْمَالَ مِيرَاثُ الْفَرَاعِنَةِ وغيرِهِم، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ يَحْرُسُكَ، وَأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ أي النافع المعين على التقوى لَا يُعْطِيهِ اللَّهُ إِلَّا مَنْ يُحِبُّهُ، وَالْمَالَ يُعْطِيهِ اللَّهُ لِمَنْ أَحَبَّهُ وَلِمَنْ لَا يُحِبُّهُ، بَلْ يُعْطِي عادةً لِمَنْ لَا يُحِبُّهُ أَكْثَرَ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِ اللَّهِ عز وجل: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾، وَلِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَنْقُصُ بِالْبَذْلِ وَالنَّفَقَةِ، وَالْمَالُ يَنْقُصُ بِالْبَذْلِ وَالنَّفَقَةِ، وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ إِذَا مَاتَ انْقَطَعَ ذِكْرُهُ، وَالْعَالِمَ إِذَا مَاتَ فَذِكْرُهُ بَاقٍ، وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يُسْأَلُ عَنْ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ؟ وَأَيْنَ أَنْفَقَهُ؟ وَصَاحِبَ الْعِلْمِ لَهُ بِكُلِّ حَدِيثٍ دَرَجَةٌ فِي الْجَنَّةِ.اهـ
ولأجلِ كلِّ ما ذَكَرتُ وغيرِهِ فقد عوَّدنَاكُم في جمعيَّتِكُم المباركَةِ هذهِ كلَّ سنةٍ وفي كلِّ المَوَاسمِ على مدارِ العامِ وخصوصًا في رمضانَ أن نخُصَّهُ بعُنوانِ خيرٍ وبركةٍ وعوَّدناكُم أن تشغَلُوا لياليَ رمضانَ وأيامَه بمجالسِ العلمِ وتَعَلُّمِ كتابِ اللهِ وتعليمِهِ للصِّغَارِ والكبارِ وتَعَلُّمِ أبوابِ الشريعةِ المباركةِ،
وإنَّ مِن أفضلِ ما نشغلُ أوقاتَنَا بهِ في هذَا الشهرِ العظيمِ مجالسَ علمِ الدينِ ومُذَاكرةَ مسائِلِهِ والتفَكُّرَ في أحوالِ نبيِّنَا ﷺ كيفَ كانَ في رمضانَ وفي غيرِهِ وفي حالِ مَن قبلَنَا كيفَ صامُوا وقامُوا وعَمِلُوا وقَدَّمُوا لآخرَتِهِم، وأعظمُ مَا تطيبُ ألسِنَتُنَا بذكرِهِ ومُذاكَرَةِ سيرَتِهِ في هذهِ الأيامِ الفضيلَةِ سيدُنَا محمدٌ ﷺ،
وكُنَّا قبلَ سنواتٍ قد تكلَّمنَا بِشَيءٍ مِن سيرتِهِ العطرَةِ وسيرَةِ خلفائِهِ الراشدِينَ الهُداةِ المرضيِّينَ رضي اللهُ عنهم أجمَعِينَ وسيرةِ علماءِ الأمَّةِ الأربعةِ العاملينَ رضي الله عنهم وغيرِ ذلكَ،
وفي هذهِ السنةِ نشرحُ متنًا مِن مُتُونِ السيرةِ الشريفةِ المؤلَّفَةِ بينَ الفقهاءِ، وسَنَمُرُّ على كثير منه بإذنِ اللهِ تعالى، والمقصودُ هوَ سردُ حوادِثِ السيرةِ النبوِيَّةِ، فصاحِبُ هذهِ السيرةِ الشريفَةِ هو سيدُ الناسِ خَلْقًا وَخُلُقًا، وكلُّ ما ذَكَرنَا مِن سيرَتِكَ يا رسولَ اللهِ إنَّمَا هو نقطةٌ رَشَفنَاهَا مِن هذا البحرِ الواسعِ مِنَ الأخلاقِ والفضائِلِ والشمائلِ والمزايَا والصِّفَاتِ الحميدَةِ، بل لِيَطِيبَ المجلِسُ بذِكرِكَ وتَطِيبَ الألسُنُ بالصلاةِ عليكَ، فنحنُ في أشرفِ الأشهُرِ وأنتَ أشرَفُ الرجالِ فإذَا اجتَمَعَ هذَا وهذَا فإنَّنَا نرجُو ببركَةِ ذلكَ السلامةَ في الدَّارَينِ ونرجُو معَ ذلكَ مرافقتَكَ وأصحابَكَ في جناتِ النعيمِ في دَارٍ خَيْرٍ مِن هذهِ الدنيا الفانيَةِ الزائلَةِ.
وإننا بِتَعَلُّمِ سيرَتِهِ الشريفةِ ﷺ نَتَعَلَّمُ مِن حِلمِهِ وعَفوِهِ وصَفحِهِ وصَبرِهِ وشُكرِهِ ولِينِهِ في اللهِ، وأنَّهُ لم يَغضَبْ لنَفسِهِ، وأنَّهُ جاءَ بإتمامِ مكارمِ الأخلاقِ، ونتعلَّمُ مِن خشُوعِهِ وخضوعِهِ، وتواضُعِهِ في مأكلِهِ ومشرَبِهِ ومسكَنِهِ، وجميلِ عِشرَتِهِ، وكريمِ خَلِيقَتِهِ، وحُسنِ سَجِيَّتِهِ، ونُصحِهِ لأمتِهِ، وحِرصِهِ على إيمانِ عشِيرَتِهِ، وقيامِهِ بأعبَاءِ رسالتِهِ، ورأفتِهِ بالمؤمنِينَ ورحمتِهِ، وشدَّتِهِ على الكافرِينَ، ومجاهدَتِهِ في نُصرَةِ دينِ اللهِ وإِعلَاءِ كلمتِهِ، ومَا لقِيَهُ مِن أذَى قومِهِ وغيرِهم في وطنِهِ وغُربَتِهِ،
وتَعَلُّمُ كلِّ هذَا مِن سيرَةِ سيدِ الخلقِ محمدٍ ﷺ يُقَدِّمُ الأمةَ ولا يُؤَخِّرُهَا ولا سِيَّمَا في هذهِ الأيامِ التي شَحَّت وقَلَّت فيهَا مكارِمُ الأخلاقِ بينَ الناسِ، لأنَّ نشرَ العلاجِ بينَ الناسِ يُحتَاجُ لهُ زيادَةً في الأيامِ التي كَثُرَت فيهَا الأمراضُ، ونحنُ صِرنَا إلى أيامٍ تكثُرُ فيها الأمراضُ الأخلاقِيَّةُ في المجتمعاتِ، لذلكَ ينبَغِي أن نَنشُرَ العلاجَ.
وإنَّ بحرَ أخلاقِ محمدٍ ﷺ عمدةٌ لمن رجعَ إليهِ، وكفايةٌ لمن عَوَّلَ عليهِ، وعُدَّةٌ في الوسائِلِ، وقُربةٌ للجَميلِ مِنَ الخصائلِ، ونجاةٌ في الدارَينِ،
فالمَرجُوَّ مِن فضلِ اللهِ ذِي المَنِّ والجُودِ أنْ يُوَفِّقَنَا للحديثِ عَن أعظَمِ ما وردَ في سِيرَتِهِ ﷺ. وَلَقد قِيلَ:
مِنَ النَّاسِ بَينَ النَّاسِ مَا سَارَ سَائِرٌ *** أَجَلُّ وَأَعْلَى قِمَّةً مِن مُحَمَّدِ
وَمَا وَطِئَتْ رِجلَانِ هَامَةَ أَرْضِنَا *** أَجَلُّ وَأَهْدَى هِمَّةً مِن مُحَمَّدِ
وَمَا حَمَلَتْ مِن نَاقَةٍ فَوْقَ كُورِهَا *** أَعَزَّ وَأَوْفَى ذِمَّةً مِن مُحَمَّدِ
وَمَا مِنْ إِمَامٍ أَمَّهُ النَّاسُ بُرْهَةً *** أَبَرَّ وَأَرْبَى أُمَّةً مِن مُحَمَّدِ
وتَعَلُّمُ سيرَتِهِ وطَرِيقتِهِ وأحوالِ حياتِهِ الشريفَةِ ﷺ يُعِينُ على حُسنِ اتِّباعِهِ،
ولهذَا السَّببِ سنَشرَح في هذا الموسِمِ العظِيمِ والشهرِ الكريمِ شهرِ رمضانَ المباركِ هذهِ السيرةَ العطرَةَ ليجتَمِعَ لنَا فضلُ استِغلالِ الأوقاتِ في رمضانَ وفضلُ دراسةِ السيرَةِ الشريفَةِ التي تشتَمِلُ على فَيضِ العلومِ والمعارِفِ والفضائِلِ ومكارِمِ الأخلاقِ.
وسنشرحُ مقتطفاتٍ من كتابِ ألفيَّةِ السيرةِ النبويةِ المسمَّى بنَظمِ الدُّرَرِ السَّنِيَّةِ الزَّكِيَّةِ للإمام أبي الفَضلِ زينِ الدينِ العراقِيِّ رحمَهُ اللهُ تعالى، مَعَ ذكرِ جملةٍ مِنَ الفوائدِ والقَصَصِ والتوجيهَاتِ والمسائلِ العقَائِدِيَّةِ والفِقهِيَّةِ إن شاءَ اللهُ تعالى مِمَّا يُحتَاجُ لَهُ.
شرح الأبيات – مقدمة الألفية
بسم الله الرحمن الرحيم
ابتَدَأَ رحمةُ اللهِ عليهِ بالبسملةِ اقتداءً بالقرآنِ الكريمِ، فإنَّها آيةٌ مِن كلِّ سورَةٍ في القرآنِ الكريمِ سوَى سورَةِ براءَةٌ، فإنَّه يَحْرُمُ ابتدَاؤُها بالبسملةِ، ومعناه أبتدئُ فعليَ هذا ذاكرًا لِاسمِ الله الأعظَمِ المُفردِ مستعِينًا به فِي عَمَلِي.
فأنتَ عندما تعبدُ اللهَ وتبدأُ مستعينًا بهِ تتوجَّهُ بالعبادةِ إلى الإلهِ الخالقِ، المستحقِّ للعبادَةِ القادرِ على كلِّ شيءٍ الذي ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ الذي لا يشبِهُ خلقَهُ بأَيِّ وجهٍ مِنَ الوجُوهِ لا في ذاتِهِ ولا في صفاتِهِ، فذاتُه لا يشبِهُ الذواتِ ولا صفاتُه تشبهُ الصِّفَاتِ، وذاتُهُ ليسَ جسمًا مُركبًا مَحصُورًا في جهةٍ ومكانٍ كذَوَاتِ المخلوقينَ، بل إنَّه عزَّ وجلَّ ليسَ جسمًا ولا يشبهُ الأجسامَ، لا يحويهِ مكانٌ ولا يجري عليهِ زمانٌ، فَهُمَا مِنْ خَلقِهِ وهُوَ غنيٌّ عَنِ العالمين، مهما تصورتَ ببالكَ فاللهُ بخلافِ ذلكَ،
وللبَسمَلَةِ فضلٌ عَظِيم وَأَسرَارٌ كَثِيرَةٌ لَا يُحصِيهَا إِلَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ،
فقد قالَ الفقهاءُ: إنَّ مَن قَرَأَهَا عِندَ النَّومِ إِحدَى وَعِشرِينَ مَرَّةً آمَنَهُ اللهُ تِلكَ اللَّيلَةَ مِن شَرِّ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ وَمِنَ السَّرِقَةِ وَيُدفَعُ عَنهُ كُلُّ بَلَاءٍ، ومِنهَا أنَّهَا إِذَا تُلِيَت فِي أُذُنِ المَصرُوعِ خَمسِينَ مَرَّةً أَفَاقَ لِوَقتِهِ، وَمِنهَا أنَّهَا إِذَا تُلِيَت فِي ءَاخِرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِحدَى وَعِشرِينَ مَرَّةً يُيَسَّرُ تَالِيهَا لِفِعلِ الخَيرِ، وَيُيَسَّرُ عَلَيهِ كُلُّ عَسِيرٍ، وغيرُ ذلكَ مِنَ الأمورِ الكثيرةِ التي يَطُولُ حصرُهَا.
يَقُولُ رَاجِيْ مَنْ إِلَيْهِ الْمَهْرَبُ *** عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ الحُسَينِ الْمُذْنِبُ
(يَقُولُ رَاجِيْ مَنْ إِلَيْهِ الْمَهْرَبُ): مَعنَاهُ يقُولُ ناظِمُ هذِهِ الأبياتِ الذي يُؤَمِّلُ عَفوَ اللهِ الغُفورِ الإلهِ الّذي ينبغِي أن يكونَ إليهِ التَّضَرُّعُ وغايَةُ التَّذَلُّلِ والِالتِجَاءُ.
فقد وردَ في الحديثِ: “لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ“، أي لا مَخلَصَ ولا مَلاذَ مِن عُقُوبَتِكَ إلَّا إلى رَحمَتِكَ، فكأَنَّ الناظمَ هُنَا يشِيرُ إلى أنهُ يَطلُبُ بهذَا النَّظمِ وهذا العملِ رِضا اللهِ وعفوَهُ وثوابَهُ والخلَاصَ مِن عقوبتِهِ.
(عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ الحُسَينِ): هذا اسمُهُ هُوَ مؤلِّفُ هذا الكتابِ الإمامُ الحافِظُ العِراقِيُّ واسمُهُ زَينُ الدِّينِ أبو الفَضلِ عبدُ الرَّحيمِ بنُ الحسَينِ العِراقِيُّ.
العِرَاقِيُّ الأصلِ الكُردِيُّ المِصريُّ الشافعيُّ.
وُلِدَ في الحادِي والعِشرِينَ مِن جُمادَى الأُولى مِن سنَةِ سَبعِمائةٍ وخمسٍ وعِشرِينَ هِجريَّةٍ بمُنشأَةِ المِهرَانِيِّ على شاطِئِ النِّيلِ، ونَشأَ في بيتِ فَضلٍ وعلِمٍ وصَلاحٍ، فأبُوه كان مُلَازِمًا لبعضِ الصالحِينَ وأُمُّهُ كانتْ معروفةً بالعِبادةِ والصّلاحِ.
واهتَمَّ الحافِظُ العِراقيُّ بالعِلمِ ودأَبَ على تَحصِيلِهِ، فحَفِظَ القرءانَ الكرِيمَ وعدَدًا مِن مُتونِ الفِقهِ وَالحديثِ عِندَ بُلوغِه الثّامِنةَ مِن عُمرِهِ، واشتَغل بعلومِ الشّرِيعةِ، فتعلَّمَ الحديثَ الشّريفَ حتّى غلَبَ عليهِ، وتَوغَّلَ فيه فصَارَ حافِظَ وَقتِهِ، ثُمّ رَحَلَ مُتَنَقِّلًا بين بُلدانٍ كثيرةٍ، فرحَل إلى مكّةَ والمدينةِ والإِسكِندِرِيَّةِ وحِمصَ وغَزَّةَ وغيرِها مِنَ البِلَادِ.
ولازمَ الحافظُ العِراقيُّ شيخَهُ الحافِظَ صلاحَ الدِّينِ العلائيَّ وأخذَ عنه عِلمَ الحديثِ، وأخذَ الفِقه وأُصوله عَن الجَمالِ الإِسنَوِيِّ، وكانَ الإِسنَوِيُّ يُثنِي على العراقِيِّ وفَهمِهِ للفِقهِ ويَستحسِنُ كلامَه في الأُصولِ ويُصغِي لمَبَاحثِهِ فيهِ ويقول: إنّ ذِهنَهُ صَحِيحٌ.
ومِن أشهَرِ تَلامِذةِ الحافظِ العِراقيِّ: الحافظُ نورُ الدِّينِ الهيثميُّ، رفيقُهُ وصِهرُهُ، صاحبُ كتابِ «مَجمَعِ الزّوائِدِ»، وولَدُهُ الحافظُ وليُّ الدّينِ أبو زُرعةَ العِراقيُّ. والعلّامةُ الحافظُ أحمدُ بنُ حَجَرٍ العسقلَانيُّ، صاحبُ كتابِ «فَتحِ البارِي شَرحِ صَحِيحِ البُخارِي».
وقد ترَكَ الحافظُ الزّينُ العراقيُّ مُصنَّفاتٍ كثيرةً، منها: المُغنِي عن حَملِ الأَسفَارِ في الأَسفَارِ في تخريجِ ما في الإحياءِ مِنَ الأخبارِ، والتّبصِرةُ والتّذكِرةُ في مصطلَحِ الحديثِ، و«نَظمُ الدُّرَرِ السَّنِيَّةِ في السِّيَرِ الزَّكِيَّةِ» وهي الألفيَّةُ الأُرجوزَةُ الّتي سنشرَحُ مقتطَفَاتٍ منها في شهرِنَا هذا إن شاءَ الله تعالَى، وغيرُهَا الكثيرُ.
وأمَّا عقيدَتُهُ رضي اللهُ عنه فالحافظُ زينُ الدينِ العراقيُّ ينزِّهُ اللهَ عنِ الجهةِ والمكانِ فقد روى حديثَ النبيِّ ﷺ: “الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحِيمُ ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ“. أَوْرَدَهَا الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي أَمَالِيِّهِ
فهذه الرواية فسرت رواية التِّرْمِذِيِّ وهي: “الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمٰنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ“،
لِأَنَّ خَيْرَ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الْحَدِيثُ الْوَارِدُ بِالْوَارِدِ،
كَمَا قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي أَلْفِيَّتِهِ: وَخَيْرُ مَا فَسَّرْتَهُ بِالْوَارِدِ،
ثُمَّ الْمُرَادُ بِأَهْلِ السَّمَاءِ الْمَلائِكَةُ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي أَمَالِيِّهِ عَقِيبَ هَذَا الْحَدِيثِ، لِأَنَّهُ لا يُقَالُ لِلَّهِ “أَهْلُ السَّمَاءِ“.
وكانَ رحمهُ اللهُ يُجِيزُ زيارَةَ قبورِ الأنبياءِ عليهِمُ الصلاةُ والسلامُ، فقد قالَ ابنُهُ الحافظُ أبو زرعَةَ العراقيُّ: وكانَ والدِي رحمهُ اللهُ مسافِرًا معَ بعضِ أدعيَاءِ الحنابلةِ في التوجُّهِ إلى بَلَدِ الخليلِ عليهِ السلامُ فلمَّا دنَا مِنَ البلدِ قالَ مُدَّعِيْ الحَنبَلِيَّةِ: نوَيتُ الصلاةَ في مسجدِ الخليلِ، لِيَحتَرِزَ بزعمهِ عن شَدِّ الرحلِ لزيارَةِ الخليلِ، قالَ -أي الحافظُ الزينُ العراقيُّ-: فقلتُ : نويتُ زيارةَ قبرِ الخليلِ عليه السلامُ، ثمَّ قلتُ لهُ: أمَّا أنتَ فقد خالَفتَ النبيَّ صلى الله عليه وسلمَ لأنَّه قالَ: “لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ“، وقد شدَدتَ الرحلَ إلى مسجِدٍ رابعٍ، وأمَّا أنا فاتَّبَعْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لأنهُ قالَ : “زُورُوا القُبُورَ“، أَفَقَالَ إِلَّا قبورَ الأَنبِيَاءِ؟ قال: فبُهِتَ، قلتُ: ويدلُّ على أنهُ ليسَ المرادُ إِلَّا اختصاصُ هذهِ المساجدِ بفضلِ الصلاةِ فيهَا وأنَّ ذلك لم يَرِد في سائِرِ الأَسفَارِ”.اهـ
وتوُفِّيَ الحافظُ الزّينُ العراقيُّ رحمَهُ اللهُ عَقِبَ خُروجِهِ مِنَ المُغتسَلِ يومَ الأربعَاءِ الثّامِنَ مِن شَعبانِ سَنةِ سِتٍّ وثَمانِمِائَةٍ مِنَ الهِجرةِ (806هـ) وقَد عَمَّرَ إحدَى وثمانِينَ سنَةً، وكانت جِنازَتُه مَشهودَةً، ودُفِن خارِجَ القاهِرةَ رحمه الله ورضيَ عنه وجزاهُ اللهُ خيرًا.
(المُذنِبُ): وَصَفَ الحافظُ العراقيُّ نَفسَه بأنّهُ مذنِبٌ أي عاصٍ هضْمًا لنفسِهِ وتواضُعًا منه رحمهُ اللهُ تعالى.
وإلَّا فقد كانَ هو معروفًا بالصلاحِ والتقوى، لكنْ هذهِ عادةُ الصالحينَ، دائمًا ما يَتَّهِمُونَ أنفُسَهُم ويصفُونَ أنفسَهُم بالتقصيرِ تواضُعًا منهم رضي اللهُ عنهم، لأنَّ الذي يتَّهِمُ نفسَهُ بالتقصيرِ هذا يدفعُهُ إلى الزيادةِ مِن عملِ الطاعاتِ.
يروى عن أحدِ الصالحينَ أنهُ قال لرجُلٍ: يا فلانُ، تواضَعْ للهِ، فإنَّهُ مَن تواضَعَ للهِ تعالى في الدنيَا رفعَهُ يومَ القيامةِ، فالمُتواضِعُ مَعَ إخوانِهِ مرتبتُهُ عاليةٌ عند اللهِ، والمُتكبرُ هذا في قلبِهِ شيءٌ، في قلبِهِ مرضٌ.
وقد كانَ المصطفَى ﷺ أشدَّ الناسِ تواضُعًا، فقد جَاءَتْ إِلَيه امرأةٌ فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَالَ: “اجْلِسِي فِي أَيِّ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ شِئْتِ أَجْلِسْ إِلَيْكِ” [أَي لِيَقضِيَ لها حاجَتَهَا]، وهذا مِن تواضُعِهِ ﷺ، فقد كان يَعُودُ الْمَرِيضَ، وَيَشْهَدُ الْجَنَائِزَ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ، وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الْعَبْدِ، وَكَانَ أصحابُهُ إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يَقُومُوا لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ، وكان يَخِيطُ ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ.
أَحْـمَـدُ رَبِّـيْ بِـأَتَـمِّ الحَـمْـدِ *** وَلِـلـصَّــلَاةِ وَالسَّــلَامِ أُهْـدِيْ
أي أُثنِي على اللهِ سبحانَهُ وتعالى بأَكمَلِ الثّناءِ باللِّسانِ على ما أنعمَ بهِ علَيَّ مِن غيرِ وجوبٍ عليهِ سُبحانَه.
فالنَّاظمُ يُشِيرُ بهذا إلى أنَّ اللهَ هوَ المتفضِّلُ عليهِ بِنِعَمِهِ، ومِن جملةِ نِعَمِ اللهِ عليه أنْ أقدَرَهُ اللهُ تعالى على هذا النَّظمِ، فاللهُ هو الذي عَلَّمَهُ هذَا العِلمَ وخلَقَ فيهِ القُدرةَ على حِفظِهِ وضَبطِهِ، وَهُوَ الذي أقدَرَهُ على عَمَلِ هذا النظمِ، لأنَّ أعمالَ العبادِ كلَّها بخلقِ الله سبحانَهُ وتعالى الخيرَ منها والشَّرَّ، فالعبدُ لا يخلُقُ شيئًا.
(وَلِلصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أُهْدِيْ): أي وبَعدَ حَمدِ اللهِ عزَّ وجلَّ فإنّي أُهدِي الصلاةَ والسلامَ مَعًا أي أجعلُهُمَا هَدِيَّةً إلى رسولِ اللهِ ونبيِّهِ وصَفِيِّهِ وخَيرِ خَلْقِهِ سيِّدِ الأوّلِينَ والآخرِينَ محمّدٍ ﷺ.
كما ذَكَرَ في البيتِ الذي بعدَهُ. ومعنى الصّلاةِ مِنّا على النّبيِّ محمَّدٍ ﷺ دُعاءٌ أنْ يزِيدَ اللهُ تعالَى محمَّدًا شرفًا وتعظيمًا ورِفعةً، ومعنى السّلامِ في أصلِ اللُّغةِ الأمانُ، فيكونُ المعنى أنَّنَا ندعُو اللهَ تعالى أنْ يعطِيَ سيدَنَا محمدًا ﷺ الأمانَ مِمَّا يخافُهُ على أمَّتِهِ.
إِلَـى نَـبِـيِّـهِ وَأَرْجُـوْ اللهَ *** فِي نُـجْـحِ مَا سُـئِـلْـتُـهُ شِــفَاهَا
والمقصودُ هو نبيُّنَا محمدٌ عليهِ الصلاةُ والسلامُ، ويجبُ الإيمانُ بأنبياءِ اللهِ ورسلِهِ، وَالنَّبِيُّ غَيْرُ الرَّسُولِ هُوَ إِنْسَانٌ أُوحِيَ إِلَيْهِ لا بِشَرْعٍ جَدِيدٍ، بَلْ بِاتِّبَاعِ شَرْعِ الرَّسُولِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَوَّلُ رُسُلِ اللَّهِ هُوَ سَيِّدُنَا ءَادَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَءَاخِرُهُمْ سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وهُنَا ينبغِي التنبيهُ إلى أنَّه لا يَصِحُّ قولُ بعضِهِم: النَّبِيُّ إنسانٌ أُوحِيَ إليهِ بِشَرعٍ وإنْ لَم يُؤْمَر بِتَبْلِيغِهِ، فإنْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ فرَسُولٌ، لِأَنَّ كُلًّا مِنَ النَّبِيِّ الرَّسُولِ والنَّبِيِّ غيرِ الرَّسُولِ مَأمُورٌ بِالتَّبلِيغِ ، وعَدَمُ التّبليغِ مِنَ الخيانَةِ، والأنبياءُ مُنَزَّهُونَ عن ذلكَ، فَكُلُّهُم أُمَنَاءُ،
قال الإمام البغدادي: وَالفَرْقُ بَينَهُمَا أَيِ النَّبِيِّ والرَّسُوْلِ أَنَّ النَّبِيَّ مَنْ أَتَاهُ الوَحْيُ منَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أي نَزَلَ عليهِ الْمَلَكُ بِالوَحْيِ وامر بالتبليغ والرَّسُوْلَ مَنْ يأْتِيْ بشَرْعٍ عَلَى الابْتِدَاءِ أَوْ يَنْسَخُ بَعْضَ أَحْكَامِ شَرِيْعَةٍ قَبْلَهُ.اﻫ
(وَأَرْجُوْ اللهَ فِي نُجْحِ مَا سُئِلْتُهُ شِفَاهَا) أي أسألُ اللهَ تعالى وأطلُبُ مِنهُ تحقيقَ الأمَلِ بإنجَاحِ وقضَاءِ حاجَتِي بتَوفِيقِي لِإِتمامِ العملِ الذي سُئِلتُهُ وإتقانِهِ أي العملِ الذي سأَلْتَنِي إيّاهُ أيُّهَا الطّالِبُ، وقولُهُ (شِفَاهَا) بأَلِفِ الإطلَاقِ أَي سأَلتَنِي إيَّاهُ مُشَافَهَةً.
مِنْ نَظْـمِ سِـيْرةِ النَّبِيِّ الأَمْجَدِ *** أَلْـفِـيَّـةً حَـاوِيَـةً لِـلْـمَـقْـصِــدِ
أي هذَا العَمَلُ الذي سُئِلتُهُ هُوَ تأليفُ وجَمعُ الأخبارِ المتعلِّقةِ بذاتِ النبيِّ محمدٍ ﷺ وأوصافِهِ الخَلقِيَّةِ والأخبارِ المتعلِّقَةِ بحَياتِهِ وأحوالِهِ وصفَاتِهِ الخُلُقِيَّةِ.
وهذا مِن أهميةِ دراسَةِ السيرةِ النبويَّةِ والتألِيفِ فيهَا، فالعلمَاءُ ما كانوا يؤلِّفُونَ في السيرَةِ عبَثًا بِلَا سببٍ ولَا فائدَةٍ، بل هذا لِحِفظِ أوصافِ رسولِنَا الكريمِ ﷺ وأقوالِهِ وأحوالِهِ وأفعالِهِ، لأنَّ أقوالَ النَّبِيِّ ﷺ وأفعالَهُ وأحوالَهُ مُبَيِّنَةٌ للكتابِ ومفسرةٌ له، فمِنَ المهمِّ أن يَتِمَّ حفظُ هذا الذي وردَ عن رسولِ اللهِ ﷺ، ولأنَّ في سيرَةِ النبيِّ ﷺ ودراسَتِهَا تعليمًا لمكارِمِ الأخلاقِ والفضائلِ وتذكيرًا للأُمَّةِ بنَبِيِّهِم ﷺ فيَزدَادُوا حُبًّا وعِشقًا واتِّباعًا لهُ عليه الصلاةُ والسلامُ.
وقولُهُ: (حَاوِيَةً لِلمَقصِدِ) بكَسرِ الصّادِ، أي جَامِعَةً للمَقصُودِ.
وأَصلُ هذِهِ الألفِيَّةِ كتابُ «الإِشارَةِ إلى سِيرَةِ المُصطفَى وتاريخِ مَن بَعدَه مِن الخُلَفَا» للحافِظِ عَلاءِ الدِّينِ مُغْلَطَايِ الحَنَفِيِّ، وقد أثبَتَ ذَلِكَ الحافظُ الفقيهُ المُؤَرِّخُ الشّمسُ مُحَمَّدٌ السَّخَاوِيُّ بقولِهِ في كتابِ الإعلانِ: والزَّينُ العِراقِيُّ في أَلفِيَّتِهِ التي مَشَى فيها على سِيرَةٍ مُختَصَرةٍ لِلعَلاءِ مُغْلَطَايِ، إلخ.
وَاللهُ تَعَالَى أَعلَمُ وَأَحكَمُ
اللهم إِنَّا نَسأَلُك في هَذِهِ الليلةِ المباركَةِ أنْ تُزَوِّدَنَا التَّقَوى وتَرفَعَنَا في الدَّرَجَاتِ، وتجعَلَنَا مِنَ الَّذِينَ لَا خوفٌ عَلَيهِم ولَا هُم يَحزَنُونَ، وَتُنَوِّرَ قُلُوبَنَا بالعِلمِ وَاليَقِينِ وَالهُدَى والتُّقَى وصلَاحِ الحالِ، وتَحفَظَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَسُوءٍ، وتَرفَعَ عَنَّا وعَنْ أهلِنَا وأحبَابِنَا والحَاضِرِينَ والسَّامِعِينَ لِدَرسِنَا كُلَّ بَلَاءٍ، وَتُعَافِيَنَا مِن كُلِّ دَاءٍ، وَتَجعَلَنَا مِمَّنْ يَدعُونَ إِلَى رَبِّهِم ﴿بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ فَيُبَشِّرُهُم مَلَكُ المَوتِ بِرَحمَةِ اللهِ وَرِضوَانِهِ وَيَنَالُونَ مِنَ النَّعِيمِ مَا لَا عَينٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلبِ بَشَرٍ بِجَاهِ سَيِّدِ المُرسَلِينَ مُحَمَّدٍ عَلَيهِ أَفضَلُ الصَّلَاةِ وَأَتمُّ التَّسلِيمِ.
اللهم فُكَّ أرضَ غَزَّةَ وَفِلَسطِينَ مِنَ اليَهُودِ الغَاصِبِينَ، اللهم عَلَيكَ بِاليَهُودِ المُعتَدِينَ، اللهم زَلزِلِ الأرضَ تحتَ أَقدَامِهِم وأَرِنَا ذُلَّهُم يا ربَّ العالمينَ، اللهم شَتِّتْ شَملَ المُعتَدِينَ وبَدِّدْ قُوَّتَهُم وفَرِّقْ جمعَهُم، اللَّهُمَّ الطُفْ بالمُسلِمِينَ وانصُرْهُم يا أرحمَ الرَّاحِمِينَ يا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم الطُفْ بالمُسلِمِينَ في شَتَّى بِقَاعِ الأَرضِ وَوَحِّدْ كلِمَتَهم وانصُرْهم عَلَى أَعدَاءِ الدِّينِ،
اللهم مَكِّنِ المُسلِمِينَ مِنْ تَحرِيرِ القُدسِ الشَّريفِ وأَرضِ فِلَسطِينَ وَأَرضِ غَزَّةَ، اللهم لا تَرْفَعْ لليَهودِ في القدسِ رَايَةً وَلا تُحَقِّقْ لَهُم في فِلَسْطينَ غَايَةً يا رَبَّ العَالمينَ يا اللهُ، اللهم أَحْصِهِم عَدَدًا واقْتُلْهُم بَدَدًا وَلا تُغادِرْ مِنْهُم أَحَدًا، اللهم أَغِثْ أهلَ القُدْسِ وأهلَ فِلَسْطِينَ، اللهم أَغِثْ أهلَ القُدْسِ وأهلَ فِلَسْطِينَ. اللهم أَغِثْ أهلَ القُدْسِ وأهلَ فِلَسْطِينَ.
وَصَلَّى اللهُ على سيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِهِ وَصَحبِهِ وَسَلَّم، وَءَاخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.