المقدمة
الحَمدُ للهِ الدَّاعِي إِلَى بَابِهِ، المُوَفِّقِ مَن شَاءَ إِلَى صَوَابِهِ، أَنعَمَ بِإِنزَالِ كِتَابِهِ، يَشتَمِلُ عَلَى مُحكَمٍ وَمُتَشَابِهٍ، فَأَمَّا الَّذَينَ فِي قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنه، وَأَمَّا الرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ فَيَقُولُوَن آمَنَّا بِهِ، أَحمَدُهُ عَلَى الهُدَى وَتَيسِيرِ أَسبَابِهِ، وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَرجُو بِهَا النَّجَاةَ مِن عِقَابِهِ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ أَكمَلُ النَّاسِ عَمَلًا فِي ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ أَبِي بَكرٍ أَفضَلِ أَصحَابِهِ، وَعَلَى عُمَرَ الَّذِي أَعَزَّ اللهُ بِهِ الدِّينَ وَاستَقَامَتِ الدُّنيَا بِهِ، وَعَلَى عُثمَانَ شَهِيدِ دَارِهِ وَمِحرَابِهِ، وَعَلَى عَلِيٍّ المَشهُورِ بِحَلِّ المُشكِلِ مِنَ العُلُومِ وَكَشفِ نِقَابِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ وَمَن كَانَ أَولَى بِهِ، أَمَّا بَعدُ:
الشرح
فَقَد وَصَلنَا فِي شَرحِنَا لِكِتَابِ العِلمِ مِن صَحِيحِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ إِلَى قَولِهِ: (وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)
الخَبِيرُ مِن أَسمَاءِ اللهِ الحُسنَى مَعنَاهُ: هُوَ المُطَّلِعُ عَلَى حَقِيقَةِ الأَشيَاءِ، فَلَا تَخفَى عَلَى اللهِ خَافِيَةٌ، وَهُوَ عَالِمٌ بِالكُلِّياتِ وَالجُزئِيَّاتِ، وَمَن أَنكَرَ ذَلِكَ كَفَرَ، هُوَ سُبحَانَهُ العَالِمُ بِخَلقِهِ العَلَّامُ العَلِيمُ، الَّذِي عَلِمَ كُلَّ شَيءٍ، لَا تَخفَى عَلَيهِ خَافِيَةٌ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ، وَشَاءَ كُلَّ شَيءٍ، لَا حَاكِمَ عَلَيهِ، وَلَا آمِرَ لَهُ، وَلَا نَاهِيَ لَهُ، وَمَشِيئَتُهُ نَافِذَةٌ، فَمَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لَم يَشَأ لَم يَكُن، وَهُوَ القَادِرُ عَلَى خَلقِ مَا سَبَقَت بِهِ إِرَادَتُهُ
وَقَولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾
قَالَ القُرطُبِيُّ: قَالَ فِي شَرَفِ العِلمِ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾، فَلَو كَانَ شَيءٌ أَشرَفَ مِنَ العِلمِ لَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ ﷺ أَن يَسأَلَهُ المَزِيدَ مِنهُ كَمَا أَمَرَه أَن يَستَزِيدَهُ مِنَ العِلمِ.
وَقَالَ ﷺ: “إِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنبِيَاءِ“، وَقَالَ ﷺ: “العُلَمَاءُ أُمَنَاءُ اللهِ عَلَى خَلقِهِ“، وَهَذَا شَرَفٌ لِلعُلَمَاءِ عَظِيمٌ، وَمَحَلٌّ لَهُم فِي الدِّينِ خَطِيرٌ الخَطِيرُ : ذو شأن وأهمية.
خطير الشَّأن: ذو مكانة بارزة، رفيع، شريف.
وَرُوِيَ عَنِ البَرَاءِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “العُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنبِيَاءِ، يُحِبُّهُم أَهلُ السَّمَاءِ، وَيَستَغفِرُ لَهُمُ الحِيتَانُ فِي البَحرِ إِذَا مَاتُوا إِلَى يَومِ القِيَامَةِ“.
وَقَالَ ابنُ حَجَرٍ: وَقَولُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ وَاضِحُ الدِّلَالَةِ فِي فَضلِ العِلمِ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَم يَأمُر نَبِيَّهُ ﷺ بِطَلَبِ الِازدِيَادِ مِن شَيءٍ إِلَّا مِنَ العِلمِ، وَالمُرَادُ بِالعِلمِ العِلمُ الشَّرعِيُّ الَّذِي يُفِيدُ مَعرِفَةَ مَا يَجِبُ عَلَى المُكَلَّفِ مِن أَمرِ عِبَادَاتِهِ وَمُعَامَلَاتِهِ، وَالعِلمُ بِاللهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنَ القِيَامِ بِأَمرِهِ وَتَنزِيهِهِ عَنِ النَّقَائِصِ
بَابُ مَن سُئِلَ عِلمًا
قَالَ البَيهَقِيُّ: وَالعِلمُ إِذَا أُطلِقَ هُوَ عِلمُ الدِّينِ، وَهُوَ يَنقَسِمُ أَقسَامًا: فَمِنهَا: عِلمُ الأَصلِ وَهُوَ مَعرِفَةُ البَارِئِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ [وَهُوَ الأَصلُ وَالأَولَى بِالتَّعَلُّمِ وَالنَّشرِ بَينَ المُسلِمِينَ]، وَمِنهَا: مَعرِفَةُ مَا جَاءَ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَدَخَلَ فِي هَذَا عِلمُ النُّبُوَّةِ.
ما هو الجسم؟ (تعريف الجسم من حيث اللغة والشرع).
قال الزبيدي في تاج العروس (ج س م): الجسم بالكسر جَماعةُ البدن أو الأعضاءِ
وقال الراغب الجسمُ ما له طول وعرض وعمق
ومثلُه ذكِر في لسان العرب والمصباح المنير وغيرهما.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: إن أهل اللغة وضعوا هذا الاسم أي الجسم على كل ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف اهـ نقله عنه أبو الفضل التميمي في اعتقاد الإمام أحمد.
وقال الإمام أبو الحسن الأشعري: أقل ما يقع عليه اسم الجسم جوهرانِ مؤتلِفان اهـ نقله عنه ابن فوركَ في المجرَّد.
قال الشيخ الأستاذ أبو منصور البغدادي (ت 429 هـ) في تفسير الأسماء والصفات: “ولا إشكال لذي لب في تكفير الكرامية مجسمةِ خراسان في قولها إن الله تعالى جسم له حد ونهاية من تحته وأنه مماس لعرشه وأنه محل للحوادث وأنه يحدث فيه قوله وإرادته ومماسته لما يماسه فالحمد لله الذي عصمنا من هذه البدع الموجبة للتكفير“.اهـ
قال العلَّامةُ الخطيبُ (ت: 463هـ) ما نَصُّهُ: «فَمَنِ اعتقدَ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ مُتَّصِفٌ بالاستقرارِ على العرشِ أو التَّمَكُّنِ فيه فهو كَافِرٌ بالإِجْمَاعِ».اهـ وإذا كان القولُ بالاستقرارِ والتمكنِ كفرًا بالإجماعِ فالتجسيمُ مثلُهُ بلا شَكٍّ، لأَنَّ الاستقرارَ والتمكنَ مِنْ سِمَاتِ الأجسامِ ولَوَازِمِهَا، فإذا كانت نِسْبَتُهَا إلى اللهِ كفرًا بالإجماعِ كان مَلْزُومُهَا وهو الجسمُ كذلكَ بالأَوْلَى.
قال أبو حَامِدٍ الغَزَالِيُّ (ت: 505هـ) في كتابِهِ المسمَّى إِلْجَامَ العَوَامِّ عَنْ عِلْمِ الكَلَامِ ما نَصُّهُ: «فَإِنْ خَطَرَ ببالِهِ أَنَّ اللهَ جسمٌ مُرَكَّبٌ مِنْ أعضاءٍ فهو عابدُ صَنَمٍ؛ فَإِنَّ كُلَّ جسمٍ هو مخلوقٌ، وعبادةُ المخلوقِ كفرٌ، وعبادةُ الصنمِ كفرٌ لأَنَّهُ مخلوقٌ، وكان مخلوقًا لأَنَّهُ جسمٌ، فَمَنْ عَبَدَ جسمًا فهو كافرٌ بإجماعِ الأُمَّةِ السَّلَفُ منهم والخَلَفُ».اهـ
قال العَلَاءُ البخاريُّ الحنفيُّ (ت: 841هـ) في مُلْجِمَةِ الـمُجَسِّمَةِ ما نَصُّهُ: «فإذن يكونُ القولُ بِأَنَّ اللهَ مُتَمَكِّنٌ على العرشِ مُتَحَيِّزٌ فيه وأَنَّهُ في جهةِ فوق قولًا بِأَنَّهُ جسمٌ، لأَنَّ الجسميةَ مِنَ اللوازمِ العقليةِ للمُتَحَيِّزِ ولذي الجهةِ، وَمَنْ قَالَ بِأَنَّ اللهَ جسمٌ فهو كافرٌ إجماعًا، ولهذا قَالَ إمامُ الحرمينِ في الإرشاد: إثباتُ الجهةِ للهِ كُفْرٌ صُرَاحٌ».اهـ
قال السُّيُوطِيُّ الشافعيُّ (ت: 911هـ) فَإِنَّهُ يقولُ في الأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ ما نَصُّهُ: «وقَالَ بعضُهم: المبتدعةُ أقسامٌ: الأَوَّلُ: مَا نُكَفِّرُهُ قَطْعًا، كَقَاذِفِ عائشةَ رضيَ اللهُ عنها، ومُنْكِرِ عِلْمِ الجُزْئِيَّاتِ، وحَشْرِ الأجسادِ، والمجسمةِ، والقائلِ بِقِدَمِ العَالَمِ».اهـ
قال ابن حجر الهيتمي (ت 974 هـ) في المنهاج القويم: «واعلم أن القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم، وهم حقيقون بذلك».اهـ أي جديرون بالحكم عليهم بالكفر.
وَيُوجَدُ قَدرٌ مِن عِلمِ الدِّينِ هُوَ فَرضٌ عَينِيٌّ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ، وَاجِبٌ عَلَيهِ أَن يَتَعَلَّمَهُ وَلَا يَجُوزُ تَأخِيرُهُ بِلَا سَبَبٍ وَتَركُهُ.
رَوَى البَيهَقِيُّ بِسَنَدِهِ عَنِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: مِن عُلُومِ الدِّينِ عِلمُ عَامَّةٍ لَا يَسَعُ العَاجِزَ مَغلُوبًا عَلَى عَقلِهِ جَهلُهُ، مِثلُ أَنَّ الصَّلَوَاتِ خَمسٌ، وَأَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَى النَّاسِ صَومَ شَهرِ رَمَضَانَ وَحَجَّ البَيتِ إِنِ استَطَاعُوا وَزَكَاةً فِي أَموَالِهِم، وَأَنَّهُ حَرَّمَ عَلَيهِمُ الزِّنَا وَالقَتلَ وَالسَّرِقَةَ وَالخَمرَ، وَمَا كَانَ فِي مَعنَى هَذَا مِمَّا كُلِّفَ العِبَادُ أَن يَفعَلُوهُ وَيَعلَمُوهُ وَيُعَظِّمُوهُ مِن أَنفُسِهِم وَأَموَالِهِم، وَأَن يَكُفُّوا عَنهُ مِمَّا حَرَّمَ عَلَيهِم مِنهُ، وَهَذَا صِنفٌ مِن عِلمٍ مَوجُودٍ نَصًّا فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَو مَوجُودًا عَامًّا عِندَ أَهلِ الإِسلَامِ يَنقُلُهُ عَوَامُّهُم عَمَّن مَضَى مِن عَوَامِّهِم، يَحكُونَهُ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَلَا يُنَازِعُونَ فِي حِكَايَتِهِ وَلَا وُجُوبِهِ عَلَيهِم.اهـ
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي المَجمُوعِ: بَابُ أَقسَامِ العِلمِ الشَّرعِيِّ: أَوَّلُهَا: فَرضُ العَينِ، وَهُوَ تَعَلُّمُ المُكَلَّفِ مَا لَا يَتَأَدَّى الوَاجِبُ الَّذِي تَعَيَّنَ عَلَيهِ فِعلُهُ إِلَّا بِهِ، كَكَيفِيَّةِ الوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَنَحوِهِمَا، وَعَلَيهِ حَمَلَ جَمَاعَاتٌ الحَدِيثَ المَروِيَّ فِي مُسنَدِ أَبِي يَعلَى المُوصِلِيِّ عَن أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: “طَلَبُ العِلمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ“.اهـ
وَقَالَ الغَزَالِيُّ فِي بِدَايَةِ كِتَابِهِ إِحيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ: بَيَانُ العِلمِ الَّذِي هُوَ فَرضُ عَينٍ: ثُمَّ قَالَ: فَأَوَّلُ وَاجِبٍ عَلَى المُكَلَّفِ تَعَلُّمُ كَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ وَفَهمُ مَعنَاهُمَا وَهُوَ قَولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ
وَهُوَ مُشتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الحَدِيثَ ثُمَّ أَجَابَ السَّائِلَ
قَالَ ابنُ حَجَرٍ: مُحَصَّلُهُ التَّنبِيهُ عَلَى أَدَبِ العَالِمِ وَالمُتَعَلِّمِ، أَمَّا العَالِمُ فَلِمَا تَضَمَّنَهُ مِن تَركِ زَجرِ السَّائِلِ، بَل أَدَّبَهُ بِالإِعرَاضِ عَنهُ أَوَّلًا حَتَّى استَوفَى مَا كَانَ فِيهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى جَوَابِهِ فَرَفَقَ بِهِ لِأَنَّهُ مِنَ الأَعرَابِ وَهُم جُفَاةٌ، وَفِيهِ العِنَايَةُ بجَوَابِ سُؤَالِ السَّائِلِ وَلَو لَم يَكُنِ السُّؤَالُ مُتَعَيِّنًا وَلَا الجَوَابُ، وَأَمَّا المُتَعَلِّمُ فَلِمَا تَضَمَّنَهُ مِن أَدَبِ السَّائِلِ أَن لَا يَسأَلَ العَالِمَ وهو مُشتَغِلٌ بِغَيرِهِ، لِأَنَّ حَقَّ الأَوَّلِ مُقَدَّمٌ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيحٌ (ح)
وَنَحنُ نَقرَأُ فِي كُتُبِ الحَدِيثِ إِذَا رَأَينَا حَرفَ (ح)، كُنَّا نَقرَأُ بِالأَسَانِيدِ، حَدَّثَنَا فُلَانٌ عَن فُلَانٍ عَن فُلَانٍ (ح)، حَا: مَعنَاهَا اختِصَارٌ وَرَمزٌ لِكَلِمَةِ (تَحوِيلٍ) يُسَمُّونَهُ تَحوِيلَ السَّنَدِ، أَنَا أَقُولُ مَثَلًا أَنَا أَروِي عَنِ الشَّيخِ حَلَبِي عَنِ الحَاجِّ أَيُّوبَ عَن حَسَّانَ (ح) أَرجِعُ فَأَقُولُ وَأَنَا أَروِي عَن أُمِّ يُوسُفَ عَن أُمِّ عَلَيٍّ عَن حَسَّانَ، رَجَعتُ لِحَسَّانَ لَكِن بِسَنَدٍ ثَانٍ، مِن طَرِيقِ الشَّيخِ نِزَار وَالحَاجِّ أَيُّوبَ وَصَلتُ إِلَى حَسَّانَ، وَمِن طَرِيقِ أُمِّ يُوسُفَ وَأُمِّ عَلِيٍّ وَصَلتُ لِحَسَّانَ، هَذَا يُسَمَّى تَحوِيلَ السَّنَدِ، وَهَذَا مُرَادُهُ بِـ(ح)، يَقُولُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سِنَانٍ قَالَ حَدَّثَنَا فُلَيحٌ، ثُمَّ الإِمَامُ البُخَارِيُّ حَوَّلَ السَّنَدَ فَقَالَ: وَحَدَّثَنِي إِبرَاهِيمُ بنُ المُنذِرِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُلَيحٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، أَبُو مُحَّمدِ بنِ فُلَيحٍ هُوَ فُلَيحٌ، فَرَجَعَ إِلَى فُلَيحٍ، هَذَا يُسَمَّى تَحوِيلَ السَّنَدِ
وَحَدَّثَنِي إِبرَاهِيمُ بنُ المُنذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُلَيحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي هِلَالُ بنُ عَلِيٍّ، عَن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: بَينَمَا النَّبِيُّ ﷺ فِي مَجلِسٍ يُحَدِّثُ القَومَ،
وَالقَومُ الرِّجَالُ، وَقَد يَدخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ تَبَعًا
جَاءَهُ أَعرَابِيٌّ
الأَعرَابُ: سُكَّانُ البَادِيَةِ، لَا وَاحِدَ لَهُ مِن لَفظِهِ، وَلَم يُعرَفِ اسمُهُ، وَلِذَلِكَ نُسِبَ إِلَيهِ
فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟
يَسأَلُ هَذَا الأَعرَابِيُّ عَنِ السَّاعَةِ أَي: عَن وَقتِ لَا عن وُجُودِهَا.اهـ وَالسَّاعَةُ كَمَا تُطلَقُ عَلَى القِيَامَةِ، وَهِيَ السَّاعَةُ الكُبرَى تُطلَقُ عَلَى مَوتِ أَهلِ القَرنِ الوَاحِدِ، وَهِيَ السَّاعَةُ الوُسطَى كَمَا فِي قَولِهِ ﷺ حِينَ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ فَأَشَارَ إِلَى أَصغَرِهِم: “إِن يَعِشْ هَذَا لَا يُدرِكْهُ الهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ عَلَيكُم سَاعَتُكُم“، إِذِ المُرَادُ انقِضَاءُ عَصرِهِم، وَلِذَا أَضَافَ إِلَيهِم
وَعَلَى المَوتِ، وَهِيَ السَّاعَةُ الصُّغرَى، وَوَرَدَ: مَن مَاتَ فَقَد قَامَت قِيَامَتُهُ
فَمَضَى رَسُولُ اللهِ ﷺ يُحَدِّثُ
أَيِ: استَمَرَّ فِيمَا كَانَ يُحَدِّثُ وَلَم يَقطَعهُ لِجَوَابِ السَّائِلِ
فَقَالَ بَعضُ القَومِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ،
وَلَيسَ عَدَمُ التِفَاتِ النَّبِيِّ ﷺ لِهَذَا الأَعرَابِيِّ تَكَبُّرًا مِنهُ وَتَرَفُّعًا عَنهُ، بَل فِعلُ النَّبِيِّ ﷺ هَذَا كَانَ تَعلِيمًا لِهَذَا الأَعرَابِيِّ خَاصَّةً وَلِلأُمَّةِ عَامَّةً وَإِشَارَةً إِلَى آدَابِ العَالِمِ وَالمُتَعَلِّمِ، فَالعَالِمُ عِندَ إِعطَائِهِ العِلمَ لِلطُّلَّابِ لَا يَنبَغِي أَن يَقطَعَهُ إِلَى غَيرِهِ حَتَّى لَا تَتَدَاخَلَ مَسَائِلُ العِلمِ بِبَعضِهَا البَعضِ فَيَختَلِطُ الأَمرُ عَلَى المُدَرِّسِ وَعَلَى الطُّلَّابِ، فَلَا يَنظُرِ المُدَرِّسُ إِلى أَنَّهُ إِذَا لَم يُجِب في هَذِهِ المَسَائِلِ الجَانِبِيَّةِ يَستَضعِفُهُ الطَّالِبُ الَّذِي يُدَرِّسُهُ، فَقَد قَالَ صَاحِبُ طَبَقاتِ الأَولِيَاءِ: مَنِ استَوى عِندَهُ المَدحُ والذّمُّ فَهُوَ زَاهِدٌ.اهـ
فإنَّ كَثِيرًا مِنَ المَصَائِبِ فِي الكَلامِ فِي أُمُورِ الدِّينِ عَلَى خِلَافِ الصَّوَابِ تَأتِي مِن تَجَاوُزِ الشَّخصِ حَدَّهُ أَيِ القَدرَ الَّذِي يُحسِنُهُ مِنَ العِلمِ فَيُفتي بِلا عِلمٍ في مَسَائِلَ جَانِبِيَّةٍ في أَثنَاءِ تَدرِيسِهِ لَيسَت مِن أَصلِ الكِتَابِ الَّذِي يُدَرِّسُهُ بَل تَطَرَّقَ إِلَيهَا لِهوًى في نَفسِهِ أَو جَرَّهُ إِلَيهَا بَعضُ مَن في مَجلِسِهِ فَخَرَجَ بِذَلِكَ عَمَّا يَعلَمُ مِن أَصلِ كِتَابِهِ إِلى مَا لا يَعلَمُ، وَهَذَا خَطَرٌ كَبِيرٌ، لأنّهُ إِذا خَرَجَ عَمَّا يَعلَمُ إِلَى مَا لَا يَعلَمُ وَعَمَّا يُتقِنُ إِلَى مَا لَا يُتقِنُ يَكُونُ وَاقِعًا تَحتَ قَولِهِ ﷺ الصَّحِيحِ الثَّابِتِ: “إِنَّ اللهَ لا يَقبِضُ العِلمَ يَنتَزِعُهُ انتِزَاعًا مِن بَينِ النَّاسِ وَلَكِن يَقبِضُ العِلمَ بِقَبضِ العُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَم يَبقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَاستَفتَوهُم فَأَفتَوهُم فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا“.اﻫ فَلَم يَجعَل رَسُولُ اللهِ ﷺ في هَذَا الحَدِيثِ عُذرًا لِلمُفتِي وَلَا لِلمُستَفتِي، فَأَمَّا الأَوَّلُ فَلأَنَّهُ أَفتَى بِجَهلٍ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ استَفتَى مَن لَا يَجُوزُ أَن يُستَفتَى، وَيَشهَدُ لِذلِكَ قَولُ اللهِ تَعَالَى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ﴾، قَالَ النَّسَفِيُّ فِي تَفسِيرِهِ: أَي قَالُوا ذَلِكَ إِضلَالًا لِلنَّاسِ، فَحَمَلُوا أَوزَارَ ضَلَالِهِم كَامِلَةً وَبَعضَ أَوزَارِ مَن ضَلَّ بِضَلَالِهِم، وَهُوَ وِزرُ الإِضلَالِ لِأَنَّ المُضِلَّ وَالضَّالَّ شَرِيكَانِ، وَاللَّامُ لِلتَّعلِيلِ، ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ حَالٌ مِنَ المَفعُولِ أَي يُضِلُّونَ مَن لَا يَعلَمُ أَنَّهُم ضُلَّالٌ.اهـ
وَقَد قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ المَجمُوعِ: لَا يَجُوزُ استِفتَاءُ غَيرِ العَالِمِ الثِّقَةِ.اﻫ وَقَد قَالَ شَيخُنَا رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى قُولُوا لِلمُدَرِّسِينَ التَزِمُوا بِالمَنقُولِ المُحَرَّرِ وَإِلَّا فَإِنَّكُم مُقبِلُونَ عَلَى هَلَاكٍ.اهـ وكان شيخنا رحمه الله ينبه فيقول في كتابه الشرح القويم: ثم إنه يوجد مسئلة نفسية ينبغي بيانها ألا وهي أنه لا يكفر من لم يكفِّر من وقع في بعض أنواع الكفر إنما يكفُر من لم يكفِّر من وقع في بعض الأنواع الأخرى. فيعلم من هذا أن هذه الكلمة التي يرددها بعض الناس ليست قاعدة فانبذوها وحذروا منها لأنه لا يصح أن تقال، وهذه الكلمة هي “من لم يكفِّر كافرا كفر” هذه الكلمة لا تقال لأن الكفر نوعان نوع شأنه أنه من لم يكفِّر فاعله يكفر ونوع لا يكفر من تردد هل هذا كفر أم لا كما تقدم.
فَمَن لَم يَكُن مُجتَهِدًا طَرِيقُهُ النَّقلُ عَنِ المُجتَهِدِينَ المُعتَبَرِينَ، بَل لِيَقُل لَا أَدرِي، وَلَا يَستَحِي، فَيَكُونُ سَلِمَ لِنَفسِهِ بِتَجَنُّبِ الإِفتَاءِ بِغَيرِ عِلمٍ وَسَلِمَ الطَّالِبُ
وَقَالَ بَعضُهُم:
أَي بَعضُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَاهَدُوا السَّائِلَ وَسَمِعُوا سُؤَالَهُ وَشَاهَدُوا فِعلَ النَّبِيِّ ﷺ وَرَأَوا حَالَهُ وَسَمِعُوا جَوَابَهُ
بَل لَم يَسمَع، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ
أَي قَضَى النَّبِيُّ ﷺ حَدِيثَهُ وَأَتَمَّهُ، وَالنَّبِيُّ ﷺ مِن تَعلِيمِهِ لِلأُمَّةِ أَنَّهُ مَا كَانَ يُحِبُّ السُّؤَالَ فِي المَسَائِلِ الَّتِي قَد تُشَوِّشُ عَلَى طَلَبَةِ العِلمِ، بَل أَرَادَ أَن يُوَجِّهَ ذِهنَهُم لِأَمرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فَهمُ مَا يُلقَي إِلَيهِم.
وَقَد رَوَى ابنُ حِبَّانَ وَغَيرُهُ أَنَّهُ نَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنِ الأُغلُوطَاتِ، قَالَ الأَوزَاعِّيُّ: الأُغَلُوطَاتِ: شِدَادُ المَسَائِلِ وَصِعَابُهَا. وَقِيلَ: مَا لَا يُحتَاجُ إِلَيهِ مِن كَيفَ وَكَيفَ.
وَيُروَى مِن حَدِيثِ ثَوبَانَ عَنِ النَّبيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: “سَيَكُونُ أَقوَامٌ مِن أُمَّتِي يُغَلِّطُونَ فُقَهَاءَهُم بِمُعْضِلِ المَسَائِلِ، أُولَئِكَ شِرَارُ أُمَّتِي”.
وَقَالَ الأَوزَاعِيُّ: إِنَّ اللهَ إِذَا أَرَادَ أَن يَحرِمَ عَبدَهُ بَرَكَةَ العِلمِ أَلقَى عَلَى لِسَانِهِ المَغَالِيطَ، فَلَقَد رَأَيتُهُم أَقَلَّ النَّاسِ عِلمًا.اهـ
قَالَ: “أَينَ ـ أُرَاهُ ـ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ”،
“أُرَاهُ” بِالضَّمِّ أَي: أَظُنُّهُ، وَالشَّكُّ مِن مُحَمَّدِ بنِ فُلَيحٍ أَحَدِ الرُّوَاةِ، وَكَلِمَةُ “أُرَاهُ” لَيسَت مِن كَلَامِ النَّبِيِّ هَذَا مِن كَلَامِ الرَّاوِي، الرَّاوِي فِي هَذَا الطَّرِيقِ فِي هَذَا السَّنَدِ شَكَّ، قَالَ: أَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ هَكَذَا، قَالَ: “أَينَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ“، فَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ البُخَارِيُّ لِأَنَّهُ عَالِمٌ جَلِيلٌ ضَابِطٌ لِلعِلمِ يَقُولُ هَذَا الرَّاوِي الَّذِي رَوَى الحَدِيثَ هُوَ قَالَ: “أَينَ أُرَاهُ السَّائِلُ“، فَمِثلَ مَا سَمِعَهُ ذَكَرَ، وَفِي رِوَايَةٍ: “أَينَ السَّائِلُ“، وَلَم يَشُكَّ
قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ،
وَهَا حَرفُ تَنبِيهٍ
قَالَ: “فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ
(هِيَ ضِدُّ الخِيَانَةِ، وَالمُرَادُ بِرَفعِهَا إِذهَابُهَا بِحَيثُ يَكُونُ الأَمِينُ مَعدُومًا أَو شِبهَ المَعدُومِ) (قَولُهُ: “إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ” هَذَا جَوَابُ الأَعرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَ عَن قِيَامِ السَّاعَةِ وَهُوَ القَائِلُ كَيفَ إِضَاعَتُهَا) (وَعَن أَبِي الدَّردَاءِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ مَا لِي أَرَى عُلَمَاءَكُم يَذهَبُونَ وَجُهَّالَكُم لَا يَتَعَلَّمُونَ، تَعَلَّمُوا قَبلَ أَن يُرفَعَ العِلمُ فَإِنَّ رَفعَ العِلمِ ذَهَابُ العُلَمَاءِ)
فَانتَظِرِ السَّاعَةَ”، قَالَ: كَيفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: “إِذَا وُسِّدَ
قَالَ ابنُ حَجَرٍ: أَي: أُسنِدَ، وَأَصلُهُ مِنَ الوِسَادَةِ، وَكَانَ مِن شَأنِ الأَمِيرِ عِندَهُم إِذَا جَلَسَ أَن تُثنَى تَحتَهُ وِسَادَةٌ، فَقَولُهُ: وُسِّدَ أَي: جُعِلَ لَهُ غَيرُ أَهلِهِ وِسَادًا
الأَمرُ
وَالمُرَادُ مِنَ الأَمرِ جِنسُ الأُمُورِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ، كَالخِلَافَةِ وَالإِمَارَةِ وَالقَضَاءِ وَالإِفتَاءِ وَغَيرِ ذَلِكَ
إِلَى غَيرِ أَهلِهِ
(أَي إِذَا كَانَ الأَمرُ كَذَلِكَ فَانتَظِر، قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: مَعنَى أُسنِدَ الأَمرُ إِلَى غَيرِ أَهلِهِ أَنَّ الأَئِمَّةَ قَدِ ائتَمَنَهُمُ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ وَفَرَضَ عَلَيهِمُ النَّصِيحَةَ لَهُم، فَيَنبَغِي لَهُم تَولِيَةُ أَهلِ الدِّينِ، فَإِذَا قَلَّدُوا غَيرَ أَهلِ الدِّينِ فَقَد ضَيَّعُوا الأَمَانَةَ الَّتِي قَلَّدَهُمُ اللهُ تَعَالَى إِيَّاهَا، إِذَا وُكِلَ الأَمرُ جُعِلَ الأَمرُ إِلَى غَيرِ أَهلِهِ، تَوَلَّى أَمرَ الإِمَامَةِ مَن لَيسَ بِأَهلٍ، تَوَلَّى أَمرَ القَضَاءِ مَن لَيسَ بِأَهلٍ، تَوَلَّى أَمرَ الإِفتَاءِ مَن لَيسَ بِأَهلٍ، تَوَلَّى أَمرَ الحُكمِ مَن لَيسَ بِأَهلٍ، يَعنِي أَشخَاصٌ لَيسُوا مُؤَهَّلِينَ هُم استَلَمُوا أُمُورَ المُسلِمِينَ، هَذَا يُؤَذِّنُ، وَهَذَا يَأخُذُ أَموَالَ الزَّكَاةِ، وَهَذَا يَؤُمُّ النَّاسَ، وَهَذَا يَحكُمُ النَّاسَ، وَهَذَا يُفتِي النَّاسَ، وَهَذَا قَاضٍ بَينَ النَّاسِ، وَهُم لَيسُوا بِأَهلٍ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “فَانتَظِرِ السَّاعَةَ“، يَعنِي هَذَا مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ أَن تَجِدَ أَشخَاصًا غَيرَ مُؤَهَّلِينَ لِيَستَلِمُوا شُؤُونَ المُسلِمِينَ، وَنَحنُ نَرَى فِي أَيَّامِنَا هَذِهِ الكَثِيرَ مِن هَذِهِ الأَشيَاءِ، قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللهُ: بَكَى رَبِيعَةُ يَومًا بُكَاءً شَدِيدًا، فَقِيلَ لَهُ: أَمُصِيبَةٌ نَزَلَت بِكَ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِ اِستُفتِيَ مَن لَا عِلمَ عِندَهُ، وَظَهَرَ فِي الإِسلَامِ أَمرٌ عَظِيمٌ)
فَانتَظِرِ السَّاعَةَ
(لِلدَّلَالَةِ عَلَى قُربِ قِيَامِهَا، وَإِنَّمَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى دُنُوِّ السَّاعَةِ لِإِفضَائِهِ إِلَى اختِلَالِ الأَمرِ، وَعَدَمِ تَمَامِ النِّظَامِ، وَوَهَنِ أُمُورِ الدُّنيَا، وَضَعفِ أَحكَامِ الإِسلَامِ) (قَالَ الكُورَانِيُّ الحَنَفِيُّ فِي شَرحِهِ عَلَى البُخَارِيِّ: وَفِي الحَدِيثِ دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّ العَالِمَ قَاضِيًا كَانَ أَو مُفتِيًا يُقَدِّمُ الأَهَمَّ فَالأَهَمَّ، وَإِذَا كَانَ مُشتَغِلًا بِحَدِيثٍ لَا يَقطَعُهُ عَلَى السَّامِعِينَ إِلَى أَن يُتِمَّهُ، وَعَلَيهِ أَن يَرفُقَ بِالمُتَعَلِّمِ وَإِن بَدَا مِنهُ سُوءُ أَدَبٍ، وَعَلَى المُتَعَلِّمِ أَن يُرَاجِعَ إِن لَم يَفهَمِ المَقصُودَ)
الدعاء
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرسَلِينَ
رَبَّنَا اجعَلنَا لَكَ ذَاكِرِينَ شَاكِرِينَ، إِلَيكَ أَوَّابِينَ مُنِيبِينَ، تَقَبَّل يَا رَبِّ تَوبَتَنَا، وَاغسِل حَوبَتَنَا، وَأَجِب دَعَوَاتِنَا، وَثَبِّت حُجَّتَنَا، وَاسلُل غِلَّ صُدُورِنَا، وَعَافِنَا وَاعفُ عَنَّا.
إِلَهَنَا لَا تَحرِمنَا مِن نَبِيِّكَ الشَّفَاعَةَ، وَاجعَلِ التَّقوَى لَنَا أَربَحَ بِضَاعَةٍ، وَلَا تَجعَلنَا مِن أَهلِ التَّفرِيطِ وَالإِضَاعَةِ، وَءَامِنَّا مِن خَوفِنَا يَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ بِرَحمَتِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللهم اجعَلنَا مِنَ الَّذِينَ يَعلَمُونَ فَيَعمَلُونَ، وَيَعمَلُونَ فَيُخلِصُونَ، وَيُخلِصُونَ فَيُقبَلُونَ، وَيُقبَلُونَ فَيُنَعَّمُونَ، بِرَحمَتِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ.
يَا رَبَّنَا لَكَ الحَمدُ كَمَا يَنبَغِي لِجَلَالِ وَجهِكَ وَعَظِيمِ سُلطَانِكَ، اللهم لَكَ الحَمدُ كُلُّهُ وَإِلَيكَ يَرجِعُ الأَمرُ كُلُّهُ.
سُبحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الأَرضِ، وَسُبحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا بَينَ ذَلِكَ، وَسُبحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَاللهُ أَكبَرُ مِثلَ ذَلِكَ، وَالحَمدُ للهِ مِثلَ ذَلِكَ، وَلَا حَولَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ مِثلَ ذَلِكَ.
اللهم لَا تَدَع لَنَا ذَنبًا إِلَّا غَفَرتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجتَهُ، وَلَا عَيبًا إِلَّا أَصلَحتَهُ، وَلَا حَاجَةً لَنَا مِن حَوَائِجِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ لَكَ فِيهَا رِضًى وَلَنَا فِيهَا صَلَاحٌ إِلَّا يَسَّرتَهَا وَقَضَيتَهَا بِرَحمَتِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللهم فَرِّجِ الكَربَ عَنِ الأَقصَى يَا رَبَّ العَالَمِينَ، يَا اللهُ احفَظِ المُسلِمِينَ وَالمَسجِدَ الأَقصَى مِن أَيدِي اليَهُودِ المُدَنِّسِينَ، يَا اللهُ ارزُقنَا صَلَاةً فِي المَسجِدِ الأَقصَى مُحَرَّرًا، نَسجُدُهَا شُكرًا لَكَ عَلَى النَّصرِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، يَا اللهُ انصُرِ الإِسلَامَ وَالمُسلِمِينَ، يَا قَوِيُّ يَا مَتِينُ انصُرِ المُسلِمِينَ فِي غَزَّةَ، يَا اللهُ يَا مَن لَا يُعجِزُكَ شَيءٌ ثَبِّتِ المُسلِمِينَ فِي غَزَّةَ وَأَمِدَّهُم بِمَدَدٍ مِن عِندِكَ، وَارزُقهُم نَصرًا قَرِيبًا مُؤَزَّرًا، اللهم عَلَيكَ بِاليَهُودِ أَعدَاءِ هَذَا الدِّينِ، اللهم أَحصِهِم عَدَدًا، وَاقتُلهُم بَدَدًا، وَلَا تُغَادِر مِنهُم أَحَدًا، يَا اللهُ يَا رَحمَنُ يَا رَحِيمُ اشفِ جَرحَى المُسلِمِينَ فِي غَزَّةَ وَفِلِسطِينَ، وَتَقَبَّل شُهَدَاءَهُم، وَأَنزِلِ الصَّبرَ وَالسَّكِينَةَ عَلَى قُلُوبِ أَهلِهِم، اللهم إِنَّا نَستَودِعُكَ غَزَّةَ وَأَهلَهَا، وَأَرضَهَا وَسَمَاءَهَا، وَرِجَالَهَا وَنِسَاءَهَا وَأَطفَالَهَا، فَيَا رَبِّ احفَظهُم مِن كُلِّ سُوءٍ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ وَسَلَامٌ عَلَى المُرسَلِينَ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.