صحيح البخاري · كتاب العلم · الدرس (7)

المقدمة

الحمد للهِ الذي أكرمنا بالتوحيد ودين الإسلام، وأنزل إلينا أشرف الكتب وأحسن الكلام، وجعله معجزًا في المعنى واللفظ والنظام، مشتملًا على علوم حارت فيها عقول الأنام، فمنه ما يُوضح الحلالَ ويُبيّنُ الحرام، ومنه وعدٌ على التُقى ووعيدٌ على الآثام، ومنه مجمل يُنبِّه الفكرَ ومُفَصَلٌ يُصَحِّحُ الأفهام، ومنه متشابه يجب له التسليم، ومنه مخصوص بالِإحكام. أحمده إذْ أمرنا بحفظه ودراسته، ومراعاة لفظه وسياسته، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد أشرف رسل الله وأنبيائه، وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ حَارِسِ الإِسْلامِ يَوْمَ الرِّدَّةِ عَنِ ارْتِدَادِهِ، وَعَلَى عُمَرَ الَّذِي نَطَقَ الْقُرْآنُ بِمُرَادِهِ، وَعَلَى عُثْمَانَ مُشْتَرِي سِلَعِ السَّهَرِ بِنَقْدِ رُقَادِهِ، وَعَلَى عَلِيٍّ قَامِعِ أَعْدَائِهِ وَمُهْلِكِ أَضْدَادِهِ، وعلى ءاله وأصحابه وأتباعه، أما بعد:
الشرح

فَقَد وَصَلنَا فِي شَرحِنَا لِكِتَابِ العِلمِ مِن صَحِيحِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ إِلَى قَولِهِ:

١١– بَابُ مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَخَوَّلُهُم بِالمَوعِظَةِ وَالعِلمِ

(أَي يَتَعَهَّدُهُم، وَالمَوعِظَةُ النُّصحُ وَالتَّذكِيرُ، وَعَطفُ العِلمِ عَلَيهَا مِن بَابِ عَطفِ العَامِّ عَلَى الخَاصِّ؛ لِأَنَّ العِلمَ يَشمَلُ المَوعِظَةَ وَغَيرَهَا، وَإِنَّمَا عَطَفَهُ؛ لِأَنَّهَا مَنصُوصَةٌ فِي الحَدِيثِ، وَذَكَرَ العِلمَ استِنبَاطًا)

كَي لَا يَنفِرُوا

(مَعنَى النُّفُورِ هُنَا السَّآمَةَ) انظُرُوا آدَابَ النَّبِيِّ ﷺ، فَالوَاحِدُ مِنَّا إِذَا كَانَ بِحَاجَةٍ لِلعِلمِ مِنَ الفُرُوضِ العَينِيَّةِ مِثلِ كِتَابِ المُختَصَرِ وَأَمثَالِهِ، نَقُولُ لَهُ لَيسَ مَرَّةً فِي الأُسبُوعِ تَعَالَ كُلَّ يَومٍ أَو تَبقَى مَعَنَا أَربَعَةَ أَيَّامٍ أَو خَمسَةً أَو أُعطِيكَ فِي النَّهَارِ دَرسَينِ، كَمَا كَانَ سَيِّدُنَا أَحمَدُ الرِّفَاعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُعطِي دَرسَينِ فِي اليَومِ وَاحِدًا قَبلَ الظُّهرِ وَوَاحِدًا بَعدَ العَصرِ بِالفِقهِ وَالأَحكَامِ الضَّرُورِيَّةِ، وَيَومَ الخَمِيسِ بَعدَ صَلَاةِ الظُّهرِ يَجمَعُ النَّاسَ عَلَى المَوَاعِظِ يَعِظُهُم وَيُذَكِّرُهُم بِأُمُورِ الآخِرَةِ يُذَكِّرُهُم بِالعَمَلِ الصَّالِحِ بِالتَّرغِيبِ وَالتَّرهِيبِ.

فَهَذَا البَابُ مَعقُودٌ لِبَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُرَاعِي أَصحَابَهُ وَيُذَكِّرُهُم بِأُمُورِ الآخِرَةِ بِشَكلٍ لَا يَمَلُّ مِنهُ النَّاسُ لَا يَقُولُ لَهُم نَفسَ الكَلَامِ كُلَّ يَومٍ، بَل يَجعَلُ لَهُم مَوعِدًا فِي الأُسبُوعِ فَيَعِظُهُم فِي أُمُورِ الآخِرَةِ أَمَّا فِي أُمُورِ الأَحكَامِ الضَّرُورِيَّةِ هُوَ كُلَّ يِومٍ مَعَهُم كُلَّ يَومٍ يُعَلِّمُهُم، أَمَّا فِي المَوَاعِظِ وَالتَّذكِيرِ بِعَوَاقِبِ الأُمُورِ وَالتَّذكِيرِ بِالثَّوَابِ وَالعَذَابِ كَانَ يَتَخَوَّلُ يَتَحَيَّنُ الفُرَصَ المُنَاسِبَةَ حَتَّى لَا يَمَلُّوا هَذَا، فَمَعَنَى هَذَا الحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَتَعَاهَدُ أَصحَابَهُ بِالنُّصحِ وَالتَّذكِيرِ بِالعَوَاقِبِ كَي لَا يَنفِرُوا حَتَّى لَا يَتَبَاعَدُوا.

١٠ – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخبَرَنَا سُفيَانُ، عَنِ الأَعمَشِ، عَن أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابنِ مَسعُودٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَخَوَّلُنَا بِالمَوعِظَةِ فِي الأَيَّامِ؛

(مَعنَاهُ: يُرَاعِي أَمرَ تَذكِيرِنَا بِعَوَاقِبِ الأُمُورِ فِي أَيَّامٍ مُعَيَّنَةٍ).

كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَينَا.

(كَرَاهَةَ المَلَالَةِ مِنَ المَوعِظَةِ.

١١ – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحيَى بنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو التَّيَّاحِ، عَن أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا،

(قَالَ النَّوَوِيُّ: لَوِ اقتَصَرَ عَلَى يَسِّرُوا لَصَدَقَ عَلَى مَن يَسَّرَ مَرَّةً وَعَسَّرَ كَثِيرًا، فَقَالَ: وَلَا تُعَسِّرُوا لِنَفيِ التَّعسِيرِ فِي جَمِيعِ الأَحوَالِ، وَكَذَا القَولُ فِي عَطفِهِ عَلَيهِ: وَلَا تُنَفِّرُوا)

وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا“.

(وَالمُرَادُ تَألِيفُ مَن قَرُبَ إِسلَامُهُ وَتَركُ التَّشدِيدِ عَلَيهِ فِي الِابتِدَاءِ، وَكَذَلِكَ الزَّجرُ عَنِ المَعَاصِي يَنبَغِي أَن يَكُونَ بِتَلَطُّفٍ لِيُقبَلَ، وَكَذَا تَعَلُّيمُ العِلمَ يَنبَغِي أَن يَكُونَ بِالتَّدرِيجِ، لِأَنَّ الشَّيءَ إِذَا كَانَ فِي ابتِدَائِهِ سَهلًا حُبِّبَ إِلَى مَن يَدخُلُ فِيهِ وَتَلَقَّاهُ بِانبِسَاطٍ وَكَانَت عَاقِبَتُهُ غَالِبًا الِازدِيَادَ، بِخِلَافِ ضِدِّهِ، فَنَبدَأُ بِتَعَلُّمِ العِلمِ بِالتَّدَرُّجِ وَنُحَبِّبُ ذَلِكَ لِلنَّاسِ وَنُعطِيهِم مَا هُوَ الأَسهَلُ عَلَيهِم لِتَتَعَلَّقَ قُلُوبُهُم بِذَلِكَ ثُمَّ مَن تَعَلَّقَ قَلبُهُ بِالعِلمِ غَالِبًا يَطلُبُ المَزِيدَ وَلَا يَشبَعُ أَمَّا لَو كَانَ بِالعَكسِ مِن أَوَّلِ الطَّرِيقِ حَمَّلتَهُ الكَثِيرَ مِنَ المَعلُومَاتِ قَد يَهرُبُ وَلَا يَحضُرُ مَجَالِسَ العِلمِ فَاعمَلُوا بِحَدِيثِ نَبِيِّنَا ﷺ) (قَالَ ابنُ حَجَرٍ: يُستَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ استِحبَابُ تَركِ المُدَاوَمَةِ فِي الجِدِّ فِي العَمَلِ الصَّالِحِ خَشيَةَ المَلَالِ، وَإِن كَانَتِ المُوَاظَبَةُ مَطلُوبَةً لَكِنَّهَا عَلَى قِسمَينِ: إِمَّا كُلَّ يَومٍ مَعَ عَدَمِ التَّكَلُّفِ، وَإِمَّا يَومًا بَعدَ يَومٍ، فَيَكُونُ يَومُ التَّركِ لِأَجلِ الرَّاحَةِ لِيُقبِلَ عَلَى الثَّانِي بِنَشَاطٍ، وَإِمَّا يَومًا فِي الجُمُعَةِ، وَيَختَلِفُ بِاختِلَافِ الأَحوَالِ وَالأَشخَاصِ، وَالضَّابِطُ الحَاجَةُ مَعَ مُرَاعَاةِ وُجُودِ النَّشَاطِ).

‌‌١٢ – بَابُ مَن جَعَلَ لِأَهلِ العِلمِ أَيَّامًا مَعلُومَةً

(وَكُلُّ هَذِهِ الأَبوَابِ هِيَ مِن آدَابِ العَالِمِ وَالمُتَعَلِّمِ وَمَن يُلقِي هَذَا العِلمَ الشَّرعِيَّ عَلَى النَّاسِ، وَفِيهَا تَوجِيهَاتٌ تُفِيدُ المُعَلِّمَ وَطَالِبَ العِلمِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَهِيَ آدَابٌ نَبَوِيَّةٌ فِيهَا أَسَالِيبُ إِيصَالِ العِلمِ لِلنَّاسِ بِرِفقٍ وَشَفَقَةٍ وَمَحَبَّةٍ لِلخَيرِ لَهُم).

١٢ – حَدَّثَنَا عُثمَانُ بنُ أَبِي شَيبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَن مَنصُورٍ، عَن أَبِي وَائِلٍ قَالَ: كَانَ عَبدُ اللهِ

(هُوَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ).

يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ،

(عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ كَانَ يَختَارُ يَومَ الخَمِيسِ لِأَجلِ المَوعِظَةِ وَالإِرشَادِ، يُذَكِّرُهُم بِعَوَاقِبِ الأُمُورِ لِيَنصَحَهُم).

فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبدِ الرَّحمَنِ،

(هَذِهِ كُنيَةُ عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ)

لَوَدِدتُ أَنَّكَ ذَكَّرتَنَا كُلَّ يَومٍ؟

هَذَا مِن أَصحَابِ عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ، كَانَ يَقُولُ أَبُو وَائِلٍ أَنَّ عَبدَ اللهِ بنَ مَسعُودٍ كَانَ يُذَكِّرُ وَيَعِظُ النَّاسَ وَيُذَكِّرُهُم بِعَوَاقِبِ الأُمُورِ كُلَّ يَومِ خَمِيسٍ مَرَّةً بِالأُسبُوعِ، فَقَالَ لَهُ هَذَا الرَّجُلُ مِن أَصحَابِ ابنِ مَسعُودٍ لِمَاذَا لَا تَعِظُنَا كُلَّ يَومٍ، كُلَّ يَومٍ ذَكِّرنَا بِالآخِرَةِ وَعَوَاقِبِ الأُمُورِ وَانصَحنَا وَعِظنَا، مِن شَيءٍ غَيرِ مَوضُوعِ الأَحكَامِ هَذَا حَرَامٌ وَهَذَا حَلَالٌ، فَكَانَ جَوَابُهُ:

قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يَمنَعُنِي مِن ذَلِكَ أَنِّي أَكرَهُ أَن أُمِلَّكُم،

(أَن أُدخِلَ عَلَيكُمُ المَلَلَ وَالضَّجَرَ)

وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُم بِالمَوعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا؛ مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَينَا.

‌‌١٣ – بَابٌ: مَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفَقِّههُ فِي الدِّينِ

مَن أَرَادَ اللهُ بِهِ خَيرًا كَثِيرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ، يُسَهِّلُ لَهُ وَيَرزُقُهُ أَن يَتَعَلَّمَ عِلمَ الدِّينِ مِن أَهلِ العِلمِ وَالمَعرِفَةِ، وَمَن لَم يُيَسِّرِ اللهُ لَهُ أَن يَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ فَهَذَا مَعنَاهُ أَنَّ اللهَ مَا أَرَادَ بِهِ خَيرًا كَثِيرًا).

١٣ – حَدَّثَنَا سَعِيدُ بنُ عُفَيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابنُ وَهبٍ، عَن يُونُسَ، عَنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ حُمَيدُ بنُ عَبدِ الرَّحمَنِ: سَمِعتُ مُعَاوِيَةَ خَطِيبًا يَقُولُ: سَمِعتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: “مَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفَقِّههُ فِي الدِّينِ،

(قَالَ ابنُ حَجَرٍ: وَمَفهُومُ الحَدِيثِ أَنَّ مَن لَم يَتَفَقَّه فِي الدِّينِ – أَي لَم يَتَعَلَّم قَوَاعِدَ الإِسلَامِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنَ الفُرُوعِ – فَقَد حُرِمَ الخَيرَ، وَفِي ذَلِكَ بَيَانٌ ظَاهِرٌ لِفَضلِ العُلَمَاءِ عَلَى سَائِرِ النَّاسِ، وَلِفَضلِ التَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ عَلَى سَائِرِ العُلُومِ).

وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ وَاللهُ يُعطِي،

(وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَي أَقسِمُ بَينَكُم تَبلِيغَ الوَحيِ مِن غَيرِ تَخصِيصٍ، أَنَا أُبَلِّغُ الجَمِيعَ وَأُعَلِّمُ الجَمِيعَ مَا أَوحَى اللهُ تَعَالَى بِهِ إِلَيَّ، وَلَا يُقَصِّرُ ﷺ، وَاللهُ يُعطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنكُم مِنَ الفَهمِ عَلَى قَدرِ مَا تَعَلَّقَت بِهِ إِرَادَةُ اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، يَعنِي التَّفَاوُتُ فِي أَفهَامِكُم مِنَ اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، النَّبِيُّ يُبَلِّغُ وَاللهُ تَعَالَى يُعطِي الفَهمَ السَّلِيمَ لِمَن يَشَاءُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فَالتَّفَاوُتُ فِي الأَفهَامِ هَذَا مِنَ اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، هَذَا أَفهَمُ مِن هَذَا وَذَاكَ أَفهَمُ مِن ذَاكَ، اللهُ تَعَالَى يَفعَلُ مَا يُرِيدُ).

وَلَن تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمرِ اللهِ لَا يَضُرُّهُم مَن خَالَفَهُم حَتَّى يَأتِيَ أَمرُ اللهِ“.

(قَالَ ابنُ حَجَرٍ: وَقَد جَزَمَ البُخَارِيُّ بِأَنَّ المُرَادَ بِهِم أَهلُ العِلمِ بِالآثَارِ، وَقَالَ أَحمَدُ بنُ حَنبَلٍ: إِن لَم يَكُونُوا أَهلَ الحَدِيثِ، فَلَا أَدرِي مَن هُم، وَقَالَ القَاضِي عِيَاضٌ: أَرَادَ أَحمَدُ أَهلَ السُّنَّةِ وَمَن يَعتَقِدُ مَذهَبَ أَهلِ الحَدِيثِ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: مُحتَمَلٌ أَن تَكُونَ هَذِهِ الطَّائِفَةُ فِرقَةً مِن أَنوَاعِ المُؤمِنِينَ مِمَّن يُقِيمُ أَمرَ الله تَعَالَى مِن مُجَاهِدٍ وَفَقِيهٍ، وَمُحَدِّثٍ وَزَاهِدٍ، وَآمِرٍ بِالمَعرُوفِ وَغَيرِ ذَلِكَ مِن أَنوَاعِ الخَيرِ، وَلَا يَلزَمُ اجتِمَاعُهُم فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ) (وَقَالَ ابنُ حَجَرٍ: هَذَا الحَدِيثُ مُشتَمِلٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحكَامٍ: أَحَدُهَا: فَضلُ النَّفَقَةِ فِي الدِّينِ، وَثَانِيهَا: أَنَّ المُعطِيَ فِي الحَقِيقَةِ هُوَ الله، وَثَالِثُهَا: أَنَّ بَعضَ هَذِهِ الأُمَّةِ يَبقَى عَلَى الحَقِّ أَبَدًا، فَالأَوَّلُ لَائِقٌ بِأَبوَابِ العِلمِ، وَالثَّانِي لَائِقٌ بِقَسمِ الصَّدَقَاتِ، وَلِهَذَا أَورَدَهُ مُسلِمٌ فِي الزَّكَاةِ، وَالبُخَارِيُّ فِي الخُمُسِ، وَالثَّالِثُ لَائِقٌ بِذِكرِ أَشرَاطِ السَّاعَةِ، والمُرَادُ بِأَمرِ الله هُنَا الرِّيحُ الَّتِي تَقبِضُ رُوحَ كُلِّ مَن فِي قَلبِهِ شَيءٌ مِنَ الإِيمَانِ وَيَبقَى شِرَارُ النَّاسِ فَعَلَيهِم تَقُومُ السَّاعَةُ).

(مَعنَاهُ: لَن تَزَالَ هَذِهِ الأُمَّةُ قَائِمَةً عَلَى أَمرِ اللهِ مَعنَاهُ الإِسلَامُ سَيَبقَى مُستَمِّرًا إِلَى أَن يَأتِيَ أَمرُ اللهِ أَمرُ اللهِ، وَالمُرَادُ بِهِ الرِّيحُ الَّتِي تَهُبُّ فَتَقبِضُ أَروَاحَ المُسلِمِينَ، وَهَذَا مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الكُبرَى، إِذَا جَاءَت تِلكَ الرِّيحُ وَقَبَضَت أَروَاحَ المُسلِمِينَ وَمَاتُوا جَمِيعًا عِندَ ذَلِكَ الوَقتِ لَا يَبقَى عَلَى وَجهِ الأَرضِ مُسلِمٌ، هَذَا مَعنَى لَا يَضُرُّهُم مَن خَالَفَهُم حَتَّى يَأتِيَ أَمرُ اللهِ، فَعِندَئِذٍ لَا يَبقَى عَلَى الأَرضِ إِلَّا شِرَارُ النَّاسِ إِلَّا الكُفَّارُ، نَستَطِيعُ أَن نَأخُذَ مِنَ الأَحَادِيثِ رَدًّا عَلَى هَذِهِ الفِرقَةِ المَعرُوفَةِ اليَومَ وَهِيَ فِرقَةُ الخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ المُسلِمِينَ يَعنِي حُكَّامًا وَشُعُوبًا حَتَّى قَالَ زَعِيمُهُم فِي بَعضِ كُتُبِهِ: الإِسلَامُ اليَومَ مُتَوَقِّفٌ عَنِ الوُجُودِ مُجَرَّد الوُجُودِ، قَالَ مَا فِي إِسلَامٌ كُلُّهُم كُفَّارٌ، هَذَا لَفظُهُ فِي كِتَابِهِ، وَقَالَ أَيضًا: ارتَدَّتِ البَشَرِيَّةُ بِجُملَتِهَا إِلَى عِبَادَةِ العِبَادِ، فَمَن يُكَفِّرُ النَّاسَ وَمَن يُكَفِّرُ المُسلِمِينَ وَمَن يُكَفِّرُ أُمَّةَ النَّبِيِّ ﷺ وَمَن يُكَفِّرُ العُلَمَاءَ وَالعَوَامَّ هُم هَذِهِ الفِرقَةُ المُسَمَّاةُ فِرقَةَ الخَوَارِجِ).
الدعاء

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين.

اللهم يا خير من سئل، وأجود من أعطى، وأعدل من حكم، وأصدق من حدث، وأوفى من وعد، وأبصر من راقب، وأسرع من حاسب، وأرحم من عاقب، وأحكم من شرع، وأولى من دعي، وأبر من أجاب، تول أمرنا وأحسن خلاصنا واغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا.

اللهم إنا أسألك فواتح الخير، وخواتـمه، وجوامعه، وأوله، وظاهره، وباطنه، والدرجات العلى من الجنة.

اللهم لك الحمد كله، اللهم لا قابض لما بسطت، ولا باسط لما قبضت، ولا هادي لمن أضللت ولا مضل لمن هديت، ولا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت، ولا مقرب رب لما باعدت، ولا مباعد لما قربت، اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك وفضلك ورزقك، اللهم إني أسألك النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يـزول.

اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق؛ أحينا ما علمت الحياة خيرا لنا، وتوفنا إذا علمت الوفاة خيرا لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك نعيما لا ينفد، ونسألك قرة عين لا تنقطع،

اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا ضالا إلا هديته، ولا غائبا إلا رددته، ولا مظلوما إلا نصرته، ولا أسيرا إلا فككته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا حاجة لنا فيها صلاح ولك فيها رضا إلا قضيتها ويسرتها بفضلك يا أكرم الأكرمين.

اللهم فَرِّجِ الكَربَ عَنِ الأَقصَى يَا رَبَّ العَالَمِينَ، يَا اللهُ احفَظِ المُسلِمِينَ وَالمَسجِدَ الأَقصَى مِن أَيدِي اليَهُودِ المُدَنِّسِينَ، يَا اللهُ ارزُقنَا صَلَاةً فِي المَسجِدِ الأَقصَى مُحَرَّرًا، نَسجُدُهَا شُكرًا لَكَ عَلَى النَّصرِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، يَا اللهُ انصُرِ الإِسلَامَ وَالمُسلِمِينَ، يَا قَوِيُّ يَا مَتِينُ انصُرِ المُسلِمِينَ فِي غَزَّةَ، يَا اللهُ يَا مَن لَا يُعجِزُكَ شَيءٌ ثَبِّتِ المُسلِمِينَ فِي غَزَّةَ وَأَمِدَّهُم بِمَدَدٍ مِن عِندِكَ، وَارزُقهُم نَصرًا قَرِيبًا مُؤَزَّرًا، اللهم عَلَيكَ بِاليَهُودِ أَعدَاءِ هَذَا الدِّينِ، اللهم أَحصِهِم عَدَدًا، وَاقتُلهُم بَدَدًا، وَلَا تُغَادِر مِنهُم أَحَدًا، يَا اللهُ يَا رَحمَنُ يَا رَحِيمُ اشفِ جَرحَى المُسلِمِينَ فِي غَزَّةَ وَفِلِسطِينَ، وَتَقَبَّل شُهَدَاءَهُم، وَأَنزِلِ الصَّبرَ وَالسَّكِينَةَ عَلَى قُلُوبِ أَهلِهِم، اللهم إِنَّا نَستَودِعُكَ غَزَّةَ وَأَهلَهَا، وَأَرضَهَا وَسَمَاءَهَا، وَرِجَالَهَا وَنِسَاءَهَا وَأَطفَالَهَا، فَيَا رَبِّ احفَظهُم مِن كُلِّ سُوءٍ.

وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على سيدِ الأنبياءِ والمرسلِينَ وسلَامٌ علَى المُرسَلِينَ والحَمدُ للهِ ربِّ العالَمِينَ.

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …