الأولياء وكراماتهم | الحلقة 4: طريق الولاية علم وعمل

المقدمة
الحَمدُ للهِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِجَلَالِ مَلَكُوتِهِ، وَتَوَحَّدَ بِعِزِّهِ وَكِبرِيَائِهِ، وَتَعَالَى فِي ذَاتِهِ عَنْ مُشَابَهَةِ كُلِّ نَظِيرٍ، وَتَنَزَّهَ فِي صِفَاتِهِ عَنْ كُلِّ تَنَاهٍ وَقُصُورٍ، لَهُ الصِّفَاتُ الْمُختَصَّةُ بِحَقِّهِ، وَالآيَاتُ الْمُثْبِتَةُ بِأَنَّهُ غَيرُ مُشَابِهٍ لِخَلقِهِ. فَسُبحَانَهُ مِنْ عَزِيزٍ، لَا حَدَّ يَنَالُهُ، وَلَا أَمَدَ وَلَا مَكَانَ يَحصُرُهُ، وَلَا أَحَدَ يُشَارِكُهُ، وَلَا وَلَدَ وَلَا زَوْجَةَ لَهُ، وَلَا عَدَدَ يَجمَعُهُ، وَلَا مَكَانَ يُمسِكُهُ، وَلَا زَمَانَ يُدرِكُهُ، وَلَا فَهمَ يُقَدِّرُهُ، وَلَا وَهْمَ يُصَوِّرُهُ.

تَعَالَى عَنْ أَنْ يُقَالَ: كَيفَ هُوَ؟ أَوْ أَينَ هُوَ؟ إِذْ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ، وَلَا يَغلِبُهُ حَيٌّ، وَهُوَ الخَبِيرُ القَدِيرُ. أَحْمَدُهُ عَلَى مَا يُولِي وَيَصنَعُ، وَأَشكُرُهُ عَلَى مَا يَرفَعُ مِنَ البَلَايَا وَيَدفَعُ، وَأَتَوَكَّلُ عَلَيهِ وَأَقنَعُ، وَأَرْضَى بِمَا يُعطِي وَيَمنَعُ. وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةَ مُوقِنٍ بِتَوحِيدِهِ، مُستَجِيرٍ بِحُسْنِ تَأيِيدِهِ. وَأَشهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ الْمُصطَفَى، وَأَمِينُهُ الْمُجتَبَى وَرَسُولُهُ الْمَبعُوثُ إِلَى كَافَّةِ الوَرَى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ مَصَابِيحِ الدُّجَى، وَعَلَى أَصحَابِهِ مَفَاتِيحِ الْهُدَى، وَسَلَّمَ تَسلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعدُ:

بيان معنى الولاية العامة والخاصة وما هو طريق الولاية
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ﴾، وقال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، وَالْمُرادُ هُنا الْمُؤْمِنُ الكَامِلُ الَّذِي أَدَّى الوَاجِبَاتِ كُلَّهَا وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ وَاجْتَنَبَ الْمَحَرَّمَاتِ كُلَّهَا، كَبِيرَها وَصَغِيرَها، وَثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ وَأَكْثَرَ مِنَ النَّوافِل، وَلَوْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنَ النَّوافِلِ أَوْ بِأَكْثِرَ. وَلَيسَ شَرطًا أَنْ يُكثِر مِن أَنوَاعِ النَّوافِل! أَهْلُ الطَّاعَاتِ تَخْتَلِفُ أَحْوالُهُم. بَعضُهم يُحَبَّبُ إِلَيْهِ كَثْرَةُ الصلاة، فَيُكْثِر مِنْ صَلَوَاتِ النَّوَافِلِ. بَعضُهُمْ يُحَبَّبُ إِلَيْهِ الإِكْثارُ مِنْ غَيرِ ذَلِكَ مِنَ النَّوَافِلِ كَالذِّكْرِ بِاللِّسَانِ. وَلَيسَ الأَمْرُ كَمَا يَزْعُمُ بَعْضُ النَّاسِ فِي أَيَّامِنَا أَنَّ الوِلَايَةَ شَرْبَةُ مَاءٍ، فَقَالُوا تَقَعُدُ عِنْدَ الشَّيْخِ، يُعْطِيكَ عَهْدًا أَوْ وِرْدًا أَوْ يَسقِيكَ ماءً أَوْ يُلْبِسُكَ ثَوْبًا أَوْ يَدْعُو لَكَ بِدُعَاءٍ، وَانتَهَى الأَمرُ!! لَا! لَيسَ هَذَا طَرِيقَ الوِلَايَةِ، إِنَّمَا طَرِيقُ الوِلَايَةِ فِيهِ مُجاهَدَةٌ وَتَعَبٌ، فِيهِ أَدَاءُ الوَاجِبَاتِ وَالثَّبَاتُ عَلَى ذَلِكَ، اجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ وَالثَّبَاتُ عَلَى ذَلِكَ. أَدَاءُ الوَاجِبَاتِ كُلِّهَا بِمَا فِي ذَلِكَ الأَمرُ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيُ عَنِ المُنكَرِ حَيثُ يَجِبُ عَلَيْكَ. فَهَذَا لَيسَ أَمْرًا يَنَالُهُ كُلُّ النَّاسِ بِسُهُولَةٍ.

صَحَّ فِي الحَدِيثِ: “حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ”! مُحَمَّدُ بنُ الْمُنْكَدِر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: “جَاهَدْتُ نَفْسِي أَربَعِينَ سَنَةً حَتَّى اسْتَقامَت!”، اللهُ يُوَفِّقُ مَنْ يَشَاءُ.

وَالوِلَايَةُ المَعنِيَّةُ هُنَا هِيَ الوِلَايَةُ الخَاصَّةُ وَلَيسَتِ الوِلَايَةَ العَامَّةَ الَّتِي تَكُونُ لِجَمِيعِ المُسلِمِينَ، فَقَدْ قَالَ الإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ فِي العَقِيدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ: “وَالْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ أَوْلِيَاءُ الرَّحْمٰنِ وَأَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللهِ أَطْوَعُهُمْ وَأَتْبَعُهُمْ لِلْقُرْءَانِ”. اهـ مَعنَاهُ: الْمُؤْمِنُونَ كُلُّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي الْوِلايَةِ الْعَامَّةِ أَمَّا الْوِلايَةُ الْخَاصَّةُ فَهِيَ لِأَهْلِ الِاسْتِقَامَةِ فَقَطْ، وأَشَدُّهُمْ طَاعَةً هُوَ أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِى هُوَ أَتْبَعُهُمْ لِلْقُرْءَانِ أَيْ أَشَدُّهُمْ عَمَلًا بِالْقُرْءَانِ.

وَهَذَا الكَلَامُ مِنَ الطَّحَاوِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الوِلَايَةَ لَا تَكُونُ لِمَن كَانَ مُخَالِفًا لِدِينِ اللهِ، كَمَا يَزعُمُ بَعضُ الجَهَلَةِ الدَّجَّالِينَ هَذِهِ الأَيَّامَ، فَإِنَّهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامٍ فِيهِ مُخَالَفَةٌ صَرِيحَةٌ لِلقُرآنِ الكَرِيمِ وَيَزعُمُونَ أَنَّهُمْ أَولِيَاءُ اللهِ، وَفِي رَدِّ هَذَا يَقُولُ وَلِيُّ اللهِ السَّيِّدُ الشَّرِيفُ أَحمَدُ الرِّفَاعِيُّ الكَبِيرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ: «كُلُّ طَرِيقَةٍ خَالَفَتِ الشَّرِيعَةَ فَهِيَ زَندَقَةٌ»، أَي تُوزَنُ أَفعَالُهُ وَأَقوَالُهُ بِمِيزَانِ الشَّرعِ فَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهَا فَتُترَكُ.

وَقَالَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «سَلِّمْ لِلقَومِ أَحوَالَهُم مَا لَم يُخَالِفُوا الشَّرعَ، فَإِنْ خَالَفُوا الشَّرعَ فَكُنْ مَعَ الشَّرعِ».اهـ

وَقَالَ أَيضًا: «إِذَا رَأَيتَ الرَّجُلَ يَطِيرُ فِي الهَوَاءِ فَلَا تَعتَبِرْهُ حَتَّى تَزِنَ أَقوَالَهُ وَأَفعَالَهُ بِمِيزَانِ الشَّرعِ»اهـ

وَقَدْ قَالَ تِلمِيذُ الشَّافِعِيِّ يُونُسُ بنُ عَبدِ الأَعلَى الصَّدَفِيُّ: قُلتُ لِلشَّافِعِيِّ: كَانَ اللَّيثُ بنُ سَعدٍ يَقُولُ: إِذَا رَأَيتُمُ الرَّجُلَ يَمشِي عَلَى المَاءِ فَلَا تَغتَرُّوا بِهِ حَتَّى تَعرِضُوا أَمْرَهُ عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: قَصَّرَ اللَّيثُ رَحِمَهُ اللهُ، بَلْ إِذَا رَأَيتُمُ الرَّجُلَ يَمشِي عَلَى الْمَاءِ وَيَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ فَلَا تَغْتَرُّوا بِهِ حَتَّى تَعرِضُوا أَمرَهُ عَلَى الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.اهـ

إِذًا لَا يَصِلُ العَبدُ إِلَى مَقَامِ الوِلَايَةِ الكَامِلَةِ إِلَّا إِذَا كَمُلَ عَقلُهُ، وَعَلَتْ هِمَّتُهُ، وَصَحَّ صِدقُهُ، وَتَمَّ اتِّبَاعُهُ فِي الأَقوَالِ وَالأَفعَالِ لِلنَّبِيِّ ﷺ.

الأَولِيَاءُ أَفضَلُ عِندَ اللهِ مِنَ الأَتقِيَاءِ مِمَّنْ لَم يَصِلُوا إِلَى الوِلَايَةِ الخَاصَّةِ، فَأَوَّلُ مَرحَلَةٍ أَنْ يَكُونَ العَبدُ مُؤمِنًا، غَيرُ المُؤمِنِ مِمَّنْ فَسَدَتْ عَقِيدَتُهُ لَا يُسَمَّى وَلِيًّا وَإِنْ أَطَالَ لِحيَتَهُ وَإِنْ أَظهَرَ ذِكرَ اللهِ وَإِنْ عَمِلَ مَجَالِسَ الذِّكرِ وَإِنْ قَبَّلَ النَّاسُ يَدَيهِ وَرِجلَيهِ وَاعتَقَدُوا فِيهِ الوِلَايَةَ وَإِنْ رَأَوا مِنهُ العَجَائِبَ ظَاهِرًا، وَاحِدٌ كَانُ يُظهِرُ العَجَائِبَ يَضَعُ المِلحَ فِي يَدِهِ فَيُرِيهِ لِلنَّاسِ أَنَّهُ لَوزٌ، وَالعِيَاذُ بِاللهِ كَانَ يَقوُلُ كَلَامًا مُخَالِفًا لِلتَّوحِيدِ لِلعَقِيدَةِ يَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا أَوَّلُ المَخلُوقَاتِ وَنَحوَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ نُورٌ عَلَى مَعنَى الضَّوءِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، يَدَّعِي الوِلَايَةَ وَيُظهِرُ لِلنَّاسِ عجائب بِزَعمِهِ أَنَّهَا كَرَامَاتٌ وَالنَّاسُ يُصَدِّقُونَهُ وَيَأتُونَهُ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ بِزَعمِهِمْ، هَذَا وَإِنْ أَظهَرَ مَا أَظهَرَ لَا عِبرَةَ بِهِ لِأَنَّ كَلَامَهُ مُخَالِفٌ لِلكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لَا نَقُولُ عَنهُ وَلِيٌّ وَلَا تَقِيٌّ وَبَعضُهُمْ يَقَعُ فِي الكُفرِ الصَّرِيحِ وَيَدَّعِي الوِلَايَةَ.

أَوَّلُ شَرطٍ لِلوِلَايَةِ وَلِقَبُولِ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ هُوَ الإِيمَانُ، كَيفَ يَكُونُ عَلَى اعتِقَادٍ فَاسِدٍ مُخَالِفٍ لِاعتِقَادِ الأَولِيَاءِ وَيَدَّعِي طَرِيقَتَهُمْ وَطَرِيقَهُمْ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، ثُمَّ بَعدَ الإِيمَانِ لَا بُدَّ مِنْ شَرطٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَتَعَلَّمَ المُؤمِنُ مَا فَرَضَ اللهُ ثُمَّ يُؤَدِّي الوَاجِبَاتِ وَيَجتَنِبُ المُحَرَّمَاتِ فَيُسَمَّى تَقِيًّا، فَإِذَا ثَبَتَ عَلَى ذَلِكَ وَأَكثَرَ مِن نَوَافِلِ الطَّاعَاتِ وَلَو نَافِلَةً وَاحِدَةً يَصِيرُ مِنَ الأَولِيَاءِ.

الأَولِيَاءُ أَفضَلُ مِنَ الأَتقِيَاءِ، المُؤمِنُ إِمَّا أَن يَكُونَ تَقِيًّا وَإِمَّا أَن يَكُونَ عَاصِيًا، وَهَذِهِ المَعَاصِي إِمَّا أَن تَكُونَ كَبَائِرَ وَإِمَّا أَن تَكُونَ صَغَائِرَ، حَتَّى لَو كَانَت صَغَائِرَ نَقُولُ هَذَا مُؤمِنٌ عَاصٍ، التَّقِيُّ هُوَ الَّذِي يُؤَدِّي الوَاجِبَاتِ وَيَجتَنِبُ المُحَرَّمَاتِ، إِذَا صَارَ تَقِيًّا ثُمَّ لَزِمَ بَعدَ ذَلِكَ أَدَاءَ وَفِعلَ النَّوَافِلِ وَلَو نَافِلَةً وَاحِدَةً كَذِكرٍ كَثِيرٍ أَو صَلَاةٍ نَافِلَةٍ كَثِيرَةٍ ثَبَتَ عَلَى هَذَا يَصِيرُ مِنَ الأَولِيَاءِ، الأَولِيَاءُ أَفضَلُ مِن مُجَرَّدِ أَن يَكُونَ الشَّخصُ عَلَى التَّقوَى.

أَفضَلُ الأَولِيَاءِ بَعدَ الأَنبِيَاءِ فِي البَشَرِ أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ وَعُثمَانُ وَعَلِيٌّ وَسَائِرُ العَشَرَةِ المُبَشَّرِينَ بِالجَنَّةِ، أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَفضَلُ الأَولِيَاءِ بَعدَ الأَنبِيَاءِ، وَهُنَا نَتَكَلَّمُ عَنِ البَشَرِ، لِأَنَّ الأَنبِيَاءَ أَوَّلًا ثُمَّ كِبَارُ المَلَائِكَةِ رُؤَسَاءُ المَلَائِكَةِ جِبرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسرَافِيلُ وَعَزرَائِيلُ وَحَمَلَةُ العَرشِ، وَبَعدَ رُؤَسَاءِ المَلَائِكَةِ أَفضَلُ الأَولِيَاءِ أَبُو بَكرٍ الصِّدِّيقُ الَّذِي هُوَ أَفضَلُ أَولِيَاءِ البَشَرِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمُ. الأَنبِيَاءُ أَفضَلُ مِن كُلِّ خَلقِ اللهِ حَتَّى مِنَ المَلَائِكَةِ، ابتِدَاءً مِن آدَمَ إِلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الأَنبِيَاءِ أَفضَلُ مِنَ المَلَائِكَةِ وَأَفضَلُ مِنَ الأَولِيَاءِ، لَا يُوجَدُ فِي خَلقِ اللهِ مَن هُوَ أَفضَلُ مِنَ الأَنبِيَاءِ، لَا يُوجَدُ أَفضَلُ مِنَ الأَنبِيَاءِ، اللهُ تَعَالَى قَالَ بَعدَ ذِكرِ جُملَةٍ مِنَ النَّبِيِّينَ ﴿وَكُلًّا فَضَّلنَا عَلَى العَالَمِينَ﴾، وَالعُلَمَاءُ نَصُّوا أَنَّ تَرتِيبَ الفَضلِ هُوَ كَالتَّالِي: الأَنبِيَاءُ الرُّسُلُ، ثُمَّ الأَنبِيَاءُ غَيرُ الرُّسُلُ، ثُمَّ خَوَاصُّ المَلَائِكَةِ، ثُمَّ خَوَاصُّ أَولِيَاءِ البَشَرِ، ثُمَّ عَوَامُّ أَوْلِيَاءِ المَلَائِكَةِ ثُمَّ عَوَامُّ أَولِيَاءِ البَشَرِ، وَقِيلَ عَوَامُّ أَولِيَاءِ البَشَرِ، ثُمَّ عَوَامُّ أَولِيَاءِ المَلَائِكَةِ.

وَنُكمِلُ فِي الكَلَامِ عَن كَرَامَاتِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ أَبِي حَفصٍ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ.

قصة نيل مصر
رَوَى السُّيُوطِيُّ وَابنُ عَسَاكِرَ وَغَيرُهُمَا أَنَّه لَمَّا فُتِحَتْ مِصْرُ أَتَى أَهْلُهَا إِلَى عَمْرِو بْنِ العَاصِ حِينَ دَخَلَ بَئُونَة مِنْ أَشْهُرِ الْعَجَمِ فَقَالُوا: أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّ لِنِيلِنَا هَذَا سُنَّةً لَا يَجْرِي إِلَّا بِهَا، فَقَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: إِذَا كَانَ ثِنْتَا عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَوْنَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ عَمَدْنَا إِلَى جَارِيَةٍ بِكْرٍ مِنْ أَبَوَيْهَا فَأَرْضَيْنَا أَبَوَيْهَا وَجَعَلْنَا عَلَيْهَا مِنَ الْحُلِيِّ وَالثِّيَابِ أَفْضَلَ مَا يَكُونُ ثُمَّ أَلْقَيْنَاهَا فِي هَذَا النِّيلِ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: إِنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَكُونُ فِي الْإِسْلَامِ، إِنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، قَالَ: فَأَقَامُوا بَئُونَةَ وَأَبِيبَ وَمِسْرَى وَالنِّيلُ لَا يَجْرِي قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا حَتَّى هَمُّوا بِالْجَلَاءِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَمْرٌو كَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَتَبَ: إِنَّكَ قَدْ أَصَبْتَ بِالَّذِي فَعَلْتَ، وَإِنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، وَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ بِبِطَاقَةٍ دَاخِلَ كِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهَا فِي النِّيلِ، فَلَمَّا قَدِمَ كِتَابُ عُمَرَ إِلَى عَمْرٍو أَخَذَ الْبِطَاقَةَ فَفَتَحَهَا فَإِذَا فِيهَا: “مِنْ عَبْدِ اللهِ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى نِيلِ مِصْرَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا تَجْرِي مِنْ قِبَلِكَ فَلَا تَجْرِ، وَإِنْ كَانَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ هُوَ الَّذِي يُجْرِيكَ فَنَسْأَلُ اللهَ الْوَاحِدَ الْقَهَّارَ أَنْ يُجْرِيكَ”، قَالَ: فَأَلْقَى الْبِطَاقَةَ فِي النِّيلِ، فَلَمَّا أَلْقَى الْبِطَاقَةَ أَصْبَحُوا يَوْمَ السَّبْتِ وَقَدْ أَجْرَاهُ اللهُ تَعَالَى سِتَّةَ عَشَرَ ذِرَاعًا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَطَعَ اللهُ تَعَالَى تِلْكَ السُّنَّةَ عَنْ أَهْلِ مِصْرَ إِلَى الْيَوْمِ.اهـ

دَعَا عُمَرُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِذِكرِ اسمَينِ مِنْ أَسمَائِهِ وَهُمَا الوَاحِدُ القَهَّارُ، وَالوَاحِدُ مَعنَاهُ أَنَّ اللهَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الأُلُوهِيَّةِ، وَهُوَ عَرَّفَنَا بِنَفسِهِ أَنَّهُ لَا يُشبِهُ شَيئًا مِن خَلقِهِ وَلَا بِوَجهٍ مِنَ الوُجُوهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ﴾، [سُورَةُ الشُّورَى: 11]، فَهُوَ سُبحَانَهُ وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ وَوَاحِدٌ فِي صِفَاتِهِ وَوَاحِدٌ فِي فِعلِهِ، وَهَذَا أَقصَى مَا يَصِلُ إِلَيهِ الإِنسَانُ مِن مَعرِفَةِ اللهِ، قَالَ الإِمَامُ أَحمَدُ الرِّفَاعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: (غَايَةُ المَعرِفَةِ بِاللهِ الإِيقَانُ بِوُجُودِهِ تَعَالَى بِلَا كَيفٍ وَلَا مَكَانٍ).

وَهَذَا هُوَ التَّوحِيدُ الَّذِي هُوَ مِفتَاحُ الدُّخُولِ إِلَى الجَنَّةِ، وََمَنْ لَمْ يَكُنْ مُؤمِنًا وَلَوْ أَدَّى صُورَةَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَقَالَ مَا قَالَ وَفَعَلَ مَا فَعَلَ مَعَ فَقْدِهِ التَّوحِيدَ فَهَذَا لَا يَشَمُّ رِيحَ الجَنَّةِ وَلَا يَدخُلُهَا.

قَالَ ابنُ حَجَرٍ: أَهْلُ السُّنَّةِ فَسَّرُوا التَّوْحِيدَ بِنَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالتَّعْطِيلِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْجُنَيْدُ فِيمَا حَكَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ: التَّوْحِيدُ إِفْرَادُ الْقَدِيمِ مِنَ الْمُحْدَثِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ، فِي كِتَابِ الْحُجَّةِ: التَّوْحِيدُ مَصْدَرُ وَحَّدَ يُوَحِّدُ، وَمَعْنَى وَحَّدْتُ اللهَ: اعْتَقَدْتُهُ مُنْفَرِدًا بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا شَبِيهَ. وَقِيلَ مَعْنَى وَحَّدْتُهُ: عَلِمْتُهُ وَاحِدًا، وَقِيلَ: سَلَبْتُ عَنْهُ الْكَيْفِيَّةَ وَالْكَمِّيَّةَ فَهُوَ وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ لَا انْقِسَامَ لَهُ، وَفِي صِفَاتِهِ لَا شَبِيهَ لَهُ، فِي إِلَاهِيَّتِهِ وَمُلْكِهِ وَتَدْبِيرِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، وَلَا خَالِقَ غَيْرُهُ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: تَضَمَّنَ مَعنَى التَّوحِيدِ أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ؛ لِأَنَّ الجِسْمَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَشْيَاءَ مُؤَلَّفَةٍ، وَذَلِكَ يَرُدُّ عَلَى الْمُشَبِّهَةِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهُ جِسْمٌ.

وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي الْمَقَالَاتِ أَنَّهُمْ يَنْفُونَ الصِّفَاتِ حَتَّى نُسِبُوا إِلَى التَّعْطِيلِ، وَقَالَ ابنُ حَجَرٍ: وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الجَهمِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ خَلَفِ بنِ سُلَيْمَانَ البَلخِيِّ قَالَ: كَانَ جَهْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَكَانَ فَصِيحًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَفَاذٌ فِي الْعِلْمِ، فَلَقِيَهُ قَوْمٌ مِنَ الزَّنَادِقَةِ، فَقَالُوا لَهُ: صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ، فَدَخَلَ البَيْتَ لَا يَخْرُجُ مُدَّةً، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: هُوَ هَذَا الهَوَاءُ مَعَ كُلِّ شَيْءٍوَفِي كُلِّ شَيْءٍ وَلَا يَخْلُو مِنْهُ شَيْءٌ.اهـ

من كرامات عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وَرُوِيَ أَنَّهُ وَقَعَتِ الزَّلْزَلَةُ فِي المَدِينَةِ فَضَرَبَ عُمَرُ الدِّرَّةَ عَلَى الْأَرْضِ وَقَالَ: اسْكُنِي بِإِذْنِ اللهِ أَلَمْ أَعْدِلْ عَلَيكِ؟! فَسَكَنَتْ وَمَا حَدَثَتِ الزَّلزَلَةُ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ.اهـ

وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ مَلِكِ الرُّومِ جَاءَ إِلَى عُمَرَ فَطَلَبَ دَارَهُ فَظَنَّ أَنَّ دَارَهُ مِثْلُ قُصُورِ الْمُلُوكِ فَقَالُوا: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الصَّحْرَاءِ فَلَمَّا ذَهَبَ إِلَى الصَّحْرَاءِ رَأَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَضَعَ دِرَّتَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ وَنَامَ عَلَى التُّرَابِ، فَعَجِبَ الرَّسُولُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ يَخَافُونَ مِنْ هَذَا الْإِنْسَانِ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ! ثُمَّ قَالَ فِي نَفْسِهِ: إِنِّي وَجَدْتُهُ خَالِيًا فَأَقْتُلُهُ وَأُخَلِّصُ النَّاسَ مِنْهُ. فَلَمَّا رَفَعَ السَّيْفَ أَخْرَجَ اللهُ مِنَ الْأَرْضِ أَسَدَيْنِ فَقَصَدَاهُ فَخَافَ وَأَلْقَى السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ وَانْتَبَهَ عُمَرُ وَلَمْ يَرَ شَيْئًا فَسَأَلَهُ عَنِ الحَالِ فَذَكَرَ لَهُ الوَاقِعَةَ وَأَسْلَمَ.

وَعَنْ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: أَصَابَ النَّاسَ قَحْطٌ شَدِيدٌ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَخَرَجَ عُمَرُ بِالنَّاسِ يُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ وَخَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْ رِدَائِهِ جَعَلَ اليَمِينَ عَلَى اليَسَارِ وَالْيَسَارَ عَلَى الْيَمِينِ ثُمَّ بَسَطَ يَدَهُ فَقَالَ: «اللهم إِنَّا نَستَغْفِرُكَ وَنَستَسقِيكَ» قَالَ: فَمَا بَرِحَ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى مُطِرُوا فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا أَعْرَابٌ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَأَتَوْا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَا نَحْنُ بِوَادِينَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، إِذْ أَظَلَّنَا غَمَامٌ وَسَمِعْنَا بِهَا صَوْتًا يُنَادِي ‌أَتَاكَ ‌الغَوْثُ ‌أَبَا ‌حَفصٍ ‌أَتَاكَ ‌الغَوْثُ ‌أَبَا ‌حَفصٍ.اهـ

ما روي من كرامات العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه
رَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِذَا أُقْحِطُوا اسْتَسقَى بِالعَبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، قَالَ: وَيَقُولُ: اللهم إِنَّا كُنَّا إِذَا أُقْحِطْنَا تَوَسَّلنَا إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ.اهـ

وَخَطَبَ عُمَرُ النَّاسَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَرَى لِلْعَبَّاسِ مَا يَرَى لِوَالِدِهِ فَيُعَظِّمُهُ وَيُبَجِّلُهُ وَيَبَرُّ لَهُ قَسَمَهُ.

وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: اسْتَسْقَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالْعَبَّاسِ عَامَ الرَّمَادَةِ فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ عِبَادُكَ وَبَنُو إِمَائِكَ أَتَوْكَ رَاغِبِينَ إِلَيْكَ مُتَوَسِّلِينَ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ فَاسْقِنَا سُقْيًا نَافِعَةً تَعُمُّ العِبَادَ وَتُحْيِي البِلَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَسْقِيكَ بِعَمِّ نَبِيِّكَ ﷺ وَنَسْتَشْفِعُ إِلَيْكَ بِشَيْبَتِهِ، فَسُقُوا فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عَبَّاسُ بْنُ عُتْبَةَ بنِ أَبِي لَهَبٍ:

بِعَمِّي سَقَا اللهُ الْحِجَازَ وَأَهْلَهُ
عَشِيَّةَ يَسْتَسْقِي بِشَيْبَتِهِ عُمَرْ

تَوَجَّهَ بِالْعَبَّاسِ فِي الجَدْبِ رَاغِبًا
إِلَيْهِ فَمَا إِنْ رَامَ حَتَّى أَتَى الْمَطَرْ

وَمِنَّا رَسُولُ اللَّهِ فِينَا تُرَاثُهُ
فَهَلْ فَوْقَ هَذَا لِلْمَفَاخِرِ نَفْتَخِرْ

ملاحظة: هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ وَصَرِيحٌ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ، وَبِالنَّبِيِّ ﷺ بِالأَولَى، فَقَدْ أَجمَعَ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا دَلِيلَ حَقِيقِيٌّ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِالأَنبِيَاءِ وَالأَولِيَاءِ فِي حَالِ الغَيبَةِ أَو بَعدَ وَفَاتِهِم بِدَعوَى أَنَّ ذَلِكَ عِبَادَةٌ لِغَيرِ اللهِ، لِأَنَّهُ لَيسَ عِبَادَةً لِغَيرِ اللهِ مُجَرَّدُ النِّدَاءِ لِحَيٍّ أَو مَيِّتٍ، وَلَا مُجَرَّدُ الاستِغَاثَةِ بِغَيرِ اللهِ، وَلَا مُجَرَّدُ قَصدِ قَبرِ نَبِيٍّ أَو وَلِيٍّ لِلتَّبَرُّكِ، وَلَا مُجَرَّدُ طَلَبِ مَا لَم تَجرِ بِهِ العَادَةُ بَينَ النَّاسِ، وَلَا مُجَرَّدُ صِيغَةِ الاستِغَاثَةِ بِغَيرِ اللهِ تَعَالَى، أَي لَيسَ ذَلِكَ شِركًا، لِأَنَّهُ لَا يَنطَبِقُ عَلَيهِ تَعرِيفُ العِبَادَةِ عِندَ اللُّغَوِيِّينَ، لِأَنَّ العِبَادَةَ عِندَهُمُ الطَّاعَةُ مَعَ الخُضُوعِ. التَّوَسُّلُ لُغَةً: مَأخُوذٌ مِنَ الفِعلِ تَوَسَّلَ يَتَوَسَّلُ تَوَسُّلًا أَي عَمِلَ عَمَلًا يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللهِ كَمَا قَالَ الفَيرُوزَأبَادِيُّ فِي القَامُوسِ المُحِيطِ، وَوَسَّلَ إِلَى اللهِ تَعَالَى تَوسِيلًا: عَمِلَ عَمَلًا تَقَرَّبَ بِهِ إِلَيهِ، كَتَوَسَّلَ.

التَّوَسُّلُ شَرعًا: هُوَ طَلَبُ حُصُولِ مَنفَعَةٍ أَوِ اندِفَاعِ مَضَرَّةٍ مِنَ اللهِ بِذِكرِ اسمِ نَبِىٍّ أَو وَلِيٍّ إِكرَامًا لِلمُتَوَسَّلِ بِهِ وَلِيَكُونَ سَبَبًا فِي إِجَابَةِ اللهِ لِلدُّعَاءِ. وَمِنَ الأَدِلَّةِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ: قَولُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ﴾، وَالوَسِيلَةُ فِي اللُّغَةِ هِيَ القُربَةُ، قَالَهُ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا وَرَوَاهُ ابنُ جَرِيرٍ فِي تَفسِيرِهِ، وَهِيَ هُنَا القُربَةُ إِلَى ‏اللهِ تَعَالَى.

وَأَخرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعجَمَيهِ الكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ عَن عُثمَانَ بنِ حُنَيفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى عُثمَانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فِي حَاجَةٍ لَهُ، وَكَانَ عُثمَانُ لَا يَلتَفِتُ إِلَيهِ وَلَا يَنظُرُ فِي حَاجَتِهِ لِانشِغَالِهِ بِالنَّظَرِ فِي أُمُورِ المُسلِمِينَ، فَلَقِيَ هَذَا الرَّجُلُ عُثمَانَ بنَ حُنَيفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَشَكَى إِلَيهِ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُثمَانُ بنُ حُنَيفٍ: (ائتِ المِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ صَلِّ رَكعَتَينِ ثُمَّ قُلْ: “اللهم إنِّي أسْأَلُكَ وأتَوَجَّهُ إِلَيكَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحمَةِ، يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ لِتُقْضَى لِيَ حَاجَتِي” وَتَذكُرُ حَاجَتَكَ، وَرُحْ حَتَّى أَرُوحَ مَعَكَ)، فَانطَلَقَ الرَّجُلُ فَصَنَعَ مَا قَالَ عُثمَانُ لَهُ، ثُمَّ أَتَى عُثمَانَ بنَ عَفَّانٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، فَجَاءَ البَوَّابُ فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ فَأَدخَلَهُ عَلَى عُثمَانَ بنِ عَفَّانٍ فَأَجلَسَهُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ فَقَالَ: (مَا حَاجَتُكَ؟) فَذَكَرَ لَهُ حَاجَتَهُ فَقَضَاهَا لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: (مَا ذَكَرتُ حَاجَتَكَ حَتَّى كَانَت هَذِهِ السَّاعَةُ)، وَقَالَ لَهُ: (مَا كَانَ لَكَ حَاجَةٌ فَأْتِنَا)، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَرَجَ مِن عِندِهِ فَلَقِيَ عُثمَانَ بنَ حُنَيفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَقَالَ لَهُ: جَزَاكَ اللهُ خَيرًا مَا كَانَ يَنظُرُ فِي حَاجَتِي وَلَا يَلتَفِتُ حَتَّى كَلَّمتَهُ فِيَّ، فَقَالَ عُثمَانُ بنُ حُنَيفٍ: (وَاللهِ مَا كَلَّمتُهُ وَلَكِنْ شَهِدتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَقَد أَتَاهُ ضَرِيرٌ فَشَكَا إِلَيهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: “أَوَتَصْبِرْ؟” فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّهُ لَيسَ لِي قَائِدٌ وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: “ائتِ الِميضَأَةَ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ ادْعُ بِهَذِهِ الدَعَوَاتِ“، قَالَ عُثمَانُ بنُ حُنَيفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (فَوَاللهِ مَا تَفَرَّقْنَا وَلَا طَالَ بِنَا الحَدِيثُ حَتَّى دَخَلَ عَلَينَا الرَّجُلُ كَأنَّهُ لَم يَكُن بِهِ ضُرٌّ قَطُّ).اهـ

قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: وَالحَدِيثُ صَحِيحٌ. فَهَذَا الحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ ﷺ فِي غَيرِ حَضرَتِهِ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الأَعمَى، فَقَد ذَهَبَ إِلَى المِيضَأَةِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَدَعَا بِاللَّفظِ الَّذِي عَلَّمَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَالنَّبِيُّ لَم يُفَارِقْ مَجلِسَهُ لِقَولِ رَاوِي الحَدِيثِ عُثمَانَ بنِ حُنَيفٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: (فَوَاللهِ مَا تَفَرَّقنَا وَلَا طَالَ بِنَا المَجلِسُ حَتَّى دَخَلَ عَلَينَا الرَّجُلُ كَأَنَّهُ لَم يَكُنْ بِهِ ضُرٌّ قَطُّ). وَفِيهِ أَيضًا بِشِقِّهِ الآخَرِ المَوقُوفِ عَلَى الصَّحَابِيِّ الجَلِيلِ عُثمَانَ بنِ حُنَيفٍ جَوَازُ التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ ﷺ بَعدَ وَفَاتِهِ، وَفِيهِ أَيضًا جَوَازُ نِدَاءِ النَّبِيِّ ﷺ بِقَولِ “يَا مُحَمَّدُ” مِن بَابِ السَّبَبِ.اهـ

وَدُعَاءُ الخُرُوجِ إِلَى المَسجِدِ، عنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الصَّلاةِ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ وَبِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا وَلا بَطَرًا وَلا رِيَاءً وَلا سُمْعَةً خَرَجْتُ اتِّقَاءَ سَخَطِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ أَسْأَلُكَ أَنْ تُنْقِذَنِي مِنَ النَّارِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ) وَكَّلَ اللهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ”، رَوَاهُ أَحمَدُ وَحَسَّنَهُ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي تَخرِيجِ الأَذكَارِ. فَالرَّسُولُ ﷺ سَأَلَ رَبَّهُ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيهِ وَهَذَا تَوَسُّلٌ مِنهُ ﷺ.

قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفسِيرِهِ بَعدَ سَردِ شَيْءٍ مِنْ كَرَامَاتِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ: وَأَقُولُ: هَذِهِ الوَقَائِعُ رُوِيَتْ بِالآحَادِ، وَهَاهُنَا مَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالتَّوَاتُرِ وَهُوَ أَنَّهُ مَعَ بُعْدِهِ عَنْ زِينَةِ الدُّنْيَا وَاحْتِرَازِهِ عَنِ التَّكَلُّفَاتِ وَالتَّهْوِيلَاتِ سَاسَ الشَّرْقَ وَالْغَرْبَ وَقَلَبَ الْمَمَالِكَ وَالدُّوَلَ لَوْ نَظَرْتَ فِي كُتُبِ التَّوَارِيخِ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَمْ يَتَّفِقْ لِأَحَدٍ -بَعدَ الأَنبِيَاءِ- مِنْ أَوَّلِ عَهْدِ آدَمَ إِلَى الْآنِ مَا تَيَسَّرَ لَهُ فَإِنَّهُ مَعَ غَايَةِ بُعْدِهِ عَنِ التَّكَلُّفَاتِ كَيْفَ قَدَرَ عَلَى تِلْكَ السِّيَاسَاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْكَرَامَاتِ.اهـ

ملخص فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه
وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ دُعِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَوَّلُ مَنْ كَتَبَ التَّارِيخَ، وَجَمَعَ النَّاسَ عَلَى التَّرَاوِيحِ، وَأَوَّلُ مَنْ عَسَّ بِالْمَدِينَةِ، وَحَمَلَ الدِّرَّةَ وَأَدَّبَ بِهَا، وَجَلَدَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ، وَفَتَحَ الْفُتُوحَ، وَمَصَّرَ الْأَمْصَارَ، وَجَنَّدَ الْأَجْنَادَ، وَوَضَعَ الْخَرَاجَ، وَدَوَّنَ الدَّوَاوِينَ، وَعَرَضَ الْأَعْطِيَةَ، وَاسْتَقْضَى الْقُضَاةَ، وَفَتَحَ الشَّامَ كُلَّهُ، وَالْجَزِيرَةَ وَالْمَوْصِلَ، وَآمِدَ، وَأَرْمِينِيَةَ، وَمِصْرَ، وَإِسْكَنْدَرِيَّةَ، وَمَاتَ وَعَسَاكِرُهُ عَلَى بِلَادِ الرَّيِّ. فَتَحَ مِنَ الشَّامِ الْيَرْمُوكَ، وَبُصْرَى، وَدِمَشْقَ، وَالْأُرْدُنَّ، وَبَيْسَانَ، وَطَبَرِيَّةَ، وَالْجَابِيَةَ، وَفِلَسْطِينَ، وَالرَّمْلَةَ، وَعَسْقَلَانَ، وَغَزَّةَ، وَالسَّوَاحِلَ وَالْقُدْسَ. وَطَرَابُلُسَ الْغَرْبِ، وَبَرْقَةَ وَمِنْ مُدُنِ الشَّامِ بَعْلَبَكَّ، وَحِمْصَ، وَقِنَّسْرِينَ، وَحَلَبَ وَأَنْطَاكِيَةَ، وَفَتَحَ الْجَزِيرَةَ، وَحَرَّانَ، وَالرُّهَا، وَالرَّقَّةَ، وَنَصِيبِينَ، وَدِيَارَ بَكْرٍ، وَدِيَارَ رَبِيعَةَ، وَبِلَادَ الْمَوْصِلِ، وَأَرْمِينِيَةَ جَمِيعَهَا.

وَبِالْعِرَاقِ الْقَادِسِيَّةَ، وَالْحِيرَةَ، وَسَابَاطَ، وَمَدَائِنَ كِسْرَى. وَكُورَةَ الْفُرَاتِ، وَدِجْلَةَ، وَالْأَبُلَّةَ، وَالْبَصْرَةَ، وَالْأَهْوَازَ، وَفَارِسَ وَنَهَاوَنْدَ، وَهَمَذَانَ، وَالرَّيَّ، وَقُومِسَ، وَخُرَاسَانَ، وَإِصْطَخْرَ، وَأَصْبَهَانَ، وَالسُّوسَ، وَمَرْوَ، وَنَيْسَابُورَ، وَجُرْجَانَ، وَأَذْرَبِيجَانَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَقَطَعَتْ جُيُوشُهُ النَّهْرَ مِرَارًا.

وَكَانَ مُتَوَاضِعًا فِي اللهِ، خَشِنَ الْعَيْشِ، خَشِنَ الْمَطْعَمِ، شَدِيدًا فِي ذَاتِ اللهِ، يُرَقِّعُ الثَّوْبَ بِالْأَدِيمِ، وَيَحْمِلُ الْقِرْبَةَ عَلَى كَتِفَيْهِ، مَعَ عِظَمِ هَيْبَتِهِ، وَيَرْكَبُ الْحِمَارَ عُرْيًا، وَالْبَعِيرَ مَخْطُومًا بِاللِّيفِ، وَكَانَ قَلِيلَ الضَّحِكِ لَا يُمَازِحُ أَحَدًا، وَكَانَ نَقْشُ خَاتَمِهِ: كَفَى بِالْمَوْتِ وَاعِظًا يَا عُمَرُ. وَقِيلَ لِعُمَرَ: إِنَّكَ فَظٌّ. فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَلَأَ قَلْبِي لَهُمْ رُحْمًا، وَمَلَأَ قُلُوبَهُمْ لِي رُعْبًا. وَكَانَ عُمَرُ إِذَا اسْتَعْمَلَ عَامِلًا كَتَبَ لَهُ عَهْدًا، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ رَهْطًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْكَبَ بِرْذَوْنًا (وَهُوَ نَوعٌ مِنَ الدَّوَابِّ)، وَلَا يَأْكُلَ نَقِيًّا، وَلَا يَلْبَسَ رَقِيقًا، وَلَا يُغْلِقَ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَاتِ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ انزل عَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ. وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ إِذَا حَدَّثَهُ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ فَيَكْذِبُ فِيهِ الْكَلِمَةَ وَالْكَلِمَتَيْنِ، فَيَقُولُ عُمَرُ: احْبِسْ هَذِهِ احْبِسْ هَذِهِ. فَيَقُولُ الرَّجُلُ: وَاللهِ كُلُّ مَا حَدَّثْتُكُ بِهِ حَقٌّ غَيْرَ مَا أَرَدْتَنِي أَنْ أَحْبِسَهُ.

وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ: أَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يُرِدِ الدُّنْيَا وَلَمْ تُرِدْهُ، وَأَمَّا عُمَرُ فَأَرَادَتْهُ فَلَمْ يُرِدْهَا، وَأَمَّا نَحْنُ فَتَمَرَّغْنَا فِيهَا ظَهْرًا لِبَطْنٍ.

وَعُوتِبَ عُمَرُ فَقِيلَ لَهُ: لَوْ أَكَلْتَ طَعَامًا طَيِّبًا، كَانَ أَقْوَى لَكَ عَلَى الْحَقِّ؟ فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ صَاحِبَيَّ (يَقصِدُ النَّبِيَّ ﷺ وَأَبَا بَكرٍ) عَلَى جَادَّةٍ فَإِنْ تَرَكْتُ جَادَّتَهُمَا لَمْ أُدْرِكْهُمَا فِي الْمَنْزِلِ. وَكَانَ يَلْبَسُ وَهُوَ خَلِيفَةٌ جُبَّةَ صُوفٍ مَرْقُوعَةً بَعْضُهَا بِأَدَمٍ، وَيَطُوفُ بِالْأَسْوَاقِ عَلَى عَاتِقِهِ الدِّرَّةُ يُؤَدِّبُ بِهَا النَّاسَ.

وَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ بَيْنَ كَتِفَيْ عُمَرَ أَرْبَعُ رِقَاعٍ، وَإِزَارُهُ مَرْقُوعٌ بِأَدَمٍ. وَخَطَبَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ رُقْعَةً، وَأَنْفَقَ فِي حَجَّتِهِ سِتَّةَ عَشَرَ دِينَارًا، وَقَالَ لِابْنِهِ: قَدْ أَسْرَفْنَا. وَكَانَ لَا يَسْتَظِلُّ بِشَيْءٍ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُلْقِي كِسَاءَهُ عَلَى الشَّجَرِ وَيَسْتَظِلُّ تَحْتَهُ، وَلَيْسَ لَهُ خَيْمَةٌ وَلَا فُسْطَاطٌ.

وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عُمَرَ فَدَخَلَ حَائِطًا لِحَاجَتِهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ – بَيْنِي وَبَيْنَهُ جِدَارُ الْحَائِطِ -: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ! بَخٍ بَخٍ، وَاللهِ لِتَتَّقِيَنَّ اللهَ بُنَيَّ الْخَطَّابِ أَوْ لِيُعَذِّبَنَّكَ. وَقِيلَ إِنَّهُ حَمَلَ قِرْبَةً عَلَى عَاتِقِهِ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّ نَفْسِي أَعْجَبَتْنِي فَأَرَدْتُ أَنْ أُذِلَّهَا. وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ، ثُمَّ يَدْخُلُ بَيْتَهُ فَلَا يَزَالُ يُصَلِّي إِلَى الْفَجْرِ.

وَمَا مَاتَ حَتَّى سَرَدَ الصَّوْمَ، وَكَانَ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ لَا يَأْكُلُ إِلَّا الْخُبْزَ وَالزَّيْتَ، حَتَّى اسْوَدَّ جِلْدُهُ وَيَقُولُ: بِئْسَ الْوَالِي أَنَا إِنْ شَبِعْتُ وَالنَّاسُ جِيَاعٌ.

وَكَانَ فِي وَجْهِهِ خَطَّانِ أَسْوَدَانِ مِنَ الْبُكَاءِ، وَكَانَ يَسْمَعُ الْآيَةَ مِنَ الْقُرْآنِ فَيُغْشَى عَلَيْهِ، فَيُحْمَلُ صَرِيعًا إِلَى مَنْزِلِهِ، فَيُعَادُ أَيَّامًا لَيْسَ بِهِ مَرَضٌ إِلَّا الْخَوْفُ. وَقِيلَ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، رَأَى عُمَرَ وَهُوَ يَعْدُو إِلَى ظَاهِرِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ: إِلَى أَيْنَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: قَدْ نَدَّ بَعِيرٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَأَنَا أَطْلُبُهُ. فَقَالَ: قَدْ أَتْعَبْتَ الْخُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِكَ!

تَنبِيهٌ وَاستِطْرَادٌ مُهِمٌّ: كُلُّ مَا سَرَدْنَا وَبَيَّنَّا وَنَقَلْنَا مِنْ كَرَامَاتِ سَيِّدِنَا عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ يُبَيِّنُ وَيُثْبِتُ عُلُوَّ دَرَجَتِهِ عِندَ اللهِ وَبَيَانَ رِفعَتِهِ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ المُحَمَّدِيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ عَلَيهِ أَنْ يُخطِئَ، فَنَحنُ أَهلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ لَا نَقُولُ بِعِصْمَةِ الأَولِيَاءِ، فَمِنَ الغُلُوِّ اعْتِقَادُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَنَّ الوَلِيَّ لَا يُخطِئُ فِي شَىءٍ مِنْ أَمرِ الدِّينِ، وَهَذَا خِلَافُ حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ ﷺ الَّذِي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَبدِ اللهِ بنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَا مِنْ أَحَدٍ مِنكُمْ إِلَّا يُؤخَذُ مِنْ قَولِهِ وَيُترَكُ غَيرَ رَسُولِ اللهِ»، وَفِي رِوَايَةٍ: «غَيرَ النَّبِيِّ»، وَحَسَّنَهُ الحَافِظُ العِرَاقِيُّ.

فَالوَلِيُّ مَهمَا عَلَتْ مَرتَبَتُهُ يُخطِئُ فِي بَعضِ المَسَائِلِ الفَرعِيَّةِ إِلَّا فِي أُصُولِ العَقِيدَةِ وَنَحوِ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا كِبَارُ القَومِ، قَالَ الشَّيخُ عَبدُ القَادِرِ الجِيلَانِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «إِذَا عَلِمَ المُرِيدُ مِنَ الشَّيخِ الخَطَأَ فَلْيُنَبِّهْهُ فَإِنْ رَجَعَ وَإِلَّا فَلْيَكُنْ مَعَ الشَّرعِ». وَقَالَ الشَّيخُ أَحمَدُ الرِّفَاعِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «سَلِّمْ لِلقَومِ أَحوَالَهُمْ مَا لَمْ يُخَالِفُوا الشَّرِيعَةَ فَإِذَا خَالَفُوا الشَّرعَ فَكُنْ مَعَ الشَّرعِ»، يَعنِي رَضِيَ اللهُ عَنهُ الأَولِيَاءَ.

وَهَذَا الحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ كُلَّ فَردٍ مِنْ أَفرَادِ الأُمَّةِ خَوَاصِّهَا وَعَوَامِّهَا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَعضُ قَولِهِ صَحِيحًا وَبَعضٌ غَيرُ صَحِيحٍ أَيْ أَنَّهُ لَا يُستَثْنَى مِنْهُمْ أَحَدٌ. فَيَجِبُ التَّحذِيرُ مِنْ هَؤُلَاءِ المُتَشَبِّثِينَ بِكُلِّ مَا يُنسَبُ إِلَى الأَولِيَاءِ مِمَّا صَحَّ عَنهُمْ مِمَّا هُوَ خَطَأٌ وَمِمَّا لَمْ يَصِحَّ عَنهُمْ وَذَلِكَ أَكثَرُ، وَيَحْتَجُّونَ لِهَذَا الفَهمِ الفَاسِدِ بِقَولِ القَائِلِ:

وَكُنْ عِندَهُ كَالمَيِّتِ عِندَ مُغَسِّلٍ يُقَلِّبُهُ كَيمَا يَشَاءُ وَيَفْعَلُ

وَيَظُنُّونَ أَنَّ مَعنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ اتِّبَاعُ الشَّيخِ الكَامِلِ فِي كُلِّ شَىءٍ وَأَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الخَطَإِ فَهَؤُلَاءِ الجَهَلَةُ سَاوَوا الوَلِيَّ بِالنَّبِيِّ.

وَيَكفِي شَاهِدًا لِمَا ذَكَرْتُ أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِالخَطَإِ عَلَى نَفسِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ مَرَّةً: «أَيُّهَا النَّاسُ لَا تُغَالُوا فِي مُهُورِ النِّسَاءِ فَأَيُّ إِنسَانٍ بَلَغَنِي أَنَّهُ جَعَلَ مَهرَ امْرَأَتِهِ أَكثَرَ مِنْ أَربَعِمِائَةِ دِرهَمٍ أَخَذْتُهُ وَوَضَعْتُهُ فِي بَيتِ المَالِ»، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: «لَيسَ لَكَ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا﴾» فَصَعِدَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ المِنبَرَ وَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ وَشَأْنَكُمْ فِي مُهُورِ نِسَائِكُمْ أَصَابَتِ امْرَأَةٌ وَأَخْطَأَ عُمَرُ».

وَعُمَرُ أَفضَلُ أَولِيَاءِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ بَعدَ أَبِي بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا وَشَهِدَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَهُ بِأَنَّهُ مُلْهَمٌ.

وَكَشْفُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ثَابِتٌ وَهُوَ الَّذِي قَالَ: «وَافَقْتُ رَبِّي فِي أَربَعٍ» أَيْ وَافَقَ إِلهَامُهُ القُرْءَانَ. فَلْيَعْلَمْ هَذَا هَؤُلَاءِ الأَغرَارُ الَّذِينَ يَعتَقِدُونَ أَنَّ مَا يَقُولُهُ شَيخُ طَرِيقَتِهِمْ لَا يُخطِئُ أَبَدًا فَيَتَشَبَّثُونَ بِمَا يُنْسَبُ إِلَى مَشَايِخِهِمْ مِمَّا يُخَالِفُ الشَّرِيعَةَ لِاعتِقَادِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصدُرُ مِنهُمْ إِلَّا مَا يُوَافِقُ الوَاقِعَ، وَهَذَا نَوعٌ مِنَ الغُلُوِّ الَّذِي نَهَى عَنهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ﴾، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِيَّاكُمْ وَالغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبلَكُمُ الغُلُوُّ فِي الدِّينِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

وَمِنْ أَشَدِّ النَّاسِ غُلُوًّا فِي هَذَا الزَّمَنِ بَعضُ المُنتَسِبِينَ لِلطُّرُقِ فَإِنَّهُمْ يَقْبَلُونَ إِذَا قِيلَ لَهُمُ المُؤَلِّفُ الفُلَانِيُّ أَخطَأَ فِي كَذَا وَلَوْ كَانَ مِنْ أَشهَرِ فُقَهَاءِ المُسلِمِينَ وَلَا يَقْبَلُونَ إِذَا قِيلَ لَهُمْ شَيخُكُمُ الَّذِي تَنتَسِبُونَ إِلَى طَرِيقَتِهِ أَخطَأَ وَلَوْ بُيِّنَ لَهُمُ الدَّلِيلُ، فَلْيَعْلَمْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُمْ خَالَفُوا القُرءَانَ وَالحَدِيثَ وَكَلَامَ سَيِّدِ الطَّائِفَةِ الصُّوفِيَّةِ الجُنَيدِ بنِ مُحَمَّدٍ البَغدَادِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَإِنَّهُ قَالَ: «الطَّرِيقُ إِلَى اللهِ مَسدُودَةٌ إِلَّا عَلَى المُقتَفِينَ ءَاثَارَ رَسُولِ اللهِ ﷺ»، وَقَالَ أَيْضًا: «رُبَّمَا تَخْطُرُ لِيَ النُّكْتَةُ مِنْ نُكَتِ القَومِ فَلَا أَقْبَلُهَا إِلَّا بِشَاهِدَي عَدْلٍ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ». وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعضُ الأُصُولِيِّينَ فِي كُتُبِ أُصُولِ الفِقْهِ: «إِلْهَامُ الوَلِيِّ لَيسَ بِحُجَّةٍ».

وَكَلَامُنَا هَذَا فِيهِ رَدٌّ أَيضًا عَلَى بَعضِ المُنتَسِبِينَ لِلعِلْمِ فَيَأتِي بَعْضُهُمْ يَجِدُ شَيئًا فِي بَعضِ كُتُبِ الفُقَهَاءِ أَوْ بَعضِ أَهلِ العِلمِ مِمَّا يُخَالِفُ أُصُولَ التَّوحِيدِ وَالعَقَائِدَ فَيَقْبَلُهُ وَيُؤَوِّلُهُ وَيُدَافِعُ عَنهُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ فِي هَذَا الكِتَابِ لِهَذَا العَالِمِ، وَقَدْ يَكُونُ مَدسُوسًا عَلَيهِ أَوْ أَنَّ بَعضَ العِبَارَاتِ لَهَا تَقيِيدٌ وَمَحمَلٌ عَلَى خِلَافِ مَا فَهِمَ وَعَلِمَ هُوَ فَبِمُجَرَّدِ وُجُودِهَا فِي هَذَا الكِتَابِ لِهَذَا العَالِمِ يُدَافِعُ عَنهَا وَيُنَادِي بِهَا وَيَقبَلُهَا، كَمَا يَجِدُ البَعضُ فِي بَعضِ كُتُبِ الفُقَهَاءِ عَدَمَ تَكفِيرِ المُجَسِّمِ وَالجَهَوِيِّ وَالَّذِي يَقُولُ بِالحُلُولِ، وَيَكُونُ هُوَ بِنَفسِهِ أَيِ العَالِمُ المَوجُودُ فِي كِتَابِهِ بَعضُ هَذِهِ العِبَارَاتِ قَدْ رَدَّ هَذَا الكَلَامَ وَمَا وَافَقَ عَلَيهِ، فَتَحسِينًا لِلظَّنِّ بِهَذَا الفَقِيهِ وَدِفَاعًا عَنهُ وَعَنِ العَقَائِدِ الإِسلَامِيَّةِ نَقُولُ بِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ هَذِهِ النِّسبَةُ لَهُ أَوْ أَنَّهُ بِقَدْرِ مَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نَجِدَ مَخْلَصًا يَجمَعُ بَينَ العِبَارَاتِ نَفْعَلُ، لَا أَنْ نَقبَلَ العِبَارَاتِ المُصَادِمَةَ لِلتَّوحِيدِ وَالَّتِي فِيهَا الكُفرُ الصَّرِيحُ الَّذِي لَا يَقْبَلُهُ مُؤمِنٌ.

سؤال فقهي
رَجُلٌ كَبِيرٌ عَاجِزٌ عَنِ القُعُودِ فِي الصَّلَاةِ يَسأَلُ وَيَقُولُ: أُصَلِّي عَلَى الكُرسِيِّ، كَيفَ يَكُونُ اصطِفَافِي فِي الصَّفِّ فِي المَسْجِدِ بِحَيثُ لَا أُزعِجُ غَيرِي وَأَفْعَلُ الأَنسَبَ فِي الصَّلَاةِ؟

الجواب: الاصْطِفَافُ يَكُونُ بِالعَقِبِ فَإِذَا وَضَعتَ الكُرسِيَّ وَقُمتَ فِي الصَّفِّ قِفْ جَانِبًا آخِرَ الصَّفِّ حَتَّى لَا يَنزَعِجَ مَنْ وَرَاءَكَ وَلَا تَنْفَرِدَ بِالصَّفِّ.

الدعاء الختامي
اللهم ارزقنا سُؤلَنا مِنَ الخَيرِ في هَذِهِ الأيامِ المبَارَكَةِ، وَاغفِر لَنا، وَاستُر عَلَينا، وَأَعلِ دَرَجَاتِنا، وَارفع قَدرَنا، وَفَرَّج كُربَاتِنَا، وَيَسِّر أُمُورَنا، وَوَسِّع في الدَّارَينِ عَلَينَا، وَاجعَلنا مِن أَحبَابِك وَأَصفِيَائِك، وَاجعلِ الفِردَوسَ دَارَنا، وَأَنِر قُبُورَنا، وَمِمَا نَرجُو مِنَ الخَيرِ ارزُقنَا، وسُرَّ أَروَاحَنا بِرُؤيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَءَالِهِ وَسَلَّمَ في المنَامِ في كُلِّ لَيلَةٍ. اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغفِرَتِك، وَالغَنِيمَةَ مِن كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلامَةَ مِن كُلِّ إِثمٍ، لا تَدَع لنا ذَنبًا إِلَّا غَفَرتَهُ، وَلا هَمًّا إِلَّا فَرَّجتَهُ، وَلا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيتَهَا يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُــمَّ صَلِّ وَسَـــلِّم وَبَارِك على عبدِك ورسولِك؛ نبيِّنا محمّدٍ وعَلَى آله وصحبه كلَّما ذكَرَهُ الذّاكِرُونَ وغفَلَ عن ذِكرِهِ الغافِلُونَ اللَّهُمَّ مَا تُنزِلُهُ مُن خَيرَاتٍ وَبَرَكَاتٍ وَمِنَحٍ وَهِبَاتٍ فِي هَـٰذِهِ الأيَّامِ واللَّيالِي المُبَارَكَةِ فَاجعَل لَنَا مِن ذَٰلِكَ نَصِيبًا وَحَظًّا وَافِرًا. وَاجعَلنَا مِنَ المَقبُولِينَ ومِنَ المَرحُومِينَ ومِنَ المَغفُورِينَ يَا حَنَّانُ يَا مَنَّان، اللهم فَرِّجِ الكَرْبَ عَنِ الأَقْصَى يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِيْنَ اللهمّ أنتَ اللهُ لا إلهَ إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونَحنُ الفقراءُ، اللهم فرج كروبنا واستر عيوبنا وأذهب همومنا يا رب العالمين. اللهمّ أغِث قلوبَنا بالإيمانِ واليقين، اللهم اجعلْ هذا البلدَ آمنًا مطمئنًا سخاءً رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمينَ.

اللهم مَن أَرَادَ بِفِلَسطِينَ أَو بِأَهلِهَا السُّوءَ فَاجعَل دَائِرَةَ السَّوءِ تَدُورُ عَلَيهِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. اللهم كُن لِأَهلِ غَزَّةَ عَونًا وَنَصِيرًا، وَبَدِّل خَوفَهُم أَمنًا. اللهم ارزُق إِخوَانَنَا فِي فِلَسطِينَ الصُّمُودَ وَالقُوَّةَ فِي وَجهِ الطُّغيَانِ وَانصُرهُم. اللهم أَنجِ المُستَضعَفِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ. اللهم وَرُدَّ إِلَينَا المَسجِدَ الأَقصَى رَدًّا جَمِيلًا.

اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …