المقدمة
الحَمدُ للهِ الذِي جَعَلَ ذِكرَهُ قُطُوفَ الرَّيَاحِينِ، وَمُنَاجَاتَهُ غِذَاءَ أَروَاحِ الفَالِحِينَ وَالخُضُوعَ بَينَ يَدَيهِ وَالتَّضَرُّعَ إِلَيهِ عِزَّ العَارِفِينَ، وَالتَّخَلُّقَ بِالأَخلَاقِ المُحَمَّدِيَّةِ وَالأَخلَاقِ النَّبَوِيَّةِ شَأنَ العُلَمَاءِ العَامِلِينَ.
أَحمَدُهُ سُبحَانَهُ عَلَى نِعَمِهِ، وَأَسأَلُهُ المَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً تُنِيلُ القَاصِدَ مِنْ بَحرِ جُودِهِ مَا قَصَدَهُ وَأَمِلَهُ. وَأَشهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَوَسِيلَتَنَا إِلَى رَبِّنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ، الْمُؤَيَّدُ بِأَنوَاعِ الْمُعْجِزَاتِ البَاهِرَةِ، الْمُكَرَّمُ بِالْمَكْرُمَاتِ البَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ،
فَإِنَّ فَضْلَ رَسُوْلِ اللهِ لَيْسَ لَهُ … حَدٌّ فَيُعْرِبَ عَنْهُ نَاطِقٌ بِفَمِ
ﷺ وَزَادَهُ فَضْلًا وَشَرَفًا لَدَيهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ وَأَتبَاعِهِ وَوَارِثِيهِ العُلَمَاءِ العَامِلِينَ وَأَحزَابِهِ، صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَينِ مُتَلَازِمَينِ دَائِبَينِ عَدَدَ خَلقِهِ، وَزِنَةَ عَرشِهِ، وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ، كُلَّمَا ذَكَرَهُ ذَاكِرٌ، وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِهِ غَافِلٌ. آمِينَ. وَبَعدُ:
ذكر أولياء الأمم السابقة
لِيُعْلَمْ أَنَّ الأَولِيَاءَ لَيسُوا خَاصِّينَ بِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا حَدَّثَ عَمَّنْ خَلَا مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي قَبْلَهُ مِنَ الْكَرَامَاتِ الشَّيءُ الكَثِيرُ مِمَّا صَحَّ عَنهُ ﷺ،
وظهور الكرامات في أولياء الأمم السابقة يؤكد أنهم كانوا على دين الحق دين التوحيد دين الإسلام فالكرامات لا تحصل من شخص فاسدِ المعتقد، لا تحصل من شخص يعتقد أن لله ابنا أو يعتقد أن الله جسم قاعد على العرش كاليهود لعنهم الله ونَجَّى المسلمين من شرورهم،
قَالَ الإِمَامُ الطَّحَاوِيُّ فِي العَقِيدَةِ الطَّحَاوِيَّةِ: وَدِينُ اللهِ فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَاحِدٌ وَهُوَ دِينُ الإِسْلامِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: [إِنَّ الدِّيْنَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلَامُ]، وَقَالَ تَعَالَى: [وَرَضِيْتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيْنًا].اهـ
وهنا نؤكد أن جميع الأنبياء دينهم هو الإسلام، لا دين صحيح إلا الإسلام، كل الأنبياء مسلمون، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾،
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلَامُ﴾، دَلَّتِ الآيَتَانِ الكَرِيمَتَانِ عَلَى أَنَّ الدِّينَ الإِسلَامِيَّ هُوَ الدِّينُ الَّذِي ارتَضَاهُ اللهُ لِعِبَادِهِ وَبَعَثَ بِهِ كُلَّ الرُّسُلِ لِيُبَلِّغُوهُ لِلنَّاسِ، وَدَعَوا لَهُ وَنَشَرُوهُ فِي أَرجَاءِ المَعمُورَةِ، فَهُوَ أَصلُ رِسَالَتِهِمُ الَّذِي اتَّحَدُوا عَلَيهِ، وَانطَلَقُوا مِنهُ، فَكَانَ هُوَ دِينَهُم جَمِيعًا، فَالدِّينُ الحَقُّ أَيِ الدِّينُ الصَّحِيحُ المُؤَيَّدُ بِالدَّلِيلِ عِندَ اللهِ تَعَالَى هُوَ الإِسلَامُ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: [الأَنبِيَاءُ إِخوَةٌ لِعَلَّاتٍ دِينُهُم وَاحِدٌ وَأُمَّهَاتُهُم شَتَّى]، وَالمَعنَى أَنَّ الأَنبِيَاءَ كُلَّهُم عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ هُوَ دِينُ الإِسلَامِ، فَالإِسلَامُ هُوَ دِينُ جَمِيعِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ، فَإِنَّهُم وَإِنِ اختَلَفَت شَرَائِعُهُم وَأَحكَامُهُم، إِلَّا أَنَّهُم مُتَّفِقُونَ عَلَى أَصلِ الدَّعوَةِ، وَهُوَ التَّوحِيدُ وَالإِسلَامُ وَعِبَادَةُ اللهِ وَحدَهُ وَعَدَمُ الإِشرَاكِ بِهِ، وَقَد أَخبَرَ اللهُ تَعَالَى عَن أَنبِيَائِهِ فِي القُرءَانِ بِأَنَّهُم كَانُوا مُسلِمِينَ.
فَأَخبَرَ اللهُ عَن نُوحٍ عَلَيهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾، [سورة يونس: 72].
وَأَخبَرَ عَن إِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلَامُ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، [سورة البقرة: 131].
وَأَخبَرَ عَن مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾، [سورة يونس: 84]. وَأَخبَرَ عَن حَوَارِيِّي المَسِيحِ عَلَيهِ السَّلَامُ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾، [سورة المائدة: 111]. وَأَخبَرَ عَن سُلَيمَانَ عَلَيهِ السَّلَامُ اخبارا عن مَلِكَةِ سَبَأَ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، [سورة النمل: 44]. وَأَخْبَرَ عَنْ يَعْقُوْبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾، [سورة البقرة: 132]. وَأَخْبَرَ عَن سليمانَ بنِ دَاودَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ حِيْنَ أَرْسَلَ سليمان الْكِتَابَ لِبَلْقِيْس فَقَالَ لَهَا: ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾، [سورة النمل: 31]. فَكُلُّ الأَنْبِيَاءِ جَاءُوا بِهَذَا لا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، إِنَّمَا تَخْتَلِفُ الأَحْكَامُ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فقد أَنْزَلَ اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَّمَدٍ ﷺ التَّيَمُّمَ بِالتُّرَابِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ أَوِ الْعَجْزِ عَنِ اسْتِعْمَالِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي شَرَائِعِ الأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، بَلْ كَانُوا يَتَوَضَّئُونَ وَيُصَلُّونَ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا مَا يَتَوَضَّئُونَ بِهِ تَوَقَّفُوا عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى يَجِدُوا الْمَاءَ.
ومما يدل على كل هذا من حيث العقل: النَّبِيُّ مِنَ الأَنبِيَاءِ هُوَ مُبَلِّغٌ عَنِ اللهِ، يَنزِلُ عَلَيهِ جِبرِيلُ بِوَحيٍ مِنَ اللهِ لِيُبَلِّغَهُ للنَّاسِ فَيَستَحِيلُ أَن يَتَنَاقَضَ الوَحيُ الذِي هُوَ مِن عِندِ اللهِ وَأَن يُكَذِّبَ بَعضُهُ بَعضًا، فَلَا يَجُوزُ أَن يَنزِلَ جِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلَامُ عَلَى نَبِيٍّ بِدِينٍ ثُمَ يَنزِلَ عَلَى نَبِيٍّ آخَرَ بَأَنَّ هَذَا الدِّينَ بَاطِلٌ وَضَلَالٌ، فَإذًا لَا بُدَّ أَن يَكُونَ الأَنبِيَاءُ قَد جَاؤُوا بِدِينٍ وَاحِدٍ وَهُوَ شَهَادَةُ أَن لَا إله إِِلا اللهُ. لِأَنَّ العَقلَ شَاهِدٌ بَأَنَّ كُلَّ مَا نَاقَضَ لَا إِله إِلَّا اللهُ فَهُوَ بَاطِلٌ مُحَالٌ وَمَا أَدَّى إِلَى المُحَالِ فَهُوَ مُحَالٌ.
فمن هنا يعلم أنه لا يجوز القول بحرية الاعتقاد والتدين، فالنَّبِيُّ قاتلَ لأجلِ الإسلَامِ، في كثِيرٍ مِنَ المعَارِكِ كانَ هُوَ يَغزُو الكفارَ،
لِيُعلَمَ أنَّ دينَ الإسلامِ لم يأتِ بِحُريَّةِ الرأيِ والفكرِ والمُعتقدِ، وهذا القولُ، أي قولُ من جعلَ الإسلامَ قد أعطى حريةً للناسِ في اعتقادِهِم، قولٌ يخالِفُ القرآنَ ويخالفُ شرعَ اللهِ، فقد قالَ ربُّنَا عزَّ وجلَّ: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾، معناه فُرِضَ عليكُم أيُّهَا المسلمُونَ أن تقاتِلُوا الكفارَ لِضمانِ سلامَةِ دينِكُم ولإدخالِ الناسِ في دينِ الإسلامِ دينِ اللهِ،
وقالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فيمَا رواهُ مسلِمٌ في صحِيحِهِ: “أُمِرتُ أَن أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشهَدُوا أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ فَإِنْ هُم قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَائَهُم وَأَموَالَهُم إِلَّا بِحَقِّ الإِسلَامِ وَحِسَابُهُم عَلَى اللهِ“، فَبِقَولِ الرسولِ هذا تبيَّنَ أنَّ الإسلامَ لم يأتِ بحريةِ الاعتقادِ، واللهُ تعالى يقولُ: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، أي إِلَّا لآمُرَهُم بعِبادَتِي، فاللهُ لم يُخَيِّرِ الجِنَّ والإنسَ بينَ الكُفرِ وَالإِيمَانِ، ومِن أكبرِ الأدلَّةِ على ذلكَ الجهادُ الذي جعلَهُ اللهُ مِن أسمَى العبَادَاتِ، فهَل يقُولُ عاقلٌ إنَّ الجهادَ مَا فيهِ إِكرَاهٌ، والجِهادُ حصلَ مِنَ الأَنبِيَاءِ الذِينَ قبلَ محمَّدٍ عليهِمُ الصلاةُ والسلامُ، فَهُم قاتَلُوا لإِدخَالِ النَّاسِ فِي الإِسلَامِ، فَرَسُولُ اللهِ مُوسَى أَمَرَ أتبَاعَهُ بِقِتالِ الجبّارِينَ الذينَ كانوا مُسَيطِرينَ على القُدسِ فلَم يُطيعُوهُ فماتَ قبلَ أن يَصِلَ إلَى القُدسِ وَدُفِنَ في أرضٍ قَرِيبَةٍ مِنَ الأَرضِ المقَدَّسَةِ.
وليُعلَم أنهُ ليسَ في الجِهادِ عُدوَانٌ على النَّاسِ بغَيرِ حقٍّ، وليسَ المقصُودُ مِنَ الجهَادِ المالَ، إنَّمَا المقصُودُ منهُ إخرَاجُ الكفارِ من كُفرِهِم إلى دينِ اللهِ رأفةً ورحمةً بهم.
ويُحتَجُّ على مَن يُنكِرُ محاربةَ الكفارِ بدعوَى ما يُسَمُّونَهُ بِحريَّةِ الاعتِقَادِ واختِيَارِ الدِّينِ بمَا فعَلَهُ سيدُنَا أبُو بكرٍ الصدِّيقُ رضِيَ اللهُ عنهُ في النَّاسِ الذِين كفَرُوا لمَّا مَاتَ الرَّسُولُ ﷺ، لأَنَّهُ لمَّا مَاتَ الرسولُ ﷺ كَفَرَ كثِيرٌ مِنَ العَرَبِ، بعضُ القبائلِ أرسلَ إليهِم أبو بكرٍ جيشًا أبادَهُم إلا مَن رجعَ إلى الإسلامِ، وقُتِلَ منَ الصحابَةِ سبعُونَ شخصًا في تلكَ المعركَةِ، فلو كان يجوزُ تَركُ هؤلاءِ على كُفرِهِم لَما أرسلَ إليهِم أبُو بكرٍ جيشًا.
وقد توَعَّدَ الله المخالفينَ بالعذابِ الأليمِ فقدْ قالَ تعالَى فِي سورةِ الكهفِ: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا﴾، ففِي هذهِ الآيةِ الوعيدُ والتهديدُ لِمَنْ تركَ الإيمانَ ووقَعَ فِي الكفرِ كمَا قالَ القرطبيُّ والرازيُّ والنسفيُّ وأبو حيانَ وغيرُهم مِنَ المفسرينَ. ولَا ينبغِي أنْ ننسَى أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أمرَنا أنْ ندعوَ غيرَنا لهذهِ الواجباتِ بالرفقِ واللينِ والموعظةِ الحسنةِ، معَ اعتقادِنا أنَّنا لَا نَخْلُقُ الهدايةَ فِي قلوبِ الناسِ بلِ اللهُ يهدِي مَنْ يشاءُ ويُضِلُّ مَنْ يشاءُ، فقدْ قالَ تعالَى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾، أيْ لَا أحدَ يستطيعُ خَلْقَ الاهتداءِ فِي قلوبِ الناسِ وإنَّما خالقُ الهدايةِ هوَ اللهُ عزَّ وجلَّ.
وقد رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا حَدَّثَ عَمَّنْ خَلَا مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي قَبْلَهُ مِنَ الْكَرَامَاتِ الشَّيءُ الكَثِيرُ مِمَّا صَحَّ عَنهُ ﷺ: مِنهَا مَا هُوَ فِي الصَّحِيحَينِ فِي قِصَّةِ الثَّلَاثَةِ الذِينَ دَخَلُوا فِي غَارٍ فَانْسَدَّ عَلَيهِمْ فَمُ الغَارِ بِصَخرَةٍ مَا استَطَاعُوا الخُرُوجَ حَتَّى تَوَسَّلُوا إِلَى اللهِ بِصَالِحِ عَمَلِهِمْ فَفَرَّجَ عَنهُمْ فَخَرَجُوا، فَقَدْ قَالَ العُلَمَاءُ إِنَّ هَذِهِ كَرَامَةٌ لَهُمْ رَضِيَ اللهُ عَنهُمْ، وَقَالَ السُّبكِيُّ فِي شَرحِهِ لِهَذِهِ القِصَّةِ وَفِي رَدِّهِ عَلَى بَعضِ نُفَاةِ التَّوَسُّلِ فِي كِتَابِهِ شِفَاءِ السَّقَامِ فِي زِيَارَةِ خَيرِ الأَنَامِ: إِذَا كَانُوا تَوَسَّلُوا إِلَى اللهِ بِأَعمَالِهُمُ الصَّالِحَةِ فَفَرَّجَ اللهُ عَنهُمْ، فَالتَّوَسُّلُ مِنْ هُنَا يَجُوزُ بِالنَّبِيِّ ﷺ فَهُوَ أَفضَلُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَقَالَ ذَلِكَ أَيضًا الغُمَارِيُّ وَاسْتَدَلَّا بِهَذِهِ القِصَّةِ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ بِالنَّبِيِّ ﷺ.
ومما يذكر في أحاديثه ﷺ في كرامات أولياء من الأمم السابقة:
قصة جريج العابد
فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: كَانَ جُرَيْجٌ يَتَعَبَّدُ فِي صَوْمَعَتِهِ فَأَتَتْهُ أُمُّهُ فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمُّكَ كَلِّمْنِي، أَنَا أُمُّكَ كَلِّمْنِي فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّي فَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ ثُمَّ جَاءَتْهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمُّكَ كَلِّمْنِي فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّي فَقَالَتِ اللَّهُمَّ هَذَا جُرَيْجٌ وَإِنَّهُ ابْنِي وَإِنِّي قَدْ كَلَّمْتُهُ فَلَمْ يُكَلِّمْنِي اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ (قَالَ النَّوَوِيُّ: هِيَ بِضَمِّ المِيمِ الأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ أَيِ الزَّوَانِي الْبَغَايَا الْمُتَجَاهِرَاتِ بِذَلِكَ وَالْوَاحِدَةُ مُومِسَةٌ وَتَجْمَعُ عَلَى مَيَامِيسَ) قَالَ: وَلَوْ دَعَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتَنَ لَافْتُتِنَ.
قَالَ: وَكَانَ هناك رَاعِي ضَأْنٍ يَأْوِي إِلَى دَيْرٍ فَخَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْقَرْيَةَ فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَقِيلَ لَهَا مِمَّنْ هَذَا قَالَتْ: مِنْ صَاحِبِ الصَّوْمَعَةِ قَالَ: فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ بِفُئُوسِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ فَصَوَّتُوا بِهِ فَصَادَفُوهُ يُصَلِّي فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ فَأَخَذُوا يَهْدِمُونَ دَيْرَهُ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَزَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: سَلْ هَذِهِ قَالَ: فَتَبَسَّمَ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَ الصَّبِيِّ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ فَقَالَ: أَبِي رَاعِي الضَّأْنِ فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ قَالُوا: نَبْنِي لَكَ مَا هَدَمْنَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، قَالَ: لَا وَلَكِنْ أَعِيدُوهُ تُرَابًا ثُمَّ عَلَاهُ”.اهـ
قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذِهِ قِصَّةُ جُرَيْجٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَنَّهُ آثَرَ الصَّلَاةَ عَلَى إِجَابَتِهَا فَدَعَتْ عَلَيْهِ فَاسْتَجَابَ اللهُ لَهَا. قَالَ الْعُلَمَاءُ: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الصَّوَابُ فِي حَقِّهِ إِجَابَتَهَا لِأَنَّهُ كَانَ فِي صَلَاةِ نَفْلٍ وَالِاسْتِمْرَارُ فِيهَا تَطَوُّعٌ لَا وَاجِبٌ وَإِجَابَةُ الْأُمِّ وَبِرُّهَا وَاجِبٌ وَعُقُوقُهَا حَرَامٌ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَفِّفَ الصَّلَاةَ وَيُجِيبَهَا ثُمَّ يَعُودَ لِصَلَاتِهِ.
رَوَى هَذَا الحَدِيثَ الإِمَامُ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ: إِذَا دَعَتِ الْأُمُّ وَلَدَهَا فِي الصَّلَاةِ.اهـ
وَرَوَاهُ الإِمَامُ مُسلِمٌ فِي بَابِ: تَقدِيمِ الوَالِدَينِ عَلَى التَّطَوُّعِ بِالصَّلَاةِ وَغَيرِهَا.اهـ
وَيُعلَمُ مِنهُ كَثِيرٌ مِنَ الأُمُورِ مِنهَا التَّأكِيدُ عَلَى بِرِّ الوَالِدَينِ وَلَا سِيَّمَا بِرِّ الأُمِّ، وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يُقَدِّمُونَ بِرَّ الوَالِدَينِ عَلَى كُلِّ بِرٍّ بَينَ النَّاسِ، وَمِنْ ذَلِكَ رَوَى ابنُ الجَوزِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَتْ: كَانَ رَجُلَانِ مِنْ أَصحَابِ رَسُولِ الله ﷺ أَبَرَّ مَنْ كَانَا فِي هَذِهِ الأُمَّةِ بِأُمِّهِمَا: عُثمَانُ بنُ عَفَّانَ، وَحَارِثَةُ بنُ النُّعمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا. فَأَمَّا عُثمَانُ فَإِنَّهُ قَالَ: مَا قَدِرتُ أَنْ أَتَأَمَّلَ أُمِّي مُنذُ أَسلَمتُ. وَأَمَّا حَارِثَةُ فَإِنَّهُ كَانَ يَفلِي رَأسَ أُمِّهِ وَيُطعِمُهَا بِيَدِهِ، وَلَمْ يَستَفهِمْهَا كَلَامًا قَطُّ تَأمُرُ بِهِ حَتَّى يَسأَلَ مَنْ عِندَهَا بَعدَ أَنْ يَخرُجَ: مَا أَرَادَتْ أُمِّي؟
وَعَنِ الزُّهرِيِّ قَالَ: كَانَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ لَا يَأكُلُ مَعَ أُمِّهِ، وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِهَا، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: (أَخَافُ أَنْ آكُلَ مَعَهَا، فَتَسبِقَ عَينُهَا إِلَى شَيءٍ مِنَ الطَّعَامِ وَأَنَا لَا أَدرِي، فَآكُلَهُ، أَخَافُ أَنْ تَسبِقَ يَدِي يَدَهَا).
وَعَنْ ظِبيَانَ بنِ عَلِيٍّ الثَّورِيِّ – وَكَانَ مِنْ أَبَرِّ النَّاسِ بِأُمِّهِ – قَالَ: (لَقَدْ نَامَتِ لَيلَةً وَفِي صَدرِهَا عَلَيهِ شَيءٌ، فَقَامَ عَلَى رِجلَيهِ يَكرَهُ أَنْ يُوقِظَهَا، وَيَكرَهُ أَنْ يَقعُدَ حَتَّى إِذَا ضَعُفَ جَاءَ غُلَامَانِ مِنْ غِلمَانِهِ، فَمَا زَالَ مُعتَمِدًا عَلَيهِمَا حَتَّى اسْتَيقَظَتْ وَأَرضَاهَا). وَكَانَ يُسَافِرُ بِهَا إِلَى مَكَّةَ، فَإِذَا كَانَ يَومٌ حَارٌّ حَفَرَ بِئرًا، ثُمَّ جَاءَ بِنِطعٍ فَصَبَّ فِيهِ المَاءَ، ثُمَّ يَقُولُ لَهَا: (أُدخُلِي تَبَرَّدِي فِي هَذَا المَاءِ). فَيَنبَغِي عَلَى الوَاحِدِ مِنَّا أَنْ يَغتَنِمَ حَيَاةَ وَالِدَيهِ وَأَنْ يَبَرَّهُمَا فَإِنَّ بِرَّهُمَا مِنْ أَعظَمِ الذُّخرِ لِيَومِ الدِّينِ، وَللهِ دَرُّ القَائِلِ إِذْ قَالَ وَأَجَادَ:
زُرْ وَالِدَيكَ وَقِفْ عَلَى قَبرَيهِمَا
فَكَأَنَّنِي بِكَ قَدْ نُقِلْتَ إِلَيهِمَا
لَوْ كُنتَ حَيثُ هُمَا وَكَانَا بِالبَقَا
زَارَاكَ حَبْوًا لَا عَلَى قَدَمَيهِمَا
مَا كَانَ ذَنبُهُمَا إِلَيكَ فَطَالَمَا
مَنَحَاكَ نَفْسَ الوُدِّ مِنْ نَفْسَيْهِمَا
كَانَا إِذَا سَمِعَا أَنِينَكَ أَسبَلَا
دَمعَيهِمَا أَسَفًا عَلَى خَدَّيهِمَا
وَتَمَنَّيَا لَوْ صَادَفَا بِكَ رَاحَةً
بِجَمِيعِ مَا يَحوِيهِ مُلْكُ يَدَيهِمَا
فَنَسِيتَ حَقَّهُمَا عَشِيَّةَ أُسْكِنَا
تَحتَ الثَّرَى وَسَكَنْتَ فِي دَارَيهِمَا
فَلَتَلْحَقَنَّهُمَا غَدًا أَوْ بَعْدَهُ
حَتْمًا كَمَا لَحِقَا هُمَا أَبَوَيهِمَا
وَلَتَندَمَنَّ عَلَى فِعَالِكَ مِثلَمَا
نَدِمَا هُمَا نَدَمًا عَلَى فِعلَيهِمَا
بُشْرَاكَ لَوْ قَدَّمْتَ فِعْلًا صَالِحًا
وَقَضَيتَ بَعْضَ الحَقِّ مِنْ حَقَّيهِمَا
وَقَرَأْتَ مِنْ ءَايِ الكِتَابِ بِقَدْرِ مَا
تَسطِيعُهُ وَبَعَثْتَ ذَاكَ إِلَيهِمَا
فَاحْفَظْ حُفِظْتَ وَصِيَّتِي وَاعمَلْ بِهَا
فَعَسَى تَنَالُ الفَوْزَ مِنْ بِرَّيهِمَا
نَسأَلُ اللهَ أَنْ يَجعَلَنَا مِنَ البَارِّينَ بِآبَائِهِمْ أَحيَاءً كَانُوا أَمْ أَموَاتًا.اهـ
قصة سارة زوجة سيدنا إبراهيم عليه السلام
وَقَدْ حَصَلَ حَادِثَةٌ يَستَدِلُّ مِنهَا الفُقَهَاءُ عَلَى كَرَامَةٍ حَصَلَتْ مَعَ سَارَةَ زَوجَةِ سَيِّدِنَا إِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلَامُ فَفِي البُخَارِيِّ وَمُسلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَطُّ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ (هَذَا الحَدِيثُ أَوَّلَهُ بَعضُ العُلَمَاءِ وَاعتَرَضَ عَلَيهِ بَعضُهُمَ كَالرَّازِيِّ، لِأَنَّ ظَاهِرَهُ فِيهِ نِسبَةُ الكَذِبِ عَلَى خَلِيلِ اللهِ إِبرَاهِيمَ ﷺ وَهَذَا طَعنٌ بِمَنصِبِ النُّبُوَّةِ وَقَدحٌ بِهَا، فَالكَذِبُ بِكُلِّ أَنوَاعِهِ يَستَحِيلُ عَلَى أَيِّ نَبِيٍّ مِن أَنبِيَاءِ اللهِ، قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي الفَتحِ: “وَأَمَّا إِطلَاقُهُ الكَذِبَ عَلَى الأُمُورِ الثَّلَاثَةِ فَلِكَونِهِ قَالَ قَولًا يَعتَقِدُهُ السَّامِعُ كَذِبًا لَكِنَّهُ إِذَا حُقِّقَ لَم يَكُن كَذِبًا لِأَنَّهُ مِن بَابِ المَعَارِيضِ المُحتَمِلَةِ لِلأَمرَينِ”.اهـ
وَقَالَ الرَّازِيُّ: «وَاعلَم أَنَّ البَعضَ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا كَذَبَ إِبرَاهِيمُ عَلَيهِ السَّلَامُ إِلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ»، فَقُلتُ: الأَولَى أَن لَا نَقبَلَ مِثلَ هَذِهِ الأَخبَارِ، فَإِن قِيلَ عَلَى طَرِيقِ الِاستِنكَارِ: فَإِن لَم نَقبَلهُ لَزِمَنَا تَكذِيبُ الرُّوَاةِ، فَقُلتُ لَهُ: يَا مِسكِينُ، إِن قَبِلنَاهُ لَزِمَنَا الحُكمَ بِتَكذِيبِ إِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلَامُ، وَإِن رَدَدنَاهُ لَزِمَنَا الحُكمَ بِتَكذِيبِ الرُّوَاةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ صَونَ إِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلَامُ عَنِ الكَذِبِ أَولَى مِن صَونِ طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ عَنِ الكَذِبِ».اهـ)
اثْنَتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: ٨٩] وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: ٦٣] وَوَاحِدَةٍ فِي شَأْنِ سَارَةَ فَإِنَّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سَارَةُ وَكَانَتْ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ فَقَالَ لَهَا إِنَّ هَذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمَ أَنَّكِ امْرَأَتِي يَغْلِبُنِي عَلَيْكِ فَإِنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي وَإِنَّكِ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ الْيَوْمَ مُسْلِمًا غَيْرِي وَغَيْرُكِ فَلَمَّا دَخَلَ أَرْضَهُ رَآهَا بَعْضُ أَهْلِ الْجَبَّارِ فَأَتَاهُ فَقَالَ: لَقَدْ دَخَلَ أَرْضَكَ امْرَأَةٌ لَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَكُونَ إِلَّا لَكَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَأُتِيَ بِهَا وَقَامَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَمَّا أَنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَتَمَالَكْ أَنْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا وَتَقَبَّضَتْ يَدُهُ قَبْضَةً شَدِيدَةً فَقَالَ لَهَا: سَلِي اللهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي وَلَا أَضُرُّكِ فَفَعَلَتْ، فَانْطَلَقَتْ يَدُهُ فَعَادَ فَقُبِضَتْ يَدُهُ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَةِ الْأُولَى فَقَالَ لَهَا: سَلِي اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي وَلَا أَضُرُّكِ فَعَادَ فَقُبِضَتْ يَدُهُ أَشَدَّ مِنَ الْقَبْضَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَقَالَ: سَلِي اللهَ أَنْ يُطْلِقَ يَدِي وَلَكِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَضُرُّكِ فَفَعَلَتْ فَانْطَلَقَتْ يَدُهُ فَدَعَا الَّذِي جَاءَ بِهَا فَقَالَ لَهُ: إِنَّكَ إِنَّمَا أَتَيْتَنِي بِشَيْطَانٍ وَلَمْ تَأْتِنِي بِإِنْسَانٍ فَلَمَّا رَآهَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ لَها مَهْيَمْ (قَالَ النَّوَوِيُّ: بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ بَيْنَهُمَا أَيْ مَا شَأنُكِ وَمَا خَبَرُكِ) قَالَتْ: خَيْرٌ كَفَّ اللهُ يَدَ الْفَاجِرِ وَأَخْدَمَنِي هَاجَرَ” قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَتِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ.اهـ قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ كَثِيرُونَ الْمُرَادُ بِبَنِي مَاءِ السَّمَاءِ الْعَرَبُ كُلُّهُمْ لِخُلُوصِ نَسَبِهِمْ وَصَفَائِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ أَكثَرَهُمْ أَصحَابُ مَوَاشٍ وَعَيْشَهُمْ مِنَ الْمَرْعَى وَالْخِصْبِ وَمَا يَنْبُتُ بِمَاءِ السَّمَاءِ.
وَقَالَ الْقَاضِي الْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْأَنْصَارُ خَاصَّةً وَنِسْبَتُهُمْ إِلَى جَدِّهِمْ عَامِرِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَكَانَ يُعْرَفُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ بِذَلِكَ وَالْأَنْصَارُ كُلُّهُمْ مِنْ وَلَدِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عامر الْمَذْكُورِ.اهـ
والقاعدة في أمر عصمة الأنبياء ما قال أهل العلم أنه يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ كُلَّ نَبِىٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ يَجِبُ أَنَّ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِالصِّدْقِ فَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمُ الْكَذِبُ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ يُنَافِى مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ وَتَجِبُ لَهُمُ الأَمَانَةُ فَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمُ الْخِيَانَةُ فَلا يَغُشُّونَ النَّاسَ إِنْ طَلَبُوا مِنْهُمُ النَّصِيحَةَ وَلا يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَتَجِبُ لَهُمُ الْفَطَانَةُ فَكُلُّ الأَنْبِيَاءِ أَذْكِيَاءُ تَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمُ الْغَبَاوَةُ أَىْ ضَعْفُ الْفَهْمِ لِأَنَّ الْغَبَاوَةَ تُنَافِى مَنْصِبَهُمْ لِأَنَ اللَّهَ أَرْسَلَهُمْ لِيُبَلِّغُوا الرِّسَالَةَ وَيُقِيمُوا الْحُجَّةَ عَلَى الْكُفَّارِ الْمُعَانِدِينَ فَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمُ الْكَذِبُ وَالْخِيَانَةُ أَىْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمُ الِاتِّصَافُ بِالْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَضَى وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا الرَّذَالَةُ وَهِىَ أَخْلاقُ الأَسَافِلِ الدُّونِ فَلَيْسَ فِى الأَنْبِيَاءِ مَنْ هُوَ رَذِيلٌ يَخْتَلِسُ النَّظَرَ إِلَى النِّسَاءِ الأَجْنَبِيَّاتِ بِشَهْوَةٍ مَثَلًا وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَسْرِقُ وَلَوْ حَبَّةَ عِنَبٍ وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمُ السَّفَاهَةُ وَهِىَ التَّصَرُّفُ بِخِلافِ الْحِكْمَةِ فَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ سَفِيهٌ يَقُولُ أَلْفَاظًا شَنِيعَةً تَسْتَقْبِحُهَا النَّفْسُ وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمُ الْبَلادَةُ فلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ بَلِيدُ الذِّهْنِ عَاجِزٌ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ يُعَارِضُهُ وَلا ضَعِيفُ الْفَهْمِ لا يَفْهَمُ الْكَلامَ مِنَ الْمَرَّةِ الأُولَى إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُكَرَّرَ عَلَيْهِ عِدَّةَ مَرَّاتٍ وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمُ الْجُبْنُ أَمَّا الْخَوْفُ الطَّبِيعِيُّ فَلا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمْ [كَالنُّفُورِ مِنَ الْحَيَّةِ إِذَا تَفَاجَأَ بِهَا الإِنْسَانُ. قَالَ تَعَالَى ﴿قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى﴾]، وَكَذَلِكَ يَسْتَحِيلُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ سَبْقُ اللِّسَانِ فِى الشَّرْعِيَّاتِ وَالْعَادِيَّاتِ وَيَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا كُلُّ مَا يُنَفِّرُ عَنْ قَبُولِ الدَّعْوَةِ مِنْهُمْ كَالأَمْرَاضِ الْمُنَفِّرَةِ وَذَلِكَ كَخُرُوجِ الدُّودِ مِنَ الْجِسْمِ وَتَجِبُ لَهُمُ الْعِصْمَةُ أَىِ الْحِفْظُ التَّامُّ بِلا انْخِرَامٍ مِنَ الْكُفْرِ وَالذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ وَصَغَائِرِ الْخِسَّةِ وَالدَّنَاءَةِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا فَالأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلامُ مَعْصُومُونَ مِنَ الْوُقُوعِ فِى الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِى الْكَبِيرَةِ وَمِنَ التَّلَبُّسِ بِالذُّنُوبِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي فِيهَا خِسَّةٌ وَدَنَاءَةٌ كَسَرِقَةِ حَبَّةِ عِنَبٍ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا وَيَجُوزُ عَلَيْهِمْ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِى وهِىَ الصَّغَائِرُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا خِسَّةٌ وَلا دَنَاءَةٌ كَمَا حَصَلَ مَعَ سَيِّدِنَا ءَادَمَ لَكِنْ إِنْ حَصَلَ مِنْهُمْ شَىْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُنَبَّهُونَ فَوْرًا لِلتَّوْبَةِ قَبْلَ أَنْ يَقْتَدِىَ بِهِمْ أَىْ بِالأَنْبِيَاءِ فِيهَا أَىْ فِى تِلْكَ الصَّغِيرَةِ غَيْرُهُمْ مِنْ أُمَمِهِمْ فَيَفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلُوا لِأَنَّهُمْ قُدْوَةٌ لِلنَّاسِ.
فَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ النُّبُوَّةَ لا تَصِحُّ لإِخْوَةِ يُوسُفَ وَهُمُ الْعَشَرَةُ الَّذِينَ فَعَلُوا تِلْكَ الأَفَاعِيلَ الْخَسِيسَةَ مِنْ ضَرْبِهِمْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَرَمْيِهِمْ لَهُ فِى الْبِئْرِ وَتَسْفِيهِهِمْ أَبَاهُمْ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ كُفْرٌ، وَإِخْوَةُ يُوسُفَ هَؤُلاءِ هُمْ مَنْ سِوَى بِنْيَامِينَ فَهُوَ لَمْ يُشَارِكْهُمْ فِيمَا فَعَلُوهُ. وَأَمَّا الأَسْبَاطُ الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِى الْقُرْءَانِ أَنَّهُ أُنْزِلَ عَلَيْهِمُ الْوَحْىُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِمْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ ءَاذَوْهُ بَلْ هُمْ مَنْ نُبِّئَ أَىْ أُوحِىَ إِلَيْهِمْ بِالنُّبُوَّةِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمْ لِأَنَّ ذُرِّيَّتَهُمْ مِنْهُمْ مَنْ أُوتِىَ النُّبُوَّةَ. وَالسِّبْطُ فِى اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ.
بعض الكرامات التي تروى في الأمم السابقة غير ما ذُكر
وَفِي البُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ: “أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ , فَقَالَ: ائْتِنِي بِشُهَدَاءَ أُشْهِدُهُمْ فَقَالَ: كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا فَقَالَ: ائْتِنِي بِكَفِيلٍ فَقَالَ: كَفَى بِاللهِ كَفِيلًا قَالَ: صَدَقْتَ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَخَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَقْدُمُ عَلَيْهِ لِأَجَلِهِ الَّذِي أَجَّلَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا الدَّنَانِيرَ وَصَحِيفَةً مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ سَدَّ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أَتَى بِهَا الْبَحْرَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي تَسَلَّفْتُ مِنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي كَفِيلًا فَقُلْتُ: كَفَى بِاللَّهِ كَفِيلًا وَرَضِيَ بِكَ وَسَأَلَنِي شُهُودًا فَرَضِيَ بِكَ وَإِنِّي قَدْ جَهِدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ إِلَيْهِ الَّذِي لَهُ فَلَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا فَرَمَى بِهَا فِي الْبَحْرِ حَتَّى وَلِجَتْ ثُمَّ انْصَرَفَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَطْلُبُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إِلَى بَلَدِهِ فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ أَسْلَفَهُ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ مَرْكَبٌ قَدْ جَاءَ بِمَالِهِ فَإِذَا تِلْكَ الْخَشَبَةُ الَّتِي فِيهَا الْمَالُ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا فَلَمَّا كَسَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ ثُمَّ قَدِمَ الَّذِي كَانَ تَسَلَّفَ مِنْهُ فَأَتَاهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ مَازِلْتُ جَاهِدًا فِي طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فَمَا وَجَدْتُ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ فَقَالَ لَهُ: هَلْ كُنْتَ بَعَثْتَ إِلَيَّ بِشَيْءٍ؟ قَالَ: إِنِّي أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَجِدْ مَرْكَبًا قَبْلَ الَّذِي جِئْتُ فِيهِ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَدَّى عَنْكَ الَّذِي بَعَثْتَ بِهِ فِي الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِمَالِكَ رَاشِدًا.اهـ
من فضائل يوم عرفة
وقفَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بعرفاتٍ وقد كادتِ الشَّمسُ أن تغرب فقالَ يا بلالُ أنصِتِ النَّاسَ فقالَ بلالُ أنصِتوا لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فنَصتَ النَّاسُ فقالَ معاشرَ النَّاسِ أتاني جبريلُ آنفًا وأقرأَني من ربِّيَ السَّلامَ وقالَ إنَّ اللَّهَ عز وجل غفرَ لأَهْلِ عرفاتٍ وأَهْلِ المشعرِ وضمنَ عنهمُ التَّبعاتِ فقامَ عمرُ بنُ الخطَّابِ فقالَ يا رسولَ اللَّهِ هذا لَنا خاصة قالَ هذا لَكُم ولمن أتى من بعدكم إلى يومِ القيامةِ فقالَ عمرُ كثُرَ واللَّه خيرُ اللَّهِ وطابَ.
إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ فِي العَامِ مَوَاسِمَ لِمُضَاعَفَةِ الحَسَنَاتِ وَالعِتقِ مِن نَارِ جَهَنَّمَ وَإِجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَجَعَلَ لِيَومِ عَرَفَةَ مَزِيَّةً عَلَى أَيَّامِ العَامِ كُلِّهِ، نَذكُرُ مِن ذَلِكَ:
(1) أَنَّهُ اليَومُ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ قَولُهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿اليَومَ أَ كَمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسلَامَ دِينًا﴾، وَقَد ثَبَتَ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، لَو أَنَّ عَلَينَا نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ لَاتَّخَذنَا ذَلِكَ اليَومَ عِيدًا.
وَمَعنَى الآيَةِ: اليَومَ اكتَمَلَت قَوَاعِدُ دِينِكُم يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، القَوَاعِدُ الَّتِي هِيَ مِن أُصُولِ الدِّينِ وَأُصُولِ الفُرُوعِ، وَلَم يَنزِل بَعدَ هَذِهِ الآيَةِ آيَةٌ فِيهَا بَيَانُ قَاعِدَةٍ مِن قَوَاعِدِ الدِّينِ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَكمَلَ لَهُم دِينَهُم ، إِنَّمَا كَانَ يُوحَى إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِبَعضِ مَا هُوَ دَاخِلُ تَحتَ تِلكَ القَوَاعِدِ الَّتِي أُنزِلَت عَلَيهِ قَبلَ ذَلِكَ (مثل بعض أحكام الربا كما قال عمر رضي الله عنه، آيات تحريم الربا نزلت بعد هذه الآية، وآية الكلالة في الميراث أيضا نزلت بعد هذه الآية، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام ما مات في حجة الوداع، عاش بعد ذلك نحو ثلاثة أشهر، فكانت تنزل عليه بعض الأحكام، أما الأصول كانت قد تمت، وهذه الآية ليس فيها ما تدعيه المشبهة المجسمة من تحريم الاحتفال بالمولد، يحتجون بهذه الآية لتحريم المولد وهذا من جهلهم العريض لأن الآية تعني أن أصول الدين القواعد تمت لكم، وإلا إذا كان على زعمهم لم ينزل حكم بعد ذلك وأن الأمور كلها حتى الفروع تمت في ذلك الوقت يلزمهم أن يلغوا آيات تحريم الربا وآية الكلالة، وهل يجرؤون على ذلك؟).
(2) وَأَنَّهُ يَومٌ أَقسَمَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ، وَاللهُ تَعَالَى يُقسِمُ بِمَا يَشَاءُ مِن خَلقِهِ، وَلَا يُقسِمُ إِلَّا بِمَا فِيهِ نَفعٌ، وَقَد جَاءَ يَومُ عَرَفَةَ فِي القَسَمِ فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَشَاهِدٍ وَمَشهُودٍ﴾.
فَقَد رَوَى التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «وَاليَومُ المَشهُودُ يَومُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ يَومُ الجُمُعَةِ» (هذا كله تعظيم لشأن يوم عرفة).
وَكَذَلِكَ ذَهَبَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا إِلَى تَفسِيرِ الوِترِ فِي الآيَةِ: ﴿وَالشَّفعِ وَالوَترِ﴾ بِيَومِ عَرَفَةَ، وَقَد أَقسَمَ اللهُ تَعَالَى بِهِ أَيضًا.
(3) وَأَنَّهُ أَحَدُ أَيَّامِ الأَشهُرِ الحُرُمِ، قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثنَا عَشَرَ شَهرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَومَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ مِنهَا أَربَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلَا تَظلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُم﴾، وَالأَشهُرُ الحُرُمُ الأَربَعَةُ: ذُو القَعدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَمُحَرَّمٌ، وَرَجَبُ.
(4) وَأَنَّهُ أَحَدُ أَيَّامِ أَشهُرِ الحَجِّ، قَالَ تَعَالَى: ﴿الحَجُّ أَشهُرٌ مَعلُومَاتٌ﴾، وَأَشهُرُ الحَجِّ: شَوَّالُ، وَذُو القَعدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ.
(5) وَأَنَّهُ أَحَدُ الأَيَّامِ المَعلُومَاتِ الَّتِي أَوصَى اللهُ تَعَالَى بِالإِكثَارِ مِنَ العِبَادَاتِ فِيهِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ﴾، وَالأَيَّامُ المَعلُومَاتُ عَشرُ ذِي الحِجَّةِ، قَالَهُ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا.
(6) وَأَنَّهُ يَومُ عِيدٍ لِأَهلِ مَوقِفِ عَرَفَةَ، فَقَد صَحَّ عَنهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ يَومَ عَرَفَةَ وَيَومَ النَّحرِ وَأَيَّامَ التَّشرِيقِ عِيدُنَا أَهلَ الإِسلَامِ» (ويوم الجمعة أيضا يوم عيد كما ورد ذلك في حديث رواه الإمام أحمد، أما الأصل فهو عيد الأضحى وعيد الفطر، لكن الوقوف في عرفات هذا أيضا يقال له عيد، وأيام التشريق يقال لها عيد، ويوم الجمعة يقال له عيد، لذلك قال بعض العلماء: ويجوز أن يقال عن يوم المولد النبوي الشريف يوم عيد على هذا المعنى توسعا في كلمة عيد).
(7) وَأَنَّهُ اليَومُ الَّذِي فِيهِ رُكنُ الحَجِّ الأَعظَمُ، وَهُوَ الوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، فَقَد ثَبَتَ عَنهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «الحَجُّ عَرَفَةُ».
(8) وَأَنَّهُ يَومٌ يَغفِرُ اللهُ فِيهِ الذُّنُوبَ وَيُعتِقُ مِنَ النَّارِ مَن شَاءَ، يَومٌ يُظهِرُ لِلمَلَائِكَةِ شَرَفَ مَا جَاءَ بِهِ أَهلُ المَوقِفِ فِي عَرَفَةَ وَفَضِيلَةَ مَا نَالُوا، فَقَد ثَبَتَ عَنهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِن يَومٍ أَكثَرُ أَن يُعتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبدًا مِنَ النَّارِ مِن يَومِ عَرَفَةَ».
(9) وَأَنَّهُ يَومٌ صِيَامُهُ سَبَبٌ لِتَكفِيرِ ذُنُوبِ عَامَينِ، وَبِذَلِكَ أَخبَرَ النَّبِيُّ الصَادِقُ المَصدُوقُ قَائِلًا: «صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحتَسِبُ عَلَى اللهِ أَن يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعدَهُ». هَذَا وَإِنَّ صِيَامَ يَومِ عَرَفَةَ مُستَحَبُّ لِغَيرِ الحَاجِّ، أَمَّا الحَاجُّ فَلَا يُسَنُّ لَهُ صِيَامُ هَذَا اليَومِ (لكن لا يحرم عليه، ولا يسن له لأجل أن لا يضعف عن القيام بوظيفة يوم عرفة، يعني لأجل أن يبقى نشيطا، لأجل أن يقوم بوظائف يوم عرفة، فإذا صام قد يضعف وتنكسر قوته، لأجل هذا لا يسن للمحرم في عرفات أن يصوم هذا اليوم، لكن لا يحرم، يعني لو صام ليس عليه معصية، لكنه ليس من السنة بالنسبة له لأجل القيام بوظيفة يوم عرفات والذي معظمه الدعاء والتلاوة).
(10) وَأَنَّهُ يَومٌ الدُّعَاءُ فِيهِ لَيسَ كَالدُّعَاءِ فِي غَيرِهِ، فَقَد رَوَى التِّرمِذِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «خَيرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَومِ عَرَفَةَ».
(11) وَأَنَّهُ يَومٌ يَندَحِرُ فِيهِ الشَّيطَانُ مُغتَاظًا لِمَا يَرَى مِنَ اشتِغَالِ العِبَادِ بِالتَّضَرُّعِ إِلَى اللهِ وَتَكفِيرِ اللهِ لِسَيِّئَاتِ بَعضِ عِبَادِهِ، فَقَد رُوِيَ عَنهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا رُئِيَ الشَّيطَانُ يَومًا هُوَ فِيهِ أَصغَرُ وَلَا أَدحَرُ وَلَا أَحقَرُ وَلَا أَغيَظُ مِنهُ مِن يَومِ عَرَفَةَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا مِمَّا يَرَى مِن تَنزِيلِ الرَّحمَةِ وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ إِلَّا مَا رُئِيَ يَومَ بَدرٍ» (في يوم بدر رأى الملائكة تقاتل مع النبي والصحابة، قلبه كاد يتمزق من الغيظ، قلبه كاد يحترق من شدة الغيظ، رآهم فامتلأ رعبا وفزعا واندحارا).
إِخوَانِي فِي اللهِ، اجتَهِدُوا فِي يَومِ عَرَفَةَ بِالأَعمَالِ الصَّالِحَةِ، وَالقُرُبَاتِ النَّافِعَةِ، وَاحرِصُوا عَلَى صِيَامِهِ مَعَ أَهلِيكُم وَأَولَادِكُمُ المُطِيقِينَ لِلصَّومِ، وَأَكثِرُوا فِي هَذَا اليَومِ مِنَ التَّهلِيلِ وَالتَّكبِيرِ وَالذِّكرِ فَإِنَّكُم إِن عِشتُم هَذَا اليَومَ فَلَا تَدرُونَ هَل تَبلُغُونَ مِثلَهُ مِنَ العَامِ القَادِمِ؟ وَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِم: ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيرَاتِ﴾، وَفَضلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاسِعٌ يَسَعُ الحُجَّاجَ وَغَيرَهُم، فَلَا يَحرِمَنَّ عَبدٌ نَفسَهُ نَيلَ الفَضلِ فِي هَذَا اليَومِ العَظِيمِ، نَسأَلُ اللهَ تَعَالَى أَن يَتَقَبَّلَ طَاعَاتِنَا وَأَن يُوَفِّقَنَا لِلخَيرَاتِ، وَأَن يُنَزِّلَ عَلَينَا الرَّحَمَاتِ الخَاصَّةَ وَأَن يَغفِرَ لَنَا وَيُعتِقَنَا مِنَ النَّارِ.
فائدة في يوم عرفة
رَوَى الحَافِظُ ابنُ عَسَاكِرَ عَن مُحَمَّدِ بنِ المُنكَدِرِ عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ رَحِمَهُمُ اللهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا مِن مُسلِمٍ يَقِفُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فِي المَوقِفِ فَيَستَقبِلُ القِبلَةَ بِوَجهِهِ ثُمَّ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ مِائَةَ مَرَّةٍ ثُمَّ يَقرَأُ قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ مِائَةَ مَرَّةٍ ثُمَّ يَقُولُ اللهم صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبرَاهِيمَ وَآلِ إِبرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَعَلَى نَبِيِّنَا مَعَهُم مِائَةَ مَرَّةٍ إِلَّا قَالَ اللهُ تَعَالَى يَا مَلَائِكَتِي مَا جَزَاءُ عَبدِي هَذَا سَبَّحَنِي وَهَلَّلَنِي وَكَبَّرَنِي وَعَظَّمَنِي وَعَرَفَنِي وَأَثنَى عَلَيَّ وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّي؟ اشهَدُوا مَلَائِكَتِي أَنِّي قَد غَفَرتُ لَهُ وَشَفَّعتُهُ فِي نَفسِهِ وَلَو سَأَلَنِي عَبدِي هَذَا لَشَفَّعتُهُ فِي أَهلِ المَوقِفِ كُلِّهِ».
الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ:
اللهم فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ عَالِمَ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ رَبَّ كُلِّ شَيءٍ وَمَلِيكَهُ أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ نَفسِي وَشَرِّ الشَّيطَانِ وَشِركِهِ.
اللهم بِجَاهِ هذه الايام الفَضِيلَة اغفِر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا اللهم ارحَمنَا إِذَا أَتَانَا اليَقِينُ، وَعَرِقَ مِنَّا الجَبِينُ، وَكَثُرَ مِنَّا الأَنِينُ.
اللهم ارزُقنَا الإِخلَاصَ فِي القَولِ وَالنِّيَّةِ وَالعَمَلِ وَتَقَبَّل مِنَّا الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالقِيَامَ وَالدُّعَاءَ، اللهم استَجِب دُعَاءَنَا يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكرَامِ.
يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحمَتِكَ أَستَغِيثُ أَصلِح لِي شَأنِي كُلَّهُ وَلَا تَكِلنِي إِلَى نَفسِي طَرفَةَ عَينٍ
اللهم أَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتَقَبَّل مِنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم اجعَلنَا مِن عُتَقَاءِ هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ وَمِنَ المَقبُولِينَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وَارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ، اللهم ارزُقنَا رُؤيَةَ سَيِّدِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ
اللهم بِحَقِّ هَذِهِ الأَيَّامِ المُبَارَكَةِ وَهَذَا الشَّهرِ الفَضِيلِ احفَظ أَهلَ غَزَّةَ وَفِلَسطِينَ، بِعِزِّكَ الَّذِي لَا يُضَامُ أَرِنَا عَجَائِبَ قُدرَتِكَ فِي نَصرِهِم، اللهم اربِط عَلَى قُلُوبِهِم وَثَبِّتِ الأَرضَ تَحتَ أَقدَامِهِم، اللهم ثَبِّت أَقدَامَهُم عِندَ لِقَاءِ عَدُوِّكَ، اللهم إِنَّ اليَهُودَ الغَاصِبِينَ قَد بَغَوا وَاستَكبَرُوا وَأَفسَدُوا فِي الأَرضِ فَزَلزِلهُم وَدَمِّرهُم وَأَرِنَا القُدسَ وَغَزَّةَ وَفِلَسطِينَ حُرَّةً أَبِيَّةً يَا رَبَّ
اللهم تَوَفَّنَا عَلَى كَامِلِ الإِيمَانِ وَارزُقنَا شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَمَوتًا فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ ﷺ، وَاحشُرنَا عَلَى نُوقٍ رَحَائِلُهَا مِن ذَهَبٍ آمِنِينَ مُطمَئِنِّينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.
رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ،
اللهم ارزُقنَا حُسنَ الخِتَامِ وَالمَوتَ عَلَى دِينِكَ دِينِ الإِسلَامِ وَرُؤيَةَ سَيِّدِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.
اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.
وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.