الدرس الثاني | أشراط الساعة: نذيرٌ للغافلين ودعوةٌ للتوبة قبل فوات الأوان

المقدمة

الحَمدُ للهِ الَّذِي يُجِيبُ سَائِلَهُ وَلَا يَخِيبُ، وَيُثِيبُ مُعَامِلَهُ حِينَ يُنِيبُ، وَيُغِيثُ بِالصَّلَاحِ مَن يَعِيثُ وَلَا يَغِيبُ، وَيُطنِبُ ذَاكِرَهُ وَذِكرُهُ يَطِيبُ، يَسمَعُ حَنِينَ النُّوقِ إِذَا تَرَنَّمَ حُدَاتُهَا بِالنَّسِيبِ، وَيُبصِرُ دَبِيبَ المَاءِ فِي العُودَينِ اليَابِسِ وَالرَّطِيبِ، وَيَعلَمُ عَدَدَ مَا يَحوِي مِنَ الذَّرِّ الكَثِيبُ، وَيَعلَمُ قَدرَ مَا قَد رَمَى بِهِ مِنَ الوَجدِ الكَئِيبُ، يَقسِمُ الرِّزقَ فَلَا يَنسَى الحُوتَ فِي البَحرِ ﴿وَمَا تَوفِيقِي إِلَّا بِاللهِ، عَلَيهِ تَوَكَّلتُ وَإِلَيهِ أُنِيبُ﴾.

أَحمَدُهُ فَهُوَ الَّذِي جَادَ عَلَى أَولِيَائِهِ بِإِسعَادِهِ، وَبَيَّنَ لَهُم مَنَاهِجَ الهُدَى بِفَضلِهِ وَإِرشَادِهِ، وَرَمَى المُخَالِفِينَ لَهُ بِطَردِهِ وَإِبعَادِهِ، وَأَجرَى البَرَايَا عَلَى مَشِيئَتِهِ وَمُرَادِهِ، وَاطَّلَعَ عَلَى سِرِّ العَبدِ وَفُؤَادِهِ، وَقَدَّرَ صَلاحَهُ وَقَضَى عَلَيهِ بِفَسَادِهِ، فَهُوَ البَاطِنُ الظَّاهِرُ وَهُوَ الَّذِي لَا يَخفَى عَلَيهِ شَيءٌ مِن أَحوَالِ عِبَادِهِ.

وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحبِهِ، وَعَلَى صَاحِبِهِ أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ ضَجِيعِهِ فِي تُربِهِ، وَعَلَى عُمَرَ الَّذِي لا يَسِيرُ الشَّيطَانُ فِي سِربِهِ؛ وَعَلَى عُثمَانَ الشَّهِيدِ فِي دَارِهِ وَمِحرَابِهِ، وَعَلَى عَلِيٍّ مُعِينِهِ وَمُغِيثِهِ فِي كَربِهِ، وَعَمِّهِ العَبَّاسِ المُقَدَّمِ عَلَى أَهلِهِ وَحِزبِهِ، اللَّهُمَّ أَصلِح كُلًّا مِنَّا بِإِصلاحِ قَلبِهِ، وَأَنعِم عَلَيهِ بِغُفرَانِ ذَنبِهِ، وَاغفِر لِي وَلِكُلِّ حَاضِرٍ بِجَسَدِهِ وَلُبِّهِ، أَمَّا بَعدُ:

الحكمة من ذكر أشراط الساعة
فَقَد كَثُرَ فِي كِتَابِ اللهِ الكَرِيمِ ذِكرُ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ وَأَشرَاطِهَا وَالتَّنبِيهُ عَلَى قُربِهَا، وَالحِكمَةُ فِي تَقدِيمِ الأَشرَاطِ ‌وَدِلَالَةِ ‌النَّاسِ عَلَيهَا تَنبِيهُ النَّاسِ عَن رَقدَتِهِم، وَحَثُّهُم عَلَى الِاحتِيَاطِ لِأَنفُسِهِم، بِالتَّوبَةِ وَالإِنَابَةِ، كَي لَا يُبَاغَتُوا بِالحَولِ بَينَهُم وَبَينَ تَدَارُكِ النَّقصِ وَالغَفلَةِ مِنهُم، فَيَنبَغِي لِلنَّاسِ أَن يَكُونُوا بَعدَ ظُهُورِ أَشرَاطِ السَّاعَةِ أَو ظُهُورِ شَيءٍ مِنهَا قَد نَظَرُوا لِأَنفُسِهِم، وَانفَطَمُوا عَنِ الدُّنيَا، وَاستَعَدُّوا لِلسَّاعَةِ المَوعُودِ بِهَا فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتِلكَ الأَشرَاطُ عَلَامَةٌ لِانتِهَاءِ الدُّنيَا وَانقِضَائِهَا. وَلَمَّا كَانَتِ الدُّنيَا لَم تُخلَق لِلبَقَاءِ وَلَم تَكُن دَارَ إِقَامَةٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مَنزِلٌ يُوصِلُ لِمَنَازِلِ الآخِرَةِ، جُعِلَت لِلتَّزَوُّدِ مِنهَا إِلَى الآخِرَةِ، وَالتَّهَيُّؤِ لِلعَرضِ عَلَى حِسَابِ اللهِ وَلِقَائِهِ، وَقَد آذَنَت بِالِانصِرَامِ وَوَلَّت وَشَارَفَت عَلَى الِانقِضَاءِ، لِذَا كَانَ يَنبَغِي عَلَى كُلِّ عَالِمٍ وَوَاعِظٍ أَن يُشِيعَ أَشرَاطَهَا، وَيَبُثَّ الأَحَادِيثَ وَالأَخبَارَ الوَارِدَةَ فِيهَا بَينَ الأَنَامِ، وَيَسرُدَهَا مَرَّةً بَعدَ أُخرَى عَلَى العَوَامِّ، فَعَسَى أَن يَنتَهُوا عَن بَعضِ الذُّنُوبِ، وَيَلِينَ مِنهُم بَعضُ القُلُوبِ، وَيَنتَبِهُوا مِنَ الغَفلَةِ. وَيَغتَنِمُوا المُهلَةَ قَبلَ الوَهلَةِ.

وَلِهَذَا كَثُرَ فِي كِتَابِ اللهِ وَأَحَادِيثِ رَسُولِ اللهِ ﷺ الإِكثَارُ مِن ذِكرِ السَّاعَةِ وَعَلَامَاتِهَا وَالتَّنبِيهُ لِقُربِهَا، حَتَّى أَفرَدَ العُلَمَاءُ لِذَلِكَ التَّآلِيفَ العَدِيدَةَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿اقتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُم وَهُم فِي غَفلَةٍ مُعرِضُونَ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَتَى أَمرُ اللَّهِ فَلَا تَستَعجِلُوهُ﴾، وَقَالَ: ﴿يَسأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُل إِنَّمَا عِلمُهَا عِندَ اللهِ وَمَا يُدرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿اقتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَومَ يَحشُرُهُم كَأَن لَم يَلبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَينَهُم قَد خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهتَدِينَ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿كَأَنَّهُم يَومَ يَرَونَهَا لَم يَلبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَو ضُحَاهَا﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِيزَانَ وَمَا يُدرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾.

وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا جَاءَ فِي أَمرِهَا عَلَى العُمُومِ وَقَد ذُكِرَ بَعضُهَا فِي كِتَابِ اللهِ عَلَى التَّخصِيصِ فَقَد قَالَ تَعَالَى فِي أَمرِ دَابَّةِ الأَرضِ: ﴿وَإِذَا وَقَعَ القَولُ عَلَيهِم أَخرَجنَا لَهُم دَابَّةً مِنَ الأَرضِ تُكَلِّمُهُم أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾، وَقَالَ تَعَالَى فِي أَمرِ انشِقَاقِ القَمَرِ: ﴿اقتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ﴾، وَقَالَ تَعَالَى فِي أَمرِ الدُّخَانِ: ﴿فَارتَقِب يَومَ تَأتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾، إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِنَ الآيَاتِ.

الرسول ﷺ لا يعلم كل الغيب
وَإِنَّهُ لَا يَعلَمُ وَقتَ قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَهَذَا مِن عِلمِ الغَيبِ الَّذِي لَا يَعلَمُهُ إِلَّا اللهُ تَعَالَى قَالَ سُبحَانَهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ وَيَعلَمُ مَا فِي الأَرحَامِ وَمَا تَدرِي نَفسٌ مَاذَا تَكسِبُ غَدًا وَمَا تَدرِي نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَسأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِلَيهِ يُرَدُّ عِلمُ السَّاعَةِ﴾، وَلِهَذَا لَمَّا سَأَلَ جِبرِيلُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ السَّاعَةِ قَالَ لَهُ: «مَا المَسئُولُ عَنهَا بِأَعلَمَ مِنَ السَّائِلِ». يَعنِي قَدِ استَوَى فِيهَا عِلمُ كُلِّ مَسئُولٍ وَسَائِلٍ بِطَرِيقِ الأَولَى وَالأَحرَى، لِأَنَّهُ إِن كَانَتِ الأَلِفُ وَاللَّامُ فِي المَسئُولِ وَالسَّائِلِ لِلعَهدِ عَائِدَةً عَلَيهِ وَعَلَى جِبرِيلَ فَكُلُّ أَحَدٍ مِمَّن سِوَاهُمَا لَا يَعلَمُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الأَولَى وَالأَحرَى، وَإِن كَانَت لِلجِنسِ عَمَّت بِطَرِيقِ اللَّفظِ، ثُمَّ ذَكَرَ النَّبِيُّ ﷺ لَهُ شَيئًا مِن أَشرَاطِ السَّاعَةِ، وَقَالَ فِي الحَدِيثِ الآخَرِ: «خَمسٌ لَا يَعلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ وَيَعلَمُ مَا فِي الأَرحَامِ وَمَا تَدرِي نَفسٌ مَاذَا تَكسِبُ غَدًا وَمَا تَدرِي نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ [لقمان: 34].

فَعُلِمَ مِن كُلِّ هَذِهِ الآيَاتِ أَنَّهُ لَا يَعلَمُ وَقتَ قِيَامِ السَّاعَةِ عَلَى التَّحدِيدِ إِلَّا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَلَا يَعلَمُ ذَلِكَ نَبِيٌّ مُرسَلٌ وَلَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ مَهمَا بَلَغَ مِنَ الرُّتبَةِ، لِأَنَّهُ لَا يَعلَمُ الغَيبَ كُلَّهُ إِلَّا اللهُ تَعَالَى، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُل لَا يَعلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ الغَيبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشعُرُونَ أَيَّانَ يُبعَثُونَ﴾، وَإِنَّهُ مِنَ المُقَرَّرِ بَينَ المُوَحِّدِينَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُشبِهُ خَلقَهُ بِوَجهٍ مِنَ الوُجُوهِ، وَمِن صِفَاتِهِ عَزَّ وَجَلَّ العِلمُ بِكُلِّ شَيءٍ قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَىءٍ عَلِيمٌ﴾ سورة الأنعام/101، فَلَو كَانَ يَصِحُّ لِغَيرِهِ تَعَالَى العِلمُ بِكُلِّ شَيءٍ لَم يَكُن للهِ تَعَالَى تَمَدُّحٌ بِوَصفِهِ نَفسَهُ بِالعِلمِ بِكُلِّ شَيءٍ، فَمَن يَقُولُ إِنَّ الرَّسُولَ يَعلَمُ بِكُلِّ شَيءٍ يَعلَمُهُ اللهُ فَقَد جَعَلَ الرَّسُولَ مُسَاوِيًا للهِ تَعَالَى فِي صِفَةِ العِلمِ فَيَكُونُ كَمَن قَالَ: الرَّسُولُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَىءٍ، وَكَمَن قَالَ الرَّسُولُ مُرِيدٌ لِكُلِّ شَىءٍ، وَلَو قَالَ هَذَا القَائِلُ إِنَّ الرَّسُولَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَىءٍ بِإِعلَامِ اللهِ لَهُ وَقَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَىءٍ بِإِقدَارِ اللهِ لَهُ فَلَا مَخلَصَ لَهُ مِنَ الكُفرِ.

وَالحَاصِلُ أَنَّ اللهَ هُوَ المُنفَرِدُ بِالإِحَاطَةِ بِالغَيبِ عِلمًا، لَا أَحَدَ مِن خَلقِهِ يُحِيطُ بِالغَيبِ عِلمًا، وَمَنِ اعتَقَدَ أَنَّ أَحَدًا غَيرَ اللهِ يُحِيطُ بِالغَيبِ عِلمًا فَقَد كَذَّبَ القُرءَانَ. وَقَد أَلَّفَ بَعضٌ رِسَالَةً ذَكَرَ فِيهَا أَنَّ اللهَ أَطلَعَ الرَّسُولَ عَلَى كُلِّ مَا يَعلَمُهُ بِلَا استِثنَاءٍ وَهَذَا مُصَادَمَةٌ لِلنُّصُوصِ كَقَولِهِ تَعَالَى: ﴿قُل لَا أَملِكُ لِنَفسِي نَفعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاء اللهُ وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لَاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ سورة الأعراف/188، وَهَذَا غُلُوٌّ شَبِيهٌ بِغُلُوِّ النَّصَارَى فِي قَولِهِمُ: اتَّحَدَّ اللَّاهُوتُ بِالنَّاسُوتِ أَيِ اتَّحَدَ اللهُ بِزَعمِهِم بِالإِنسَانِ يَعنُونَ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ. وَكَيفَ يُعقَلُ أَن يَكُونَ الرَّسُولُ أَحَاطَ عِلمًا بِكُلِّ الأُمُورِ الخَفِيَّةِ وَالظَّاهِرَةِ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ عِلمُ اللهِ تَعَالَى، وَعِلمُ اللهِ شَامِلٌ لِلجَائِزَاتِ العَقلِيَّةِ وَالمُستَحِيلَاتِ العَقلِيَّةِ وَالوَاجِبِ العَقلِيِّ، حَتَّى إِنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا سَيَحدُثُ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ جُملَةً وَتَفصِيلًا.

ثُمَّ مَاذَا يَكُونُ مَا فِي اللَّوحِ بِالنِّسبَةِ إِلَى مَا لَم يُكتَب فِيهِ مِن مَعلُومَاتِ اللهِ لِأَنَّ الآخِرَةَ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَفِي كُلِّ زَمَنٍ تَحدُثُ حَادِثَاتٌ كَثِيرَةٌ، فَأَنفَاسُ أَهلِ الجَنَّةِ وَالنَّعِيمُ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لَهُم وَكَذَلِكَ أَنفَاسُ أَهلِ النَّارِ وَمَا يَتَجَدَّدُ لَهُم مِنَ الآلَامِ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ كُلُّ ذَلِكَ يَعلَمُهُ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.

وَأَمَّا الأَدِلَّةُ الشَّرعِيَّةُ فِي إِبطَالِ هَذَا القَولِ: فَقَولُهُ تَعَالَى ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الغَيبِ لَا يَعلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ سورة الأنعام/59، وَقَولُهُ تَعَالَى ﴿عَالِمُ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ سورة التغابن/18، وَقَد تَمَدَّحَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِإِحَاطَتِهِ بِالغَيبِ وَالشَّهَادَةِ عِلمًا، فَهَذَا القَائِلُ إِنَّ الرَّسُولَ يَعلَمُ بِإِعلَامِ اللهِ لَهُ كُلَّ شَىءٍ يَعلَمُهُ اللهُ جَعَلَهُ مُسَاوِيًا للهِ فِي إِحَاطَةِ عِلمِهِ بِكُلِّ شَىءٍ. وَأَمَّا بَعضُ الأَنبِيَاءِ وَالأَولِيَاءِ وَالمَلَائِكَةِ فَقَد يُطلِعُهُمُ اللهُ عَلَى بَعضِ الغَيبِ. وَقَد عُلِمَ إِطلَاعُ اللهِ المَلَكَ وَالنَّبِيَّ وَالوَلِيَّ عَلَى بَعضِ الغَيبِ مِن أَدِلَّةٍ عَدِيدَةٍ مِثلِ قِصَّةِ الخَضِرِ عَلَيهِ السَّلَامُ المَذكُورَةِ فِي القُرءَانِ فَإِنَّ فِيهَا إِطلَاعَ اللهِ خَضِرًا عَلَى بَعضِ الغَيبِ، وَقَد أَخبَرَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنِ الخَضِرِ أَنَّهُ قَالَ لِمُوسَى فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ: “يَا مُوسَى مَا نَقَصَ عِلمِي وَعِلمُكَ مِن عِلمِ اللهِ إِلَّا مِثلَ مَا نَقَصَ هَذَا العُصفُورُ بِمِنقَارِهِ مِنَ البَحرِ”، وَأَحَادِيثُ أُخرَى كَالحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ إِخبَارُهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنَّ أُمَّتَهُ سَتَفتَحُ بَعضَ البِلَادِ، وَمِن أَحَادِيثَ عَدِيدَةٍ فِيهَا ذِكرُهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَشرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا سَيَحصُلُ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ، وَرَوَى الإِمَامُ مُسلِمٌ عَن أَبِي زَيدٍ الأَنصَارِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَلَاةَ الصُّبحِ، ثُمَّ صَعِدَ المِنبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى العَصرَ، ثُمَّ صَعِدَ المِنبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى غَابَتِ الشَّمسُ، فَحَدَّثَنَا بِمَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَعلَمُنَا أَحفَظُنَا.

وَمَن قَالَ إِنَّ أَحَدًا غَيرَ اللهِ يَعلَمُ بِكُلِّ شَىءٍ فَقَد سَاوَى بَينَ اللهِ وَبَينَ ذَلِكَ المَخلُوقِ. فَقَولُ بَعضِ النَّاسِ: إِنَّ الرَّسُولَ يَعلَمُ كُلَّ الغَيبِ أَي يَعلَمُ جَمِيعَ مَا يَعلَمُ اللهُ مِن طَرِيقِ عَطَاءِ اللهِ هُوَ مُسَاوَاةٌ بَينَ اللهِ تَعَالَى وَبَينَ الرَّسُولِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى. اللهُ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ ﴿قُل لا يَعلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ الغَيبَ إِلَّا اللهُ﴾ سورة النمل/65، وَالغَيبُ فِي هَذِهِ الآيَةِ أُرِيدَ بِهِ جَمِيعُ الغَيبِ، وَالغَيبُ هُوَ مَا غَابَ عَن حِسِّ الخَلقِ، فَمَا غَابَ عَن حِسِّ الخَلقِ لَا يَعلَمُ جَمِيعَهُ إِلَّا اللهُ، وَلَا يُطلِعُ اللهُ عَلَى ذَلِكَ نَبِيًّا وَلَا مَلَكًا، إِنَّمَا يُطلِعُ عَلَى بَعضِ الغَيبِ مَن شَاءَ مِن عِبَادِهِ مِن مَلَائِكَةٍ وَأَنبِيَاءَ وَأَولِيَاءَ مِنَ الإِنسِ وَالجِنِّ.

وَيُخَالِفُ ذَلِكَ أَيضًا قَولَهُ تَعَالَى ﴿قُل مَا كُنتُ بِدعًا مِّن الرُّسُلِ وَمَا أَدرِي مَا يُفعَلُ بِي وَلا بِكُم إِن أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ سورة الأحقاف/9، وَقَولَهُ تَعَالَى: ﴿قُل لَا أَملِكُ لِنَفسِي نَفعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لَاستَكثَرتُ مِنَ الخَيرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِن أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَومٍ يُؤمِنُونَ﴾، فَإِذَا كَانَ الرَّسُولُ ﷺ بِنَصِّ هَذِهِ الآيَاتِ لَا يَعلَمُ جَمِيعَ تَفَاصِيلِ مَا يَعلَمُهُ اللهُ بِهِ وَبِأُمَّتِهِ فَكَيفَ يَتَجَرَّأُ مُتَجَرِّئٌ عَلَى قَولِ: إِنَّ الرَّسُولَ يَعلَمُ بِكُلِّ شَىءٍ يَعلَمُهُ اللهُ؟. فَقَائِلُ هَذِهِ المَقَالَةِ قَد غَلَا الغُلُوَّ الَّذِي نَهَى اللهُ وَرَسُولُهُ عَنهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿قُل يَا أَهلَ الكِتَابِ لَا تَغلُوا فِي دِينِكُم﴾ سورة المائدة/77، وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِيَّاكُم وَالغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُمُ الغُلُوُّ فِي الدِّينِ»، رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَغَيرُهُ.

وَقَد صَحَّ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ قَالَ «لَا تَرفَعُونِي فَوقَ مَنزِلَتِي»، وَالغُلُوُّ هُوَ الزِّيَادَةُ عَنِ الحَدِّ المَأمُورِ بِهِ، فَقَد أُمِرنَا أَن نُعَظِّمَ الأَنبِيَاءَ لَكِن لَا يَجُوزُ أَن نَرفَعَهُم فَوقَ مَنزِلَتِهِم كَوَصفِهِم بِصِفَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ. فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّنَا قَد نُهِينَا عَنِ الغُلُوِّ فِي الدِّينِ، وَلِذَلِكَ يَنبَغِي تَنزِيهُ النَّبِيِّ ﷺ عَمَّا نُسِبَ إِلَيهِ مِمَّا لَم يَصِحَّ عَنهُ ﷺ وَيُعَدُّ مِن قَبِيلِ الغُلُوِّ المَذمُومِ وَمَعَ ذَلِكَ صَارَ عِندَ العَامَّةِ وَكَثِيرٍ مِنَ الخَاصَّةِ مَعدُودًا مِنَ الفَضَائِلِ النَّبَوِيَّةِ الَّتِي يَكُونُ إِنكَارُهَا عِندَهُم طَعنًا فِي نَبِيِّنَا ﷺ، وَلَا يُدرِكُونَ مَا فِي رَأيِهِم وَقَولِهِم مِنَ الإِثمِ العَظِيمِ الثَّابِتِ فِي قَولِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَن كَذَبَ عَلَيَّ فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ» وَالَّذِي يَصِفُ النَّبِيَّ ﷺ بِمَا لَم يَثبُت عَنهُ فَهُوَ كَاذِبٌ عَلَيهِ وَاقِعٌ في المَحذُورِ إِلَّا أَن يَتُوبَ وَلَا يَكُونُ مَدحُهُ ﷺ شَافِعًا لَهُ فِي الكَذِبِ عَلَيهِ، وَإِن كَانَتِ الفَضَائِلُ يُتَسَامَحُ فِيهَا فَإِنَّ فَضَائِلَ النَّبِيِّ ﷺ إِنَّمَا تَكُونُ بِالثَّابِتِ المَعرُوفِ حَذَرًا مِنَ الكَذِبِ المُتَوَعَّدِ عَلَيهِ بِالنَّارِ، نَسأَلُ اللهَ تَعَالَى العَافِيَةَ.

وَمِمَّا يَرُدُّ مَقَالَتَهُم هَذِهِ قَولُهُ تَعَالَى ﴿وَمِن أَهلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعلَمُهُم نَحنُ نَعلَمُهُم﴾ سورة التوبة/101، وَمَا رَوَاهُ ابنُ مَاجَه عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنتِ مُعَوِّذٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ دَخَلَ عَلَيهَا صَبِيحَةَ عُرسِهَا وَعِندَهَا جَارِيَتَانِ يَتَغَنَّيَانِ وَتَقُولَانِ: «وَفِينَا نَبِيٌّ يَعلَمُ مَا فِي غَدٍ»، فَقَالَ: «أَمَّا هَذَا فَلَا تَقُولُوهُ، مَا يَعلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللهُ».

وَيَرُدُّهُ أَيضًا مَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّكُم مَحشُورُونَ إِلَى اللهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرلًا [أَي أَكثَرُ النَّاسِ يَكُونُ هَذَا حَالَهُم وَلَيسَ الجَمِيعَ، فَالأَنبِيَاءُ وَالأَتقِيَاءُ لَا يَكُونُونَ حُفَاةً عُرَاةً يَومَ القِيَامَةِ وَهَؤُلَاءِ لَا يُحشَرُونَ كَالفَسَقَةِ وَالكَفَرَةِ] ﴿كَمَا بَدَأنَا أَوَّلَ خَلقٍ نُّعِيدُهُ﴾، وَإِنَّ أَوَّلَ الخَلَائِقِ يُكسَى يَومَ القِيَامَةِ إِبرَاهِيمُ الخَلِيلُ [أَي أَوَّلُ مَن يُكسَى مِن حُلَلِ أَهلِ الجَنَّةِ]، وَإِنَّهُ سَيُجَاءُ بِرِجَالٍ مِن أُمَّتِي فَيُؤخَذُ بِهِم ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصحَابِي فَيَقُولُ اللهُ: إِنَّكَ لَا تَدرِي مَا أَحدَثُوا بَعدَكَ، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبدُ الصَّالِحُ [يَقصِدُ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ] ﴿وَكُنتُ عَلَيهِم شَهِيدًا مَا دُمتُ فِيهِم فَلَمَّا تَوَفَّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيهِم وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ﴾، فَيُقَالُ: إِنَّهُم لَم يَزَالُوا مُرتَدِّينَ عَلَى أَعقَابِهِم». وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ عَن أَبِي هُرَيرَةَ أَيضًا: «فَيَقُولُ: إِنَّكَ لَا عِلمَ لَكَ بِمَا أَحدَثُوا بَعدَكَ، فَيُقَالُ: إِنَّهُم قَد بَدَّلُوا بَعدَكَ، فَأَقُولُ: سُحقًا سُحقًا».اهـ فَهَذَا الحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِيهِ رَدٌّ صَرِيحٌ عَلَى مَن يَقُولُ بِهَذِهِ المَقَالَةِ الفَاسِدَةِ.

وَمِن أَعجَبِ مَا ظَهَرَ مِن هَؤُلَاءِ الغُلَاةِ لَمَّا قِيلَ لِأَحَدِهِم: كَيفَ تَقُولُ الرَّسُولُ يَعلَمُ كُلَّ شَىءٍ يَعلَمُهُ اللهُ وَقَد أَرسَلَ سَبعِينَ مِن أَصحَابِهِ إِلَى قَبِيلَةٍ لِيُعَلِّمُوهُمُ الدِّينَ فَاعتَرَضَتهُم بَعضُ القَبَائِلِ فَقَتَلُوهُم، فَلَو كَانَ يَعلَمُ أَنَّهُ يَحصُلُ لَهُم هَذَا هَل كَانَ يُرسِلُهُم؟ فَقَالَ: نَعَم، يُرسِلُهُم مَعَ عِلمِهِ بِذَلِكَ، وَالحَدِيثُ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ.

فَبَعدَ هَذَا كَيفَ سَاغَ لِهَؤُلَاءِ الغَالِينَ أَن يَقُولُوا: إِنَّ الرَّسُولَ ﷺ يَعلَمُ كُلَّ مَا يَعلَمُهُ اللهُ مِن طَرِيقِ العَطَاءِ وَلَا نَقُولُ مِن طَرِيقِ الذَّاتِ!!. وَمِثلُ هَذَا الغَالِي فِي شِدَّةِ الغُلُوِّ رَجُلٌ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ شَيخُ أَربَعِ طُرُقٍ قَالَ: الرَّسُولُ هُوَ المُرَادُ بِهَذِهِ الآيَةِ: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَىءٍ عَلِيمٌ﴾ سورة الحديد/3، وَهَذَا مِن أَكفَرِ الكُفرِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الرَّسُولَ الَّذِي هُوَ خَلقٌ مِن خَلقِ اللهِ تَعَالَى أَزَلِيًّا أَبَدِيًّا، لِأَنَّ الأَوَّلَ فِي الآيَةِ مَعنَاهُ الَّذِي لَيسَ لِوُجُودِهِ بِدَايَةٌ، وَهُوَ اللهُ تَعَالَى بِصِفَاتِهِ فَقَط.

إِذًا فَرَسُولُ اللهِ ﷺ لَا يَعلَمُ الغَيبَ كُلَّهُ وَإِنَّمَا يُوحِي إِلَيهِ رَبُّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِبَعضِ مَا سَيَحصُلُ أَو بَعضِ مَا حَصَلَ، وَنَحنُ نُصَدِّقُهُ ﷺ فِيمَا أَخبَرَ بِهِ وَبَلَّغَهُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَهُوَ إِذَا أَخبَرَ بِأَمرٍ فَإِنَّهُ صَادِقٌ فِي كُلِّ مَا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا أَصلٌ مِن أُصُولِ الدِّينِ فَهُوَ مَعنَى قَولِنَا: “مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ” وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ التَّصدِيقُ بِأَنَّهُ ﷺ مُرسَلٌ مِن عِندِ الله وَأَنَّهُ صادِقٌ فِى كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ وَبَلَّغَهُ عَنِ اللهِ. هَذَا أَصلُ مَعنَى الشَّهادَةِ الثّانِيَةِ. التَّصدِيقُ بِأَنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا مُرسَلٌ مِن عِندِ اللهِ، اللهُ اختَارَهُ وَاصطَفَاهُ وَأَرسَلَهُ دَاعِيًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَأَنَّهُ ﷺ صَادِقٌ فِى كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى رَسُولِ اللهِ الكَذِبُ فِى قَولٍ. قَالَ تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى، إِن هُوَ إِلا وَحيٌ يُوحَى﴾ مَعناهُ نَبِيُّنا لَا يَكذِب، لَا يُخطِئُ فِى الشَّرعِ، وَقَالَ عَن نَفسِهِ فِيمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ: «كُلٌّ يُؤخَذُ مِن قَولِهِ وَيُدَع غَيرَ رَسُولِ اللهِ» يُدَع: أَي يُترَكُ.

قالَ بَعضُ أَهلِ العِلمِ: “أَرَادَ ﷺ بِقَولِهِ «غَيرَ رَسُولِ الله» نَفسَهُ”، وَبَعضُ أَهلِ العِلمِ قَالَ: “أَرَادَ بِقَولِهِ «غَيرَ رَسُول الله» نَفسَهُ وَكُلَّ رَسُولٍ أَرسَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلّ مِن قَبلِهِ، لأَنَّ كُلَّ الأَنبِياء وَكُلَّ الرُّسُلِ يَشتَرِكُون فِى صِفَةِ الصِّدقِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى وَاحِدٍ مِنهُمُ الكَذِبُ وَلَا الخَطَأُ فِى حُكمٍ شَرعِيٍّ أَوحَاهُ اللهُ تَعَالَى إِلَيهِم.

وَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ أَمرُ السَّاعَةِ شَدِيدًا، وَهَولُهَا مَزِيدًا، وَأَمَدُهَا بَعِيدًا، وَإِنَّ اللهَ فِي ذَلِكَ اليَومِ يَحكُمُ بَينَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَيَقضِي لِلمُؤمِنِينَ عَلَى الكَافِرِينَ، وَيُمَيِّزُ بَينَ المُخلِصِينَ وَالمُنَافِقِينَ، وَتَنكَشِفُ هُنَالِكَ الأَحوَالُ وَتُبلَى السَّرَائِرُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ يَومٌ مَجمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَومٌ مَشهُودٌ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَالسَّاعَةُ أَدهَى وأَمَرّ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿سَنَفرُغُ لَكُم أَيُّهَ الثَّقَلَانِ﴾، وَإِنَّهَا لَا تَجِيءُ إِلَّا بَغتَةً كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَسأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرسَاهَا قُل إِنَّمَا عِلمُهَا عِندَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَت فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ لَا تَأتِيكُم إِلَّا بَغتَةً﴾، وَقَدِ استَأثَرَ اللهُ تَعَالَى بِعِلمِهَا، وَلَم يُعَلِّم وَقتَهَا عَلَى التَّحدِيدِ أَحَدًا مِن خَلقِهِ كَمَا ذَكَرتُ، تَهوِيلًا لِشَأنِهَا، وَتَعظِيمًا لِأَمرِهَا، كَانَ الِاهتِمَامُ بِشَأنِهَا أَكثَرَ مِن غَيرِهَا. فَأَكثَرَ النَّبِيُّ ﷺ مِن بَيَانِ أَشرَاطِهَا وَأَمَارَاتِهَا، وَمَا بَينَ يَدَيهَا مِنَ الفِتَنِ القَرِيبَةِ وَالبَعِيدَةِ، لِيَكُونَ أَهلُ كُلِّ قَرنٍ عَلَى حَذَرٍ مِنهَا، مُتَهَيِّئِينَ لَهَا بِالأَعمَالِ الصَّالِحَاتِ، غَيرَ مُنهَمِكِينَ فِي الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ.

وَلَيسَ مَعنَى كَونِ الَّذِي سَنَذكُرُهُ أَنَّهُ مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ أَنَّهُ شَيءٌ مُنكَرٌ أَو مُحَرَّمٌ أَو مَنبُوذٌ أَو فَاسِدٌ، لَا، فَقَد يُذكَرُ شَيءٌ مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ وَهُوَ أَمرٌ حَسَنٌ لَا نَكَارَةَ فِيهِ أَبَدًا، قَالَ الحَافِظُ النَّوَوِيُّ فِي شَرحِهِ لِصَحِيحِ مُسلِمٍ: لَيسَ كُلُّ مَا أَخبَرَ ﷺ بِكَونِهِ مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ ‌يَكُونُ ‌مُحَرَّمًا ‌أَو ‌مَذمُومًا، فَإِنَّ تَطَاوُلَ الرِّعَاءِ فِي البُنيَانِ وَفُشُوَّ المَالِ وَكَونَ خَمسِينَ امرَأَةً لَهُنَّ قَيِّمٌ وَاحِدٌ لَيسَ بِحَرَامٍ بِلَا شَكٍّ، وَإِنَّمَا هَذِهِ عَلَامَاتٌ وَالعَلَامَةُ لَا يُشتَرَطُ فِيهَا شَيءٌ مِن ذَلِكَ، بَل تَكُونُ بِالخَيرِ وَالشَّرِّ وَالمُبَاحِ وَالمُحَرَّمِ وَالوَاجِبِ وَغَيرِهِ، وَاللَّهُ أَعلَمُ.اهـ

معنى أشراط الساعة
قَالَ ابنُ الأَثِيرِ: الأَشرَاطُ: العَلَامَاتُ، وَاحِدُهَا شَرَطٌ بِالتَّحرِيكِ.اهـ وَقَالَ ابنُ مَنظُورٍ: “وَالشَّرَطُ، بِالتَّحرِيكِ: العَلَامَةُ، وَالجَمعُ أَشرَاطٌ. وَأَشرَاطُ السَّاعَةِ: أَعلَامُهَا، وَهُوَ مِنهُ. وَفِي التَّنزِيلِ العَزِيزِ: ﴿فَقَد جَاءَ أَشرَاطُهَا﴾ [محمد: 18]. وَالِاشتِرَاطُ: العَلَامَةُ الَّتِي يَجعَلُهَا النَّاسُ بَينَهُم”. ثُمَّ قَالَ: الأَصمَعِيُّ: أَشرَاطُ السَّاعَةِ عَلَامَاتُهَا، قَالَ: وَمِنهُ الِاشتِرَاطُ الَّذِي يَشتَرِطُ النَّاسُ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ، أَي: هِيَ عَلَامَاتٌ يَجعَلُونَهَا بَينَهُم، وَلِهَذَا سُمِّيَتِ الشُّرَطَ لِأَنَّهُم جَعَلُوا لِأَنفُسِهِم عَلَامَةً يُعرَفُونَ بِهَا.اهـ

وَقَالَ الزَّجَّاجُ: السَّاعَةُ اسمٌ لِلوَقتِ الَّذِي تُصعَقُ فِيهِ العِبَادُ وَالوَقتِ الَّذِي يُبعَثُونَ فِيهِ وَتَقُومُ فِيهِ القِيَامَةُ، سُمِّيَت سَاعَةً لِأَنَّهَا تَفجَأُ النَّاسَ فِي سَاعَةٍ فَيَمُوتُ الخَلقُ كُلُّهُم عِندَ الصَّيحَةِ الأُولَى الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: ﴿إِن كَانَت إِلَّا صَيحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُم خَامِدُونَ﴾.

ثُمَّ قَالَ ابنُ مَنظُورٍ: وَالسَّاعَةُ فِي الأَصلِ تُطلَقُ بِمَعنَيَينِ: أَحَدُهُمَا أَن تَكُونَ عِبَارَةً عَن جُزءٍ مِن أَربَعَةٍ وَعِشرِينَ جُزءًا هِيَ مَجمُوعُ اليَومِ وَاللَّيلَةِ، وَالثَّانِي أَن تَكُونَ عِبَارَةً عَن جُزءٍ قَلِيلٍ مِنَ النَّهَارِ أَوِ اللَّيلِ. يُقَالُ: جَلَستُ عِندَكَ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ أَي: وَقتًا قَلِيلًا مِنهُ، ثُمَّ استُعِيرَ لِاسمِ يَومِ القِيَامَةِ.اهـ

قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعنَى السَّاعَةِ فِي كُلِّ القُرءَانِ الوَقتُ الَّذِي تَقُومُ فِيهِ القِيَامَةُ، يُرِيدُ أَنَّهَا سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ يَحدُثُ فِيهَا أَمرٌ عَظِيمٌ فَلِقِلَّةِ الوَقتِ الَّذِي تَقُومُ فِيهِ سَمَّاهَا سَاعَةً.اهـ فَأَشرَاطُ السَّاعَةِ أَي عَلَامَاتُ القِيَامَةِ الَّتِي تَسبِقُهَا وَتَدُلُّ عَلَى قُربِهَا.اهـ

أقسام أشراط الساعة
وَقَد قَسَّمَ العُلَمَاءُ أَشرَاطَ السَّاعَةِ وَعَلَامَاتِهَا لِعِدَّةِ أَقسَامٍ بِاعتِبَارَاتٍ عَدِيدَةٍ عِندَهُم، فَمِنهُم مَن قَالَ: الأَمَارَاتُ ثَلَاثَةُ أَقسَامٍ:

قِسمٌ ظَهَرَ وَانقَضَى، وَهِيَ الأَمَارَاتُ البَعِيدَةُ.

وَقِسمٌ ظَهَرَ وَلَم يَنقَضِ، بَل لَا يَزَالُ يَتَزَايَدُ وَيَتَكَامَلُ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ الغَايَةَ ظَهَرَ.

القِسمُ الثَّالِثُ، وَهِيَ الأَمَارَاتُ القَرِيبَةُ الكَبِيرَةُ الَّتِي تَعقُبُهَا السَّاعَةُ، وَإِنَّهَا تَتَابَعُ كَنِظَامِ خَرَزٍ انقَطَعَ سِلكُهَا.

وَمِنهُم مَن قَالَ: عَلَامَاتُ السَّاعَةِ تَنقَسِمُ إِلَى قِسمَينِ: عَلَامَاتٍ صُغرَى وَعَلَامَاتٍ كُبرَى، فَأَمَّا الصُّغرَى فَقِسمٌ مِنهَا ظَهَرَ وَانقَضَى، وَقِسمٌ ظَهَرَ وَلَم يَنقَضِ بَل لَا يَزَالُ يَتَزَايَدُ، وَقِسمٌ سَيَظهَرُ، ثُمَّ تَبدَأُ العَلَامَاتُ الكُبرَى.

وَإِنَّ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغرَى لَيسَت مَحصُورَةً فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، وَهِيَ مُتَبَاعِدَةٌ وَلَيسَت مُتَقَارِبَةً، بِخِلَافِ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الكُبرَى فَإِنَّهَا مُتَقَارِبَةٌ مِن حَيثُ الزَّمَنُ وَهِيَ عَشَرَةٌ.

قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي شَرحِ البُخَارِيِّ: قَالَ البَيهَقِيُّ وَغَيرُهُ: الأَشرَاطُ مِنهَا صِغَارٌ وَقَد مَضَى أَكثَرُهَا، وَمِنهَا كِبَارٌ سَتَأتِي. قُلتُ (أَيِ ابنُ حَجَرٍ): وَهِيَ الَّتِي تَضَمَّنَهَا حَدِيثُ حُذَيفَةَ بنِ أُسَيدٍ عِندَ مُسلِمٍ، وَهِيَ: الدَّجَّالُ، وَالدَّابَّةُ، وَطُلُوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبِهَا كَالحَامِلِ المُتِمِّ، وَنُزُولُ عِيسَى ابنِ مَريَمَ، وَخُرُوجُ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ، وَالرِّيحُ الَّتِي تَهُبُّ بَعدَ مَوتِ عِيسَى فَتَقبِضُ أَروَاحَ المُؤمِنِينَ.اهـ

قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ: وَهَذِهِ المَذكُورَاتُ وَأَمثَالُهَا مِمَّا أَخبَرَ ﷺ بِأَنَّهُ سَيَقَعُ بَعدُ قَبلَ أَن تَقُومَ السَّاعَةُ، لَكِنَّهَا عَلَى أَقسَامٍ: ‏أَحَدُهَا: مَا وَقَعَ عَلَى وَفقِ مَا قَالَ، ‏وَالثَّانِي: مَا وَقَعَت مَبَادِيهِ وَلَم يَستَحكِم، ‏وَالثَّالِثُ: مَا لَم يَقَع مِنهُ شَىءٌ وَلَكِنَّهُ سَيَقَعُ.اهـ

فَالنَّمَطُ الأَوَّلُ المَذكُورُ مِنهُ فِي هَذَا الحَدِيثِ: اقتِتَالُ الفِئَتَينِ العَظِيمَتَينِ، وَظُهُورُ الفِتَنِ، وَكَثرَةُ الهَرجِ، وَتَطَاوُلُ النَّاسِ فِي البُنيَانِ، وَتَمَنِّي بَعضِ النَّاسِ المَوتَ، وَمِنَ النَّمَطِ الثَّانِي: تَقَارُبُ الزَّمَانِ، وَكَثرَةُ الزَّلَازِلِ، وَخُرُوجُ الدَّجَّالِينَ الكَذَّابِينَ، وَمِنَ النَّمَطِ الثَّالِثِ: الدَّجَّالُ، وَالدَّابَّةُ، وَطُلُوعُ الشَّمسِ مِن مَغرِبِهَا كَالحَامِلِ المُتِمِّ، وَنُزُولُ عِيسَى ابنِ مَريَمَ، وَخُرُوجُ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ، وَالرِّيحُ الَّتِي تَهُبُّ بَعدَ مَوتِ عِيسَى فَتَقبِضُ أَروَاحَ المُؤمِنِينَ.

وَسَأَسرُدُ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ مَعَكُم فِي هَذَا الشَّهرِ المُبَارَكِ بِنَاءً عَلَى تَرتِيبٍ زَمَنِيٍّ إِن شَاءَ اللهُ تَعَالَى، مُبتَدِئًا بِالعَلَامَاتِ الَّتِي وَقَعَت فِي زَمَنِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ، وَمِن ثُمَّ بِمَوتِهِ وَمَا بَعدَ ذَلِكَ حَسبَ الزَّمَنِ، مِن ظُهُورِ الفِتَنِ وَتَتَبُّعِ مَا ثَبَتَ فِيهَا، إِلَى أَيَّامِنَا هَذِهِ، وَإِلَى مَا بَعدَنَا مِنَ الأَيَّامِ مِمَّا ثَبَتَ عَنِ الصَّادِقِ المَصدُوقِ ﷺ، فَإِنَّهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَم يَترُك بَابَ خَيرٍ إِلَّا دَلَّنَا وَأَرشَدَنَا إِلَى أَصلِهِ، وَمَا تَرَكَ بَابَ شَرٍّ وَسُوءٍ إِلَّا حَذَّرَنَا مِنهُ وَمِمَّا يُوصِلُ إِلَيهِ، فَنَسأَلُ اللهَ العَظِيمَ أَن يَجزِيَهُ عَنَّا خَيرَ الجَزَاءِ وَيَجمَعَنَا بِهِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَيُثَبِّتَنَا عَلَى نَهجِهِ الكَرِيمِ، وَيَجعَلَنَا وَإِيَّاكُم مِنَ الَّذِينَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحسَنَهُ.

وَسَنَعلَمُ فِي مَجَالِسِنَا هَذِهِ أَنَّنَا صِرنَا إِلَى أَيَّامٍ نَحنُ فِيهَا بِأَمَسِّ الحَاجَةِ أَن نَثبُتَ عَلَى نَهجِ هَذَا النَّبِيِّ الكَرِيمِ ﷺ، وَنَتَّبِعَ سُنَّتَهُ المُطَهَّرَةَ، وَنَثبُتَ عَلَى عَقِيدَتِهِ العَظِيمَةِ، فَفِي أَيَّامِنَا هَذِهِ وَمَا صِرنَا إِلَيهِ مِنَ الزَّمَنِ أَقُولُ لَكُم: أَغلَبُ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ حَصَلَت وَوَقَعَت، فَمَا بَقِيَ مِنَ الزَّمَنِ بِقَدرِ مَا مَضَى، فَالثَّبَاتَ الثَّبَاتَ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: فِيمَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ: «اصبِرُوا، فَإِنَّهُ لَا يَأتِي عَلَيكُم زَمَانٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعدَهُ شَرٌّ مِنهُ ‌حَتَّى ‌تَلقَوا ‌رَبَّكُم».

السؤال الفقهي
إِذَا انقَطَعَ الحَيضُ مِنَ اللَّيلِ هَل يَجِبُ عَلَى المَرأَةِ الغُسلُ قَبلَ الفَجرِ أَم يَجُوزُ تَأخِيرُ الغُسلِ إِلَى النَّهَارِ؟
الِاغتِسَالُ شَرطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَيسَ شَرطًا لِصِحَّةِ الصِّيَامِ، فَإِذَا نَوَتِ الصِّيَامَ فِي اللَّيلِ صَحَّ مِنهَا وَلَو لَم تَغتَسِل، وَلَكِن يَبقَى وُجُوبُ الِاغتِسَالِ عَلَيهَا لِلصَّلَاةِ وَلَا يَجُوزُ لَهَا تَأخِيرُهُ لِلنَّهَارِ حَتَّى تُصَلِّيَ الفَجرَ وَالعِشَاءَ.

مختارات من الأدعية والأذكار
مَا يَقُولُ عِندَ الغَضَبِ
عَن أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا قَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تُعَلِّمُنِي دَعوَةً أَدعُو بِهَا لِنَفسِي؟ قَالَ: «بَلَى،قُولِي: اللهم رَبَّ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ اغفِر لِي ذَنبِي، وَأَذهِب غَيظَ قَلبِي، وَأَجِرنِي مِن مُضِلَّاتِ الفِتَنِ» رَوَاهُمَا البَيهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ.

الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ

اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ بِأَنَّنَا نَشهَدُ أَنَّكَ اللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا أَنتَ الأَحَد الصَّمَدُ الَّذِي لَم يَلِد وَلَم يُولَد وَلَم يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحَد، اللهم إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن فِتنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ وَفِتنَةِ القَبرِ وَعَذَابِ القَبرِ وَمِن شَرِّ فِتنَةِ الغِنَى وَمِن شَرِّ فِتنَةِ الفَقرِ وَنَعُوذُ بِكَ مِن فِتنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ.

اللهم اغسِل خَطَايَانَا بِمَاءِ الثَّلجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّ قُلُوبَنَا مِنَ الخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوبُ الأَبيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَبَاعِد بَينَنَا وَبَينَ خَطَايَانَا كَمَا بَاعَدتَ بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ، اللهم إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الكَسَلِ وَالهَرَمِ وَالمَأثَمِ ل اللهم إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ العَجزِ وَالكَسَلِ وَالجُبنِ وَالبُخلِ وَالهَرَمِ وَعَذَابِ القَبرِ.

اللهم آتِ نُفُوسَنَا تَقوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنتَ خَيرُ مَن زَكَّاهَا، أَنتَ وَلِيُّهَا وَمَولَاهَا، اللهم إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن عِلمٍ لَا يَنفَعُ وَمِن قَلبٍ لَا يَخشَعُ وَمِن دَعوَةٍ لَا يُستَجَابُ لَهَا. اللهم أَصلِح لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصمَةُ أَمرِنَا، وَأَصلِح لَنَا دُنيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصلِح لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيرٍ وَاجعَلِ المَوتَ رَاحَةً لَنَا مِن كُلِّ شَرٍّ. اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمرِ وَالعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشدِ، وَنَسأَلُكَ شُكرَ نِعمَتِكَ، وَنَسأَلُكَ حُسنَ عِبَادَتِكَ، وَنَسأَلُكَ قَلبًا سَلِيمًا، وَنَسأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَنَسأَلُكَ مِن خَيرِ مَا تَعلَمُ، وَنَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا تَعلَمُ، وَنَستَغفِرُكَ لِمَا تَعلَمُ، إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ اللهم إِِنَّنَا ضُعَفَاءُ فَقَوِّنَا فِي رِضَاكَ، وَخُذ إِلَى الخَيرِ بِنَاصِيَتِنَا، وَاجعَلِ الإِسلَامَ مُنتَهَى رِضَانَا، اللهم إِنَّا ضُعَفَاءُ فَقَوِّنَا وَإِنَّنَا أَذِلَّاءُ فَأَعِزَّنَا، وَإِنَّنَا فُقَرَاءُ فَأَغنِنَا.

اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ

اللهم أَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتَقَبَّل مِنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم اجعَلنَا مِن عُتَقَاءِ هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ وَمِنَ المَقبُولِينَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وَارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ. اللهم ارزُقنَا حُسنَ الخِتَامِ وَالمَوتَ عَلَى دِينِكَ دِينِ الإِسلَامِ وَرُؤيَةَ سَيِّدِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

اللهم يَا عَلِيُّ يَا عَظِيمُ يَا حَلِيمُ يَا كَرِيمُ الطُف بِالمُسلِمِينَ فِي فِلَسطِينَ اللهم فَرِّج كَربَهُم اللهم ءَامِن رَوعَاتِهِم وَاستُر عَورَاتِهِم وَءَامِنهُم فِي أَوطَانِهِم اللهم اشفِ مَرضَاهُم وَسَكِّن ءَالَامَهُم وَخَفِّف مُصَابَهُم وَأَنزِلِ السَّكِينَةَ عَلَيهِم وَأَمِدَّهُم بِأَمدَادِ مَن عِندَكَ اللهم أَمِدَّهُم بِجُنُودٍ لَا نَرَاهَا اللهم اجعَلهُم مِنَ الصَّابِرِينَ الذَّاكِرِينَ الشَّاكِرِينَ اللهم اصرِف عَنهُم بَأسَ الغَاصِبِينَ وَرُدَّ الكَيدَ عَنهُم يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ اللهم عَلَيكَ بِاليَهُودِ الغَاصِبِينَ اللهم عَلَيكَ بِاليَهُودِ الظَّالِمِينَ اللهم زَلزِلِ الأَرضَ مِن تَحتِ أَقدَامِهِم وَاجعَل دَبَّابَاتِهِم وَطَائِرَاتِهِم خَرَابًا وَوَبَالًا عَلَيهِم يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم اضرِبِ الكَافِرِينَ بِالكَافِرِينَ وَأَخرِجِ المُسلِمِينَ مِن بَينِ أَيدِيهِم سَالِمِينَ، اللهم يَسِّر لَنَا فَرَجًا قَرِيبًا.

اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ.

وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.

وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …