المقدمة
الحَمدُ للهِ الَّذِي أَكرَمَنَا بِالإِسلَامِ، وَأَعَزَّنَا بِالإِيمَانِ، وَأَنعَمَ عَلَينَا بِالقُرءَانِ، وَجَعَلَنَا مُوَحِّدِينَ، غَيرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا الأَمِينِ، سَيِّدِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ، مَن بَعَثَهُ رَبُّهُ بِالحَقِّ المُبِينِ، الَّذِي بَشَّرَ بِنُبُوَّتِهِ مُوسَى وَعِيسَى وَهَارُونُ وَسَائِرُ النَّبِيِّينَ.
وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا مَثِيلَ لَهُ، وَلَا ضِدَّ وَلَا نِدَّ لَهُ، وَأَشهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَحَبِيبَنَا وَعَظِيمَنَا وَقَائِدَنَا وَقُرَّةَ أَعيُنِنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهَ وَحَبِيبُهُ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الأُمَّةَ، وَعَلَّمَ النَّاسَ مَا يَنفَعُهُم، وَحَثَّهُم عَلَى الصَّبرِ عِندَ نُزُولِ البَلَاءِ، فَصَلِّ اللهم عَلَيهِ صَلَاةً تَكُونُ سَبَبًا فِي مَغفِرَةِ الذُّنُوبِ، وَسَترِ العُيُوبِ، وَالنَّجَاةِ مِنَ الكُرُوبِ، اللهم صَلِّ صَلَاةً كَامِلَةً، وَسَلِّم سَلَامًا تَامًّا عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الَّذِي تَنحَلُّ بِهِ العُقَدُ، وَتَنفَرِجُ بِهِ الكُرَبُ، وَتُقضَى بِهِ الحَوَائِجُ، وَتُنَالُ بِهِ الرَّغَائِبُ وَحُسنُ الخَوَاتِيمُ، وَيُستَسقَى الغَمَامُ بِوَجهِهِ الكَرِيمِ، وَعَلَى ءَالِهِ وَصَحبِهِ وَسَلِّم، اللهم صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَاةً تُنجِينَا بِهَا مِنَ الهُمُومِ، وَتَرفَعُ بِهَا عَنَّا البَلَاءَ، وَتَنصُرُ بِهَا إِخوَانَنَا فِي فِلَسطِينَ، وَتَدحَرُ بِهَا اليَهُودَ المُعتَدِينَ، يَا رَبَّ العَالَمِينَ، أَمَّا بَعدُ:
فقد تكلمنا في الدرس الماضي عن بعض أشراط الساعة التي ظهرت بعد وفاة نبينا محمد ﷺ، وكان أخبر بها عليه الصلاة والسلام، ومنها خروج دجالين كذابين كلهم يدعي أنهم رسول الله، ومن أشهرهم ممن تكلمنا عنه مسيلمة الكذاب والأسود العنسي لعنهما الله تعالى وهؤلاء ماتا على كفرهما، وطليحة الأسدي وسجاج التغلبية وقد تابا ورجعا إلى الإسلام وحسن حالهما بعد ذلك، والآن نكمل في ذكر أشراط الساعة الصغرى.
كُنَّا نَتَكَلَّمُ عَن بَعضِ مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ بَعدَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، وَأَنَّهُ ﷺ ذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ مِن أَشرَاطِ السَّاعَةِ:
فتنة المختار
وَيَذكُرُ بَعضُ أَهلِ التَّارِيخِ أَنَّ المُختَارَ بن أَبِي عُبَيدٍ الثَّقَفِيُّ ادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي القَرنِ الأَوَّلِ الهِجرِيِّ، وَكَانَ قَد جَمَعَ النَّاسَ لِيَطلُبَ ثَأرَ الحُسَينِ عَلَيهِ الرَّحمَةُ وَالرِّضوَانُ، وَكَانَ المُختَارُ لَا يُوقَفُ لَهُ عَلَى مَذهَبٍ، كَانَ خَارِجِيًّا، ثُمَّ صَارَ رَافِضِيًّا فِي ظَاهِرِهِ، ثُمَّ تَنَبَّأَ وَزَعَمَ أَنَّ جِبرِيلَ يَأتِيهِ بِالوَحيِ، فَلَمَّا بُويِعَ عَبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ بِالخِلَافَةِ بَعَثَ أَخَاهُ مُصعَبًا إِلَى العِرَاقِ فَقَاتَلَ المُختَارَ فَقَتَلَهُ، وَقُتِلَ مَعَهُ خَلقٌ كَثِيرٌ مِمَّن تَابَعَهُ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ سَبعٍ وَسِتِّينَ.
ثم أخبرت أسماء الحجاجَ بأن النبي ﷺ أخبر أن الله سيُظهِر من ثقيف رجلًا كذابًا -لأنه يدّعي النبوة- ومبيرًا -لأنه يسفك دماء الناس ظلمًا- وقالت: “فأما الكذاب فرأيناه” -تقصد المختار الثقفي، فإنه ادّعى النبوة، واتّبعه الكثير من الناس حتى أهلكه الله- “وأما المبير فلا إخالُك” –أي: فلا أظن ذلك المبير إلا أنت- سكت الحجاج ولم يرد.
بعض من ادعى النبوة
وَفِي زَمَانٍ قَرِيبٍ مِنَّا ادَّعَى النُّبُوَّةَ كَذَّابُونَ آخَرُونَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، مِنهُم: قَبلَ نَحوِ مائَةٍ وَخَمسِينَ عَامًا تَقرِيبًا فِي بِلَادِ الهِندِ، فِي بَلدَةِ قَادِيَانَ إِحدَى قُرَى مُقَاطَعَةِ البِنجَابِ الهِندِيَّةِ، ظَهَرَ رَجُلٌ مِنَ الَّذِينَ خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِم بِالضَّلَالَةِ يُدعَى غُلَام أَحمَد القَادِيَانِيِّ (ت 1326هـ)، فَادَّعَى النُّبُوَّةَ، وَصَارَ أَتبَاعُهُ يُسَمَّونَ بِالقَادِيَانِيَّةِ وَالأَحمَدِيَّةِ، فَهُم يَعتَقِدُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُجَدِّدٌ، وَأَحيَانًا يَقُولُونَ هَذِهِ نُبُوَّةٌ ظِلِّيَّةٌ أَي تَحتَ ظِلِّ مُحَمَّدٍ وَلَيسَ مُستَقِلًّا إِنَّما هُوَ مُنَتَسِبٌ إِلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَكُلُّ هَذَا كُفرٌ. فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَن يُنَبَّأَ شَخصٌ بَعدَ مُحَمَّدٍ استِقلَالًا وَلَا تَجدِيدًا لِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ. وَالَّذِي يَنظُرُ فِي مُؤَلَّفَاتِهِ يَجِدُهُ يَستَنِدُ فِي إِثبَاتِ نُبُوَّتِهِ بِزَعمِهِ إِلَى ثَمَانِ ءَايَاتٍ مَعَ سُورَةِ العَصرِ، وَهِيَ: ﴿الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم﴾، ﴿فَنَفَخنَا فِيهِ مِن رُوحِنَا﴾، ﴿لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾، ﴿هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى﴾.
يَقُولُ فِي رِسَالَةٍ لَهُ سَمَّاهَا “خُطبَةٌ إِلهَامِيَّةٌ”: ص24: “وَإِنِّي عَلَى مَقَامِ الخَتمِ مِنَ الوِلَايَةِ كَمَا كَانَ سَيِّدِي المُصَطفَى علَى مَقَامِ الخَتمِ مِنَ النُّبُوَّةِ، وَإِنَّهُ خَاتَمُ الأَنبِيَاءِ وَأَنَا خَاتَمُ الأَولِيَاءِ، لَا وَلِيَّ بَعدِي إِلَّا الَّذِي هُوَ مِنِّي وَعَلَى عَهدِي”.اهـ وَفِي ص37: “أَتَرَونَ مِن دُونِي فِي هَذَا الأَوَانِ رَجُلًا يَقُولُ: إِنِّي أَنَا المَسِيحُ المَوعُودُ، وَيَأتِي كَمَثَلِي بِآيَاتٍ كُبرَى”.اهـ وَفِي ص38: “وَإِنِّي بُعِثتُ فِيكُم مِنَ اللهِ الَّذِي لَا تُوَقِّرُونَهُ، لِأُنذِرَ قَومًا أَطرَوُا ابنَ مَريَمَ عِيسَى”.اهـ. وَفِي ص49: “وَأَنَا المَسِيحُ المَوعُودُ الَّذِي قُدِّرَ مَجِيئُهُ فِي ءَاخِرِ الزَّمَانِ مِنَ المَلِكِ الدَّيَّانِ، وَأَنَا المُنعَمُ عَلَيهِ الَّذِي أُشِيرَ إِلَيهِ فِي الفَاتِحَةِ”.اهـ. وَفِي ص68: “فَجَعَلَنِي اللهُ ءَادَمَ وَأَعطَانِي كُلَّ مَا أَعطَى لِأَبِي البَشَرِ، وَجَعَلَنِي بُرُوزًا لِخَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَالمُرسَلِينَ”.اهـ. وَفِي ص68: “فَأَنزَلَ اللهُ عَلَيَّ فَيضَ هَذَا الرَّسُولِ فَأَتَمَّهُ وَأَكمَلَهُ، وَجَذَبَ إِلَيَّ لُطفَهُ وَجُودَهُ، حَتَّى صَارَ وُجُودِي وُجُودَهُ، فَمَن دَخَلَ فِي جَمَاعَتِي دَخَلَ فِي صَحَابَةِ سَيِّدِي خَيرِ المُرسَلِينَ”.اهـ
نَعُوذُ بِاللهِ العَظِيمِ مِن هَذِهِ الطَّامَّاتِ، ومَا هَذَا إِلَّا غَيضٌ مِن فَيضٍ مِمَّا فِي كُتُبِهِ مِن الكُفرِيَّاِتِ، وَمِنَ العَجَبِ العُجَابِ أَنَّهُ ادَّعَى بِأَنَّهُ كَانَ هُوَ مَريَمَ قَبلَ أَن يَكُونَ عِيسَى المَسِيحَ، ثُمَّ صَارَ بَعدَ ذَلِكَ أَنِ انتَقَلَ مِن المَريَمِيَّةِ إِلَى العِيسَوِيَّةِ، وَقَد ذَكَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ المُسَمَّى “سَفِينَةَ نُوحٍ”.
تنبيه مهم: مَعنَى الرِّدَّةِ وَأَقسَامُهَا:
الرِّدَّةُ وَهِيَ قَطعُ الإِسلَامِ، وَتَنقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقسَامٍ: أَفعَالٍ وَأَقوَالٍ وَاعتِقَادَاتٍ، كَمَا اتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ أَهلُ المَذَاهِبِ الأَربَعَةِ وَغَيرِهِم، كَالنَّوَوِيِّ (ت676هـ) وَغَيرِهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَابنِ عَابِدِينَ (ت1252هـ) وَغَيرِهِ مِنَ الحَنَفِيَّةِ، وَمُحَمَّد علِيشٍ (ت1299هـ) وَغَيرِهِ مِنَ المَالِكِيَّةِ، وَالبُهُوتِيِّ (ت1051هـ) وَغَيرِهِ مِنَ الحَنَابِلَةِ.
وَكُلٌّ مِنَ الثَّلَاثَةِ كُفرٌ بِمُفرَدِهِ، فَالكُفرُ القَولِيُّ كُفرٌ وَلَو لَم يَقتَرِن بِهِ اعتِقَادٌ أَو فِعلٌ، وَالكُفرُ الفِعلِيُّ كُفرٌ وَلَو لَم يَقتَرِن بِهِ قَولٌ أَوِ اعتِقَادٌ أَوِ انشِرَاحُ الصَّدرِ بِهِ، وَالكُفرُ الِاعتِقَادِيُّ كُفرٌ وَلَو لَم يَقتَرِن بِهِ قَولٌ أَو فِعلٌ، وَسَوَاءٌ حَصَلَ هَذَا مِن جَاهِلِ بِالحُكمِ أَو هَازِلٍ أَو غَضبَانَ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَلَئِن سَأَلتَهُم لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلعَبُ قُل أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُم تَستَهزِئُونَ لا تَعتَذِرُوا قَد كَفَرتُم بَعدَ إِيمَانِكُم﴾. وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأسًا يَهوِي بِهَا سَبعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ»، رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَقَالَ الإِمَامُ المُجتَهِدُ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت310هـ) فِي كِتَابِهِ “تَهذِيبِ الآثَارِ”: «إِنَّ مِنَ المُسلِمِينَ مَن يَخرُجُ مِنَ الإِسلَامِ مِن غَيرِ أَن يَقصِدَ الخُرُوجَ مِنهُ».اهـ
وَأَمَّا تَوبَةُ المُرتَدِّ فَهِيَ الإِقلَاعُ عَنِ الكُفرِ فَورًا وَالنُّطقُ بِالشَّهَادَتَينِ بِقَولِ أَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَلَا يَنفَعُهُ قَولُ «أَستَغفِرُ اللهَ» قَبلَ الشَّهَادَتَينِ، كَمَا نَقَلَ الإِجمَاعَ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ المُجتَهِدُ أَبُو بَكرِ بنُ المُنذِرِ المُتَوَفَّى سَنَةَ 318هـ فِي كِتَابِهِ «الإِجمَاعِ» ص144.
الردة ثلاثة أقسام: اعتقادات وأفعال وأقوال:
فَمِنَ الأَوَّلِ: الشَّكُّ فِي اللهِ أَو فِي رَسُولِهِ أَو فِي القُرءَانِ، وَمِن هَذَا القِسمِ أَيضًا أَن يَعتَقِدَ أَنَّ اللهَ نُورٌ بِمَعنَى الضَّوءِ، أَو أَنَّهُ رُوحٌ، أَوِ اعتَقَدَ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا جُزءٌ مِنهُ، كَذَلِكَ مَنِ اعتَقَدَ أَنَّ المَسِيحَ جُزءٌ مِنَ اللهِ فَهُوَ لَيسَ بِمُسلِمٍ.
وَقَد ذَكَر الوَلِيُّ الشَّيخُ عَبدُ الغَنِيِّ النَّابُلُسِيُّ: «أَنَّ مَنِ اعتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ مَلَأَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ أَو أَنَّهُ جِسمٌ قَاعِدٌ فَوقَ العَرشِ فَهُوَ كَافِرٌ وَإِن زَعَمَ أَنَّهُ مُسلِمٌ» وَأَضَافَ يَقُولُ: «وَسَبَبُهُ (أَيِ الوُقُوعِ فِي الكُفرِ) الجَهلُ عَن مَعرِفَةِ الأَمرِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيهِ». فَمَن تَأَمَّلَ هَذَا الكَلَامَ عَلِمَ أَنَّ الجَاهِلَ فِي مِثلِ هَذَا لَا يُعذَرُ. وَكَذَلِكَ مَنِ اعتَقَدَ أَنَّ اللهَ جَالِسٌ عَلَى العَرشِ، لِأَنَّ اللهَ قَاهِرٌ العَرشَ وَمُسَيطِرٌ عَلَيهِ وَلَا يَحتَاجُ إِلَيهِ.
وَيَقُولُ الإِمَامُ أَبُو جَعفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي عَقِيدَتِهِ المُسَمَّاةِ ”العَقِيدَةَ الطَّحَاوِيَّةَ” وَالَّتِي بَيَّنَ فِيهَا عَقِيدَةَ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ: «تَعَالَى (يَعنِي اللهَ تَعَالَى) عَنِ الحُدُودِ وَالغَايَاتِ وَالأَركَانِ وَالأَعضَاءِ وَالأَدَوَاتِ» وَيَقُولُ أَيضًا فِي نَفيِ الجِهَةِ عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: «لَا تَحوِيهِ الجِهَاتُ السِّتُّ كَسَائِرِ المُبتَدَعَاتِ»، وَالجِهَاتُ السِّتُّ هِيَ: فَوقُ وَتَحتُ وَيَمِينُ وَشِمَالُ وَأَمَامُ وَخَلفُ. وَقَالَ: «وَمَن وَصَفَ اللهَ بِمَعنًى مِن مَعَانِي البَشَرِ فَقَد كَفَرَ».
وَالقِسمُ الثَّانِي الأَفعَالُ: كَالَّذِي يَسجُدُ لِصَنَمٍ، أَو يَرمِي المُصحَفَ أَو وَرَقَةً فِيهَا اسمُ اللهِ فِي نَجَاسَةٍ عَمدًا. فَيَجِبُ احتِرَامُ الأَورَاقِ الَّتِي فِيهَا اسمُ اللهِ وَلَا يَجُوزُ رَميُهَا فِي مَكَانٍ مُستَقذَرٍ، وَلَو لَم يَقصِدِ الِاستِخفَافَ بِمَا فِيهَا.
وَالقِسمُ الثَّالِثُ الأَقوَالُ: كَالَّذِي يَسُبُّ اللَّهَ تَعَالَى أَو يَنسُبُ لَهُ الوَلَدَ قَولًا وَلَو لَم يَعتَقِد ذَلِكَ، وَكَالَّذِي يَسُبُّ نَبِيًّا مِنَ الأَنبِيَاءِ كَمُحَمَّدٍ أَو عِيسَى المَسِيحِ أَو مُوسَى أَو ءَادَمَ أَو غَيرِهِم، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَشتُمُ مَلَكًا كَجِبرِيلَ أَو مِيكَائِيلَ أَو عَزرَائِيلَ أَو غَيرِهِم، وَكَالَّذِي يَقُولُ: (اخلُق لِي كَذَا كَمَا خَلَقَكَ اللهُ) وَكَالَّذِي يَقُولُ: “إِنَّ اللهَ حَالٌّ فِي الأَشيَاءِ دَاخِلٌ فِيهَا” وَكَذَلِكَ كُلُّ كَلَامٍ فيه استِخفَافٌ بِاللهِ ، فَليُعلَم أَنَّ اللَّهَ وَاجِبٌ تَعظِيمُهُ فِي حَالِ الرِّضَا وَفِي حَالِ الغَضَبِ وَيَحرُمُ الِاستِخفَافُ بِهِ فِي الحَالَينِ، وَعَلَى هَذَا أَجمَعَ المُسلِمُونَ.
وَقَالَ الحَافِظُ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِهِ رَوضَةِ الطَّالِبِينَ: «لَو غَضِبَ رَجُلٌ عَلَى وَلَدِهِ أَو غُلاَمِهِ فَضَرَبَهُ ضَربًا شَدِيدًا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَلستَ مُسلِمًا؟ فَقَالَ: لَا، مُتَعَمِّدًا كَفَرَ». أَي مَا دَامَ بِإِرَادَتِهِ وَلَو كَانَ فِي حَالِ الغَضَبِ.
وَقَد نَصَّ العُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَن وَقَعَ فِي هَذِهِ الأَلفَاظِ فَقَد حَبِطَ عَمَلُهُ إِذَا قَالَهَا بِإِرَادَتِهِ مُختَارًا عَامِدًا غَيرَ مُكرَهٍ بِالقَتلِ وَنَحوِهِ (مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى المَوتِ) وَلَم يَكُن غَائِبَ العَقلِ. وَلَم يَقُلِ العُلَمَاءُ إِنَّه يُنظَرُ إِلَى رِضَاهُ أَو غَضَبِهِ حِينَ يَتَكَلَّمُ.
وَالقَاعِدَةُ: أنَّ كُلَّ اعتِقَادٍ أَو فِعلٍ أَو قَولٍ يَدُلُّ عَلَى استِخفَافٍ بِاللهِ أَو كُتُبِهِ أَو رُسُلِهِ أَو مَلَائِكَتِهِ أَو شَعَائِرِهِ أَو مَعَالِمِ دِينِهِ أَو أَحكَامِهِ أَو وَعدِهِ أَو وَعِيدِهِ كُفرٌ.اهـ
فتح بيت المقدس
رَوَى البُخَارِيُّ عَن عَوفِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ أَتَيتُ النَّبِيَّ ﷺ فِي غَزوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِن أَدَمٍ فَقَالَ: «اعدُد سِتًّا بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوتِي، ثُمَّ فَتحُ بَيتِ المَقدِسِ…».اهـ أَخبَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِفَتحِ القُدسِ الشَّرِيفِ وَعَدَّ فَتحَهَا مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الصُّغرَى، مَا أَعظَمَهَا مِن عَلَامَةٍ وَمَا أَعظَمَهُ مِن فَتحٍ، فَتحُ بَيتِ المَقدِسِ، لَقَد فُتِحَ بَيتُ المَقدِسِ مَرَّتَينِ، مَرَّةً فِي عَهدِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَمَرَّةً فِي عَهدِ السُّلطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ الأَيُّوبِيِّ رَحِمَهُ اللهُ عَامَ 583هـ ثُمَّ عَاوَدَ الكُفَّارُ احتِلَالَهَا مُنتَصَفَ القَرنِ المُنصَرِمِ، وَلَكِن سَتَعُودُ لِلمُسلِمِينَ بِإِذنِ اللهِ، فَعَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسلِمُونَ اليَهُودَ، فَيَقتُلُهُمُ المُسلِمُونَ حَتَّىَ يَختَبِئَ اليَهُودِيُّ مِن وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسلِمُ يَا عَبدَ اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلفِي فَتَعَالَ فَاقتُلهُ، إِلَّا الغَرقَدَ فَإِنَّهُ مِن شَجَرِ اليَهُودِ».اهـ وَنَحنُ نَسأَلُ اللهَ أَن يُشهِدَنَا فَتحَهَا وَأَن يَكُونَ هَذَا فِي زَمَانِنَا.
قِصَّةُ الفَتحِ المُبِينِ
المَرَّةُ الأُولَى كَانَت كَمَا قُلتُ فِي زَمَنِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ الفَارُوقِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ، وَإِنَّهُ يَذكُرُ أَهلُ التَّارِيخِ وَالسِّيَرِ أَنَّ أَبَا عُبَيدَةَ لَمَّا فَرَغَ مِن دِمَشقَ، كَتَبَ إِلَى أَهلِ إِيلِيَاءَ أَيِ القُدسِ يَدعُوهُم إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الإِسلَامِ، فَإِن أَبَوا يَبذُلُونَ الجِزيَةَ، فَإِن أَبَوا يُؤذَنُونَ بِحَربٍ. فَأَبَوا أَن يُجِيبُوا إِلَى مَا دَعَاهُم إِلَيهِ. فَرَكِبَ إِلَيهِم فِي جُنُودِهِ، وَاستَخلَفَ عَلَى دِمَشقَ سَعِيدَ بنَ زَيدٍ، ثُمَّ حَاصَرَ بَيتَ المَقدِسِ وَضَيَّقَ عَلَيهِم حَتَّى أَجَابُوا إِلَى الصُّلحِ بِشَرطِ أَن يَقدَمَ إِلَيهِم أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ. فَكَتَبَ إِلَيهِ أَبُو عُبَيدَةَ بِذَلِكَ، فَاستَشَارَ عُمَرُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ عُثمَانُ بنُ عَفَّانَ بِأَن لَا يَركَبَ إِلَيهِم لِيَكُونَ أَحقَرَ لَهُم وَأَرغَمَ لِأُنُوفِهِم، وَأَشَارَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ بِالمَسِيرِ إِلَيهِم لِيَكُونَ أَخَفَّ وَطأَةً عَلَى المُسلِمِينَ فِي حِصَارِهِم بَينَهُم، فَهَوِيَ مَا قَالَ عَلِيٌّ وَلَم يَهوَ مَا قَالَ عُثمَانُ.
وَسَارَ بِالجُيُوشِ نَحوَهُم، وَاستَخلَفَ عَلَى المَدِينَةِ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ، وَسَارَ العَبَّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الشَّامِ تَلَقَّاهُ أَبُو عُبَيدَةَ وَرُءُوسُ الأُمَرَاءِ كَخَالِدِ بنِ الوَلِيدِ، وَيَزِيدَ بنِ أَبِي سُفيَانَ، فَتَرَجَّلَ أَبُو عُبَيدَةَ وَتَرَجَّلَ عُمَرُ، فَأَشَارَ أَبُو عُبَيدَةَ لِيُقَبِّلَ يَدَ عُمَرَ، فَهَمَّ عُمَرُ بِتَقبِيلِ رِجلِ أَبِي عُبَيدَةَ، فَكَفَّ أَبُو عُبَيدَةَ، فَكَفَّ عُمَرُ.
ثُمَّ سَارَ حَتَّى صَالَحَ أهلَ بَيتِ المَقدِسِ، وَاشتَرَطَ عَلَيهِم إِجلَاءَ الرُّومِ إِلَى ثَلَاثٍ، ثُمَّ دَخَلَهَا إِذ دَخَلَ المَسجِدَ مِنَ البَابِ الَّذِي دَخَلَ مِنهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَيلَةَ الإِسرَاءِ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ لَبَّى حِينَ دَخَلَ بَيتَ المَقدِسِ، فَصَلَّى فِيهِ تَحِيَّةَ المَسجِدِ بِمِحرَابِ دَاوُدَ، وَصَلَّى بِالمُسلِمِينَ فِيهِ صَلَاةَ الغَدَاةِ مِنَ الغَدِ، فَقَرَأَ فِي الأَولَى بِسُورَةِ ﴿ص﴾ وَسَجَدَ فِيهَا وَالمُسلِمُونَ مَعَهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ الإِسرَاءِ.
ثُمَّ جَاءَ إِلَى الصَّخرَةِ فَاستَدَلَّ عَلَى مَكَانِهَا مِن كَعبِ الأَحبَارِ، وَأَشَارَ عَلَيهِ كَعبٌ أَن يَجعَلَ المَسجِدَ مِن وَرَائِهِ، فجَعَلَ المَسجِدَ فِي قِبلِيِّ بَيتِ المَقدِسِ، وَهُوَ العُمَرِيُّ اليَومَ، ثُمَّ نَقَلَ التُّرَابَ عَنِ الصَّخرَةِ فِي طَرَفِ رِدَائِهِ وَقَبَائِهِ، وَنَقَلَ المُسلِمُونَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ، وَسَخَّرَ أَهلَ الأُردُنِّ فِي نَقلِ بَقِيَّتِهَا، وَقَد كَانَتِ الرُّومُ جَعَلُوا الصَّخرَةَ مَزبَلَةً لِأَنَّهَا قِبلَةُ اليَهُودِ.
وَقَد كَانَ هِرَقلُ حِينَ جَاءَهُ الكِتَابُ النَّبَوِيُّ وَهُوَ بِالقُدسِ، وَعَظَ النَّصَارَى فِيمَا كَانُوا قَد بَالَغُوا فِي إِلقَاءِ الكُنَاسَةِ عَلَى الصَّخرَةِ حَتَّى وَصَلَت إِلَى مِحرَابِ دَاوُدَ، قَالَ لَهُم: إِنَّكُم لَخَلِيقٌ أَن تُقتَلُوا عَلَى هَذِهِ الكُنَاسَةِ مِمَّا امتَهَنتُم هَذَا المَسجِدَ كَمَا قُتِلَت بَنُو إِسرَائِيلَ عَلَى دَمِ يَحيَى بنِ زَكَرِيَّا، ثُمَّ أُمِرُوا بِإِزَالَتِهَا، فَشَرَعُوا فِي ذَلِكَ، فَمَا أَزَالُوا ثُلُثَهَا حَتَّى فَتَحَهَا المُسلِمُونَ فَأَزَالَهَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ.
خُطبَةُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فِي الجَابِيَةِ مِن أَرضِ الشَّامِ
وَقَدِ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ رَكِبَ مِنَ المَدِينَةِ عَلَى فَرَسٍ لِيُسرِعَ السَّيرَ بَعدَمَا استَخلَفَ عَلَيهَا عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ، فَسَارَ حَتَّى قَدِمَ الجَابِيَةَ، فَنَزَلَ بِهَا وَخَطَبَ بِالجَابِيَةِ خُطبَةً طَوِيلَةً بَلِيغَةً، مِنهَا: أَيُّهَا النَّاسُ، أَصلِحُوا سَرَائِرَكُم تَصلُح عَلَانِيَتُكُم، وَاعمَلُوا لِآخِرَتِكُم تُكفَوا أَمرَ دُنيَاكُم، وَرَوَى البيهقي بِالإِسنَادِ الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ قَالَ فِي هَذِهِ الخُطبَةِ: «مَن يَهدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَن يُضلِل فَلا هَادِيَ لَهُ»، وَكَانَ عِندَهُ كَافِرٌ مِن كُفَّارِ العَجَمِ مِن أَهلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَ بِلُغَتِهِ: إِنَّ اللَّهَ لا يُضِلُّ أَحَدًا، فَقَالَ عُمَرُ لِلتَّرجُمَانِ: «مَاذَا يَقُولُ؟» قَالَ: إِنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ لا يُضِلُّ أَحَدًا، فَقَالَ عُمَرُ: «كَذَبتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، وَلَولا أَنَّكَ مِن أَهلِ الذِّمَّةِ لَضَرَبتُ عُنُقَكَ، هُوَ أَضَلَّكَ وَهُوَ يُدخِلُكَ النَّارَ إِن شَاءَ».اهـ
فَمَعنَى كَلامِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أَنَّ هَذَا الِاعتِقَادَ كُفرٌ وَضَلَالٌ، وَهُوَ اعتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ لا يُضِلُّ أَحَدًا، أَي أَنَّ الإِنسَانَ يَضِلُّ بِمَشِيئَتِهِ لا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَأَنَّ العَبدَ هُوَ يَخلُقُ هَذِهِ الضَّلالَةَ لَيسَ اللَّهُ خَالِقَهَا.
وَمَعنَى قَولِ سَيِّدِنَا عُمَرَ: «إِن شَاءَ» أَي إِن شَاءَ أَن تَمُوتَ عَلَى كُفرِكَ هَذَا لا بُدَّ مِن دُخُولِكَ النَّارَ.
وَقَدِ احتَجَّ سَيِّدُنَا عُمَرُ بِهَذِهِ الآيَةِ: ﴿وَمَن يَهدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ﴾ [سُورَةَ الزُّمَر/37] وَمَعنَاهُ أَنَّ الَّذِي شَاءَ اللَّهُ لَهُ فِي الأَزَلِ أَن يَكُونَ مُهتَدِيًا لَا أَحَدَ يَجعَلُهُ ضَالًّا، ﴿مَن يُضلِلِ اللهُ فَلا هَادِيَ لَهُ﴾ [سُورَةَ الأَعرَاف:186] أَي وَمَن شَاءَ اللهُ أَن يَكُونَ ضَالًّا فَلا هَادِيَ لَهُ، أَي لا أَحَدَ يَهدِيهِ وَلا أَحَدَ يَجعَلُهُ مُهتَدِيًا.
وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنذَرَ قَومَهُ أَوَّلَ مَا نَزَلَ عَلَيهِ الوَحيُ عَمَلًا بِقَولِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَأَنذِر عَشِيرَتَكَ الأَقرَبِينَ﴾ [سُورَةَ الشُّعَرَاء/214] أَي حَذِّرهُم مِنَ الكُفرِ، ثُمَّ اهتَدَى بِهِ أُنَاسٌ وَلَم يَهتَدِ بِهِ أُنَاسٌ، حَتَّى مِن أَقَارِبِهِ كَأَبِي لَهَبٍ وَغَيرِهِ فَإِنَّهُم لَم يَهتَدُوا، وَالرَّسُولُ بَلَّغَهُم دَعوَتَهُ لَكِن لَم يَهتَدُوا، وَأُولَئِكَ الَّذِي اهتَدَوا اهتَدَوا، فَمَا هُوَ المُوجِبُ لِذَلِكَ أَي لِأَن يَهتَدِيَ هَؤُلاءِ وَلا يَهتَدِيَ هَؤُلاءِ؟، المُوجِبُ لِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى شَاءَ فِي الأَزَلِ أَن يَهتَدِيَ هَؤُلاءِ بِمُحَمَّدٍ وَلَم يَشَأ أَن يَهتَدِيَ الآخَرُونَ، تَنَفَذَّت مَشِيئَةُ اللَّهِ فِي الفَرِيقَينِ.
وَاللَّهُ تَعَالَى يَكرَهُ الكُفرَ وَالمَعَاصِي لَكِن خَصَّصَ هَؤُلاءِ بِأَن يَنسَاقُوا بِاختِيَارِهِم إِلَى الضَّلالِ، كَمَا خَصَّصَ أُولَئِكَ بِأَن يَنسَاقُوا بِاختِيَارِهِم إِلَى الهُدَى، هَذَا مَعنَى المَشِيئَةِ.
وَيُروَى أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ فَرَأَى غُوطَةَ دِمَشقَ وَنَظَرَ إِلَى المَدِينَةِ وَالقُصُورِ وَالبَسَاتِينِ تَلَا قَولَهُ تَعَالَى: ﴿كَم تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَورَثنَاهَا قَومًا آخَرِينَ﴾.
وَقَد رُوِيَ عَن سَالِمٍ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ عُمَرُ الشَّامَ تَلَقَّاهُ رَجُلٌ مِن يَهُودِ دِمَشقَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيكَ يَا فَارُوقُ، أَنتَ صَاحِبُ إِيلِيَاءَ، لَا واللهِ لَا تَرجِع حَتَّى يَفتَحَ اللهُ عَلَيكَ إِيلِيَاءَ.
وَرَوَى الحَاكِمُ عَن طَارِقِ بنِ شِهَابٍ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إِلَى الشَّامِ وَمَعَنَا أَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، فَأتَوا عَلَى مَخَاضَةٍ وَعُمَرُ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ، فَنزَلَ عَنهَا وَخَلَعَ خُفَّيهِ فَوَضعَهُمَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَأَخَذَ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ فَخَاضَ بِهَا المَخَاضَةَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيدَةَ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، أَأَنتَ تَفعَلُ هَذَا، أَتَخلَعُ خُفَّيكَ وَتَضَعُهُمَا عَلَى عَاتِقِكَ وَتَأخُذُ بِزِمَامِ نَاقَتِكَ وَتَخُوضُ بِهَا المَخَاضَةَ؟ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أَهلَ البَلَدِ استَشرَفُوكَ. فَقَالَ عُمَرُ: أَوهِ، لَو يَقُل ذَا غَيرُكَ أَبَا عُبَيدَةَ، جَعَلتُهُ نَكَالًا لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ، إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَومٍ فَأَعَزَّنَا اللهُ بِالإِسلَامِ، فَمَهمَا نَطلُبُ العِزَّةَ بِغَيرِ مَا أَعَزَّنَا اللهُ بِهِ أَذَلَّنَا الله.
فَرَحِمَ اللهُ أَمِيرَ المُؤمِنِينَ عُمَرَ الفَارُوقِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَجَزَاهُ اللهُ عَنِ المُسلِمِينَ خَيرَ الجَزَاءِ.
فتح بيت المقدس للمرة الثانية
وَالمَرَّةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي فُتِحَ فِيهَا بَيتُ المَقدِسِ كَانَت فِي القَرنِ السَّادِسِ فِي زَمَنِ السُّلطَانِ النَّاصِرِ لِدِينِ اللهِ صَلَاحِ الدِّينِ الأَيُّوبِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ، وَنَحنُ حِينَمَا نَذكُرُ هَذَا الرَّجُلَ نَذكُرُ قَولَهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ: ﴿مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَّن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلًا﴾.
بَقِيَ اسمُ هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ فِي وُجدَانِ وَقُلُوبِ المُسلِمِينَ أَكثَرَ مِن تِسعِمِائَةِ سَنَةٍ، فَاسمُهُ رَحِمَهُ اللهُ مُرتَبِطٌ بِوَقَائِعَ عَظِيمَةٍ فِي تَارِيخِ أُمَّتِنَا المُشرِقِ، وَمِن هَذِهِ المَوَاطِنِ وَالفُتُوحَاتِ فَتحُ بَيتِ المَقدِسِ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالثَّمَانِينَ بَعدَ الخَمسِمِائَةِ مِن هِجرَةِ الحَبِيبِ المُصطَفَى ﷺ، فَإِنَّهُ تَحَقَّقَ لِلمُسلِمِينَ فِيهَا عِزٌّ وَنَصرٌ وَسُؤدُدٌ عَظِيمٌ بِفَضلِ اللهِ تَعَالَى وَتَوفِيقِهِ.
وَيُذكَرُ فِي كُتُبِ السِّيَرِ وَالتَّارِيخِ فَتحُ بَيتِ المَقدِسِ الَّذِي تَحَقَّقَ لِلمُسلِمِينَ بَعدَ مَعرَكَةِ حِطِّينَ الَّتِي حَصَلَ فِيهَا عِزُّ وَنَصرُ المُسلِمِينَ، بِقِيَادَةِ القَائِدِ المُجَاهِدِ صَلَاحِ الدِّينِ الأَيُّوبِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَقَد قَالَ فِيهَا أَي فِي حِطِّينَ المُؤَرِّخُ ابنُ الأَثِيرِ المُعَاصِرُ لِتِلكَ المَوقِعَةِ فِي تَارِيخِهِ: «كُلُّ مَن يَرَى القَتلَى يَحسَبُ أَن لَيسَ هُنَاكَ أَسرَى، وَكُلُّ مَن يَرَى الأَسرَى يَحسَبُ أَن لَيسَ هُنَاكَ قَتلَى»، وَقَالَ ءَاخَرُ: «كَانَ الفَارِسُ مِنَ المُسلِمِينَ يَقُودُ ثَلَاثِينَ أَو أَربَعِينَ أَسِيرًا فِي حَبلٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ المِائَتَانِ مِنَ الإِفرَنجِ الأَسرَى يَحرُسُهُم فَارِسٌ وَاحِدٌ مِنَ المُسلِمِينَ، وَقُدِّرَ عَدَدُ الأَسرَى بِثَلَاثِينَ أَلفِ أَسِيرٍ، مِمَّا أَثَّرَ فِي كَسَادِ أَثمَانِهِم فِي السُّوقِ لَدَى عَرضِهِم لِلبَيعِ، وَوَصَلَ الأَمرُ أَن يُبَاعَ مِنهُم أَسِيرٌ بِنَعلٍ». وَإِثرَ النَّصرِ الكَبِيرِ فِي حِطِّينَ انهَارَتِ الدَّولَةُ المُسَمَّاةُ “أُورشَلِيم”، وَتَمَكَّنَ السُّلطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ مِنَ استِرجَاعِ جَمِيعِ مُدُنِهَا وَقِلَاعِهَا.
فَعِندَمَا دَخَلَت سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَخَمسِمِائَةٍ كَانَت فِيهَا وَقعَةُ حِطِّينَ الَّتِي كَانَت أَمَارَةً وَمُقَدِّمَةً وَبِشَارَةً لِفَتحِ بَيتِ المَقدِسِ عَلَى أَيدِي المُؤمِنِينَ، وَاستِنقَاذِهِ مِن أَيدِي الكَافِرِينَ، فَقُتِلَ مِنهُم ثَلَاثُونَ أَلفًا فِي ذَلِكَ اليَومِ، وَأُسِرَ ثَلَاثُونَ أَلفًا مِن شُجعَانِهِم وَفُرسَانِهِم، وَلَم يُسمَع بِمِثلِ هَذَا اليَومِ فِي عِزِّ الإِسلَامِ وَأَهلِهِ، وَدَمغِ البَاطِلِ وَذُلِّهِ، وَجَرَت أُمُورٌ لَم يُسمَع بِمِثلِهَا وَلَا وَقَعَتِ العُيُونُ عَلَى شَكلِهَا، فَكَانَ يَومًا مَشهُودًا، وَللهِ الحَمدُ وَالمِنَّةُ.
وَبَعدَ حِطِّينَ تَرَكَ السُّلطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ جُيُوشَهُ تَرتَعُ فِي الفُتُوحَاتِ وَالغَنَائِمِ الكَثِيرَةِ الَّتِي تَحَقَّقَت لَهُ مُدَّةَ شُهُورٍ لِيَستَرِيحُوا وَيَجمَعُوا أَنفُسَهُم وَخُيُولَهُم لِيَتَأَهَّبُوا لِفَتحِ بَيتِ المَقدِسِ الشَّرِيفِ، وَطَارَ فِي النَّاسِ أَنَّ السُّلطَانَ عَزَمَ عَلَى فَتحِ بَيتِ المَقدِسِ، فَقَصَدَهُ العُلَمَاءُ وَالصَّالِحُونَ وَالمُتَطَوِّعَةُ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، فَاجتَمَعَ مِن عِبَادِ اللهِ وَمِنَ الجُيُوشِ المُتَطَوِّعَةِ خَلقٌ كَثِيرٌ وَجَمٌّ غَفِيرٌ، فَعِندَ ذَلِكَ قَصَدَ السُّلطَانُ بَيتَ المَقدِسِ بِمَن مَعَهُ، وَفَتَحَهَا وَطَهَّرَهَا مِن رِجسِ الصَّلِيبِيِّينَ وَأَعوَانِهِم، وَرَفَعَ فِيهَا الأَذَانَ وَالتَّوحِيدَ، فَرَضِيَ اللهُ عَنهُ وَجَزَاهُ عَنِ المُسلِمِينَ خَيرَ الجَزَاءِ.
عقيدة السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله
وَقَد سَلَكَ صَلَاحُ الدِّينِ مَسلَكَ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي المُحَافَظَةِ عَلَى الدِّينِ وَالتَّمَسُّكِ بِالعَقِيدَةِ الصَّافِيَةِ النَّقِيَّةِ عَقِيدَةِ أَهلِ الحَقِّ. فَقَد أَمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بِتَدرِيسِ العَقِيدَةِ الإِسلَامِيَّةِ وَالَّتِي فِيهَا تَنزِيهُ اللهِ عَنِ المَكَانِ وَالحَيِّزِ وَاللَّونِ وَسِوَاهَا مِن صِفَاتِ المَخلُوقِينَ فِي الكَتَاتِيبِ وَالمَدَارِسِ، وَلَقَد أَلَّفَ الإِمَامُ ابنُ البَرمَكِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فِي العَقِيدَةِ الَّتِي أَلَّفَهَا لِصَلَاحِ الدِّينِ الأَيُّوبِيِّ وَبَيَّنَ فِيهَا تَنزِيهَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَن مُشَابَهَةِ المَخلُوقَاتِ وَعَنِ المَكَانِ وَالجِهَةِ، فَقَرَّرَ صَلَاحُ الدِّينِ -لِعَظِيمِ أَمرِهَا وَفَائِدَتِهَا وَلِمَا حَوَت مِن مَعَانٍ عَظِيمَةٍ فِي تَوحِيدِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا- تَدرِيسَهَا لِلصِّغَارِ وَالكِبَارِ لِمَا تَضَمَّنَت مِن عَقَائِدِ أَهلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ وَمَا كَانَ عَلَيهِ الرَّسُولُ ﷺ وَالصَّحَابَةُ وَمَن تَبِعَهُم بِإِحسَانٍ، حَتَّى سُمِّيَتِ العَقِيدَةَ الصَّلَاحِيَّةَ.
يَقُولُ فِي هَذِهِ العَقِيدَةِ:
وَصَانِعُ العَالَمِ لَا يَحوِيــــهِ *** قُطرٌ تَعَـالَى الله عَن تَشبِيـهِ
قَد كَان مَوجُودًا وَلَا مَـكَانَا *** وَحُكمُهُ الآنَ عَلَى مَا كَانـَا
سُبـحَانَهُ جَلَّ عَنِ المَكَــانِ *** وَعَزَّ عَن تَغَـيُّرِ الزَّمَــانِ
وَقَالَ فِيهَا أَيضًا:
وَصَانِعُ العَالَمِ فَردٌ وَاحِدُ *** لَيسَ لَهُ فِي خَلقِهِ مُسَاعِدُ
جَلَّ عَنِ الشَّرِيكِ وَالأَولَادِ *** وَعَزَّ عَن نَقِيصَةِ الأَندَادِ
وَهُوَ قَدِيمٌ مَا لَهُ ابتِدَاءُ *** وَدَائِمٌ لَيسَ لَهُ انتِهَاءُ
قَالَ الحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيُّ الشَّافِعِيُّ (تُوُفِّيَ سَنَةَ 911هـ ) فِي كِتَابِهِ «الوَسَائِلِ إِلَى مَعرِفَةِ الأَوَائِلِ» مَا نَصُّهُ: «فَلَمَّا وَلِيَ السُّلطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ بنُ أَيُّوبَ أَمَرَ المُؤَذِّنِينَ أَن يُعلِنُوا فِي وَقتِ التَّسبِيحِ بِذِكرِ العَقِيدَةِ الأَشعَرِيَّةِ، فَوَاظَبَ المُؤَذِّنُونَ عَلَى ذِكرِهَا كُلَّ لَيلَةٍ إِلَى وَقتِنَا هَذَا». أَي إِلَى وَقتِ السُّيُوطِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى الَّذِي تُوُفِّيَ سَنَةَ 911هـ
وَقَالَ البُنَانِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى جَمعِ الجَوَامِعِ بَعدَ أَن ذَكَرَ شَيئًا مِن هَذِهِ القَصِيدَةِ: «وَهَذِهِ القَصِيدَةُ تُسَمَّى بِالصَّلَاحِيَّةِ لِتَرغِيبِ السُّلطَانِ صَلَاحِ الدِّينِ يُوسُفَ بنِ أَيُّوبَ فِيهَا، وَهِيَ مِن أَحسَنِ تَصَانِيفِ الأَشعَرِيَّةِ فِي العَقَائِدِ، وَكَانَ السُّلطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ المَذكُورُ يَأمُرُ بِتَلقِينِهَا الأَولَادَ فِي المَكَاتِبِ».
السؤال الفقهي
ما حكم بلع الريق المتغير بالقهوة أو العصير بعد طلوع الفجر؟
إِذَا بَلَعَ رِيقَهُ المُتَغَيِّرَ بالقَهوَةِ أَو العَصِيرِ الَّذِى شَرِبَهُ قَبلَ الفَجرِ أَو غَيرِهِ أَفطَرَ.
مختارات من الأدعية والأذكار
ما يقول من أراد أن يستيقظ في ساعة معينة من الليل
عَن مُحَمَّد بن كَثِيرٍ، عَن الأَوزَاعِيِّ، عَن عَبدَةَ، عَن زِرِّ بنِ حُبَيشٍ، قَالَ: “مَن قَرَأَ آخِرَ سُورَةِ الكَهفِ لِسَاعَةٍ يُرِيدُ يَقُومُ مِنَ اللَّيلِ، قَامَهَا”، قَالَ عَبدَةُ: “فَجَرَّبنَاهُ فَوَجَدنَاهُ كَذَلِكَ”، رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ.
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)﴾.
الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ
اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ رَحمَةً مِن عِندِكَ تَهدِي بِهَا قُلُوبَنَا وَتَجمَعُ بِهَا شَملَنَا وَتَلُمُّ بِهَا شَعثَنَا وَتَرُدُّ بِهَا الفِتَنَ عَنَّا وَتُصلِحُ بِهَا دِينَنَا وَتَحفَظُ بِهَا غَائِبَنَا وَتَرفَعُ بِهَا شَاهِدَنَا وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلَنَا وَتُبَيِّضُ بِهَا وَجهَنَا وَتُلهِمُنَا بِهَا رُشدَنَا وَتَعصِمُنَا بِهَا مِن كُلِّ سُوءٍ، اللهم أَعطِنَا إِيمَانًا صَادِقًا وَيَقِينًا لَيسَ بَعدَهُ كُفرٌ وَرَحمَةً نَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَة. اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ الفَوزَ عِندَ القَضَاءِ وَمَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَعَيشَ السُّعَدَاءِ وَالنَّصرَ عَلَى الأَعدَاءِ وَمُرَافَقَةَ الأَنبِيَاءِ. اللهم إِنَّا ضَعُفَ رَأيُنَا وَقَلَّت حِيلَتُنَا وَقَصُرَ عَمَلُنَا وَافتَقَرنَا إِلَى رَحمَتِكَ فَنَسأَلُكَ يَا كَافِي الأُمُورِ وَيَا شَافِيَ الصُّدُورِ كَمَا تُجِيرُ بَينَ البُحُورِ أَن تُجِيرَنَا مِن عَذَابِ السَّعِيرِ وَمِن دَعوَةِ الثُّبُورِ وَمِن فِتنَةِ القُبُورِ.
اللهم مَا قَصُرَ عَنهُ رَأيُنَا وَضَعُفَ عَنهُ عَمَلُنَا وَلَم تَبلُغهُ نِيَّتُنَا وَأُمنِيَّتُنَا مِن خَيرٍ وَعَدتَهُ أَحَدًا مِن عِبَادِكَ أَو خَيرٍ أَنتَ مُعطِيهِ أَحَدًا مِن خَلقِكَ فَإِنَّا نَرغَبُ إِلَيكَ فِيهِ وَنَسأَلُكَهُ يَا رَبَّ العَالَمِينَ. اللهم اجعَلنَا هَادِينَ مُهتَدِينَ غَيرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ حَربًا عَلَى أَعدَائِكَ وَسِلمًا لِأَولِيَائِكَ نُحِبُّ بِحُبِّكَ مَن أَطَاعَكَ مِن خَلقِكَ وَنُعَادِي بِعَدَاوَتِكَ مَن خَالَفَكَ مِن خَلقِكَ. اللهم هَذَا الدُّعَاء وَمنك الإِجَابَة وَهَذَا الجُهدُ وَعَلَيكَ التُّكلَانُ وَإِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُون وَلَا حَولَ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِالله العَلِيِّ العَظِيمِ ذِي الحَبلِ الشَّدِيدِ وَالأَمرِ الرَّشِيدِ.
اللهم احفَظ أَهلَ غَزَّةَ وَفِلَسطِينَ بِحِفظِكَ وَانصُرهُم وَاخذُل كُلَّ مَن خَذَلَهُم. اللهم يَا مَن لَا يُهزَمُ جُندُهُ وَلَا يُخلَفُ وَعدُهُ، وَلَا إِلَهَ غَيرُهُ، كُن لِأَهلِنَا فِي فِلَسطِينَ عَونًا وَنَصِيرًا وَمُعِينًا وَظَهِيرًا.
رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
اللهم أَعتِقنَا فِي رمضان من النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وَارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ.
اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.
وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ