أشراط الساعة (٨) | انفتاح باب الفتنة واستشهاد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه

المقدمة

الحَمدُ للهِ الَّذِي لَا مَانِعَ لِمَا وَهَبَ، وَلَا مُعطِيَ لِمَا سَلَبَ، طَاعَتُهُ لِلعَامِلِينَ أَفضَلُ مُكتَسَبٍ، وَتَقوَاهُ لِلمُتَّقِينَ أَعلَى نَسَبٍ، هَيَّأَ قُلُوبَ أَولِيَائِهِ لِلإِيمَانِ وَكَتَبَ، وَسَهَّلَ لَهُم فِي جَانِبِ طَاعَتِهِ كُلَّ نَصَبٍ، أَحمَدُهُ عَلَى مَا مَنَحَنَا مِن فَضلِهِ وَوَهَبَ.

وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، هَزَمَ الأَحزَابَ وَحدَهُ وَغَلَبَ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي اصطَفَاهُ وَانتَخَبَ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى صَاحِبِهِ أَبِي بَكرٍ الفَائِقِ فِي الفَضَائِلِ وَالرُّتَبِ، وَعَلَى عُمَرَ الَّذِي فَرَّ الشَّيطَانُ مِنهُ وَهَرَبَ، وَعَلَى عُثمَانَ ذِي النُّوُريَنِ التَّقيِّ النَّقِّي الحَسَبِ، وَعَلَى عَلِيٍّ صِهرِهِ وَابنِ عَمِّهِ فِي النَّسَبِ، وَعَلَى بَقِيَّةِ أَصحَابِهِ الَّذِينَ اكتَسَوا فِي الدِّينِ أَعلَى فَخرٍ وَمُكتَسَبٍ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُم بِإِحسَانٍ مَا أَشرَقَ النَّجمُ وَغَرَبَ، وَسَلَّمَ تَسلِيمًا. أَمَّا بَعدُ:

مقتل عثمان رضي الله عنه
وَمِن أَبرَزِ الفِتَنِ الَّتِي ظَهَرَت فِي القَرنِ الأَوَّلِ الهِجرِيِّ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ مَقتَلُ عُثمَانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ، فَلَقَد كَانَت أَوَّلَ الفِتَنِ الكُبرَى الَّتِي أَدَّت إِلَى تَفرِيقِ كَلِمَةِ المُسلِمِينَ وَظُهُورِ الفِرَقِ فِي الأُمَّةِ الإِسلَامِيَّةِ، وَبِسَبَبِ مَقتَلِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ حَصَلَ الِاقتِتَالُ بَينَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَاختَلَطَتِ الأُمُورُ، وَبَرَزَتِ الفِتَنُ وَاشرَأَبَّت وَانتَشَرَت.

فضائل عثمان رضي الله عنه
أَوَّلًا أُبَيِّنُ أَنَّ عُثمَانَ بنَ عَفَّانٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ اجتَمَعَ لَهُ مِنَ الفَضَائِلِ مَا لَم تَجتَمِع لِأَغلَبِ النَّاسِ غَيرِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ، فَقَد كَانَ صِهرَ النَّبِيِّ ﷺ وَزَوجَ ابنَتَيهِ وَلَم يَحصُل هَذَا لِغَيرِ عُثمَانَ بنِ عَفَّانَ، وَبَشَّرَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِالجَنَّةِ عَلَى بَلوَى تُصِيبُهُ، وَأَكَّدَ لَهُ هَذِهِ البِشَارَةَ فِي أَكثَرَ مِن حَادِثَةٍ وَوَاقِعَةٍ، بَعدَ تَجهِيزِهِ جَيشَ العُسرَةِ، وَبَعدَ شِرَائِهِ بِئرَ رُومَةَ وَجَعلِهِ إِيَّاهُ لِلمُسلِمِينَ، وَفِي غَيرِهَا الكَثِيرِ مِنَ الوَقَائِعِ.

وَأُبَيِّنُ أَوَّلًا شَيئًا مِن فَضَائِلِ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ذِي النُّورَينِ عُثمَانَ بنِ عَفَّانَ، وَأُبَيِّنُ بَعدَ ذَلِكَ أَنَّهُ وَمَعَ كَونِهِ عُثمَانَ بنَ عَفَّانٍ إِلَّا أَنَّ الفِتنَةَ إِذَا دَخَلَت وَاتَّسَعَت فَقَد أَدَّت إِلَى مَقتَلِهِ وَإِلَى أَن يُبغِضَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَيَكرَهُونَهُ، فَالفِتنَةُ إِذَا دَخَلَت قَلبَ أَحَدٍ أَهلَكَتهُ وَأَعمَتهُ عَنِ الصَّوَابِ، وَأُبَيِّنُ كُلَّ هَذِهِ التَّفَاصِيلِ لِنَجتَنِبَهَا وَنَبتَعِدَ عَن أَسبَابِ الفِتنَةِ وَلَا نَتبَعَهَا، تَحذِيرًا لَنَا وَلِلمُسلِمِينَ مِن خَطَرِهَا.

أَوَّلًا أَقُولُ: رُوِيَت أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي فَضلِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَحدَهُ وَمَعَ غيرِهِ فِي الصحيحينِ وَغَيرِهِمَا

فَمِن ذَلِكَ: الحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ: أَنَّ أَنَسًا قَالَ: صَعِدَ النَّبِيُّ ﷺ أُحُدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ وَعُثمَانُ، فَرَجَفَ فَقَالَ: «اسكُن أُحُدُ، فَلَيسَ عَلَيكَ إِلَّا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ».

وَفِي الصَّحِيحَينِ عَن أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ قَالَ: كُنتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي حَائِطٍ فَأَمَرَنِي بِحِفظِ البَابِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَستَأذِنُ، فَقُلتُ: مَن هَذَا؟ قَالَ: أَبُو بَكرٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ائذَن لَهُ وَبَشِّرهُ بِالجَنَّةِ»، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ: «ائذَن لَهُ وَبَشِّرهُ بِالجَنَّةِ»، ثُمَّ جَاءَ عُثمَانُ فَقَالَ: «ائذَن لَهُ وَبَشِّرهُ بِالجَنَّةِ عَلَى بَلوَى تُصِيبُهُ»، فَدَخَلَ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَبرًا. وَفِي رِوَايَةٍ: اللهُ المُستَعَانُ.

وَفِي الصَّحِيحَينِ أَيضًا، مِن حَدِيثِ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عَن أَبِي مُوسَى، وَفِيهِ: أَنَّ أَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ دَلَّيَا أَرجُلَهُمَا مَعَ رَسُولِ اللهِ فِي بَابِ القُفِّ وَهُوَ فِي البِئرِ، وَجَاءَ عُثمَانُ فَلَم يَجِد لَهُ مَوضِعًا فَجَلَسَ نَاحِيَةً. قَالَ سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ فَأَوَّلتُ ذَلِكَ قُبُورَهُمُ اجتَمَعَت، وَانفَرَدَ عُثمَانُ.

وَرَوَى الإِمَامُ أَحمَدُ: عَن عَائِشَةَ أُمِّ المُؤمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ جَالِسًا كَاشِفًا عَن فَخِذِهِ، فَاستَأذَنَ أَبُو بَكرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ، ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَاستَأذَنَ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ، ثُمَّ استَأذَنَ عُثمَانُ فَأَرخَى عَلَيهِ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا قَامُوا قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، استَأذَنَ عَلَيكَ أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ فَأَذِنتَ لَهُمَا وَأَنتَ عَلَى حَالِكَ، فَلَمَّا استَأذَنَ عُثمَانُ أَرخَيتَ عَلَيكَ ثِيَابَكَ!، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَلَا أَستَحِي مِن رَجُلٍ وَاللهِ إِنَّ المَلَائِكَةَ تَستَحِي مِنهُ».

وَرَوَى الإِمَامُ أَحمَدُ: عَن أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَرحَمُ أُمَّتِي أَبُو بَكرٍ، وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللهِ عُمَرُ، وَأَشَدُّهَا حَيَاءً عُثمَانُ، وَأَعلَمُهَا بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، وَأَقرَؤُهَا لِكِتَابِ اللهِ أُبَيٌّ، وَأَعلَمُهَا بِالفَرَائِضِ زَيدُ بنُ ثَابِتٍ، وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرَّاحِ».

وَرُوِيَ عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «أُرِيَ اللَّيلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أَنَّ أَبَا بَكرٍ نِيطَ (عُلِّقَ) بِرَسُولِ اللهِ ﷺ، وَنِيطَ عُمَرُ بِأَبِي بَكرٍ، وَنِيطَ عُثمَانُ بِعُمَرَ» قَالَ جَابِرٌ: فَلَمَّا قُمنَا مِن عِندِ رَسُولِ اللهِ ﷺ قُلنَا: أَمَّا الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَرَسُولُ اللهِ ﷺ، وَأَمَّا مَا ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِن نَوطِ بَعضِهِم لِبَعضٍ فَهُم وُلَاةُ هَذَا الأَمرِ الَّذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ نَبِيَّهُ ﷺ.

وَرُوِيَ عَن عَائِشَةَ قَالَت: لَمَّا أَسَّسَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مَسجِدَ المَدِينَةِ جَاءَ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، وَجَاءَ أَبُو بَكرٍ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، وَجَاءَ عُمَرُ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، وَجَاءَ عُثمَانُ بِحَجَرٍ فَوَضَعَهُ، قَالَت: فَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَن ذَلِكَ، فَقَالَ: «هَذَا أَمرُ الخِلَافَةِ مِن بَعدِي».

وَقَد ثَبَتَ عَن أَبِي ذَرٍّ فِي حَدِيثِ تَسبِيحِ الحَصَا فِي يَدِهِ ﷺ ثُمَّ فِي كَفِّ أَبِي بَكرٍ ثُمَّ فِي كَفِّ عُمَرَ ثُمَّ فِي كَفِّ عُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُم. وَفِي بَعضِ الرِّوَايَاتِ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هَذِهِ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ».

وَرُوِيَ فِي حَدِيثِ سَفِينَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «الخِلَافَةُ بَعدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلكًا»، فَكَانَت وِلَايَةُ عُثمَانَ وَمُدَّتُهَا ثِنتَي عَشرَةَ سَنَةً مِن جُملَةِ هَذِهِ الثَّلَاثِينَ بِلَا خِلَافٍ بَينَ العُلَمَاءِ العَامِلِينَ، كَمَا أَخبَرَ بِهِ سَيِّدُ المُرسَلِينَ، ﷺ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ.

وَرُوِيَ مِن طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَن رَسُولِ اللهِ ﷺ أَنَّهُ شَهِدَ لِلعَشَرَةِ بِالجَنَّةِ، وَعُثمَانُ مِنهُم بِنَصِّ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى ذَلِكَ.اهـ

وَرَوَى البُخَارِيُّ عَن نَافِعٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ لَا نَعدِلُ بِأَبِي بَكرٍ أَحَدًا، ثُمَّ عُمَرَ، ثُمَّ عُثمَانَ، ثُمَّ نَترُكُ أَصحَابَ النَّبِيِّ ﷺ لَا نُفَاضِلُ بَينَهُم.

وعندَ الإمامِ أحمدَ عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ وَرَسُولُ اللهِ ﷺ حَيٌّ وَأَصحَابُهُ مُتَوَافِرُونَ أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ وَعُثمَانُ، ثُمَّ نَسكُتُ.

وَجَاءَت أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِيمَا وَرَدَ مِن فَضَائِلِهِ وَحدَهُ
وعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا قَالَت: أَرسَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى عُثمَانَ بنِ عَفَّانَ، فَأَقبَلَ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ (أَي لَمَّا جَاءَ)، فَكَانَ مِن آخِرِ كَلَامٍ كَلَّمَهُ أَن ضَرَبَ مَنكِبَهُ وَقَالَ: «يَا عُثمَانُ إِنَّ اللهَ عَسَى أَن يُلبِسَكَ قَمِيصًا، فَإِن أَرَادَكَ المُنَافِقُونَ عَلَى خَلعِهِ فَلَا تَخلَعهُ حَتَّى تَلقَانِي».

وَقَالَت فَاطِمَةُ بِنتُ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ: حَدَّثَتنِي أُمِّي أَنَّهَا سَأَلَت عَائِشَةَ، وَأَرسَلَهَا عَمُّهَا فَقَالَ: إِنَّ أَحَدَ بَنِيكِ يُقرِئُكِ السَّلَامَ وَيَسأَلُكِ عَن عُثمَانَ بنِ عَفَّانَ، فَإِنَّ النَّاسَ قَد شَتَمُوهُ! فَقَالَت: لَعَنَ اللهُ مَن لَعَنَهُ، فَوَاللَّهِ لَقَد كَانَ قَاعِدًا عِندَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَمُسنِدٌ ظَهرَهُ إِلَيَّ وَإِنَّ جِبرِيلَ لَيُوحِي إِلَيهِ القُرآنَ، وَإِنَّهُ لَيَقُولُ لَهُ: «اكتُب يَا عُثَيمُ»، قَالَت عَائِشَةُ: فَمَا كَانَ اللهُ لِيُنزِلَ تِلكَ المَنزِلَةَ إِلَّا كَرِيمًا عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ.

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عِندَ البَزَّارِ عَن جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ ذَكَرَ فِتنَةً فَقَالَ أَبُو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أَنَا أُدرِكُهَا؟ قَالَ: «لَا». فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أُدرِكُهَا؟ قَالَ: «لَا». فَقَالَ عُثمَانُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا أُدرِكُهَا؟ قَالَ: «بِكَ يُبتَلَونَ».

وَعَن مُوسَى بنِ عُقبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو أُمِّي أَبُو حَبِيبَةَ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ وَعُثمَانُ مَحصُورٌ فِيهَا، وَأَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيرَةَ يَستَأذِنُ عُثمَانَ فِي الكَلَامِ فَأَذِنَ لَهُ، فَقَامَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثنَى عَلَيهِ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّكُم تَلقَونَ بَعدِي فِتنَةً وَاختِلَافًا» أَو قَالَ: «اختِلَافًا وَفِتنَةً» فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ: فَمَن لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «عَلَيكُم بِالأَمِينِ وَأَصحَابِهِ» وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى عُثمَانَ بِذَلِكَ.

وَرُوِيَ عَن مُرَّةَ البَهزِيِّ قَالَ: بَينَمَا نَحنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي طَرِيقٍ مِن طُرُقِ المَدِينَةِ فَقَالَ: «كَيفَ تَصنَعُونَ فِي فِتنَةٍ تَثُورُ فِي أَقطَارِ الأَرضِ كَأَنَّهَا صَيَاصِي بَقَرٍ؟» أي شبه الفتنة بقرون البقر لشدتها وصعوبة الأمر فيها .قَالُوا: نَصنَعُ مَاذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «عَلَيكُم هَذَا وَأَصحَابَهُ» أَو «اتَّبِعُوا هَذَا وَأَصحَابَهُ» قَالَ: فَأَسرَعتُ حَتَّى عَيِيتُ فَأَدرَكتُ الرَّجُلَ فَقُلتُ: هَذَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «هَذَا». فَإِذَا هُوَ عُثمَانُ بنُ عَفَّانَ.

وَفِي التِّرمِذِيِّ عَن أَبِي الأَشعَثِ الصَّنعَانِيِّ أَنَّ خُطَبَاءَ قَامَت بِالشَّامِ وَفِيهِم رِجَالٌ مِن أَصحَابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَامَ آخِرُهُم رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: مُرَّةُ بنُ كَعبٍ فَقَالَ: لَولَا حَدِيثٌ سَمِعتُهُ مِن رَسُولِ اللهِ ﷺ مَا تَكَلَّمتُ، وَذَكَرَ الفِتَنَ فَقَرَّبَهَا، فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ فِي ثَوبٍ فَقَالَ: «هَذَا يَومَئِذٍ عَلَى الهُدَى». فَقُمتُ إِلَيهِ فَإِذَا هُوَ عُثمَانُ بنُ عَفَّانَ، فَأَقبَلتُ عَلَيهِ بِوَجهِهِ فَقُلتُ: هَذَا؟ قَالَ «نَعَم».

وَرُوِيَ عَنِ ابنِ حَوَالَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ثَلَاثٌ مَن نَجَا مِنهُنَّ فَقَد نَجَا: مَوتِي، وَخُرُوجُ الدَّجَّالِ، وَقَتلُ خَلِيفَةٍ مُصطَبِرٍ قَوَّامٍ بِالحَقِّ يُعطِيهِ». رواه أحمد.

وروى أحمدأنَّ عثمانَ أشرفَ على الذين حصروه، فسلم عليهم، فلم يردوا عليه، فقال عثمانُ: أفي القومِ طلحةُ؟ قال طلحةُ: نعم، قال نَشدتُكَ اللهَ أسمعتَ النبيَّ ﷺ يقولُ: لَا يُحِلُّ دَمَ المُسْلِم إلَّا وَاحِدَةٌ مِنْ ثَلاثٍ: أَنْ يَكْفُرَ بَعْدَ إِيمَانِهِ، أَو يَزْنِيَ بَعْدَ إِحْصَانِهِ، أَوْ يَقْتُلَ نَفْسًا فَيُقْتَلُ بِهَا، قال: اللهم نعمْ، فكبر عثمانُ، فقال: واللهِ ما أنكرتُ اللهَ منذ عرفتُه، ولا زنيتُ في جاهليةٍ ولا الإسلامِ، وقد تركتُه في الجاهليةِ تَكَرُّهًا، وفي الإسلامِ تَعَفُّفًا، ولا قَتلتُ نفسًا يَحلُّ بها قتلي.

وَأَنَّهُ كَانَ يُعتِقُ كُلَّ يَومِ جُمُعَةٍ عَتِيقًا، فَإِن تَعَذَّرَ عَلَيهِ أَعتَقَ فِي الجُمُعَةِ الأُخرَى عَتِيقَينِ.

وَقَد قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ رَفِيقٌ، وَرَفِيقِي فِي الجَنَّةِ عُثمَانُ».

وَرَوَى ابنُ عَسَاكِرَ وَغَيرُهُ عَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ لَقِيَ عُثمَانَ بنَ عَفَّانَ عَلَى بَابِ المَسجِدِ فَقَالَ: «يَا عُثمَانُ، هَذَا جِبرِيلُ يُخبِرُنِي أَنَّ اللهَ قَد زَوَّجَكَ أُمَّ كُلثُومٍ بِمِثلِ صَدَاقِ رُقَيَّةَ عَلَى مِثلِ مُصَاحَبَتِهَا».

وَرُوِيَ عَن عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَو كَانَ لِي أَربَعُونَ ابنَةً لَزَوَّجتُهُنَّ بِعُثمَانَ، وَاحِدَةً بَعدَ وَاحِدَةٍ حَتَّى لَا يَبقَى مِنهُنَّ وَاحِدَةٌ».

وَرُوِيَ عَن عَائِشَةَ قَالَت: مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ رَافِعًا يَدَيهِ حَتَّى يَبدُوَ ضَبعَيهِ (الضَّبعُ بِسُكُونِ البَاءِ: وَسَطُ العَضُدِ. وَقِيلَ هُوَ مَا تَحتَ الإِبطِ) إِلَّا لِعُثمَانَ بنِ عَفَّانَ إِذَا دَعَا لَهُ.

وجاء عَن أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ مِن أَوَّلِ اللَّيلِ إِلَى أَن طَلَعَ الفَجرُ رَافِعًا يَدَيهِ يَدعُو لِعُثمَانَ بنِ عَفَّانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ عُثمَانُ رَضِيتُ عَنهُ فَارضَ عَنهُ»، وَفِي رِوَايَةٍ يَقُولُ لِعُثمَانَ: «غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا قَدَّمتَ وَمَا أَخَّرتَ، وَمَا أَسرَرتَ وَمَا أَعلَنتَ، وَمَا كَانَ مِنكَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ».

وَرُوِيَ عَن حُذَيفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ إِلَى عُثمَانَ يَستَعِينُهُ فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَبَعَثَ إِلَيهِ عُثمَانُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ فَوَضَعَهَا بَينَ يَدَيهِ، فَجَعَلَ يُقَلِّبُهَا بَينَ يَدَيهِ وَيَدعُو لَهُ: «غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا عُثمَانُ مَا أَسرَرتَ وَمَا أَعلَنتَ وَمَا أَخفَيتَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ، مَا يُبَالِي عُثمَانُ مَا فَعَلَ بَعدَ هَذَا».

وَقَالَ لَيثُ بنُ أَبِي سُلَيمٍ: أَوَّلُ مَن خَبَصَ الخَبِيصَ عُثمَانُ، خَلَطَ بَينَ العَسَلِ وَالنَّقِيِّ ثُمَّ بَعَثَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ إِلَى مَنزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ فَلَم يُصَادِفهُ، فَلَمَّا جَاءَ وَضَعُوهُ بَينَ يَدَيهِ، فَقَالَ: «مَن بَعَثَ بِهَذَا؟» قَالُوا: عُثمَانُ. قَالَت: فَرَفَعَ يَدَيهِ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّ عُثمَانَ يَتَرَضَّاكَ فَارضَ عَنهُ».

وَقَد رُوِيَ مِن غَيرِ وَجهٍ أَنَّهُ صَلَّى بِالقُرآنِ العَظِيمِ فِي رَكعَةٍ وَاحِدَةٍ عِندَ الحَجَرِ الأَسوَدِ أَيَّامَ الحَجِّ. وَقَد كَانَ هَذَا مِن دَأبِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. وَلِهَذَا رُوِيَ عَنِ ابنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿أَمَّن هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ﴾ قَالَ: هُوَ عُثمَانُ بنُ عَفَّانَ. وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿هَل يَستَوِي هُوَ وَمَن يَأمُرُ بِالعَدلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ﴾ قَالَ: هُوَ عُثمَانُ بنُ عَفَّانَ.اهـ

وَقَالَ أَنَسٌ وَمُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ: قَالَتِ امرَأَةُ عُثمَانَ يَومَ الدَّارِ: اقتُلُوهُ أَو دَعُوهُ، فَوَاللَّهِ لَقَد كَانَ يُحيِي اللَّيلَ بِالقُرآنِ فِي رَكعَةٍ.

وَقَالَ شُرَحبِيلُ بنُ مُسلِمٍ: كَانَ عُثمَانُ يُطعِمُ الناسَ طعامَ الإِمَارَةِ وَيَدخُلُ بَيتَهُ فَيَأكُلُ الخَلَّ وَالزَّيتَ.

قصة قتل عثمان وافتراءات أهل الفتنة عليه
وَأَصلُ الفِتنَةِ الَّتِي أَدَّت إِلَى قَتلِ عُثمَانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ بَعضَ النَّاسِ نَشَرُوا عَنهُ أُمُورًا وَفَهِمُوهَا عَلَى غَيرِ وَجهِهَا، وَبَعضُهَا كَانَ يَفعَلُهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَلَكِنَّهُم لَم يَقدِرُوا أَن يُوَاجِهُوا عُمَرَ بِهَا وَيُنكِرُوهَا عَلَيهِ فَإِنَّهُ كَانَ شَدِيدًا وَلَهُ هَيبَةٌ كَبِيرَةٌ يَخَافُونَهُ، وَلَيسَ الأَمرُ كَعُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

قَالُوا إِنَّ عُثمَانَ يُوَلِّي أَقَارِبَهُ كَمُعَاوِيَةَ وَعَبدِ اللهِ بنِ سَعدِ بنِ أَبِي السَّرحِ، وَلَا رَيبَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ وَالِيًا عَلَى الشَّامِ مِن أَيَّامِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فَلَا وَجهَ لِلإِنكَارِ، وَإِنَّمَا هَذَا إِسَاءَةُ ظَنٍّ بِعُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَتَطَاوُلٌ عَلَيهِ.

وَقَالُوا إِنَّ عُثمَانَ يُبَذِّرُ أَموَالَ المُسلِمِينَ عَلَى أَقَارِبِهِ وَيُعطِيهِم أَكثَرَ مِن غَيرِهِم، وَهَذَا فِيهِ إِسَاءَةُ ظَنٍّ بِعُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَإِنَّمَا عُثمَانُ كَانَ مَعرُوفًا عَنهُ وَكَانَ مَشهُورًا عَنهُ أَنَّهُ كَرِيمٌ وَلَهُ أَموَالٌ وَتِجَارَاتٌ وَصَدَقَاَتُ سِرٍّ وَعَلَنٍ، وَكَانَ يَصِلُ أَقَارِبَهُ بِأَموَالٍ كَثِيرَةٍ مِن صُلبِ مَالِهِ وَلَيسَ مِن مَالِ المُسلِمِينَ، وَلَكِن هَذَا فِيهِ إِسَاءَةُ ظَنٍّ بِعُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ.

وَكَانَ عُثمَانُ فِي مَوسِمِ الحَجِّ مُقِيمًا بِمَكَّةَ فَلَم يَقصُر وَلَم يَجمَع فِي بَعضِ الصَّلَوَاتِ، فَقَالُوا إِنَّ عُثمَانَ خَالَفَ سُنَّةَ النَّبِيِّ وَأَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ، وَهَذَا فِيهِ إِسَاءَةُ ظَنٍّ بِعُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَجَمَعَ عُثمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ النَّاسَ عَلَى مُصحَفٍ وَاحِدٍ بَعدَ الِاختِلَافِ الَّذِي حَصَلَ بِالأَمصَارِ بَينَ النَّاسِ، وَنَسَخَ نُسَخًا مِنَ المُصحَفِ وَزَّعَهَا فِي بِلَادِ المُسلِمِينَ الرَّئِيسِيَّةِ كَالشَّامِ وَمِصرَ وَاليَمَنِ وَالعِرَاقِ، وَأَحرَقَ النُّسَخَ الَّتِي كَانَت قَبلَ ذَلِكَ مِمَّا اختَلَفَ عَلَيهِ النَّاسُ، وَبِالأَصلِ كَانَ أَبُو بَكرٍ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى مُصحَفٍ بَعدَ رَسُولِ اللهِ، فَلَم يُنكِرُوا عَلَى أَبِي بَكرٍ وَأَنكَرُوا عَلَى عُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَأَسَاؤُوا بِهِ الظَّنَّ وَقَالُوا: إِنَّ عُثمَانَ يُحَرِّفُ القُرآنَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ وَهَذَا كَذِبٌ وَزُورٌ وَبُهتَانٌ.

وَكَانَ أَهلُ الفِتنَةِ فِي مِصرَ وَالعِرَاقِ يُنكِرُونَ عَلَى بَعضِ أُمَرَائِهِم وَيَأتُونَ إِلَى عُثمَانَ، وَعُثمَانُ كَانَ رَجُلًا كَبِيرًا فِي السِّنِّ يَستَحِي مِنَ النَّاسِ وَلَا يَرُدُّهُم بِمَا يَطلُبُونَ، فَمَن أَتَاهُم مِن وُفُودِهِم يُرِيدُونَ تَغيِيرَ الوَالِي عَلَيهِم يُغَيِّرُهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَمَا يَطلُبُونَ، فَهَذَا أَدَّى إِلَى تَطَاوُلِ النَّاسِ عَلَيهِ هُوَ نَفسِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَهَذِهِ الأُمُورُ عِندَمَا اجتَمَعَت وَكَثُرَ القِيلُ وَالقَالُ وَالغِيبَةُ وَالبُهتَانُ أَدَّت إِلَى انتِشَارِ المَفَاسِدِ، وَهَذَا يُبَيِّنُ خُطُورَةَ الغِيبَةِ وَالقِيلِ وَالقَالِ وَتَتَبُّعِ ذَلِكَ وَمَا يُؤَدِّي إِلَيهِ هَذَا، فَمَن يَستَمِعُ الغِيبَةَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ يَمتَلِئُ قَلبُهُ عَادَةً عَلَى الشَّخصِ المُغتَابِ وَلَو كَانَ هَذَا المُغتَابُ عُثمَانَ بنَ عَفَّانٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَهَذَا أَصلُ الفِتنَةِ، وَهُنَا يَظهَرُ خَطَرُ تَتَبُّعِهَا وَتَركِ النَّظَرِ إِلَى أَصلِ الشَّرِيعَةِ، فَلَو تَبِعَ النَّاسُ حُكمَ الشَّرِيعَةِ وَرَجَعُوا إِلَى إِمَامِهِم عُثمَانَ وَتَرَكُوا الغِيبَةَ وَالنَّمِيمَةَ وَإِسَاءَةَ الظَّنِّ وَالبُهتَانَ لَمَا حَصَلَ الَّذِي حَصَلَ، وَلَكِن لِيَقضِيَ اللهُ أَمرًا كَانَ مَفعُولًا.

كَانَ رُؤَسَاءُ الفِتنَةِ الأَشرَارُ يُبطِنُونَ مَا فِي قُلُوبِهِم مِنَ الخُبثِ وَيُمَوِّهُونَ لِلنَّاسِ أَنَّهُم يُرِيدُونَ إِظهَارَ الحَقِّ وَالعَدلِ. وَكَانَ رَئِيسُهُم فِي ذَلِكَ الأَمرِ عَبدَ اللهِ بنَ سَبَأٍ، يُعرَفُ بِابنِ السَّودَاءِ، كَانَ مِن يَهُودِ العِرَاقِ وَقِيلَ مِنْ يَهُودِ اليَمَنِ، نَافَقَ وَأَظهَرَ الإِسلَامَ لِإِيقَاعِ الفِتَنِ وَالِانشِقَاقِ فِي الأُمَّةِ الإِسلَامِيَّةِ العَظِيمَةِ، فَلَمَّا عَرَفَهُ أَهلُ البَصرَةِ طَرَدُوهُ وَأَخرَجُوهُ مِنهَا، فَذَهَبَ إِلَى الكُوفَةِ ثُمَّ إِلَى الشَّامِ فَطُرِدَ مِنهُمَا. فَذَهَبَ ابنُ السَّودَاءِ إِلَى مِصرَ وَاستَوطَنَهَا فَكَثُرَت جَمَاعَتُهُ هُنَاكَ، وَكَانَ يُكثِرُ الطَّعنَ فِي عُثمَانَ، وَمُرَادُهُ شَقُّ كَلِمَةِ المُسلِمِينَ.

وَكَثُرَ الطَّعنُ وَالقِيلُ وَالقَالُ فِي المَدِينَةِ، وَكَتَبَ رُؤَسَاءُ الفِتنَةِ إِلَى جَمَاعَتِهِم فِي الأَمصَارِ يَستَقدِمُونَهُم إِلَى المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ، وَدَخَلُوا المَدِينَةَ مُظهِرِينَ الحَجَّ، مُجمِعِينَ بَاطِنًا عَلَى السُّوءِ بِعُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ. فَحَاصَرُوهُ أَربَعِينَ يَومًا حَتَّى مَنَعُوهُ المَاءَ، فَغَضِبَ عَلِيٌّ وَأَرسَلَ إِلَيهِ بِثَلَاثِ قِرَبٍ مَملُوءَةٍ بِالمَاءِ، وَقَالَ لِلحَسَنِ وَالحُسَينِ: اذهَبَا بِسَيفَكُمَا حَتَّى تَقُومَا عَلَى بَابِ عُثمَانَ فَلَا تَدَعَا أَحَدًا يَصِلُ إِلَيهِ، وَبَعَثَ الزُّبَيرُ ابنَهُ، وَبَعَثَ طَلحَةُ ابنَهُ، وَبَعَثَ عَدَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَبنَاءَهُم يَمنَعُونَ النَّاسَ مِن أَن يَدخُلُوا عَلَى عُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَهَاجَ المُنحَرِفُونَ يَقتَحِمُونَ بَابَ عُثمَانَ، فَمَنَعَهُمُ الحَسَنُ وَالحُسَينُ وَالزُّبَيرُ وَطَلحَةُ وَغَيرُهُم، ثُمَّ تَسَوَّرُوا وَاقتَحَمُوا الدَّارَ مِن دَارِ عَمرِو بنِ حَزمٍ، فَلَم يَشعُرِ الَّذِينَ عَلَى البَابِ. وَدَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكرٍ وَتَكَلَّمَ مَعَ عُثمَانَ، فَقَالَ لَهُ عُثمَانُ: لَو رَءَاكَ أَبُوكَ أَبُو بَكرٍ مَا رَضِيَ ذَلِكَ، فَاستَحَى وَخَرَجَ نَادِمًا. ثُمَّ دَخَلَ عَلَيهِ سُفَهَاءُ الفِتنَةِ فَضَرَبَهُ أَحَدُهُم بِالسَّيفِ، فَأَكَبَّت عَلَيهِ نَائِلَةُ زَوجَتُهُ فَقُطِّعَت أَصَابِعُ يَدِهَا، وَلَم يَكُن مَعَ عُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ سِوَاهَا فِي الدَّارِ.

فَقُتِلَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ شَهِيدًا سَعِيدًا رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنهُ يَومَ الجُمُعَةِ لِثَمَانِ عَشرَةَ لَيلَةٍ خَلَت مِن شَهرِ ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ خَمسٍ وَثَلَاثِينَ لِلهِجرَةِ. ثُمَّ جَهَّزُوهُ وَدَفَنُوهُ بَينَ المَغرِبِ وَالعِشَاءِ فِي بُستَانٍ كَانَ اشتَرَاهُ عُثمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَدخَلَهُ فِي بَقِيعِ الغَرقَدِ.

وَكَانَت خِلَافَتُهُ اثنَتَي عَشرَةَ سَنَةً إِلَّا يَومًا. وَكَانَ عُثمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَبلَ قَتلِهِ قَالَ: إِنِّي رَأَيتُ البَارِحَةَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فِي المَنَامِ وَأَبَا بَكرٍ وَعُمَرَ فَقَالُوا لِي: اصبِر فَإِنَّكَ تُفطِرُ عِندَنَا القَابِلَةَ.

هَذَا غَيضٌ غَائِضٌ مِن فَيضٍ فَائِضٍ مِن بَحرِ فَضَائِلِ سَيِّدِنَا عُثمَانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَأَرضَاهُ، وَجَزَاهُ عَنِ الإِسلَامِ وَالمُسلِمِينَ خَيرًا، وَرَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنهُ، وَحَشَرَنَا فِي زُمرَتِهِ، وَأَمَاتَنَا عَلَى مَحَبَّتِهِ، وَجَعَلَنَا مِن أَتبَاعِهِ.

وَإِنَّهُ لَمَّا قُتِلَ عُثمَانُ بنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ اجتَمَعَ طَلحَةُ وَالزُّبَيرُ وَأَكثَرُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَأَتَوا عَلِيًّا لِيُبَايِعُوهُ، وَكَانَ أَوَّلُ مَن بَايَعَهُ طَلحَةَ ثُمَّ الزُّبَيرَ ثُمَّ بَايَعَهُ النَّاسُ، ثُمَّ بَعدَ المُبَايَعَةِ خَطَبَ النَّاسَ وَوَعَظَهُم ثُمَّ دَخَلَ بَيتَهُ، وَذَلِكَ يَومَ الخَمِيسِ لِخَمسٍ بَقَينَ مِن ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ خَمسٍ وَثَلَاثِينَ فِي المَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ.

السؤال الفقهي
ما حكم احتلام الصائم في نهار رمضان؟
إِذَا احتَلَمَ الصَّائِمُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَصَومُهُ صَحِيحٌ، لِقَولِهِ ﷺ: «‌رُفِعَ ‌القَلَمُ عَن ثَلَاثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَستَيقِظَ، وَعَنِ الغُلَامِ حَتَّى يَحتَلِمَ، وَعَنِ المَجنُونِ حَتَّى يُفِيقَ»، رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيرُهُ.

وَيَجِبُ عَلَى مَن احتَلَمَ الغُسلُ لِأَجلِ الصَّلَاةِ إِذَا رَأَى المَنِيَّ، لِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِن كُنتُم جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [سورة المائدة:الآية 6]، أَيِ اغتَسِلُوا.

وَرَوَى البُّخَارِيُّ أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَخبَرَتَا: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يُدرِكُهُ الفَجرُ، وَهُوَ جُنُبٌ مِن أَهلِهِ، ثُمَّ يَغتَسِلُ وَيَصُومُ، أَي يَغتَسِلُ قَبلَ خُرُوجِ الوَقتِ بِحَيثُ يُدرِكُ الصَّلَاةَ.

وَرَوَى البُّخَارِيُّ فِي بَابِ اغتِسَالِ الصَّائِمِ عَن أَبِي بَكرِ بنِ عَبدِ الرَّحمنِ قَالَ: كُنتُ أَنَا وَأَبِي، فَذَهَبتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلنَا عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا، قَالَت: أَشهَدُ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ إِنَّهُ كَانَ لَيَصبِحُ جُنُبًا، مِن جِمَاعٍ غَيرِ احتِلَامٍ، ثُمَّ يَصُومُهُ، ثُمَّ دَخَلنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَت مِثلَ ذَلِكَ. وَاللهُ أَعلَمُ.

مختارات من الأدعية والأذكار
أدعية المكروب
جَاءَ فِي الحَدِيثِ: «دَعَوَاتُ المَكرُوبِ: اللهم رَحمتَكَ أَرجُو فَلَا تَكِلنِي إلَى نَفسِي طَرفَةَ عَينٍ، وأَصلِح لِي شَأنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ»، رَوَاهُ أَحمَدُ وَالبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَابنُ حِبَّانَ.

الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ…

اللهم بِعِلمِكَ الغَيبَ وَقُدرَتِكَ عَلَى الخَلقِ أَحيِنا مَا عَلِمتَ الحَيَاةَ خَيرًا لِنا، وَتَوَفَّنا إِذَا عَلِمتَ الوَفَاةَ خَيرًا لِنا، اللهم نسأَلُكَ خَشيَتَكَ فِي الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ، وَنسأَلُكَ كَلِمَةَ الحَقِّ فِي الرِّضَا وَالغَضَبِ، وَنسأَلُكَ القَصدَ فِي الفَقرِ وَالغِنَى، وَنسأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنفَدُ، وَنسأَلُكَ قُرَّةَ عَينٍ لَا تَنقَطِعُ، وَنسأَلُكَ الرِّضَا بَعدَ القَضَاءِ، وَنسأَلُكَ بَردَ العَيشِ بَعدَ المَوتِ، اللهم زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَاجعَلنَا هُدَاةً مُهتَدِينَ.

اللهم أَصلِح لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصمَةُ أَمرِنا، وَأَصلِح لنا دُنيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصلِح لنَا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا وَاجعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيرٍ، وَاجعَلِ المَوتَ رَاحَةً لنا مِن كُلِّ شَرٍّ.

اللهم إِنا نسأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى. اللهم لَكَ أَسلَمنا وَبِكَ آمَنا، وَعَلَيكَ تَوَكَّلنا وَإِلَيكَ أَنَبنا وَبِكَ خَاصَمنَا، اللهم إِنا نعُوذُ بِعِزَّتِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ أَن تُضِلَّنَا، أَنتَ الحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالجِنُّ وَالإِنسُ يَمُوتُونَ.

اللهم يَا اللهُ يا اللهُ أَذهِبِ الضِّيقَ وَالغُمُومَ عَنَّا، وَأَبعِد كَدَرَ الدُّنيَا وَالهُمُومَ عَن قُلُوبِنَا، وحَسِّن بِفَضلِكَ سِيرَتَنا، وَجَمِّل في الدُّنيَا هَيئَتَنَا، وَسَدِّد في الخَيرِ مَسِيرَتَنَا، وَانشُر بَينَ الملائِكَةِ ذِكرَنَا، وَاحفَظ بَينَ الخَلقِ كَرَامَتَنَا، وَعَطِّر بَينَ النَّاسِ سُمعَتَنَا، وَارفَع بَينَ الحُسَّادِ مَهَابَتَنَا، وَإِلى جَنَّاتِ الخُلدِ أَدخِلنَا، وَفي الدَّرجَاتِ العَالِيَةِ أَنزلنَا، وَيَسِّر أُمُورَنَا، وَطَهِّر قُلُوبَنا، وَاحَفَظ فُرُوجَنا، وسَدِّد خُطَانا، وَأَلهِمنَا الطَّاعَاتِ فِي مَحيَانَا، وَأَسعدنَا فِي دُنيَانا وَأُخرَانا يَا اللهُ يا اللهُ.

اللهم كُن لِأَهلِ غَزَّةَ عَونًا وَنَصِيرًا، وَبَدِّل خَوفَهُم أَمنًا. اللهم ارزُق إِخوَانَنَا فِي فِلَسطِينَ الصُّمُودَ وَالقُوَّةَ فِي وَجهِ الطُّغيَانِ وَانصُرهُم. اللهم وَرُدَّ إِلَينَا المَسجِدَ الأَقصَى رَدًّا جَمِيلًا. اللهم احفَظ أَروَاحَ المُجَاهِدِينَ فِي فِلَسطِينَ، وَرُدَّهُم إِلَى أَهلِهِم مَرَدًّا كَرِيمًا آمِنًا. رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ

اللهم أَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتَقَبَّل مِنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم اجعَلنَا مِن عُتَقَاءِ هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ وَمِنَ المَقبُولِينَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وَارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ. اللهم ارزُقنَا حُسنَ الخِتَامِ وَالمَوتَ عَلَى دِينِكَ دِينِ الإِسلَامِ وَرُؤيَةَ سَيِّدِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.

وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ

 

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …