أشراط الساعة (١٢) | كثرة المال وانتشاره وفقد الصحابة

المقدمة

الحَمدُ للهِ الَّذِي كَتَبَ المَقَادِيرَ بِمَا يَجرِي وَمَا يَكُونُ، أَلَّفَ بَينَ الأَروَاحِ بِمِقدَارٍ مِنَ الحِكمَةِ مَوزُونٍ، وَجَعَلَ السَّمَاءَ فِيهَا الشَّمسُ وَالقَمَرُ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسبَحُونَ، وَبَسَطَ الأَرضَ بِسَاطًا لِلبَسِيطَةِ فَهُم عَلَيهَا يَسعَونَ وَيَمشُونَ، خَلَقَ الخَلقَ فَهُم صِنفَانِ صِنفٌ يَسعَدُونَ وَصِنفٌ يُعَذَّبُونَ، فَأَهلُ السَّعَادَةِ أَعَانَهُم بِتَوفِيقِهِ فَهُم بِأَمرِهِ يَعمَلُونَ، وَأَهلُ الشَّقَاءِ شَقَّ عَلَيهِم عَمَلُ الطَّاعَةِ فَهُم عَنهُ مُعرِضُونَ، سُبحَانَهُ مِن إِلَهٍ يُحيِي وَيُمِيتُ وَيَعلَمُ وَأَنتُم لَا تَعلَمُونَ،وَأَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الحَيُّ القَيُّومُ الَّذِي يَعلَمُ مَا كَانَ وَمَا سَيَكُونُ، وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي سَعِدَت بِوِلَادَتِهِ الأَيَّامُ وَالسِّنُونُ، اللهم صَلِّ وَسَلِّم عَلَيهِ مَا ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَغَفَلَ عَن ذِكرِهِ الغَافِلُونَ، صَلَاةً تُنجِينَا بِهَا مِن عَذَابِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَمِن عَذَابِ السَّمُومِ، يَا رَبَّ العَالَمِينَ، وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعدُ:

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَصَلَت بَعدَ زَمَانِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

كثرة المال وفيضه
رَوَى الشَّيخَانِ عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكثُرَ المَالُ فِيكُم، فَيَفِيضَ حَتَّى يَهُمَّ رَبُّ المَالِ مَن يَقبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعرِضَهُ فَيَقُولُ الَّذِي يَعرِضُهُ عَلَيهِ: لَا أَرَبَ لِي فِيهِ».

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرحِ مُسلِمٍ: ضَبَطُوهُ بِوَجهَينِ، أَشهَرُهُمَا بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسرِ الهَاءِ، وَرَبَّ المَالِ مَفعُولٌ، وَالفَاعِلُ مَن يَقبَلُ أَي: يُحزِنُهُ، وَالثَّانِي بِفَتحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الهَاءِ، وَ(رَبُّ المَالِ) أَي صَاحِبُهُ فَاعِلٌ، وَ(مَن) مَفعُولٌ أَي يَقصِدُ. وَاللَّهُ أَعلَمُ. وَقَولُهُ: (لَا أَرَبَ لِي فِيهِ) أَي: لَا حَاجَةَ لِي بِهِ لِاستِغنَائِي عَنهُ.اهـ

وَهَذَا وَقَعَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَفِي زَمَانِ عُثمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، كَثُرَتِ الفُتُوحُ حَتَّى اقتَسَمُوا أَموَالَ الفُرسِ وَالرُّومِ، وَوَقَعَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ الرَّجُلَ يَعرِضُ مَالَهُ لِلصَّدَقَةِ فَلَا يَجِدُ مَن يَقبَلُ صَدَقَتَهُ، وَسَيَقَعُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فِي زَمَنِ عِيسَى عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالمَهدِيِّ.

وَذَلِكَ أَوَّلًا فِي زَمَنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ:

وَهَذَا مَا رُوِيَ أَنَّهُ عِندَمَا فَتَحَ سَعدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بِلَادَ فَارِسٍ بَعدَ القَادِسِيَّةِ كَانَ هُنَاكَ تَمَاثِيلُ مِن جِصٍّ، فَنَظَرَ سَعدٌ إِلَى أَحَدِهَا وَإِذَا هُوَ يُشِيرُ بِأُصبُعِهِ إِلَى مَكَانٍ، فَقَالَ سَعدٌ: إِنَّ هَذَا لَم يُوضَع هَكَذَا سُدًى. فَأَخَذُوا مَا يُسَامِتُ أُصبُعَهُ، فَوَجَدُوا قُبَالَتَهَا كَنزًا عَظِيمًا مِن كُنُوزِ الأَكَاسِرَةِ الأَوَائِلِ، فَأَخرَجُوا مِنهُ أَموَالًا عَظِيمَةً جَزِيلَةً، وَحَوَاصِلَ بَاهِرَةً، وَتُحَفًا فَاخِرَةً، مِمَّا لَم يَرَ أَحَدٌ فِي الدُّنيَا أَعجَبَ مِنهُ. وَاستَحوَذَ المُسلِمُونَ عَلَى مَا هُنَالِكَ أَجمَعَ.

وَكَانَ فِي جُملَةِ ذَلِكَ تَاجُ كِسرَى وَهُوَ مُكَلَّلٌ بِالجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ الَّتِي تُحَيِّرُ الأَبصَارَ، وَمِنطَقَتُهُ أَي قِشَاطُهُ كَذَلِكَ، وَسَيفُهُ وَسِوَارَاهُ وَقَبَاؤُهُ، وَهُوَ رِدَاءٌ قَصِيرٌ وَاسِعٌ يُوضَعُ عَلَى الكَتِفِ وَيُغَطِّي الظَّهرَ وَالصَّدرَ، وَبِسَاطُ إِيوَانِهِ، وَكَانَ مُرَبَّعًا سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي مِثلِهَا مِن كُلِّ جَانِبٍ، وَهُوَ مَنسُوجٌ بِالذَّهَبِ وَاللَّآلِئِ وَالجَوَاهِرِ الثَّمِينَةِ، وَفِيهِ مُصَوَّرُ جَمِيعِ مَمَالِكِ كِسرَى بِلَادُهُ بِأَنهَارِهَا وَقِلَاعِهَا وَأَقَالِيمِهَا وَكُوَرِهَا، وَصِفَةُ الزُّرُوعِ وَالأَشجَارِ الَّتِي فِي بِلَادِهِ. فَكَانَ إِذَا جَلَسَ عَلَى كُرسِيِّ مَملَكَتِهِ، وَدَخَلَ تَحتَ تَاجِهِ وَتَاجُهُ مُعَلَّقٌ بِسَلَاسِلِ الذَّهَبِ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَستَطِيعُ أَن يُقِلَّهُ عَلَى رَأسِهِ لِثِقَلِهِ، بَل كَانَ يَجِيءُ فَيَجلِسُ تَحتَهُ، ثُمَّ يُدخِلُ رَأسَهُ تَحتَ التَّاجِ، وَالسَّلَاسِلُ الذَّهَبُ تَحمِلُهُ عَنهُ، وَعَلَيهِ المِنطَقَةُ وَالسِّوَارَانِ وَالسَّيفُ وَالقَبَاءُ المُرَصَّعُ بِالجَوَاهِرِ، فَيَنظُرُ فِي البُلدَانِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَيَسأَلُ عَنهَا وَمَن فِيهَا مِنَ النُّوَّابِ، وَهَل حَدَثَ فِيهَا شَيءٌ مِنَ الأَحدَاثِ؟ فَيُخبِرُهُ بِذَلِكَ وُلَاةُ الأُمُورِ بَينَ يَدَيهِ، ثُمَّ يَنتَقِلُ إِلَى الأُخرَى، وَهَكَذَا حَتَّى يَسأَلَ عَن أَحوَالِ بِلَادِهِ فِي كُلِّ وَقتٍ، لَا يُهمِلُ أَمرَ المَملَكَةِ، وَقَد وَضَعُوا هَذَا البِسَاطَ بَينَ يَدَيهِ تَذكَارًا لَهُ بِشَأنِ المَمَالِكِ، فَلَمَّا نَزَلَ بِهِم قَدَرُ اللهِ زَالَت تِلكَ الأَيدِي عَن تِلكَ المَمَالِكِ وَالأَرَاضِي، وَتَسَلَّمَهَا المُسلِمُونَ مِن أَيدِيهِم قَسرًا، وَكَسَرُوا شَوكَتَهُم عَنهَا، وَأَخَذُوهَا بِأَمرِ اللهِ صَافِيَةً وَللهِ الحَمدُ وَالمِنَّةُ.

وَكَانَ المُسلِمُونَ يَجِيئُونَ بَعضَ الدُّورِ فَيَجِدُونَ البَيتَ مَلَآنًا إِلَى أَعلَاهُ مِن أَوَانِي الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ.

فَتَحَصَّلَ الفَيءُ عَلَى أَمرٍ عَظِيمٍ مِنَ الأَموَالِ، وَشَرَعَ سَعدٌ فَخَمَّسَهُ، وقَسَمَ الأَربَعَةَ الأَخمَاسَ بَينَ الغَانِمِينَ، فَحَصَلَ لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنَ الفُرسَانِ اثنَا عَشَرَ أَلفًا، وَكَانُوا كُلُّهُم فُرسَانًا وَاستَوهَبَ سَعدٌ أَربَعَةَ أَخمَاسِ البِسَاطِ وَلُبسَ كِسرَى مِنَ المُسلِمِينَ لِيَبعَثَهُ إِلَى عُمَرَ وَالمُسلِمِينَ بِالمَدِينَةِ لِيَنظُرُوا إِلَيهِ وَيَتَعَجَّبُوا مِنهُ، فَطَيَّبُوا لَهُ ذَلِكَ وَأَذِنُوا فِيهِ، فَبَعَثَهُ سَعدٌ إِلَى عُمَرَ فَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا نَظَرَ إِلَى ذَلِكَ قَالَ: إِنَّ قَومًا أَدَّوا هَذَا لَأُمَنَاءُ. فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ: إِنَّكَ عَفَفتَ فَعَفَّت رَعِيَّتُكَ، وَلَو رَتَعتَ لَرَتَعَت.

ثُمَّ قَسَّمَ عُمَرُ ذَلِكَ فِي المُسلِمِينَ، فَأَصَابَ عَلِيًّا قِطعَةٌ مِنَ البِسَاطِ فَبَاعَهَا بِعِشرِينَ أَلفًا. وَقَد رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أَلبَسَ ثِيَابَ كِسرَى لِخَشَبَةٍ وَنَصَبَهَا أَمَامَهُ لِيُرِيَ النَّاسَ مَا فِي هَذِهِ الزِّينَةِ مِنَ العَجَبِ وَمَا عَلَيهَا مِن زَهرَةِ الحَيَاةِ الدُّنيَا الفَانِيَةِ.

وَرَوَى الحَافِظُ أَبُو بَكرٍ البَيهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أُتِيَ بِفَروَةِ كِسرَى فَوُضِعَت بَينَ يَدَيهِ وَفِي القَومِ سُرَاقَةُ بنُ مَالِكِ بنِ جُعشُمٍ، قَالَ: فَأَلقَى إِلَيهِ سِوَارَي كِسرَى بنِ هُرمُزَ فَجَعَلَهُمَا فِي يَدَيهِ فَبَلَغَا مَنكِبَيهِ،

وَقَد قَالَ عُمَرُ لِسُرَاقَةَ حِينَ أَلبَسَهُ سِوَارَي كِسرَى: قُلِ اللهُ أَكبَرُ. فَقَالَ: اللهُ أَكبَرُ. ثُمَّ قَالَ: قُلِ: الحَمدُ للهِ الَّذِي سَلَبَهُمَا كِسرَى بنَ هُرمُزَ وَأَلبَسَهُمَا سُرَاقَةَ بنَ مَالِكٍ أَعرَابِيًّا مِن بَنِي مُدلِجٍ.

قَالَ الشَّعبِيُّ: كَانَ المَالُ المُتَحَصَّلُ مِن وَقعَةِ جَلُولَاءَ ثَلَاثِينَ أَلفَ أَلفٍ، وَكَانَ خُمُسُهُ سِتَّةَ آلَافِ أَلفٍ. ثُمَّ بَعَثَ سَعدٌ بِالأَخمَاسِ مِنَ المَالِ وَالرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ مَعَ زِيَادِ بنِ أَبِي سُفيَانَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ سَأَلَ عُمَرُ زِيَادَ بنَ أَبِي سُفيَانَ عَن كَيفِيَّةِ الوَقعَةِ، فَذَكَرَهَا لَهُ، وَكَانَ زِيَادٌ فَصِيحًا، فَأَعجَبَ إِيرَادُهُ لَهَا عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَأَحَبَّ أَن يَسمَعَ المُسلِمُونَ مِنهُ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: أَتَستَطِيعُ أَن تَخطُبَ النَّاسَ بِمَا أَخبَرتَنِي بِهِ؟ قَالَ: نَعَم يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، إِنَّهُ لَيسَ أَحَدٌ عَلَى وَجهِ الأَرضِ أَهْيَبَ عِندِي مِنكَ، فَكَيفَ لَا أَقوَى عَلَى هَذَا مَعَ غَيرِكَ؟ فَقَامَ فِي النَّاسِ فَقَصَّ عَلَيهِم خَبَرَ الوَقعَةِ، وَكَم قَتَلُوا، وَكَم غَنِمُوا، بِعِبَارَةٍ عَظِيمَةٍ بَلِيغَةٍ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الخَطِيبُ المِصقَعُ. يَعنِي الفَصِيحَ. فَقَالَ زِيَادٌ: إِنَّ جُندَنَا أَطلَقُوا بِالفِعَالِ لِسَانَنَا.

ثُمَّ حَلَفَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ أَن لَا يُجِنَّ هَذَا المَالَ الَّذِي جَاءُوا بِهِ سَقفٌ حَتَّى يَقسِمَهُ، فَبَاتَ عَبدُ اللهِ بنُ أَرقَمَ وَعَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ يَحرُسَانِهِ فِي المَسجِدِ، فَلَمَّا أَصبَحَ جَاءَ عُمَرُ فِي النَّاسِ بَعدَ مَا صَلَّى الغَدَاةَ وَطَلَعَتِ الشَّمسُ، فَأَمَرَ فَكُشِفَ عَنهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى يَاقُوتِهِ وَزَبَرجَدِهِ وَذَهَبِهِ الأَصفَرِ وَفِضَّتِهِ البَيضَاءِ بَكَى عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ عَبدُ الرَّحمَنِ: مَا يُبكِيكَ يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ؟ فَوَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لِمَوطِنُ شُكرٍ. فَقَالَ عُمَرُ: وَاللهِ مَا ذَاكَ يُبكِينِي، وَتَاللهَ مَا أَعطَى اللَّهُ هَذَا قَومًا إِلَّا تَحَاسَدُوا وَتَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا إِلَّا أُلقِيَ بَأسُهُم بَينَهُم. ثُمَّ قَسَمَهُ.

وَكَذَلِكَ فِي زَمَنِ عُثمَانَ بنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عِندَمَا كَثُرَتِ الفُتُوحُ وَاتَّسَعَت وَانتَشَرَت

وَكَذَلِكَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ فَهُوَ خَلِيفَةٌ رَاشِدٌ

عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ هُوَ حَفِيدُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، فَقَد رَوَى ابنُ الجَوزِيِّ عَن أَسلَمَ قَالَ: “بَينَا أَنَا مَعَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وَهُوَ يَعُسُّ بِالمَدِينَةِ إِذ عَيِيَ، فَاتَّكَأَ عَلَى جَانِبِ جِدَارٍ جَوفَ اللَّيلِ، وَإِذَا امرَأَةٌ تَقُولُ لِابنَتِهَا: “يَا بِنتَاهُ، قُومِي إِلَى ذَلِكَ اللَّبَنِ فَامذُقِيهِ (المَذِيقُ: اللَّبَنُ المَمزُوجُ بِالمَاءِ) بِالمَاءِ”، قَالَت: “يَا أُمَّاهُ أَوَ مَا عَلِمتِ بمَا كانَ مِن عَزمَةِ (أَي أَمرِ) أَمِيرِ المُؤمِنِينَ؟”، قَالَت: “وَمَا كَانَ مِن عَزمَتِهِ يَا بُنَيَّةُ؟”، قَالَت: “إِنَّهُ أَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى: لَا يُشَابُ اللَّبَنُ بِالمَاءِ”، فَقَالَت لَهَا: “يَا بُنَيَّةُ قُومِي إِلَى اللَّبَنِ فَامذُقِيهِ بِالمَاءِ فَإِنَّكِ بِمَوضِعٍ لَا يَرَاكِ عُمَرُ وَلَا مُنَادِي عُمَرَ”، فَقَالَتِ الصَّبِيَّةُ: “وَاللهِ مَا كُنتُ لِأُطِيعَهُ فِي المَلَإِ وَأَعصِيَهُ فِي السِّرِّ”، وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَت: وَأَينَ أَنتِ مِن مُنَادِيهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَت: إِذَا لَم يَرَنِي مُنَادِيهِ أَلَم يَرَنِي رَبُّ مُنَادِيهِ؟ وَعُمَرُ يَسمَعُ كُلَّ ذَلِكَ. فَقَالَ: يَا أَسلَمُ اعلَمِ البَابَ وَاعرِفِ المَوضِعَ.

فَلَمَّا أَصبَحَ قَالَ: “يَا أَسلَمُ امضِ إِلَى المَوضِعِ فَانظُر مَنِ القَائِلَةُ وَمَنِ المَقُولُ لَهَا، وَهَل لَهُم بَعلٌ؟”، فَأَتَيتُ المَوضِعَ فَنَظَرتُ فَإِذَا الجَارِيَةُ أَيِّمٌ لَا بَعلَ لَهَا، وَإِذَا تِيكَ أُمُّهَا وَإِذَا لَيسَ لَهَا رَجُلٌ، فَأَتَيتُ عُمَرَ فَأَخبَرتُهُ، فَدَعَى وَلَدَهُ فَجَمَعَهُم، فَقَالَ: “هَل فِيكُم مَن يَحتَاجُ إِلَى امرَأَةٍ فَأُزَوِّجَهُ؟”، وَلَو كَانَ بِأَبِيكُم حَرَكَةٌ إِلَى النِّسَاءِ مَا سَبَقَهُ مِنكُم أَحَدٌ إِلَى هَذِهِ الجَارِيَةِ”. فَقَالَ عَبدُ اللهِ: “لِي زَوجَةٌ”. وَقَالَ عَبدُ الرَّحمَنِ: “لِي زَوجَةٌ”، وَقَالَ عَاصِمٌ: “يَا أَبَتَاهُ لَا زَوجَةَ لِي، فَزَوِّجنِي”. فَبَعَثَ إِلَى الجَارِيَةِ فَزَوَّجَهَا مِن عَاصِمٍ فَوَلَدَت لَهُ بِنتًا، وَوَلَدَتِ البِنتُ عُمَرَ بنَ عَبدِ العَزِيزِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى”. فَأُمُّهُ بِنتُ عَاصِمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ.اهـ وَاسمُهَا أُمُّ عِمَارَةَ بِنتُ سُفيَانَ الثَّقَفِيَّةُ

وَكَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ بَشَّرَ بِهِ وَذَكَرَهُ وَذَكَرَ عَدلَهُ..

فقدرَوَى البَيهَقِيُّ عَن نَافِعٍ. قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ قَالَ: إِنَّ مِن وَلَدِي رَجُلًا بِوَجهِهِ شَجٌّ يَلِي فَيَملَأُ الأَرضَ عَدلًا. قَالَ نَافِعٌ: وَلَا أَحسَبُهُ إِلَّا عُمَرَ بنَ عَبدِ العَزِيزِ. وَرَوَاهُ مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ عَن عُبَيدِ اللهِ عَن نَافِعٍ. وَقَالَ: كَانَ ابنُ عُمَرَ يَقُولُ: لَيتَ شِعرِي مَن هَذَا الَّذِي مِن وَلَدِ عُمَرَ فِي وَجهِهِ عَلَامَةٌ يَملَأُ الأَرضَ عَدلًا؟

ويروى عن عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فِي رَوضَةٍ خَضرَاءَ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّكَ سَتَلِي أَمرَ أُمَّتِى فَزَع عَنِ الدَّمِ، فَزَع عَنِ الدَّمِ، فَإِنَّ اسمَكَ فِي النَّاسِ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ، وَاسمُكَ عِندَ اللهِ جَابِرٌ».

وَرَوَى أَبُو بَكرِ بنُ المُقرِيِّ عَن رِيَاحِ بنِ عَبِيدَةَ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ إِلَى الصَّلَاةِ وَشَيخٌ مُتَوَكِّئٌ عَلَى يَدِهِ، فَلَمَّا صَلَّى وَدَخَلَ لَحِقتُهُ فَقُلتُ: أَصلَحَ اللهُ الأَمِيرَ، مَن هَذَا الشَّيخُ ؟ فَقَالَ: يَا رِيَاحُ رَأَيتَهُ؟ قُلتُ: نَعَم! قَالَ: مَا أَحسَبُكَ يَا رِيَاحُ إِلَّا رَجُلًا صَالِحًا، ذَاكَ أَخِي الخَضِرُ أَتَانِي فَأَعلَمَنِي أَنِّي سَأَلِي أَمرَ هَذِهِ الأُمَّةِ وَأَنِّي سَأَعدِلُ فِيهَا.

وَيُروَى أَنَّ سُلَيمَانَ بنَ عَبدِ المَلِكِ لَمَّا حَضَرَتهُ الوَفَاةُ أَرَادَ أَن يَعهَدَ إِلَى بَعضِ أَولَادِهِ، فَصَرَفَهُ وَزِيرُهُ الصَّالِحُ رَجَاءُ بنُ حَيوَةَ عَن ذَلِكَ، وَمَا زَالَ بِهِ حَتَّى عَهِدَ إِلَى عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ مِن بَعدِهِ..

وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبدِ العَزِيزِ لَمَّا رَجَعَ مِن جِنَازَةِ سُلَيمَانَ أُتِيَ بِمَرَاكِبِ الخِلَافَةِ لِيَركَبَهَا فَامتَنَعَ مِن ذَلِكَ.

ثُمَّ قَالَ: مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ، قَدِّمُوا إِلَيَّ بَغلَتِي، ثُمَّ أَمَرَ بِبَيعِ تِلكَ المَرَاكِبِ وَكَانَت مِنَ الخُيُولِ الجِيَادِ المُثَمَّنَةِ، فَبَاعَهَا وَجَعَلَ أَثمَانَهَا فِي بَيتِ المَالِ. قَالُوا: وَلَمَّا رَجَعَ مِنَ الجِنَازَةِ وَقَد بَايَعَهُ النَّاسُ وَاستَقَرَّتِ الخِلَافَةُ بِاسمِهِ انقَلَبَ وَهُوَ مُغتَمٌّ مَهمُومٌ، فَقَالَ لَهُ مَولَاهُ مُزَاحِمٌ: مَالَكَ هَكَذَا مُغتَمًّا مَهمُومًا وَلَيسَ هَذَا بِوَقتِ هَذَا؟ فَقَالَ: وَيحَكَ، وَمَا لِي لَا أَغتَمُّ وَلَيسَ أَحَدٌ مِن أَهلِ المَشَارِقِ وَالمَغَارِبِ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ إِلَّا وَهُوَ يُطَالِبُنِي بِحَقِّهِ أَن أُؤَدِّيَهُ إِلَيهِ، كَتَبَ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ أَو لَم يَكتُب، طَلَبَهُ مِنِّي أَو لَم يَطلُب. قَالُوا: ثُمَّ إِنَّهُ خَيَّرَ امرَأَتَهُ فَاطِمَةَ بَينَ أَن تُقِيمَ مَعَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرَاغَ لَهُ إِلَيهَا، وَبَينَ أَن تَلحَقَ بِأَهلِهَا، فَبَكَت و اختَارَت مُقَامَهَا مَعَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ رَحِمَهَا اللهُ.

وَرَوَى أَبُو بَكرِ بنُ أَبِي الدُّنيَا عَن عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فِي النَّومِ وَهُوَ يَقُولُ: «ادنُ يَا عُمَرُ»، فَدَنَوتُ فَقَالَ: «إِذَا وَلِيتَ فَاعمَل نَحوًا مِن عَمَلِ هَذَينِ»، فَإِذَا كَهلَانِ قَدِ اكتَنَفَاهُ، فَقُلتُ: وَمَن هَذَانِ؟ قَالَ: «هَذَا أَبُو بَكرٍ وَهَذَا عُمَرُ».

وَأَجمَعَ العُلَمَاءُ قَاطِبَةً عَلَى أَنَّهُ مِن أَئِمَّةِ العَدلِ وَأَحَدِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالأَئِمَّةِ المَهدِيِّينَ. وَقَدِ اجتَهَدَ رَحِمَهُ اللهُ فِي مُدَّةِ وِلَايَتِهِ -مَعَ قِصَرِهَا- حَتَّى رَدَّ المَظَالِمَ، وَصَرَفَ إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَكَانَ مُنَادِيهِ فِي كُلِّ يَومٍ يُنَادِي: أَينَ الغَارِمُونَ؟ أَينَ النَّاكِحُونَ؟ أَينَ المَسَاكِينُ؟ أَينَ اليَتَامَى؟ حَتَّى أَغنَى كُلًّا مِن هَؤُلَاءِ.

وَقَالَت زَوجَتُهُ فَاطِمَةُ: دَخَلتُ يَومًا عَلَيهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي مُصَلَّاهُ وَاضِعًا خَدَّهُ عَلَى يَدِهِ وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى خَدَّيهِ، فَقُلتُ: مَالَكَ؟ فَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ، قَد وُلِّيتُ مِن أَمرِ هَذِهِ الأُمَّةِ مَا وُلِّيتُ، فَتَفَكَّرتُ فِي الفَقِيرِ الجَائِعِ، وَالمَرِيضِ الضَّائِعِ، وَالعَارِي المَجهُودِ، وَاليَتِيمِ المَكسُورِ، وَالأَرمَلَةِ الوَحِيدَةِ، وَالمَظلُومِ المَقهُورِ، وَالغَرِيبِ، وَالأَسِيرِ، وَالشَّيخِ الكَبِيرِ، وَذِي العِيَالِ الكَثِيرِ، وَالمَالِ القَلِيلِ، وَأَشبَاهِهِم فِي أَقطَارِ الأَرضِ وَأَطرَافِ البِلَادِ، فَرَحِمتُ نَفسِي فَبَكَيتُ.

وَقَالَ مَالِكُ بنُ دِينَارٍ: يَقُولُونَ مَالِكٌ زَاهِدٌ، أَيُّ زُهدٍ عِندِي؟ إِنَّمَا الزَّاهِدُ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ، أَتَتهُ الدُّنيَا فَاغِرَةً فَاهَا فَتَرَكَهَا جُملَةً. قَالُوا: وَلَم يَكُن لَهُ سِوَى قَمِيصٍ وَاحِدٍ، فَكَانَ إِذَا غَسَلُوهُ جَلَسَ فِي المَنزِلِ حَتَّى يَيبَسَ. وَدَخَلَ عَلَى امرَأَتِهِ يَومًا فَسَأَلَهَا أَن تُقرِضَهُ دِرهَمًا أَو فُلُوسًا يَشتَرِي لَهُ بِهَا عِنَبًا، فَلَم يَجِد عِندَهَا شَيئًا، فَقَالَت لَهُ: أَنتَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ وَلَيسَ فِي خِزَانَتِكَ مَا تَشتَرِي بِهِ عِنَبًا؟ فَقَالَ: هَذَا أَيسَرُ مِن مُعَالَجَةِ الأَغلَالِ وَالأَنكَالِ غَدًا فِي نَارِ جَهَنَّمَ. قَالُوا: وَبَعَثَ يَومًا غُلَامَهُ لِيَشوِيَ لَهُ لَحمَةً فَجَاءَهُ بِهَا سَرِيعًا مَشوِيَّةً، فَقَالَ: أَينَ شَوَيتَهَا؟ قَالَ: فِي المَطبَخِ، فَقَالَ: فِي مَطبَخِ المُسلِمِينَ؟ قَالَ: نَعَم. فَقَالَ: كُلهَا فَإِنِّي لَم أُرزَقهَا، هِيَ رِزقُكَ. وَسَخَّنُوا لَهُ المَاءَ فِي المَطبَخِ العَامِّ فَرَدَّ بَدَلَ ذَلِكَ بِدِرهَمٍ حَطَبًا.

(هَذَا الَّذِي نَتَكَلَّمُ عَنهُ هُوَ حَاكِمُ أَكبَرِ البِلَادِ فِي تِلكَ الأَيَّامِ، أَكبَرُ دُوَلِ الدُّنيَا هُوَ كَانَ خَلِيفَةً عَلَيهَا، مِنَ الصِّينِ شَرقًا إِلَى الأَندَلُسِ غَربًا، فَالأَندَلُسُ كَانَت ضِمنَ حُكمِهِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَلَا يَجِدُ دِرهَمًا يَشتَرِي بِهِ عِنَبًا، حَتَّى قِيلَ: أَغنَى عُمَرُ النَّاسَ، فَرَضِيَ اللهُ عَنهُ، لَم يَكُن يُوجَدُ فِي أَيَّامِهِ فَقِيرٌ فِي كُلِّ تِلكَ الرُّقعَةِ مِنَ البِلَادِ إِلَّا هُوَ وَزَوجَتُهُ وَأَولَادُهُ، وَتَحَقَّقَت فِيهِ بِشَارَةُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وَالبِشَارَةُ النَّبَوِيَّةُ أَنَّ المَالَ يَفِيضُ فِي زَمَانِهِ فَيُوَزَّعُ المَالُ وَلَا يَجِدُونَ لَهُ طَالِبًا وَمَن يَقبَلُهُ، جَزَاهُ اللهُ عَنِ المُسلِمِينَ خَيرَ الجَزَاءِ).

وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيدٍ عَن مُوسَى بنِ أَيمَنَ الرَّاعِي وَكَانَ يَرعَى الغَنَمَ لِمُحَمَّدِ بنِ عُيَينَةَ: كَانَتِ الأَسَدُ وَالغَنَمُ وَالوَحشُ تَرعَى فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ فِي مَوضِعٍ وَاحِدٍ، فَعَرَضَ ذَاتَ يَومٍ لِشَاةٍ مِنهَا ذِئبٌ فَقُلتُ: إِنَّا للهِ، مَا أَرَى الرَّجُلَ الصَّالِحَ إِلَّا قَد هَلَكَ. قَالَ فَحَسَبنَاهُ فَوَجَدنَاهُ قَد هَلَكَ فِي تِلكَ اللَّيلَةِ.

وَقَالَتِ امرَأَتُهُ فَاطِمَةُ: مَا رَأَيتُ أَحَدًا أَكثَرَ صَلَاةً وَصِيَامًا مِنهُ، وَلَا أَحَدًا أَشَدَّ خَوفًا مِن رَبِّهِ مِنهُ، كَانَ يُصَلِّي العِشَاءَ ثُمَّ يَجلِسُ يَبكِى حَتَّى تَغلِبَهُ عَينَاهُ، قَالَت: وَلَقَد كَانَ يَكُونُ مَعِي فِي الفِرَاشِ فَيَذكُرُ الشَّيءَ مِن أَمرِ الآخِرَةِ فَيَنتَفِضُ كَمَا يَنتَفِضُ العُصفُورُ فِي المَاءِ، وَيَجلِسُ يَبكِي، فَأَطرَحُ عَلَيهِ اللِّحَافَ رَحمَةً لَهُ، وَأَنَا أَقُولُ: يَا لَيتَ كَانَ بَينَنَا وَبَينَ الخِلَافَةِ بُعدَ المَشرِقَينِ، فَوَاللهِ مَا رَأَينَا سُرُورًا مُنذُ دَخَلنَا فِيهَا.

وَرُوِيَ فِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَبعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَن يُجَدِّدُ لَهَا أَمرَ دِينِهَا». فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِن أَهلِ العِلمِ مِنهُم أَحمَدُ بنُ حَنبَلٍ فِيمَا ذَكَرَهُ ابنُ الجَوزِيِّ وَغَيرُهُ: إِنَّ عُمَرَ بنَ عَبدِ العَزِيزِ كَانَ عَلَى رَأسِ المِائَةِ الأُولَى، وَإِن كَانَ هُوَ أَولَى مَن دَخَلَ فِي ذَلِكَ وَأَحَقَّ، لِإِمَامَتِهِ وَعُمُومِ وِلَايَتِهِ، وَقِيَامِهِ وَاجتِهَادِهِ فِي تَنفِيذِ الحَقِّ، فَقَد كَانَت سِيرَتُهُ شَبِيهَةً بِسِيرَةِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، وَكَانَ كَثِيرًا مَا تَشَبَّهَ بِهِ. وَقَد رَدَّ جَمِيعَ المَظَالِمِ وَخَرَجَ مِن جَمِيعِ مَا كَانَ فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ فِي المَلبَسِ وَالمَأكَلِ وَالمَتَاعِ، حَتَّى إِنَّهُ تَرَكَ التَّمَتُّعَ بِزَوجَتِهِ الحَسنَاءِ، فَاطِمَةِ بِنتِ عَبدِ المَلِكِ، يُقَالُ كَانَت مِن أَحسَنِ النِّسَاءِ. وَكَانَ لَهُ مِنَ الأَولَادِ جَمَاعَةٌ، وَكَانَ ابنُهُ عَبدُ المَلِكِ أَجَلَّهُم، فَمَاتَ فِي حَيَاتِهِ فِي زَمَنِ خِلَافَتِهِ، حَتَّى يُقَالَ إِنَّهُ كَانَ مِن بَعضِ الوُجُوهِ خَيرًا مِن أَبِيهِ، فَلَمَّا مَاتَ لَم يَظهَر عَلَيهِ حُزنٌ، وَقَالَ: أَمرٌ رَضِيَهُ اللهُ فَلَا أَكرَهُهُ،

أَمَّا وَفَاتُهُ رَضِيَ اللهُ عَنهُ كَانَ سَبَبُهَا السُّلَّ، وَقِيلَ سَبَبُهَا أَنَّ مَولًى لَهُ سَمَّهُ فِي طَعَامٍ أَو شَرَابٍ وَأُعطِيَ عَلَى ذَلِكَ أَلفَ دِينَارٍ، فَحَصَلَ لَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَرَضٌ فَأُخبِرَ أَنَّهُ مَسمُومٌ، فَقَالَ: لَقَد عَلِمتُ يَومَ سُقِيتُ السُّمَّ، ثُمَّ استَدعَى مَولَاهُ الَّذِي سَقَاهُ، فَقَالَ لَهُ: وَيحَكَ!! مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعتَ؟ فَقَالَ: أَلفُ دِينَارٍ أُعطِيتُهَا. فَقَالَ: هَاتِهَا، فَأَحضَرَهَا فَوَضَعَهَا فِي بَيتِ المَالِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اذهَب حَيثُ لَا يَرَاكَ أَحَدٌ فَتَهلِكَ.

فَقِيلَ لَهُ: هَؤُلَاءِ بَنُوكَ -وَكَانُوا اثنَي عَشَرَ- أَلَا تُوصِي لَهُم بِشَيءٍ فَإِنَّهُم فُقَرَاءُ؟ فَقَالَ: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ وَاللهِ لَا أَعطَيتُهُم حَقَّ أَحَدٍ، وَهُم بَينَ رَجُلَينِ إِمَّا صَالِحٌ فاللهُ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَإِمَّا غَيرُ صَالِحٍ فَمَا كُنتُ لِأُعِينَهُ عَلَى فِسقِهِ. ومَا كُنتُ لِأَفعَلَ.

قَالَ الرَّاوِيُّ: لَقَد رَأَينَا بَعضَ أَولَادِ عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ يَحمِلُ عَلَى ثَمَانِينَ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكَانَ بَعضُ أَولَادِ سُلَيمَانَ بنِ عَبدِ المَلِكِ- مَعَ كَثرَةِ مَا تَرَكَ لَهُم مِنَ الأَموَالِ- يَتَعَاطَى وَيَسأَلُ مِن أَولَادِ عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ، لِأَنَّ عُمَرَ وَكَلَ وَلَدَهُ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسُلَيمَانُ وَغَيرُهُ إِنَّمَا يَكِلُونَ أَولَادَهُم إِلَى مَا يَدَعُونَ لَهُم، فَيَضِيعُونَ وَتَذهَبُ أَموَالُهُم فِي شَهَوَاتِ أَولَادِهِم.

وَلَمَّا احتُضِرَ قَالَ: أَجلِسُونِي، فَأَجلَسُوهُ فَقَالَ: إِلَهِي أَنَا الَّذِي أَمَرتَنِي فَقَصَّرتُ، وَنَهَيتَنِي فَعَصَيتُ، ثَلَاثًا، وَلَكِن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَأَحَدَّ النَّظَرَ، فَقَالُوا: إِنَّكَ لَتَنظُرُ نَظَرًا شَدِيدًا يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، فَقَالَ: إِنِّي لَأَرَى حَضَرَةً مَا هُم بِإِنسٍ وَلَا جَانٍّ، ثُمَّ قُبِضَ مِن سَاعَتِهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ قَالَ لِأَهلِهِ: اخرُجُوا عَنِّي، فَخَرَجُوا وَجَلَسَ عَلَى البَابِ مَسلَمَةُ بنُ عَبدِ المَلِكِ وَأُختُهُ فَاطِمَةُ، فَسَمِعُوهُ يَقُولُ: مَرحَبًا بِهَذِهِ الوُجُوهِ الَّتِي لَيسَت بِوُجُوهِ إِنسٍ وَلَا جَانٍّ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُها لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرضِ وَلا فَسادًا وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ﴾ ثُمَّ هَدَأَ الصَّوتُ فَدَخَلُوا عَلَيهِ فَوَجَدُوهُ قَد غُمِّضَ وَسُوِّيَ إِلَى القِبلَةِ وَقُبِضَ.

وَقَالَ أَبُو بَكرِ بنُ أَبِي شَيبَةَ: ثَنَا عَبدُ المَلِكِ بنُ عَبدِ العَزِيزِ عَنِ الدَّرَاوَردِيِّ عَن عَبدِ العَزِيزِ بنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عُمَرَ بنَ عَبدِ العَزِيزِ لَمَّا وُضِعَ عِندَ قَبرِهِ هَبَّت رِيحٌ شَدِيدَةٌ، فَسَقَطَت صَحِيفَةٌ بِأَحسَنِ كِتَابٍ فَقَرَءُوهَا فَإِذَا فِيهَا: بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ لِعُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ مِنَ النَّارِ.

وَقَالَ رَجَاءُ بنُ حَيوَةَ: كَانَ عُمَرُ بنُ عَبدِ العَزِيزِ قَد أَوصَى إِلَيَّ أَن أُغَسِّلَهُ وَأُكَفِّنَهُ، فَإِذَا حَلَلتُ عُقدَةَ الكَفَنِ أَن أَنظُرَ فِي وَجهِهِ، فَفَعَلتُ فَإِذَا وَجهُهُ مِثلُ القَرَاطِيسِ بَيَاضًا، وَكَانَ قَد أَخبَرَنِي أَنَّهُ كُلُّ مَن دَفَنَهُ قَبلَهُ مِنَ الخُلَفَاءِ كَانَ يَحُلُّ عَن وُجُوهِهِم فَإِذَا هِيَ مُسوَدَّةٌ. وَقَد رُئِيَت لَهُ مَنَامَاتٌ صَالِحَةٌ، وَتَأَسَّفَ عَلَيهِ الخَاصَّةُ وَالعَامَّةُ، لَا سِيَّمَا العُلَمَاءُ وَالزُّهَّادُ وَالعُبَّادُ. وَكَانَ عُمُرُهُ يَومَ مَاتَ تِسعًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَأَشهُرًا، وقيل غير ذلك. وَكَانَت خِلَافَتُهُ سَنَتَينِ وَخَمسَةَ أَشهُرٍ وَأَربَعَةَ أَيَّامٍ.

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَصَلَت بَعدَ زَمَانِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

فَقدُ الصَّحَابَةِ رِضوَانُ اللهِ عَنهُم
رَوَى الإِمَامُ أَحمَدُ عَن عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُلتَمَسَ الرَّجُلُ مِن أَصحَابِي كَمَا تُلتَمَسُ الضَّالَّةُ فَلَا تُوجَد».

الصَّاحِبُ لُغَةً: هُوَ مَن بَينَكَ وَبَينَهُ مُوَاصَلَةٌ وَمُدَاخَلَةٌ، وَالمُرَادُ بِهِ هُنَا مَن لَقِيَ النَّبِيَّ عَلَى سَبِيلِ العَادَةِ بَعدَ النُّبُوَّةِ وَقَبلَ وَفَاتِهِ ﷺ مُؤمِنًا بِهِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ، فَخَرَجَ بِذَلِكَ مَنِ ارتَدَّ وَمَاتَ كَافِرًا كَابنِ خَطَلٍ.

وَيُعَدُّ صَحَابِيًّا وَلَو كَانَ مِنَ الجِنِّ، وَلَو كَانَ دُونَ التَّميِيزِ، وَكَذَلِكَ مَن طَالَت مُجَالَسَتُهُ لَهُ أَو قَصُرَت أَو لَم يُجَالِسهُ، وَمَن رَوَى عَنهُ أَو لَم يَروِ، وَمَن غَزَا مَعَهُ أَو لَم يَغزُ، وَمَن رَءَاهُ رُؤيَةً وَمَن لَم يَرَهُ لِعَارِضٍ كَالعَمَى. وَفِي ذَلِكَ قَالَ الحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي أَلفِيَّتِهِ فِي مُصطَلَحِ الحَدِيثِ:

حَدُّ الصَّحَابِي مُسلِمٌ لَاقَى الرَّسُول *** وَإِن بِلَا رِوَايَةٍ عَنهُ وَطُول

وَلَا يُشتَرَطُ البُلُوغُ وَإِلَّا لَخَرَجَ مَن أُجمِعَ عَلَى عَدِّهِ فِي الصَّحَابَةِ، كَالحَسَنِ وَالحُسَينِ وَابنِ الزُّبَيرِ وَنَحوِهِم، كمَا لَا يُشترَطُ التَّميِيزُ وَإِن كَانَ قدِ اشترَطَهُ بَعضُ العُلَمَاءِ.

وَأَمَّا حَصرُ الصَّحَابَةِ بِالعَدِّ وَالإِحصَاءِ عَلَى التَّحدِيدِ فَقَد تَعَذَّرَ بِسَبَبِ تَفَرُّقِهِم فِي البُلدَانِ، وَلَكِن جَاءَ ضَبطُهُم عَلَى التَّقرِيبِ فِي أَنَّهُم حَضَرُوا بَعضَ المَشَاهِدِ فِي ءَاخِرِ حَيَاةِ النَّبِيِّ ﷺ كَغَزوَةِ تَبُوكَ، وَحَجَّةِ الوَدَاعِ، فَرُوِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَاتَ وَعِدَّةُ الصَّحَابَةِ مِاَئةُ أَلفٍ وَأَربَعَةَ عَشَرَ أَلفًا، كَذَا نُقِلَ عَنِ الصَّحَابِيِّ كَعبِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.

وَتَجِبُ مَحَبَّةُ الصَّحَابَةِ بمعنى تَعظِيمِهِم لِأَنَّهُم أَنصَارُ دِينِ اللهِ، وَلا سِيَّمَا السَّابِقِينَ الأَوَّلِينَ مِنهُم مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ، وَالمَعنَى أَنَّهُ تَجِبُ مَحَبَّتُهُم مِن حَيثُ الإِجمَالُ وَلَيسَ المَعنَى أَنَّهُ يَجِبُ مَحَبَّةُ كُلِّ فَردٍ مِنهُم.

فَهَؤُلَاءِ السَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ المَذكُورُونَ جَعَلَ اللهُ لَهُم فَضلَ الصُّحبَةِ وَالتُّقَى وَنُصرَةِ الإِسلَامِ وَالمُسلِمِينَ، وَهَؤُلَاءِ لَهُم فَضلٌ وَمَنزِلَةٌ فِي دِينِ اللهِ،

وَفِي البُخَارِيِّ عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «‌خَيرُ ‌النَّاسِ قَرنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم».

وَاتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى آخِرِ الصَّحَابَةِ مَوتًا عَلَى الإِطلَاقِ، قَالَ الإِمَامُ مُسلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: مَاتَ ‌أَبُو ‌الطُّفَيلِ سَنَةَ مِائَةٍ، وَكَانَ آخِرَ مَن مَاتَ مِن أَصحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ.اهـ

وَفِي البُخَارِيِّ أَنَّ عَبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ ﷺ العِشَاءَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ: أَرَأَيتَكُم لَيلَتَكُم هَذِهِ، فَإِنَّ ‌رَأسَ ‌مِائَةِ سَنَةٍ مِنهَا لَا يَبقَى مِمَّن هُوَ عَلَى ظَهرِ الأَرضِ أَحَدٌ».

يعني أخْبَرَهم أَنَّه لا يَبقى على ظَهرِ الأرضِ بَعدَ مرورِ مئةِ سَنةٍ أحدٌ مِمَّن كان حيًّا في هذه اللَّيلةِ، وهذا ما كان، فعلى الرَّغمِ مِن أنَّ بعضَ النَّاسِ عُمِّرَ إلى سِنٍّ كبيرٍ إلَّا أَنَّه لم يَبقَ أحدٌ حيًّا بعدَ مئةِ سَنةٍ مِن هذه اللَّيلةِ الَّتي حدَّثَهمُ النبيُّ ﷺ فيها بذلك، وفي ذلك وَعْظٌ لهم بِقِصَرِ أَعمارِهم، فأعلَمَهم أنَّه لَيستْ تُطولُ أعمارُهم كأعمارِ مَن تَقدَّم مِنَ الأُممِ؛ لِيَجتهِدوا في العِبادةِ. وفي الحديثِ: عَلامةٌ مِن عَلاماتِ نُبوَّتِه ﷺ.

وَاختَلَفُوا بِتَارِيخِ وَتَحدِيدِ مَن مَاتَ مِنهُم فِي البِلَادِ حِينَ سَكَنُوهَا بَعدَ انتِشَارِ الفُتُوحَاتِ الإِسلَامِيَّةِ، فَقِيلَ: إِنَّ:

آخِرَ مَن مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ العَشَرَةِ المُبَشَّرِينَ بِالجَنَّةِ: سَعدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، تُوُفِّيَ بِالمَدِينَةِ سَنَةَ 55 هِجرِيَّةٍ.

وَآخِرَ مَن مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا غَزوَةَ بَدرٍ: أَبُو اليَسَرِ كَعبُ بنُ عَمرٍو الأَنصَارِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، تُوُفِّيَ بِالمَدِينَةِ سَنَةَ 55 هِجرِيَّةٍ.

وَآخِرَ مَن مَاتَ مِن أُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ زَوجَاتِ النَّبِيِّ ﷺ: أُمُّ سَلَمَةَ المَخزُومِيَّةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا، تُوُفِّيَت بِالمَدِينَةِ سَنَةَ 62 هِجرِيَّةٍ.

وَآخِرَ مَن مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَهِدُوا بَيعَةَ العَقَبَةِ: جَابِرُ بنُ عَبدِ اللهِ الأَنصَارِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، تُوُفِّيَ سَنَةَ 78 هِجرِيَّةٍ.

وَآخِرَ مَن مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَهلِ بَيعَةِ الرِّضوَانِ: عَمرُو بنُ حُرَيثٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، تُوُفِّيَ فِي مَكَّةَ سَنَةَ 85 هِجرِيَّةٍ.

وَآخِرَ مَن مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ صَلَّوُا القِبلَتَينِ: عَبدُ اللهِ بنُ بُسرٍ المَازِنِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، تُوُفِّيَ بِالشَّامِ سَنَةَ 88 هِجرِيَّةٍ.

وَآخِرَ الصَّحَابَةِ مَوتًا بِالمَدِينَةِ مِمَّن لَهُم رِوَايَةٌ كَثِيرَةٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: سَهلُ بنُ سَعدٍ السَّاعِدِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا، تُوُفِّيَ سَنَةَ 88 هِجرِيَّةً.

وَآخِرَ الصَّحَابَةِ مَوتًا بِالمَدِينَةِ مِمَّن رَأَى النَّبِيَّ ﷺ فِي صِغَرِهِ: مَحمُودُ بنُ الرَّبِيعِ الخَزرَجِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، تُوُفِّيَ سَنَةَ 99 هِجرِيَّةٍ.

وَآخِرَ مَن مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ المُكثِرِينَ مِنَ الحَدِيثِ: أَنَسُ بنُ مَالِكٍ الأَنصَارِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ خَادِمُ النَّبِيِّ ﷺ، مَاتَ بِالبَصرَةِ سَنَةَ 93 هِجرِيَّةٍ.اهـ

فَأَمَّا فَضلُ الصَّحَابَةِ فَلَا يُشَكُّ فِيهِ، إِذ لَهُم صَبرٌ عَلَى الحَقِّ لا يُشَارِكُهُم فِيهِ أَحَدٌ. فَقَد كَانَ بِلَالٌ يُعَذَّبُ فِي الرَّمضَاءِ وَيَقُولُونَ لَهُ قُلِ: اللَّاتُ وَالعُزَّى. وَهُوَ يَقُولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ.

وَكَانَ عَمُّ الزُّبَيرِ يُعَلِّقُ الزُّبَيرَ وَيُدَخِّنُ عَلَيهِ بِالنَّارِ وَيَقُولُ: ارجِع إِلَى الكُفرِ، فَيَقُولُ: لا أَرجِعُ.

وَجَاءَ عَن بَعضِ أَصحَابِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: صَلَّيتُ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ صَلَاةَ الفَجرِ، فَلَمَّا سَلَّمَ انفَتَلَ عَن يَمِينِهِ ثُمَّ مَكَثَ كَأَنَّ عَلَيهِ كَآبَةً، فقَلَّبَ يَدَهُ فَقَالَ: وَاللهِ لَقَد رَأَيتُ أَصحَابَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَمَا أَرَى اليَومَ أَحَدًا يُشبِهُهُم، لَقَد كَانُوا يُصبِحُونَ شُعثًا غُبرًا قَد بَاتُوا للهِ سُجَّدًا وَقِيَامًا يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ، يُرَاوِحُونَ بَينَ جِبَاهِهِم وَأَقدَامِهِم، فَإِذَا أَصبَحُوا فَذَكَرُوا اللهَ مَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ فِي يَومِ الرِّيحِ، وَهَمَلَت أَعيُنُهُم حَتَّى تَبُلَّ ثِيَابَهُم، وَاللهِ لَكَأَنَّ القَومَ بَاتُوا غَافِلِينَ. ثُمَّ نَهَضَ فَمَا رُئِيَ بَعدَ ذَلِكَ يَضحَكُ حَتَّى ضَرَبَهُ ابنُ مُلجَمٍ.

لَقَد كَانَت قُلُوبُهُم رَضِيَ اللهُ عَنهُم بِالحَقِّ مُتَعَلِّقَةً، وَأَنوَارُهُم عَلَى الظَّوَاهِرِ مُتَأَلِّقَةً، عَلِمُوا أَنَّ الدُّنيَا مَتَاعٌ يَفنَى فَعَبَرُوهَا، وَمَا عَمَرُوهَا طَرَقَ الوَعظُ أَسمَاعَهُم فَتَلَمَّحُوا المَعنَى، لَا كِبرَ عِندَهُم، تَرَاهُم بَينَ المَسَاكِينِ وَالزَّمنَى، لَو تَأَمَّلتَهُم رَأَيتَ ضُلُوعًا عَلَى المَحَبَّةِ تُحنَى، حَلَفَ صَادِقُهُم عَلَى هَجرِ الهَوَى فَلا وَاللهِ مَا استَثنَى، وَأَقبَلُوا عَلَى قَدَمِ الفَقرِ فَلَمَّا رَآهُم أَغنَى، ذَكَرُوا الجَنَّةَ فَاشتَاقُوا وَلَا شَوقَ قَيسٍ إِلَى لَيلَى، حَتَّى اشتَاقَتِ الجَنَّةُ لِبَعضِهِم، فَقَد قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اشتَاقَتِ الجَنَّةُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ وَسَلمَانَ».

كَانُوا يَصبِرُونَ عَلَى المَجَاعَةِ، وَيُخلِصُونَ الطَّاعَةَ، وَلا يُضَيِّعُونَ سَاعَةً، فَيَا فَخرَهُم إِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ. وَقَد جَاءَ عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: لَقَد رَأَيتُ سَبعِينَ رَجُلًا مِن أَهلِ الصُّفَّةِ مَا مِنهُم رَجُلٌ عَلَيهِ رِدَاءٌ، إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ، قَد رَبَطُوا فِي أَعنَاقِهِم فَمِنهَا مَا يَبلُغُ نِصفَ السَّاقَينِ وَمِنهَا مَا يَبلُغُ الكَعبَينِ، فَيَجمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أَن تُرَى عَورَتُهُ.

وَفِي الصَّحِيحَينِ مِن حَدِيثِ سَعدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: كُنَّا نَغزُو مَعَ النَّبِيِّ ﷺ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلا وَرَقُ الحُبلَةِ وَهَذَا السَّمُرُ.

وَقَالَ سَعدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ: لَقِيتُ عَبدَ اللهِ بنَ جَحشٍ يَومَ أُحُدٍ فَقَالَ: يَا سَعدُ أَلا تَدعُو اللهَ عَزَّ وَجَلَّ؟ فَدَعَا عَبدُ اللهِ فَقَالَ: يَا رَبِّ إِذَا لَقِيتُ العَدُوَّ غَدًا فَلَقِّنِي رَجُلا شَدِيدًا بَأسُهُ أُقَاتِلُهُ فِيكَ وَيُقَاتِلُنِي ثُمَّ يَأخُذُنِي فَيُجَدِّعُ أَنفِي وَأُذُنِي، فَإِذَا لَقِيتُكَ غَدًا قُلتَ: يَا عَبدَ اللهِ مَن جَدَّعَ أَنفَكَ وَأُذُنَكَ؟ فَأَقُولُ: فِيكَ وَفِي رَسُولِكَ. فَتَقُولُ: صَدَقتَ. قَالَ سَعدٌ: فَلَقَد رَأَيتُهُ آخِرَ النَّهَارِ وَإِنَّ أَنفَهُ وَأُذُنَهُ لَمُعَلَّقَتَانِ فِي خَيطٍ.

هَؤُلَاءِ قَومٌ دُمُوعُهُم بِالأَحدَاقِ مُحَدِّقَةٌ، وَرُءُوسُهُم فِي الأَسحَارِ مُطرِقَةٌ، وَأَكُفُّهُم بِمَا تَسكُبُهُ فِي الخَيرِ مُنفِقَةٌ، وَنُفُوسُهُم بَعدَ الجِدِّ مِنَ اللَّومِ مُشفِقَةٌ. وَأَقبَلَ مُصعَبُ بن عُمَيرٍ يَومًا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَعَلَيهِ قِطعَةٌ مِن نَمِرَةٍ قَد وَصَلَهَا بِإِهَابٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَقَد رَأَيتُ هَذَا وَمَا بِمَكَّةَ فَتًى أَنعَمَ عِندَ أَبَوَيهِ مِنهُ، ثُمَّ أَخرَجَهُ مِن ذَلِكَ الرَّغبَةُ فِي حُبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ». وَلَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ فَقُتِلَ، وَلَم يُوجَد لَهُ كَفَنٌ إِلا نَمِرَةً كَانُوا إِذَا وَضَعُوهَا عَلَى رَأسِهِ خَرَجَت رِجلَاهُ، وَإِذَا وَضَعُوهَا عَلَى رِجلَيهِ خَرَجَ رَأسُهُ، فَجَعَلُوا عَلَى رِجلَيهِ شَيئًا مِنَ الإِذخِرِ.

ترتيب أفضلية الصحابة
وَأَوَّلُهُم فيِ الفَضلِ وَالخِلَافَةِ أَبُو بَكرٍ، ثُمَّ عُمَرُ كَذَلِكَ، ثُمَّ عُثمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنهُم أَجمَعِينَ..

ثُمَّ يَلِي الخُلَفَاءَ الأَربَعَةَ فِي الأَفضَلِيَّةِ رِجَالٌ كَرِيمُو النَّفسِ مَعرُوفُونَ بِحُسنِ الُمَعَاشَرَةِ وَصَفَاءِ السَّرِيرَةِ، وَهُم مُحسِنُونَ مُجمِلُونَ مُتَزَيِّنُونَ بِالأَخلَاقِ العَلِيَّةِ وَالمَحَاسِنِ المَرضِيَّةِ، وَهُم مِن حَيثُ العَدَدُ سِتٌّ مِنَ الرِّجَالِ المُبَشَّرُون بِالجَنَّةِ فِي حَدِيثٍ نَبَوِيٍّ وَاحِدٍ، وَنَصُّ الحَدِيثِ الَّذِي وَرَدَ فِيهِم: عَن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «عَشرَةٌ فِي الجَنَّةِ: أَبُو بَكرٍ فِي الجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وَعُثمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الجَنَّةِ، وَالزُّبَيرُ فِي الجَنَّةِ، وَطَلحَةُ فِي الجَنَّةِ، وَابنُ عَوفٍ فِي الجَنَّةِ، وَسَعدٌ فِي الجَنَّةِ، وَسَعِيدُ بنُ زَيدٍ فِي الجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرَّاحِ فِي الجَنَّةِ».

وَبَعدَ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي الفَضلِ أَهلُ غَزوَةِ بَدرٍ الكُبرَى، وَكَانُوا ثَلَاثَمائَةٍ وَثَلَاثَةَ أَو وَسَبعَةَ عَشَرَ رَجُلًا..

وَبَعدَ أَهلِ بَدرٍ فِي الفَضلِ وَالرُّتبَةِ أَهلُ أُحُدٍ..

وَيَلِي أَهلَ أُحُدٍ فِي الفَضلِ وَالرُّتبَةِ أَهلُ بَيعَةِ الرِّضوَانِ، وَكَانُوا أَلفًا وَخَمسَمائَةِ صَحَابِيٍّ، كُلُّهُم فِي الَجنَّةِ بِبِشَارَةِ النَّبِيِّ ﷺ لَهُم بِقَولِهِ: «لَا يَدخُلُ النَّارَ مَن شَهِدَ بَدرًا وَالحُدَيبِيَةَ» رَوَاهُ مُسلِمٌ.

السؤال الفقهي
شخص مفطر في نهار رمضان بغير عذر ما حكم إطعامه؟
لا يَجُوزُ إِطعَامُ المُكَلَّفِ غَيرِ المَعذُورِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَلا يَجُوزُ أَن يُمَكَّنَ مِنَ الطَّعَامِ، لِأَنَّهُ إِذَا أَكَلَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَلَيهِ مَعصِيَةٌ كَبِيرَةٌ، وَلا يَجُوزُ الإِعَانَةُ عَلَى المَعصِيَةِ لِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ﴾وَقَولِهِ ﷺ: «لا طَاعَةَ لِمَخلُوقٍ فِي مَعصِيَةِ الخَالِقِ»، رَوَاهُ أَحمَدُ فِي مُسنَدِهِ.

مختارات من الأدعية والأذكار
أدعية لرد الكيد وتفريج الهموم والكروب ولإبعاد الحرب والفتن عن بلاد المسلمين ودفع شر الظالمين بإذن الله رب العالمين
اللهم يَا وَلِيَّ نِعمَتِي وَمَلَاذِي عِندَ كُربَتِي، اجعَل نِقمَةَ الظَّالِمِينَ عَلَيَّ بَردًا وَسَلَامًا كَمَا جَعَلتَ النَّارَ بَردًا وَسَلَامًا عَلَى إِبرَاهِيمَ.

الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ

اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ بِأَسمَائِكَ الحُسنَى وَبِاسمِكَ العَظِيمِ الأَعظَمِ الَّذِي إِذَا سُئِلتَ بِهِ أَجَبتَ اللهم إِنَّا نَسأَلُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَءَاجِلِهِ مَا عَلِمنا مِنهُ وَمَا لَم نعلَم، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَءَاجِلِهِ مَا عَلِمنَا مِنهُ وَمَا لَم نَعلَم، وَنَسأَلُكَ الجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيهَا مِن قَولٍ أَو عَمَلٍ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيهَا مِن قَولٍ أَو عَمَلٍ، وَنسأَلُكَ مِمَا سَأَلَكَ بِهِ عَبدُكَ ونَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ ﷺ، وَنَعُوذُ بِكَ مِمَّا تَعَوَّذَ مِنهُ عَبدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ ﷺ، وَمَا قَضَيتَ لَنَا مِن قَضَاءٍ فَاجعَل عَاقِبَتَهُ رَشَدًا.

اللهم اقسِم لَنَا مِن خَشيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَينَنَا وَبَينَ مَعَاصِيكَ، وَمِن طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَينَا مَصَائِبَ الدُّنيَا، اللهم مَتِّعنَا بِأَسمَاعِنَا، وَأَبصَارِنَا، وَقُوَّتِنَا مَا أَحيَيتَنَا، وَاجعَلهُ الوَارِثَ مِنَّا، وَاجعَل ثَأرَنَا عَلَى مَن ظَلَمَنَا، وَانصُرنَا عَلَى مَن عَادَانَا، وَلَا تَجعَل مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلَا تَجعَلِ الدُّنيَا أَكبَرَ هَمِّنَا، وَلَا مَبلَغَ عِلمِنَا، وَلَا تُسَلِّط عَلَينَا مَن لَا يَرحَمُنَا.

يَا لَطِيفًا بخَلقِهِ، يَا عَلِيمًا بخَلقِهِ يَا خَبِيرًا بخَلقِهِ الطُف بِنَا يَا لَطِيفُ يَا عَلِيمُ يَا خَبِيرُ

اللهم ارزُقنَا وَأَحبَابَنَا وَأَهلَنَا وَكُلَّ مَن سَأَلَنَا الدُّعَاءَ سُؤلَنَا مِنَ الخَيرِ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللهم ارزُقنَا رُؤيَةَ الحَبِيبِ مُحَمَّدٍ عَلَى صُورَتِهِ الأَصلِيَّةِ فِي المَنَامِ فِي هَذِهِ اللَّيلَةِ وَكُلَّ لَيلَةٍ وَزِدنَا حُبًّا بِهِ وَاجعَلنَا مِنَ الصَّالِحِينَ الصَّابِرِينَ وَأَجِرنَا مِنَ النَّارِ وَمِن عَذَابِ القَبرِ وَأَدخِلنَا الجَنَّةَ بِلَا سَابِقِ عَذَابٍ. اللهم اشفِ مَرضَانَا وَمَرضَى المُسلِمِينَ وَارحَم مَوتَانَا وَمَوتَى المُسلِمِينَ وَيَسِّر أُمُورَنَا وَفَرِّج كُرُوبَنَا وَارزُقنَا مِن حَيثُ لَا نَحتَسِبُ وَأَعِنَّا عَلَى أَدَاءِ الوَاجِبَاتِ وَاجتِنَابِ المُحَرَّمَاتِ وَتَركِ الكَسَلِ. اللهم سَهِّل عَلَينَا تَربِيَةَ أَولَادِنَا تَربِيَةً حَسَنَةً وَاجعَلهُم مِنَ الأَولِيَاءِ الصَّالِحِينَ.

اللهم انصُرِ المُسلِمِينَ عَلَى أَعدَائِهِم فِي غَزَّةَ وَفِلَسطِينَ وَاليَمَنِ وَالعِرَاقِ وَالصِّينِ وَفِي جَمِيعِ أَنحَاءِ العَالَمِ. اللهم ثَبِّت أَقدَامَهُم وَانصُرهُم عَلَى أَعدَائِهِم وَيَسِّر أَمرَهُم وَفَرِّج كَربَهُم وَاشفِ مَرضَاهُم وَارحَم مَوتَاهُم وَارزُقهُم مِن حَيثُ لَا يَحتَسِبُونَ. اللهم عَلَيكَ بِاليَهُودِ الغَاصِبِينَ وَاجعَل كَيدَهُم فِي نَحرِهِم اللهم ارزُقنَا رُؤيَةَ غَزَّةَ وَفِلَسطِينَ مُحَرَّرَةً وَاضرِبِ الكَافِرِينَ بِالكَافِرِينَ وَأَخرِجِ المُسلِمِينَ مِن بَينِهِم سَالِمِينَ..

اللهم ارفَعِ البَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالأَمرَاضَ عَنِ المُسلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا إِكرَامًا لِوَجهِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم تَوَفَّنَا عَلَى كَامِلِ الإِيمَانِ وَارزُقنَا شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَمَوتًا فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ ﷺ، وَاحشُرنَا عَلَى نُوقٍ رَحَائِلُهَا مِن ذَهَبٍ آمِنِينَ مُطمَئِنِّينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

اللهم انصُر عِبَادَكَ فِي فِلَسطِينَ وَسَخِّر لَهُمُ الأَرضَ وَمَن عَلَيهَا وَالسَّمَاءَ وَمَن فِيهَا. اللهم بِقُوَّتِكَ نَسأَلُكَ يَا اللهُ يَا سَمِيعُ يَا قَرِيبُ، يَا مُجِيبُ يَا مُنتَقِمُ يَا جَبَّارُ، يَا قَهَّارُ يَا عَظِيمَ القَهرِ أَن تَجعَلَ كَيدَ المُحتَلِّينَ فِي نَحرِهِم، وَاجعَل مَكرَهُم عَائِدًا إِلَيهِم.

رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ

اللهم أَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتَقَبَّل مِنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم اجعَلنَا مِن عُتَقَاءِ هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ وَمِنَ المَقبُولِينَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وَارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ. اللهم ارزُقنَا حُسنَ الخِتَامِ وَالمَوتَ عَلَى دِينِكَ دِينِ الإِسلَامِ وَرُؤيَةَ سَيِّدِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.

وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

 

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …