أشراط الساعة (١٨) | لماذا حذر النبي ﷺ من “قرن الشيطان” في آخر الزمان؟

المقدمة

الحَمدُ لِلَّهِ فَاتِحِ أَبوَابِ المَقَالِ، وَمَانِحِ أَسبَابَ النَّوَالِ، وَمُلهِمِ جَوَابَ السُّؤَالِ، أَحمَدُهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حَمدًا يَستَغرِقُ البُكَرَ وَالآصَالَ، وَيَستَوعِبُ الأَمَاكِنَ وَيُضِيءُ الزَّمَنَ وَالأَطلَالَ، وَأَشهَدُ أَن لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا شَبِيهَ وَلَا مِثَالَ، وَلَا جَسَدَ وَلَا مَكَانَ لَهُ وَلَا يَجُوزُ عَلَيهِ الِانتِقَالُ وَالزَّوَال، رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا بَينَهُمَا الكَبِيرُ المُتَعَالِ، وَأَشهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ جَامِعُ صِفَاتِ الجَلَالِ وَالجَمَالِ، وَمَن أُوتِيَ فَصلَ المَقَالِ، ﷺ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ فُرسَانِ الجِلَادِ وَالجِدَالِ، مَا ارتَفَعَت لِلعُلَمَاءِ رَايَةٌ تُمَحِّصُ عَارِضَ الشُّكُوكِ وَالإِشكَالِ، وَعَلَى مَن سَارَ عَلَى دَربِهِم وَاقتَفَى أَثَرَهُم وَاستَنَّ بِسُنَّتِهِم إِلَى يَومِ الفَصلِ وَالمَآلِ، أَمَّا بَعدُ:

مِن عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الَّتِي أَخبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَحَصَلَت بَعدَ زَمَانِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

ظهور الفتن من المشرق وطلوع قرن الشيطان
رَوَى البُخَارِيُّ عَنِ ابنِ عُمَرَ ‏قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ‏ ﷺ:‏ «اللهم بَارِك لَنَا فِي شَأمِنَا وفِي يَمَنِنَا» قَالَ: قَالُوا: وَفِي ‏ نَجدِنَا؟ قَالَ: قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِك لَنَا فِي شَأمِنَا وفِي يَمَنِنَا» قَالَ: قَالُوا: وَفِي ‏نَجدِنَا؟ قَالَ: قَالَ: «هُنَاكَ الزَّلَازِلُ وَالفِتَنُ، وَبِهَا يَطلُعُ قَرنُ الشَّيطَانِ».اهـ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَامَ يَخطُبُ النَّاسَ فَقَالَ: «إِنَّ الفِتنَةَ هَهُنَا مِن حَيثُ يَطلُعُ قَرنُ الشَّيطَانِ» يَعنِي المَشرِقَ. وَفِي رِوَايَةٍ عَن سَالِمٍ عَن أَبِيهِ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَهُوَ عَلَى المِنبَرِ يَقُولُ: «أَلَا إِنَّ الفِتنَةَ (أَي الفِتنَةَ فِي الدِّينِ تَظهَرُ مِن هَذِهِ الجِهَةِ ابتِدَاءً) هُنَا» يُشِيرُ إِلَى المَشرِقِ (أَي إِلَى جِهَةِ الشَّرقِ بِالنِّسبَةِ لِلمَدِينَةِ المُنَوَّرَةِ فَيَكُونُ المَقصُودُ نَاحِيَةَ نَجدِ الحِجَازِ لَا نَجدِ العِرَاقِ) «مِن حَيثُ يَطلُعُ قَرنُ الشَّيطَانِ» (أَي حَيثُ يَظهَرُ حِزبُ الشَّيطَانِ وَأَتبَاعُهُ وَأَعوَانُهُ وَأَحبَابُهُ الَّذِينَ يُضِلُّونَ النَّاسَ وَيُوقِعُونَهُم فِي الكُّفرِ. وَقَالَ الشِّهَابُ الكَورَانِيُّ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الحَنَفِيُّ: «هُوَ مَجَازٌ عَن كَثرَةِ الفَسَادِ وَالشُّرُورِ، لِأَنَّ قَرنَ الحَيوَانِ سِلَاحُهُ وَالَّذِي بِه يُفسِدُ»).

(فَسَّرَ مُفتِي الشَّافِعِيَّةِ فِي الحِجَازِ قَبلَ أَكثَرَ مِن مِائَتَي سَنَةٍ تَقرِيبًا أَحمَدُ بنُ زَينِي دَحلَانَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فَسَّرَ هَذَا الحَدِيثَ وَغَيرَهُ مِن أَحَادِيثِ الفِتَنِ بِفِرقَةٍ ظَهَرَت مِن جِهَةِ المَشرِقِ فِي بِلَادِ الحِجَازِ وَكَفَّرَتِ المُسلِمِينَ وَاستَبَاحُوا قَتلَ المُسلِمِينَ وَقَالُوا عَنِ المُسلِمِينَ إِنَّهُم وَثَنِيُّونَ لِأَنَّهُم يَزُورُونَ قَبرَ النَّبِيِّ ﷺ، وَلِأَنَّهُم يَتَبَرَّكُونَ بِآثَارِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ ﷺ وَلِأَنَّهُم يَتَوَسَّلُونَ بِالأَنبِيَاءِ وَالأَولِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ.

وَالحَقِيقَةُ هِيَ أَنَّ العِبَادَةَ لَيسَتِ التَّوَسُّلَ وَالتَّوَسُّلَ لَيسَ العِبَادَةَ، فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحَرِّمُونَ التَّوَسُّلَ وَيَعتَبِرُونَهُ شِركًا مَا فَهِمُوا مَعنَى التَّوَسُّلِ فِي لُغَةِ العَرَبِ، وَهُم كَذَلِكَ أَسَاؤُوا الظَّنَّ بِالمُسلِمِينَ، يَقُولُونَ إِنَّ المُتَوَسِّلِينَ بِالأَنبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ يَعتَقِدُونَ أَنَّهُم يَخلُقُونَ مِن دُونِ اللهِ، فَكَفَّرُوهُم لِأَجلِ ذَلِكَ بِزَعمِهِم، حَتَّى قَالَ بَعضُهُم: أَبُو جَهلٍ وَأَبُو لَهَبٍ وَمَن عَلَى دِينِهِم مِنَ المُشرِكِينَ، كَانُوا يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَيُوَحِّدُونَهُ فِي الرُّبُوبِيَّةِ خَالِقًا وَرَازِقًا، مُحيِيًا وَمُمِيتًا، ضَارًّا وَنَافِعًا، لَا يُشرِكُونَ بِهِ فِي ذَلِكَ شَيئًا؟؟ لَيسَ هَذَا عَجِيبًا وَلَا غَرِيبًا، بَل هَذَا هُوَ الوَاقِعُ.اهـ

وَبَعدَهَا قَالَ: الدَّلِيلُ عَلَى تَوحِيدِ المُشرِكِينَ وَإِيمَانِهِم بِاللهِ، وَقَالَ: المُشرِكُونَ كَانُوا يَعتَرِفُونَ بِأَنَّ اللهَ خَالِقٌ رَازِقٌ مُحيٍي مُمِيتٌ، فَقَد قَالَ تَعَالَى مُؤَكِّدًا إِيمَانَ أُوَلئِكَ المُشرِكِينَ الأَوَّلِينَ بِهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى رَبًّا خَالِقًا وَرَازِقًا، وَمُحيِيًا وَمُمِيتًا، ضَارًّا وَنَافِعًا، قَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ المُشرِكِينَ: ﴿وَلَئِن سَأَلتَهُم مَن خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَسَخَّرَ الشَّمسَ وَالقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤفَكُونَ﴾

يَقُولُونَ التَّوحِيدُ ذَكَرَهُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ وَذَكَرَ الأَقسَامَ الثَّلَاثَةَ وَهُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى ذَكَرَ تَوحِيدَ الأُلُوهِيَّةِ وَتَوحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ وَتَوحِيدَ الأَسمَاءِ وَالصِّفَاتِ.

سَنَتَحَدَّثُ اليَومَ مُتَوَكِّلِينَ عَلَى البَارِئ جَلَّ وَعَزَّ مُستَمِدِّينَ مِنهُ العَونَ وَالسَّدَادَ وَالتَّوفِيقَ عَن بِدعَةِ القَولِ بِتَقسِيمِ التَّوحِيدِ، فَهَلِ التَّوحِيدُ يَنقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقسَامٍ كَمَا قَسَّمَهُ البَعضُ إِلَى تَوحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ وَتَوحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَتَوحِيدِ الأَسمَاءِ وَالصِّفَاتِ؟ سَيَكُونُ كَلَامُنَا اليَومَ بِإِذنِ اللهِ عَنِ التَّوحِيدِ لِأَنَّ السَّائِرِينَ نِيَامًا يَتَّهِمُونَنَا بِأَنَّنَا لَا نُعَلِّمُ النَّاسَ التَّوحِيدَ وَأَنَّنَا نَجهَلُ التَّوحِيدَ فَكَلَامُنَا اليَومَ عَنِ التَّوحِيدِ، بَعضٌ مِنَ السَّائِرِينَ نِيَامًا يَقرَأُ رِسَالَةً أَو رِسَالَتَينِ وَيَبدَأُ يَمتَحِنُ النَّاسَ، يَقُولُ لَهُ: إِلَى كَم يَنقَسِم التَّوحِيدُ؟ يَقُولُ لَهُ الشَّخصُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَيَقُولُ لَهُ: أَنتَ جَاهِلٌ أَنتَ ضَالٌّ مُبتَدِعٌ وَصُوفِيٌّ وَأَنتَ زِندِيقٌ، فَنَقُولُ لَهُم: أَجدَادُنَا الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى التَّوحِيدِ وَمَا كَانُوا يَعرِفُونَ هَذِهِ التَّقسِيمَاتِ كُلَّهَا بِزَعمِكُم كَانُوا كُفَّارًا؟

وَإِذَا خَاطَبَنَا هَؤُلَاءِ المُبتَدِعَةُ الَّذِينَ يَزعُمُونَ أَنَّهُم أَتبَاعٌ لِلسَّلَفِ الصَّالِحِ فِي أَيِّ مَسأَلَةٍ مِنَ المَسَائِلِ مُبَاشَرَةً سَيَقُولُونَ لَكَ: مَن قَالَ بِهَذَا القَولِ مِنَ القُرُونِ المُفَضَّلَةِ الأُولَى؟ إِذَن هُم يُبَدِّعُونَ النَّاسَ وَيُضَلِّلُونَهُم فِي مَسَائِلَ كَمَسأَلَةِ الِاحتِفَالِ بِالمَولِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ وَإِخرَاجِ زَكَاةِ الفِطرِ مَالًا وَالذِّكرِ الجَمَاعِيِّ وَغَيرِ ذَلِكَ مِن عَشَرَاتِ المَسَائِلِ يَحكُمُونَ عَلَى النَّاسِ بِأَنَّهُم مُبتَدِعَةٌ وَضُلَّالٌ لِأَنَّ هَذَا لَم يَذكُرهُ بِزَعمِهِمُ السَّلَفُ، وَإِذ بِهِم يَبتَدِعُونَ فِي العَقِيدَةِ وَفِي أَصلِ الدِّينِ وَهُوَ تَوحِيدُ اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَيَقسِمُونَهُ إِلَى أَقسَامٍ ثَلَاثٍ.

فَنَحنُ نَسأَلُهُمُ الآنَ: مَن مِنَ القُرُونِ الأُولَى مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ الَّذِينَ تَزعُمُونَ بِأَنَّكُم أَتبَاعٌ لَهُم قَالَ بِهَذَا التَّقسِيمِ؟ لَن تَجِدَ فِي القُرُونِ الأُولَى مَن قَسَّمَ هَذَا التَّقسِيمَ وَأَلَّفَ فِيهِ الكُتُبَ، طَيِّب، أَيُّ سَلَفٍ يَقصِدُونَ بِزَعمِهِم، يَقصِدُونَ بِطَبِيعَةِ الحَالِ ابنَ تَيمِيَةَ، إِذَن أَنتُم تَقصِدُونَ بِقَولِكُم نَحنُ أَتبَاعُ السَّلَفِ بِأَنَّكُم أَتبَاعٌ لِابنِ تَيمِيَةَ.

فَإِن قَالَ قَائِلٌ بِأَنَّ هَذَا التَّقسِيمَ مَوجُودٌ مِن خِلَالِ استِقرَاءِ النُّصُوصِ فَيَقُولُونَ: إِنَّ تَوحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ هُوَ إِفرَادُ اللهِ بِالخَلقِ وَالمُلكِ وَالتَّدبِيرِ، وَتَوحِيدَ الأُلُوهِيَّةِ هُوَ إِفرَادُ اللهِ بِالعِبَادَةِ، وَتَوحِيدَهُ فِي أَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ بِأَن نُثبِتَ للهِ مَا أَثبَتَهُ لِنَفسِهِ، أَقُولُ لَكَ بِأَنَّ الأُمَّةَ الإِسلَامِيَّةَ جَمِيعَهَا تَعتَقِدُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى وَاحِدٌ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَاحِدٌ فِي أُلُوهِيَّتِهِ وَاحِدٌ فِي أَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَكُلُّ هَذَا يَندَرِجُ تَحتَ كَلِمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ أَي لَا مَعبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللهُ.

يَعنِي إِذَا جَاءَ أَحَدُ النَّاسِ يُرِيدُ أَن يَدخُلُ الإِسلَامَ هَل نَقُولُ لَه قُل لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ثُمَّ قُل إِنَّ التَّوحِيدَ يَنقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقسَامٍ؟ أَم تَكفِيهِ شَهَادَةُ التَّوحِيدِ؟ إِذ بِقَولِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دَخَلَ الإِسلَامَ وَالحَمدُ للهِ بِدُونِ تَقسِيمَاتٍ، فَاللهُ هُوَ الإِلَهُ الوَاحِدُ وَهُوَ نَفسُهُ الرَّبُّ الوَاحِدُ وَهُوَ نَفسُهُ الكَامِلُ فِي أَسمَائِهِ وَصِفَاتِهِ.

وَلَكِنَّ المُشكِلَةَ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا ابنُ تَيمِيَةَ وَمَن وَافَقَهُ فِي هَذَا التَّقسِيمِ البِدعِيِّ الَّذِي لَم يَكُن عِندَ السَّلَفِ مِنَ القُرُونِ المُفَضَّلَةِ الأُولَى هِيَ نَتَائِجُ هَذَا التَّقسِيمِ، فَمِن نَتَائِجِ هَذَا التَّقسِيمِ هُوَ تَكفِيرُ المُسلِمِينَ وَإِخرَاجُهُم مِن دَائِرَةِ الإِسلَامِ وَاستِبَاحَةُ دِمَائِهِم وَأَموَالِهِم، وَلَيسَ المَقصُودُ عَوَامَّ المُسلِمِينَ فَقَط، بَل صَرَّحَ ابنُ تَيمِيَةَ فِي كِتَابِهِ المُسَمَّى «مِنهَاجَ السُّنَّةِ» بِاتِّهَامِ عُلَمَاءِ المُسلِمِينَ بِأَنَّهُم أَشرَكُوا بِاللهِ وَلَم يَكُونُوا مُوَحِّدِينَ التَّوحِيدَ الَّذِي يُرِيدُهُ اللهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعدَهُ وَاحِدٌ مَاتَ مُنذُ أَكثَرَ مِن ٢٠٠ سَنَة وَقَالِ إِنَّ شِركَ هَؤُلَاءِ المُتَأَخِّرِينَ مِنَ الحَنَفِيَّةِ وَالمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَشَرُّ مِن شِركِ الجَاهِلِيَّةِ، وَهَذَا شَيءٌ مَعرُوفٌ وَمُشَاهَدٌ فِي العَالَمِ الإِسلَامِيِّ، وَاستَحَلُّوا بِهَذَا الكَثِيرَ مِن دِمَاءِ المُسلِمِينَ بِدَعوَى أَنَّهُم مُشرِكُونَ وَلَا يَعرِفُونَ تَوحِيدَ الأُلُوهِيَّةِ، قَالُوا: إِنَّ كُفَّارَ قُرَيشٍ مُوَحِّدُونَ تَوحِيدَ رُبُوبِيَّةٍ وَلَكِنَّهُم أَشرَكُوا بِاللهِ فِي تَوحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ لِأَنَّهُم عَبَدُوا الأَصنَامَ، فَأَخَذُوا هَذَا الفَهمَ وَأَنزَلُوهُ عَلَى المُسلِمِينَ فَصَارُوا يَقُولُونَ عَلَى المُسلِمِينَ بِأَنَّ هُنَاكَ مَن يُوَحِّدُ اللهَ تَوحِيدَ رُبُوبِيَّةٍ وَلَكِنَّهُ يَتَوَسَّلُ بِغَيرِ اللهِ وَهَذَا شِركٌ مُخرِجٌ مِنَ المِلَّةِ لِأَنَّهُم نَاقَضُوا تَوحِيدَ الأُلُوهِيَّةِ.

فَإِذًا هَذَا التَّقسِيمُ جَعَلُوهُ سَبَبًا لِأَن يُكَفِّرُوا المُسلِمِينَ وَيَستَبِيحُوا دِمَاءَهُم وَالعِيَاذُ بِاللهِ، إِذَن هَذَا التَّقسِيمُ لَيسَ فَقَط بِدعَةٌ فِي العَقِيدَةِ وَإِنَّمَا بِدعَتُهُم فِي العَقِيدَةِ تَرَتَّبَ عَلَيهَا سَفكُ دِمَاءِ المُسلِمِينَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ.

إِذَن فَهَذَا التَّقسِيمُ مِن أَصلِهِ غَيرُ صَحِيحٍ وَلِذَلِكَ مِمَّن رَدَّ عَلَى ابنِ تَيمِيَةَ الأَزهَرُ عَلَى هَذَا التَّقسِيمِ البِدعِيِّ بِمُؤَلَّفَاتٍ عَدِيدَةٍ.

وَاقرَأُوا كِتَابَ الصَّوَاعِقِ الإِلَهِيَّةِ فِي الرَّدِّ عَلَى الوَهَّابِيَّةِ لِسُلَيمَانَ بنِ عَبدِ الوَهَّابِ، وَهَذَا أَخُو مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ الوَهَّابِ، أَنكَرَ عَلَيهِ تَكفِيرَ عَوَامِّ المُسلِمِينَ، وَاستَبَاحَ دِمَائَهُم وَأَموَالَهُم بِمِثلِ هَذِهِ الفَتَاوَى الَّتِي لَم يَسبِقهُم بِهَا أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ.

أَيُّهَا الإِخوَةُ الكِرَامُ، لَم يَجعَلِ اللهُ صَرفَ العِبَادَةِ مُتَعَلِّقًا بِالرُّبُوبِيَّةِ دُونَ الأُلُوهِيَّةِ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِخبَارًا عَن نَبِيِّهِ يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجنِ أَأَربَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيرٌ أَمِ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ﴾

فَلَو كَانَ هَذَا التَّقسِيمُ صَحِيحًا لَقَالَ يُوسُفُ عَلَيهِ السَّلَامُ أَآلِهَةٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيرٌ أَمِ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ؟

فَهَذَا مُقتَضَى التَّقسِيمِ عِندَهُم وَلَكِنَّ نَبِيَّ اللهِ يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلَامُ يَعلَمُ أَنَّ تَوحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ وَالأُلُوهِيَّةِ بِمَعنًى وَاحِدٍ، فَاللهُ هُوَ الرَّبُّ وَالرَّبُّ المُستَحِقُّ لِلعِبَادَةِ هُوَ اللهُ وَحدَهُ وَلِذَلِكَ قَالَ ﴿أَأَربَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيرٌ أَمِ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّارُ﴾.

وَأَيضًا مِن نَتَائِجِ هَذَا التَّقسِيمِ أَنَّهُم يُفَرِّقُونَ بَينَ مَا هُوَ أَصلُهُ وَاحِدٌ، فَأَنتَ لَا تُقَسِّمُ مَا هُوَ وَاحِدٌ لِأَنَّ مِن شُرُوطِ التَّقسِيمِ أَن يَكُونَ هُنَاكَ تَمَايُزٌ وَتَبَايُنٌ بَينَ هَذِهِ الأَقسَامِ، فَكَيفَ تُقَسِّمُ مَا هُوَ وَاحِدٌ؟ وَهَذَا بِصَرِيحِ القُرآنِ، فَاللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى استَعمَلَ لَفظَ الإِلَهِ بِمَعنَى الرَّبِّ، وَاستَعمَلَ لَفظَ الرَّبِّ بِمَعنَى الإِلَهِ أَيضًا لِلتَّلَازُمِ بَينَهُمَا.

وَالأَدِلَّةُ فِي هَذَا أَكثَرُ مِن أَن تُحصَرَ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا﴾ وَلَم يَقُل إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا إِلَهُنَا اللهُ، مَعَ أَنَّ السِّيَاقَ سِيَاقَ عِبَادَةٍ وَاستِقَامَةٍ وَالمَقَامُ هُنَا مَقَامُ إِفرَادِ اللهِ بِالعِبَادَةِ، وَلَيسَ الكَلَامُ عَنِ الخَلقِ وَالرِّزقِ وَالتَّدبِيرِ.

وَفِي التَّوبَةِ أَيضًا يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿اتَّخَذُوا أَحبَارَهُم وَرُهبَانَهُم أَربَابًا مِن دُونِ اللهِ﴾ مَعَ أَنَّ السِّيَاقَ أَيضًا عَلَى زَعمِهِم يَنبَغِي أَن يَكُونَ فِي تَوحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ كَمَا زَعَمَ مَن يُقَسِّمُ التَّوحِيدَ لِأَنَّ هُنَا فِي تَشرِيع وَعِبَادَة فَقَالَ ﴿أَربَابًا﴾ وَلَم يَقُل آلِهَةً لِأَنَّ الرَّبَّ وَالإِلَهَ بِمَعنًى وَاحِدٍ.

وَفِي آخِرِ الآيَةِ قَالَ: ﴿سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشرِكُونَ﴾ إِذَن فَاللهُ تَعَالَى أَثبَتَ أَنَّهُم مُشرِكُونَ وَلَيسُوا مُوَحِّدِينَ تَوحِيدَ رُبُوبِيَّةٍ كَمَا يَقُولُ ابنُ تَيمِيَةَ، بَل هُم مُشرِكُونَ.

آيَةٌ أُخرَى: يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿قُل مَن يَرزُقُكُم مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أَم مَن يَملِكُ السَّمعَ وَالأَبصَارَ وَمَن يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُل أَفَلَا تَتَّقُونَ﴾.

مَرَّةً أُخرَى لِمَاذَا عَبَّرَ بِالأُلُوهِيَّةِ ولم يقل الرب؟ لِأَنَّهُ مَن آمَنَ بِاللهِ رَبًّا فَيَقتَضِي مِن ذَلِكَ أَن يَصرِفَ لَهُ العِبَادَةَ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَلَكِنَّهُم كَانُوا مُشرِكِينَ فِي تَوحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ وَمُشرِكِينَ أَيضًا فِي تَوحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَيسَ كَمَا يَقُولُ ابنُ تَيمِيَةَ بِأَنَّهُم مُوَحِّدِينَ تَوحِيدَ رُبُوبِيَّةٍ فَقَط.

وَعِندَنَا صَاحِبُ الجَنَّتَينِ فِي سُورَةِ الكَهفِ مَاذَا قَالَ؟ قَالَ: ﴿لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلَا أُشرِكُ بِرَبِّيَ أَحَدًا﴾

وَأَيضًا يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِن إِلَهٍ إِذَن لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ سُبحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ قَالَ: مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ، وَلَم يَقُل مَا اتَّخَذَ الرَّبُّ مِن وَلَدٍ وَمَا قَالَ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِن رَبٍّ، مَعَ أَنَّ المَسأَلَةَ أَيضًا هُنَا فِي سِيَاقِ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَيسَت فِي سِيَاقِ العِبَادَةِ وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ بِهَا بِالأُلُوهِيَّةِ، دَلِيلٌ وَاضِحٌ وَصَرِيحٌ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الإِلَهُ أَيضًا.

وَأَيضًا قَالَ فِي سُورَةِ الأَنبِيَاءِ: ﴿لَو كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا﴾ وَالسِّيَاقُ أَيضًا فِي سِيَاقِ الخَلقِ وَالمُلكِ وَالتَّدبِيرِ لِأَنَّ هَذِهِ الأُمُورَ مِن فِعلِ الرَّبِّ وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ بِالإِلَهِ وَلَم يُعَبِّر بِالرَّبِّ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الإِلَهُ.

وَأَيضًا فِي آيَةِ المِيثَاقِ: ﴿وَإِذ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّيَتَهُم وَأَشهَدَهُم عَلَى أَنفُسِهِم أَلَستُ بِرَبِّكُم﴾ وَلَم يَقُل: أَلَستُ بِإِلَهِكُم، مَعَ أَنَّ المَقَامَ مَقَامَ تَوحِيدٍ وَمَقَامَ أُلُوهِيَّةٍ، ﴿قَالُوا بَلَى شَهِدنَا أَن تَقُولُوا يَومَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَن هَذَا غَافِلِينَ﴾، وَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ أَنَّ المِيثَاقَ أُخِذَ عَلَى الرُّبُوبِيَّةِ.

فَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُنَا بِالرُّبُوبِيَّةِ فَقَطعًا هُوَ مُقِرٌّ بِالأُلُوهِيَّةِ، يَا أَخِي، هَذَا القُرآنُ يُتلَى بَينَ أَيدِينَا، اللهُ تَعَالَى اكتَفَى بِتَوحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ لِأَنَّهُ مَن وَحَّدَ اللهَ فِي رُبُوبِيَّتِهِ يَلزَمُ مِن ذَلِكَ تَوحِيدُهُ فِي أُلُوهِيَّتِهِ ضِمنًا.

وَالأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّةِ أَيضًا كَثِيرَةٌ، مَثَلًا عِندَنَا عِندَمَا يَأتِي المَلَكَانِ لِلعَبدِ وَيَسأَلَانِهِ فِي قَبرِهِ: مَن رَبُّكَ، فَيَقُولُ رَبِّيَ اللهُ، فَهَل سَيَقُولُ المَلَكَانِ هُنَا بِأَنَّ هَذَا التَّوحِيدَ نَاقِصٌ؟ فَهَل سَيَقُولُ لَهُ المَلَكَانِ بِأَنَّ هَذَا التَّوحِيدَ رُبُوبِيَّةٌ فَقَط وَهُوَ لَا يَنفَعُ وَحدَهُ؟ إِذَن فَهَذَا النَّصُّ صَرِيحٌ وَصَحِيحٌ، قَالَ: رَبِّيَ اللهُ، فِيهِ دِلَالَةٌ وَاضِحَةٌ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ اللهُ وَاللهَ هُوَ الرَّبُّ، إِذَن لَا يُوجَدُ اختِلَافٌ بَينَ الرَّبِّ وَالإِلَهِ مِن حَيثُ إِنَّ القَائِلَ بِأَحَدِهِمَا قَائِلٌ بِالآخَرِ، وَالَّذِي يَنفِي أَحَدَهُمَا يَنفِي الآخَرَ.

فَعَلَى أَيِّ أَسَاسٍ تُقَسِّمُ التَّوحِيدَ إِلَى رُبُوبِيَّةٍ وَأُلُوهِيَّةٍ.

وَأَيضًا عَرَفنَا أَنَّ المُشرِكِينَ وَالأُمَمَ الَّتِي كَانَت قَبلَهُم كَانُوا مُشرِكِينَ فِي تَوحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ وَتَوحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ أَيضًا، لِأَنَّهُم إِن كَانُوا مُوَحِّدِينَ تَوحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ كَمَا يَقُولُ ابنُ تَيمِيَةَ فَكَيفَ تُفَسِّرُونَ قَولَ فِرعَونَ عِندَمَا قَالَ: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعلَى﴾؟ مَا مَفهُومُ الرَّبِّ عِندَهُ؟ قَالَ: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعلَى﴾ أَي أَنَا المَعبُودُ الأَعلَى، أَي أَنَا إِلَهُكُم، وَفِي مَوضِعٍ آخَرَ قَالَهَا صُرَاحَةً، قَالَ ﴿يَا أَيُّهَا المَلَأُ مَا عَلِمتُ لَكُم مِن إِلَهٍ غَيرِي﴾ إِذَن فِرعَونُ نَفسُهُ يَفهَمُ أَنَّ الرَّبَّ وَالإِلَهَ بِمَعنًى وَاحِدٍ، إِذَن هَذَا فِرعَونُ أَيضًا كَانَ مُشرِكًا فِي تَوحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ.

تَعَالَوا إِلَى المُنَاظَرَةِ الَّتِي كَانَت بَينَ إِبرَاهِيمَ وَالنُّمرُودِ، مَاذَا قَالَ النُّمرُودُ؟ ﴿قَالَ أَنَا أُحيِي وَأُمِيتُ﴾، وَهَذَا النُّمرُودُ أَيضًا كَانَ مُشرِكًا فِي تَوحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، فَقَالَ لَهُ إِبرَاهِيمُ: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحيِي وَيُمِيتُ﴾ ثُمَّ قَالَ لَهُ: ﴿فَإِنَّ اللهَ يَأتِي بِالشَّمسِ مِنَ المَشرِقِ فَأتِ بِهَا مِنَ المَغرِبِ﴾، إِذَن فَهَذَا نِزَاعٌ فِي الرُّبُوبِيَّةِ لِأَنَّ الإِحيَاءَ وَالإِمَاتَةَ مِن أَفعَالِ الرَّبِّ، إِذَن نُمرُودُ كَانَ كَافِرًا بِرُبُوبِيَّةِ اللهِ أَيضًا وَلَم يَكُن مُوَحِّدًا تَوحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ.

وَلَيسَ كَمَا قَالَ مَن يَرَى بِبِدعَةَ التَّقسِيمِ أَنَّ كُلَّ مَن فِي الأَرضِ كَانُوا مُشرِكِينَ فِي تَوحِيدِ الأُلُوهِيَّةِ فَقَط، وَهَذَا خَطَأٌ وَغَيرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّهُم كَانُوا مُشرِكِينَ فِي الرُّبُوبِيَّةِ وَفِي الأُلُوهِيَّةِ أَيضًا.

وَأَيضًا يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَدًّا عَلَى أَهلِ الكُفرِ الَّذِي يَزعُمُ ابنُ تَيمِيَةَ أَنَّ المُشرِكِينَ كَانُوا يُؤمِنُونَ بِتَوحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ رَدَّ عَلَيهِمُ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَذَلِكُم ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُم أَرَدَاكُم فَأَصبَحتُم مِنَ الخَاسِرِينَ﴾ قَالَ ﴿بِرَبِّكُم﴾ وَلَم يَقُل بِإِلَهِكُم.

ثُمَّ يُبَيِّنُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي سُورَةِ الأَنعَامِ فِي آيَةٍ وَاضِحَةٍ وَجَلِيَّةٍ أَنَّ المُشرِكِينَ كَانُوا قَد كَفَرُوا بِتَوحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ فِي قَولِهِ: ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِم يَعدِلُونَ﴾.

فَبَعدَ هَذِهِ الآيَاتِ الوَاضِحَاتِ كَيفَ يَقُولُونَ بِأَنَّ المُشرِكِينَ كَانُوا يُوَحِّدُونَ اللهَ فِي رُبُوبِيَّتِهِ، ثُمَّ كَيفَ يُقَالُ بِأَنَّ المُشرِكِينَ كَانُوا يُوَحِّدُونَ اللهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى تَوحِيدَ رُبُوبِيَّةٍ وَهُم يَنسُبُونَ للهِ الوَلَدَ وَالزَّوجَةَ وَاللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: ﴿أَلَا إِنَّهُم مِن إِفكِهِم لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ﴾ فَهَلِ الَّذِي يَعتَقِدُ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ صَاحِبٌ وَوَلَدٌ يَعتَقِدُ رُبُوبِيَّةَ اللهِ أَبَدًا؟ لِأَنَّ الرَّبَّ غَنِيٌّ بِذَاتِهِ قَيُّومٌ.

إِذَن فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُ عَنهُمُ ابنُ تَيمِيَةَ وَمَن تَبِعَهُ أَنَّهُم كَانُوا مُوَحِّدِينَ تَوحِيدَ رُبُوبِيَّةٍ هَذِهِ نُصُوصٌ وَاضِحَةٌ وَصَرِيحَةٌ بِأَنَّهُم كَفَرُوا بِرُبُوبِيَّةِ اللهِ فَكَيفَ نَقُولُ أَنَّ هَؤُلَاءِ يُوَحِّدُونَ اللهَ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَاللهُ يُكَذِّبُ هَذَا القَولَ فِي عَشَرَاتِ الآيَاتِ مِن كِتَابِهِ الكَرِيمِ، وَأَيضًا هَؤُلَاءِ المُشرِكُونَ أَنكَرُوا البَعثَ فَقَالُوا: نَمُوتُ وَنَحيَا وَمَا يُهلِكُنَا إِلَّا الدَّهرُ، فَكَيفَ لَهُم أَن يُوَحِّدُوا اللهَ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَهُم يُنكِرُونَ البَعثَ.

إِذَن فَدَعوَى مَن يَقُولُ: إِنَّ المُشرِكِينَ كَانُوا مُوَحِّدِينَ تَوحِيدَ رُبُوبِيَّةٍ وَإِدخَالُهُم فِي الإِيمَانِ بِأَيِّ قِسمٍ مِن أَقسَامِ التَّوحِيدِ هَذِهِ خُرَافَةٌ مَا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلطَانٍ.

أَمَّا التَّقسِيمُ الثَّالِثُ تَقسِيمُ الأَسمَاءِ وَالصِّفَاتِ، فَحَتَّى يُخرِجُوا وَالعِيَاذُ بِاللهِ مِنَ المِلَّةِ كُلَّ مَن لَم يُوَافِقهُم فِي بَابِ الأَسمَاءِ وَالصِّفَاتِ بِقَولِهِ عَن أَهلِ التَّأوِيلِ الصَّحِيحِ تَعطِيلٌ.

نَسأَلُ اللهَ أَن يَنتَقِمَ مِن هَؤُلَاءِ الجُفَاةِ النُّفَاةِ، الَّذِينَ اعتَبَرُوا أَبَا جَهلٍ وَأَبَا لَهَبٍ بِزَعمِهِم مُوَحِّدِينَ للهِ، مَا هَذَا الفَهمُ المَعكُوسُ، مَن قَالَ بِمَقَالَتِهِم قَبلَ هَؤُلَاءِ مِن أَهلِ السُّنَّةِ؟ لَا أَحَدَ. بَل أَهلُ السُّنَّةِ سَلَفِهِم وَخَلَفِهِم كَانُوا يَعتَقِدُونَ التَّوَسُّلَ بِأَّنَهُ جَائِزٌ لَا ضَرَرَ فِيهِ، وَهَؤُلَاءِ الخَوَارِجُ الَّذِينَ يَصدُقُ فِيهِم مَا جَاءَ فِي البُخَارِيِّ فِي صِفَةِ الخَوَارِجِ، حَيثُ قَالَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: «وَكَانَ ابنُ عُمَرَ يَرَاهُم شِرَارَ خَلقِ اللهِ وَقَالَ إِنَّهُمُ انطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَت فِي الكُفَّارِ ‌فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤمِنِينَ».اهـ يَحمِلُونَ آيَاتٍ نَزَلَت فِي صِفَةِ المُشرِكِينَ فَيَحمِلُونَهَا عَلَى المُؤمِنِينَ، فَيُؤَدِّي هَذَا إِلَى تَكفِيرِهِم لِلمُؤمِنِينَ، وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى.

مَثَلًا يَأتُونَ إِلَى قَولِهِ تَعَالَى: ﴿مَا نَعبُدُهُم إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلفَىٰ﴾، فَيَقُولُونَ: أَنتُم أَيُّهَا المُتَوَسِّلُونَ بِالأَنبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ عَبَدتُمُ الأَنبِيَاءَ وَالمُرسَلِينَ، فَأَنتُم مُشرِكُونَ يَجُوزُ بِزَعمِهِم قَتلُهُم، وَقَد نَقَلَ أَحمَدُ بنُ زَينِي دَحلَانَ مُفتِي الشَّافِعِيَّةِ فِي الحِجَازِ زَمَنَ مَشَايِخِهِم عَنهُم فِي بِدَايَةِ خُرُوجِهِم أَنَّهُم كَانُوا يَقتُلُونَ المُسلِمِينَ، وَيَبقُرُونَ بَطنَ الحَامِلِ وَيَقتُلُونَ الطِّفلَ الرَّضِيعَ عَلَى صَدرِ أُمِّهِ، لِاعتِقَادِهِم أَنَّ هَؤُلَاءِ كُلُّهُم مُشرِكُونَ يَتَوَسَّلُونَ فَيَجُوزُ بِزَعمِهِم قَتلُهُم وَلَو كَانُوا أَطفَالًا وَنِسَاءً، حَذَّرَ ابنُ دَحلَانَ هَذَا فِي أَكثَرَ مِن كِتَابٍ، فِي كِتَابِ خُلَاصَةِ الكَلَامِ فِي أُمَرَاءِ البَلَدِ الحَرَامِ، وَفِي كِتَابِ الفُتُوحَاتِ الإِسلَامِيَّةِ، وَغَيرِهِ، وَهُوَ أَيِ ابنُ دَحلَانَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ الَّذِينَ عَاصَرُوا هَذِهِ الفِتنَةَ.

وَمِنَ الحَنَفِيَّةِ: فِي حَاشِيَةِ ابنِ عَابِدِينَ وَهُوَ مِن أَشهَرِ كُتُبِ الحَنَفِيِّةِ المُتَأَخِّرِينَ، وَالصَّاوِيُّ المَالِكِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الجَلَالَينِ، قَالُوا إِنَّهُم جَاؤُوا إِلَى الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿مَا نَعبُدُهُم إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلفَىٰ﴾، وَقَالُوا: أَنتُم أَيُّهَا المُتَوَسِّلُونَ بِالأَنبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ عَبَدتُمُ الأَنبِيَاءَ وَالمُرسَلِينَ.

أَوَّلًا هُم لَم يَعرِفُوا مَعنَى العِبَادَةِ فِي لُغَةِ العَرَبِ، نَقُولُ لَهُم: العَرَبُ السَّلِيقِيُّونَ، لَا نَحنَ التَقَينَا بِهِم وَلَا أَنتُم، العَرَبُ السَّلِيقِيُّونَ انقَرَضُوا مُنذُ مِئَاتِ السِّنِينَ، مُنذُ سَنَةِ 132 لِلهِجرَةِ انقَرَضَ العَرَبُ السَّلِيقِيُّونَ مِنَ المُدُنِ الإِسلَامِيَّةِ، مُنذُ سُقُوطِ الخِلَافَةِ الأُمَوِيَّةِ انقَرَضَ العَرَبُ السَّلِيقِيُّونَ، وَكَلِمَةُ العِبَادَةِ كَلِمَةٌ عَرَبِيَّةٌ لَيسَت هِندِيَّةً، فَنَقُولُ لَهُم كَيفَ سَنَعرِفُ مَاذَا أَرَادَ العَرَبُ السَّلِيقِيُّونَ بِكَلِمَةِ العِبَادَةِ، مَاذَا كَانُوا يَقصِدُونَ مِنهَا عِندَ الحَدِيثِ وَعِندَ نُطقِهَا، مَا السَّبِيلُ لِمَعرِفَةِ ذَلِكَ وَالعَرَبُ السَّلِيقِيُّونَ انقَرَضُوا مُنذُ زَمَانٍ بَعِيدٍ، الوَسِيلَةُ لِمَعرِفَةِ ذَلِكَ هُم عُلَمَاءُ اللُّغَةِ، وَهُنَا بَيتُ القَصِيدِ.

لَا أَحَدَ مِن عُلَمَاءِ اللُّغَةِ قَالَ إِنَّ العِبَادَةَ هِيَ التَّوَسُّلُ، وَلَا أَحَدَ مِن مَعَاجِمِ اللُّغَةِ المَوجُودَةِ بَينَ المُسلِمِينَ قَالَ إِنَّ العِبَادَةَ فِي لُغَةِ العَرَبِ هِيَ التَّوَسُّلُ أَوِ التَّبَرُّكُ، فَمِن أَينَ جَاءَ هَؤُلَاءِ بِتَعرِيفِهِمُ المُبتَدَعِ لِكَلِمَةِ العِبَادَةِ فَأَدَّى بِهِم فَهمُهُمُ المَعكُوسُ إِلَى تَكفِيرِ المُسلِمِينَ وَاستِحلَالِ دِمَائِهِم وَتَبدِيعِهِم، فَفِي بَعضِ كُتُبِهِم قَالُوا: وَقَد أَطبَقَ عَلَى تَركِ الإِسلَامِ جُمهُورُ أَهلِ البَسِيطَةِ فِي كُلِّ مِصرٍ مِنَ الأَمصَارِ وَفِي كُلِّ بَلَدٍ مِنَ البُلدَانِ.اهـ هَذَا كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ، وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى.

مَنشَأُ قَولِهِم عَدَمُ فَهمِهِم بِلُغَةِ العَرَبِ، لَم يَفهَمُوا مَعنَى العِبَادَةِ فَحَمَلُوهَا عَلَى غَيرِ مَعنَاهَا وَقَالُوا بِتَكفِيرِ غَيرِهِم وَالعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى، وَهَذَا خَطَرٌ عَظِيمٌ أَدَّى بِهِم إِلَى الطَّامَّاتِ وَالبَلَايَا فِي بَعضِ البِلَادِ، فَهُم إِذَا تَمَكَّنُوا فِي البِلَادِ يَقتُلُونَ وَيَنهَبُونَ، وَيَستَبِيحُونَ دِمَاءَ المُسلِمِينَ، وَهَذَا خَطَرٌ عَظِيمٌ عَامٌّ وَبَلَاءٌ شَدِيدٌ).

قَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِيْ الْمُعْجَمِ الصَّغِيْرِ: حَدَّثَنَا طَاهِرُ بْنُ عِيسَى بْنِ قَيْرَسَ المُقْرِيُّ الْمِصْرِيُّ التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ شَبِيْبِ بْنِ سَعِيْدٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ عَمِّهِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ “أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَخْتَلِفُ() إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ() رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي حَاجَةٍ لَهُ، فَكَانَ عُثْمَانُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ، وَلَا يَنْظُرُ فِي حَاجَتِهِ()، فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ: ائْتِ الْمِيضَأَةَ() فَتَوَضَّأْ، ثُمَّ ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ() وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا() مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ() يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ() إِلَى رَبِّكَ عَزَّ وَجَلَّ فَيَقْضِي لِي حَاجَتِي()، وَتَذْكُرُ حَاجَتَكَ، وَرُحْ إِلَيَّ حَتَّى أَرُوحَ مَعَكَ()، فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ، فَصَنَعَ مَا قَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ، ثُمَّ أَتَى بَابَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَجَاءَ الْبَوَّابُ حَتَّى أَخَذَ بِيَدِهِ، فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى الطِّنْفِسَةِ()، وَقَالَ: حَاجَتُكَ()؟ فَذَكَرَ حَاجَتَهُ، فَقَضَاهَا لَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا ذَكَرْتُ حَاجَتَكَ حَتَّى كَانَتْ هَذِهِ السَّاعَةُ()، وَقَالَ: مَا كَانَتْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ فَأْتِنَا، ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ، فَقَالَ لَهُ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا مَا كَانَ يَنْظُرُ فِي حَاجَتِي، وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيَّ حَتَّى كَلَّمْتَهُ فِيَّ()، فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ: وَاللهِ مَا كَلَّمْتُهُ وَلَكِنْ شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَتَاهُ ضَرِيرٌ()، فَشَكَا عَلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَفَتَصْبِرُ؟» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ() وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ ادْعُ بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ()»() قَالَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ: فَوَاللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا وَطَالَ بِنَا الْحَدِيثُ () حَتَّى دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضَرَرٌ قَطُّ() “، وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ(). انْتَهَـىْ كَلَامُ الطَّبَرَانِيِّ().

السؤال الفقهي
هل لي أن أصوم ستا من شوال وعلي قضاء؟
مَن كَانَ عَلَيهِ القَضَاءُ لِعُذرٍ كَمَن فَاتَهَا الصَّومُ لِأَجلِ الحَيضِ مَثَلًا فَهَذِهِ لَا يَجِبُ عَلَيهَا أَن تُبَاشِرَ بِالقَضَاءِ، فَلَهَا أَن تَصُومَ سِتًّا مِن شَوَّالٍ ثُمَّ تَقضِي. وَأَمَّا مَن فَاتَهُ بِلَا عُذرٍ فَعَلَيهِ القَضَاءُ فَورًا قَبلَ أَن يَصُومَ النَّفلَ.

مختارات من الأدعية والأذكار
دعاء السيدة نفيسة بنت الحسن رضي الله عنهما لدفع الشدائد وإزالة الكرب
يَقُولُ الشَّخصُ مُخلِصًا النّيَّةَ للهِ تَعَالَى: أَدعُو بِدُعَاءِ السَّيِّدَةِ نَفِيسَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا عَلَى نِيَّةٍ مَخصُوصَةٍ كَأَن يَنوِيَ مَثَلًا دَفعَ بَلِيَّةٍ أَو شِدَّةٍ وَمَكرُوهٍ.

ثُمَّ يَقرَأُ مَا يَلِي عَلَى هَذَا التَّرتِيبِ:

سُورَةُ الفَاتِحَةِ (1 مَرَّةً)
سُورَةُ الإِخلَاصِ (11 مَرَّةً)
سُبحَانَ اللهِ (11 مَرَّةً)
ثُمَّ يَذكُرُ القَائِلُ هَذَينِ البَيتَينِ اللَّذَينِ كَانَتِ السَّيِّدَةُ الوَلِيَّةُ نَفِيسَةُ رَضِيَ اللهُ عَنهَا تُرَدِّدُهُمَا (18 مَرَّةً)، وَهُمَا:

كَم حَارَبَتنِي شِدَّةٌ بِجَيشِهَا
فَضَاقَ صَدرِي مِن لِقَاهَا وَانزَعَج

حَتَّى إِذَا أَيِستُ مِن زَوَالِهَا
جَاءَتنِيَ الأَلطَافُ تَسعَى بِالفَرَج

الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ

اللهم فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ عَالِمَ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ رَبَّ كُلِّ شَيءٍ وَمَلِيكَهُ أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ نَفسِي وَشَرِّ الشَّيطَانِ وَشِركِهِ

اللهم إِنِّي أَسأَلُكَ العَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنيَايَ وَأَهلِي وَمَالِي، اللهم استُر عَورَتِي وَآمِن رَوعَتِي وَأَقِل عَثرَتِي وَاحفِظنِي مِن بَينِ يَدَيَّ وَمِن خَلفِي وَعَن يَمِينِي وَعَن شِمَالِي وَمِن فَوقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَن أُغتَالَ مِن تَحتِي

اللهم إِنِّي أَسأَلُكَ الرِّضَا بَعدَ القَضَاءِ وَبَردَ العَيشِ بَعدَ المَوتِ مِن غَيرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتنَةٍ مُضِلَّةٍ وَأَعُوذُ بِكَ أَن أُظلَمَ أَو أَظلِمَ أَو أَعتَدِي أَو يُعتَدَى عَلَيَّ أَو أَكسِبَ خَطِيئَةً أَو ذَنبًا لَا تَغفِرُهُ اللهم اجعَلنَا مِنَ العُلَمَاءِ الحُلَمَاءِ البَرَرَةِ الأَتقِيَاءِ، اللهم فَقِّهنَا فِي الدِّينِ، وَاجعَلنَا مِنَ الآمِرِينَ بِالمَعرُوفِ النَّاهِينَ عَنِ المُنكَرِ، اللهم أَكرِمنَا بِحِفظِ القُرآنِ العَظِيمِ، وَارزُقنَا تِلَاوَتَهُ آنَاءَ اللَّيلِ وَأَطرَافَ النَّهَارِ، وَاحفَظنَا بِبَرَكَتِهِ وَبَرَكَةِ حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَاجعَلنَا مِن العَامِلِينَ بِأَحكَامِهِ، وَمِنَ الوَقَّافِينَ عِندَ حُدُودِهِ، وَاجعَلهُ حُجَّةً لَنَا لَا عَلَينَا، وَاجعَلهُ نُورًا لَنَا فِي الدُّنيَا وَالقَبرِ وَالآخِرَةِ.

رَبِّ اغفِر لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَارحَمهُم كَمَا رَبُّونَا صَغَارًا وَاغفِر لِلمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ وَالمُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ الأَحيَاءِ مِنهُم وَالأَموَاتِ اللهم إِنَّا نسأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغفِرَتِك، وَالغَنِيمَةَ مِن كُلِّ بِرٍّ، وَالسَّلامَةَ مِن كُلِّ إِثمٍ، اللهم لا تَدَع لنا ذَنبًا إِلَّا غَفَرتَهُ، وَلا هَمًّا إِلَّا فَرَّجتَهُ، وَلا حَاجَةً هِيَ لَكَ رِضًا إِلَّا قَضَيتَهَا يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ

اللهم انصُرُ أَهلَ فِلَسطِينَ اللهم انصُر أَهلَ غَزَّةَ اللهم انصُرهُم وَلَا تَنصُر عَلَيهِم، اللهم اجمَع صُفُوفَهُم، وَاشفِ مُصَابَهُم وارحَم شُهَدَاءَهُم. اللهم انصُر غَزَّةَ اللهم لَا تَرفَع لِلكَيَانِ المُحتَلِّ فِي القُدسِ وَغَزَّةَ رَايَةً، وَلَا تُحَقِّق لِجَيشِ الِاحتِلَالِ الصُّهيُونِيِّ غَايَةً، وَاجعَلهُم يَا رَبَّ العَالَمِينَ لِجَمِيعِ النَّاسِ آيَةً.

يَا رَبُّ انقَطَعَ الرَّجَاءُ إِلَّا مِنكَ يَا اللهُ، وَخَابَتَ الآمَالُ إِلَّا فِيكَ، وَانسَدَّتِ الطُّرُقُ إِلَّا إِلَيكَ، وَأُغلِقَتِ الأَبوَابُ إِلَّا بَابُكَ فَلَا تَكِلنَا إِلَى أَحَدٍ سِوَاكَ.

اللهم شَتِّت شَملَ اليَهُودِ الصَّهَايِنَةِ وَفَرِّق جَمعَهُم وَاجعَل تَدبِيرَهُم فِي تَدمِيرِهِم وَخَرِّب بُنيَانَهُم وَبَدِّل أَحوَالَهُم وَقَرِّب آجَالَهُم وَاقطَع أَعمَارَهُم وَاشغَلهُم بِأَبدَانِهِم وَخُذهُم أَخذَ عَزِيزٍ مُقتَدِرٍ، اللهم إِنَّا فُقَرَاءُ لِرَحمَتِكَ مُحتَاجُونَ لِعَونِكَ فَإِن عَجَزَت أَبدَانُنَا عَن مُشَارَكَتِهِم، فَاقبَل اللهم دُعَاءَنَا بِنَصرِهِم.

اللهم ارفَعِ البَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالأَمرَاضَ عَنِ المُسلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا إِكرَامًا لِوَجهِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم تَوَفَّنَا عَلَى كَامِلِ الإِيمَانِ وَارزُقنَا شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَمَوتًا فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ ﷺ، وَاحشُرنَا عَلَى نُوقٍ رَحَائِلُهَا مِن ذَهَبٍ آمِنِينَ مُطمَئِنِّينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

اللهم انصُر عِبَادَكَ فِي فِلَسطِينَ وَسَخِّر لَهُمُ الأَرضَ وَمَن عَلَيهَا وَالسَّمَاءَ وَمَن فِيهَا. اللهم بِقُوَّتِكَ نَسأَلُكَ يَا اللهُ يَا سَمِيعُ يَا قَرِيبُ، يَا مُجِيبُ يَا مُنتَقِمُ يَا جَبَّارُ، يَا قَهَّارُ يَا عَظِيمَ القَهرِ أَن تَجعَلَ كَيدَ المُحتَلِّينَ فِي نَحرِهِم، وَاجعَل مَكرَهُم عَائِدًا إِلَيهِم.

رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ

اللهم أَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتَقَبَّل مِنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم اجعَلنَا مِن عُتَقَاءِ هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ وَمِنَ المَقبُولِينَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وَارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ. اللهم ارزُقنَا حُسنَ الخِتَامِ وَالمَوتَ عَلَى دِينِكَ دِينِ الإِسلَامِ وَرُؤيَةَ سَيِّدِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.

وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …