أشراط الساعة (٢٣) | لقاء الدجال بالخضر عليه السلام وقصة ذي القرنين ورحلته العجيبة

المقدمة

الحَمدُ لله القَادِرِ، العَلِيمِ الفَاطِرِ، الحَكِيمِ المُتَّصِفِ بِالعِلمِ الشَّامِلِ، الَّذِي أَحصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَدًا، وَأَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا، لَا يَخفَى عَلَيهِ الشَّاهِدُ وَالغَائِبُ، يَعلَمُ العَلَنَ وَالإِسرَارَ وَالجَهرَ وَالإِضمَارَ، وَالمُشكِلَ وَالجَلِيَّ، وَالبَادِيَ وَالخَفِيَّ، ﴿وَيَعلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَمَا تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرضِ وَلَا رَطبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾، سُبحَانَهُ مِن عَالِمٍ لَا بِفِكرَةٍ وَاجتِهَادٍ، وَلَا بِضَمِيرٍ وَفُؤَادٍ، بَصِيرٌ بِلَا حَدَقَةٍ وَسَوَادٍ، وَعَزِيزٌ بِلَا عُدَّةٍ وَعَتَادٍ، وَمُتَكَلِّمٌ بِلَا لِسَانٍ وَلَهَاةٍ، وَصَانِعٌ بِلَا آلَةٍ وَأَدَاةٍ، تَعَالَى عَنِ الأَندَادِ وَالأَشكَالِ، وَالأَشبَاهِ وَالأَمثَالِ، استَأثَرَ بِنُعُوتِ الجَلَالِ، بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِن أَوسَطِهِم نَسَبًا، وَأَشرَفِهِم حَسَبًا، وَأَحسَنِهِم أَدَبًا، وَأَشهَرِهِم أُمًّا وَأَبًا، يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ، وَيُعَارِضُ أَبَاطِيلَهُم بِبَيِّنَاتِهِ، حَتَّى انكَشَطَت غِشَاوَةُ الشَّكِّ عَن وَجهِ اليَقِينِ، أَنزَلَ عَلَيهِ النُّورَ المُبِينَ، وَالوَحيَ المُستَبِينَ، أَنقَذَ بِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَهَدَى بِهِ مِن حَيرَةِ الجَهَالَةِ، فَبَهَرَت مُعجِزَتُهُ، وَظَهَرَت دِلَالَتُه، صَلَّى الله وَسَلَّمَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ صَلَاةً تَنمُو أَبَدًا، وَتَتَّصِلُ مَدَدًا، مَا تَنَاوَبَ الصَّبَاحُ وَالمَسَاءُ سَرمَدًا، أَمَّا بَعدُ:

تَكَلَّمنَا فِي الدَّرسِ المَاضِي عَنِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ وَصِفَةِ خِلقَتِهِ وَعَن فِتنَتِهِ وَمَا يَجرِي عَلَى يَدَيهِ مِنَ العَجَائِبِ فِتنَةً لِلكَافِرِينَ وَتَثبِيتًا لِلمُؤمِنِينَ..

محل خروجه، ووقته، ومدته، وكيفيته، وطريق النجاة منه، ومن يقتله
أَمَّا مَحَلُّ خُرُوجِهِ: قَالَ ابنُ حَجَرٍ فِي الفَتحِ: فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ عِندَ مُسلِمٍ أَنَّهُ يَخرُجُ عِندَ فَتحِ المُسلِمِينَ القُسطَنطِينِيَّةَ.

وَأَمَّا سَبَبُ خُرُوجِهِ فَأَخرَجَ مُسلِمٌ فِي حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ عَن حَفصَةَ أَنَّهُ يَخرُجُ مِن غَضبَةٍ يَغضَبهَا.

وَأَمَّا مِن أَينَ يَخرُجُ؟ ‌فَمِن ‌قِبَلِ ‌المَشرِقِ ‌جَزمًا. ثُمَّ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَخرُجُ مِن خُرَاسَانَ، أَخرَجَ ذَلِكَ أَحمَدُ، وَالحَاكِمُ مِن حَدِيثِ أَبِي بَكرٍ، وَفِي أُخرَى أَنَّهُ يَخرُجُ مِن أَصبَهَانَ أَخرَجَهَا مُسلِمٌ.اهـ وَعِندَ الحَاكِمِ وَابنِ عَسَاكِرَ مِن حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا: أَنَّهُ يَخرُجُ مِن يَهُودِيَّةِ أَصبَهَانَ، أَي مَحَلَّةٍ خَارِجَ أَصبَهَانَ، وَمِثلُهُ عِندَ أَحمَدَ عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا. وَعِندَ الطَّبَرَانِيِّ مِن حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنتِ قَيسٍ: يَخرُجُ مِن بَلدَةٍ يُقَالُ لَهَا: أَصبَهَانُ.

وَأَمَّا وَقتُهُ: فَعِندَ فَتحِ قُسطَنطِينِيَّةَ، أَي بَعدَهُ، وَعِندَ القَحطِ الشَّدِيدِ ثَلَاثَ سِنِينَ.

وَأَمَّا مُدَّتُهُ: فَأَربَعُونَ يَومًا: يَومٌ كَسَنَةٍ، وَيَومٌ كَشَهرٍ، وَيَومٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُم، كَذَا فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بنِ سَمعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عِندَ أَحمَدَ وَمُسلِمٍ وَالتِّرمِذِيِّ.

وَقَد سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الصَّلَاةِ فِي اليَومِ الَّذِي كَالسَّنَةِ: أَيَكفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَومٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنِ اقدُرُوا لَهُ»: أَيِ اقدُرُوا مِقدَارَ كُلِّ يَومٍ فَصَلُّوا فِيهِ خَمسَ صَلَوَاتٍ.

كيفية خروجه
وَأَمَّا كَيفِيَّةُ خُرُوجِهِ: فَالرِّوَايَاتُ فِيهِ مُختَلِفَةٌ، وَأَبسَطُ حَدِيثٍ فِيهِ حَدِيثُ النَّوَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عِندَ مُسلِمٍ وَغَيرِهِ. وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ عِندَ ابنِ مَاجَه وَابنِ خُزَيمَةَ وَالحَاكِمِ وَالضِّيَاءِ. فَلنَسُق هَذِهِ الأَحَادِيثَ مَسَاقًا وَاحِدًا.

خَطَبَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: «إِنَّهُ لَم يَكُن فِي الأَرضِ مُنذُ ذَرَأَ اللهُ ذُرِّيَةَ آدَمَ عَلَيهِ السَّلَامُ أَعظَمَ مِن فِتنَةِ الدَّجَّالِ، وَإِنَّ اللهَ لَم يَبعَث نَبِيًّا إِلَّا حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ، أَنَا آخِرُ الأَنبِيَاءِ وَأَنتُم آخِرُ الأُمَمِ، وَهُوَ خَارِجٌ فِيكُم لَا مَحَالَةَ»، فَخَفَضَ فِيهِ وَرَفَعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخلِ، ثُمَّ قَالَ: إِن يَخرُج وَأَنَا فِيكُم فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُم وَأَنَا حَجِيجُ كُلِّ مُسلِمٍ، وَإِن يَخرُج مِن بَعدِي فَكُلٌّ حَجِيجُ نَفسِهِ وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ، وَإِنَّهُ يَخرُجُ مِن خُلَّةٍ – أَي مِن طَرِيقٍ – بَينَ الشَّامِ وَالعِرَاقِ، فَيَعِيثُ – أَي يُفسِدُ -، يَبعَثُ السَّرَايَا وَالجُنُودَ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَإِنَّ عَلَى مُقَدِّمَتِهِ سَبعِينَ أَلفًا مِن يَهُودِ أَصبَهَانَ، عَلَيهِم رَجُلٌ أَشعَرُ مَن فِيهِم يَقُولُ: بِرَو بِرَو، أَيِ: اسعَ اسعَ». قَالَ ﷺ: «يَا عِبَادَ اللهِ، فَاثبُتُوا، فَإِنِّي سَأَصِفُهُ لَكُم صِفَةً لَم يَصِفهَا إِيَّاهُ نَبِيٌّ قَبلِي، وَإِنَّهُ يَبدَأُ فَيَقُولُ: أَنَا نَبِيٌّ، وَلَا نَبِيَّ بَعدِي، ثُمَّ يُثَنِّي فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُم، وَلَا تَرَونَ رَبَّكُم حَتَّى تَمُوتُوا، وَإِنَّهُ أَعوَرُ، وَرَبُّكُم لَيسَ بِأَعوَرَ، وَإِنَّهُ مَكتُوبٌ بَينَ عَينَيهِ كَافِرٌ يَقرَؤُهُ كُلُّ مُؤمِنٍ كَاتِبٌ وَغَيرُ كَاتِبٍ – أَي حُرُوفًا مُهَجَّأَةً هَكَذَا: «ك ف ر» كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي بَعضِ الرِّوَايَاتِ -، وَأَنَّ مِن فِتنَتِهِ أَنَّ مَعَهُ جَنَّةً وَنَارًا، فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ، فَمَنِ ابتُلِيَ بِنَارِهِ فَلَيَستَغِث بِاللهِ وَليَقرَأ فَوَاتِحَ الكَهفِ، فَتَكُونُ عَلَيهِ بَردًا وَسَلَامًا كَمَا كَانَتِ النَّارُ عَلَى إِبرَاهِيمَ»، وَيَدخُلُ القُرَى كُلَّهَا غَيرَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، فَيَمُرُّ بِمَكَّةَ فَإِذَا هُوَ بِخَلقٍ عَظِيمٍ، فَيَقُولُ: مَن أَنتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا مِيكَائِيلُ، بَعَثَنِي اللهُ لِأَمنَعَكَ مِن حَرَمِهِ، وَيَمُرُّ بِالمَدِينَةِ فَإِذَا هُوَ بِخَلقٍ عَظِيمٍ، فَيَقُولُ: مَن أَنتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا جِبرِيلُ بَعَثَنِي اللهُ لِأَمنَعَكَ مِن حَرَمِ رَسُولِهِ».

وَفِي رِوَايَةٍ: «وَإِنَّهُ لَا يَبقَى شَيءٌ مِنَ الأَرضِ إِلَّا وَطِئَهُ وَظَهَرَ عَلَيهِ إِلَّا مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ، فَإِنَّهُ لَا يَأتِيهِمَا مِن نَقبٍ مِن أَنقَابِهِمَا إِلَّا لَقِيَهُ المَلَائِكَةُ بِالسُّيُوفِ صَلتَةً، فَيَمُرُّ بِمَكَّةَ، فَإِذَا رَأَى مِيكَائِيلَ وَلَّى هَارِبًا، وَيَصِيحُ فَيَخرُجُ إِلَيهِ مِن مَكَّةَ مُنَافِقُوهَا، وَيَمُرُّ بِالمَدِينَةِ كَذَلِكَ، حَتَّى يَنزِلَ عِندَ الغَرِيبِ الأَحمَرِ عِندَ مُنقَطَعِ السَّبخَةِ».

وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا عِندَ ابنِ حِبَّانَ فِي «صَحِيحِهِ» فِي كِتَابِ التَّوحِيدِ: «فَيسِيرُ حَتَّى يَنزِلَ بِنَاحِيَةِ المَدِينَةِ، وَهِيَ يَومَئِذٍ لَهَا سَبعَةُ أَبوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ، فَيُخرِجُ اللهُ شِرَارَ أَهلِهَا».

لقاؤه مع الخضر
فَيَتَوَجَّهُ إِلَيهِ رَجُلٌ مِنَ المُؤمِنِينَ وَيَقُولُ لِأَصحَابِهِ: وَاللهِ لَأَنطَلِقَنَّ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَلَأَنظُرَنَّ: أَهُوَ الَّذِي أَنذَرَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ أَم لَا؟ فَيَنطَلِقُ يَمشِي حَتَّى يَأتِيَ مَسَالِحَ الدَّجَّالِ – أَي خُفَرَاءَهُ وَطَلَائِعَهُ – فَيَقُولُونَ لَهُ: أَينَ تُرِيْدُ؟ فَيَقُولُ: أَعمَدُ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي خَرَجَ فَيَقُولُونَ لَهُ: أَوَ مَا تُؤمِنُ بِرَبِّنَا؟ فَيَقُولُ: مَا بِرَبِّنَا خَفَاءٌ، فَيَقُولُونَ: اقتُلُوهُ، فَيَقُولُ بَعضُهُم لِبَعضٍ: أَلَيسَ قَد نَهَاكُم رَبُّكُم أَن تَقتُلُوا أَحَدًا دُونَهُ؟! فَيُرسِلُونَ إِلَى الدَّجَّالِ: إِنَّا قَد أَخَذنَا مَن يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، أَفَنَقتُلُهُ أَو نُرسِلُهُ؟ قَالَ: أَرسِلُوهُ إِلَيَّ، فَيَنطَلِقُونَ بِهِ إِلَى الدَّجَّالِ، فَإِذَا رَآهُ المُؤمِنُ عَرَفَهُ بِنَعتِ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَيَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا الدَّجَّالُ الَّذِي ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ، فَيَأمُرُ بِهِ الدَّجَّالُ فَيُشبَحُ [أَي يُربَطُ] ثُمَّ يَقُولُ: لَتُطِيعَنِّي فِيمَا أَمَرتُكَ وَإِلَّا شَقَقتُكَ شِقَّتَينِ، فَيُنَادِي المُؤمِنُ: أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا المَسِيحُ الكَذَّابُ، مَن عَصَاهُ فَهُوَ فِي الجَنَّةِ، فَيَقُولُ لَهُ الدَّجَّالُ: وَالَّذِي أَحلِفُ بِهِ لَتُطِيعَنِّي أَو لَأَشُقَّنَّكَ شِقَّتَينِ، فَيَقُولُ: أَنتَ المَسِيحُ الكَذَّابُ، فَيُؤمَرُ بِهِ فَيُؤشَرُ بِالمِنشَارِ مِن مَفرِقِهِ حَتَّى يُفَرِّقَ بَينَ رِجلَيهِ.

ثُمَّ يَمشِي الدَّجَّالُ بَينَ القِطعَتَينِ وَيَقُولُ لِأَولِيَائِهِ: أَرَأَيتُم إِن أَحيَيتُهُ أَلَستُم تَعلَمُونَ أَنِّي رَبُّكُم؟ قَالُوا: بَلَى، فَيَضرِبُ أَحَدَ شِقَّيهِ وَيَقُولُ لَهُ: قُم، فَيَستَوِي قَائِمًا، فَلَمَّا رَآهُ أَولِيَاؤُهُ صَدَّقُوهُ وَأَيقَنُوا أَنَّهُ رَبُّهُم وَأَجَابُوهُ وَاتَّبَعُوهُ، وَقَالَ لِلمُؤمِنِ: أَلَا تُؤمِنُ بِي؟ فَيَقُولُ: مَا ازدَدتُ فِيكَ إِلَّا بَصِيرَةً، ثُمَّ نَادَى فِي النَّاسِ: أَلَا إِنَّ هَذَا المَسِيحَ الكَّذَّابَ، وَإِنَّهُ لَا يَفعَلُ بَعدِي بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَيَأخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذبَحَهُ فَيُجعَلُ مَا بَينَ رَقَبَتِهِ إِلَى تَرقُوَتِهِ نُحَاسًا فَلَا يَستَطِيعُ إِلَيهِ سَبِيلًا، فَيَأخُذُ بِيَدَيهِ وَرِجلَيهِ فَيَقذِفُ بِهِ فَيَحسَبُ النَّاسُ أَنَّمَا قَذَفَهُ فِي النَّارِ وَإِنَّمَا أُلقِيَ فِي الجَنَّةِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «هَذَا أَقرَبُ امرِئٍ دَرَجَةً مِنِّي، وَأَعظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِندَ رَبِّ العَالَمِينَ».

تفسير الرجل المؤمن في هذه القصة
قَالَ البَرزَنجِيُّ: وَهَذَا الرَّجُلُ المُؤمِنُ هُوَ الخَضِرُ عَلَيهِ السَّلَامُ عَلَى الأَصَحِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَعضِ الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، مِنهَا: مَا رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ فِي كِتَابِ التَّوحِيدِ مِن «صَحِيحِهِ» فِي ذِكرِ الدَّجَّالِ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: «وَلَعَلَّهُ يُدرِكُهُ بَعضُ مَن رَآنِي أَو سَمِعَ كَلَامِي»، وَهَذَا البَعضُ هُوَ الخَضِرُ لِأُمُورٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ مَن عَدَا الخَضِرَ وَعِيسَى عَلَيهِمَا السَّلَامُ لَم يَبقَ أَحَدٌ مِمَّن رَآهُ ﷺ بِالإِجمَاعِ، وَلَيسَ هَذَا هُوَ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ لِأَنَّ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ يَقتُلُ الدَّجَّالَ وَهَذَا الرَّجُلُ يَقتُلُهُ الدَّجَّالُ.

ثَانِيهَا: رَوَى الدَّارَقُطنِيُّ فِي «الأَفرَادِ» عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّهُ قَالَ: «نُسِئَ [أي أُخِّرَ] لِلخَضِرِ فِي أَجَلِهِ حَتَّى يُكَذِّبَ الدَّجَّالَ»، وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: يُقَالُ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ الخَضِرُ عَلَيهِ السَّلَامُ.

كيف عاش الخضر إلى آخر الزمان إلى أن كَذَّب بالدجال
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرحِهِ لِمُسلِمٍ: جُمهُورُ العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ حَيٌّ مَوجُودٌ بَينَ أَظهُرِنَا وَذَلِكَ ‌مُتَّفَقٌ ‌عَلَيهِ عِندَ ‌الصُّوفِيَّةِ وَأَهلِ الصَّلَاحِ وَالمَعرِفَةِ وَحِكَايَاتُهُم فِي رُؤيَتِهِ وَالِاجتِمَاعِ بِهِ وَالأَخذِ عَنهُ وَسُؤَالِهِ وَجَوَابِهِ وَوُجُودِهِ فِي المَوَاضِعِ الشَّرِيفَةِ وَمَوَاطِنِ الخَيرِ أَكثَرُ مِن أَن يُحصَرَ وَأَشهَرُ مِن أَن يُستَرَ، وَقَالَ الشَّيخُ أَبُو عَمرِو بنُ الصَّلَاحِ: هُوَ حَيٌّ عِندَ جَمَاهِيرِ العُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالعَامَّةُ مَعَهُم فِي ذَلِكَ.اهـ

وَثَبت فِي الصَّحِيحَينِ: أَن سَبَب تَسمِيَتِهِ الخَضِرَ، أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَروَةٍ بَيضَاءَ، فَإِذَا هِيَ تَهتَزُّ تَحتَهُ خَضرَاءَ. وَالفَروَةُ: الأَرضُ اليَابِسَةُ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: كُنيَتُهُ: أَبُو العَبَّاسِ، وَهَذَا مُتَّفق عَلَيهِ. أَمَّا عَن كَونِ الخَضِرِ نَبِيًّا أَم وَلِيًّا، فَقَدِ اختَلَفَ فِيهِ الفُقَهَاءُ وَالمُحَدِّثُونَ وَأَهلُ التَّارِيخِ.. وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي تَفسِيرِهِ: وَالجُمهُورُ عَلَى أَنَّهُ نَبِيٌّ. وَكَانَ عِلمُهُ مَعرِفَةَ بَوَاطِنَ أُوحِيَت إِلَيهِ.اهـ

قصة شرب الخضر من ماء عين الحياة
وَالسَّبَبُ فِي بَقَائِهِ حَيًّا أَنَّهُ شَرِبَ شَيئًا وَكَانَ قَد سَارَ إِلَيهِ لِسَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ حَتَّى وَصَلَ إِلَيهِ، سَارَ مَعَ جَيشٍ عَظِيمٍ فِي رِحلَةٍ عَجِيبَةٍ استَمَرَّتِ اثنَتَي عَشرَةَ سَنَةً، وَكَانَ تَحتَ إِمرَةِ ذِي القَرنَينِ وَهُوَ الَّذِي بَنَى السَّدَّ عَلَى يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ كَمَا سَنَذكُرُهُ فِي قِصَّتِهِم. وَهَذِهِ القِصَّةُ الَّتِي سَنَذكُرُهَا رَوَاهَا السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ المَنثُورِ وَشَيءٌ مِنهَا فِي الفَتحِ لِابنِ حَجَرٍ وَرَوَاهَا ابنُ حَجَرٍ أَيضًا فِي الإِصَابَةِ وَابنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِ دِمَشقَ وَغَيرُهُمُ الكَثِيرُ رَوَوهَا، فَأَنَا أَذكُرُ لَكُم مَجمُوعَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِيهَا.

ذُو القَرنَينِ كَانَ مِن عُبَّادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، وَكَانَ قَد مَلَكَ مَا بَينَ المَشرِقِ وَالمغرِب، كَانَ أَحَدَ المُلُوكِ الأَربَعَةِ الذينَ مَلَكُوا الأَرضَ، فَقَد مَلَكَ الأَرضَ أَربَعَةٌ، مُؤمِنَانِ وَكَافِرَانِ، وكَانَ لَهُ صَدِيقٌ مِنَ المَلَائِكَةِ يُقَالُ لَهُ رَفَائِيلُ، وَكَانَ هَذَا المَلَكُ يَأتِي ذَا القَرنَينِ وَيَزُورُهُ، فَبَينَمَا هُمَا ذَاتَ يومٍ يَتَحَدَّثَانِ، إِذ قَالَ ذُو القَرنَينِ لِلمَلَكِ: حَدِّثنِي كَيفَ عِبَادَتُكُم فِي السَّمَاء؟ فَقَالَ: وَمَا عِبَادَتُكُم عِندَ عِبَادَتِنَا، إِنَّ فِي السَّمَاءِ لَمَلائِكَةً قِيَامًا وَسُجَّدًا وَرُكَّعًا وَيَقُولُونَ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ، رَبُّ المَلَائِكَةِ والرُّوحِ، رَبَّنَا مَا عَبَدنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ. فَبَكَىذُو القَرنَينِ وَقَالَ: يَا رَفَائِيلُ، إِنِّي أُحِبُّ أَن أُعَمِّرَ، حَتَّى أَبلُغَ عِبَادَةَ رَبِّي حَقَّ طَاعَتِهِ، قَالَ: وَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَم، فَقَالَ: فَإِنَّ للهِ عَينًا تُسَمَّى عَينَ الحَيَاةِ، مَن شَرِبَ مِنهَا شَربَةً يَعِيشُ طَوِيلًا إِلَى ءَاخِرِ الزَّمَانِ- حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسأَلُ رَبَّهُ المَوتَ. فَقَالَ ذُو القَرنَينِ: فَهَل تَعلَمُ مَوضِعَهَا، قَالَ: لَا، غَيرَ أَنَّا نَتَحَدَّثُ فِي السَّمَاءِ أَنَّ للهِ ظُلمَةً فِي الأَرضِ، لَم يَطَأهَا إِنسٌ وَلَا جَانٌّ، فَنَحنُ نَظُنُّ أَنَّ تِلكَ العينَ فِي تِلكَ الظُّلمَةِ.

بَعدَ أَن عَرَفَ ذُو القَرنَينِ عَن مَاءِ الحَيَاةِ مِن صَدِيقِهِ المَلَكِ رَفَائِيل، جَمَعَ عُلَمَاءَ الأَرضِ فَسَأَلَهُم عَن مَاءِ الحَيَاة، فَقَالَ: هَل عِندَكُم عِلمٌ بِأَنَّ اللهَ وَضَعَ فِي الأَرضِ عَينًا سَمَّاهَا عَينَ الحَيَاة؟ قَالُوا: لَا، فَقَالَ ذُو القَرنَينِ: فَهَل عَلِمتُم أَنَّ اللهَ وَضَعَ فِي الأَرضِ ظُلمَةً لَم يَطَأهَا إِنسٌ وَلَا جَانٌّ؟ فَقَالَ عَالِمٌ مِنهُم: أَيُّهَا المَلِكُ، لِمَ تَسأَلُ عَن هَذَا؟ فَأَخبَرَهُ بِمَا قَالَ لَهُ المَلَكُ رَفَائِيلُ، فَقَالَ: أَيُّهَا المَلِكُ، إِنِّي قَرَأتُ فِي وَصِيَّةِ ءادَمَ عَليهِ السَّلامُ أَنَّ اللهَ وَضَعَ فِي الأَرضِ ظُلمَةً لَم يَطَأهَا إِنسٌ وَلَا جَانٌّ، فَقَالَ ذُو القَرنَينِ: فَأَينَ وَجَدتَهَا مِنَ الأَرضِ؟ قَالَ: وَجَدتُهَا عِندَ قَرنِ الشَّمسِ. يَعنِي أَوَّلَ مَا تَطلُعُ عِندَ بُزُوغِهَا.

فَتَجَهَّزَ ذُو القَرنَينِ وَسَار اثنَتَي عَشرَةَ سَنَةً لِيَشرَبَ مِن مَاءِ الحَيَاةِ، لَكِن مَا قَدَّرَ اللهُ لِذِي القَرنَينِ أَن يَشرَبَ مِنهَا، وَإِنَّمَا شَرِبَ مِنهَا بَليَاءُ بنُ مَلكَانَ، المَعرُوفُ بِالخَضِرِ عَلَيهِ السَّلَامُ، وَكَانَ الخَضِرُ قَائِدًا فِي جَيشِ ذِي القَرنَينِ، وَبَعدَ أَن سَارُوا اثنَتَي عَشرَةَ سَنَةً وَصَلُوا إِلَى طَرَفِ الظُّلمَةِ، فَإِذَا هِيَ لَيسَت بِلَيلٍ، وَإنَّمَا هِيَ ظُلمَةٌ تَفُورُ مِثلَ الدُّخَانِ، فَجَمَعَ عُلَمَاءَ أَهلِ عَسكَرِهِ فَقَالَ لَهُم: إِنِّي أُرِيدُ أَن أَسلُكَ هَذِهِ الظُّلمَةَ، فَقَالُوا: أَيُّهَا المَلِكُ، قَد كَانَ قَبلَكَ الأنبياءُ والمُلوكُ فَلَم يَطلُبُوا هَذِه الظُّلمَة، فَإِنَّا نَخَافُ أَن يُصِيبَكَ أَمرٌ تَكرَهُهُ وَيَكُونَ فِيهِ فَسَادُ أَهلِ الأَرضِ، فَقَالَ: فَجَمَعَ مِن عَسكَرِهِ سِتَّةَ ءالافِ رَجُلٍ وَفَرَسٍ وَوَضَعَ الخَضِرَ قَائِدًا، عَلَى مُقَدِّمَة أَلفَا رَجُلٍ مِنَ الجُنُودِ، وَخَرَجَ هُوَ مَعَ أَربَعَةِ ءَالافٍ، فَسَارَ الخَضِرُ حَتَّى وَصَلَ إِلَى شَفِيرِ وَادٍ، فَإِذَا هُوَ عَلَى حَافَةِ عَينٍ مِن مَاءٍ، فَإِذَا هُوَ مَاءٌ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأحلَى مِنَ الشَّهدِ أَيِ العَسَلِ، فَشَرِبَ مِنهُ وَاغتَسَلَ وَتَوَضَّأَ.

وَأَمَّا ذُو القَرنَينِ فَسَارَ فِي طَرِيقٍ ءاخَرَ فَأَخطَأَ طَرِيقَ الوَادِي وَلَم يَصِل إِلَى عَينِ الحَيَاةِ، وَإِنَّمَا سَلَكَ تِلكَ الظُّلمَةِ أَربَعِينَ يَومًا حَتَّى وَصَلَ إِلَى ضَوءٍ لَيسَ بِضَوءِ شَمسٍ وَلَا قَمَرٍ، فَرَأَى أَرضًا حَمرَاءَ، وَإِذَا فِي تِلكَ الأَرضِ قَصرٌ ضَخمٌ كَبِيرٌ لَهُ أَبوَابٌ، فَنَزَلَ ذُو القَرنَينِ بِعَسكَرِهِ، ثُمَّ سَارَ وَحدَهُ حَتَّى نَزَلَ القَصرَ، فَوَجَدَ طَائِرًا أَسوَدَ، فَتَكَلَّمَ الطَّائِرُ وَقَالَ: مَن أَنتَ؟ قَالَ: ذُو القَرنَينِ، قَالَ الطَّائِرُ: أَمَا كَفَاكَ مَا وَرَاءَكَ حَتَّى قَطَعتَ الظُّلمَةَ وَوَصَلتَ إِلَيَّ يَا ذَا القَرنَينِ؟! ثُمَّ سَأَلَهُ أَسئِلَةً عَن أَحوَالِ النَّاسِ وَعَن تَمَسُّكِهِم بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَعَن الصَّلَاةِ، وَسَأَلَهُ عَن شَهَادَةِ الزُّورِ وَالمَعَازِفِ، هَلِ انتَشَرَت فِي الأَرضِ؟ ثُمَّ طَلَبَ مِن ذِي القَرنَينِ أَن يَصعَدَ إِلَى أَعلَى القَصرِ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى أَعلَاهُ وَجَدَ شَخصًا رَافِعًا رَأسَهُ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى فَمِهِ، فَسَلَّمَ عَلَيهِ ذُو القَرنَينِ فَرَدَّ عَلَيهِ السَّلَامَ ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَن أَنتَ؟ فَقَالَ: أَنَا ذُو القَرنَينِ، فَمَن أَنتَ؟ قَالَ: أَنَا صَاحِبُ الصُّورِ -أَيِ المَلَكُ إِسرَافِيلُ الذي وَكَّلَهُ اللهُ بالنَّفخِ بالبُوقِ يَومَ القِيَامَةِ- قَالَ: فَمَا لِي أَرَاكَ وَاضِعًا يَدَكَ عَلَى فِيكَ رَافِعًا رَأسَكَ؟ قَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ قَدِ اقتَرَبَت، فَأَنَا أَنتَظِرُ مِن رَبِّي أَن يَأمُرَنِي أَن أَنفُخَ فَأَنفُخَ، ثُمَّ أَخَذَ صَاحِبُ الصُّورِ مِن بَينِ يَدَيهِ شَيئًا كَأَنَّهُ حَجَرٌ فَقَالَ: خُذ هَذَا يَا ذَا القَرنَينِ، فَإِن شَبِعَ هَذَا الحَجَرُ شَبِعتَ وَإِن جَاعَ جُعتَ. أَخَذَ ذُو القَرنَينِ الحَجَرَ وَعَادَ إِلَى أَصحَابِهِ، وَحَدَّثَهُم عَنِ الطَّائِرِ وَعَنِ المَلَكِ إِسرَافِيلَ، وَطَلَبَ مِنهُم مَعرِفَةَ سِرِّ الحَجَرِ، فَوَضَعَ العُلَمَاءُ الحَجَرَ فِي كَفَّةِ المِيزَانِ، وَوَضَعُوا حَجَرًا عَادِيًّا بِحَجمِهِ فِي الكَفَّةِ الأُخرَى، فَرَجَحَ الحَجَرُ الذِي أَتَى بِهِ ذُو القَرنَينِ، وَهَكَذَا حَتَّى وَضَعُوا فِي الكَفَّةِ الأُخرَى أَلفَ حَجَرٍ، فَرَجَحَ عَلَيهِم ذَلِكَ الحَجَر! وَالخَضِرُ يَنظُرُ وَهُوَ سَاكِتٌ، فَقَالَ ذُو القَرنَينِ لِلخَضِرِ: هَل عِندَكَ مِن هَذَا عِلمٌ؟ قَالَ: نَعَم، فَأَخَذَ المِيزَانَ ثُمَّ أَخَذَ الحَجَرَ الذِي جَاءَ بِهِ ذُو القَرنَينِ فَوَضَعَهُ فِي إِحدَى الكَفَّتَينِ، ثُمَّ أَخَذَ حَجَرًا بِحَجمِهِ فَوَضَعَهُ فِي الكَفَّةِ الأُخرَى، وَأَخَذَ قَبضَةً مِن تُرَابٍ فَوَضَعَهُ مَعَ الحَجَرِ الآخَرِ، فَرَجَحَ الحَجَرُ الذِي مَعَهُ التُّرَابُ عَلَى حَجَرِ صَاحِبِ الصُّورِ ! فَخَرَّ العُلَمَاءُ سُجَّدًا وَقَالُوا: سُبحَانَ اللهِ، إِنَّ هَذَا العِلمَ مَا نَبلُغُهُ، فَسَأَلَهُ ذُو القَرنَينِ عَن تَفسِيرِ ذَلِكَ؟ فَقَالَ الخَضِرُ: أَيُّهَا المَلِكُ، إِنَّ سُلطَانَ اللهِ قَاهِرٌ لِخَلقِهِ، وَأَمرَهُ نَافِذٌ فِيهِم، وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ لَكَ صَاحِبُ الصُّورِ، أَنَّ اللهَ جَعَلَكَ مَلِكًا عَلَى الدُّنيَا، وَمَكَّنَكَ مِن مَشرِقِ الأَرضِ وَمَغرِبِهَا، وَأَعطَاكَ مِنهَا مَا لَم يُعطِ أَحَدًا، فَلَم يَكفِكَ ذَلِكَ وَلَم تَشبَع، حَتَّى بَلَغتَ مِن سُلطَانِ اللهِ مَا لَم يَبلُغهُ أَحَدٌ، وَمَا لَم يَطلُبهُ إِنسٌ وَلَا جَانٌّ، فَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ لَكَ صَاحِبُ الصُّورِ، أَنَّهُ لَا يَملَأُ عَينَكَ إِلَّا التُّرَابُ، وَأَنَّ ابنَ ءادَمَ لَن يَشبَعَ أَبَدًا حَتَّى يُوَارَى بالتُّرَابِ، فَبَكَى ذُو القَرنَينِ وَقَرَّرَ أَن لَا يَطلُبَ شَيئًا بَعدَ رِحلَتِهِ حَتَّى يَمُوتَ.

وَرَجَعَ ذُو القَرنَينِ إِلَى مَنزِلِه يَعبُدُ اللهَ حَتَّى مَاتَ. وَقَد قَالَ ﷺ فِيمَا رَوَاهُ السُّيُوطِيُّ: «رَحِمَ اللهُ أَخِي ذَا القَرنَينِ، دَخَلَ الظُّلمَةَ وَخَرَجَ مِنهَا زَاهِدًا، أَمَا إِنَّهُ لَو خَرَجَ مِنهَا رَاغِبًا لَمَا تَرَكَ مِنهَا حَجَرًا إِلَّا أَخرَجَه».

فَالَّذِي شَرِبَ مِن مَاءِ الحَيَاةِ وَمَا زَالَ حَيًّا إِلَى يَومِنَا هُوَ الخَضِرُ، وَهُوَ الذِي ذَكَرَهُ اللهُ فِي قِصَّةِ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ فِي سُورَةِ الكَهفِ.

قَالَ تَاجُ الدِّينِ السُّبكِيُّ: قَالَ البَيهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ أَخبَرَنَا أَبُو عَبدِ اللهِ الْحَافِظُ أَخبَرَنِي أَبُو عَبدِ اللهِ الزُّبَيرُ بنُ عَبدِ الْوَاحِدِ الْحَافِظُ قَالَ: سَمِعتُ أَبَا سَعِيدٍ مُحَمَّدَ بنَ عَقِيلٍ الفِريَابِيَّ يَقُولُ: قَالَ المُزَنِيُّ أَوِ الرَّبِيعُ: كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَينَ الظُّهْرِ وَالْعَصرِ عِنْدَ الصَّحنِ فِي الصُّفَّةِ وَالشَّافِعِيُّ قَدِ اسْتَنَدَ إِمَّا قَالَ إِلَى الأسطُوَانَةِ وَإِمَّا قَالَ إِلَى غَيرِهَا إِذْ جَاءَ شَيخٌ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وَعِمَامَةُ صُوفٍ وَإِزَارُ صُوفٍ وَفِي يَدِهِ عُكَّازُهُ قَالَ فَقَامَ الشَّافِعِيُّ وَسَوَّى عَلَيْهِ ثِيَابَهُ وَاستَوَى جَالِسًا قَالَ وَسَلَّمَ الشَّيْخُ وَجَلَسَ وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ يَنظُرُ إِلَى الشَّيْخِ هَيْبَةً لَهُ إِذْ قَالَ لَهُ الشَّيْخُ أَسأَلُ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: سَلْ، قَالَ: أَيشٍ الْحُجَّةُ فِي دِينِ اللهِ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كِتَابُ اللهِ، قَالَ: وَمَاذَا؟ قَالَ: وَسُنَّةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ، قَالَ: وَمَاذَا؟ قَالَ: اتِّفَاقُ الْأُمَّةِ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ قُلتَ: اتِّفَاقُ الْأُمَّةِ؟ قَالَ: مِن كِتَابِ اللهِ، قَالَ: مِن أَيْنَ فِي كِتَابِ اللهِ؟ قَالَ: فَتَدَبَّرَ الشَّافِعِيُّ سَاعَةً، فَقَالَ الشَّيْخُ: قَد أَجَّلتُكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا، تَأْتِي بِحُجَّةٍ مِن كِتَابِ اللهِ فِي الِاتِّفَاقِ، قَالَ: فَتَغَيَّرَ لَونُ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ إِنَّهُ ذَهَبَ فَلَمْ يَخرُجْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ، قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْنَا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَعْنِي بَينَ الظُّهْرِ وَالْعَصرِ وَقَدِ انتَفَخَ وَجْهُهُ وَيَدَاهُ وَرِجلَاهُ فَجَلَسَ، قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بِأَسرَعَ مِن أَنْ جَاءَ الشَّيْخُ فَسَلَّمَ وَجَلَسَ، فَقَالَ: حَاجَتِي، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: نَعَمْ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيرَ سَبِيلِ الْمُؤمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} لَا نُصلِيهِ عَلَى خِلَافِ الْمُؤمِنِينَ إِلَّا وَهُوَ فَرضٌ، فَقَالَ: صَدَقتَ، وَقَامَ وَذَهَبَ، قَالَ الفِريَابِيُّ: قَالَ المُزَنِّيُّ أَوِ الرَّبِيعُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ لَمَّا ذَهَبَ الرَّجُلُ: قَرَأتُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حَتَّى وَقَفتُ عَلَيْهِ.اهـ قُلتُ: إِنْ ثَبَتَتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّيْخُ الْخَضِرُ عَلَيهِ السَّلَامُ، وَقَد فَهِمَهُ الشَّافِعِيُّ حِينَ أَجَّلَهُ وَاستَمَعَ لَهُ وَأَصغَى لَهُ وَاعْتَمَدَ إِشَارَتَهُ، وَسَنَدُ هَذِهِ الْحِكَايَةِ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. انتَهَى كَلَامُ السُّبكِيُّ.

عدم قدرة الدجال على دخول مكة والمدينة وخلاص المدينة من المنافقين
وَرُوِيَ عَن عَبدِ اللهِ بنِ شَقِيقٍ عَن مِحجَنِ بنِ الأَدرَعِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ خَطَبَ فَقَالَ: ((يَومُ الخَلَاصِ وَمَا يَومُ الخَلَاصِ يَومُ الخَلَاصِ وَمَا يَومُ الخَلَاصِ يَومُ الخَلَاصِ وَمَا يَومُ الخَلَاصِ ثَلَاثًا فَقِيلَ لَهُ: وَمَا يَومُ الخَلَاصِ قَالَ: يَجِيءُ الدَّجَّالُ فَيَصعَدُ أُحُدًا فَيَنظُرُ المَدِينَةَ فَيَقُولُ لِأَصحَابِهِ: أَتَرَونَ هَذَا القَصرَ الأَبيَضَ؟ هَذَا مَسجِدُ أَحمَدَ ثُمَّ يَأتِي المَدِينَةَ فَيَجِدُ بِكُلِّ نَقبٍ مِنهَا مَلَكًا مُصلِتًا فَيَأتِي سَبخَةَ الجُرفِ فَيَضرِبُ رِوَاقَهُ ثُمَّ تَرجُفُ المَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ فَلَا يَبقَى مُنَافِقٌ وَلَا مُنَافِقَةٌ وَلَا فَاسِقٌ وَلَا فَاسِقَةٌ إِلَّا خَرَجَ إِلَيهِ فَذَلِكَ يَومُ الخَلَاصِ)).

قَالَ البَرزَنجِيُّ: وَهَذِهِ إِحدَى مُعجِزَاتِهِ ﷺ وَإِخبَارٌ مِنهُ بِأَنَّ مَسجِدَهُ يُرفَعُ وَيُبَيَّضُ بِالجِصِّ، لِأَنَّهُ فِي زَمَنِهِ كَانَ مَبنِيًّا بِالجَرِيدِ وَالسَّعَفِ، وَقَد وَقَعَ مَا أَخبَرَ بِهِ فَإِنَّ مَسجِدَهُ الشَّرِيفَ يُرَى أَبيَضَ مِن مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَمَناِئَرُه تَلمَعُ بَيَاضًا، وَلَعَلَّ خُرُوجَهُ قَرِيبٌ وَیَرَى هَذَا البِنَاءَ.اهـ

حصار بيت المقدس ونزول عيسى ليقتل الدجال
فَقَالَت أُمُّ شُرَيكٍ بِنتُ أَبِي العَكَرِ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَينَ العَرَبُ يَومَئِذٍ؟ قَالَ: «هُم يَومَئِذٍ قَلِيلٌ وَجُلُّهُم بِبَيتِ المَقدِسِ، وَإِمَامُهُمُ المَهدِيُّ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَيَتَوَجَّهُ إِلَى الشَّامِ فَيَفِرُّ المُسلِمُونَ إِلَى جَبَلِ الدُّخَانِ بِالشَّامِ، فَيَأتِيهِم فَيَحصُرُهُم وَيَشتَدُّ حِصَارُهُم وَيُجهِدُهُم جُهدًا شَدِيدًا» –

حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيهِمُ الحِصَارُ قَالَ رَجُلٌ: إِلَى مَتَى هَذَا الجَهدُ وَالحِصَارُ؟! اخرُجُوا إِلَى هَذَا العَدُوِّ حَتَّى يَحكُمَ اللهُ بَينَنَا: إِمَّا الشَّهَادَةُ وَإِمَّا الفَتحُ، هَل أَنتُم إِلَّا بَينَ إِحدَى الحُسنَيَينِ؟ فَيَتَبَايَعُونَ عَلَى القِتَالِ بَيعَةً يَعلَمُ اللهُ أَنَّهَا الصِّدقُ مِن أَنفُسِهِم، ثُمَّ تَأخُذُهُم ظُلمَةٌ لَا يُبصِرُ أَحَدُهُم كَفَّهُ، فَيَنزِلُ ابنُ مَريَمَ عَلَيهِ السَّلَامُ، فَيُحسَرُ عَن أَبصَارِهِم وَبَينَ أَظهُرِهِم رَجُلٌ عَلَيهِ لَأمَةٌ، فَيَقُولُونَ: مَن أَنتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَبدُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ، عِيسَى، اختَارُوا إِحدَى ثَلَاثٍ: أَن يَبعَثَ اللهُ عَلَى الدَّجَّالِ وَجُنُودِهِ عَذَابًا جَسِيمًا، أَو يَخسِفَ بِهِمُ الأَرضَ، أَو يُرسِلَ عَلَيهِم سِلَاحَكُم وَيَكُفَّ سِلَاحَهُم عَنكُم؟، فَيَقُولُونَ: هَذِهِ يَا رَسُولَ اللهِ أَشفَى لِصُدُورِنَا، فَيَومَئِذٍ يُرَى اليَهُودِيُّ العَظِيمُ الطَّوِيلُ الأَكُولُ الشَّرُوبُ لَا تُقِلُّ يَدُهُ سَيفَهُ مِنَ الرُّعبِ، فَيَنزِلُونَ إِلَيهِم فَيُسَلَّطُونَ عَلَيهِم.

وَفِي رِوَايَةٍ: فَبَينَمَا إِمَامُهُم – أَيِ المَهدِيُّ – وَقَد تَقَدَّمَ يُصَلِّي بِهِمُ الصُّبحَ إِذ نَزَلَ عَلَيهِم نَبِيُّ اللهِ عِيسَى ابنُ مَريَمَ عَلَيهِ السَّلَامُ لِلصُّبحِ، فَرَجَعَ المَهدِيُّ قَهقَرَى لِيَتَقَدَّمَ عِيسَى ﷺ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، وَيُقَالُ لَهُ: يَا رُوحَ اللهِ، تَقَدَّم – أَي يَقُولُ لَهُ بَعضُ مَن لَم يُحرِم بِالصَّلَاةِ – فَيَقُولُ: لِيَتَقَدَّم إِمَامُكُم فَليُصَلِّ بِكُم، وَيَضَعُ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ يَدَهُ بَينَ كَتِفَيهِ فَيَقُولُ لَهُ: تَقَدَّم فَإِنَّهَا لَكَ أُقِيمَت، فَيُصَلِّي بِهِم إِمَامُهُم، فَإِذَا انصَرَفَ قَالَ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ: افتَح فَيَفتَحُ، وَوَرَاءَ الدَّجَّالِ سَبعُونَ أَلفَ يَهُودِيٍّ كُلُّهُم ذُو سَيفٍ مُحَلًّى وَسَاجٍ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَيهِ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ المِلحُ فِي المَاءِ وَانطَلَقَ هَارِبًا، فَيَقُولُ لَهُ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ: إِنَّ لِي فِيكَ ضَربَةً لَن تَسبِقَنِي بِهَا، فَيُدرِكُهُ عِندَ بَابِ لُدٍّ الشَّرقِيِّ (بِضَمِّ اللَّامِ وَتَشدِيدِ الدَّالِ المُهمَلَةِ بِوَزنِ مُدٍّ: بَلَدٌ بِنَاحِيَةِ بَيتِ المَقدِسِ، بَينَهُ وَبَينَ الرَّملَةِ مِقدَارُ فَرسَخٍ إِلَى جِهَةِ دِمَشقَ مُتَّصِلَةٌ نَخِيلُهُ بِنَخِيلِهَا) فَيَقتُلُهُ وَيَهزِمُ اللهُ اليَهُودَ.اهـ

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسلِمٍ: فَبَينَمَا هُوَ – أَيِ الدَّجَّالُ – كَذَلِكَ إِذ بَعَثَ اللهُ المَسِيحَ ابنَ مَريَمَ، فَيَنزِلُ عِندَ المَنَارَةِ البَيضَاءِ شَرقِيَّ دِمَشقَ بَينَ مَهرُوذَتَينِ – أَي بِالذَّالِ المُعجَمَةِ وَالمُهمَلَةِ أَي مَصبُوغَتَينِ بِالهَردِ، وَهُوَ شَيءٌ أَصفَرُ، أَو بِالزَّعفَرَانِ أَوِ الوَرسِ – وَاضِعًا كَفَّيهِ عَلَى أَجنِحَةِ مَلَكَينِ، إِذَا طَأطَأَ رَأسَهُ قَطَرَ – أَيِ المَاءُ – مِن شَعَرِهِ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنهُ مِثلُ الجُمَانِ (أَي بِضَمِّ الجِيمِ وَتَخفِيفِ المِيمِ: حَبَّاتٌ مِنَ الفِضَّةِ عَلَى هَيئَةِ اللُّؤلُؤِ الكِبَارِ)، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ مِن رِيحِ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنتَهِي حَيثُ يَنتَهِي طَرفُهُ، فَيَطلُبُهُ حَتَّى يُدرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقتُلُهُ.

وَيَهزِمُ اللهُ اليَهُودَ وَأَصحَابَ الدَّجَّالِ، فَلَا يَبقَى شَيءٌ مِمَّا خَلَقَ اللهُ يَتَوَارَى بِهِ يَهُودِيٌّ إِلَّا أَنطَقَ اللهُ ذَلِكَ الشَّيءَ، لَا شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ وَلَا حَائِطٌ وَلَا دَابَّةٌ إِلَّا قَالَ: يَا عَبدَ اللهِ المُسلِمَ، هَذَا يَهُودِيٌّ. وَفِي رِوَايَةٍ: هَذَا دَجَّالٌ فَتَعَالَ فَاقتُلهُ، إِلَّا الغَرقَدَ، فَإِنَّهَا مِن شَجَرِ اليَهُودِ لَا يَنطِقُ. قَالَ ﷺ: «فَيَكُونُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ فِي أُمَّتِي حَكَمًا عَدلًا وَإِمَامًا مُقسِطًا».

كيفية النجاة من الدجال
وَأَمَّا كَيفِيَّةُ النَّجَاةِ مِنهُ: فَاعلَم أَنَّ النَّجَاةَ مِنهُ بِالعِلمِ وَالعَمَلِ.

أَمَّا العِلمُ: فَبِأَن يَعلَمَ أَنَّهُ يَأكُلُ وَيَشرَبُ، وَأَنَّ اللهَ مُنَزَّهٌ عَن ذَلِكَ، وَأَنَّهُ أَعوَرُ، وَأَنَّ اللهَ لَيسَ بِأَعوَرَ، وَأَنَّ أَحَدًا لَا يَرَى رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ، وَهَذَا يَرَاهُ النَّاسُ أَحيَاءَ قَبلَ مَوتِهِم، إِلَى غَيرِ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ.

وَأَمَّا العَمَلُ: فَبِأَن يَلتَجِأَ إِلَى أَحَدِ الحَرَمَينِ، فَإِنَّهُ لَا يَدخُلُهُمَا، أَو إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى، فَفِي بَعضِ الرِّوَايَاتِ لَا يَدخُلُهُمَا أَيضًا، وَبِأَن يَقرَأَ وَيَحْفَظَ عَشرَ آيَاتٍ مِن أَوَّلِ سُورَةِ الكَهفِ.

وَبِأَن يَهرُبَ مِنهُ فِي الجِبَالِ وَالبَرَارِي فَإِنَّهُ أَكثَرُ مَا يَدخُلُ القُرَى، فَعَن عُبَيدِ بنِ عُمَرَ: لَيَصحَبَنَّ الدَّجَّالَ أَقوَامٌ يَقُولُونَ: إِنَّا لَنَصحَبُهُ وَإِنَّا لَنَعلَمُ أَنَّهُ لَكَافِرٌ، وَلَكِنَّا نَصحَبُهُ نَأكُلُ مِن طَعَامِهِ، وَنَرعَى مِنَ الشَّجَرِ، فَإِذَا نَزَلَ غَضَبُ اللهِ نَزَلَ عَلَيهِم كُلِّهِم، رَوَاهُ نُعَيمُ بنُ حَمَّادٍ.

وَبِأَن يَتفُلَ فِي وَجهِهِ. فَعَن أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ مَرفُوعًا: «فَمَن لَقِيَهُ مِنكُم فَليَتفُل فِي وَجهِهِ»، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ.

وَبِالتَّسبِيحِ وَالتَّكبِيرِ وَالتَّهلِيلِ، فَإِنَّهُ قُوتُ المُؤمِنِ فِي ذَلِكَ القَحطِ، وَمَنِ ابتُلِيَ بِهِ فَليَثبُت وَليَصبِر.

فَائِدَةٌ: قَالَ ابنُ مَاجَه: سَمِعتُ الطَّنَافِسِيَّ يَقُولُ: سَمِعتُ المُحَارِبِيَّ يَقُولُ: يَنبَغِي أَن يُدفَعَ هَذَا الحَدِيثُ – يَعنِي حَدِيثَ الدَّجَّالِ – إِلَى المُؤَدِّب حَتَّى يُعَلِّمَهُ الصِّبيَانَ فِي الكُتَّابِ.اهـ وَقَد وَرَدَ أَنَّ مِن عَلَامَاتِ قُربِ خُرُوجِهِ نِسيَانُ ذِكرِهِ عَلَى المَنَابِرِ.

السؤال الفقهي
البعض يورد كلاما وينسبه للنبي ﷺ يقولون فيه: (خَمسٌ يُفَطِّرنَ الصَّائِمَ: النَّظرَةُ المُحَرَّمَةُ وَالكَذِبُ وَالغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالقُبلَةُ) فهل له أصل؟
هَذَا حَدِيثٌ مَكذُوبٌ

حَدِيثُ: (خَمسٌ يُفَطِّرنَ الصَّائِمَ: النَّظرَةُ المُحَرَّمَةُ وَالكَذِبُ وَالغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ وَالقُبلَةُ) لا أَصلَ لَهُ بَل هُوَ مَكذُوبٌ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، وَلَكِن بَعضُهَا يُذهِبُ ثَوَابَ الصِّيَامِ كَالنَّمِيمَةِ.

مختارات من الأدعية والأذكار
أدعية المكروب
عَن إِبرَاهِيمَ بنِ محَمَّدِ بنِ سَعدٍ عَن أَبِيهِ عَن جَدِّهِ هُوَ سَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ الله ﷺ دَعوَةً، ثُمَّ جَاءَهُ أَعرَابِيٌّ فَشَغَلَهُ، فَاتَّبَعتُهُ، فَالتَفَتَ إِلَيَّ، فَقَالَ «أَبُو إِسحَقَ»، قُلتُ: نَعَم. قَالَ «فَمَه» قُلتُ ذَكَرتَ دَعوَةً ثُمَّ جَاءَكَ أَعرَابِيٌّ فَشَغَلَكَ، قَالَ: «نعَم، دَعوَةُ ذِي النُّونِ عَلَيهِ السَّلَامُ إِذ نَادَى وَهُوَ فِي بَطنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمينَ، فَإِنَّهُ لَن يَدعُوَ بِهَا مُسلِمٌ فِي شَىءٍ قَطُّ إِلَّا استُجِيبَ لَهُ». هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ.

الدعاء الختامي
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِي رَسُولِ اللهِ.

اللهم بِجَاهِ هَذَا الشَّهرِ الفَضِيلِ اغفِر لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا اللهم ارحَمنَا إِذَا أَتَانَا اليَقِينُ، وَعَرِقَ مِنَّا الجَبِينُ، وَكَثُرَ مِنَّا الأَنِينُ. اللهم ارحَمنَا إِذَا يَئِسَ مِنَّا الطَّبِيبُ، وَبَكَى عَلَينَا الحَبِيبُ، وَتَخَلَّى عَنَّا القَرِيبُّ. اللهم ارحَمنَا إِذَا اشتَدَّت عَلَينَا السَّكَرَاتُ، وَتَوَالَت عَلَينَا الحَسَرَاتُ وَفَاضَتِ العَبَرَاتُ، وَتَكَشَّفَتِ العَورَاتُ، وتَعَطَّلَتِ القُوَى وَالقُدُرَاتُ. اللهم ارحَمنَا إِذَا بَلَغَتِ التَرَاق وقِيلَ مَن رَاقَ وتَأَكَّدَت فاجِعَةُ الفِرَاقِ لِلأَهلِ وَالرِّفَاقِ.

اللهم ارحَمنَا إِذَا كَفَّنُونَا وَعَلى الأَعنَاقِ حَمَلُونَا وَإِلَى قُبُورِنَا سَاقُونَا وَفِي التُّرَابِ وَضَعُونَا. اللهم ارحَمنَا يَا رَبَّنَا إِذَا نُسِيَ اسمُنَا.

اللهم ارزُقنَا الإِخلَاصَ فِي القَولِ وَالنِّيَّةِ وَالعَمَلِ وَتَقَبَّل مِنَّا الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالقِيَامَ وَالدُّعَاءَ، اللهم استَجِب دُعَاءَنَا يَا ذَا الجَلَالِ وَالإِكرَامِ.

يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحمَتِكَ أَستَغِيثُ أَصلِح لِي شَأنِي كُلَّهُ وَلَا تَكِلنِي إِلَى نَفسِي طَرفَةَ عَينٍ.

اللهم لَكَ أَسلَمنَا وَبِكَ ءَامَنا وَعَلَيكَ تَوَكَّلنا وَإِلَيكَ أَنَبنا وَبِكَ خَاصَمنَا وَإِلَيكَ حَاكَمنَا فَاغفِر لنَا مَا قَدَّمنَا وَمَا أَخَّرنَا وَمَا أَسرَرنَا وَمَا أَعلَنا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا أَنتَ إِلَهنا لا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ اللهم بَاعِد بَينَنَا وَبَينَ خَطَايَانَا كَمَا بَاعَدتَ بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ اللهم نَقِّنا مِن خَطَايَانا كَمَا يُنَقَّى الثَّوبُ الأَبيَضُ مِنَ الدَّنَسِ اللهم اغسِلنَا مِن خَطَايَانَا بِالمَاءِ وَالثَّلجِ وَالبَرَدِ اللهم إِنا ظَلَمنَا أَنفُسَنَا ظُلمًا كَثِيرًا وَلا يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنتَ فَاغفِر لِنَا مَغفِرَةً مِن عِندِكَ وَارحَمنَا إِنَّكَ أَنتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ اللهم نعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِن عُقُوبَتِكَ وَنعُوذُ بِرِضَاكَ مِن سَخَطِكَ وَنعُوذُ بِكَ مِنكَ لا نحصِى ثَنَاءً عَلَيكَ أَنتَ كَمَا أَثنَيتَ عَلَى نَفسِكَ اللهم إِنا نسأَلُكَ العِافِيَةَ فِى الدُّنيَا وَالآخِرَةِ اللهم إِنا نسأَلُكَ العَفوَ وَالعَافِيَةَ فِى دِينِنا وَدُنيَانا وَأَهلِنا وَمَالِنا اللهم استُر عَورَاتِنا وَءَامِن رَوعَاتِنا اللهم احفَظنا مِن بَينِ يَدَنا وَمِن خَلفِنا وَعَن يَمِينِنا وَعَن شِمَالِنا وَمِن فَوقِنا وَنعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَن نغتَالَ مِن تَحتِنا اللهم مُصَرِّفَ القُلُوبِ اصرِف قُلُوبَنَا إِلَى طَاعَتِكَ.

اللهم أَرِنَا الأَقصَى وَغَزَّةَ وَفِلَسطِينَ حُرَّةً اللهم اشفِ صُدُورَ قَومٍ مُؤمِنِينَ اللهم ارحَم أَموَاتَ المُسلِمِينَ اللهم ارزُقنَا الشَّهَادَةَ فِي سَبِيلِكَ مُقبِلِينَ غَيرَ مُدبِرِينَ اللهم اجعَلنَا لِدِينِكَ نَاصِرِينَ وَاجعَلنَا لِأَهلِ فِلَسطِينَ مُعِينِينَ اللهم أَعِنَّا عَلَى نُصرَتِهِم يَا رَؤُوفُ يَا رَحِيمُ اللهم وَحِّد كَلِمَةَ المُسلِمِينَ اللهم اجمَعهُم عَلَى كَلِمَةِ الحَقِّ وَالدِّينِ اللهم أَلِّف بَينَ قُلُوبِهِم وَاجعَلهُم سَنَدًا لِأَهلِ فِلَسطِينَ. اللهم إنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا، اللهم رُدَّ إِلَينَا فِلَسطِينَ وَالمَسجِدَ الأَقصَى رَدًّا جَمِيلًا.

رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ.

اللهم أَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتَقَبَّل مِنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم اجعَلنَا مِن عُتَقَاءِ هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ وَمِنَ المَقبُولِينَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وَارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ. اللهم ارزُقنَا حُسنَ الخِتَامِ وَالمَوتَ عَلَى دِينِكَ دِينِ الإِسلَامِ وَرُؤيَةَ سَيِّدِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.

وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

 

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …