أشراط الساعة (٢٤) | عيسى عليه السلام وبيان عقيدة الإسلام فيه

المقدمة

الحَمدُ للهِ خَالِقِ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ، وَمُبدِعِ الأَنوَاعِ وَالأَجنَاسِ، القَوِيِّ فِي سُلطَانِهِ الشَّدِيدِ البَاسِ، المُنَزَّهِ عَنِ السِّنَةِ وَالنُّعَاسِ، المُخرِجِ رَطبَ الثِّمَارِ مِن يَابِسِ الأَغرَاسِ، قَهَرَ عِزُّهُ كُلَّ صَعبِ المِرَاسِ، لَا يَعزُبُ عَن سَمعِهِ حَرَكَاتُ الأَضرَاسِ، وَلَا دَبِيبُ ذَرٍّ بِاللَّيلِ وَلَا مَا فِي القِرطَاسِ، نَفَذَت مَشيئَتُهُ فَكَم مُجتَهِدٍ عَادَ بِاليَاسِ، ، قَدَّمَ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا ﷺ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ دَبَّرَ وَسَاسَ، فَسُبحَانَ مَن أَجزَلَ لَهُ العَطَا، وَجَعَلَهُ خَيرَ نَبِيٍّ حَارَبَ وَسَطَا، وَقَالَ لِأُمَّتِهِ: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلنَاكُم أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾.

أَحمَدُهُ حَمدًا يَدُومُ بِدَوَامِ اللَّحَظَاتِ وَالأَنفَاسِ، وَأُصَلِّي عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ الَّذِي شَرعُهُ مُستَقِرٌّ ثَابِتُ الأَسَاسِ، وَعَلَى صَاحِبِهِ أَبِي بَكرٍ الثَّابِتِ العَزمِ وَقَدِ ارتَدَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، وَعَلَى عُمَرَ قَاهِرِ الجَبَابِرَةِ مِنَ الجِنِّ وَالنَّاسِ، وَعَلَى عُثمَانَ الصَّابِرِ يَومَ الشَّهَادَةِ عَلَى مَرِيرِ الكَاسِ، وَعَلَى عَلِيٍّ أَهدَى الجَمَاعَةِ إِلَى نَصٍّ أَو قِيَاسٍ، وَعَلَى عَمِّهِ وَصِنوِ أَبِيهِ العَبَّاسِ، أَمَّا بَعدُ:

مقدمة عن عيسى عليه السلام وأمه رضي الله عنها
مَريَمُ اسمٌ أَعجَمِيٌّ غَيرُ مُنصَرِفٍ. وَقِيلَ: مَعنَاهُ بِالعِبرَانِيِّ خَادِمَةُ اللهِ، وَقِيلَ: أَمَةُ اللهِ. وَقِيلَ: مَعنَاهُ المُحرَّرَةُ.

وَمِن فَضَائِلِهَا رضي الله عنها
إِتيَانُ المَلَكِ بِفَاكِهَةِ الجَنَّةِ لِأَجلِهَا، وَنَيلُهَا فِي الشِّتَاءِ فَاكِهَةَ الصَّيفِ؛ وَتَكلِيمُ المَلَائِكَةِ لَهَا، وَإِتيَانُ جِبرِيلَ إِلَيهَا، وَوِلَادَتُهَا لِعِيسَى نَبِيِّ اللهِ مِن غَيرِ مَسِّ الرِّجَالِ، وَبَيَانُ بَرَاءَتِهَا عَلَى لِسَانِ الطِّفلِ الرَّضِيعِ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ، وَتَسَاقُطُ الرُّطَبِ الجَنِيِّ عَلَيهَا مِنَ النَّخلِ اليَابِسِ، وَإِجرَاءُ النَّهَرِ السَّرِيِّ مِن تَحتِ قَدَمِهَا، وَتَفضِيلُهَا عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ، وتَطَهيِرُهَا مِنَ العَيبِ وَالعِصيَانِ وَالفَاحِشَةِ، وَتَكفِيلُهَا لِزَكَرِيَّا عَلَيهِ السَّلَامُ، وَقَبُولُ الحَقِّ تَعَالَى إِيَّاهَا بِالإِنعَامِ وَالإِحسَانِ، وَتَربِيَتُهَا بِفُنُونِ الإِكرَامِ وَالِامتِنَانِ.

وَتَكرَارُ ذِكرِهَا بِالمَدحِ فِى نَصِّ القُرآنِ وَسُمِّيَت سُورَةٌ بِاسمِهَا، وَلَم تُسَمَّ سُورَةٌ بِاسمِ امرَأَةٍ فِي القُرآنِ إِلَّا بِاسمِهَا.

وَدَعَاهَا اللهُ بِاثنَي عَشَرَ اسمًا مُنبِئًا بِفَضلِهَا أَتَمَّ البَيَانِ، دَعَاهَا بِالمُصطَفَاةِ فَقَالَ: ﴿إِنَّ اللهَ اصطَفَاكِ﴾، وَبِالمُطَهَّرَةِ فَقَالَ: ﴿وَطَهَّرَكِ﴾، وَبِالقَانِتَةِ فَقَالَ: ﴿وَكَانَت مِنَ القَانِتِينَ﴾، وَبِالمُحصَنَةِ فَقَالَ: ﴿الَّتِي أَحصَنَت فَرجَهَا﴾، وَبِأَنَّهَا آيَةٌ لِلنَّاسِ فَقَالَ: ﴿وَجَعَلنَاهَا وابنَهَا آيَةً لِّلعَالَمِينَ﴾، وَبِالأُمِّ وَالصِّدِّيقَةِ فَقَالَ: ﴿وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾، وَبِأَنَّهَا وَالِدَةٌ فَقَالَ حَكَايَةً عَن عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي﴾، وَذَكَرَهَا بِاسمِهَا فِى مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنَ القُرآنِ فَقَالَ حِكَايَةً عَن أُمِّهَا: ﴿وَإِنِّي سَمَّيتُهَا مَريَمَ﴾، وَقَالَ حِكَايَةً عَن زَكَرِيَّا عَلَيهِ السَّلَامُ: ﴿يَا مَريَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا﴾، وَقَالَ حِكَايَةً عَنِ المَلَائِكَةِ: ﴿يَا مَريَمُ إِنَّ اللهَ اصطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ، يَا مَريَمُ اقنُتِي لِرَبِّكِ وَاسجُدِي وَاركَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾، وَقَالَ حِكَايَةً عَنِ المَلَائِكَةِ كَذَلِكَ: ﴿يَا مَريَمُ إِنَّ الله يُبَشِّرُكِ﴾، وقال: ﴿إِذ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابنَ مَريَمَ﴾، وَقَالَ سُبحَانَهُ: ﴿ذَلِكَ عِيسَى ابنُ مَريَمَ﴾، وَقَالَ: ﴿وَاذكُر فِي الكِتَابِ مَريَمَ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلنَا ابنَ مَريَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾.

فَمَريَمُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِينَ وَأَفضَلُهُنَّ بِنَصِّ القُرآنِ حَيثُ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَريَمُ إِنَّ اللهَ اصطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ﴾ وَهِيَ كَمَا قَالَ ابنُ عَسَاكِرَ مِن أَولَادِ سُلَيمَانَ بنِ دَاوُدَ بَينَهَا وَبَينَهُ أَربَعَةٌ وَعِشرُونَ أَبًا، ثُمَّ رَوَى أَقوَالَ المُفَسِّرِينَ فِى قَولِ اللهِ تَعَالَى: ﴿وَآوَينَاهُمَا إِلَى رَبوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾، قَالُوا: أَرضُ دِمَشقَ، وَبَعضُهُم قَالَ إِنَّهَا مِصرُ، وَاسمُ أُمِّ مَريَمَ حَنَّةُ، قَالَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ مَريَمَ بَقِيَت بَعدَ رَفعِ عِيسَى خَمسَ سِنِينَ، وَكَانَ عُمُرُهَا ثَلَاثًا وَخَمسِينَ سَنَةً. وَقَد قِيلَ:

تَوَكَّل عَلَى الرَّحمَنِ فِى كُلِّ حَالَةٍ …
وَلَا تَترُكِ الخَلَّاقَ فِى كَثرَةِ الطَّلَبْ

أَلَم تَر أَنَّ اللهَ قَالَ لِمَريَمٍ …
وهُزّي إِليكِ الجِذعَ تَسَّاقَطِ الرُّطَبْ

وَلَو شَاءَ أَن تَجنِيَهُ مِن غَيرِ هَزِّهَا …
جَنَتهُ وَلَكِن كُلُّ أَمرٍ لَهُ سَبَبْ

يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِذ قالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَريَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنهُ اسمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ، وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي المَهدِ وَكَهلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ بُشِّرَت مَريَمُ عَلَيهَا السَّلَامُ بِوَلَدٍ وبِأَنَّهُ يَكُونُ نَبِيًّا شَرِيفًا.

قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الوَاحِدِيُّ: التَّبشِيرُ إِيرَادُ الخَبَرِ السَّارِّ الَّذِي يُظهِرُ رَجَاءً فِي بَشَرَةِ المُخبِرِ، قَالَ أَهلُ اللُّغَةِ: وَيُقَالُ بِشَارَةٌ وَبُشَارَةٌ بِكَسرِ البَاءِ وَضَمِّهَا.

وَمَعنَى قَولِهِ تَعَالَى: ﴿بِكَلِمَةٍ مِنهُ﴾ أَي: ‌بِشَارَتُهُ ‌الَّتِي بَشَّرَتهَا بِهَا المَلَائِكَةُ أَنَّهَا تَلِدُ غُلَامًا زَكِيًّا مِن غَيرِ زَوجٍ.

تنزه الله عن الجسمية والتبعيض
قَالَ الرَّازِيُّ: أَمَّا قَولُهُ تَعَالَى: بِكَلِمَةٍ مِنهُ فَلَفظَةُ (مِن) لَيسَت لِلتَّبعِيضِ هَهُنَا إِذ لَو كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ اللهُ تَعَالَى مُتَجَزِّئًا مُتَبَعِّضًا مُتَحَمِّلًا لِلِاجتِمَاعِ وَالِافتِرَاقِ وَكُلُّ مَن كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُحدَثٌ وَتَعَالَى اللهُ عَنهُ.اهـ

مَعنَاهُ لَيسَ عِيسَى جُزءًا مِنَ اللهِ وَالعِيَاذُ بِاللهِ فَاللهُ تَعَالَى لَا يَتَجَزَّأُ وَلَا يَتَبَعَّضُ، لِأَنَّهُ لَيسَ جِسمًا لَيسَ جِسمًا كَثِيفًا يُضبَطُ بِاليَدِ وَلَيسَ جِسمًا لَطِيفًا لَا يُضبَطُ بِاليَدِ، تَعَالَى اللهُ وَتَنَزَّهَ عَنِ الجِسمِيَّةِ وَعَن سَائِرِ صِفَاتِ الأَجسَامِ.اهـ بَل مَعنَى مِنهُ أَي خَلَقَهُ، أَي خَلْقُهُ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ.

تسمية عيسى بالمسيح
وَأَمَّا قَولُهُ: ﴿اسمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ﴾، قِيلَ: سُمِّيَ المَسِيحَ لِمَسحِهِ الأَرضَ، وَهُوَ سِيَاحَتُهُ فِيهَا، وَفِرَارُهُ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لِشِدَّةِ تَكذِيبِ اليَهُودِ لَهُ، وَافتِرَائِهِم عَلَيهِ وَعَلَى أُمِّهِ، عَلَيهِمَا السَّلَامُ. وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ مَمسُوحَ القَدَمَينِ.

وَقَالَ الوَاحِدِيُّ: ذَهَبَ أَبُو عُبَيدٍ وَاللَّيثُ إِلَى أَنَّ أَصلَهُ بِالعِبرَانِيَّةِ مَشِيحًا فَعَرَّبَتهُ العَرَبُ وَغَيَّرَت لَفظَهُ كَمَا قَالُوا: مُوسَى وَأَصلُهُ مُوشَى أَو مِيشَا بِالعِبرَانِيَّةِ. فَلَمَّا عَرَّبُوهُ غَيَّرُوهُ فَعَلَى هَذَا لَا اشتِقَاقَ لَهُ.

وَحُكِيَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا أَنَّهُ قَالَ: لِأَنَّهُ لَم يَمسَح ذَا عَاهَةٍ إِلَّا بَرِئَ… وَقِيلَ: لِمَسحِهِ الأَرضَ أَي قَطعِهَا وَقِيلَ: لِأَنَّهُ خَرَجَ مِن بَطنِ أُمِّهِ مَمسُوحًا بِالدُّهنِ وَقِيلَ: لِأَنَّهُ مُسِحَ بِالبَرَكَةِ حِينَ وُلِدَ.

فَائِدَةٌ: قَالَ القُرطُبِيُّ: وَأَمَّا الدَّجَّالُ فَسُمِّيَ مَسِيحًا لِأَنَّهُ مَمسُوحُ إِحدَى العَينَينِ. سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَسِيحُ فِي الأَرضِ أَي يَطُوفُهَا وَيَدخُلُ جَمِيعَ بُلدَانِهَا إِلَّا مَكَّةَ وَالمَدِينَةَ وَبَيتَ المَقدِسِ، فَالدَّجَّالُ يَمسَحُ الأَرضَ مِحنَةً، وَابنُ مَريَمَ يَمسَحُهَا مِنحَةً.

وَقَولُهُ ﴿وَجِيهًا فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ﴾ قِيلَ: الوَجِيهُ الَّذِي يَشرُفُ وَتُوَجِّهُهُ المُلُوكُ أَي تُشَرِّفُهُ. ﴿وَمِنَ المُقَرَّبِينَ﴾ أَي هُوَ مُقَرَّبٌ عِندَ اللهِ تَعَالَى، أَي مَنزِلَتُهُ عِندَ اللهِ عَالِيَةٌ رَفِيعَةٌ. فَإِنَّهُ يُقَالُ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرعِ: فُلَانٌ قَرِيبٌ مِن رَبِّهِ أَي بِطَاعَتِهِ لَهُ، وَاللهُ قَرِيبٌ مِن عَبدِهِ أَي بِإِثَابَتِهِ لَهُ، وَلَيسَ القُربُ مِنَ اللهِ عَلَى مَعنَى قُربِ الأَجسَامِ مِنَ الأَجسَامِ بِالمَسَافَةِ وَالجِهَةِ وَالحَيِّزِ وَالمَكَانِ فَرَبُّنَا سُبحَانَهُ لَا يَحتَاجُ إِلَى مَكَانٍ وَلَا يَجرِي عَلَيهِ زَمَانٌ.اهـ

وَقَولُهُ: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي المَهدِ﴾ المَهدُ مَضجَعُ الصَّبِيِّ فِي رَضَاعِهِ. وَمَهَّدتُ الأَمرَ هَيَّأتُهُ وَوَطَّأتُهُ. وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ: كَلَّمَهُم فِي المَهدِ حِينَ بَرَّأَ أُمَّهُ فَقَالَ: ﴿إِنِّي عَبدُ اللهِ﴾. وَأَمَّا كَلَامُهُ وَهُوَ كَهلٌ فَإِذَا أَنزَلَهُ اللهُ تَعَالَى مِنَ السَّمَاءِ فَيَقُولُ لَهُم: ﴿إِنِّي عَبدُ اللهِ﴾ كَمَا قَالَ فِي المَهدِ. فَهَاتَانِ آيَتَانِ وَحُجَّتَانِ..

قَالَ القُرطُبِيُّ: وَقَالَ بَعضُهُم: يُقَالُ لَهُ حَدَثٌ إِلَى سِتَّ عَشرَةَ سَنَةً. ثُمَّ شَابٌّ إِلَى اثنَتَينِ وَثَلَاثِينَ. ثُمَّ يَكتَهِلُ فِي ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ. وَقَولُهُ: ﴿وَكَهلًا﴾ ابن ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ.اهـ ﴿وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أَي وَهُوَ مِنَ العُبَّادِ الصَّالِحِينَ.

أَمَّا قَولُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَريَمَ ابنَتَ عِمرَانَ الَّتِي أَحصَنَت فَرجَهَا فَنَفَخنَا فِيهِ مِن رُوحِنَا﴾، قَالَ المُفَسِّرُونَ: إِنَّهُ أَرَادَ بِالفَرجِ هُنَا الجَيبَ لِأَنَّهُ قَالَ: فَنَفَخنا فِيهِ مِن رُوحِنا وَجِبرِيلُ عَلَيهِ السَّلَامُ إِنَّمَا نَفَخَ فِي جَيبِهَا وَلَم يَنفُخ فِي فَرجِهَا. وَكُلُّ خَرقٍ فِي الثَّوبِ يُسَمَّى جَيبًا.

معنى روح الله والنفخ الواردَين في الآيات
فَقَالَ: ﴿فَنَفَخنَا فِيهِ مِن رُوحِنَا﴾
تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنْ رُّوحِنَا﴾
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنْ رُّوحِي﴾
لِيُعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ فَلَيْسَ رُوحًا وَلا جَسَدًا، وَمَعَ ذَلِكَ أَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى رُوحَ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ إِلَى نَفْسِهِ عَلَى مَعْنَى الْمِلْكِ وَالتَّشْرِيفِ لا لِلْجُزْئِيَّةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنْ رُّوحِنَا﴾ [سُورَةَ الأَنْبِيَاء/91]، وَكَذَلِكَ فِي حَقِّ ءَادَمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿مِنْ رُّوحِي﴾ [سُورَةَ ص/72] فَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُّوحِنَا﴾ [سُورَةَ التَّحْرِيْم/12] أَمَرْنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَنْفُخَ فِي مَرْيَمَ الرُّوحَ الَّتِي هِيَ مِلْكٌ لَنَا وَمُشَرَّفَةٌ عِنْدَنَا.

كِلْتَا الإِضَافَتَيْنِ لِلتَّشْرِيفِ مَعَ إِثْبَاتِ الْمُلْكِ أَيْ أَنَّهُمَا مِلْكٌ للهِ وَخَلْقٌ لَهُ، فَإِنْ قِيلَ كُلُّ الأَرْوَاحِ مِلْكٌ للهِ وَخَلْقٌ لَهُ فَمَا فَائِدَةُ الإِضَافَةِ؟ قِيلَ: فَائِدَةُ الإِضَافَةِ الدِّلالَةُ عَلَى شَرَفِهِمَا عِنْدَ اللهِ. وَلا يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يَكُونَ اللهُ رُوحًا لِأَنَّ الرُّوحَ حَادِثٌ. وَعَلَى مِثْلِ ذَلِكَ يُحْمَلُ حَدِيثُ: (خَلَقَ اللهُ ءَادَمَ عَلَى صُورَتِهِ)، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمَعْنَاهُ إِضَافَةُ الْمِلْكِ وَالتَّشْرِيفِ لا إِضَافَةُ الْجُزْئِيَّةِ أَيْ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي خَلَقَهَا وَجَعَلَهَا مُشَرَّفَةً مُكَرَّمَةً.

الشَّىْءُ يُضَافُ إِلَى اللهِ إِمَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ خَلْقٌ لَهُ هُوَ خَلَقَهُ وَكَوَّنَهُ وَيُضَافُ إِلَى اللهِ عَلَى أَنَّهُ صِفَتُهُ، فَإِذَا قُلْنَا قُدْرَةُ اللهِ عِلْمُ اللهِ هَذِهِ الإِضَافَةُ إِضَافَةُ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ، أَمَّا إِذَا قُلْنَا نَاقَةُ اللهِ بَيْتُ اللهِ هَذِهِ إِضَافَةُ الْمِلْكِ وَالتَّشْرِيفِ، فَالْكَعْبَةُ نُسَمِّيهَا بَيْتَ اللهِ وَكُلُّ مَسْجِدٍ كَذَلِكَ.

لِأَنَّ الأَرْوَاحَ قِسْمَانِ: أَرْوَاحٌ مُشَرَّفَةٌ، وَأَرْوَاحٌ خَبِيثَةٌ، وَأَرْوَاحُ الأَنْبِيَاءِ مِنَ الْقِسْمِ الأَوَّلِ، فَإِضَافَةُ رُوحِ عِيسَى وَرُوحِ ءَادَمَ إِلَى نَفْسِهِ إِضَافَةُ مِلْكٍ وَتَشْرِيفٍ، وَيَكْفُرُ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى رُوحٌ، فَالرُّوحُ مَخْلُوقَةٌ تَنَزَّهَ اللهُ عَنْ ذَلِكَ.

حَتَّى نَعْرِفَ أَنَّ اللهَ أَعْطَى عِيسَى وَءَادَمَ مَنْزِلَةً عِنْدَهُ أَضَافَ رُوحَ عِيسَى وَءَادَمَ إِلَى نَفْسِهِ لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الْجُزْئِيَّةِ، وَكَمَا أَضَافَ نَاقَةَ صَالِحٍ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ ﴿نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا﴾ [سُورَةَ الشَّمْس/13] لِمَا كَانَ لَهَا مِنْ خُصُوصِيَّةِ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ النُّوقِ بِالشَّأْنِ الْعَظِيمِ الَّذِي كَانَ لَهَا، لِأَنَّهُ هُوَ خَالِقُهَا هُوَ الَّذِي أَخْرَجَهَا مِنَ الصَّخْرَةِ وَأَخْرَجَ مَعَهَا فَصَيلَهَا وَكَانَتْ تُعْطِي أَهْلَ الْبَلَدِ كِفَايَتَهُمْ مِنَ الْحَلِيبِ فَيَأْخُذُونَ مِنْهَا الْحَلِيبَ فِي يَوْمِ وُرُودِهَا الَّذِي هِيَ خُصِّصَتْ بِهِ الَّذِي لا تَرِدُ مَوَاشِيهِمْ بِهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَكَانَتِهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ﴿نَاقَةَ اللهِ﴾ وَقَدْ أُنْذِرُوا أَنْ يَعْتَدُوا عَلَى نَاقَةِ اللَّهِ وَعَلَى سُقْيَاهَا أَيِ الْيَوْمِ الَّذِي تَرِدُ فِيهِ إِلَى الْمَاءِ، ذَلِكَ الْيَوْمَ لا تُورَدُ مَوَاشِيهِمُ الْمَاءَ.

وَأَوَّلُ قَولٍ تَكَلَّمَ بِهِ نَبِيُّ اللهِ عِيسَى فِي هَذِهِ الدُّنيَا قَولُهُ: ﴿إِنِّي عَبدُ اللهِ﴾، فَمَن تَفَكَّرَ فِي هَذَا عَلِمَ أَنَّ دِينَ عِيسَى هُوَ دِينُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِمَا وَسَلَّمَ وَهُوَ دِينُ الإِسلَامِ، وَهُوَ تَوحِيدُ اللهِ وَالدَّعوَةُ إِلَى أَن تَكُونَ عَبدًا للهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَفَرُّدِهِ سُبحَانَهُ بِالعُبُودِيَّةِ وَلَا تَوَجُّهَ بِالعِبَادَةِ لِغَيرِهِ سُبحَانَهُ، وَهَذَا مَا دَلَّت عَلَيهِ الآيَاتُ الَّتِي ذَكَرَت عِيسَى وَأُمَّهُ عَلَيهِمَا السَّلَامُ وَمَا دَلَّت عَلَيهِ آيَاتُ كِتَابِ اللهِ عُمُومًا، فَلَا دِينَ سَمَاوِيٌّ إِلَّا الإِسلَامَ.

لا دين صحيح إلا الإسلام
مِن هُنَا فَإِنَّ الأَديَانَ كَثِيرَةٌ، فَيُقَالُ لِلإِسلَامِ دِينٌ وَلِغَيرِ الإِسلَامِ مِنَ الأَديَانِ الفَاسِدَةِ دِينٌ لِقَولِهِ تَعَالَى: ﴿لَكُم دِينُكُم وَلِيَ دِينِ﴾. (أَي لَكُم دِينُكُم البَاطِلُ الذِي يَجِبُ عَلَيكُم أَن تَترُكُوهُ وَلِي دِينُ الحَقِّ الذِي يَجِبُ عَلَيكُم أَن تَتَّبِعُوهُ، فَلَيسَ مَعنَاهُ التَّخيِيرَ).

أَمَّا العِبَارَةُ المُقَيَّدَةُ بِالسَّمَاوِيِّ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ إِلَّا عَنِ الإِسلَامِ لِأَنَّ كُلَّ الأَنبِيَاءِ جَاءُوا بِالإِسلَامِ مِن أَوَّلِهِم ءَادَمَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى آخِرِهِم سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَهَؤُلَاءِ جَاؤُوا بِدِينٍ وَاحِدٍ وَشَرَائِعَ سَمَاوِيَّةٍ مُختَلِفَةٍ لِذَا يُقَالُ شَرَائِعُ سَمَاوِيَّةٌ. لِأَنَّ الشَّرَائِعَ قَد تَختَلِفُ مِن رَسُولٍ لِآخَرَ بَعضَ الِاختِلَافَاتِ فِي الفُرُوعِ أَمَّا فِي الأُصُولِ أَيِ الِاعتِقَادِ فَلَا خِلَافَ بَينَ نَبِيٍّ وَآخَرَ عَلَى الإِطلَاقِ فَكُلُّهُم يُؤمِنُونَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَبِاليَومِ الآخِرِ وَبِالقَدَرِ خَيرِهِ وَشَرِّهِ.

بعض اختلافات الشرائع على مر الزمان
وَأَمَّا تَفَاصِيلُ الفُرُوعِ كَالأَحكَامِ فَقَد حَصَلَ اختِلَافٌ بَينَ بَعضِ الشَّرَائِعِ فَمَثَلًا الصَّلَاةُ كَانَت مِن سَيِّدِنَا ءَادَمَ إِلَى سَيِّدِنَا يَعقُوبَ صَلَاةً وَاحِدَةً في اليَومِ وَاللَّيلَةِ وَمِن سَيِّدِنَا يَعقُوبَ إِلَى سَيِّدِنَا عِيسَى صَلَاتَينِ وَأَمَّا سَيِّدُنَا مُحَمَّدٌ فَقَد فُرِضَت عَلَيهِ خَمسُ صَلَواتٍ فِي اليَومِ وَاللَّيلَةِ.

وَمِنَ الِاختِلَافَاتِ أَيضًا أَنَّ الثَّوبَ إِذَا أَصَابَهُ بَولٌ أَيَّامَ بَنِي إِسرَائِيلَ كَانَ لَا يَطهُرُ الثَّوبُ حَتَّى يُقَصَّ المَوضِعُ المُتَنَجِّسُ وَكَانَتِ الصَّلَاةُ فِيمَا مَضَى لَا تَصِحُّ إِلَّا فِي مَوضِعٍ مَخصُوصٍ، أَمَّا فِي أُمَّةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ فَأَينَمَا أَدرَكَتكَ الصَّلَاةُ تُصَلِّي.

وَمِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّهُ كَانَ جَائِزًا فِي شَرعِ سَيِّدِنَا ءَادَمَ أَن يَتَزَوَّجَ الأَخُ مِن أُختِهِ إِن لَم تَكُن تَوأَمًا لَهُ لِأَنَّ حَوَّاءَ رَضِيَ اللهُ عَنهَا وَلَدَت أَربَعِينَ بَطنًا كُلَّ مَرَّةٍ ذَكَرًا وَأُنثَى وَكَانَ حَرَامًا عَلَيهِ أَن يَتَزَوَّجَ الأَخُ بِأُختِهِ الَّتِي هِي تَوأَمَةٌ لَهُ ثُمَّ نَسَخَ اللهُ تَعَالَى هَذَا الحُكمَ بَعدَ مَوتِ ءَادَمَ وَحَرَّمَ زِوَاجَ الأَخِ بِأُختٍ إِن كَانَت تَوأَمَةً لَه أَو لَم تَكُن.

وَكَانَ جَائِزًا فِي شَرعِ سَيِّدِنَا يَعقُوبَ عَلَيهِ السَّلَامُ أَن يَجمَعَ الرَّجُلُ فِي الزِّوَاجِ بَينَ المَرأَةِ وَأُختِهَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ فِي شَرعِ مُحَمَّدٍ ﷺ.

الدليل على أنه لا دين صحيح إلا الإسلام
وَالدَّلِيلُ مِنَ القُرءَانِ الكَرِيمِ عَلَى أَنَّ الأَنبِيَاءَ كُلَّهُم يَدِينُونَ بِالإِسلَامِ قَولُهُ تَعَالَى: ﴿إنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسلَامُ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلَامِ دِينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ إِبرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُسلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ المُشرِكِينَ﴾.

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الأَنبِيَاءُ إِخوَةٌ لِعَلَّاتٍ أُمَّهَاتُهُم شَتَّى وَدِينُهُم وَاحِدٌ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيرُهُ، أَي دِينُهُمُ الإِسلَامُ وَشَرَائِعُهُم مُختَلِفَةٌ.

وَقَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَن سَيِّدِنَا عِيسَى عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنهُمُ الكُفرَ قَالَ مَن أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الحَوَارِيُّونَ نَحنُ أَنصَارُ اللهِ ءَامَنَّا بِاللهِ وَاشهَد بِأَنَّا مُسلِمُونَ﴾. وَقَالَ حَاكِيًا عَن سَيِّدِنَا سُلَيمَانَ: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيمَانَ وَإِنَّهُ بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ، أَلَّا تَعلُوا علَيَّ وَأتُونِي مُسلِمِينَ﴾.

وَقَالَ حَاكِيًا عَن سَيِّدِنَا يُوسُفَ عَلَيهِ السَّلَامُ: ﴿تَوَفَّنِي مُسلِمًا وَأَلحِقنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ وَهُنَالِكَ ءَايَاتٌ كَثِيرَةٌ تُثبِتُ ذَلِكَ أَيضًا عَن أَنبِيَاءَ ءَاخِرِينَ،

أَمَّا اليَهُودُ الَّذِينَ اتَّبَعُوا سَيِّدَنَا مُوسَى وَغَيرَهُ مِن أَنبِيَاءِ بَنِي إِسرَائِيلَ فَهَؤُلَاءِ كَانُوا يَدِينُونَ هُم وَأَنبِيَاؤُهُم بِدِينِ الإِسلَامِ وَإِنَّمَا كَلِمَةُ يَهُودَ جَاءَت مِن قَولِهِ تَعَالَى حَاكِيًا عَن مُوسَى: ﴿إِنَّا هُدنَا إِلَيكَ﴾ أَي تُبنَا إِلَيكَ يَا رَبِّ فَلِذَلِكَ سُمُّوا بِاليَهُودِ وَكَذَلِكَ النَّصَارَى سُمُّوا كَذَلِكَ نِسبَةً لِبَلدَةٍ فِي فِلَسطِينَ تُسَمَّى النَّاصِرَةَ أَو سُمُّوا كَذَلِكَ لِأَنَّهُم نَصَرُوا المَسِيحَ.

خُلَاصَةُ المَسئَلَةِ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبيِّنَ مُبَشِّرينَ وَمُنذِرِينَ﴾، أَي أَنَّ النَّاسَ كَانُوا كُلُّهُم عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الإِسلَامُ ثُمَّ اختَلَفُوا فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ، وَالمَعنَى أَنَّ الأَنبِيَاءَ كُلَّهُم عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ هُوَ دِينُ الإِسلَامِ فَكُلُّهُم دَعَوا إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحدَهُ وَعَدَمِ الإِشرَاكِ بِهِ شَيئًا، وَدَعَوا إِلَى تَنزِيهِ اللهِ عَنِ الشَّبِيهِ وَالمَثِيلِ وَالزَّوجَةِ وَالوَلَدِ وَالجِسمِيَّةِ وَصِفَاتِ الأَجسَامِ، فَرَبُّنَا تَعَالَى لَيسَ جِسمًا وَلَا يُشبِهُ الأَجسَامَ، خَلَقَ الخَلقَ مِنَ العَدَمِ إِلَى الوُجُودِ، خَلَقَ المَكَانَ وَالزَّمَانَ وَالجِهَاتِ وَالعَرشَ وَالكُرسِيَّ وَالسَّمَاوَاتِ وَالأَرَضِينَ وَلَا يَحتَاجُ إِلَى خَلقِهِ لَا يَحتَاجُ إِلَى السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَلَا إِلَى المَكَانِ وَالزَّمَانِ وَاحِدٌ أَحَدٌ فَردٌ صَمَدٌ لَم يَلِد وَلَم يُولَد وَلَم يَكُن لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.

فضائل نبي الله عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام
ذُكِرَ عِيسَى فِي ثَلَاثَ عَشرَةَ سُورَةً مِنَ القُرءَانِ، وَفِي ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ ءَايَةً مِنهُ. وَهُوَ عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ بِنتِ عِمرَانَ وَهُوَ ءَاخِرُ أَنبِيَاءِ بَنِي إِسرَائِيلَ عَيشًا فِي الأَرضِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿مَا المَسِيحُ ابنُ مَريَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَفَّينَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابنِ مَريَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَينَ يَدَيهِ مِنَ التَّورَاةِ وَآتَينَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَآتَينَا عِيسَى ابنَ مَريَمَ البَيِّنَاتِ وَأَيَّدنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ﴾.

وَفِي البُخَارِيِّ أَنَّ ‌أَبَا هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ «أَنَا أَولَى النَّاسِ بِابنِ مَريَمَ وَالأَنبِيَاءُ أَولَادُ عَلَّاتٍ لَيسَ ‌بَينِي ‌وَبَينَهُ ‌نَبِيٌّ.اهـ

وَرَوَى البُخَارِيُّ عَن سَلمَانَ الفارسي قَالَ: الفَترَةُ مَا بَينَ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ ﷺ سِتُّمِائَةِ سَنَةٍ.

وَعِيسَى اسمٌ أَعجَمِيٌّ غَيرُ مُنصَرِفٍ. وَقِيلَ: اشتِقَاقُهُ مِنَ العَيَسِ وَهُوَ البَيَاضُ، وَالأَعيَسُ: الجَمَلُ الأَبيَضُ، وَجَمعُهُ عِيسٌ. قِيلَ لَهُ عِيسَى لِبَياضِ لَونِهِ، وَقَالُوا عِيسَى لِأَنَّهُ سَاسَ نَفسَهُ بِالطَّاعَةِ، وَسَاسَ قَلبَهُ بِالمَحَبَّةِ، وَسَاسَ أُمَّتَهُ بِالدَّعوَةِ إِلَى رَبِّ العِزَّةِ.

صفته عليه السلام في القرءان
وَقَد دَعَاهُ اللهُ تَعَالَى فِي القُرآنِ بِخَمسَةٍ وَعِشرِينَ وَصفًا دَالًّا عَلَى مَدحِهِ وَفَضلِهِ، مِنهَا: أَنَّهُ مُؤَيَّدٌ قَالَ سُبحَاَنُهَ: ﴿وَأَيَّدنَاهُ﴾، وَأَنَّهُ مَسِيحٌ قَالَ تَعَالَى: ﴿اسمُهُ المَسِيحُ﴾، وَأَنَّهُ كَلِمَةٌ فَقَالَ: ﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ﴾، وَأَنَّهُ وَجِيهٌ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَجِيهًا فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ المُقَرَّبِينَ﴾، وَأَنَّهُ صَالِحٌ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾، وَأَنَّهُ وَلَدٌ لِمَريَمَ عَلَيهِمَا السَّلَامُ قَالَ تَعَالَى: ﴿أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ﴾، وَأَنَّهُ غُلَامٌ وَزَكِيٌّ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَن جِبرِيلَ: ﴿لأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾، وَأَنَّهُ مُعَلَّمٌ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الكِتَابَ﴾، وَأَنَّهُ رَسُولٌ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَرَسُولًا﴾، وَأَنَّهُ مُبَشِّرٌ بِمُحَمَّدٍ عَلَيهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ﴿وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأتِي﴾، وَأَنَّهُ مُنَبِّئٌ لِبَنِي إِسرَائِيلَ عَن طَعَامِهِم قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأكُلُونَ﴾، وَأَنَّهُ مُصَدِّقٌ بِالتَّورَاةِ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَينَ يَدَيَّ﴾، وَأَنَّهُ آيَةٌ مِن آيَاتِ اللهِ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلنَا ابن مَريَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾، وَأَنَّهُ مُحَلِّلٌ لِبَنِي إِسرَائِيلَ بِأَمرِ اللهِ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَن عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ: ﴿وَلأُحِلَّ لَكُم﴾، وَأَنَّهُ مُطَهَّرٌ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمُطَهِّرُكَ﴾، وَأَنَّهُ عَبدٌ للهِ قَالَ تَعَالَى: ﴿عَبدُ الله﴾، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ كَرِيمٌ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلَنِي نَبِيًّا﴾، وَأَنَّهُ مُبَارَكٌ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا﴾، وَأَنَّهُ مُوصًى بِالصَّلَاةِ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَوصَانِي بِالصَّلَاةِ﴾، وَأَنَّهُ بَارٌّ بِأُمِّهِ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي﴾، وَأَنَّهُ عِلمٌ لِلسَّاعَةِ أَي يَنزِلُ عِندَ قُربِ السَّاعَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلمٌ لِّلسَّاعَةِ﴾.اهـ

مناقبه عليه الصلاة والسلام
وَكَانَ عِيسَى ﷺ زَاهِدًا لَم يَتَّخِذ بَيتًا وَلَا مَتَاعًا، وَكَانَ قُوتُهُ يَومًا بِيَومٍ، وَكَانَ سَيَّاحًا فِي الأَرضِ، وَكَانَ يَمشِى عَلَى المَاءِ وَيُبرِئُ الأَكمَهَ وَالأَبرَصَ وَيُحيِي المُوتَى بِإِذنِ اللهِ، وَيُخبِرُهُم بِمَا يَأكُلُونَ وَيَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِم، وَكَانَ مِن أَتبَاعِهِ الحَوَارِيُّونَ الَّذِينَ ذَكَرَهُم اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَكَانُوا اثنَي عَشَرَ رَجُلًا، وَكَانُوا أَصفِيَاءَهُ وَأَنصَارَهُ وَوُزَرَاءَهُ، قِيلَ كَانُوا أَوَّلًا صَيَّادِينَ، وَقِيلَ قَصَّارِينَ أَي صَبَّاغِينَ، وَقِيلَ مَلَّاحِينَ وَمِمَّا أَكرَمَهُ اللهُ بِهِ تَأيِيدُهُ بُرُوحِ القُدُسِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَأَيَّدنَاهُ بِرُوحِ القُدُسِ﴾ قِيلَ جِبرِيلُ كَانَ يَأتِيهِ وَيَسِيرُ مَعَهُ، وَمِمَّا أَكرَمَهُ اللهُ بِهِ أَنَّهُ عَلَّمَهُ التَّورَاةَ وَالإِنجِيلَ وَكَانَ يَقرَؤُهُمَا حِفظًا.. وَجَاءَ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ بَعدَ نُزُولِهِ وَيُولَدُ لَهُ، وَيُدفَنُ عِندَ النَّبِيِّ ﷺ.

رَفعُ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ إِلَى السَّمَاءِ فِي حِفظِ الله وَالردُّ على من قال بدَعوَى الصَّلبِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيرُ المَاكِرِينَ إِذ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَومِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرجِعُكُم فَأَحكُمُ بَينَكُم فِيمَا كُنتُم فِيهِ تَختَلِفُونَ﴾، فَأَخبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، وَخَلَّصَهُ مِمَّن كَانَ أَرَادَ أَذِيَّتَهُ مِنَ اليَهُودِ الَّذِينَ وَشَوا بِهِ إِلَى بَعضِ المُلُوكِ الكَفَرَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ.

فَقَولُهُ تَعَالَى: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَومِ القِيَامَةِ﴾ [سُورَةَ ءَالِ عِمرَان/55] فَبِحَسَبِ اللَّفظِ مُتَوَفِّيكَ مُقَدَّمٌ، أَمَّا بِحَسَبِ المَعنَى مُتَوَفِّيكَ مُؤَخَّرٌ وَرَافِعُكَ مُقَدَّمٌ، فَالتَّرتِيبُ بِحَسَبِ المَعنَى: ﴿إِنِّي رَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ أَي إِلَى مَحِلِّ كَرَامَتِي أَيِ المَكَانِ الَّذِي هُوَ مُشَرَّفٌ عِندِي وَهُوَ السَّمَاءُ، ﴿وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أَي مُخَلِّصُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَيِ اليَهُودِ، ﴿وَمُتَوَفِّيكَ﴾ أَي بَعدَ إِنزَالِكَ إِلَى الأَرضِ، أَي مُمِيتُكَ بَعدَ إِنزَالِكَ إِلَى الأَرضِ، هَذَا هُوَ القَولُ الصَّحِيحُ المُوَافِقُ لِلأَحَادِيثِ، وَهَكَذَا فَسَّرَ عَبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ تَرجُمَانُ القُرءَانِ الآيَةَ، أَي مِن بَابِ المُقَدَّمِ وَالمُؤَخَّرِ كَمَا فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَالَّذِي أَخرَجَ المَرعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحوَى﴾ [سُورَةَ الأَعلَى] الغُثَاءُ اليَابِسُ المُتَكَسِّرُ وَالأَحوَى الأَخضَرُ، وَالنَّبَاتُ أَوَّلًا يَكُونُ أَحوَى أَي أَخضَرَ ثُمَّ يَكُونُ غُثَاءً أَي يَابِسًا مُتَكَسِّرًا. وَيَجُوزُ تَفسِيرُ ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ أَي قَابِضُكَ مِنَ الأَرضِ وَأَنتَ حَيٌّ ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ أَي إِلَى مَحَلِّ كَرَامَتِي، كِلا التَّفسِيرَينِ جَائِزٌ، إِنَّمَا الَّذِي لا يَجُوزُ تَفسِيرُ مُتَوَفِّيكَ بِمَعنَى مُمِيتُكَ قَبلَ رَفعِكَ إِلَى السَّمَاءِ وَإِنزَالِكَ إِلَى الأَرضِ، لِأَنَّ هَذَا يُعَارِضُ حَدِيثَ أَبِي دَاوُدَ المَذكُورَ، وَالَّذِي فِيهِ أَنَّ عِيسَى رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ وَأَنَّهُ يَنزِلُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ.

بيان أن الله تعالى منزه عن الولد
قَالَ تَعَالَى فِي آخِرِ سُّورَةِ مَريَمَ بَعدَ ذِكرِهِ قِصَّةَ عِيسَى وَمَريَمَ عَلَيهِمَا السَّلَامُ: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحمَنُ وَلَدًا لَقَد جِئتُم شَيئًا إِدًّا﴾ أَي شَيئًا عَظِيمًا، وَمُنكَرًا مِنَ القَولِ وَزُورًا. ﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرنَ مِنهُ وَتَنشَقُّ الأَرضُ وَتَخِرُّ الجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوا لِلرَّحمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ إِلَّا آتِي الرَّحمَنِ عَبدًا لَقَد أَحصَاهُم وَعَدَّهُم عَدًّا وَكُلُّهُم آتِيهِ يَومَ القِيَامَةِ فَردًا﴾ فَبَيِّنَ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَنبَغِي لَهُ الوَلَدُ لِأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ وَمَالِكُهُ، وَكُلُّ شَيءٍ فَقِيرٌ إِلَيهِ، خَاضِعٌ ذَلِيلٌ لَدَيهِ، وَجَمِيعُ سُكَّانِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ عَبِيدُهُ، وَهُوَ رَبُّهُم لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.

وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَتَقَدَّسَ: ﴿يَا أَهلَ الكِتَابِ لَا تَغلُوا فِي دِينِكُم وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الحَقَّ إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلقَاهَا إِلَى مَريَمَ وَرُوحٌ مِنهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انتَهُوا خَيرًا لَكُم إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلًا﴾. يَنهَى تَعَالَى أَهلَ الكِتَابِ وَمَن شَابَهَهُم، عَنِ الغُلُوِّ وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الحَدِّ فَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ غَلَوا وَأَطرَوُا المَسِيحَ حَتَّى جَاوَزُوا الحَدَّ، فَكَانَ الوَاجِبُ عَلَيهِم أَن يَعتَقِدُوا أَنَّهُ عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَابنُ أَمَتِهِ العَذرَاءِ البَتُولِ الَّتِي أَحصَنَت فَرجَهَا، فَبَعَثَ اللهُ المَلَكَ جِبرِيلَ إِلَيهَا، فَنَفَخَ فِيهَا عَن أَمرِ اللهِ نَفخَةً حَمَلَت مِنهَا بِوَلَدِهَا عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ، وَهِيَ بِشَارَتُهُ سُبحَانَهُ لِمَريَمَ الصِّدِّيقَةِ العَفِيفَةِ البَتُولِ.

وَهَكَذَا طَوَائِفُ مِن مُشرِكِي العَرَبِ زَعَمُوا لِجَهلِهِم أَنَّ المَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللهِ، وَأَنَّهُ صَاهَرَ سَرَوَاتِ الجِنِّ فَتَوَلَّدَ مِنهُمَا المَلَائِكَةُ، تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُونَ، وَتَنَزَّهَ عَمَّا يُشرِكُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلُوا المَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُم عِبَادُ الرَّحمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلقَهُم سَتُكتَبُ شَهَادَتُهُم وَيُسأَلُونَ﴾. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَا إِنَّهُم مِن إِفكِهِم لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ أَصطَفَى البَنَاتِ عَلَى البَنِينَ مَا لَكُم كَيفَ تَحكُمُونَ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ أَم لَكُم سُلطَانٌ مُبِينٌ فَأتُوا بِكِتَابِكُم إِن كُنتُم صَادِقِينَ وَجَعَلُوا بَينَهُ وَبَينَ الجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَد عَلِمَتِ الجِنَّةُ إِنَّهُم لَمُحضَرُونَ سُبحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبَادَ اللهِ المُخلَصِينَ﴾.

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبحَانَهُ هُوَ الغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ إِن عِندَكُم مِن سُلطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعلَمُونَ قُل إِنَّ الَّذِينَ يَفتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ لَا يُفلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرجِعُهُم ثُمَّ نُذِيقُهُمُ العَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكفُرُونَ﴾، فَهَذِهِ الآيَاتُ الكَرِيمَاتُ تَشمَلُ الرَّدَّ عَلَى سَائِرِ الفِرَقِ مِنَ الفَلَاسِفَةِ وَمُشرِكِي العَرَبِ وَاليَهُودِ وَغيرهم، الَّذِينَ ادَّعَوا وَزَعَمُوا بِلَا عِلمٍ، أَنَّ للهِ وَلَدًا، سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ المُعتَدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.اهـ

نزول عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ مِن أَهلِ الكِتَابِ إِلَّا لَيُؤمِنَنَّ بِهِ قَبلَ مَوتِهِ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمتَرُنَّ بِهَا﴾، وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَن يَنزِلَ فِيكُمُ ابنُ مَريَمَ حَكَمًا عَدلًا، فَيَكسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقتُلَ الخِنزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزيَةَ»، الحَدِيثَ. رَوَاهُ الشَّيخَانِ. وَفِي رِوَايَةِ مُسلِمٍ عَنهُ: «وَاللهِ لَیَنزِلَنَّ ابنُ مَريَمَ حَكَمًا عَدلًا فَلَيَكسِرَنَّ الصَّلِيبَ».

شكله عليه السلام وسيرته
أَمَّا صِفَاتُهُ الخَلقِيَّةُ: فَعِندَ البُخَارِيِّ مِن حَدِيثِ عَقِيلِ بنِ خَالِدٍ أَنَّه أَحمَرُ (وَالأَحمَرُ عِندَ العَرَبِ الشَّدِيدُ البَيَاضِ مَعَ الحُمرَةِ، وَالآدَمُ الأَسمَرُ أَيِ الحِنطِيُّ) عَرِيضُ الصَّدرِ. وَفِي رِوَايَةٍ: آدَمُ كَأَحسَنِ مَا أَنتَ رَاءٍ مِن أَدَمِ الرِّجَالِ، سَبطُ الشَّعَرِ يَنطِفُ – أَي بِكَسرِ الطَّاءِ المُهمَلَةِ أَي يَقطُرُ – زَادَ فِي رِوَايَةٍ: لَهُ لِمَّةٌ – بِكَسرِ اللَّامِ وَتَشدِيدِ المِيمِ – كَأَحسَنِ مَا أَنتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ (وَهُوَ الشَّعَرُ المُتَدَلِّي الَّذِي جَاوَزَ شَحمَةَ الأُذُنَينِ فَإِذَا بَلَغَ المَنكِبَينِ فَهُوَ جُمَّةٌ)، قَد رَجَّلَهَا – أَي بِتَشدِيدِ الجِيمِ: سَرَّحَهَا – وَفِي رِوَايَةٍ: لِمَّتُهُ بَينَ مَنكِبَيهِ، رَجِلُ الشَّعَرِ (أَي لَم يَكُن شَدِيدَ الجُعُودَةِ وَلَا شَدِيدَ السُّبُوطَةِ بَل بَينَهُمَا)، يَقطُرُ رَأسُهُ مَاءً.

وَفِي حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا: «وَرَأَيتُ عِيسَى ابنِ مَريَمَ مَربُوعَ الخَلقِ إِلَى الحُمرَةِ وَالبَيَاضِ، سَبطَ الرَّأسِ». زَادَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ بِنَحوِهِ: «وَكَأَنَّمَا خَرَجَ مِن دِيمَاسٍ»، يَعنِي الحَمَّامَ: «لَا يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ كَافِرٌ إِلَّا مَاتَ، عَلَيهِ مَهرُودَتَانِ» (ثَوبَانِ مَصبُوغَانِ).

وَأَمَّا سِيرَتُهُ
فَإِنَّهُ يَدُقُّ الصَّلِيبَ وَيَقتُلُ الخِنزِيرَ وَالقِرَدَةَ، وَيَضَعُ الجِزيَةَ، فَلَا يَقبَلُ إِلَّا الإِسلَامَ، وَيَتَّحِدُ الدِّينُ فَلَا يُعبَدُ إِلَّا اللهُ، وَتترُكُ الصَّدَقَةَ – لِعَدَمِ مَن يَقبَلُهَا لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ فَقِيرٌ فِي زَمَانِهِ، وَتَظهَرُ الكُنُوزُ فِي زَمَنِهِ، وَلَا يُرغَبُ فِي اقتِنَاءِ المَالِ – أَي لِلعِلمِ بِقُربِ السَّاعَةِ – وَيُرفَعُ الشَّحنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ – أَي: لِفَقدِ أَسبَابِهِمَا غَالِبًا -، وَيُنزَعُ سُمُّ كُلِّ ذِي سُمٍّ حَتَّى تَلعَبَ الأَولَادُ بِالحَيَّاتِ وَالعَقَارِبِ فَلَا تَضُرُّهُم، وَيَرعَى الذِّئبُ مَعَ الشَّاةِ فَلَا يَضُرُّهَا، وَيَملَأُ الأَرضَ سِلمًا وَيَنعَدِمُ القِتَالُ، وَتُنبِتُ الأَرضُ نَبتَهَا كَعَهدِ آدَمَ حَتَّى يَجتَمِعَ النَّفَرُ عَلَى القَطفِ مِنَ العِنَبِ فَيُشبِعُهُم، وَكَذَا الرُّمَّانَةُ، وَتَرخُصُ الخَيلُ لِعَدَمِ القِتَالِ، وَيَغلُو الثَّورُ لِأَنَّ الأَرضَ تُحرَثُ كُلَّهَا، وَيَكُونُ مُقَرِّرًا لِلشَّرِيعَةِ النَّبَوِيَّةِ لَا رَسُولًا إِلَى هَذِهِ الأُمَّةِ، وَهُوَ نَبِيٌّ.

وقت نزوله، ومحله، وما يجري على يديه من الملاحم
وَرَدَ اختِلَافٌ فِي الرِّوَايَاتِ فِي مَحَلِّ نُزُولِهِ، وَمُجمَلُهَا وَالجَمعُ بَينَهَا كَالتَّالِي: وَهُوَ أَنَّهُ يَنزِلُ عِندَ المَنَارَةِ البَيضَاءِ شَرقِيَّ دِمَشقَ، وَهِيَ مَوجُودَةٌ اليَومَ، وَاضِعًا كَفَّيهِ عَلَى أَجنِحَةِ مَلَكَينِ حَتَّى يَأتِيَ مَسجِدَ دِمَشقَ.

ثُمَّ يَخرُجُ عِيسَى عَلَيهِ السَّلَامُ بِمَن مَعَهُ مِن أَهلِ دِمَشقَ فِي طَلَبِ الدَّجَّالِ، وَيَمشِي وَعَلَيهِ السَّكِينَةُ وَالأَرضُ تُقبََضُ لَهُ، وَمَا أَدرَكَ نَفَسُهُ مِن كَافِرٍ قَتَلَهُ، وَيُدرِكُ نَفَسُهُ حَيثُ مَا أَدرَكَ بَصَرُهُ، حَتَّى يُدرِكَهُم بَصَرُهُ فِي حُصُونِهِم وَقُراهُم، إِلَى أَن يَأتِيَ بَيتَ المَقدِسِ فَيَجِدُهُ مُغلَقًا قَد حَضَرَهُ الدَّجَّالُ، فَيُصَادِفُ ذَلِكَ صَلَاةَ الصُّبحِ.

مدته، ووفاته عليه السلام
أَمَّا مُدَّتُهُ: فَقَد وَرَدَ فِي حَدِيثٍ عِندَ الطَّبَرَانِيِّ وَابنِ عَسَاكِرَ عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «يَنزِلُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ فَيَمكُثُ فِي النَّاسِ أَربَعِينَ سَنَةً». وَفِي لَفظٍ لِلطَّبَرَانِيِّ: «يَخرُجُ الدَّجَّالُ فَيَنزِلُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ عَلَيهِ السَّلَامُ فَيَقتُلُهُ، ثُمَّ يَمكُثُ فِي الأَرضِ أَربَعِينَ سَنَةً إِمَامًا عَادِلًا وَحَكَمًا مُقسِطًا».

وَعِندَ ابنِ أَبِي شَيبَةَ وَأَحمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَابنِ جَرِيرٍ وَابنِ حِبَّانَ عَنهُ أَنَّهُ يَمكُثُ أَربَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيهِ المُسلِمُونَ وَيَدفِنُونَهُ عِندَ نَبِيِّنَا ﷺ. وَأَخرَجَ ابنُ أَبِي شَيبَةَ وَالحَاكِمُ فِي المُستَدرَكِ عَنِ ابنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: «وَيَنزِلُ عِيسَى فَيَقتُلُهُ – أَيِ: الدَّجَّالَ لَعَنَهُ اللهُ -، فَيَتَمَتَّعُونَ أَربَعِينَ سَنَةً لَا يَمُوتُ أَحَدٌ، وَيَقُولُ الرَّجُلُ لِغَنَمِهِ وَلِدَوَابِّهِ: اذهَبُوا فَارعَوا، وَتَمُرُّ المَاشِيَةُ بَينَ الزَّرعِ لَا تَأكُلُ مِنهُ سُنبُلَةً، وَالحَيَّاتُ وَالعَقَارِبُ لَا تُؤذِي أَحَدًا، وَالسَّبُعُ عَلَى أَبوَابِ الدُّورِ لَا يُؤذِي أَحَدًا، وَيَأخُذُ الرَّجُلُ المُدَّ مِنَ القَمحِ فَيَبذُرُهُ بِلَا حَرثٍ فَيَجِيءُ مِنهُ سَبعُمِائَةِ مُدٍّ، فَيَمكُثُونَ فِي ذَلِكَ حَتَّى يُكسَرَ سَدُّ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ».

وَأَخرَجَ أَحمَدُ فِي الزُّهدِ عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: يَلبَثُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ فِي الأَرضِ أَربَعِينَ سَنَةً، لَو يَقُولُ لِلبَطحَاءِ: سِيلِي عَسَلًا، لَسَالَت.

وَعِندَ أَحمَدَ وَابنِ جَرِيرٍ وَابنِ عَسَاكِرَ عَن أَبِي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَنزِلُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ فَيَقتُلُ الخِنزِيرَ، وَيَمحِي الصَّلِيبَ، وَتُجمَعُ لَهُ الصَّلَاةُ، وَيُعطِي المَالَ حَتَّى لَا يُقبَلَ، وَيَضَعُ الخَرَاجَ، وَيَنزِلُ الرَّوحَاءَ فَيَحُجُّ مِنهَا أَو يَعتَمِرُ أَو يَجمَعُهُمَا»، وَأَخرَجَ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَابنُ عَسَاكِرَ عَنهُ: «لَيَهبِطَنَّ ابنُ مَريَمَ حَكَمًا عَدلًا وَإِمَامًا مُقسِطًا، وَلَيَسلُكَنَّ فَجًّا حَاجًّا أَو مُعتَمِرًا، وَلَيَأتِيَنَّ قَبرِي حَتَّى يُسَلِّمَ عَلَيَّ، وَلَأَرُدَّنَّ عَلَيهِ». قَالَ أَبُو هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: أَي بَنِي أَخِي، إِن رَأَيتُمُوهُ فَقُولُوا: أَبُو هُرَيرَةَ يُقرِئُكَ السَّلَامَ.

وَأَخرَجَ الحَاكِمُ عَن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ ﷺ: «مَن أَدرَكَ مِنكُم عِیسَی ابنَ مَريَمَ فَليُقرِئهُ مِنِّي السَّلَامَ». وَوَرَدَ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ بَعدَ مَا يَنزِلُ وَيُولَدُ لَهُ ثُمَّ يَمُوتُ بِالمَدِينَةِ، وَلَعَلَّ مَوتَهُ عِندَ حَجِّهِ وَزِيَارَتِهِ النَّبِيَّ ﷺ، وَإِلَّا فَهُوَ إِنَّما يَكُونُ بِبَيتِ المَقدِسِ.

وَأَخرَجَ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابنُ عَسَاكِرَ عَن عَبدِ اللهِ بنِ سَلَامٍ عَن أَبِيهِ عَن جَدِّهِ قَالَ: مَكتُوبٌ فِي التَّورَاةِ صِفَةُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعِيسَى ابنُ مَريَمَ يُدفَنُ مَعَهُ.

وَأَخرَجَ البُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَابنُ عَسَاكِرَ، قَالَ: «يُدفَنُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَصَاحِبَيهِ، فَيَكُونُ قَبرُهُ رَابِعًا». وَذَكَرَ البِقَاعِيُّ فِي سِرِّ الرُّوحِ أَنَّ ابنَ المَرَاغِي قَالَ فِي تَارِيخِ المَدِينَةِ وَفِي المُنتَظِمِ لِابنِ الجَوزِيِّ عَن عَبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا مَرفُوعًا: «يَنزِلُ عِيسَى ابنُ مَريَمَ إِلَى الأَرضِ فَيَتَزَوَّجُ وَيُولَدُ لَهُ، فَيَمكُثُ خَمسًا وَأَربَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يَمُوتُ فِيهِ فَيُدفَنُ مَعِي فِي قَبرِي، فَأَقُومُ أَنَا وَعِيسَى ابنُ مَريَمَ مِن قَبرٍ وَاحِدٍ بَينَ أَبِي بَكرٍ وَعُمَرَ».اهـ

السؤال الفقهي
ما هي الحالات التي يجب عليها الفدية فقط بدل الصيام؟
الشَّيخُ وَالعَجُوزُ الَّذِى لا يَتَحَمَّلُ الصَّومَ أَو تَلحَقُهُ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ فَإِنَّهُ يُفطِرُ وَيَفدِى عَن كُلِّ يَومٍ مُدٌّ.

والمَرِيضُ الَّذِى لا يُرجَى شِفَاؤُهُ فَلا صَومَ عَلَيهِ وَلا قَضَاءَ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيهِ الفِديَةُ فَقَط وَهِىَ مِقدَارُ مَا يُغَدِّى وَيُعَشِّى عِندَ أَبِى حَنِيفَةَ وَعِندَ الشَّافِعِىِّ مُدُّ قَمحٍ أَو غَيرُهُ عَلَى حَسَبِ طَعَامِ البَلَدِ الغَالِبِ.

مختارات من الأدعية والأذكار
مَن قَرَأَ هَذَا الذِّكرَ بِمَرَضِهِ وَمَاتَ بِهَذَا المَرَضِ لَا يَمَسُّ جَسَدَهُ النَّارُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكبَرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَا حَولَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ»، هَذَا الحَدِيثُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ.

الدعاء الختامي
اللهم بِعِلمِكَ الغَيبَ وَقُدرَتِكَ عَلَى الخَلقِ أَحيِنا مَا عَلِمتَ الحَيَاةَ خَيرًا لِنا، وَتَوَفَّنا إِذَا عَلِمتَ الوَفَاةَ خَيرًا لِنا، اللهم وَنسأَلُكَ خَشيَتَكَ فِي الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ، وَنسأَلُكَ كَلِمَةَ الحَقِّ فِي الرِّضَا وَالغَضَبِ، وَنسأَلُكَ القَصدَ فِي الفَقرِ وَالغِنَى، وَنسأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنفَدُ، وَنسأَلُكَ قُرَّةَ عَينٍ لَا تَنقَطِعُ، وَنسأَلُكَ الرِّضَا بَعدَ القَضَاءِ، وَنسأَلُكَ بَردَ العَيشِ بَعدَ المَوتِ، اللهم زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَاجعَلنَا هُدَاةً مُهتَدِينَ.

اللهم أَصلِح لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصمَةُ أَمرِنا، وَأَصلِح لنا دُنيَانا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصلِح لنَا آخِرَتَنا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا وَاجعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لِنا فِي كُلِّ خَيرٍ، وَاجعَلِ المَوتَ رَاحَةً لنا مِن كُلِّ شَرٍّ.

اللهم إِنا نسأَلُكَ الهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى. اللهم لَكَ أَسلَمنا وَبِكَ آمَنا، وَعَلَيكَ تَوَكَّلنا وَإِلَيكَ أَنَبنا وَبِكَ خَاصَمنَا، اللهم إِنا نعُوذُ بِعِزَّتِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ أَن تُضِلَّنَا، أَنتَ الحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالجِنُّ وَالإِنسُ يَمُوتُونَ.

اللهم يَا اللهُ يا اللهُ أَذهِبِ الضِّيقَ وَالغُمُومَ عَنَّا، وَأَبعِد كَدَرَ الدُّنيَا وَالهُمُومَ عَن قُلُوبِنَا، وحَسِّن بِفَضلِكَ سِيرَتَنا، وَجَمِّل في الدُّنيَا هَيئَتَنَا، وَسَدِّد في الخَيرِ مَسِيرَتَنَا، وَانشُر بَينَ الملائِكَةِ ذِكرَنَا، وَاحفَظ بَينَ الخَلقِ كَرَامَتَنَا، وَعَطِّر بَينَ النَّاسِ سُمعَتَنَا، وَارفَع بَينَ الحُسَّادِ مَهَابَتَنَا، وَإِلى جَنَّاتِ الخُلدِ أَدخِلنَا، وَفي الدَّرجَاتِ العَالِيَةِ أَنزلنَا، وَيَسِّرْ أُمُورَنَا، وَطَهِّر قُلُوبَنا، وَاحَفَظ فُرُوجَنا، وسَدِّد خُطَانا، وَأَلهِمنَا الطَّاعَاتِ فِي مَحيَانَا، وَأَسعدنَا فِي دُنيَانا وَأُخرَانا يَا اللهُ يا اللهُ.

اللهم إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الجُبنِ، وَنعُوذُ بِكَ مِنَ البُخلِ، وَنعُوذُ بِكَ مِن أَن نرَدَّ إِلَى أَرذَلِ العُمُرِ، وَنعُوذُ بِكَ مِن فِتنَةِ الدُّنيَا وَعَذَابِ القَبر.

اللهم كُن لِأَهلِ غَزَّةَ عَونًا وَنَصِيرًا، وَبَدِّل خَوفَهُم أَمنًا. اللهم ارزُق إِخوَانَنَا فِي فِلَسطِينَ الصُّمُودَ وَالقُوَّةَ فِي وَجهِ الطُّغيَانِ وَانصُرهُم. اللهم فَرِّج عَنِ المُستَضعَفِينَ مِنَ المُؤمِنِينَ. اللهم وَرُدَّ إِلَينَا المَسجِدَ الأَقصَى رَدًّا جَمِيلًا. اللهم احفَظ أَروَاحَ المُجَاهِدِينَ فِي فِلَسطِينَ، وَرُدَّهُم إِلَى أَهلِهِم مَرَدًّا كَرِيمًا آمِنًا. رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

اللهم ارفَعِ البَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالأَمرَاضَ عَنِ المُسلِمِينَ فِي مَشَارِقِ الأَرضِ وَمَغَارِبِهَا إِكرَامًا لِوَجهِ مُحَمَّدٍ ﷺ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم تَوَفَّنَا عَلَى كَامِلِ الإِيمَانِ وَارزُقنَا شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَمَوتًا فِي بَلَدِ نَبِيِّكَ ﷺ، وَاحشُرنَا عَلَى نُوقٍ رَحَائِلُهَا مِن ذَهَبٍ آمِنِينَ مُطمَئِنِّينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ.

رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، اللهم أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ

اللهم أَعِنَّا عَلَى الصِّيَامِ وَالقِيَامِ وَتَقَبَّل مِنَّا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، اللهم اجعَلنَا مِن عُتَقَاءِ هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ وَمِنَ المَقبُولِينَ يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ، اللهم أَعتِقنَا فِيهِ مِنَ النِّيرَانِ يَا اللهُ يَا اللهُ يَا اللهُ، اللهم أَرِنَا لَيلَةَ القَدرِ المُبَارَكَةَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ وَارزُقنَا فِيهَا دَعوَةً مُجَابَةً بِجَاهِ سَيِّدِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَا اللهُ. اللهم ارزُقنَا حُسنَ الخِتَامِ وَالمَوتَ عَلَى دِينِكَ دِينِ الإِسلَامِ وَرُؤيَةَ سَيِّدِ الأَنَامِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ.

اللهم إِنَّا دَعَونَاكَ فَاستَجِب لَنَا دُعَاءَنَا وَاغفِرِ اللهم لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسرَافَنَا فِي أَمرِنَا وَمَا أَنتَ أَعلَمُ بِهِ مِنَّا وَارزُق كُلَّ مَن حَضَرَ وَاستَمَعَ لِلدَّرسِ سُؤلَهُ مِنَ الخَيرِ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ أَجمَعِينَ وَسَلِّم تَسلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَومِ الدِّينِ.

وَآخِرُ دَعوَانَا أَنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

 

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …