مخالفة النفس ولزوم طلب علم الدين والعمل به

الحمدُ للهِ الواحدِ الأحدِ الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، والصلاةُ والسلامُ على سيّدِنا ونبيِّنا محمَّدٍ وعلى ءالِهِ وصحبِهِ الطيِّبينَ الطاهرينَ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَهُ؛ أمّا بعدُ.

النبي محمد صلى الله عليه وسلم أوصانا بحُسْنِ الاتِّباعِ لكتاب الله وسنِّةِ النَّبيِّ فقال: “لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ” معناه أنَّ العبدَ المؤمنَ إذا أَلزَمَ نفسَه على طاعةِ اللهِ تعالى وتَرْكِ المعاصي حتى صار يجد لَذَّةً وَحَلاوَةً بطاعةِ ربِّهِ عزّ وجلّ هذا كان من المؤمنينَ الكاملينَ الذين بشَّرَهُمُ اللهُ تعالى بقولِهِ: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، فالعاملون بهذا الحديثِ هُمُ المفلحونَ الَّذين صَبَروا على المكَارِهِ فخالفوا شهواتِ النَّفْسِ حتى عَوَّدُوها على الصبر والطاعةِ لله تعالى والالْتِزَامِ الكامل بما جاء به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، هؤلاء هم الّذين اجْتَمَعَتْ فيهِمُ الصفاتُ الثلاثةُ التي ذكَرها رسولُ الله فيما رواه البخاريّ أنّه قال: “ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاوَةَ الإِيمَانِ، أَنْ يَكُونَ اللهَُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ”.

عباد الله، إنّ علم الدّين هو السّبيلُ إلى معرفةِ مراتِبِ الأعمالِ وكيفيّةِ أدائِها على الوجهِ الصحيحِ، وإنّ الشيطانَ لَيُلَبِّسَ على الإنسانِ الجاهلِ فَيُوهِمُهُ بأنّه طالما هو لا يؤذي النّاس ونيّتُهُ حسنةٌ فهذا يكفيه عند ربّه، فتراه يسترسل بالشهوات المحرّمةِ ولا يؤَدِّي ما افترضَ الله عليه مِنَ الواجباتِ وإذا دُعِي إلى مجلسِ خيرٍ لِتَعَلُّمِ أمْرِ الحلالِ والحرامِ تَجِدُهُ مُكَابِرًا عنِ الحقِّ مُدَّعِيًا أنَّهُ عارفٌ بأمورِ الدّين غيْرُ محتاجٍ لِمَنْ يُذَكِّرُهُ بما أوجب الله عليه، والله تبارك وتعالى قال في كتابه العزيز: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ فكونوا عباد الله ممّن مدحهم الله في القرءان وبشرهم بالسلامة في الدنيا والآخرة بالتمسّك بشرع الله تعالى وتقوى الله في السّرّ والعلانية، واعلموا أن كلّ الأعمال تحتاج إلى علم، فمن أراد الصلاة لا بدّ له من التعلّم ومن أراد الحجّ لا بدّ له من علم، ومن أراد الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر لا بدّ له من علم، ومن أراد ذكر الله لا بدّ له من علم، فكم من رجل عاش زمنًا من الدهر وهو يؤدي العبادات على غير وجهها فيكون من الهالكين يوم القيامة وقد كان يظنّ بنفسه أنّه من المقرّبين عند الله تعالى، لذا يجب العمل بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ بِهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ” ولا ينبغي الاستهانةُ بعِلمِ الدّينِ فإنّه علامةُ الفلاحِ، وقد رُوي عن أحدِ الصَّالحين أنّه كان يدرِّسُ في مجلس فقام رجلٌ منَ المجلس وصلّى ركعتين منَ النّوافل فَلامَهُ هذا العالم على فعله إذْ فَوَّتَ على نفسه ثوابًًا أعظمَ، فقد قال عليه الصّلاة والسّلام: “يَا أَبَا ذَرٍّ لَئِنْ تَغْدُوَ فَتَتَعَلَّمَ ءَايَةً مِنْ كِتَابِ اللهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ وَلَئِنْ تَغْدُوَ فَتَتَعَلَّمَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ” أي من النوافل.

ويجب العلم بأنّ العملَ بالنوافلِ يكونُ بحيث لا يُشْغِلُ عنِ الفرائضِ فقد قال أهل العلم مَنْ شَغَلَهُ الْفَرْضُ عَنِ النَّفْلِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَمَنْ شَغَلَهُ النَّفْلُ عَنِ الْفَرْضِ فَهُوَ مَغْرُورٌ؛

وإن الاشتغالَ بطلبِ علْمِ الدّينِ وإِصلاحِ عقائدِ النّاسِ هو مِنْ أَفْرَضِ الفُرُوضِ، فنحن في زَمَنٍ أُهْمِلَ فيه أمرُ تعلُّمِ العقيدةِ بين كثيرٍ مِنَ النّاسِ فيقعُونَ بالكفرِ والعياذ بالله بسبب الجهل وهم لا يَدْرونَ؛
وإنّ أَوَّلَ فرضٍ أوجبَهَ اللهُ على العبادِ العلمُ باللهِ وذلك بمعرفةِ أنّ للهِ عزَّ وجلَّ صفاتًا ثابتةً له إجماعًا منها ثلاثَ عشْرَةَ صفةٍ تكرَّرَ ذكرُها في النّصوص الشرعيّة كثيرًا وهي:
الوُجُودُ، وَالْوَحْدَانِيَّةُ، وَالْقِدَمُ، وَالْبَقَاءُ، وَالْقِيَامُ بِالنَّفْسِ، وَالْقُدْرَةُ، وَالْعِلْمُ، وَالإِرَادَةُ، وَالسَّمْعُ، وَالْبَصَرُ، وَالْكَلامُ، وَالْحَيَاةُ، وَمُخَالَفَتُهُ تَعَالَى لِلْحَوَادِثِ.

فيجب معرفةُ هذه الصفاتِ على كلّ مكلَّفٍ فقد قال الإمامُ الغزالي: “لا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ إِلاَّ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمَعْبُودِ”؛ وكذلك يجب العلمُ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم وذلك بمعرفةِ أنه محمّدٌ بنُ عبد الله الّذي وُلد بمكةَ وهاجرَ إلى المدينةِ المنوّرةِ وهو صادقٌ في كلّ ما أخبرَ به عن ربّه، واعتقادُ العِصْمَةَ في حقِّ الأنبياءِ عنِ الكفرِ والكبائرِ وصغائرِ الخِسَّةِ قبْلَ النّبوّةِ وبعدَها؛
ويجب على العبدِ إِنْ صَدَرَ منه ما يخالفُ هذه العقيدةِ أن ينطُقَ بالشهادتين للدخولِ في الإسلام وذلك بقوله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمّدًا رسول الله، فلا يُقالُ له استغفِرْ ربَّكَ بقول أستغفرُ اللهَ لأن الاستغفارَ لا يصِحُّ إلا بعد الإسلامِ وذلك بترْكِ الكُفْرِ والنُّطقِ بالشهادتين.

هذا هو الأصلُ في دين الله تعالى، ثمّ بعد ذلك يجب على العبد أن يراعِيَ الأولوياتِ فَيُؤَدِّيَ حقوقَ الله على ما أمر الله وحقوق العباد على الوجه الذي شرعه الله تعالى وإن كان ذلك مما لا تميل إليه النفس، فإنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: “حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ”، ولا يجوز أن يُؤْخَذَ الدينُ بالرأيِ والهوى فقدْ شذَّ كثيرٌ مِنَ النّاسِ عنِ الحقِّ بسبب إعجابهم بآرائهم فيرَوْنَ الحقّ باطلاً والباطلَ حقَّا إمّا لعصبيّة أو تكبُّرًا والعياذ بالله.

شاهد أيضاً

نبي الله ءادم عليه الصلاة والسلام

قال الله تعالى :{ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءادَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرَاهِيمَ وَءالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} …