الحثّ على التعلم والتعليم

قد روى الطبراني في معجمه وابن ابي عاصم في كتابه رحمهما الله تعالى بالإسناد الصحيح من حديث معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس تعلموا فإنما العلم بالتعلم والفقه بالتفقه فمن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين” وروى البخاري بإسناد صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “بلّغوا عني ولو آية” فالحديث الأول فيه حث على التعلم، وهناك حديث آخر فيه حث على التعلم وعلى التعليم وهو قوله صلى الله عليه وسلم: “نضّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها فأدّاها كما سمعها”.

فأوله وهو قوله: “فأدّاها كما سمعها” حث على التعليم. وهذا الحديث الثالث رواه الترمذي وغير واحد من المحدّثين، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لمن يسمع حديثه فيحفظه ثم يبلّغه من غير تغيير ولا تبديل بنضرة الوجه أي تحسن وجهه يوم القيامة بالسلامة من الكآبة التي تحصل من أهوالها، لأن فيها الأوهال العظام والشدائد الجسام لذلك ربنا جل وعلا قال: ﴿مالك يوم الدين﴾ فهو تبارك وتعالى مالك الدنيا والآخرة، مالك كل شىء، وإنما قال: ﴿مالك يوم الدين﴾ ليفهمنا عظم أمور ذلك اليوم، لأن المصائب والشدائد التي تحصل في ذلك اليوم كلا شىء مصائب الدنيا بالنسبة لها وكذلك نعيم الدنيا كلا شىء بالنسبة لنعيم الآخرة. ومعنى ﴿يوم الدين﴾ يوم الجزاء، لأن الله تبارك وتعالى يجازي العباد ذلك اليوم بأعمالهم، يحصيها لهم في الدنيان وهو العالم الذي لا يغيب عن علمه شىء، ثم يوفيهم إياها في الآخرة يوم الدين ثم أمور الدين ليست كلها على مرتبة واحدة بل بعضها أعضز من بعض، لكن لا ينبغي للمؤمن أن يحقر أي شىء أمر به الله في كتابه الكريم أو على لسان نبيه العظيم صلى الله عليه وسلم بل ينبغي أن يعمل بذلك ولو كان هينا في نظر الناس لأن نصف حبة التمر قد يعبق الله تبارك وتعالى من بتصدق به من النار، وبذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “إتقوا النار ولو بشقّ تمرة”، أي لا تحقروا من عمل الخير شيئا ولو كان التصدق بنصف تمرة، ونصف التمرة عند الناس لا قيمة له، لكن عند الله تبارك وتعالى قد يعتق الله به عبده المسلم من النار، فيقدم الأهم فالأهم ومع ذلك لا نحقر أي شىء من عمل البر.

كما أنه يجب على العباد أن يجتنبوا ما حرّم الله ولو كان في نظر الناس هيناً، فإن بعض الذنوب هي هينة في نظر الناس وهي عند الله عظيمة كمسئلة ترك تجنب البول وتوقيه، فإنه ثبت عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مرّ بقبرين جديدين فقال: “إنهما ليعذبان وما يعذبان إلا في البول والغيبة”. فهذان الرجلان كانا من المسلمين وقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم أنهما يعذبان بسماع صوت العذاب منهما. وكثير من الناس يتهاونون في أمر البول فلا يستبرؤن ولا يتوقوْنه ولا يجتنبونه، وكذلك الغيبة كثير من الناس واقعون فيهما والغيبة تشمل النميمة، إلا أن النميمة تكون عملا بين اثنين للإفساد بينهما، أما الغيبة فقد تكون في شخص واحد لذكره بما يكره في خلفه مما فيه.

وإن الله تبارك وتعالى يجازي في الآخرة عباده على طاعاتهم بالثواب الجزيل، ويستحق من عصاه العذاب الأليم، وقد يظهر في هذه الدنيا بعض القوبات على بعض المعاصي كما أهلك بشرا كثيرا مضوا بعصيانهم لربهم وتكذيبهم لرسلهم، كقوم هود الذين أهلكهم الله بالريح فلم تترك منهم أحدا، إنما نجى الذين ءامنوا بنبي الله هود، وكقوم صالح الذين عصوْه بعد أن رأوا المعجزة العظيمة حيث اخرج بإذن الله تعالى من الصخرة الصماء ناقة ومعها ولدها، فنهاهم الله تبارك وتعالى على لسان نبيه عن أن يتعرضوا لها قال لهم: ﴿ناقة الله وسقياها﴾. قعصوه فأهلكهم الله باصيحة، صيحة جبريل عليه السلام فهلكوا من شدّة صوته وبقي المؤمنون، وكقوم لوط الذين كانوا يفعلون ذلك الفعل الخبيث أهلكهم الله تبارك وتعالى بأن أرسل جبريل فرفع تلك المدائن بجناحه وقلبها وكانت أربعة أو خمسة.

شاهد أيضاً

نبي الله ءادم عليه الصلاة والسلام

قال الله تعالى :{ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءادَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرَاهِيمَ وَءالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} …