ننتقل الآن للكلام على القَسْم بين الزوجات. والتسويةُ فى القسم بالنسبة للمبيت واجبةٌ بين الزوجات. إذا قَسَمَ بينهن لا بد أن يسوِّى، لا يبيت عند واحدة أكثر من الأخرى. أما التسوية فى الجماع فليست واجبة. ولا يجب التسوية فى المحبة القلبية لأن أمر المحبة القلبية ليس بيد الإنسان. فالمراد العدلُ فى المبيت. وتُعتبر التسوية بالمكان تارة وبالزمان تارة. أما التسوية بالمكان، فيحرم الجمع بين الزوجتين فأكثر فى مسكن واحد إلا بالرضا، بل يجعل لكل واحدة مسكناً مستقلاً. ثم يدور عليهن فى مسكنهن أو يدعوهن لمسكنه لكنَّ الأول أفضل. وأما الزمان، فمن كان عمله نهاراً فالأصل بالنسبة له الليل لأن الليل هو الوقت الذي يسكن فيه إذا كان عمله نهاراً، فالأصل بالنسبة له الليل ثم النهار الذي قبله أو بعده يكون تبعاً لليل يعنى يُمضِى عند هذه الليل والنهار الذي يلِى هذه الليلة مثلاً فيكون الليل هو الأصل والنهار تَبَعٌ له.
أما من كان عمله ليلاً كحارس فالأصل فى حقه النهار لأنه وقتُ سكونه والليلُ تبعٌ له.
وأقل نوبة فى القسم يوم وليلة فلا يجوزُ أقل من ذلك. ويجوز أن تكون نوبة كلِّ واحدة ليلتين بنهاريهما. ويجوز ثلاثة ولا يزاد على ذلك إلا إذا رَضِيْنَ يعنى حتى لو رضين شهر بشهر برضاهُن يجوز ولكن أن تكون نوبة كل واحدة يوم وليلة أفضل من غير ذلك. فإن رَضِيْنَ بتبعيض الليلة الواحدة جاز وإلا لا يجوز وعلى هذا يحمل طوافُ الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة على كل نسائه، يعنى على أنه كان برضاهُن.
ولا يجوز دخول الزوج ليلا، وهو الأصل في الغالب، على غير المقسوم لها أي على غير التي النوبةُ نوبَتُها إلا لضرورة. فإذا ذهب لضرورة وكان الوقت قصيراً الذي أمضاه عندها لا يقضيه للأخرى أما إن طال الزمن قضاه لها.
أما فى غير الأصل وهو النهارُ فى الغالب، فلا يدخُلُ الرجل على غير المقسوم لها إلا لحاجة، ليس لضرورة فقط إنما لحاجة، فإنه يجوز، ومثال الحاجة العيادةُ أي الزيارة إذا كانت مريضة أو وضعُ المتاع كأن يحتاج أن يضع الأغراض هناك أو أن يأخذ الأغراض من هناك أو أن يسلمها النفقة أو ما أشبه ذلك. فإذا دخل لحاجة كان له الاستمتاعُ عند ذلك بالزوجة من غير جماع، فلو جامعها عصى بجماعِها.
وإذا أراد من كان فى عصمته أكثر من امرأة السفر المباح فتنازعت زوجاتُه أيُّهُنَّ تذهب معه، عند ذلك يجب عليه أن يُقْرِعَ بينهن. وله أن يترُكَ صاحبةَ القرعة يعنى إذا طلع اسمُها ليس فرضاً عليه أن يأخذَها، لكن لا يأخذ غيرها، إما يسافر بدونها وبدون غيرها أو إذا أراد أن يأخذ إحدى زوجاته يأخذها هى. فإن سافر بواحدة منهن بغير قرعة وبغير رضا الباقيات عصى الله تعالى.
ويجوز لإحدى الزوجات أن تَهَبَ حقَّها من القسم لغيرها، أي يجوز لواحدة أن تهب ليلَتَها لغيرها لكن لا يَلْزَم الزوج أن يرضى بذلك، قد يرضى وقد لا يرضى. فإذا وهبَتْها ليلَتَها جاز لها بعد ذلك أن ترجِع فى هذا، أما إن وهبت ليلتها له فهو عند ذلك يقضيها حيث يشاء، يختار من شاء بينهن.
وإذا تزوج الزوج زوجةً جديدة خَصَّها بسبعِ ليالٍ مع أيامها متواليات إن كانت بكراً ولا يَقضى ذلك للباقيات. وأما غير البكر فيَخُصُّها بثلاثِ ليالٍ متوالية بأيامها، فإذا زاد على الثلاث قضى الزائد للباقيات إلا إذا طلبت هى سبعاً فعند ذلك يقضى السبعة كلَّها للبقية. ويسن تخييرُها بين ثلاثٍ بلا قضاء وسبعٍ بقضاء.