إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله من بعثه الله رحمة للعالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، بلغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة فجزاه الله عنّا خير ما جزى نبيًا من أنبيائه، صلوات الله عليه وعلى كل رسول أرسله.
أيها الأحبة الكرام، إن الله تبارك وتعالى أرشدنا في كتابه العزيز إلى الإنفاق في سبيله فقال: ﴿يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم﴾ فالصدقة واجبةً كانت أو مندوبةً حتى تكونَ مقبولةً عند الله تعالى لا بد من أن تكون من كسب حلال، فإن الله تعالى لا يقبل إلا طيّبًا، أما ما اكتسبه الإنسان من طريق الحرام فلا يجوز التصدق به للفقراء، إذ إن عَلِم صاحبَ المال وجب رده إليه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من كان لأخيه عليه مظلمة فليتحلل منها قبل أن لا يكون درهم ولا دينار”، فيعلم من هنا أن ما شاع عند بعض الناس مما أفتى به بعض أهل الضلال بأن الحرام لا يتجاوز ذمتين أي تكون للثالث حلالاً فهذا باطل فاسد مخالف للكتاب والسنة ومعارض لدين الله تعالى لا يقول به إلا كافر ضالّ، فليحذر من ذلك، وكذلك قولهم (السارق من السارق كالوارث من أبيه) قول باطل شذوا به عن دين الإسلام.
وينبغي العلم بأن المتصدق حتى ينال الأجر من الله تعالى عليه أن يتصدق بما يرضى به لنفسه فلا يقدم للفقراء أردأ الطعام واللباس مما يريد رميه في النفايات، فإن ذلك قد يثير الأحقاد بين المسلمين، وإن مقصد الصدقة هو ربط قلوب المؤمنين برباط الأخوة والتعاون، وقد قال عليه الصلاة والسلام: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” أي لا يكون كاملاً في الإيمان حتى يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه فيعامل إخوانه كما يحب أن يعاملوه، وقد قال عزّ وجلّ: ﴿لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبّون﴾ أي لن تنالوا ثواب البرّ حتى تنفقوا مما تحبّون لوجه الله تعالى.
ثم إن من شرط قبول الصدقة أن تكون خالصة لوجه الله تعالى لا لتحصيل منفعة دنيوية ولا لسمعة بين الناس ولا رياءً ليحمده الناس، فإن الله تبارك وتعالى قال في القرءان الكريم: ﴿فمن كان يرجوا لقاء ربّه فليعمل عملاً صالحًا ولا يشرك بعبادة ربّه أحدًا﴾ أي الشرك الأصغر وهو الرياء، والرياء من كبائر الذنوب محبط لثواب العمل.
وكذلك يجب تجنب المنّ والأذى فإن ذلك محبط لثواب الصدقة وهو حرام من الكبائر، وإنّ فيه كسر لقلب الفقير، والمنّ هو أن يتحدّث بما أعطى على وجه حتى يبلغ ذلك المعطَى فيؤذيه، والأذى أعم من المنّ. قال عز وجل: ﴿الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منـّاً ولا أذى لهم أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾.
إخوة الإيمان، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر المال فمنه ما هو طيّب ومنه ما هو خبيث، ومدح الرجل الصالح بأنه يتحرى الكسب الحلال والإنفاق فيما أحلّ الله تعالى وفي وجوه الخير، فقال عليه الصلاة والسلام: “نعم المال الصالح للرجل الصالح”، وإن الرجل الصالح لا يشغل قلبه بالمال وإن ضاقت عليه أسباب المعيشة، فحري بنا أن نقلّد هؤلاء الذين مدحهم الرسول عليه الصلاة والسلام عسى ربّنا أن يرزقنا الدرجات العلا ويغفر لنا ذنوبنا، وإن العلماء الأفاضل من أهل الحق قالوا: “إن تجنّب معصية واحدة خير من صلاة ألف ركعة من النوافل، وإن تحري الحلال فريضة”.