الحمد لله ثم الحمد لله، وسلام الله على عباده الذين اصطفى، الحمد لله الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد سيد ولد عدنان بعثه الله تعالى هاديا ومبشرا ونذيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى كل رسول أرسله.
أخي المسلم إن الله تبارك وتعالى أمر بالتوكل عليه سبحانه فقال: ﴿وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين﴾، والتوكل على الله هو ثقة القلب بالله تعالى بأنه هو الرازق الذي يكفي عباده وهو الذي يشفي المريض منهم والذي يكشف السوء عن المبتلى ولا شىء يعجزه تعالى. فمن توكل على الله تجنب أن يلجأ إلى ما حرم الله كمن يلجأ إلى السحرة والكهنة حين يبتلى بالمرض أو بقلة الرزق أو حين يغتاظ من إنسان فيريد أن ينتقم منه، فهذا ينافي التوكل على الله تعالى وهو من المعاصي الكبيرة التي تهلك مرتكبها يوم القيامة.
والسحر هو استعانة بالشيطان على إيذاء إنسان أو تحقيق رغبة كالتحبيب بين الزوج وزوجته وذلك بذكر كلمات أو طلاسم أو كتابتها، وهو محرم بالإجماع فمن استحله كفر. ومن السحر ما هو كفر وشرك بالله تعالى كمن يكتب كلمات فيها تقرب إلى كوكب أو شيطان أو يكتب ءايات قرءانية بقصد أن يوهم الناس أن القرءان يدخل في عمل السحر لأن الذي يعتقد أن القرءان يصلح ليعمل به السحر فقد كفر والعياذ بالله، وهذا هو مقصود الشيطان أن يوقع الناس بالكفر والضلال. وقد قال عليه الصلاة والسلام: “ليس منا من سحر أو سحر له”.
وكذلك الكهانة فهي محرمة بالإجماع، والكهانة هي الإخبار عن الأمور المستقبلية اعتمادا على خبر الشياطين وهم أكذب خلق الله تعالى، ويدخل في ذلك ما يفعله العرافون من أن يسألوا عن أمور حصلت أو أشياء ضاعت فيخبرون عنها اعتمادا على ما يخبرهم أعوانهم الشياطين فهذا أيضا حرام، ومن اعتقد أن هذا الكاهن أو العراف يعلم الغيب فقد كفر بالله العظيم، لأن الله تعالى قال في القرءان الكريم: ﴿قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله﴾، أي الله هو عالم الغيب ولا أحد من عباده محيط بعلم الغيب، وأما ما يخبره الأنبياء من الأمور الغيبية فهو بوحي من الله تعالى وخبرهم صدق فيجب تصديقهم، والولي إذا أخبر ببعض الغيب فهو من باب المكاشفة كما حصل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه كشف له في مسائل دينية أنه سوف ينزل فيها بيان من الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، منها مسئلة تحريم شرب الخمر وقد صدق كشفه، وهذا الكشف هو إلهـام من الله تعالى وليس بالوحي كما يحصل للأنبياء. وكذلك لما كان عمر رضي الله عنه في الجابية “أرض ببلاد الشام” يخطب وكان سارية قائد جيشه في بلاد نهاوند يغزو الكفار، فكشف لعمر أن الكفار وراء الجبل يريدون أن يلتفوا على جيش سارية فنادى عمر وهو في الشام: “يا سارية الجبل الجبل” فسمع سارية نداء عمر مع بعد المسافة وانتبه لمكيدة الكفار وانقض عليهم، وهذا من كرامات سيدنا عمر رضي الله عنه، مع ذلك ليس أحد غير الله تعالى يحيط يعلم الغيب. أما ما يعمله الكاهن والعراف فهو من عمل الشيطان، وقد قال عليه الصلاة والسلام: “من أتى كاهنا أو عرافا فسأله عن شىء فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد”.
ثم التحصن من السحر لا يكون بسحر مثله، فالسحر بكل أنواعه حرام، بل يكون بالقرءان وبعض الأوراد الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض الصالحين أو بالتداوي ببعض العقاقير التي جعل الله فيها خاصية لإبطال السحر كورق السدر، من ذلك التحصن بالآية: ﴿فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين﴾، وبآية الكرسي والمعوذتان، وكذلك من الأوراد التي يدفع الله بها أذى الشياطين ما رواه الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمهم أن يقولوا: “أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه وعقابه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون”، وقال: “كنا نعلمها من عقل ونكتبها ونعلقها على أعناق من لم يعقل منا”، فإن قرئ هذا الدعاء أو كتب وعلق على العتق ينفع من أذى الشياطين بإذن الله تعالى.
ومن الرقية النافعة للمريض لحصول الشفاء بإذن الله تعالى ما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن عثمان بن عفان قال: “مرضت فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “بسم الله الرحمن الرحيم أعيذك بالله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد من شر ما تجد، قال ذلك مرارا”.
أخي المؤمن إن التوكل على الله تعالى يجنب العبد الكثير من المهالك ويعينه على تقوى الله، وقد قال عز وجل: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه﴾.