شرح حديث (ما ءامن بي من بات شبعانًا وجاره جائع الى جنبه وهو يعلم به)

الحمد لله الذي تدكدكت لعظمته الجبال الراسية، العليم فلا تخفى عليه خافية، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد سيد ولد عدنان وعلى جميع إخوانه الأنبياء، وصحبه وءال بيته الأتقياء.
قَالَ رسولُ صلى الله عليه وسلم: “مَا ءامَنَ بي مَنْ بَاتَ شَبْعان وَجَارُهُ جَائِعٌ إلى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ” أي لا يكون إيمانه كاملاً ذلك المسلم الذي يبيت شبعان وجاره المؤمن من أهل الضرورات وهو عالم بحاله ولا يعينه مع قدرته على ذلك، فلنتفكر في هذا الكلام ملياً، لئن كان كل مسلم منا يفكر بأخيه المسلم المؤمن الموحد ويحب له الخير كما أوصى رسول الله فإن هذا يؤدي بنا إلى مجتمع متشابك الأيدي تصون المحبة تماسكه وتحمي المودة ثباته، أليس علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” أي لا يكون كامل الإيمان حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، أليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا” أي أن شأن المؤمن الكامل أنه يرحم الصغير ويوقر الكبير، هذه هي التعاليم المحمدية التي ما إن تمسكنا بها كنا على ما يحب الله ورسوله من حسن الخلق والتراحم والمودة. ولنتأمل حديث رسول الله عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: “إنّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوْعِي انَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا وأَجَلَهَا فَأَجْمِلُوا في الطَّلَبِ كُلُوا ما حَلَّ ودَعُوا ما حَرَّمَ” النبي صلى الله عليه وسلم يقول إنّ جبريل نفث في رُوعي أي في قلبي أنه لن تموت نفس حتى يستكمل رزقها وأجلها. وهذا يدل على أنّ اعمارنا محدودة وءاجالنا محتومة، فمن لم يمت بالسيف مات بغيره، وأن أرزاقنا معلومة وأن غيرنا لا ينال شيئا من رزق غيره وأن أنفاسنا معدودة فالإصابة لا تعجل في الأجل ودوام الصحة والعافية والشباب والقوة لا يؤخر الأجل بل كل يموت بانقضاء أجله وكل يأكل رزقه الذي كتب له “علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأن بالي”، قال عز وجل: ﴿وفي السماء رزقكم وما توعدون﴾ ولا أحد يستطيع أن يؤخر عزرائيل ولا أن يعجله، قال تعالى: ﴿وإذا جاء أجلهم فلا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون﴾ وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يرشدنا في جملة ما يعلمنا إياه إلى القناعة إذ يقول: “خذوا ما حلّ ودعوا ما حرم” وهذا يوافق قول الله تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ ما رَزَقْنَاكُمْ﴾ لأن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به، والإنسان بحاجة إلى الله وقت الضراء كما هو بحاجة وقت السراء. الإنسان بحاجة إلى الله وقت البأساء كما هو بحاجة إليه وقت السراء، لا أحد يستغني عن الله طرفة عين فإذا ما نزلت بغيرك مصيبة فلا تكن جشعا وإنما كن لطيفا حليما معطاءً متصدقا واسع القلب، فقد قال عليه الصلاة والسلام: “ما ءامن بي من بات شبعان وجاره جائع الى جنبه وهو يعلم به” فادعوا إخوانكم الذين تعرفون فيهم السعة في المال إلى الرأفة بأهل الفقر والحاجة والبأساء والضراء فإن البلاء إذا اشتد قد يصيب الصالح والطالح ولكن الصالح يحشر على نيته وقد ورد في الأثر: “إنّ الناس إذا لقوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب” فمن ابتلي منا بمصيبة فليحمد الله فإنّ المؤمن أمره كله له خير، إن أصابه خير فشكر كان خيرا له وإن أصابه شر فصبر كان خيرا له. معشر الإخوة المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما ملأ ابن ءادم وعاءً شراً من بطنه” فاحرص على أن يكون كل ما يدخل جوفك من الحلال الصافي وإياك أن تقع بالمحظور فتهلك، فإن جسدك هذا إن نبت من الحرام فأنت تستحق عذاب جهنم وما لأحد طاقة على تحملها، إنها لظى نزاعة للشوى، فكُلْ ما أحل الله، ودع ما حرم والتزم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “فَأَجْمِلُوا في الطَّلَبِ كُلُوا ما حَلَّ ودَعُوا ما حَرَّمَ”.
وإن كنت يا أخي المسلم صاحب نعمة، فتح الله عليك بالرزق الحلال وطيب معاشك فاذكر إخوانك المسلمين أهل الضرورة فإن من بينهم من ينام جائعاً وأنت إن علمت بأمره كان عليك أن تعينه وتسعفه وتنقذه فإن في ذلك التزاماً بوصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الخلق الحسن والكرم والجود والسخاء والعطاء، الذي قالت له زوجه عائشة رضي الله عنها تخبره عن شىء من اللحم توزعه صدقة لله تعالى، قالت له يا رسول الله ذهبت كلها ولم يبق إلا الكتف، فإذ به عليه الصلاة والسلام يرشدها لتقول ذهب الكتف وبقيت كلها. أي أن ما تصدقوا به هو الذي يبقى وينفع يوم القيامة وأما ما سيؤكل فهو ذاهب فان، قال الله تعالى: ﴿والباقيات الصالحات خير وأبقى﴾.
فلنلتزم كلنا الآداب المحمدية فإنها طريق الوصول إلى الجنة وسيرته صلى الله عليه وسلم درب النجاة، ولا بد قبل ذلك كله من الإيمان بالله ورسوله، فإن رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: “أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله تعالى بهما عبد غير شاك إلا دخل الجنة” أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله.

شاهد أيضاً

نبي الله ءادم عليه الصلاة والسلام

قال الله تعالى :{ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءادَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرَاهِيمَ وَءالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} …