سَيِّدُنَا محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم صَاحِبُ الخلُقِ العَظِيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له من يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله من بعثه الله رحمة للعالمين هاديا ومبشرا ونذيرا بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا من أنبيائه صلوات الله وسلامة عليه وعلى كل رسول أرسله أما بعد إخوة الإيمان، أوصي نفسيَ وإياكم بتقوى اللهِ العليِّ العظيم.
قالَ اللهُ تبارك وتعالى في مُحكم الآياتِ والذكر الحكيم: ﴿لقد كان لكم في رسولِ اللهِ أسوةٌ حسنةٌ لِمَنْ كان يرجو اللهَ واليومَ الآخرَ وذكرَ اللهَ كثيرًا﴾.
وروى البخاريُ ومسلمٌ من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: “لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليهِ من والدِه وولدِه والناسِ أجمعين”. لأنهُ صلى الله عليه وسلم أصلُ النعمةِ وسببُ الرحمةِ فقد أنقذَنا اللهُ به من الجهالةِ وظُلمتِها إلى الإيمانِ ونورِه الذي بهِ سعادةُ الدنيا والآخرةِ. قالَ اللهُ تعالى: ﴿لقد منَّ اللهُ على المؤمنينَ إذ بعثَ فيهم رسولا من أنفسِهم يتلو عليهم ءاياتِه ويُزكِّيهِم ويعلِّمُهُمُ الكتابَ والحكمةَ وإن كانوا من قبلُ لفِي ضلالٍ مُبين﴾. ومحبتُه صلى الله عليه وسلم باتِّباعِ سُنَّتِه وامتِثالِ أمرِه واجتنابِ نهيِه. نعم، بُعِثَ رسولُ اللهِ في مكةَ المكرمة، وكانَ من حوله عبدةُ الأصنامِ والصابئةُ عبدةُ الأجرامِ وكذلك المجوسُ والدّهريونَ والطبيعيُّونَ الذين ينفونَ وجودَ الإلهِ والبراهمةُ الذين ينفون النبوة. هكذا كانَ الحجازُ وما حولَه إلى فلسطينَ والشامِ والعراقِ وبلادِ الروم وأرضِ الفرسِ والهندِ وبلادِ أفريقية حينَ بُعثَ خاتمُ النبيينَ. فما أقتمَ وأظلمَ هذا المنظرَ في تاريخِ البشر!
فقامَ النبيُّ الهاشميُّ بالدعوةِ إلى الإسلامِ في تلك البيئةِ المحاطةِ بتلكَ الأممِ يُقيمُ الحجةَ لدعوتِه ويوقظُ العقولَ إلى المعالِي ويدعو إلى الإسلامِ ونبذِ الكفرِ وعبادةِ الأوثانِ فدانت الأممُ بنورِ هدايتِه في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها.
فقد اجتمعتْ فيه الفضائلُ فتحلَّى بأحسنِ الشمائلِ، وإنَّ تصرفاتِه كانتِ العنايةُ الربانيةُ تحفُّها مع أنهُ نشأَ يتيمًا لم يجالِسِ الحكماءَ إلا أنّ اللهَ تعالى جمَّلهُ بأحسنِ الأدبِ وأحسنِ الخُلُق. روى البخاريُّ من حديثِ عائشةَ في وصفِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم أنها قالت: “كان خلقُه القرءان” أي من أرادَ أن يعرفَ خلُقَ الرسولِ فليقرأِ القرءانَ وليفهَمْه، فكلُّ خصلةِ خيرٍ أمرَ اللهُ في القرءانِ بالتخلُّقِ بِها فهي من خُلُقِ الرسولِ عليه أطيبُ الصلاةِ وأزكى السلام. وروى البخاريُّ من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ قال في صفةِ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: “كانَ أحسنَ الناسِ خَلقا وخُلُقا”. وأخرجَ أبو بكر اللآل في كتابِه (مكارمُ الأخلاق) أنَّ النبيَّ قال: “كنتُ بين شرِّ جارينِ عقبةَ بنِ أبي معيط وأبي لهبٍ كانا يرمِيانِ بما يخرُجُ من الناسِ على بابي” أي أنهُ صلى الله عليه وسلم كان يتحمَّل أذاهُما مع أنه كان أشجعَ خلقِ اللهِ على الإطلاقِ وقد أوتِي من القوَّةِ البدنيةِ قوةَ أربعينَ رجلاً ومع ذلك كان العفوُ خلُقَه والصبرُ شِيمتَه وتحمُّلُ الأذى من الغيرِ حالَه ودأبَه. وعن عائشةَ رضي اللهُ عنها عندما سُئِلت عن خُلقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالت: لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا، ولاسخَّابًا في الأسواقِ ولا يجزي بالسيئةِ السيئةَ، ولكن يعفو ويصفحُ. فقد كانَ النبيُّ الأعظمُ يعفو عمَّنْ ظلَمَه ويصِلُ من قطعَهُ ويُحسِنُ إلى من أساءَ إليهِ وكان لا يزيدُه كثرةُ الأذى عليهِ إلا صبرًا وحلمًا.
قال اللهُ تعالى في خطابِه لنبيِّه عليهِ الصلاةُ والسلامُ: ﴿فاصبِرْ كما صبرَ أولوا العزمِ منَ الرسل﴾. تقولُ السيدةُ عائشةُ زوجُ النبيِّ في وصفِه صلى الله عليه وسلم: “وما انتقَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لنفسِه إلا أن تُنْتَهَكَ حرمةُ اللهِ في شىءٍ فيَنْتَقِمُ بِها لله” رواهُ البخاري. ومن أوصافِ النبيِّ الشجاعةُ والنجدةُ وكان عليه الصلاةُ والسلامُ منهُما بالمكانِ الذي لا يُجهلُ وقد حضرَ المواقفَ الصعبةَ وفرَّ الكماةُ والأشداءُ عنهُ غيرَ مرةٍ وهو ثابتٌ لا يبرَح، ومُقبِلٌ لا يُدبِرُ ولا يتزحزَحُ. وقد روى البيهقيُّ عنِ ابنِ عمرَ رضي اللهُ عنه أنهُ قال: ما رأيتُ أشجعَ ولا أنجدَ ولا أجودَ ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويوم حنين لما التقى المسلمونَ والكفارُ ولَّى بعضُ المسلمينَ مُدبرينَ والرسولُ لم يفرَّ فطَفِقَ عليه الصلاةُ والسلامُ يُركِضُ بغلتَه نحو الكفارِ وأبو سفيان ءاخذٌ بلجامِها يكفُّها بُغيةَ أن لا تُسرعَ والرسولُ الأعظمُ يقولُ: “أنّا النبيُّ لا كَذِب، أنا ابنُ عبدِ المطَّلب” رواه البخاريّ.
وللمُلاحظةِ إخوةَ الإيمان، فإنَّ النبيَّ ليس شاعرًا لمجردِ قولِه أنا النبيُّ لا كذب أنا ابنُ عبدِ المطلب. لأنَّ الإنسانَ قد يتكلمُ أحيانا بكلامٍ عاديٍّ فيكونُ هذا الكلامُ موزونًا فلا يُعتبرُ بذلك شاعرًا. ولأنَّ اللهَ برّأَ نبيَّه من الشعرِ فقال عزَّ مِنْ قائل: “وما علَّمناهُ الشعرَ وما ينبغي له إن هو إلا ذكرٌ وقرءانٌ مبين”. وقالَ تعالى: ﴿وما هو بقولِ شاعرٍ قليلاً ما تُؤمِنون﴾.
إخوةَ الإسلام، ما أجملَ أن نقتديَ بالنبيِّ وأن نكونَ أصحابَ حلمٍ وصبرٍ وعفوٍ وشجاعةٍ نصبرَ على أذى الناسِ ونعفوَ عمن أساءَ إلينا وندافعَ عن دينِ اللهِ بإقدامٍ وشجاعةٍ.

شاهد أيضاً

نبي الله ءادم عليه الصلاة والسلام

قال الله تعالى :{ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءادَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرَاهِيمَ وَءالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} …