خيرُكم خيرُكم لأهلِهِ

الحمدُ للهِ ربِّ الكائنات، المنـزَّهِ عنِ الحدودِ والغاياتِ والأركانِ والأعضاءِ والأدواتِ، ولا تحويهِ الجهاتُ الستُّ كسائرِ المبتدعاتِ ومن وصفَ اللهَ بمعنىً من معاني البشرِ فقد كفر. والصلاةُ والسلامُ على خيرِ الكائناتِ سيدِنا محمدٍ وعلى سائرِ إخوانِه النبيِّينَ المؤيَّدينَ بالمعجزاتِ الباهراتِ فبِعصا موسى انفلقَ البحر وبدُعاءِ نوحٍ نزلَ المطرُ ولمحمدٍ شهدَ الشجرُ والحجرُ وانشقَّ القمر.
أخي المسلم يقولُ الله تبارك وتعالى في القرءانِ الكريم: ﴿إنَّ اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القُربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغيِ يعظُكم لعلَّكم تذَكَّرون﴾.
وقد قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم: “خيرُكم خيرُكم للنساء” أي الذي يحسنُ معاملةَ النساءِ هذا أفضلُكم، أفضلُ المؤمنينَ هم من يحسِنونَ للنساء، أي يُحسنونَ معاملةَ النساءِ بالعطفِ والرحمةِ والإحسانِ، معناهُ الذي يحسنُ معاملةَ النساءِ أي أزواجِه هو أفضلُ المسلمينَ، يعاملُها بالتواضُعِ والعطفِ والرحمةِ وبشاشةِ الوجهِ والإحسانِ والعفوِ إذا هيَ أساءَت، من كان هكذا هو أفضلُ الرجالِ، لأن الذي يكونُ مع امرأتِه هكذا يكونُ مع الغيرِ هكذا، يكونُ حسَنَ الخُلُق، صاحبُ الخلُقِ درجتُه كدرجةِ الإنسانِ الذي يصومُ صياماً مُتتابِعاً ويقومُ الليل، الذي يتواضعُ ويسامحُ الناسَ الذين أساؤُوا إليهِ وهو لا يؤذِي غيرَه ويصبرُ على أذى غيرِه ويُحسنُ إلى الناسِ هذا يساوي الرجلَ الذي يُصلِّي نصفَ الليلِ مثلاً يتهجَّدُ بالليلِ ويصومُ كثيراً ستةَ أشهرٍ أو ثمانيةَ أشهرٍ فوقَ الفرضِ، هذا بحسنِ خلقِه درجتُه عندَ اللهِ مثلُ ذاك.
أخي القارئ إن التواضعَ للأزواجِ مطلوبٌ والعطفَ عليهنَّ مطلوبٌ، فأفضلُ الرجال همُ الذين يكونُ إحسانهُم للنساءِ أحسنَ، كثيرٌ من الرجالِ على خلافِ هذا الحديثِ يعاملون نساءَهم، كثير منهم لا يعاملونَهنَّ كما أمرَ الرسولُ، الزوجُ لا يتواضعُ معها، يعتبرُ نفسَه مَترفِّعاً عليها، هذا لا ينبغي، ينبغي أن يتواضعَ معها ويحسنَ إليها ويصفحَ ويعفوَ عن سيئاتِها، لا يقابلُ الإساءةَ بالإساءة، هذا أفضلُ الرجال، أما الذين لا يعاملونَ النساءَ بهذه المعاملةِ ليسوا من أهلِ الطبقةِ العليا. ثم ولو كان الشخصُ زوجتُه عقلُها ضعيفٌ فَلْيُدارِها، يعامِلُها بالمداراةِ، بحكمةٍ، الطفلُ عقلُه ضعيفٌ كيفَ تعامِلُه، أليسَ بالرحمةِ والحكمةِ والشفقةِ والمداراة. ثم الرسولُ عليه الصلاةُ والسلامُ قالَ: “خيرُكم خيرُكم لأهلِه وأنا خيرُكم لأهلِي” معناهُ أنا أحسنُ معاملةً لأزواجي منكم، أنا أعامِلُ النساءِ أحسنَ معاملةً أكثرَ منكم، وأنتم من كان معاملتُه للنساءِ أحسنَ فهو أفضلُ المسلمينَ، فهو أفضلُكم، فيما بينكم الذي يعاملُ النساءَ معاملةً حسنةً هذا أفضل، وأنا أفضلُكم في معاملةِ النساء، الرسولُ عليه الصلاةُ والسلام من حسنِ خُلقِه لما يكونَ في بيتِ إحداهُن لأجلِ القَسْمِ كان لما يخرجُ صباحاً يدورُ على كلٍّ، يقفُ على بابِ زوجتِه هذه ويقولُ السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه أهلَ البيت، يأتي على بابِ زوجتِه هذه فيسلِّمُ عليها ويأتي على بابِ هذهِ فيسلمُ عليها وهكذا يدورُ عليهن في غيرِ دورِ صاحبةِ الدورِ، لا ينتظرُ حتى يأتينَ هن فيسلِّمنَ عليه، انظروا يا عبادَ الله إلى هذهِ المعاملة، أيُّ سرورٍ يدخلُ على زوجتِه هذه التي يسلِّمُ عليها، هذا حسنُ معاملةِ النساء، أما أكثرُ الأزواجِ يترفَّعونَ على زوجاتِهم، هذا خلافُ الشرعِ، اللهُ لا يحبُّه.
فقد وردَ حديثٌ في حقِّ معاملةِ الزوجِ والإحسانِ إليه وطاعتِه قال عليه الصلاة والسلام: “أحقُّ الناسِ بالمرأةِ زوجُها وأحقُّ الناسِ بالرجلِ أُمُّه”، فإذا كانَ الشخصُ لا يستطيعُ أن ينفقَ على أمِّه وزوجتِه يقدِّمُ الزوجة، يُعطي نفقةَ الزوجةِ، يقدمُ الزوجةَ ثم الأم، المرأةُ أيضاً إنْ أمرَها أهلُها بشىءٍ وزوجُها أمرَها بشىءٍ مما ليس فيه معصيةٌ تُطيعُ الزوجَ، لا تتركْ طاعتَه، تطيعُ زوجَها ولا تطيعُ أهلَها، هذا معنى “أحقُّ الناسِ بالمرأةِ زوجُها”.
في هذا الزمنِ الرجالُ لا يعاملونَ أزواجَهم كما يحبُّ اللهُ ولا النساءُ يعاملنَ أزواجَهنَّ كما ينبغي، أكثرُ الناسِ هكذا، نساؤُهم يشكينَ منهم سوءَ المعاملة، النفسُ تحب الترفُّعَ إلا من خالَفَها لوجهِ الله، النفسُ التي تخالفُ نفسَها تكونُ متواضعةً مع عبادِ الله. التواضُع مطلوبٌ، الرجلُ إذا كان في البيتِ خدمَ نفسَه وخدمَ زوجتَه بدلَ أن ينتظرَ خِدمتَها هذا عندَ اللهِ أفضلُ، الرسولُ عليه السلام كان يحلِبُ شاتَه بيدِه في البيتِ بدَلَ أن يقولَ لإحدى زوجاتِه احلِبِي أنت، كان يتولَّى خدمةَ البيتِ بنفسِه، هذا التواضُعُ. من لا يعامِلُ نساءَهُ في الدنيا بالظلمِ، إن كانَ هو يعاملُها بالعدلِ بلا ظلمٍ وهي أطاعَتْهُ ولم تُقصِّرْ في حقِّهِ يومَ القيامةِ لا ينفِرُ هو منها ولا تنفِرُ هي منه، أما إن كانا يتعاملان في الدنيا بالظلمِ يومَ القيامةِ هو يفرُّ منها وهي تفِرُّ منه خوفَ أن يطالبَ أحدُهما الآخرَ بمظلَمة، والأبُ والأمُّ هكذا، والابنُ والأمُّ كذلك، أما من كانوا في الدنيا يتعاملونَ بالإحسانِ بلا ظلمٍ يشتاقُ بعضُهم ليرى الآخر، أما إن كان يعامِلُ أحدُهم الآخرَ بالظلمِ أو كلاهما فهذا يفِرُّ من هذا وهذا يفِرُّ من هذا.

شاهد أيضاً

نبي الله ءادم عليه الصلاة والسلام

قال الله تعالى :{ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءادَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرَاهِيمَ وَءالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} …