بيان جواز الاحتفال بمولد النبي عليه السلام

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير الأنام وعلى ءاله وصحابته الأعلام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد.
يقولُ اللهُ تبارك وتعالى في كتابِهِ الكريم: ﴿ومن يُشاقِقِ الرسولَ من بَعدِ مَا تبيَّنَ لَهُ الهدى ويَتَّبِعْ غيـرَ سبيلِ المؤمنينَ نُولِّهِ ما تولَّى ونُصْلِهِ جهنَّمَ وساءَتْ مصيرا﴾.
إن هذا الدينَ الإسلاميَّ الحنيفَ الذي هو دينُ الأنبياءِ جميعًا من ءادمَ إلى خاتمِهم محمدٍ عليهِ الصلاةُ والسلامُ لَهُو دينٌ عظيمٌ وإن هذه الشريعةَ السمحاءَ الحنيفيةَ التي دعا إليها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لهيَ الصراطُ المستقيمُ من ثَبَتَ عليها نجا من الخلودِ الأبديِّ في النّارِ، ومن أعرضَ عنها وكذَّبَها فإنَّ له جهنمَ وساءت مصيرا. هذه الشريعةُ العظيمةُ ليست مأخوذةً من ءاراء متعددةٍ ابْتَكَرَها مُفَكِّرونَ وفلاسفة وإنما مصادِرُ التشريعِ لها القرءانُ الكريمُ الذي تلقَّاهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بطريقِ الوحيِ عنِ اللهِ تبارك وتعالى. ورسولُ اللهِ عليه الصلاةُ والسّلامُ بلَّغَهُ صحابَتَه الكرام، وصحابتُهُ الكرامُ حفظوه في صدورِهم وبعد وفاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم دوَّنوا عدةَ نُسخٍ منه وزَّعوها في أمصارِ بلادِ المسلمين، حفظهُ اللهُ من التحريفِ، حفظهُ اللهُ مِنْ أنْ تَمَسَّهُ يدٌ بزيادةٍ أو نقصانٍ إلى يومِنا هذا بعدَ مُضِيِّ أربعةَ عَشَرَ قَرْناً فهو حُجَّتُنا في الدِّين. وبعدَهُ الحديثُ النَّبَوِيُّ الشريفُ الذي كان يُقِرُّهُ رسولُ اللهِ ويتَكَلَّمُ بهِ رسولُ اللهِ ويفعلُهُ رسولُ اللهِ منْ أحكامِ الدينِ وكلُّ هذا عن طريقِ الوحيِ عن اللهِ تعالى حيثُ قالَ عليه السلامُ: “إن جبريلَ ينـزِلُ عليَّ بالسُّنةِ كما ينـزِلُ عليَّ بالقرءان” علَّمهُ أصحابَه فتناقَلَهُ أصحابُهُ وتوارَثَهُ الصالحونَ خلفًا عن سلفٍ، ودوَّنَهُ الثقاتُ الحُفاظُ. دَوَّنَ الثقاتُ الحُفَّاظُ مِنْ علماءِ الحديثِ كالبخاريِ ومسلمٍ وغيرِهما أحاديثَ النبِيِّ الصحيحةَ وبيَّنوا ما كان مُفْتَرًا مكذوبًا موضوعًا على رسولِ اللهِ، وكذلك مصدرُ التشريعِ الثالثُ إجماعُ علماءِ المسلمينَ فإنَّ اللهَ قَيَّضَ لهذهِ الأُمَّةَ علماءَ أجِلاَّءَ فإذا أجمعوا على حكمِ مسئلةٍ فهم على خيرٍ وهُدى ولا تجتمِعُ أمَّةُ النبيِّ على ضلالةٍ، كلُّنا مجتمعونَ على أنَّ اللهَ خلقَ جنةً ونارًا وإن لم نرَهُما بأعيُنِنا وإجماعُنا هدىً وليسَ باطِلاً ولا خرافاتٍ ولا ضلالاً. ومصدرُ التشريعِ الرابعُ هو القياسُ. فمن كَذَّبَ قولَ اللهِ ولم يؤمِنْ بحديثِ رسولِ اللهِ وكذبَ إجماعَ الأمةِ وأنكرَ القياسَ وأرادَ أن يعملَ بمجردِ رأيِهِ فرأيُهُ مضروبٌ جانبًا ومردودٌ عليه لأن الإمامَ مالكَ بنَ أنس إمامَ المدينةِ المنورةِ الذي كان منذ حوالي ثلاثةَ عشرَ قرنًا قالَ: “كلٌ منّا رادٌ ومردودٌ عليهِ إلا صاحِبَ هذا القبرِ”، أي إلا رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فاجتهادُ العلماءِ المسلمين كالإمامِ الأوزاعيِّ رضي الله عنه والإمامِ الشافعيِّ رضي الله عنه وغيرِهما معمولٌ به عندَ أهلِ الحقِّ لأنهم لم يخرُجوا عن الحقِّ والصراطِ المستقيمِ ولم يفتَرُوا على القرءانِ والحديثِ ولم يخرُجوا عن إجماعِ المسلمينَ. أما إذا انْبَرى إنسانٌ يتزيّى بزيِّ أهلِ العلم اليومَ وأصدَرَ عن لسانِهِ فتوى لم توافِقِ القرءانَ ولا الحديثَ ولا إجماعَ العلماءِ ولا القياسَ دواؤُهُ ما قال الإمامُ مالك: “كل منا رادٌ ومردودٌ عليه إلا صاحبَ هذا القبر” أي إلا رسولَ اللهِِ لأنَّه زكَّاه ربُّهُ فقالَ: ﴿وما ينطِقُ عنِ الهوى إن هو إلا وحي يوحى﴾ صدَّقنا وسلَّمنا وءامَنَّا وإلى هذه الشريعةِ وكلِّ أحكامِها انْقدنا يا ربَّ العالمين. يقولُ اللهُ تبارك وتعالى: ﴿ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا﴾ هذهِ الآيةُ تبيّنُ أنه من خرجَ عن إجماعِ المسلمين كأن قالَ إنسانٌ اليومَ يجوزُ وضعُ أموالِ الأيتامِ في البنوكِ وأكلُ أموالِ الرِّبا وإطعامُ الأيتامِ من مالِ الربا أو توزيعُ هذه الأموالِ على الفقراءِ فرسولُ الله ردَّ على هذه الفتوى منذُ أربعةَ عشرَ قرنًا فقال: “إنَّ اللهَ طيّبٌ لا يقبَلُ إلا طَيِّبًا”. فهذه فتوى باطلةٌ وإن صدرت من أيِ كائنٍ كانَ يتزيا بزيِّ أهلِ العلمِ اليومَ لأنه كما بدأتُ لكم مصادرُ التشريعِ معروفةٌ القرءانُ والحديثُ والإجماعُ والقياسُ. لكَ الحمدُ ربَّنا على نعمةِ الإسلامِ فإننا إذا مِتْنا فقراءَ مرضى جَوْعى ولكن على الإسلامِ فهذه نعمةٌ عظيمةٌ. بعض الجهال يقولونَ زيارةُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم قسمانِ: زيارةٌ شركيةٌ وزيارةٌ شرعيةٌ، وهذا التقسيمُ لم يقلْهُ رسولُ اللهِ ولا أصحابُه. من أرادَ أن يزورَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فلا يقصِّرَنَّ فإنه قال: “من زارَ قبري وجبت له شفاعتي”. رواهُ الدارَ قطني. ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قالَ في بيانِ أن زيارةَ قبرِ النبيِّ ليست حرامًا ولا كفرًا ولا إشراكًاَ: “لَيَهْبِطَنَّ عيسى ابنُ مريمَ حكمًا مُقسِطًا ولَيَسْلُكَنَّ فجًا حاجًا أو مُعتَمِراً ولَيَأْتِيَنَّ قبري حتَّى يسَلِّمَ عليَّ ولأَرُدَّنَّ عليه”. صلى الله عليك يا سيدي يا رسولَ اللهِ يا من أثلج اللهُ بشريعتِكَ قلوبَنا فنسألُهُ بِبَرَكَتِكَ أن يُثَبِّتَنا على هذهِ الشريعةِ السمحاءِ، لا زيارة شركية إن أنتَ قصدتَ قبرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم زرتَ المقامَ الشريفَ تبَرَّكتَ بالأعتابِ المباركةِ لا تكونُ مشركًا ولا تكونُ كافِرًا لأنَّ الرسولَ قالَ: “من زارَ قبري وجبت له شفاعتي”. فمن قَسَّمَ هذا التقسيمَ وقالَ إذا زُرتَ أيها المسلمُ قبرَ الرسولِ لا للصلاةِ في المسجدِ النبويِّ فإنك كافرٌ مشرِكٌ فهذه فتوى مردودةٌ على قائِلِها لأن الرسولَ ثبتَ أنه قالَ هذا وبيَّنَ أن من علاماتِ يومِ القيامةِ أن ينـزِلَ عيسى ابنُ مريمَ عندَ المنارةِ البيضاءِ شرقيَّ دمشق ويسلُكَ طريقًا حاجًا أو معتمرًا ويأتي المدينةَ المنورةَ ويزورَ قبرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، “وليُسلِّمَنَّ عليّ ولأَرُدَّنَّ عليه” فليسَ الرسولُ كصَخرٍ جامدٍ ولا كخشبةٍ صلبةٍ إنما الأنبياءُ أحياءٌ في قبورِهم يُصلُّونَ فإذا صلَّيْتَ على النبيِّ هُنا بَلَغَ سلامُك إلى المقامِ النبويِّ الشريفِ ويردُّ صلى الله عليه وسلم السّلامَ. أما من قالَ لا نفعَ بأن تقولَ اللهم بجاهِ نبيِّكَ اغفِرْ لي، أما من قالَ لا نفعَ أن تقولَ اللهم بجاهِ المصطفى فرِّجْ كربي فإنه والعياذُ باللهِ قاسي القلبِ كهذهِ الصخرةِ التي لا تنطِقُ ولا تسمع. فقد روى البيهقيُّ عن رسولِ اللهِ أنهُ قالَ: “الأنبياءُ أحياءٌ في قبورِهم يُصَلُّون” يصلونَ للتَّلَذُّذِ بذِكرِ اللهِ وبالصلاةِ للهِ تبارك وتعالى. إن الاحتفالَ بمولِدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليس حرامًا معشرَ المسلمين، ليس كفرًا أيها الأحبةُ المسلمون وإن أشيعَ في هذا الزمنِ في محطةٍ تلفزيونية أو صحيفةٍ أن فلانًا أفتى بأنَّ الاحتفالَ بمولِدِ النبيِّ من عاداتِ اليهودِ والنصارى فإن هذا الكلامَ مردودٌ عليه، قلبُهُ غليظٌ جسمُهُ جافٍ كهذا الحجرِ محرومٌ من الشفاعةِ ولا ندري لِمَ انْساقَ إلى مثلِ هذا مع أنه يعلَمُ يقينا أنَّهُ في مدينةِ الرياضِ يُقيمونَ يومًا يُسمُّونه الاحتفالَ بأسبوعِ محمدِ بنِ عبدِ الوهابِ مؤسِّسِ المذهبِ الوهابي. لِمَ يحتفلونَ بذاكَ ويعتِرضونَ على الاحتفالِ بمولدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. لنا في كلِّ احتفالٍ بمولدِك يا سيدي يا رسولَ اللهِ نسائِمُ تُعَطِّرُ مجالِسَنا ونفحاتٌ ترطِّبُ قلوبَنا وبركاتٌ تعُمُّ مجالِسَنا، فنسألُ اللهَ أن يُثَبِّتَنا على الاحتفالِ بهذا المولِدِ العظيم. يقولونَ إنَّ كلَّ ما أُحدِثَ بعدَ رسولِ اللهِ بدعةٌ، نقولُ لهم: إنَّ في الحرمِ النبويِّ وفي حرَمِ مكةَ المكرمةِ مآذنُ طويلةٌ ارتفاعُ كلِّ واحدةٍ منها يزيدُ على أربعينَ مِتْراً فهل كانَ هذا أيامَ رسولِ اللهِ؟! لا لم يكُنْ أيامَ رسولِ اللهِ مآذنُ طويلةٌ ولم يكُنْ هناك مِئذَنَةٌ إنَّما هذه تُسَمَّى بدعةً حسنةً لأنهُ قدِ ارتَفْعَتِ البِناياتُ والعِماراتُ وتبليغُ الأذانِ للناسِ في مكانٍ مرتفعٍ شىءٌ حسنٌ. فما سمِعْنا أن أحدًا من علماءِ المسلمينَ قالَ هذا حرامٌ. في زمنِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وفي زمنِ أبي بكرٍ وعمرَ لم يكن في يومِ الجمعةِ أذانانِ، عثمانُ رضي الله عنه الخليفةُ الراشدُ الثالثُ هو الذي أحدثَ هذا الأذانَ الثانيَ فلا يكون بدعة ضلالة مع أنه لم يكن أيامَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. معشر المؤمنين: منذ حوالي ألفِ عامٍ في مدينةِ إربل كان ملِك مسلمٌ يحبُّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم هو أولُ من أحدثَ هذا الاحتفالَ والاجتماعَ لمولد النبيِّ صلى الله عليه وسلم فلم ينكرْ عليه علماءُ عصره حتى إن هذا الحافظَ ابنَ حجر العسقلانيَّ الذي يُسمى أميرَ المؤمنين بعلمِ الحديث أقرَّ وأجازَ الاحتفالَ بمولدِ النبيِ صلى الله عليه وسلم، فلِمَ تُثارُ هذه القضيةُ اليومَ مع أنهُ هناكَ قضايا إجرامٍ وفسقٍ وفجورٍ وزنى وتقتيلٍ واقتتالٍ على كلِّ عالمٍ مسلمٍ أن يعمَلَ على إنهائِها وأن يعمَلَ على المصالحةِ بين المسلمينَ، لِمَ يُحرمونَ الاحتفالَ بمولِدِ النبيِ صلى الله عليه وسلم؟!. الله تبارك وتعالى قال: ﴿وابتغوا إليه الوسيلة﴾ فالرسولُ ليس حجرًا. فقد ثبتَ أنَّهُ أُصيبَ الناسُ في زمنِ عمرَ بقحطٍ، بجدبٍ، بِمجاعةٍ فجاءَ رجلٌ صحابيٌ اسمُه بلالٌ بنُ الحارثِ إلى مقامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بكلِّ أدبٍ واحترامٍ وقال يا رسولَ اللهِ استَسقِ لأمتِكَ فإنهم قد هلكوا، أيِ اسألِ اللهَ لنا أن يُنزِلَ السُّقيا كدنا نهلِكُ يا رسولَ اللهِ يخاطِبُ النبيَّ وهو في القبرِ الشريفِ فأُتِيَ هذا الرجلُ في المنامِ وقيلَ له أقرِئْ عمرَ السلامَ وأخبِرْهُ بأنَّهم يُسقَونَ وقل لهُ عليكَ الكيس الكيس أي الاجتهاد، فذهبَ بلال بنُ الحارثِ هذا إلى عمرَ وقال له ما حصلَ له بأنَّهُ ذهبَ إلى المقامِ النبويِّ الشريفِ وقالَ يا رسولَ اللهِ استسقِ لأُمَّتِكَ فإنهم قد هلكوا، فبكى عمرُ رضي اللهُ عنه وقال: واللهِ ما ءالوا جهدًا إلا ما عجَزت. (يعني هو يعملُ جهدَهُ حتى ينقِذَ أمَّتَه التي أصابَها القحطُ والمجاعة). إذن التوسُّلُ برسولِ اللهِ حالَ حياتِهِ وحالَ مماتِه بركةٌ ونفعٌ ونفحاتٌ وخيراتٌ عظامٌ فمن ينكرُ التوسلَ برسولِ اللهِ فهو أعمى القلبِ، من يقولُ زيارةُ قبرِ النبيِّ زيارةٌ شركيةٌ فهو أعمى البصيرةِ، من يقولُ الاحتفالُ بمولِدِ النبيِّ حرامٌ ويحتفِلُ بمولدِ محمدِ بنِ عبد الوهابِ فإنه شاذٌّ صاحِبُ فتوى باطلةٍ، نسألُ اللهَ لهُ الهدايةَ.

شاهد أيضاً

نبي الله ءادم عليه الصلاة والسلام

قال الله تعالى :{ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءادَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرَاهِيمَ وَءالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} …