الحمد لله رب العالمين، مالك الملك، الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي العربي الأمّي وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين وعلى جميع إخوانه النبيين والمرسلين.قال الله تبارك وتعالى: ﴿ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين ءامنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾.والولي الصالح هو من استقام بطاعة الله عزّ وجلّ بحيث أدى جميع الواجبات واجتنب المحرمات وواظب على نوع من النوافل، فمن وصل إلى تلك المرتبة فله البشرى بالموت على الإيمان لأن الذي يصير من أحباب الله بالوصول إلى الولاية لا ينقلب فيما بعد عدوًا لله، بل الله يحفظه من الكفر بجميع أنواعه فلا يتكلم بكلام كفري ولا يعتقد ما يعارض الأسلام ولا يفعل شيئًا من المكفرات طالما هو في حالة صحوة العقل، قال الله تعالى: ﴿إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون﴾.وفي الحديث القدسي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: “من عادى لي وليًا فقد ءاذنته بالحرب، وما تقرّب إلي عبدي بشىء أحبَّ إليّ ممّا افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينّه ولئن استعاذني لأعيذنّه”.فهذا الحديث هو من الأحاديث المتشابهة الدالة على عظم قدر أولياء الله تعالى، ومعناه إن من عادى وليًا من أولياء الله تعالى فالله مهلكه، لأن محبة الأولياء والصالحين واجب من الواجبات القلبية، وقد ذكر في هذا الحديث القدسي صفة الولي، وهي أنه يتقرب إلى الله تعالى بالفرائض ثم النوافل حتى يصير من أحباب الله.ومعنى “كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها” أي أن الله تبارك وتعالى يبارك له في سمعه وبصره ويده ورجله وجوارحه فيحفظها من الحرام، ويُظهر الله على أيدي بعض الأولياء الكرامات كما حصل لسيدنا الإمام أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه، فإن السمك خرج له من الماء فأكل وأطعم الفقراء ثم العظام كساها الله تعالى لحمًا وعادت إلى الماء كما كانت. وإنه لما كان يدرس كان يسمع درسه قريب المائة ألف من طالبي العلم، كان يسمع البعيد كما يسمع القريب ولم تكن الآلات التي هي لبليغ الصوت موجودة في ذلك الزمان.وكذلك يعطي الله تعالى الولي فهمًا وفراسة فيكشف له بعض ما أخفي عن الناس، فقد قال عليه الصلاة والسلام: “اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله”. ولكن لا يجوز الغلو بحيث يعتقد بأن الولي الفلاني يعلم كل الغيبيات فإن الله تعالى وحده هو عالم الغيب كله لا شريك له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.أما التوسل بالأولياء فهو جائز بالإجماع على اعتقاد بأن الولي ينفع بإذن الله تعالى، والله تعالى يخلق النفع بسبب هذا الولي أو ذاك.اعلموا أن أمور الدين لا تؤخذ إلا بالتعلم، فبادروا إلى عمل مدحه الله ورسوله، ألا وهو طلب علم الدين، به يعرف الإنسان حقوق الله وحقوق الناس، فلا يتخبط بالأهواء والأوهام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين” وقال: “طلب العلم فريضة على كل مسلم” وإن الله تبارك وتعالى ما اتخذ وليًا جاهلا، وإن أولى العلوم تحصيلا هو علم التوحيد الذي به يعرف المرء صفات الربّ عز وجل وصفات أنبيائه، وقد قال عز وجل: ﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله﴾، مما يدل على أولوية علم التوحيد وأهميته. .ونحمد الله تعالى أن جعلنا من أهل الإسلام والإيمان فإن هذا من جزيل نعم الله علينا .
