بسم الله الرحمن الرحيم
1- المقدمة
الحمد للّه وكفى، والصلاة والسلام على من اصطفى، لا سيما نبينا المصطفى، وعلى ءاله وصحبه أولي الوفا، وعلى من بآثارهم اقتفى، وبعد:
إن معرفة أحكام الحج والعمرة وتعلمها من المهمات الضرورية الواجبة على من يريد أداء الحج والعمرة، لأن الجهل لا ينقذ صاحبه، فكثيراً ما يقع الجاهل في محرمات الإحرام وهو لا يدري أو يجعل الركن سنةً أو السنة ركناً، ولا يخفى ما في هذا من إضاعة ثوابٍ واقتراف ءاثام، لذلك سنقوم بإذنه تعالى بنشر حلقات في بيان أحكام الحج والعمرة على مذهب الإمام الشافعي وجملة من عقيدة المسلمين وفصل في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والتوسل به.
فنرجو من الله أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم نافعاً للمسلمين، وأن يكون من أسباب نجاتنا من عذاب يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
2- الحج
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،
قال الله تعالى: “وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا” (سورة ءال عمران/97).
إن الله تعالى قد افترض علينا فريضة الحج المباركة، فهي واجبة على الحر المسلم المستطيع، وقد جعل الله تعالى للحج مزِيّة ليست للصلاة ولا للصيام ولا للزكاة وهي أنه يُكفّر الكبائر والصغائر لقوله صلى الله عليه وسلم: “من حجّ فلم يرفُث ولم يفسُق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه”، رواه البخاري، بخلاف الصلوات الخمس والزكاة والصيام فإنها لا تُكفّر الكبائر ومع ذلك الصلوات الخمس مرتبتها في الدين أعلى من مرتبة الحج، فإن قيل كيف يكون ذلك؟ فالجواب: أنّ المزيّة لا تقتضي التفضيل، أي أن الحج وإن كان يُكفّر الكبائر والصغائر بخلاف الصلوات الخمس والصيام والزكاة فليس ذلك دليلاً على أن الحج أفضل من الصلوات الخمس. .
ثم الشرط في كون الحج يُكفّر الكبائر والصغائر ويجعل الإنسان كيوم ولدته أمّه أن تكون نيته خالصةً لله تعالى، وأن يكون المال الذي يتزوّده لحجّه حلالاً، وأن يحفظ نفسه من الفسوق أي من كبائر الذنوب والجماع، فأمّا من لم يكن بهذه الصفة فلا يجعله حجّه كيوم ولدته أمّه، هذا بعض ما يحتويه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من حجّ فلم يرفُث ولم يفسُق”، ولا يُقال للذي تحصل منه الصغائر وهو في الحج: فسدَ حجُّك، إنما يُنهى عن المعصية ويؤمر بالتوبة. .
ومما يدُلّ على فضل الحج أنه جمع أنواع رياضة النفس، أي تهذيبها: ففيه إنفاق مال وفيه جَهد نفس بنحو الجوع والعطش والسهر واقتحام مهالك وفراق وطن وأهل وأصحاب.
وقد قال الإمام الجليل عبد الله الحداد الحضرمي الملقّب في ناحيتهم بالفقيه المقدَّم: “إن من تَكلّف الحج شوقاً إلى بيت الله وحِرصاً على إقامة الفريضة إيمانه أكمل، وثوابه أعظم وأجزل، لكن بشرط ألا يُضيّع بسببه شيئاً من الفرائض، وإلا كان ءاثماً واقعاً في الحرج كمن بنى قصراً وهدم مِصرا”.
ويُشترط شرطٌ مهم من أجل قبول الحج، بل ومن أجل قبول الأعمال الصالحة جميعها، ألا وهو الإيمان، لأن الإيمان شرط أساسي لقبول الأعمال الصالحة، قال الله تعالى: “وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا” (سورة النساء/124).
والله سبحانه وتعالى اشترط صحة الإيمان لقبول الأعمال الصالحة ولدخول الجنة، فلذلك كان ينبغي على المسلم أن يتعلّم الأمور التي تتعلق بصحة الإيمان كاعتقاد ما يجب لله تعالى وما يستحيل عليه، وتبرئة الأنبياء عما لا يليق بهم وغير ذلك من الأمور الواجبة لقوله صلى الله عليه وسلم: “طلب العلم فريضة على كل مسلم”، رواه البيهقي.
وسنختم هذه الحلقات بإذنه تعالى بذكر جملة من عقيدة المسلمين لتكون مسك الختام.
3- الحج أركانه وواجباته وسننه ومحرماته
ملاحظة: هذه الأحكام على مذهب الإمام الشافعي:
إعلم أخي المسلم أن للحج أركاناً وواجباتٍ وسنناً:
1-) الركن: لا يصح الحج بدونه ولا يُجبر بالدم.
2-) الواجب: يصح الحج بدونه مع المعصية ويُجبر بالدم.
3-) السنة: يصح الحج بدونها بغير معصية ولكن يفوت ثوابها.
أشهُر الحج: هي شوال وذو القعدة وذو الحجة وهي الميقات الزماني للإحرام فلا تصح نية الحج إلا بعد دخول أشهره.
شرائط وجوب الحج: وهي: الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والاستطاعة، فمن تحقّقت فيه هذه الشروط صار الحج في حقه فرضاً.
كيفية أداء مناسك الحج (على مذهب الإمام الشافعي):
4- الإحرام
وهو ركن:
على من أراد الحج أن يُحرم من بلده أو بعدها ولكن قبل مجاوزة الميقات، والإحرام ركنٌ من أركان الحج وهو نية الدخول في النُّسُك.
1-) ميقات أهل الشام ومن يمر بطريقهم مِنَ الذين يتوجّهون إلى مكة مِنْ غير المرور بالمدينة: الجُحْفَة (رابغ).
2-) ميقات أهل الشام ومن يمر بطريقهم مِنَ الذين يتوجّهون إلى مكة عبر المدينة: ذو الحُلَيفة ويُسمى الآن ءابار عليّ وفيها اليوم مسجد كبير.
3-) أما الذي يسافر من بلاد الشام بالطائرةِ فيُحرِم من بلده أو في الطائرةِ قبل مجاوزة الميقات.
أنواع الإحرام:
1-) الإفراد: وهو أن ينوي الحجّ فقط قائلاً: “دخلت في عمل الحجّ وأحرمت به لله تعالى”، فيعمل مناسك الحج ويتحلّل منه ثم يعمل العمرة وهذا النوع ليس فيه ذبح.
2-) التمتُّع: وهو أن يعمل العمرة في أشهر الحج قائلاً: “دخلت في عمل العمرة وأحرمت بها لله تعالى”، وبعد تحللّه منها يُحرم للحج ويعمله من غير رجوع إلى ميقات من المواقيت، وفي هذه الحالة يجب عليه دمٌ أي ذبحٌ.
3-) القِران: وهو أن ينوي الحج والعمرة معاً قائلاً: “نويت الحج والعمرة وأحرمت بهما لله تعالى” ويأتي بهما معاً، يطوف طوافاً واحداً ويسعى سعياً واحداً للحج والعمرة، وفي هذه الحالة يجب عليه دمٌ أي ذبحٌ.
ملاحظة: الإفراد أفضل في مذهب الإمام الشافعي.