شرح دعاء “يا حي يا قيوم” – تفسير الأسماء الحسنى وفضل الذكر

المقدمة

الْحَمْدُ لِلَّهِ جَامِعِ الشَّتَاتِ وَمُحْيِي الْأَمْوَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً تَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَتَمْحُو السَّيِّئَاتِ، وَتُنَجِّي مِنَ الْمُهْلِكَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمَاتِ، الْآمِرُ بِالْخَيْرَاتِ، النَّاهِي عَنِ الْمُنْكَرَاتِ. صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ صَلَاةً دَائِمَةً بِدَوَامِ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، وَبَعْدُ:

فقد وصلنا إلى الحديث الثالث وفيه ذكر عظيم من أذكار رسول الله صلى الله عليه وسلم مليء بالفوائد، وهو مع ذلك يسهل التلفظ به والإكثار منه صباحًا ومساءً،
الحديث

وَرَوَى النَّسَائِىُّ وَالْبَيْهَقِىُّ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو: ((يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ)).
الشرح

الحديث الثالث: وَرَوَى النَّسَائِىُّ وَالْبَيْهَقِىُّ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ.

نتكلم بإيجاز عن أنس بن مالك: هو الصحابي الجليل أَنَسُ بنُ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ من بني عَدِيِّ بنِ النَّجَّارِ الأَنْصَارِيُّ. الإِمَامُ، المُفْتِي، المُقْرِئُ، المُحَدِّثُ، رَاوِيَةُ الإِسْلاَمِ، أَبُو حَمْزَةَ الأَنْصَارِيُّ، الخَزْرَجِيُّ، النَّجَّارِيُّ، المَدَنِيُّ، خَادِمُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَتِلْمِيذُهُ، وَآخِرُ أَصْحَابِهِ مَوْتًا في البصرة، وأمّه أم سليم بنت ملحان وهي أم أخيه البراء بن مالك.

رَوَى عَنِ: النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْماً جَمّاً، وَعَنْ: أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وغيرهم. وَعَنْهُ: خَلْقٌ عَظِيمٌ، مِنْهُمُ: الحَسَنُ البصري، وَابْنُ سِيْرِيْنَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَكْحُوْلٌ، وَعُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَثَابِتٌ البُنَانِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ المُنْكَدِرِ.

وَقَدْ سَرَدَ بعضُ الحفاظِ نَحْوَ مائَتَيْ نَفْسٍ مِنَ الرُّوَاةِ عَنْ أَنَسٍ.

وَكَانَ أَنَسٌ يَقُوْلُ: قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِيْنَةَ وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ، وَمَاتَ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِيْنَ، وَكُنَّ أُمَّهَاتِي يَحْثُثْنَنِي عَلَى خِدْمَةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فَصَحِبَ أَنَسٌ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَمَّ الصُّحْبَةِ، وَلاَزَمَهُ أَكْمَلَ المُلاَزَمَةِ مُنْذُ هَاجَرَ، وَإِلَى أَنْ مَاتَ، وَغَزَا مَعَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ، وَبَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.

وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ فِي (طَبَقَاتِهِ) أَنَّهُ قَيلَ لأَنَسٍ: أَشَهِدْتَ بَدْراً؟ فَقَالَ: لاَ أُمَّ لَكَ، وَأَيْنَ أَغِيبُ عَنْ بَدْرٍ. ثُمَّ قَالَ راوي الحديث خَرَجَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ، وَهُوَ غُلاَمٌ يَخْدُمُهُ. ولَمْ يَعُدَّهُ أَصْحَابُ المَغَازِي فِي البَدْرِيِّيْنَ؛ لِكَوْنِهِ حَضَرَهَا صَبِيّاً، فإنه مَا قَاتَلَ، بَلْ بَقِيَ فِي رِحَالِ الجَيْشِ.

وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَنَّانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا حَمْزَةَ بِبَقْلَةٍ اجْتَنَيْتُهَا. اسم حَمزة عربي ويعني الأسد، وهو اسم علم شخصي مذكر وله انتشار في العالم العربي، وسمي بالأسد لشدته وصلابته، وهناك أيضًا نبتة حريفة وبقلة لاذعة تسمى حمزة. و يأتي معناه أيضاً حُموضَة وحرافة في الطعم، والشيء الحامض الذي يلذَع اللسان. كما يدلّ أيضاً على الشدّة والحَزمْ.

وقال: قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِيْنَةَ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ سِنِيْنَ، فَأَخَذَتْ أُمِّي بِيَدِي، فَانْطَلَقَتْ بِي إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! لَمْ يَبْقَ رَجُلٌ وَلاَ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلاَّ وَقَدْ أَتْحَفَكَ بِتُحْفَةٍ، وَإِنِّي لاَ أَقْدِرُ عَلَى مَا أُتْحِفُكَ بِهِ إِلاَّ ابْنِي هَذَا، فَخُذْهُ، فَلْيَخْدُمْكَ مَا بَدَا لَكَ. قَالَ: فَخَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِيْنَ، فَمَا ضَرَبَنِي، وَلاَ سَبَّنِي، وَلاَ عَبَسَ فِي وَجْهِي.

وفي رواية قال أنس: جَاءتْ بِي أُمُّ سُلَيْمٍ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ أَزَّرَتْنِي بِنِصْفِ خِمَارِهَا، وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! هَذَا أُنَيْسٌ ابْنِي، أَتَيْتُكَ بِهِ يَخْدُمُكَ، فَادْعُ اللهَ لَهُ. فَقَالَ: ((اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ)) فَوَاللهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيْرٌ، وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي يَتَعَادُّونَ عَلَى نَحْوٍ مِنْ مائَةٍ اليَوْمَ.

قَالَ أَنَسٌ: مَا شَمِمْتُ شَيْئًا عَنْبَرًا قَطُّ، وَلَا مِسْكًا قَطُّ، وَلَا شَيْئًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا مَسِسْتُ شَيْئًا قَطُّ، دِيبَاجًا، وَلَا حَرِيرًا، أَلْيَنَ مَسًّا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ثَابِتٌ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ: أَلَسْتَ كَأَنَّكَ تَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَأَنَّكَ تَسْمَعُ إِلَى نَغَمَتِهِ؟ فَقَالَ: بَلَى، وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَلْقَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَقُولَ: يَا رَسُولَ اللهِ، خُوَيْدِمُكَ.

قَالَ: خَدَمْتُهُ عَشْرَ سِنِينَ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَا غُلَامٌ لَيْسَ كُلُّ أَمْرِي كَمَا يَشْتَهِي صَاحِبِي أَنْ يَكُونَ فمَا قَالَ لِي فِيهَا: أُفٍّ، وَمَا قَالَ لِي: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا، أَوْ أَلَا فَعَلْتَ هَذَا.

وفي مسلم عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ عَلَيْنَا، وَمَا هُوَ إِلاَّ أَنَا وَأُمِّي وَأُمُّ حَرَامٍ خَالَتِي. فَقَالَ: ((قُومُوا فَلأِصَلِّيَ بِكُمْ)) فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلاَةٍ فَصَلَّى بِنَا. فَقَالَ رَجُلٌ لِثَابِتٍ: أَيْنَ جَعَلَ أَنَساً مِنْهُ؟ قَالَ: جَعَلَهُ عَلَى يَمِينِهِ. ثُمَّ دَعَا لَنَا، أَهْلَ الْبَيْتِ، بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. فَقَالَتْ أُمِّي: يَا رَسُولَ اللّهِ خُوَيْدِمُكَ. ادْعُ الله لَهُ. قَالَ فَدَعَا لِي بِكُلِّ خَيْرٍ. وَكَانَ فِي آخِرِ مَا دَعَا لِي بِهِ أَنْ قَالَ: ((اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ))، وَكَانَ لَهُ بُسْتَانٌ يَحْمِلُ فِي السَّنَةِ الفَاكِهَةَ مَرَّتَيْنِ، وَكَانَ فِيْهَا رَيْحَانٌ يَجِيْءُ مِنْهُ رِيحُ المِسْكِ.

وفي رواية عند أحمد قَالَ أَنَسٌ: “فَأَخْبَرَتْنِي ابْنَتِي أَنِّي قَدْ دَفَنْتُ مِنْ صُلْبِي بِضْعًا وَتِسْعِينَ، وَمَا أَصْبَحَ فِي الْأَنْصَارِ رَجُلٌ أَكْثَرَ مِنِّي مَالًا … وحدَّثَتْني ابنَتي أُمَينةُ أنهُ دُفِنَ لِصُلْبي مَقْدَمَ الحَجّاجِ البَصرةَ بِضعٌ وعِشرونَ ومائة”.

قال النووي: “هَذَا مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَابَةِ دُعَائِهِ وَفِيهِ فَضَائِلُ لِأَنَسٍ، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يُفَضِّلُ الْغَنِيَّ عَلَى الْفَقِيرِ، وَمَنْ قَالَ بِتَفْضِيلِ الْفَقِيرِ أَجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ هَذَا قَدْ دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُبَارَكَ لَهُ فِيهِ وَمَتَى بُورِكَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِتْنَةٌ وَلَمْ يَحْصُلْ بِسَبَبِهِ ضَرَرٌ وَلَا تَقْصِيرٌ فِي حَقٍّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تَتَطَرَّقُ إِلَى سَائِرِ الْأَغْنِيَاءِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَفِيهِ هَذَا الْأَدَبُ البديع وهو أنه إذا دعا بشيء لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدُّنْيَا يَنْبَغِي أَنْ يَضُمَّ إِلَى دُعَائِهِ طَلَبَ الْبَرَكَةِ فِيهِ وَالصِّيَانَةِ وَنَحْوِهِمَا وَكَانَ أَنَسٌ وَوَلَدُهُ رَحْمَةً وَخَيْرًا وَنَفْعًا بِلَا ضَرَرٍ بِسَبَبِ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”.

وَقَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: “قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَشبَهَ بِصَلاَةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِ ابْنِ أُمِّ سُلَيْمٍ؛ يَعْنِي: أَنساً”.

وَقَالَ أَنَسُ بنُ سِيْرِيْنَ: “كَانَ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ أَحسَنَ النَّاسِ صَلاَةً فِي الحَضَرِ وَالسَّفَرِ”.

قال ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: “جَاءَ قَيِّمُ أَرْضِ أَنَسٍ، فَقَالَ: عَطِشَتْ أَرَضُكَ. فَتَرَدَّى أَنَسٌ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى البَرِّيَّةِ، ثُمَّ صَلَّى، وَدَعَا، فَثَارَتْ سَحَابَةٌ، وَغَشِيتْ أَرْضَهُ، وَمَطَرَتْ، حَتَّى مَلأَتْ صِهْرِيْجَهُ، وَذَلِكَ فِي الصَّيْفِ، فَأَرْسَلَ بَعْضَ أَهْلهِ، فَقَالَ: انْظُرْ أَيْنَ بَلَغَتْ؟ فَإِذَا هِيَ لَمْ تَعْدُ أَرْضَهُ إِلاَّ يَسِيْراً”.

وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخُصُّهُ بِبَعْضِ العِلْمِ.

مَاتَ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَتِسْعِيْنَ. فَيَكُوْنُ عُمُرُهُ عَلَى هَذَا: مائَةً وَثَلاَثَ سِنِيْنَ. (مُسْنَدُهُ): أَلْفَانِ وَمائَتَانِ وَسِتَّةٌ وَثَمَانُوْنَ. اتَّفَقَ لَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ عَلَى مائَةٍ وَثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ: بِثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً، وَمُسْلِمٌ: بِتِسْعِيْنَ. وقال ابن علان: “توفـي علـى نـحو فرسخ ونصف من البصرة فـي موضع يعرف بقصر أنس، وهو آخر من مات بها من الصحابة”.

ولـما مات قال مورّق العجلـي: “ذهب الـيوم نصف العلـم، وذلك أن أهل الأهواء كانوا إذا خالفونا فـي الـحديث نقول لهم تعالوا إلـى من سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم”.

قَالَ المُثَنَّى بنُ سَعِيْدٍ: “سَمِعْتُ أَنَساً يَقُوْلُ: مَا مِنْ لَيْلَةٍ إِلاَّ وَأَنَا أَرَى فِيْهَا حَبِيبِي – يعني النبي صلى الله عليه وسلم – ثُمَّ يَبْكِي”.

وكان يُعظّم النبي صلى الله عليه وسلم ويتبرّك بآثاره ويحمل معه شيئًا من شعره الشريف يبرّك الناس بها، كما ثبت في الصحيحين. ويروى عن عَبيدة السَّلماني وهو من تلاميذ أنس ومن كبار التابعين أنّه قال لِمَن قال إِنَّ عِنْدَنَا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِنْ قِبَلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ: “لَأَنْ يَكُونَ عِنْدِي مِنْهُ شَعْرَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ”.

قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو ((يَا حَيُّ)):

إنّ ممّا نصّ عليه القرءان والأحاديث الصحيحة وأجمعت عليه الأمّة وجاء به الأنبياء ودعا إليه الإسلام أنّ الله سبحانه وتعالى أزلي أبدي لا بداية ولا نهاية له وأنّه مُتّصف بصفات أزلية أبدية، ومن صفاته سبحانه الحياة؛ وهي صفة ليست كصفات الأحياء، وهو حيّ بحياة أزلية أبدية ليست بجسد ولا روح ولا قلب ولا غذاء ولا تنفس ولا شرايين، وهو سبحانه لا يحتاج إلى طعام ولا شراب وهو يُطعِم ولا يُطعَم.

والآيات التي تدل على صفة الحياة كثيرة جدًا منها قوله تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾ [سورة الفرقان، الآية 58]، وقوله تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [سورة البقرة، الآية 255]، فيجب لله تعالى الحياة، فهو حيّ لا كالأحياء إذ أنّ حياته أزلية أبدية ليست بدم وروح.

والدليل على وجوب حياته وجود هذا العالم، فلو لم يكن حيًّا لم يوجد شيء من العالم لأنّ من ليس حيًّا لا يتصف بالقدرة والإرادة والعلم، لكن وجود العالم ثابت بالحسّ والضرورة بلا شكّ. وكذلك قد ثبت علم الله وقدرته بالبرهان، ومن شرط العالِم القادر أن يكون حيًّا، فوضح وجوب الحياة له. إذًا فقد دلّنا البرهان على أن العَالَمَ فِعْلُهُ أي مفعوله، ومحال صدور هذا الفعل عن الميت والجماد إذ لو تصور أن يكون قادرًا عالمًا فاعلًا مُدبّرًا دون أن يكون حيًّا لجاز أن يُشكَّ في حياة الحيوانات عند تعاقب الحركات والسكنات عليها بل في حياة أرباب الحِرَفِ والصناعات، وذلك مكابرة.

وأمّا ما ورد في القرءان الكريم في قول الله تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا﴾ [سورة التحريم، الآية 12] فليس معناه أنّ الله تعالى مُّتصف بالروح؛ بل قال العلماء مَن وصف الله بالروح أو قال إنه روح أو قال إنه يشبه الروح فهو مُكذّب لله لأنَه شبهه بخلقه وهو كافر بالله العظيم.

فليُعلم أنّ الله تعالى خالق الرّوح والجسد فليس روحًا ولا جسدًا، ومع ذلك أضاف الله تعالى روح عيسى ﷺ إلى نفسه على معنى المِلكِ والتشريف لا للجزئيَّة في قوله تعالى: ﴿مِنْ رُوحِنَا﴾ وكذلك في حقّ آدم قوله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [سورة الحجر، الآية 29] قال الفخر الرازي في التفسير الكبير: “وَإِنَّمَا أَضَافَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رُوحَ آدَمَ إِلَى نَفْسِهِ ‌تَشْرِيفًا ‌لَهُ ‌وَتَكْرِيمًا” اهـ.

فكلتا الإضافتين للتشريف مع إثبات الملكِ أي أنهما ملكٌ لله وخلق له،

فإن قيل: كل الأرواح ملك لله وخلق له فما فائدة الإضافة؟ قيل: فائدة الإضافة الدّلالة على شرفهما عند الله.

فالأرواح قسمان: أرواح مشرّفة وأرواح خبيثة، وأرواح الأنبياء من القسم الأول، فإضافة روح عيسى وروح آدم إلى نفسه إضافة ملك وتشريف.

فالشيء يضاف إلى الله إما بمعنى أنه خلقٌ له هو خلقه وكوّنه، أويضاف إلى الله على أنه صفته، فإذا قلنا «قدرة الله»، «علم الله» هذه الإضافة إضافة الصفة إلى الموصوف، أما إذا قلنا «ناقة الله»، «بيت الله» هذه إضافة المِلكِ والتّشريف، فالكعبة نسمّيها «بيت الله» وكلّ مسجد كذلك.

ويكفر من يعتقد أنّ الله تعالى روح، فالرّوح مخلوقة تنزّه الله عن ذلك، قال الله تعالى في ذم الكفّار: ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ [سورة الزخرف، الآية 15] حتى نعرف أنّ الله أعطى عيسى وءادم منزلة عنده أضاف روح عيسى وءادم إلى نفسه ليس على معنى الجزئية، وكما أضاف ناقة صالح إلى نفسه فقال: ﴿نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا﴾ [سورة الشمس، الآية 13] لما كان لها من خصوصية على غيرها من النّوق بالشأن العظيم الذي كان لها؛ لأنه هو خالقها هو الذي أخرجها من الصّخرة وأخرج معها فصيلها وكانت تعطي أهل البلد كفايتهم من الحليب فيأخذون منها الحليب في يوم ورودها الذي هي خصصت به الذي لا ترد مواشيهم به، فدلّ ذلك على مكانتها فأنزل الله على نبيه: ﴿نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا﴾ وقد أُنذروا أن يعتدوا على ناقة الله وعلى سقياها؛ أي اليوم الذي ترد فيه إلى الماء، ذلك اليوم لا تورد مواشيهم الماء.

وقول الإمام الأشعري: “فلا يجوز وصفُ الله بالروح” الذي نقله عنه الإمام ابن فورك في كتابه «مقالات أبي الحسن الأشعري»، يُفهَمُ منه بُطلانُ قول: (يا روح) مرادًا به الله، فإن الروحَ ليس وصفًا، بل هو اسمٌ جامدٌ وفيه إيهامُ النقصِ؛ لأنّ الروح جسم لطيف والجسم اللطيف أحد نوعي الجسم.

وقد نقل الإمام أبو منصور البغدادي الإجماع على أن حياة الإلـٰـه بلا روح، في كتابه «الفرق بين الفرق» قال ما نصه: “وأجمع أهل السنة على أن حياة الإلـٰـه سبحانه بلا روح ولا اغتذاء، وأن الأرواح كلها مخلوقة” اهـ

وقال الإمام المجتهد الحافظ محمد بن نصر المروزي: “الروح مُحدَثَةٌ بإجماع الأمة” اهـ

فيجب الحذر والتحذير من بعض الملاحدة حيث قالوا: “الله روحٌ والروح أنثى فالله أنثى”

وقالوا: “كان ينبغي أن يقول (قل هي الله أحد) وليس: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 1]” وهذا كفر صراح لا يشك في كفر قائله مؤمنٌ، فالله تعالى ليس ذكرًا وليس أنثى، ولكنه سبحانه يُخاطَبُ بلفظٍ مُذَكَّر كأن يُقال: (هو الله)، وهذا تذكير للفظ وليس للمخاطَبِ سبحانه، وهذا تعظيم وتقديس وتمجيد له سبحانه، وهو سبحانه لا يوصف بصفة من صفات خلقه لا بالذكورة ولا بالأنوثة وهذا التعظيم والاحترام لا يكون في لفظ (هي الله)، بل هذا يدل على الاستخاف والاستهزاء والله تعالى هو خالق الذكور والإناث يهب لمن شاء من عباده الإناث ولمن شاء الذكور، وقد قال الله تعالى في سورة الشورى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾ [سورة الشورى، الآية 49]

وكذلك فإنّ الروح يُذَكَّرُ ويؤنَّثُ والروح حجم لطيفٌ، الله أعلم بحقيقته، فإن ذُكِّرَ اللفظ لا يعني ذلك أن الروح بحد ذاتها تكون ذكرًا، وإن ذُكِرَت بلفظ التأنيث فلا يعني ذلك أن الروح بحد ذاتها أنثى، وهذا تذكير وتأنيث للفظ بدليل ما قاله سيد الفصحاء وإمام البُلَغَاء محمد ﷺ: ((إِنَّ الرُّوحَ إِذَا قُبِضَ ‌تَبِعَهُ ‌الْبَصَرُ)) رواه مسلم.

قال أحد الصالحين في رسالة له في الردّ على مَن قال (لمَ نقول هو الله، ولا نقول هي الله)، ما نصّه:”اعلم أرشدنا الله وإيّاك، أنّ الله تعالى ليس ذكرًا ولا أنثى ولا شيئًا يشبه شيئًا من العالم، موجود لا كالموجودات، فإذا ذُكِر يُذكر اللفظ الذي يُضاف إليه بلفظ التذكير لا التأنيث، لأنّ التأنيث فيه نقص واستخفاف. فيقال: هو الله ولا يقال هي الله، لأنّ الذكر أفضل من الأنثى والأنبياء كلّهم ذكور، والذكر أقوى من الأنثى جسمًا وعقلا، فتذكير الخطاب تعظيم، أمّا تأنيث الخطاب تحقير لله وذلك كفر.

أمّا من حيث ذاتُ الله فهو ذات ليس كالذوات ليس ذكرًا ولا أنثى، ليس كالإنسان وليس كالضوء ولا كالظلام، وهو قبل الضوء والظلام كان موجودًا وليس ضوءًا ولا ظلامًا، وقبل الهواء كان موجودًا ولا هواء، وليس ذاتًا متحركًا ولا ساكنًا، وليس جوهرًا ولا عرضًا ولا حالًّا في الأشياء، منزَّهٌ عن الحدّ؛ لأن الحدَّ لا بدّ له مِن حادٍّ أوجدَه، لا يجوز عليه التطوّر والتغيّر لأنّه لو جاز عليه التغيّر لكان محدَثًا يحتاج إلى خالق،

غاية ما يقال فيه موجود بلا كمية ولا كيفية، موجود منزّه عن الكمية وعن الكيفية”.

((يَا قَيُّومُ)) وهذا الثابت في أفضل آية في القرآن الكريم آيةِ الكرسي حيث يقول سبحانه: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [سورة البقرة، الآية 255]، في هذا إثبات القيومية لله تعالى، والقيومية عبارة عن استغنائه تعالى عن كل شىء واحتياج كل شىء إليه، فلا أحد مستغنٍ عن كل ما سواه ومفتقر إليه كل ما عداه إلا الله، هذا معنى القيومية.

والله تعالى هو المدبّر لكل العالم ولجميع الخلق فهم بحاجة إليه وهو مستغنٍ عنهم فلا يحتاج إلى شيء ولا إلى أحد ولا إلى مكان؛ لأنه أزلي أبدي وهو الذي أوجد كل الأماكن والجهات فلا يحتاج إليها، بل هي مفتقرة في وجودها إليه سبحانه، لأنّ الله تعالى موجود لا بداية لوجوده، فالموجود بلا بداية لا يحتاج إلى غيره لأنّ وجوده لذاته، ووجود الله تعالى بذاته لا بغيره أمّا ما سوى الله فموجود بغيره، فما سوى الله تعالى حادث لأنه لم يوجد إلا بإيجاد الله، فكل موجود حادث إلا الله، فإنه تعالى أزلي أي لا بداية لوجوده فهو الموجود بذاته، لا موجود بذاته إلا الله.

نقول عن المخلوقات إنها موجودة لكنها ليست موجودة بذاتها بل بإيجاد الله لها.

الله تعالى هو الأزلي الذي لم يسبقه عدم ولا يحتاج في وجوده إلى غيره أي الله تعالى لم يسبق وجوده عدم، وأما ما سواه فموجود بعد عدم؛ أي كانت الأشياء كلها معدومة ثم صارت موجودة، فهو القائم بتدبير خلقه، هو القائم بتدبير جميع الأشياء الموجودة لأنّ أصل وجود الأشياء بإيجاد لله تعالى.

فوجود الأشياء بإيجاد الله تعالى لها، لولا أنّه هو أوجدها ما وجدت، فهي أي الأشياء محتاجة إلى الله لا تستغني عنه، هذه العوالم العلويات والسفليات بما فيها من ذوي الأرواح كالملائكة والإنس والجن (والبهائم) لا تستغني عنه، لا تستغني عن الله لحظة،

لذلك قال أهل البصائر: (لا موجود بذاته إلا الله)، لكنهم لم يقولوا: (لا موجود إلا الله) لأنّ ذلك إلحاد؛ لأنّ معنى (لا موجود إلا الله) فاسد لأنّه يقتضي أحد أمرين كل منهما فاسد. فهذه الكلمة إما أن يكون معناها أن كل ما هو موجود أي أن كل ما دخل في الوجود هو عين الله وذلك من أكفر الكفر. واعتقاد أن كل الموجودات هي الله هذا من أكفر الكفر، وكذلك المعنى الآخر وهو نفي الوجود عن الله وهذا أيضًا كفر.

فالذي يعرف فساد هذه الكلمة (لا موجود إلا الله) ثم قالها فقد صار ملحدًا كافرًا، فلا يجوز أن تقال هذه الكلمة (لا موجود الا الله).

إنما الكلمة الصحيحة هي أن يقال (لا موجود بذاته إلا الله) هذا من خالص التوحيد. هذه الكلمة ما أعظمها ما أحلى معناها، وأما الكلمة الأخرى وهي قول بعض الناس (لا موجود إلا الله) فإنها كلمة خبيثة كلمة كفرية من يفهم معناها الفاسد وقالها فقد ارتد أي خرج من الإسلام لأن معنى (لا موجود إلا الله) إما أن يكون نفي وجود الله تعالى، فكأنه قال القائل: الله غير موجود، كأنه نفى وجود الله تعالى وأثبت وجود المخلوقات فهذا عين الكفر، بل من أكفر الكفر. وإما أن يكون معنى لا موجود إلا الله أن هذه الموجودات من أرض وسماوات وإنسان وشمس وقمر ونجوم وهواء وغير ذلك هو الله، وهذا أيضًا من أكفر الكفر، فلا يجوز النطق بهذه الكلمة،

فالله تبارك وتعالى وصف نفسه في هذه الآية بأنه قيوم، ومرّ معنى القيوم أنّه المدبر لجميع الأشياء.

وليس معنى القيوم كما يظن بعض الجاهلين ممن يدعون الطريقة، أن الله قائم فينا؛ أي الداخل والحال فينا. فهؤلاء الذين يزعمون أنهم يعلمون وهم لا يعلمون يظنون أنهم من صفوة المسلمين – أي خيار المسلمين – وهم ليسوا من المسلمين؛ لأنهم جعلوا الله تعالى حالًّا أي داخلا في أجسامنا، فعلى زعْم هؤلاء: الله تعالى داخل في كل فرد من أفراد الإنسان، قالوا من شدة جهلهم: (لولا أن الله تعالى حالّ فينا أي داخل فينا ما تحركنا إنما نتحرك لأنّه داخل فينا)، فهؤلاء ليس لهم في الإسلام نصيب بل هم كفار، هؤلاء الحلوليون كفروا باعتقادهم أن الله تعالى يحلّ فينا، ومنهم من قال: يحل في أئمتهم كإسماعيل بن جعفر، تعالى الله عن قول الكافرين.

وقسم منهم يقولون: الله تعالى حالّ في الصور الحسان؛ أي في الأشخاص ذوي الجمال والحسن من الرجال والنساء، هؤلاء أيضًا كفار لا يجوز أن يعدوا من المسلمين، لا يجوز أن نعدهم من المسلمين لأنّهم جعلوا الله تعالى حالًّا في الأشخاص في أجسام الناس، هؤلاء وإن ادعوا أنّهم الصوفية فإنهم ليسوا مسلمين، وإن ظنوا أنهم مسلمون فالإسلام بريء منهم؛ لأن الإسلام هو توحيد الله إي إثبات وجود الله مع اعتقاد أنه واحد لا شريك ولا شبيه له من غير اعتقاد أنه يمس شيئًا أو أن شيئًا يحل فيه أو أنه يحل في شىء هذا التوحيد.

فهؤلاء الذين يعتقدون أن الله يحل في الأشخاص هؤلاء ما وحدوه بل جعلوه كالخلق، الروح أليس تحلّ في الجسم؟ الروح مخلوقة، والجنّ أليس يدخلون في جسم الانسان؟ بلى يستطيعون، هؤلاء جعلوا الله كالجن، والجن تحل في جسم الإنسان. كذلك الملائكة يحلون يدخلون في جسم الإنسان ملائكة الرحم الموكلون بالجنين الذي في الرحم، هذا الملك ملك الرحم يدخل إلى رحم المرأة من غير أن تشعر به من غير أن تحس به يدخل إلى الرحم ويخرج بوظيفته. ما وظيفته؟ تصوير الجنين بأمر الله تعالى على حسب ما يتلقى الأمر من الله. إن أمره الله أن يصوره ذكرًا يصوره بصورة ذكرٍ وإن أمره بتصويره بصورة أنثى صوّره بذلك، ثم بعد انتهاء تصويره يُؤمر بأن يأخذ الروح الذي أعده الله لهذا الجنين بخصوصه فيأخذ ذلك الروح فينفخه في رحم الأم. الملك الموكل بالرحم يأخذ هذا الروح ويدخل به في رحم الأم فينفخ هذا الروح في جسد الجنين بعد أن يصير فيه التخطيط البشري، الرجلان واليدان والعينان والأذنان والفم وغير ذلك بعد أن يتم التخطيط البشري يدخل هذا الروح في جسم هذا الجنين ثم يلابسه؛ أي يظل ملتبسًا به حتى يحين الوقت الذي شاء الله أن يولد فيه، وإن كان الله تعالى لم يشأ أن يخرج حيًا فإن الله تعالى يميته وهو في الرحم.

فالحياة بالروح من صفات المخلوقين وكذلك حلول شيء في الجسم من صفات المخلوقين، وأمّا الله تعالى فجلّ وتنزّه أن يكون كهذه الأشياء، فهو تبارك وتعالى لا يجوز عليه أن يحلّ في جسم إنسان حتى لو كان ذلك الإنسان أكبر ولي من أولياء الله. فهؤلاء الذين يدعون التصوف يزعمون أنهم صوفية ثم يعتقدون أن الله يحل في الأشخاص ولا سيما في الأولياء فإنّهم كفار ليس لهم في الإسلام نصيب.

وما يروونه عن الله تعالى من قولهم: (ما وسعني أرضي ولا سمائي ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن) فهو ليس له أصل من كلام رسول الله وليس له أصل من كلام الصحابة، لم يقله رسول الله عن الله ولم يرْوه أصحاب رسول الله لا عن النبي ولا عن الله.

فمن اعتقد أنّ الله يحل في قلوب الأولياء فهو كافر بالله تبارك وتعالى. فالحذر الحذر من هؤلاء الذين يرددون ذكر هذا الاسم القيوم ويعتقدون أن معناه أنه قائم فينا أي حالّ فينا، ولا دليل لهم في قول الله عز وجل: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [سورة الحديد، الآية 4] فالأمة مجمِعة على تأويلها وأنه معنا بعلمه؛ أي أنه مطلع علينا وليس حالًّا فينا ولا بيننا ولا معنا ولا في الأماكن كما زعم المكذبون لدين الله.

قال ابن عطية الأندلسي: “معناه بقدرته وعلمه وإحاطته. وهذه آية أجمعت الأمة على هذا التأويل فيها، وأنها مخرجة عن معنى لفظها المعهود … قال سفيان الثوري: معناه علمه معكم، وتأولهم هذه حجة عليهم في غيرها”.

قال الشيخ عبد الغني النابلسي رحمه الله في «الفيض الرباني»: “من قال إن الله انحل منه شيء أو انحل في شىء فقد كفر” اهـ

وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [سورة الحديد، الآية 4]: “﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ يَعْنِي بِقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ وَعِلْمِهِ ﴿أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ يُبْصِرُ أَعْمَالَكُمْ وَيَرَاهَا ولا يخفى عليه شي مِنْهَا. وَقَدْ جَمَعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيْنَ ﴿اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ وَبَيْنَ ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ﴾ وَالْأَخْذُ بِالظَّاهِرَيْنِ تَنَاقُضٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنِ التَّأْوِيلِ ‌اعْتِرَافٌ ‌بِالتَّنَاقُضِ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَعَالِي: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لَمْ يَكُنْ بِأَقْرَبَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى حِينَ كَانَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ”.

ومن فضائل هذا الدعاء الشريف أنّه يقال عند الكرب، فَقد وردَ عنْ أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه أنه قالَ: ((كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: يَاْ حَيُّ يَاْ قَيُّوْمُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيْثُ)) رواه الترمذي،

وَعَنْ زيدِ بنِ ثابتٍ رضي الله عنه قالَ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ ﷺ أَرَقًا أَصَابَنِي فَقَالَ: ((قُلْ اللَّهُمَّ غَارَتِ النُّجُومُ وَهَدَأَتِ الْعُيُونُ وَأَنْتَ حَيٌّ قَيُّومٌ لاَ تَأْخُذُكَ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ أَهْدِىء لَيْلِي وَأَنِمْ عَيْنِي، فَقُلْتُهَا فَأَذْهَبَ اللهُ عَني مَا كُنْتُ أَجِدُ)) رواه الطبراني،

وقدْ جاءَ عنْ محمدِ بنِ عليٍّ الكتانيِّ رحمَهُ اللهُ تعالى (وهذا أحد الصالحين الذين عاشوا في القرن الثالث وكان قد صحب الإمام الجنيد رحمهما الله تعالى) أنَّهُ قالَ: رأيتُ النبيَّ ﷺ في النومِ، فقلتُ: “يَا رسولَ اللهِ ادعُ اللهَ ألَّا يميتَ قلبي قالَ: قلْ – كلَّ يومٍ أربعينَ مرةً – يَا حيُّ يَا قيومُ لَا إلهَ إلَّا أنتَ فإنَّهُ لَا يموتُ قلبُكَ ويكونُ قلبُكَ حيًا”.اهـ

قال القرطبي في تفسيره: “وَيُقَالُ: إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى يَدْعُو بهذا الدعاء: يا حيُّ يَا قَيُّومُ. وَيُقَالُ: إِنَّ آصَفَ بْنَ بَرْخِيَا لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِعَرْشِ بِلْقِيسَ إِلَى سليمان دعا بقوله: يا حي يَا قَيُّومُ. وَيُقَالُ: هُوَ دُعَاءُ أَهْلِ الْبَحْرِ إِذَا خَافُوا الْغَرَقَ يَدْعُونَ بِهِ”.

وقولنا (يَا حَيُّ يَا قَيُّوْمُ): نافع لتفريج الكربات، وقد ورد أن أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر كان قولَه: ((يَا حَيُّ يَا قَيُّوْمُ))، فهي نافعة للكرب ولزواله،

فقد روى البيهقي عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ، قَاتَلْتُ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ، ثُمَّ جِئْتُ مُسْرِعًا لِأَنْظُرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فَعَلَ. قَالَ: فَجِئْتُ فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ: ((‌يَا ‌حَيُّ ‌يَا ‌قَيُّومُ))، ‌يَا ‌حَيُّ ‌يَا ‌قَيُّومُ. لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا، فَرَجَعْتُ إِلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا، فَذَهَبْتُ إِلَى الْقِتَالِ، ثُمَّ جِئْتُ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا، حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَى يَدِهِ.

وكان هذا اللفظ وهو قولنا: ((يَا حَيُّ يَا قَيُّوْمُ))، واردًا في دعاء العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه في بعض رواياته،

فقد رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْبَحْرَيْنِ تَبِعْتُهُ، فَرَأَيْتُ مِنْهُ ثَلَاثَ خِصَالٍ، ‌لَا ‌أَدْرِي ‌أَيَّتُهُنَّ ‌أَعْجَبُ، انْتَهَيْنَا إِلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فَقَالُوا: سَمُّوا وَاقْتَحِمُوا، فَسَمَّيْنَا وَاقْتَحَمْنَا، فَعَبَرْنَا فَمَا بَلَّ الْمَاءُ إِلَّا أَسَافِلَ أَخْفَافِ إِبِلِنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا صِرْنَا بِصَحْرَاءَ مِنَ الْأَرْضِ لَيْسَ مَعَنَا مَاءٌ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ دَعَا، فَإِذَا سَحَابَةٌ مِثْلُ الْقِرْبَةِ ثُمَّ أَمْطَرَتْ عَلَيْنَا فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا، وَمَاتَ بَعْدَ مَا بَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الْبَحْرَيْنِ، لَمَّا ارْتَدَّتْ بَعْضُ الْقَبَائِلِ، فَأَظْفَرَهُ اللهُ بِهِمْ وَأَعْطُوا مَا مَنَعُوا مِنَ الزَّكَاةِ، وَمَاتَ فَدَفَنَّاهُ فِي الرَّمْلِ فَلَمَّا سِرْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ قُلْنَا: يَجِيءُ سَبْعٌ فَيَأْكُلُهُ فَرَجَعْنَا فَلَمْ نَرَهُ.اهـ

حتى قال أهل السير: ثُمَّ رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ فِي آثَارِ الْمُنْهَزِمِينَ، يَقْتُلُونَهُمْ بِكُلِّ مَرْصَدٍ وَطَرِيقٍ، وَذَهَبَ مَنْ فَرَّ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ فِي الْبَحْرِ إِلَى دَارِينَ، رَكِبُوا إِلَيْهَا السُّفُنَ، ثُمَّ شَرَعَ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ وَنَفْلِ الْأَنْفَالِ، وَفَرَغَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: اذْهَبُوا بِنَا إِلَى دَارِينَ لِنَغْزُوَ مَنْ بِهَا مِنَ الْأَعْدَاءِ، فَأَجَابُوا إِلَى ذَلِكَ سَرِيعًا، فَسَارَ بِهِمْ حَتَّى أَتَى سَاحِلَ الْبَحْرِ لِيَرْكَبُوا فِي السُّفُنِ، فَرَأَى أَنَّ الشُّقَّةَ بَعِيدَةٌ، لَا يَصِلُونَ إِلَيْهِمْ فِي السُّفُنِ حَتَّى يَذْهَبَ أَعْدَاءُ اللَّهِ، فَاقْتَحَمَ الْبَحْرَ بِفَرَسِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، يَا حَلِيمُ يَا كَرِيمُ، يَا أَحَدُ يَا صَمَدُ، يَا حَيُّ يَا مُحْيِي الْمَوْتَى، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ يَا رَبَّنَا. وَأَمَرَ الْجَيْشَ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ وَيَقْتَحِمُوا، فَفَعَلُوا ذَلِكَ فَأَجَازَ بِهِمُ الْخَلِيجَ بِإِذْنِ اللَّهِ يَمْشُونَ عَلَى مِثْلِ رَمْلَةٍ دَمِثَةٍ، فَوْقَهَا مَاءٌ لَا يَغْمُرُ أَخْفَافَ الْإِبِلِ، وَلَا يَصِلُ إِلَى رُكَبِ الْخَيْلِ، وَمَسِيرَتُهُ لِلسُّفُنِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، فَقَطَعَهُ إِلَى السَّاحِلِ الْآخَرِ، فَقَاتَلَ عَدُوَّهُ وَقَهَرَهُمْ، وَاحْتَازَ غَنَائِمَهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَطَعَهُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَعَادَ إِلَى مَوْضِعِهِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي يَوْمٍ، وَلَمْ يَتْرُكْ مِنَ الْعَدُوِّ مُخْبِرًا، وَاسْتَاقَ الذَّرَارِيَّ وَالْأَنْعَامَ وَالْأَمْوَالَ، وَلَمْ يَفْقِدِ الْمُسْلِمُونَ فِي الْبَحْرِ شَيْئًا سِوَى عُلَّيْقَةِ فَرَسٍ لِرَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعَ هَذَا رَجَعَ الْعَلَاءُ فَجَاءَهُ بِهَا، ثُمَّ قَسَّمَ غَنَائِمَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ، فَأَصَابَ الْفَارِسُ أَلْفَيْنِ وَالرَّاجِلُ أَلْفًا، مَعَ كَثْرَةِ الْجَيْشِ، وَكَتَبَ إِلَى الصِّدِّيقِ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ، فَبَعَثَ الصِّدِّيقُ يَشْكُرُهُ عَلَى مَا صَنَعَ، وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي مُرُورِهِمْ فِي الْبَحْرِ، وَهُوَ عَفِيفُ بْنُ الْمُنْذِرِ:

أَلَــــمْ تَــرَ أَنَّ اللَّهَ ذَلَّـــلَ بِــحَرَهُ
وَأَنْزَلَ بِالْكُفَّـــارِ إِحْدَى الْجَلَائِلِ

دَعَوْنَا الَّذِي شَقَّ الْبِحَارَ فَجَاءَنَا
بِأَعْجَبَ مِنْ فَلْقِ الْبِحَارِ الْأَوَائِلِ

وَقَدْ ذَكَرَ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ التَّمِيمِيُّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِفِ وَالْمَشَاهِدِ الَّتِي رَأَوْهَا مِنْ أَمْرِ الْعَلَاءِ، وَمَا أَجْرَى اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْكَرَامَاتِ، رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هَجَرَ، رَاهِبٌ، فَأَسْلَمَ حِينَئِذٍ، فَقِيلَ لَهُ: مَا دَعَاكَ إِلَى الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ: خَشِيتُ إِنْ لَمْ أَفْعَلْ أَنْ يَمْسَخَنِي اللَّهُ لِمَا شَاهَدْتُ مِنَ الْآيَاتِ. قَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ فِي الْهَوَاءِ وَقْتَ السَّحَرِ دُعَاءً. قَالُوا: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ، وَالْبَدِيعُ لَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ، وَالدَّائِمُ غَيْرُ الْغَافِلِ، وَالْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَخَالِقُ مَا يُرَى وَمَا لَا يُرَى، وَكُلَّ يَوْمٍ أَنْتَ فِي شَأْنٍ، وَعَلِمْتَ اللَّهُمَّ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا. قَالَ: فَعَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يُعَانُوا بِالْمَلَائِكَةِ إِلَّا وَهُمْ عَلَى أَمْرِ اللهِ. قَالَ: فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَسْمَعُونَ مِنْهُ.اهـ

فائدة: لو قال الشخص كل يوم ألف مرة (يا حيّ يا قيوم)، فإنه ينفع لتفريج الكرب ولتحقيق المطالب والحاجات.

وقال أحد الصالحين: “يُسَنُّ أنْ يقالَ صَبـاحًا ومَسـاءً: (يَا حيُّ يَا قيّومُ برَحـمَتِك أستَغِيثُ أَصلِحْ لِي شأنِي كلَّهُ ولا تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ). ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. إنَّ هَذَا الدُّعَاءَ مِنْ خِيَارِ الأدعيةِ”.

وسُئِل أحد الصالحين: مَاذَا يَقرَأُ الشَّخصُ لِرَفعِ البَلاءِ؟ فَأَجَابَ رضي الله عنه: (يَا حَيُّ يا قَيَّومُ بِرَحـمَتِكَ أَستَغِيثُ) يُكَرَّرُ ثَلاثَ مراتٍ.

فَسُئِلَ: ينفعُ لقضاءِ الحاجاتِ؟ فَأَجَابَ رضي الله عنه: نعم.

وَسُئِلَ: لكي يصيرَ مِن أهلِ التقوَى وترك المعاصي هل يوجدُ وِردٌ يُسَاعِدُ؟ فَأَجَابَ رضي الله عنه: إذَا أكملَ يَشمَلُ، (يَا حَيُّ يا قَيَّومُ بِرَحـمَتِكَ أَستَغِيثُ أَصلِحْ لِي شَأنِي كُلَّهُ ولَا تَكِلنِي إلى نَفسِي طَرفَةَ عَينٍ) مثلُ هذَا.

وقال رحمه الله: (يَا حَيُّ يَا قَيُّوم) هذا لِلْكَربِ عَظِيمٌ، لَو لَم يَقُلْ بِرَحمَتِكَ أَستَغِيثُ. ولَو لَم يَقُلْ برَحمَتِكَ أَستَغِيثُ أصلِحْ لِي شَأنِي كُلَّهُ ولَا تَكِلنِي إِلَى نَفسِي طَرفَةَ عَينٍ. الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ كانَ يومَ بدرٍ يُكثِرُ مِن قول: ((يَا حَيُّ يَا قَيُّوم)). ولو أَكمَلَ ((يَا حَيُّ يَا قَيُّوم)) إِلَى ءَاخِرِهِ زيادةُ خَيرٍ.

وَقَالَ رضي الله عنه: إِذَا إِنْسَانٌ وَقَعَ فِي ضِيقٍ وَقَالَ: (يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ) اللهُ يُفَرِّجُ عَنْهُ، أَمَّا الَّذِي يَقُولُ أَلْفَ مَرَّةٍ هَذَا سِرُّهُ عَظِيمٌ.

فائدة: قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ في الفتح: “أخرجَ النسائيُّ بسندٍ جيدٍ مِنْ طريقِ مجاهدٍ عنِ ابنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهمَا أَنَّه سمعَ النبيَّ ﷺ يقولُ: ((أَسْتَغْفِرُ اللهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ)) في المجلسِ قبلَ أنْ يقومَ مائةَ مرةٍ”.

ووردَ في سنن الترمذي عنِ النبيِّ ﷺ أَنَّه قالَ: ((مَنْ قالَ أَسْتَغْفِرُ الله الَّذي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ وَإنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ))، وفي السنن الكبرى للنسائي عنْ أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ لفاطمةَ رضيَ اللهُ عنها: ((مَا يَمْنَعُكِ أَنْ تَسْمَعِي مَا أُوصِيكِ بِهِ أَنْ تَقُولِي إِذَا أَصْبَحْتِ وإِذَا أَمْسَيْتِ: يا حَيُّ يا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، أَصْلِحْ لِي شَأنِي كُلَّهُ، ولا تَكِلْنِي إِلى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ)).

مِنْ خَوَاصِّ اسمِ اللهِ “القيومِ”: أَنَّ مَنْ ذَكَرَهُ مُجَرَّدًا ذَهَبَ عَنْهُ النَّومُ.

شاهد أيضاً

شرح حديث “الدعاء هو العبادة” ومسائل التوسل والقضاء والقدر

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي لم يزل عظيما عليّا، يخذل عدوّا وينصر …