شرح حديث ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأرفعها في درجاتكم؟ – الجزء الثاني

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للهِ الَّذِي شرعَ الشرائعَ رحمةً وحِكْمةً طريقًا وسنَنًا، وأمرنَا بطاعتِه لا لحَاجتِهِ بلْ لَنَا، يغفرُ الذنوبَ لكلِّ مَنْ تابَ إلى ربَّه ودَنا، ويُجزلُ العطَايَا لمَنْ كان مُحسنًا ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [سورة العنكبوت/ الآية 69]،

أحْمده على فضائلهِ سِرًّا وعلَنًا، وأشهد أنْ لا إِله إِلَّا الله وحدَه لا شريكَ له شهادةً أرْجو بها الفوزَ بدارِ النَّعيمِ والْهنَا، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولهُ الَّذِي رفَعَه فوقَ السموات فدَنَا، صَلَّى الله عليه وعلى صاحِبه أبي بكر الْقائمِ بالعبادةِ راضيًا بالعَنا، وعلى عُمرَ المجدِّ في ظهور الإِسلام فمَا ضعُف ولا ونَى، وعلى عثمانَ الَّذِي رضيَ بالْقَدَرِ وقد حلَّ في الفِناءِ الفنا، وعلى عليٍّ الْقريبِ في النَّسب وقد نال المُنى، وعلى سائرِ آلِهِ وأصحابه الكرام الأمَنَاء، وسلَّم تسليمًا. أما بعد:

وصلنا إلى الحديث السادس عشر وتكلمنا فيه عن ترجمة الراوي وهو الصحابي الجليل أبو الدرداء رضي الله عنه وأرضاه:

وَرَوَى ابْنُ مَاجَه وَأَحْمَدُ عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلا أُنْبِئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِى دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ وَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ)) قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)).

فلا بُدّ أن يُعلم أنّ الْمُرَادَ بِذِكْرِ اللهِ هُنَا الصَّلاةُ. فقد جاء لفظ “ذكر الله” في القرآن والحديث على معنى الصلاة وجاء بمعنى الطاعة وجاء بمعنى الذكر اللساني، وجاء بمعانٍ أخرى، فالذكر اللساني ليس أفضل من الزكاة والجهاد وليس هو أفضلَ الأعمال على الإطلاق، بل إن أفضل الأعمال على الإطلاق هو الإيمان بالله ورسوله كما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أي الأعمال أفضل؟ فقال: ((إيمان بالله ورسوله)) فالإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتوحيد الله وتنزيهه عن مشابهة المخلوقات هو أفضل الأعمال، فهو الشرط لقبول الأعمال. وبعده يأتي في الفضل الصلاة، فهي أفضل العبادات العملية؛ فقد روى البخاري في صحيحه أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا)).

فمعنى قول رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلا أُنْبِئُكُمْ أَيْ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ أَيْ: أَفْضَلِهَا؛ ينبغي أن يُعلم أولا أن الآيات القرآنية والحديث الصحيح الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تعارض بينها أبدا، وإلا لو كان هناك تعارض وهذا مستحيل لأدى هذا إلى إبطال الشريعة والطعن بالدين، وهذا لم يتوصل إليه كل المشركين والكفار عبر الزمن لأنه لا تعارض، بعد هذا أقول: إن أفضل الأعمال التي توزن في ميزان العبد يوم القيامة هي الإيمان بالله،

فقد جعل الله الإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم أساس الشريعة وهو الشرط لقبول الأعمال الصالحة، وهو المنجي من الخلود الأبدي في نار جهنم، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [سورة الصف/ الآية 10-11]

أعلى الواجبات وأفضل الأعمال على الإطلاق الإيمان بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم، فالإيمان مقدم على سائر الأعمال من صلاة وصيام وحج وزكاة، لأن الأعمال الصالحة لا تقبل بدون الإيمان بالله ورسوله، ويدل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ‌((إِيمَانٌ ‌بِاللهِ ‌وَرَسُولِهِ)) وأما ما ورد في الصحيحين من حديث عبد الله ابن مسعود قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: ((‌الصَّلَاةُ ‌عَلَى ‌وَقْتِهَا)) فمعناه أن الصّلاة على وقتها أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله ورسوله وهذا للتوفيق بين الحديثين، وليس معناه أنّ الصلاة أفضل من الإيمان لأنّها لا تصح ولا تقبل من دون الإيمان.

ثم إنّ الإيمان بالله هو الاعتقاد الجازم بوجوه تعالى بلا كمية ولا كيفية ولا مكان، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (1/ 221): “فلا يتوجه على حكمه – سبحانه – لم ولا كيف؟ كما لا يتوجه عليه في وجوده أين وحيث”. ا.هـ

وقال الحافظ أبو بكر ابن العربي المالكي في شرح سنن الترمذي (11/ 273) ما نصه: “فقال لها ((أين الله)) والمراد بالسؤال بها عنه تعالى المكانة فإن المكان يستحيل عليه”.

وتنزيهه سبحانه عما لا يجوز في حقّه كالحجم والجسم والأعضاء، فلا يحصل الإيمان بمجرد اعتقاد وجوده سبحانه وتعالى من غير اعتقاد أنه منزه عن صفات المخلوقين،

وكذا الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خاتم الأنبياء والمرسلين وأنه صادق في كل ما أخبر به وبلغه عن الله، لأن من كذب النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به لا يكون على الإيمان ولو اعترف بوجوده صلى الله عليه وسلم،

فالمعرفة إذا اقترن بها الإذعان أي رضا النفس بالشيء الذي عرفته هي الإيمان الذي هو مقبول عند الله، وأما المعرفة وحدها لا تكفي، فقد أخبر الله تعالى عن اليهود بأنهم كانوا يعرفون سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم أنه نبي ولكن لم تُذعن نفوسُهم فلذلك كانوا يكذبونه بألسنتهم مع علمهم بأنه نبي، لأن التوراة التي أنزلت على موسى عليه السلام فيها الإخبار بأن محمدا رسول الله، لكن التوراة والإنجيل حُرِّفا لفظا بعد أن حرفا معنًى،

يقول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [سورة البقرة/ الآية 146]،

روى القرطبي وغيره عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي بِابْنِي، قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: ‌لِأَنِّي ‌لَسْتُ ‌أَشُكُّ ‌فِي ‌مُحَمَّدٍ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَمَّا وَلَدِي فَلَعَلَّ وَالِدَتَهُ خَانَتْ. فَقَبَّلَ عُمَرُ رَأَسَهُ.اهـ

وبعد حصول هذه المعرفة لهم جحدوه وكتموا صفته، إلَّا مَن عصمه الله بالإيمان كعبد الله بن سلام وأصحابه، فقد كتم فريق منهم الحق وهم أحبارهم، وهم يعلمون أنه حق حسدًا وعنادًا.

فهؤلاء اليهود قوم بهت يعرفون حَقية دين الإسلام ولكنهم تجرؤوا وكفروا بالله وبرسوله، وطبعهم هذا منذ زمان بعيد فقد وصفهم الله تعالى بأنهم مغضوب عليهم،

ففي البخاري أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ أَشْيَاءَ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ؟ قَالَ: ((أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا))، قَالَ ابْنُ سَلَامٍ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ،

قَالَ: ((أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتِ الْوَلَدَ))، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ؟)) قَالُوا: خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ!))، قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَتَنَقَّصُوهُ، قَالَ: هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.

وفي رواية في السير قال عبد الله بن سلام: فَأَدْخَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ بُيُوتِهِ، وَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَكَلَّمُوهُ وَسَاءَلُوهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّ رَجُلٍ الحُصَيْن ‌بْنُ ‌سَلَامٍ ‌فِيكُمْ؟ قَالُوا: سَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وحَبْرنا وَعَالِمُنَا. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ خَرَجْتُ عَلَيْهِمْ، فَقُلْتُ لَهُمْ: يَا معشرَ يَهُودَ، اتَّقُوا اللَّهَ وَاقْبَلُوا مَا جَاءَكُمْ بِهِ، فَوَاَللَّهِ إنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ إنَّهُ لَرَسُولُ اللَّهِ، تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التَّوْرَاةِ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ، فَإِنِّي أشهدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأُومِنُ بِهِ وَأُصَدِّقُهُ وَأَعْرِفُهُ، فَقَالُوا: كذبتَ ثُمَّ واقعوا بِي. قَالَ: فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلَمْ أُخْبِرْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ بُهْت، أَهْلُ غَدْرٍ وَكَذِبٍ وَفُجُورٍ! قَالَ: فأظهرتُ إسْلَامِي وَإِسْلَامَ أَهْلِ بَيْتِي.

وليعلم بأن نقيض الإيمان الكفر الذي هو ثلاثة أبواب: تعطيل وتشبيه وتكذيب،

فكفر التعطيل: هو نفي وجود الله تعالى وهو أشد أنواع الكفر على الإطلاق كقول الملاحدة الشيوعية: لا إله والحياة مادة، وكذلك كفر أهل الوحدة وأهل الحلول القائلين بأن الله هو العالم والعالم هو الله والعياذ بالله تعالى،

وكفر التشبيه: أي تشبيه الله تعالى بخلقه كمن يصفه بالحدوث أو الفناء أو الجسم أو اللون أو الشكل أو الأعضاء أو السكنى في المكان أو أي صفة من صفات المخلوقين، ومن اعتقد التشبيه لا يكون على الإسلام لأنه لا يعبد الله بل يعبد صورة تخيلها وتوهمها، وقد قال الغزالي رحمه الله: “لا تصح العبادة إلا بعد معرفة المعبود” أي أن من لم يعرف الله تعالى بأنه منزه عن مشابهة الخلق فاعتقد مثلا أنه ساكن في السماء أو جالس على العرش أو أنه في كل مكان بذاته أو أنه جسم له أعضاء لا تصح منه عبادة لله لأنه ما عرف الله،

وكفر التكذيب: أي تكذيب ما ورد في القرءان الكريم أو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم على وجه ثابت وكان مما علم من الدين بالضرورة كاعتقاد فناء النار أو إنكار بعث الأجساد والأرواح معا أو إنكار وجوب الصلاة أو اعتقاد تحليل الخمرة ونحو ذلك.

فالمؤمن المسلم هو تجنب أنواع الكفر وهي التعطيل والتشبيه والتكذيب.

وكذا تجنب الكفر بأقسامه الثلاثة القولي كمسبة الله والفعلي كإلقاء المصحف في القاذورات والاعتقادي كاعتقاد الشبيه والمثيل لله،

ومن صدر منه ذلك يرجع إلى الإسلام بالشهادتين.

فالإيمان شرط لقَبول الأعمال الصالحة، فمن لم يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا ثواب له في الآخرة والدلائل على ذلك كثيرة منها: قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ [سورة إبراهيم/ الآية 18]، أي أنهم لا يثابون بأعمالهم بل أعمالهم تكون كالرماد الذي اشتدت به الريح في اليوم العاصف،

وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [سورة النساء/ الآية 124]، فبين الله تعالى في هذه الآية أن الأعمال الصالحة إنما يقبلها من المؤمن المسلم فقط لقوله: ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾، وأما الكافر فمهما فعل من الخيرات في الدنيا لا يثيبه الله عليها، بل توضع سيئاته في الآخرة في كفة الميزان وتطيش الكفة الأخرى أي كفة الحسنات إذ لا حسنات له في الآخرة لأنه أضاع أعظم حقوق الله على عباده وهو توحيده تعالى وعدم الإشراك به،

وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ‌ابْنُ ‌جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: ((لَا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)) فاعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم عمل ابن جدعان من صلة الأرحام وإطعام المساكين غير نافع له لأنه لم يكن على الإيمان،

وابن جدعان كان قريب عائشة وكان مفسدا في مكة فطرده أبوه فكره الحياة فصعد على جبل من جبال مكة فوجد شِقا فقال لعل في هذا ثعبانا يقتلني فوجد ثعبانا عيناه تلمعان فاقترب منه فإذا هو ثعبان من ذهب إلا عيناه من لؤلؤ فطمع في الحياة وصار من أغنياء مكة وصار يصل الرحم ويطعم المسكين.

وأما قول بعض الناس: (الدين المعاملة) فغير صحيح، وبعض الناس يزعمون أنه من كلام الرسول وهو ليس من كلام الرسول بل هو يخالف الدين لأنه كما بينا أن من لم يكن على الإسلام مهما فعل من الخيرات فإنه لا ينتفع في الآخرة لو كان يحسن معاملة الناس ولا يكذب فيما يقول للناس من أمور الدنيا ويلتزم بالمواعيد ويصل الرحم ويطعم المسكين كل ذلك لا ينفعه إذا لم يكن على الإسلام لأن الإيمان شرط لقَبول الأعمال الصالحة، والصواب أن نقول أن الدين حث على المعاملة الحسنة والخلق الحسن،

وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابنته فاطمة حين أنزل الله قوله: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [سورة الشعراء/ الآية 214]: ((وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ ‌سَلِينِي ‌مَا ‌شِئْتِ ‌مِنْ ‌مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا)) معناه أنا لا أستطيع أن أنفعك إن لم تكوني مؤمنة، وأما في الدنيا أستطيع أن أنفعك بمالي.

ويدل على ذلك أن أبا طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أن محمدا رسول الله ويعرف أن الإسلام حق، وكان يدافع عن النبي ويخاف عليه من أذى المشركين ويحبه محبة كبيرة حتى قال فيه:
وأبيضَ يستسقى الغمامُ بوجهِه ثِمال اليتامى عصمة للأرامــلِ

ولكنه مع كل هذا كان كافرا، ما أسلم خوفا من أن تعيره العرب فكان يقول للنبي كلما أمره بالإسلام: لولا أن تعيرني بها قريش لأقررت بها عينك،

وجاء في الصحيحين أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ، جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَالِبٍ: ((يَا عَمِّ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ‌كَلِمَةً ‌أَشْهَدُ ‌لَكَ ‌بِهَا ‌عِنْدَ ‌اللهِ)). فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَمَا وَاللهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ)). [أي لأطلبن من الله تعالى أن يهديك فتدخل في الإسلام ما لم أُنْهَ عنك؛ أي ما لم يوحَ إليَّ بأنك تموت كافرا، ولكن أبا طالب مات كافرا لأنه لم ينطق بالشهادتين بل كان ءاخر كلامه قبل وفاته أن قال: أنا على ملة عبد المطلب، وقد جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل أنّ عليًّا رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إِنَّ أَبَا طَالِبٍ مَاتَ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((اذْهَبْ ‌فَوَارِهِ))، فَقَالَ: إِنَّهُ مَاتَ مُشْرِكًا. فَقَالَ: ((اذْهَبْ ‌فَوَارِهِ)) قَالَ: فَلَمَّا وَارَيْتُهُ رَجَعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي: ((اغْتَسِلْ)). ولم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة عمه ولم يستغفر له بعد وفاته]، فأنزل الله تعالى في ذلك: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [سورة التوبة/ الآية 113]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ [سورة القصص/ الآية 56]، أي إنك يا محمد لا تخلق الهداية في قلب من أحببت له الهداية ولكن الله تعالى يخلق الهداية في قلب من شاء له الهداية بعلمه ومشيئته الأزلية التي لا تتغير.

وقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن أبا طالب خالد في النار وهو أقل الكفار عذابا من غير أن يخفف عنه عذابه فقد روى البخاري عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: مَا ‌أَغْنَيْتَ ‌عَنْ ‌عَمِّكَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: ((هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)) وفي رواية أخرى عند البخاري قال: ((فَيُجْعَلُ فِي ‌ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ أُمُّ دِمَاغِهِ)).

أبو طالب الذي عاين من حياة الرسول نحوا من خمسين سنة مات وهو يرى المعجزات والعجائب من الرسول صلى الله عليه وسلم ومع ذلك مات أبو طالب كافرا، نسأل الله حسن الختام،

أبو طالب كان شاعرا بليغا فصيحا سمع القرآن وعلم حَقيته وعلم صدقه ومع ذلك كفر بالله، ما نطق بالشهادتين والذي يدعوه من؟ رسول الله بنفسه يدعوه ويحب له الهداية ويسعى جاهدا له ليسلم وهو صلى الله عليه وسلم المؤيد بالمعجزات ومع ذلك ما آمن ما نطق بالشهادتين، هو كان يعرف أن محمدا نبي يعرف أن محمدا صادق لا يكذب ومع ذلك ما أجاب دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم. أبو طالب كان يقول:
وَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ دِينَ مُحَمّــدٍ مِنْ خَيْرِ ‌أَدْيَانِ ‌الْبَرِيَّةِ ‌دِينًـا
لَوْلَا الْمَلَامَةُ أَوْ حَذَارِ مَسَبَّةٍ لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا بِذَاكَ مُبِينًا

أبو طالب له قصيدة فيها مدح بليغ للنبي صلى الله عليه وسلم، هي من أبلغ ما تكلم به المداح والشعراء قالها بعد مقاطعة قريش لبني هاشم بسبب نصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى قيل فيها: وهي قصيدة عظيمة بليغة جدا لا يستطيع أن يقولها إلا من نسبت إليه وهي أفحل من المعلّقات السّبع وأبلغ في تأدية المعنى، ذكر فيها ما يتعلق بالصحيفة الظالمة التي كتبتها قريش، قال فيها أبو طالب:
وَلَمَّا رَأَيْتُ الْقَوْمَ لَا وُدَّ فِيهِمُ وَقَدْ قَطَّعُوا كُلَّ الْعُرَى وَالْوَسَائِلِ

الْعُرَى: جمع عروة، وأراد بها ها هنا العهود، وَالْوَسَائِلِ: جمع وسيلة وهي القربة، يقال: وسل إلى ربه وسيلة إذا تقرّب بعمله إليه، والوسيلة: المنزلة عند الملك.
وَقَدْ صَارَحُونَا بِالْعَدَاوَةِ وَالْأَذَى وَقَدْ طَاوَعُوا أَمْرَ الْعَدُوِّ الْمُزَايِلِ

صَارَحُونَا: واجهونا مكافحة . الْمُزَايِلِ: المحاول المعالج.
وَأَحْضَرْتُ عِنْدَ الْبَيْتِ رَهْطِي وَإِخْوَتِي وَأَمْسَكْتُ مِنْ أَثْوَابِهِ بِالْوَصَائِلِ

رَهْطِي: قومي وقبيلتي، والرهط: دون العشرة من الرجال ليس فيهم امرأة أو منها إلى الأربعين. بِالْوَصَائِلِ: ثياب حمر فيها خطوط كان البيت يكسى بها.
أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مِنْ كُلِّ طَاعِنٍ عَلَيْنَا بِسُوءٍ أَوْ مُلِحٍّ بِبَاطِلِ

مُلِحٍّ: مجحف يقل، ألحّ على الشيء إذا أقبل عليه مواظبا.
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللَّهِ نُبْزَى مُحَمَّدًا وَلَمَّا نُطَاعِنْ دُونَهُ وَنُنَاضِلِ

نُبْزَى: بنون مضمومة فباء موحدة ساكنة فزاي مفتوحة: معناه نسلب ونغلب عليه. وَنُنَاضِلِ: نرامي بالسهام.
وَنُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَـــهُ وَنَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ

وَنَذْهَلَ: نغفل. وَالْحَلَائِلِ: الزوجات، واحدها حليلة.
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ثِمَالَ الْيَتَامَى عِصْمَةً لِلْأَرَامِلِ

ثِمَالَ الْيَتَامَى: أي قائم بمصالحهم وغياثهم. عِصْمَةً لِلْأَرَامِلِ: يمنعهن من الضياع والحاجة.
يَلُوْذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِــمٍ فَهُمْ عِنْدَهُ فِي رَحْمَةٍ وَفَوَاضِلِ

يَلُوْذُ بِهِ: يلجأ.
فَمَنْ مِثْلُهُ فِي النَّاسِ أَيُّ مُؤَمَّلٍ إِذَا قَاسَهُ الْحُكَّامُ عِنْدَ التَّفَاضُلِ

مُؤَمَّلٍ: المؤمَّل المرجو خيره.
حَلِيمٌ رَشِيدٌ عَادِلٌ غَيْرُ طَائِــشٍ يُوَالِي إِلَهًا لَيْسَ عَنْهُ بِغَافِلِ

طَائِشٍ: خفيف العقل. يُوَالِي: يعبد.
وَأَيَّدَهُ رَبُّ الْعِبَادِ بِنَصْــرِهِ وَأَظْهَرَ دِينًا حَقُّهُ غَيْرُ زَائِــــلِ
فَوَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ أَجِيءَ بِسُبَّةٍ تُجَرُّ عَلَى أَشْيَاخِنَا فِي الْمَحَافِلِ

بِسُبَّةٍ: بشتيمة. الْمَحَافِلِ: المجالس.
لَكُنَّا اتَّبَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ حَالَةٍ مِنَ الدَّهْرِ جِدًّا غَيْرَ قَوْلِ التَّهَازُلِ

التهازل: الهزل، وهو ترك الجدّ في قول أو فعل.

وَأَرْفَعِهَا فِى دَرَجَاتِكُمْ وفي رواية ((وأزكاها))، والمعنى أَيْ: أَنْمَاهَا وَأَنْقَاهَا وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أي من الصدقات بأنواعها وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ يعني: من جهاد الكفار. أَيْ: خَيْرٍ مِنْ بَذْلِ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَنْ تُجَاهِدُوا الْكُفَّارَ فَيَضْرِبُوا أَيْ: بَعْضُهُمْ أَعْنَاقَكُمْ وَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ أَيْ: أَعْنَاقَ بَعْضِهِمْ قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)).

الصلاة هي أفضل العبادات العملية التي يعملها الشخص المؤمن هي الصلاة،

قَالَ البيهقي في شعب الإيمان: “وَلَيْسَ مِنَ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ الْإِيمَانِ الرَّافِعِ للْكُفْرِ عِبَادَةٌ سَمَّاهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِيمَانًا، وَسَمَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَهَا كُفْرًا إِلَّا الصَّلَاةُ. ففي البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا وُجِّهَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَةِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ بِالَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَمَا ‌كَانَ ‌ٱللَّهُ ‌لِيُضِيعَ ‌إِيمَٰنَكُمۡۚ) [سورة البقرة/ الآية 143] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى: هَذَا الْحَدِيثُ يُخْبِرُكَ أَنَّ الصَّلَاةَ مِنَ الْإِيمَانِ. … وقَالَ: جَابِرٌ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرَكُ الصَّلَاةِ))”، معناه تارك الصلاة مرتكب ذنبا كبيرا شُبه بالكفر لعظمه.

وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ الصَّلَاةَ وَحْدَهَا دَلَالَةً بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا عِمَادُ الدِّينِ، فَذَكَرَ الْأَنْبِيَاءَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَمَدَحَهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُمْ فَذَمَّهُمْ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾ [سورة مريم/ الآية 59] ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا يُؤَدِّيهِمْ ذَلِكَ إِلَيْهِ مِنْ سَوْءِ الْعَاقِبَةِ، قَالَ: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ يَعْنِي – وَاللهُ أَعْلَمُ – لَا يَرْشُدُ أَمْرُهُمْ مَعَ إِضَاعَةِ الصَّلَاةِ، وَلَكِنَّهُمْ يُغْوُونَ فَلَا يَزَالُونَ يَقَعُونَ فِي فَسَادٍ بَعْدَ فَسَادٍ كَمَنْ يَضِلُّ الطَّرِيقَ، فَلَا يَزَالُ يَقَعُ فِي مَهْلَكَةٍ بَعْدَ مَهْلَكَةٍ إِلَى أَنْ يَنْقَطِعَ بِهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى عِظَمِ قَدْرِ الصَّلَاةِ، وَجَلَالِ مَوَاقِعِهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ،

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه الحاكم في المستدرك: ((‌وَاعْلَمُوا ‌أَنَّ ‌خَيْرَ ‌أَعْمَالِكُمُ ‌الصَّلَاةَ، وَلَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ)).

ومن فضائل الصلوات المكتوبات خصيصا أن الله يكفر بهن الذنوب الصغائر إذا أُدِّيَت كما ينبغي بإحسان طهورها وأدائها لله عز وجل، فقد روى مسلم في الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ ‌يَبْقَى ‌مِنْ ‌دَرَنِهِ شَيْءٌ؟)) قَالُوا: لَا ‌يَبْقَى ‌مِنْ ‌دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: ((فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا))،

وروى البيهقي في شعب الإيمان عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ الْمُسْلِمَ يُصَلِّي وَخَطَايَاهُ تُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ، كُلَّمَا سَجَدَ تَحَاتَّتْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَقَدْ تَحَاتَّتْ خَطَايَاهُ))،

وروى البيهقي أيضا عن الْحَارِثِ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ: جَلَسَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَجَلَسْنَا مَعَهُ، فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ، فَدَعَا عُثْمَانُ بِمَاءٍ أَظُنُّهُ سَيَكُونُ مُدٌّ فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ قَالَ: ((مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى صَلَاةَ الظُّهْرِ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصُّبْحِ، ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الظُّهْرِ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ، ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ، ثُمَّ لَعَلَّهُ يَبِيتُ يَتَمَرَّغُ لَيْلَتَهُ، فَإِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الصُّبْحَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَها وَبَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، وَهِيَ الْحَسَنَاتُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ))، قَالُوا: هَذِهِ الْحَسَنَاتُ فَمَا الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ يَا عُثْمَانُ؟ قَالَ: ((سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ)).

وفي مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ))،

وروى البيهقي في شعب الإيمان عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا، فَقَالَ: ((مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا وَبُرْهَانًا وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نُورًا، وَلَا بُرْهَانًا، وَلَا نَجَاةً، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ)) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه اللهُ: “وَهَذَا إِذَا لَمْ يَرْحَمْهُ”،

وكل هذا الذي ذكرت يدل على الأمر بتَحْسِينِ الصَّلَاةِ، وَالْإِكْثَارِ مِنْهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَقد ثبت هذا عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ، روي عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ تعالى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ [سورة البقرة/ الآية 238] قَالَ: “مِنَ الْقُنُوتِ: الرُّكُوعُ، وَالْخُشُوعُ، وَغَضُّ الْبَصَرِ، وَخَفَضُ الْجَنَاحِ مِنْ الخوف من اللهِ عَزَّ وَجَلَّ”.

وكان سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّزَّاقِ يَقُولُ: أَخَذَ أَهْلُ مَكَّةَ الصَّلَاةَ مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَخَذَهَا ابْنُ جُرَيْجٍ، مِنْ عَطَاءٍ وَأَخَذَهَا عَطَاءٌ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَخَذَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَأَخَذَهَا أَبُو بَكْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: “مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ صَلَاةً مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ كَانَ يُصَلِّي، فَيُرَى كَأَنَّهُ اسْطُوَانَةٌ وَمَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا”،

وروي عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: “لَوْ رَأَيْتَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يُصَلِّي كَأَنَّهُ غُصْنَ شَجَرَةٍ وَحَجَرَ الْمَنْجَنِيقِ يَقَعُ هَهُنَا، وَهَهُنَا” قَالَ سُفْيَانُ: كَأَنَّهُ لَا يُبَالِي،

وروي عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: “كَانَ عَطَاءٌ بَعْدَمَا كَبِرَ وَضَعُفَ يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ فَيَقْرَأُ مِائَتَيْ آيَةٍ مِنَ الْبَقَرَةِ وَهُوَ قَائِمٌ مَا يَزُولُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَتَحَرَّكُ”،

وروي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ أَبَاهُ كَانَ إِذَا صَلَّى كَأَنَّهُ وَتَدٌ لَا يَقُولُ هَكَذَا وَلَا هَكَذَا”،

وقالَ الربيعُ: بِتُّ في منزلِ الشافعيِّ رضي الله عنه لياليَ كثيرةً فلم يكنْ ينامُ مِنَ الليلِ إلَّا يسيرًا.

وقالَ أبو الجويريةِ: لقدْ صَحِبْتُ أبَا حنيفةَ رضيَ الله عنه ستةَ أشهرٍ فمَا فيهَا ليلةٌ وَضَعَ جَنْبَهُ عَلَى الأرضِ. ويروى أنَّه مَا كانَ له فراشٌ بالليلِ.

ويقالُ إنَّ مالكَ بنَ دينارٍ رضي الله عنه باتَ يردِّدُ هذهِ الآيةَ ليلةً حتَّى أصبحَ، وهي قولُه تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾ [سورة الجاثية/ الآية 21]

وقالَ المغيرةُ بنُ حبيبٍ: رَمَقْتُ مالكَ بنَ دينارٍ فتوضَّأَ بعدَ العشاءِ ثمَّ قامَ إلَى مُصَلَّاهُ فَقَبَضَ علَى لِحْيَتِهِ فَخَنَقَتْهُ العَبْرَةُ فَجَعَلَ يقولُ: حَرِّمْ شَيْبَةَ مالكٍ علَى النارِ، إلَهِي قدْ عَلِمْتَ سَاكِنَ الجنةِ مِنْ ساكِنِ النارِ فأَيُّ الرجلينِ مالكٌ وأَيُّ الدَّارَيْنِ دارُ مالكٍ، فَلَمْ يَزَلْ ذلِكَ قولَهُ حتَّى طَلَعَ الفجرُ.

وقَالَ مالكُ بنُ دينارٍ: سَهَوْتُ ليلةً عنْ وِرْدِيْ ونِمْتُ فإذَا أنَا فِي المنامِ بجاريةٍ كأحسنِ مَا يكونُ وفِي يدِهَا رقعةٌ فقالَتْ ليْ: أَتُحْسِنُ القراءةَ؟ فقُلْتُ: نَعَمْ، فَدَفَعَتْ إِلَيَّ الرقعةَ فإذَا فيها:
أَأَلْهَتْكَ اللَّذَائِذُ وَالْأَمَانِـــــــي عَنِ الْبِيْضِ الْأَوَانِسِ فِي الْجِنَانِ
تَعِيْشُ مُخَلَّدًا لَا مَـــوتَ فِيْهَا وَتَلْهُوْ فِيْ الْجِنَانِ مَعَ الْحِسَـــانِ
تَنَبَّهْ مِنْ مَنَامِـــــكَ إِنَّ خَيْرًا مِنَ النَّوْمِ التَّهَجُّدُ بِالْقُــــــــــرْانِ

وروي عَنْ زُبَيْدٍ قَالَ: “رَأَيْتُ زَاذَانَ يُصَلِّي كَأَنَّهُ جِذْعٌ قَدْ حُفِرَ لَهُ“،

وروي عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: “كَانَ الْعَنْبَسُ بْنُ عُقْبَةَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ كَأَنَّهُ جِذْمُ حَائِطٍ، وَكَانَ إِذَا سَجَدَ وَقَعَتِ الْعَصَافِيرُ عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ طُولِ سُجُودِهِ”،

وقال ابْنُ عَوْنٍ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ، يَقُولُ: “مَا أَجِدُنِي آسَى عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِلَّا أَنْ أُعَفِّرَ وَجْهِي فِي التُّرَابِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ”،

وروى البيهقي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَا، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَنِ ‌اسْتَيْقَظَ ‌مِنَ ‌اللَّيْلِ فَأَيْقَظَ ‌امْرَأَتَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبَا لَيْلَتَئِذٍ مِنَ الذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ)).

وكان للحسنِ بنِ صالحٍ جاريةٌ فباعَها لِقومٍ فلمَّا كانَ في جوف الليلِ قامَتِ الجاريةُ فقالتْ: يا أهلَ الدارِ الصلاةَ الصلاةَ!! فقالوا أَصْبَحْنَا؟ أَطَلَعَ الفَجْرُ؟ فقالَتْ: ومَا تُصَلُّوْنَ إلَّا المكتوبةَ؟ قالوا: نعم، فَرَجَعَتْ إلَى الحسنِ فقالَتْ: يَا مولايَ، بِعْتَنِيْ لِقَوْمٍ لا يُصَلُّونَ إلَّا المكتوبةَ، رُدَّنِيْ، فَرَدَّهَا.

وقال سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: “لَوْ رَأَيْتَ مَنْصُورًا يُصَلِّي لَقُلْتَ يَمُوتُ السَّاعَةَ”، وقال عُبَيْدُ اللهِ بْنُ شُمَيْطٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: “إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ قُوَّةَ الْمُؤْمِنِ فِي قَلْبِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا فِي أَعْضَائِهِ، أَلَا تَرَوْنَ الشَّيْخَ يَكُونُ ضَعِيفًا يَصُومُ الْهَوَاجِرَ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ، وَالشَّبَابُ يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ”،

وكان الحسن البصري يقول: “يَا ابْنَ آدَمَ أَيُّ شَيْءٍ يَعِزُّ عَلَيْكَ مِنْ دِينِكَ إِذَا هَانَتْ عَلَيْكَ صَلَاتُكَ”،

وروي أن حذيفة قال: “إِنِّ أَحِبَّ حَالٍ يَجِدُ اللهُ عبدَه عَلَيْهَا أَنْ يَجِدَهُ مُعَفِّرًا وَجْهَهُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ”،

وقَالَ مَسْرُوقٌ: “مَا أَصْبَحْنَا وَأَمْسَيْنَا فَآسَى عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا عَلَى السُّجُودِ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى”،

وَفِي الْمَوْرِدِ الْعَذْبِ لِلْإِمَامِ الْحَافِظِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ رَضي اللَّهُ عنه، قَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ: عَصَفَتْ بِنَا الرِّيحُ عَلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَإِذَا بِرَجُلٍ يَعْبُدُ صَنَمًا. فَقُلْنَا لَهُ أَيُّهَا الرَّجُلُ ماذا تفعل؟ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إلَى الصَّنَمِ أنه يعبده، فَقُلْنَا لَهُ: إنَّ مَعَنَا فِي الْمَرْكَبِ مَنْ يَعْمَلُ هَذَا، قَالَ: فَأَنْتُمْ مَنْ تَعْبُدُونَ؟ قُلْنَا: نَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالَى، قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ قُلْنَا: الَّذِي فِي السَّمَاءِ عَرْشُهُ، وَفِي الْأَرْضِ سُلْطَانُهُ، وَفِي الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ قَضَاؤُهُ. قَالَ: كَيْفَ عَلِمْتُمْ هَذَا؟ قُلْنَا وَجَّهَ إلَيْنَا رَسُولًا أَعْلَمَنَا بِهِ، قَالَ: فَمَا فَعَلَ الرَّسُولُ؟ قُلْنَا قَبَضَهُ اللَّهُ إلَيْهِ، قَالَ: فَهَلْ تَرَكَ عِنْدَكُمْ عَلَامَةً؟ قُلْنَا: تَرَكَ عِنْدَنَا كِتَابَ الْمَلِكِ، قَالَ أَرُونِيهِ، فَأَتَيْنَاهُ بِالْمُصْحَفِ، فَقَرَأْنَا عَلَيْهِ سُورَةً وَهُوَ يَبْكِي، ثُمَّ قَالَ يَنْبَغِي لقائل هَذَا الْكَلَامِ أَنْ لَا يُعْصَى، فَأَسْلَمَ وَحَمَلْنَاهُ مَعَنَا وَعَلَّمْنَاهُ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَسُوَرًا مِنْ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا جَنَّ اللَّيْلُ صَلَّيْنَا وَأَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَقَالَ منكرا علينا: يَا قَوْمُ الْإِلَهُ الَّذِي دَلَلْتُمُونِي عَلَيْهِ أَيَنَامُ؟ قُلْنَا: لَا يَا عَبْدَ اللَّهِ هُوَ حَيٌّ قَيُّومٌ لَا يَنَامُ، قَالَ: أَنْتُمْ تَنَامُونَ وَمَوْلَاكُمْ لَا يَنَامُ، فَعَجِبْنَا مِنْ كَلَامِهِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المدينة جَمَعْنَا لَهُ دَرَاهِمَ وَأَعْطَيْنَاهَا لَهُ وَقُلْنَا لَهُ أَنْفِقْهَا، قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَلَلْتُمُونِي عَلَى طَرِيقٍ لَمْ تَسْلُكُوهُ، أَنَا كُنْت فِي جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ أَعْبُدُ صَنَمًا مِنْ دُونِهِ فَلَمْ يُضَيِّعْنِي فَكَيْفَ الْآنَ وَقَدْ عَرَفْته، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ لِي: إنَّهُ يُعَالِجُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، فَجِئْته وَقُلْت أَلَكَ حَاجَةً؟ فَقَالَ: قَدْ قَضَى حَوَائِجِي مَنْ عَرَّفْتنِي بِهِ. فَبَيْنَمَا أَنَا أُكَلِّمُهُ إذْ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْت فَرَأَيْت فِي الْمَنَامِ رَوْضَةً وَفِي الرَّوْضَةِ قُبَّةً وَفِيهَا سَرِيرٌ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ أَجْمَلُ مِنْ الشَّمْسِ تَقُولُ سَأَلْتُك بِاَللَّهِ عَجِّلْ عَلَيَّ بِهِ، فَانْتَبَهْت فَإِذَا بِهِ قَدْ مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَجَهَّزْته لِقَبْرِهِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمَنَامِ فِي الْقُبَّةِ وَالْجَارِيَةُ إلَى جَانِبِهِ وَهُوَ يَتْلُو: ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾ [سورة الرعد/ الآية 24].

وفي الختام أقول: كل ما ذكرتُه من أحاديث وقصص من أحوال الصالحين يبين لنا أهمية تعلم باب الصلاة وأدائها كما ينبغي ويبين لنا أهمية الحرص عليها وأن نصليها بداية الوقت ونحسن وضوءها وأداءها، أسأل الله العظيم أن يتقبل مني ومنكم بجاه نبينا صلى الله عليه وسلم.

والله تعالى أعلم وأحكم

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …