بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم أما بعد:
فإن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمرَةَ لِلّهِ﴾
وروى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
“بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصوم رمضان”.
قال العالم الجليل عبد الله الحداد الحضرمي الملقب بالفقيه المقدم:
“إن من تكلف الحج شوقًا إلى بيت الله وحرصًا على إقامة الفريضة إيمانه أكمل وثوابه أعظم وأجزل، لكن بشرط أن لا يضيع بسببه شيئًا من الفرائض، وإلا كان ءاثمًا واقعًا في الحرج كمن بنى قصرًا وهدم مصرا”.
وقد جعل الله للحج مزية ليست للصلاة ولا للزكاة وهي أنه يكفر الكبائر والصغائر لقوله صلى الله عليه وسلم:
“من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه”.
والحج فرض بالإجماع على المستطيع، ومن أنكر وجوبه فقد كفر إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام، أو نحوه.
وأما تركه مع الاستطاعة واعتقاد وجوبه وفرضيته فلا يكون كفرًا.
وأما العمرة فقد اختلف فيها فذهب بعض الأئمة كالإمام الشافعي إلى فرضيتها، وذهب بعض إلى أنها سنة ليست فرضًا.
وللحج شرائط وجوب وهي:
1- الإسلام.
2- والبلوغ.
3- والعقل.
4- والحرية.
5- والاستطاعة.
ولا يجب الحج على المرأة إن لم تجد محرمًا يذهب معها أو زوجًا أو نسوة ثقات.
ويجوز لها أن تذهب وحدها للحج الفرض، لا لحج النفل وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من قبور الصالحين.
وله أركان وواجبات وسنن:
والركن لا يصح الحج بدونه ولا يجبر بالدم.
والواجب يصح الحج بدونه مع المعصية ويجبر بالدم.
والسنة يصح الحج بدونها بغير معصية، ولكن يفوت ثوابها.
وأركان الحج ستة:
1- الإحرام.
2- والوقوف بعرفة.
3- والطواف بالبيت سبع مرات.
4- والسعي بين الصفا والمروة سبع مرات.
5- والحلق أو التقصير.
6- والترتيب في معظم الأركان.
وواجبات الحج منها:
1- الإحرام من الميقات.
2- والجمع بين الليل والنهار بعرفة على قول.
3- والمبيت بمزدلفة على قول.
4- ومنى على قول.
5- ورمي الجمرات الثلاث.
6- وطواف الوداع على قول.
الإحرام
الإحرام: أي نية الدخول في النسك.
على من أراد الحج أن ينوي بقلبه ولو في بيروت مثلاً أو بعدها ولكن قبل مجاوزة الميقات (ءابار علي) وهو بعد المدينة بحوالي خمسة عشر كيلومترًا على طريق مكة، هذا بالنسبة لأهل بلادنا الذين يسلكون طريق المدينة بالبرّ، أما بالنسبة للذي يسافر من بلدنا بالطائرة فيُحرم في بيروت أو في الطائرة قبل مجاوزة الميقات.
ويُسَنُّ الإغتسال قبل الإحرام، ويتجرد الحاج عن الملبوس الذي يَحْرم لبسه ويلبس إزارًا ورداءً، والأفضل أن يكونا أبيضين جديدين أو نظيفين، ويسن للرجل والمرأة الطيب في البدن دون الثوب.
ويسن أيضا صلاة ركعتين ينوي بهما سنة الإحرام يقرأ فيهما بعد الفاتحة سورتي الكافرون والإخلاص، ثم يستقبل القبلة ويقول في نفسه: “دخلت في عمل الحج” ويقول بلسانه: “لبيك اللهم بحج”.
ثم بعد ذلك يسن للرجل أن يجهر بالتلبية، وللمرأة أن تخفض صوتها قائلين: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”.
ويستحب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التلبية، ويسأل الله رضوانه والجنة، ويستعيذ بالله من النار، ثم يدعو بما أحب لنفسه ولمن أحب، ويستحب الإكثار من التلبية. ويسن للحاج إذا رأى ما يعجبه أو يكرهه أن يقول:
“لبيك إن العيش عيش الآخرة”.
دخول مكة
دخول مكة: ثم إذا بلغ الحرم يستحب أن يقول: “اللهم هذا حرمك وأمنك فحرمني على النار وءامني عذابك يوم تبعث عبادك واجعلني من أوليائك وأهل طاعتك”.
ويسن له أن يغتسل، وينبغي أن يتحفظ في دخوله من إيذاء الناس في الزحمة ويتلطف بمن يزاحمه.
فإذا وقع بصره على البيت يرفع يديه ويقول:
“اللهم زد هذا البيت تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا ومهابة وزد من شرفه وعظمة ممن حجه أو اعتمره تشريفًا وتكريمًا وتعظيمًا وبرًا، اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام”، ويدعو بما أحب من مهمات الآخرة والدنيا، فقد جاء أنه يستجاب دعاءُ المسلم عند رؤية الكعبة.
ثم يدخل المسجد برجله اليمنى ويقول:
“بسم الله والحمد لله اللَّهمّ صلّ على محمد وعلى ءاله وسلم، اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك”.
طواف القدوم
طواف القدوم: ويسن طواف القدوم بدل تحية المسجد.
وإذا خرج قَدَّم رجله اليسرى وقال:
“بسم الله والحمد لله اللَّهمّ صلّ على محمّد وعلى ءاله وسلّم، اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك”.
الوقوف بعرفة
الوقوف بعرفة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الحج عرفة”.
ووقته من زوال الشمس يوم التاسع من ذي الحجة إلى طلوع فجر اليوم العاشر (يوم العيد).
ويحصل الفرض بالوقوف ولو لحظة في ذلك الوقت، وقد استحسن بعض العلماء أن يقول في مسيره لعرفة:
“اللَّهمّ إليك توجهت ولوجهك الكريم أردتُ، فاجعل ذنبي مغفورًا وحجي مبرورًا وارحمني ولا تخيبني إنك على كل شىء قدير”. ويكثر من التلبية.
ومن السنة أن يغتسل، وأن يجمع بين اللّيل والنهار فيدخل بعد الزوال وصلاة الظهر والعصر جمع تقديم ولا يخرج منها قبل المغرب، ويصح وقوف الحائض والجنب.
والأفضل للرجال أن يقفـوا في موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الصخرات الكبار المفترشة أسفل جبل الرحمة، وللنساء الأطراف حتى لا يزاحمن الرجال.
ويسن كون كل متطهرًا خاشعًا فارغ القلب مستقبلًا القبلة مكثرًا من التهليل والتسبيح والتكبير والصلاة على النبي والاستغفار والدعاء والتلاوة ولا سيما سورة الحشر، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير، ويفتتح دعاءه بالحمد والتمجيد لله تعالى والتسبيح والصلاة والسلام على النبي ويختمه بمثل ذلك.
مبيت مزدلفة ورمي جمرة العقبة
مبيت مزدلفة ورمي جمرة العقبة: وبعد عرفات يرحل إلى مزدلفة ملبيًا ويلتقط الحصيات بالليل استحبابًا.
(من أراد أن يبيت ليلة الثالث من أيام التشريق في منى يلتقط سبعين حصاة ومن أراد الخروج منها قبل غروب شمس اليوم الثاني يلتقط تسعًا وأربعين).
ويقف مستقبلا القبلة فيدعو ويكثر من قول:
“اللَّهمّ ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”. ويبيت الحجاج في مزدلفة، ثم يخرجون منها فجر يوم العيد إلى منى لرمي جمرة العقبة (وهي الجمرة الكبرى) بسبع حصيات، ويشترط أن يرميها حصاة حصاة بيده في الحوض المخصص لها، ويسن أن يكبر عند الرجم.
ويدخل وقت هذا الرمي بمنتصف ليلة العيد، ثم ينحرون الهدي في منى بعد الرمي يوم العيد.
الحلق أو التقصير
الحلق أو التقصير: بعد ذلك يحلق الرجل أو يقصر، وإن شاء قدم هذا الركن على الرمي، ووقت إجراء الحلق أو التقصير من النصف الثاني من ليلة العيد، وقبل ذلك حرام أن يزيل الحاج والحاجة شعرة واحدة من بدنهما.
وأقل واجب الحلق ثلاث شعرات حلقًا أو تقصيرًا من شعر الرأس، ومن لا شعر على رأسه يستحب أن يمر الموسى عليه.
والحلق للرجل أفضل من التقصير بالمقصّ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“اللَّهمّ اغفر للمحلقين قالوا: والمقصرين يا رسول الله، قال: اللَّهمّ اغفر للمحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله، ثم قال: وللمقصرين”. رواه البخاري.
والسنة أن يكون الحلق أو التقصير يوم النحر، والأفضل بعد طلوع الشمس وقبل طواف الركن والسعي، ويسن حلق جميعه للذكر، وأما المرأة فتقصر، ويستحب من جميع جوانب رأسها.
طواف الإفاضة
طواف الإفاضة: ولا يصح طواف الركن هذا إلا بعد نصف ليلة العيد قبل رمي جمرة العقبة أو بعده وقبل الحلق أو بعده، والأحسن أن يكون بعد الرمي والحلق أو التقصير، ويشترط له الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس ومن الحدث الأصغر ومن النجاسة التي لا يعفى عنها، وستر العورة.
والمرأة الحائض تؤخر هذا الطواف إلى وقت النقاء من الحيض والاغتسال منه ولا يجوز لها تركه.
والطواف بالبيت سبع مرات يبدأ الحاج بالحجر الأسود وتكون الكعبة عن يسار الطائف في جميع طوافه، فلو تحول صدره بحيث صارت مواجهة له أو خلفه بسبب الزحمة وجب عليه أن يعود إلى المكان الذي تحول صدره عنده ويتم طوافه، وإن لم يستطع الرجوع أتى بشوط بدله، ولو تلفّت برأسه لم يضرّ، ولو شك في العدد أخذ بالأقل كالصلاة. ويسن في الطواف المشي وإن كان الركوب جائزًا.
وتسن الأذكار المأثورة عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن المأثور: “اللَّهمّ ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار” فقد ثبت أنه كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعو فيما بين طوفاته بما أحب من دين ودنيا لنفسه ولمن أحب وللمسلمين عامّة، ومن شغل وقت طوافه بقراءة القرءان كان حسنًا.
ويسن للرجال الرمل أي الإسراع مع تقارب الخطى في الأشواط الثلاثة الأول، والاضطباع وهو أن يخرج أحد جانبي ردائه من تحت إبطه الأيمن ويلقيه على الكتف الأيسر.
والنساء يمشين كالعادة في جميع الطواف ويسن لهن أن يلبسن فوق ثيابهن الجلباب.
ويسن صلاة ركعتين بعد الطواف.
السعي بين الصفا والمروة
السعي بين الصفا والمروة: لا يصح السعي إلا بعد طواف، فمن شاء سعى بنية الفرض بعد طواف القدوم، ومن لم يطف طواف القدوم انتظر فسعى بعد أن يطوف طواف الإفاضة سبع مرات. ويبدأ بالصفا ويختم بالمروة والذهاب يُعد مرة والرجوع مرة، ويصح السعي من الحائض والجنب. ويقول في سعيه ومشيه بين الصفا والمروة: “ربِّ اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، اللهم ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”، ويقرأ القرءان.
مبيتُ منى ورمي الجمرات أيّام التشريق
مبيتُ منى ورمي الجمرات أيّام التشريق: ثمَّ يذهب الحاج إلى منى ليلة أول يوم من أيام التشريق ويبيت فيها وبعد دخول الظهر من أول أيام التشريق يرمي الجمرات الثلاث. ويبدأ بالجمرة الصغرى وهي التي تلي مسجد الخيف فيرميها بسبع حصيات ثمّ يرمي الوسطى بسبع ثمّ يرمي الجمرة الكبرى وهي جمرة العقبة بسبع أيضًا، ويشترط أن يرميها حصاةً حصاةً في الحوض المخصص لها، ويستحب التكبير مع الرمي. وفي الثاني من أيام التشريق يفعل مثلما فعل في اليوم الأول، ثم إذا غربت عليه شمس ثاني أيام التشريق وهو بمنى وجب عليه رمي اليوم الثالث، ومن خاف على نفسه من الزحمة فله أن يؤخر كل الرمي إلى اليوم الثالث من أيام التشريق إن شاء، ولا يوكل بالرمي إلا إذا كان عاجزًا عن الرمي بنفسه إلى نهاية اليوم الثالث من أيام التشريق.
أعمال العمرة
أعمال العمرة: العمرة فرض على قول مرة واحدة في العمر ولكن يستحب الإكثار منها ولا سيما في رمضان. (حديث: “من اعتمر في رمضان فكأنما حج معي” رواه ابو داود).
ومن حج فأراد أن يعتمر يخرج إلى خارج الحرم كمنطقة التنعيم حيث مسجد السيدة عائشة وينوي العمرة بقلبه، فيقول: “نويت العمرة وأحرمت بها لله تعالى”، ثم يدخل مكة فيطوف سبعًا ويسعى بعده سبعًا ثم يحلق الرجل أو يقصر والمرأة تقصر والترتيب هنا في جميع أركان العمرة واجب أي يبتدىء بالإحرام ثم الطواف ثم السعي ثمّ الحلق أو التقصير.
وبهذا انتهى جميع أعمال العمرة.
ما يحرم على المحرم بالحج أو بالعمرة
ما يحرم على المحرم بالحج أو بالعمرة: يحرم على المحرم ستر رأسه ولبس محيط كالسروال والقميص. ويحرم على المحرمة ستر وجهها وقفاز. ويحرم عليهما بعد الإحرام التطيب في ملبوس أو بدن ودهن الرأس أو اللحية بالزيت أو غيره من الأدهان ولو غير مطيب، ويحرم عليهما قصّ ظفر، ويحرم إزالة شعر من الرأس وغيره.
ويجوز للمحرم أن يغسل رأسه بالصابون غير المطيب، ويحرم عليهما جماع ومقدماته، وكذلك يحرم عقد النكاح ولا يصحّ، ويحرم على المحرم الاصطياد أي التعرض لصيد مأكول بريّ وحشي سواء كان طيرًا أو غيره، ويحرم صيد الحرمين (حرمي مكة والمدينة) وقطع نباتهما على محرم وحلال.
فمن فعل شيئًا من هذه المحرمات فعليه الإثم والفدية إلا عقد النكاح.
والفدية في الطيب والدهن ولبس المحيط وإزالة الشعر والظفر ومقدمات الجماع (وقبل التحلل الأول) شاة أو التصدق بثلاثة اصع لستة مساكين أو صوم ثلاثة أيام.
(التحلل الأول يكون بفعل اثنين من: طواف الإفاضة، والحلق أو التقصير، ورمي جمرة العقبة والتحلل الثاني يكون بإتمام الثلاثة).
والجماع قبل التحلل الأول يفسد الحج، ويلزم إتمامه والقضاء فورًا (أي في السنة القابلة) هذا إن كان عامدًا غير ناس ولا جاهل لكونه بعيدًا عن العلماء وتلزمه الكفارة، وهي: بدنة فإن لم يجد فبقرة فسبع من الشياه فإن لم يستطع قوّم البدنة واشترى بقيمتها طعامًا وتصدق به فإن لم يستطع صام عن كل مد يومًا.
ومن ترك الإحرام من الميقات أو رمي الجمرات الثلاث فعليه ذبح شاة فإن عجز صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
طواف الوداع
طواف الوداع: ثم بعد انتهاء الحاج أو المعتمر من مناسكه يجب على قول في المذهب أن يطوف طواف الوداع.
الرجوع من سفر الحج
الرجوع من سفر الحج: ويسن أن يقول في رجوعه من سفر الحج: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير، ءايبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق وعده، ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده.”
فصلٌ في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
روى البزار والدارقطني بإسنادهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من زار قبري وجبت له شفاعتي”.
تسن زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم بإجماع أئمة الاجتهاد الأربعة وغيرهم لأهل المدينة ولأهل الآفاق القاصدين بسفرهم زيارة قبره الشريف وهي من القرب العظيمة.
ويستحب للزائر أن ينوي مع زيارته صلى الله عليه وسلم التقرب إلى الله تعالى بالمسافرة إلى مسجده صلى الله عليه وسلم والصلاة فيه، ويسأل الله تعالى أن ينفعه بزيارته وأن يتقبلها منه، ويستحضر في قلبه شرف المدينة وأنها أفضل البلاد بعد مكة، ويستحب أن يغتسل قبل دخوله ويلبس أنظف ثيابه. فإذا وصل مسجده صلى الله عليه وسلم يقول عند دخوله:
“بسم الله والحمد لله اللَّهمّ صل على محمد وعلى ءاله وسلم اللَّهمّ اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك”.
ويقدم رجله اليمنى في الدخول واليسرى في الخروج قاصدًا الروضة الكريمة، فيصلي تحية المسجد بجنب المنبر، ثم يأتي القبر الكريم فيستدبر القبلة ويستقبل جدار القبر متنحيًا نحو أربعة أذرع، ويقف غاض الطرف فارغ القلب من علائق الدنيا، ممتلىء القلب بالإجلال لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول بصوت متوسط: “السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله السلام عليك يا خيرة الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا صفوة الله، السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين، السلام عليك يا خير الخلق أجمعين، السلام عليك يا قائد الغر المحجلين، السلام عليك وعلى ءالك وأهل بيتك وأزواجك وأصحابك الطيبين الطاهرين، السلام عليك وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، جزاك الله يا رسول الله عنا أفضل ما جزى نبيًا ورسولاً عن أمته، صلَّى الله عليك كلما ذكرك ذاكر وغفل عن ذكرك غافل أفضل وأكمل وأطيب ما صلَّى على أحد من الخلق أجمعين.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك عبده ورسوله وخيرتُه من خلقه وأشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده.
اللَّهمّ وءاته الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته وءاته نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون، اللَّهم صلّ على محمّد عبدك ورسولك النبي الأمّي وعلى ءال محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم وبارك على محمّد النبي الأمّي وعلى ءال محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى ءال إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد”.
ومن عجز عن حفظ ذلك أو ضاق وقته اقتصر على بعضه وأقله: “السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم” ثم يتنحى إلى اليمين مقدار ذراع فيسلم على الصديق قائلاً: “السلام عليك يا أبا بكر صفي رسول الله وثانيه في الغار جزاك الله عن أمة نبيه صلى الله عليه وسلم خيرًا” ثم يتنحى إلى اليمين مقدار ذراع فيسلم على الفاروق قائلاً: “السلام عليك يا عمر أعزَّ الله بك الإسلام، جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرًا”. ثم يعود إلى موقفه الأول فيتوسل بالمصطفى ويتشفع به إلى ربه ثم يستقبل ويدعو لنفسه ولمن شاء، وإن أوصاه أحد بالسلام فليقل السلام عليك يا رسول الله من فلان، أو ليقل فلان يسلم عليك يا رسول الله.
ملاحظة: ينبغي أن لا يُغتر بكثير من العوام في مخالفتهم ذلك فإن الاقتداء والعمل إنما يكون بأقوال العلماء ولا يلتفت إلى محدثات العوام وجهالاتهم، قال الفضيل بن عياض: “اتَّبِعْ طرقَ الهدى ولا يضرك قلةُ السالكينَ، وإياَك وطرقِ الضلالةِ ولا تَغْتَرَّ بكثرةِ الهالكين”.