قال الله تبارك وتعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا (54)} [سورة مريم].
نسبُه
هو إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن عليهما الصلاة والسلام، وهو ابن هاجر المصرية التي وهبتها سارة زوجةُ إبراهيم إلى زوجها إبراهيم، وهو جدُّ الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إذ إنّ الرسول عليه السلام يعودُ نسبه إلى إسماعيل بن إبراهيم.
بعثته عليه السلام
أرسلَ الله تعالى إسماعيل عليه السلام إلى القبائل العربية التي عاش في وسطها وإلى العماليق وأهل اليمن، فدعاهم إلى الإسلام وعبادة الله وحده، قال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّنَ مِنم بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَقَ} [سورة النساء]، وهذا مما يدل على أن دين الأنبياء كلِّهم واحد وهو الإسلام.
وقد أَثنى الله عليه ووصفه بالحلم والصبر وصِدق الوعد والمحافظة على الصلاة مع دعوته عليه السلام إلى عبادة الخالق وحده وهو الله سبحانه وتعالى، قال الله تبارك وتعالى في حق نبيه إسماعيل عليه السلام: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)} [سورة مريم].
البُشرى بإسماعيل عليه السلام
قال الله تبارك وتعالى حكاية عن نبيه إبراهيم عليه السلام: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)} [سورة الصافات].
لقد بَشّر الله تبارك وتعالى خليله إبراهيم عليه السلام بغلام حليم وهو إسماعيل عليه السلام، وقد رزق به وله من العمر سبع وثمانون سنة، ولمّا شبّ إسماعيل وصار يسعى في مصالحه كأبيه، رأى إبراهيمُ عليه السلام في المنام أنه يذبح ولده إسماعيل، ورُؤيا الأنبياء وحي، ومن خصائص الأنبياء أن قلوبهم لا تنام إنما تنام أعينهم، فأخبر إبراهيم ولده إسماعيل بهذه الرؤيا فكان موقفَ إسماعيل الصبر والثبات، وأظهر لأبيه التسليم لأمر الله وأنه سيكون عَوْنًا له على طاعة الله، فكان له الدرجات العلى عند الله.
نشْأةُ إسماعيل وما كان من قصته مع أبيه إبراهيم
لما شب إسماعيل عليه السلام في تلك البقعة المباركة من مكة المكرمة وترعرع في قبيلة جرهم وتعلم منهم اللغة العربية وأساليبَها، ولما رأوا عظيمَ سيرته وخلقه زوّجوه من فتاة عربية من قبيلتهم قيل: هي عمارة بنت سعد.
ثم ماتت أمه هاجر عليها السلام في مكة، وجاء إبراهيم عليه السلام مرة إلى مكة من فلسطين يريد أن يتفقد إسماعيل فلم يجد إسماعيلَ عليه السلام فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم، فقالت: نحن في ضيق وشدة، وشكت إليه، فقال لها إبراهيم: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له: يغير عتبة بابه، فلمّا جاء إسماعيل عليه السلام كأنه ءانس شيئًا فقال لزوجته: هل جاءكم من أحد؟ فقالت: نعم جاءنا شيخ كذا وكذا وذكرت له صفته، فسألني عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا؟ فأخبرته أنّا في جَهد وشدة، فقال لها إسماعيل: هل أوصاك بشىء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول لك: غيّر عتبة بابك، فقال عندئذ إسماعيل لزوجته: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك، فطلقها عليه السلام وتزوج من قبيلة جرهم امرأة أخرى قيل: هي السيدة بنت مُضاض الجرهمي، وغاب عنهم نبي الله إبراهيم عليه السلام ما شاء الله، ثم أتاهم بعد مدة فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه، فقالت له: خرج يبتغي لنا (أي في أمور المعيشة) قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله عز وجل فقال لها: وما طعامكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابكم؟ قالت: الماء، فدعا عليه الصلاة والسلام وقال في دعائه: اللهم بارك لهم في اللحم والماء، ثم قال لها عليه السلام: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومُريه يثبّت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنّا بخير، فقال لها إسماعيل: أفأوصاك بشىء؟
قالت: نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تُثْبِت عتبة بابك، فقال لها عند ذلك إسماعيلُ عليه السلام: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك، ثم غاب إبراهيم عليه السلام عنهما فترة ثم عاد إلى مكة المكرمة ورأى ابنه إسماعيل يبري نَبْلاً له تحت دوحة قرب ماء زمزم، فلما رءاه إسماعيل قام إليه يشده الحنان والشوق إلى أبيه إبراهيم، وصنعا ما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد، ثم قال إبراهيم لولده إسماعيل: إن الله أمرني بأمر، فأخبره بأن الله أمره أن يبنيَ بيتًا وهو المسجد الحرام الكعبة، ودله على المكان فعند ذلك تعاون إبراهيم مع ولده إسماعيل على بناء الكعبة ورفعا القواعد من البيت، وجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم عليه الصلاة والسلام يبني قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)} [سورة البقرة].
شىءٌ من سيرته
ذُكر من سيرته أنه أول من ركب الخيل وكانت قبل ذلك وحوشًا فآنسها وركبها ودعا لها بدعوته التي كان أعطي فأجابتْه، وكان إسماعيل عليه السلام قد تكلم بالعربية الفصيحة البليغة التي تعلمها من قبيلة جرهم الذين نزلوا عندهم بمكة بسبب ماء زمزم الطيب المبارك.
أولاده
وُلد لإسماعيل عليه السلام من زوجته الثانية وهي السيدة بنت مُضاض الجُرهمي اثنا عشر ولدًا ذكرًا، وعرب الحجاز كلهم ينتسبون إليه.
وفاته
مَاتَ عليه الصلاة والسلام في مكة المكرمة بعد أن أدى رسالة ربه وبلّغ ما أمره الله بتبليغه، ودعا إلى دين الإسلام وإلى عبادة الله الملك الديان، ودُفن عليه السلام قرب أمه هاجر في الحجر، وقيل: كان عمره يوم مات مائة وسبعًا وثلاثين سنة صلوات الله وسلامه عليه. وقد مضى ذِكر شىء من أخباره في قصة أبيه إبراهيم عليه السلام.