يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿وأمُر أهلَكَ بالصلاةِ واصطبر عليها لا نسأَلُك رِزْقاً نحن نرزُقُك والعاقبة للتقوى﴾ وقال تعالى: ﴿يا أيها الذينَ ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناسُ والحجارةُ عليها ملائكة غلاظٌ شداد لا يعصونَ اللهَ ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾.
ويقول النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم: “كُلّكم راع وكلّكم مسئولٌ عن رعيّته، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته والرجلُ راعٍ في أهله ومسئول عن رعيته والمرأة راعيةٌ في بيتِ زوجها ومسئولةٌ عن رعيتها والخادمُ راعٍ في مالِ سيده ومسئول عن رعيته فكلكم راعٍ ومسئول عن رعيته”. متفق عليه
لقد جعلَ اللهُ سبحانه وتعالى الناسَ شعوباً وقبائل شتى متعددة الأعراق والألوان واللغات متنوعة المبادىء والمناهج والمفاهيم ولكنه سبحانه شرع لهم شرائع فيها فلاحُهُم في الدنيا والآخرة وأمرهم باتباعها على لسان الأنبياء والمرسلين وجعلَ شريعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ءاخر الشرائع وأيسرها وأوجب علينا العمل بها دون غيرها.
إخوة الإيمان، إنَّ صلاح المجتمع يكونُ بصلاحِ أفراده، ومن هم أفراده؟ أفرادُه هم كلُّ واحدٍ منا الآباءُ والأمّهاتُ وأولادهم فإذا صَلَحَ الوالدان كان ذلك من الأسباب القوية في صلاح الأبناء وإذا صلحَ المعلمُ كان ذلك من الأسبابِ القوية في صلاح التلميذ. يقول مفتي بيروت الأسبق الشيخ مصطفى نجا رحمه الله: “والولدُ قبلَ البلوغ يكونُ على الفطرة وقلبه يكونُ خالياً من الشواغل، فمهما شَغَلَتْه به يتمكن منه ولا يعود فيه بعد ذلك متسع لقبول غيره كالإناء إذا مُلِىء بشىء لا يعود لشىءٍ ءاخر محل فيه، وهو كالمرءاةِ تتراءى فيها صورةُ معلِمه ومربّيه فإن كان معلمُه من أهلِ الدين والاستقامةِ نشأ تقياً مستقيماً ولا يفوته نصيبُه من الدنيا، فإن الدينَ كما يأمر بالصلاة والصيامِ وغيرها من العباداتِ، فهو يحثّ على التجارة والصناعة والزراعة مما فيه خيرٌ للعبادِ ومعاطاة أسبابِ البيعِ والشراء، وإن كان معلِمُه بعكس ما وصفناهُ نشأ فاسداً وأفسدَ أمْرَ دِينه ودنياُه وكان بليّةً على نفسه وقومه”.
إخوة الإيمان، إنَّ التنبيهَ والتأكيدَ على أهميةِ دور الأهل أي الآباء والأمهات في تربيةِ أبنائهم التربية الإسلامية القويمة أمرٌ مهم لإعداد الأولاد ليكونوا أفراداً صالحين في مجتمعٍ سليم. فانظروا يا عباد الله إلى معنى حديثِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم: “مُروا أولادكم بالصلاةِ وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع” رواه أبو داود ففي هذا الحديث إشارة الى كيفية تربية الأبناء والى أهمية دورِ الأهلِ في تربيتهم وتعليمهم.
وإنَّ من الواجبِ على الأبوين نحو أولادهما تعليم الصبي والصبية المميزين ما يجب عليهما بعد البلوغ أي من أمور الدين الضرورية وهو ما كان من أصول العقيدة من وجود الله ووحدانيته وقدمه وبقائه وقيامه بنفسه ومخالفته للحوادث في الذات والصفات والأفعال أي أنه لا يشبه الضوءَ ولا الظلامَ ولا الإنسان ولا النباتَ ولا الجمادات من الكواكب وغيرها وأنَّ لله قدرةً وإرادةً وسمعاً وبصراً وعلماً وحياةً وكلاماً. وأنَّ محمداً عبدُ الله ورسوله وأنّه خاتمُ الأنبياء وأنّه عربي وأنه وُلِدَ بمكة وهاجر الى المدينة وأن للهِ ملائكةً وإنه أرسلَ أنبياء أولهم ءادم وأنه أنزل كتباً مع الأنبياء وأنه سيُفني الجنَّ والإنسَ ثم يعادون الى الحياة وأنهم يُجازَون بعد ذلكَ على حسناتهم بالنعميم المقيم وعلى سيئاتهم بالعذاب الأليم، وأنَّ الله أعدَّ للمؤمنين داراً يتنعمونَ فيها تُسمَّى الجنّة وللكافرينَ داراً تسمى جهنم، وتعليمهما ما أشبه ذلك. وكذلك تعليمُهما حرمة السرقة والكذب والزنى والغيبة والنميمة وضرب المسلم ظلماً ونحوُ ذلك من الأمور الظاهرة. وكذلك مما يجب تعليمه للأولاد مشروعية السّواكِ والجماعة فالسّواكُ سنة وصلاة الجماعة فرضُ كفاية.
إنَّ من يتركُ أولادَهُ من غيرِ علمٍ يُصبِح ولدُه تائهاً ضائعاً يميل مع كلّ ريحٍ ويتبع كلّ ناعقٍ وكثيراً ما يصبح هؤلاء الأولاد من أشد الناسِ عقوقاً لآبائهم وأمهاتهم.
أيها الأحبة المؤمنون، إنَّ ممّا يساعدُ على تربية الأولاد التربيةَ الحسنةَ اختيارَ الصاحبِ الحسن لهم وإبعادَهم عن صحبةِ السوء، فقد قال عليه الصلاة والسلام :”المرءُ على دينِ خليله فلينظر أحدُكم من يخالِل”. رواه ابو داود. معناه انتقوا من تتّخذونه صاحباً فمن كان ينفعُكم في دينِكم فصاحبوهُ ومن كان يضرّكم في دينِكم فابتعدوا عنه وتجنبوه.
إنَّ الصاحب الصالحَ نعمة عظيمة فهو يدلّكَ على الخيرِ وينهاك عن المنكر ولا يطمع بمالك أو جاهك وهو يساعدك على مكارمِ الأخلاق. يعَلّم لك ولدك أن يكفّ أذاه عن الناس وأن يتحمّل أذى الناس وأن يعمل المعروفَ مع الذي يُحسِنُ إليه ومع الذي يُسيءُ إليه.
إخوة الإيمان، اشغلوا أولادكم بالنّافعِ المفيد حتى لا يشتغلوا بغيره فإنَّ الفراغ من لم يشغله يما يعنيه شَغَلهُ الفراغ بما لا يعنيه. واعلموا يا عباد الله أنَّ من الناسِ من يجدُ يومَ القيامةِ ثواباً كثيراً لا يدري من أين جاءَه فيُقال له هذا من استغفار ولدك لك من بعدك، وهذا نعمةً عظيمة منَّ اللهُ بها على عباده فقد جاءَ في الحديث الشريف :”إذا ماتَ ابنُ ءادمَ انقطَعَ عملُه إلا من ثلاث: صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ يُنتَفع به أو ولدٍ صالح يدعو له”. رواه ابن حبان
