معنى الشهادة الثانية
قال المؤلف رحمه الله (ومعنى أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله أعلمُ وأعتقدُ وأعترفُ أنَّ محمدَ بنَ عبدِ الله بنِ عبد المطلبِ بن هاشمِ بنِ عبدِ منافٍ القرشيَّ صلى الله عليه وسلم عبدُ الله ورسولُهُ إلى جميع الخلق ويتبعُ ذلك اعتقادُ أَنَّه وُلِدَ بمكّةَ وبُعثَ بها وهاجرَ إلى المدينةِ ودفنَ فيها ويتضمّنُ ذلك أَنَّه صادقٌ في جميعِ ما أخبَرَ بهِ وبلَّغَهُ عن الله فمن ذلك عذابُ القبرِ ونعيمُهُ وسؤالُ الملكين منكرٍ ونكيرٍ والبعثُ والحشرُ والقيامةُ والحسابُ والثوابُ والعذابُ والميزانُ والنارُ والصِّراطُ والحوضُ والشفاعةُ والجنّةُ والرؤيةُ لله تعالى بالعين في الآخرة بِلا كيفٍ ولا مكانٍ ولا جهةٍ [أي] لا كما يُرى المخلوق والخلودُ فيهما. والإيمانُ بملائكةِ الله ورسلِهِ وَكُتُبِهِ وبالقدرِ خيرِهِ وشرِّهِ وأَنَّه صلى الله عليه وسلم خاتمُ النبيّين وسيدُ ولد ءادمَ أجمعينَ.)
الشرح معنى أشهد أنَّ محمّدًا رسول الله أعلم وأعتقد وأصدِّق وأؤمن وأعترف بأنّ نبيّنا محمَّد1 بنَ عبدِ الله بنِ عبد المطلبِ عبدُ الله ورسوله إلى كافة الخلق والمُراد بالخلق هنا الإِنس والجنّ قال تعالى ﴿ليكونَ للعالمين نذيرًا﴾2 3إذْ هذا الإنذار للإنس والجنّ فقط لا دخول للملائكة فيه4 لأنهم مجبولون على طاعة الله أي لا يختارونَ إلا الطاعة بمشيئة الله فلا يحتاجون إلى إنذارٍ وأمّا مَن قَبْلَهُ من الأنبياء فلم يكن مرسلاً إلى الإنس والجن كافّة5 فالإيمان برسالة سيِّدنا محمّد صلى الله عليه وسلم هو أصل معنى الشهادة الثانية لكنها تتضمّن مسائل كثيرة وتتبعها أحكامٌ عديدة منها
كونُه من قريشٍ وهم أشرف قبائل العرب لهم الصدارة بين العرب6.
ووجوب معرفة أنّه صلى الله عليه وسلم وُلِد بمكّة وبُعث أي نزل عليه الوحيُ بالنّبوة وهو بها أي مستوطن بها ثم هاجر إلى المدينة وأنّه مات في المدينة فدُفِنَ فيها.
* وأنّه صادقٌ في كل ما أخبر بهِ عن الله تعالى ولا يخطئ في ذلك سَواء كان مِن أخبارِ مَنْ قبلَه مِن الأمم والأنبياء وبَدءِ الخلق أو من التحليل أو التحريم لبعض أفعال وأقوال العباد أو مما أخبر به مما يحدث في المستقبل في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة وذلك لقول الله تعالى ﴿وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحيٌ يوحى﴾7 فمن اعتقد أنه يخطئ في ذلك فقد كذب الدين8. أما ما يُخبر به من أمور الدنيا بغير وحي فيجوز عليه الخطأ فيه9.
————-
1- ونسبه إلى عدنان محمدُ بنُ عبد الله بنِ عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
2- [سورة الفرقان/ الآية١].
3- قال النسفي في تفسيره أي للجن والإنس اﻫ
4- كما ذكر البيهقي في شعب الإيمان.
5- ويدل لذلك ما رواه البخاري في صحيحه باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا» أنه صلى الله عليه وسلم قال «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة» أي كان النبي يُسَمَّى له قومه خاصة وسُمِّي لي الناس كافة، وليس معناه أن الأنبياء السابقين كانوا لا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر إلا من كان من أممهم.
6- كما يفهم من حديث ابن حبان وغيره «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشًا من كنانة واصطفى بني هاشم من قريش واصطفاني من بني هاشم»، ذكره في باب بدء الخلق.
7- [سورة النجم/ الآية ٤].
8- والعجب من بعض أدعياء العلم في هذا العصر ممن يدعي الاجتهاد ويقول “أنا أخطئ في اجتهادي وأصيب ورسول الله مثلي يخطئ في مسائل الشريعة ويصيب” فسوّى نفسه برسول الله وكذّب حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الطبراني في المعجم الكبير عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما رَفَعَهُ «ليس أحد إلا يؤخذ من قوله ويُدَع غير النبي» قال الهيثمي في مجمع الزوائد للهيثمي ورجاله موثوقون اﻫ وقد قال الزركشي في الرد على من جوّز الخطأ على النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الدين بشرط عدم الإقرار “أليس يصدق صدور الخطإ المضاد لمنصب النبوة ويلزمك محال من الهذيان وهو أن يكون بعض المجتهدين في حال إصابته أكمل من المصطفى صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة معاذ الله” اﻫ
9- روى مسلم في صحيحه: في كتاب الفضائل: باب وجوب امتثال ما قاله صلى الله عليه وسلم شرعًا دون ما ذكره صلى الله عليه وسلم من معايش الدنيا على سبيل الرأي عن رافع بن خديج قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يؤبرون النخل يقولون يلقحون فقال «ما تصنعون» قالوا نصنعه «قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرًا» فتركوه فنفضت أو فنقصت قال فذكروا ذلك له فقال «إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشىء من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشىء من رأي فإنما أنا بشر».
عذاب القبر ونعيمه وسؤال
الملكين منكر ونكير
ويدخل فيما يجب تصديقه به جزمًا عذاب القبر وهو بالروح والجسد ومنه عرضُ النار على الكافر كلَّ يوم مرتين مرةً أوّل النهار ومرةً ءاخرَ النهار يتعذَّب بنظره ورؤيتهِ لمقعدِه الذي يقعده في الآخرة1 وتضييقُ القبر عليه حتى تختلفَ أضلاعُه2 فالأضلاع التي في إحدى الجهتين تدخل في الأضلاع التي في الجهةِ الأُخرى. وبعض الناس تُسَلَّطُ عليهم الثعابين وبعض الناس يأتيهم ريح جهنم إلى القبر. وكذلك من عذاب القبر الانزعاجُ من ظلمة القبر ووحشته وضَرْبُ منكرٍ ونكير للكافر بمطرقة بين أذنيه3 ويشمل ذلك ما يحصل لبعض عُصاة المسلمين الذين ماتوا بلا توبة لا لجميعهم ممَّا هو دون ما يحصل للكافر كضغطة القبر حتى تختلف أضلاعه فهذه الضغطة تحصل لبعض عصاة المسلمين4 أما الأتقياء والشهداء والأطفال فلا تحصل لهم، ولم يصحَّ حديث “لو نجا منها أحد لنجا سعد” كما حكم بضعفه الحافظ ابن الجوزي5 6.
والإيمانُ بنعيم القبر فإِنَّه صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك أيضًا ومنه توسيع القبر سبعين ذراعًا في سبعين ذراعًا على المؤمن التَّقيّ ومَن شاء الله له من غير الأتقياء كبعض الشهداء ممَّن استُشهدوا ولم يكونوا أتقياءَ. وبعضُ الناس يتسع قبرهم مَدَّ البصر. ومنه تنويرُه بنورٍ يشبه نورَ القمرِ ليلةَ البدر وغيرُ ذلك كشمّ رائحة الجنّة7.
والإيمانُ بسؤال الملكين منكرٍ ونكير8 وهو يحصل للمؤمن والكافر من هذه الأمة9 أي الذين أُرسل إليهم محمّد صلى الله عليه وسلم ويقال لهم أمّة الدعوة أما الذين ءامنوا منهم يُقال لهم أمّة الإجابة10. ثمَّ المؤمن الكامل لا يلحقه فزعٌ ولا انزعاجٌ من سؤالهما لأنَّ الله يُثَبِّتُ قلبَهُ فلا يرتاع من منظرهما المخيفِ لأنهما كما جاء في الحديث أسودان أزرقان11 بل يفرح المؤمن برؤيتهما وسؤالهما. ويُستثنى من هذا السؤال النبي والطفل وشهيد المعركة12. والمُراد بالطفل من مات دون البلوغ.
————-
1- وقد قال تعالى ﴿النار يعرضون عليها غدوًّا وعشيًّا ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب﴾ [سورة غافر/ الآية ٤٦].
2- كما في حديث ابن حبان انظر الإحسان، باب ذكر الإخبار عن اسم الملكين اللذين يسألان الناس في قبورهم «ثم يقال للأرض التئمي فتلتئم عليه حتى تختلف أعضاؤه» اﻫ
3- كما ورد في حديث ابن حبان في ذكر الإخبار عما يعمل المسلم والكافر بعد إجابتهما منكرًا ونكيرًا عما يسألانه عنه.
4- قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر وضغطة القبر وعذابه حق كائن للكفار كلهم ولبعض عصاة المسلمين اﻫ
5- ذكره في الموضوعات في كتاب القبور في باب ما يروى عن ذلك في حق سعد بن معاذ فقال في رواية ولو كان أحد منها معافى عوفي منها سعد بن معاذ تفرد به محمد بن صالح قال ابن حبان يروي المناكير عن المشاهير لا يجوز الاحتجاج به. وقال في رواية ولو كان منفلتًا منها أحد لانفلت سعد بن معاذ هذا حديث لا يصح وءافته من القاسم قال أحمد بن حنبل هو منكر الحديث حدث عنه علي بن يزيد أعاجيب وما أراها إلا من القاسم. وقال ابن حبان انظر الإحسان كان يروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعضلات اﻫ
6- هو أبو الفرج عبد الرحمـٰن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي علامة عصره في التاريخ والحديث كثير التصانيف. ولد ببغداد سنة 508 ﻫ أو سنة 510 ﻫ ونسبته إلى مشرعة الجوز من محالها. حنبلي المذهب عُرف بالرد على المجسمة المنتسبين إلى المذهب الحنبلي وتبرئة المذهب من افتراءاتهم. كان ذا حظٍ عظيم وصيت بعيد في الوعظ يحضر مجالسه الملوك والوزراء وبعض الخلفاء والأئمة والكبراء. له نحو ثلاثمائة مصنف منها دفع شبه التشبيه بأكف التنـزيه والموضوعات وزاد المسير في علم التفسير ومناقب عمر بن عبد العزيز والمدهش في المواعظ وغرائب الاخبار والناسخ والمنسوخ وتلبيس إبليس. توفي ببغداد سنة 597 ﻫ
انظر تذكرة الحفاظ 1342 الوافي بالوفيات (18\186).
7- في صحيح ابن حبان(5\50) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن المؤمن في قبره لفي روضة خضراء ويرحب له قبره سبعون ذراعًا وينور له كالقمر ليلة البدر» اﻫ ذكره في ذكر الإخبار عن وصف التنين الذي يسلط على الكافر في قبره.
8- في صحيح ابن حبان(5\49) انظر الإحسان عن قتادة عن أنس بن مالك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال «إن العبد إذا وضع في قبره وتولوا عنه أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل في محمد فأما المؤمن فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله مقعدًا من الجنة قال قتادة وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعًا ويملأ عليه خضرًا إلى يوم يبعثون ثم رجع إلى حديث أنس ابن مالك قال وأما الكافر والمنافق فيقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطراق من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من عليها غير الثقلين» اﻫ ذكره في ذكر الإخبار عما يعمل المسلم والكافر بعد إجابتهما منكرًا ونكيرًا عما يسألانه عنه. قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر(170\171) وسؤال منكر ونكير حقٌّ كائن في القبر وإعادة الروح إلى جسد العبد في قبره حق اﻫ
9- قال السيوطي في شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور(ص\199\200) قال الحكيم الترمذي سؤال القبر خاص بهذه الأمة ثم قال ويدل للاختصاص قوله صل الله عليه وسلم إن هذه الأمة تبتلى في قبورها وقوله أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم وقوله فبي تفتنون وعني تسألون اﻫ
10- قال ابن حجر في الفتح قوله أمتي أي أمة الإجابة وهم المسلمون وقد تطلق أمة محمد ويراد بها أمة الدعوة اﻫ ذكره في شرح حديث «إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًّا محجلين من أثر الوضوء».
11- ورد ذلك في حديث ابن حبان(5\48) في باب المريض وما يتعلق به، ذكر الإخبار عن اسم الملكين اللذين يسألان الناس في قبورهم.
12- كما ذكر السيوطي في شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور(ص\208-209-210).
البعث
والإيمانُ بالبعث وهو خروج الموتى من القبور بعد إعادة الجسد الذي أكله التراب إن كان من الأجساد التي يأكلها التراب وهي أجسادُ غيرِ الأَنْبياءِ1 وشهداءِ المعركة2 وكذلك بعض الأَولياء لا يأكل الترابُ أجسادهم لما تواتر من مشاهدة ذلك.
————-
1- روى البيهقي في السنن الكبري(3\249) باب ما يؤمر به ليلة الجمعة ويومها حديث «إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء». ورواه في جزء حياة الأنبياء.
2- قال ابن حجر(8\553) وقال العلماء هذا أي بلى الأجساد عام يخص منه الأنبياء لأن الأرض لا تأكل أجسادهم وألحق ابن عبد البر بهم الشهداء اﻫ ذكره في الفتح في باب قوله ﴿ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله﴾.
الحشر
والإيمانُ بالحشر وهو أن يُجْمَعَ الناس ويُساقوا بعدَ البعث إلى المحشر وقد ورد أنه الشام1 ثم يُنقلونَ عند دك الأرض إلى ظلمةٍ عند الصراط2 ثم يعادون إلى الأرض المبدّلة3 فيكون الحساب عليها.
————-
1- قال ابن حجر في الفتح(11\380) فقد ورد في عدة أحاديث وقوعُ الحشر في الدنيا إلى جهة الشام اﻫ ذكره في باب في الحشر.
2- روى مسلم في صحيحه أن يهوديًّا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسمـٰوات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هم في الظلمة دون الجسر» اﻫ ذكره في كتاب الحيض باب بيان صفة مني الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائهما.
3- قال صلى الله عليه وسلم «يُحْشَرُ الناسُ يومَ القيامةِ على أرضٍ بيضاءَ عفراءَ كقُرصَةِ النقي ليسَ فيها عَلَمٌ لأحدٍ» اﻫ رواه مسلم كتاب صفة القيامة: باب في البعث والنشور وصفة الأرض يوم القيامة.
القيامة
والإيمانُ بالحشر وهو أن يُجْمَعَ الناس ويُساقوا بعدَ البعث إلى المحشر وقد ورد أنه الشام1 ثم يُنقلونَ عند دك الأرض إلى ظلمةٍ عند الصراط2 ثم يعادون إلى الأرض المبدّلة3 والإيمان بالقيامة وأوّلها من خروج النّاس من قبورهم إلى استقرار أهل الجنّةِ الجنّةَ وأهلِ النارِ النارَ وقد تُطلَق الآخرة على ذلك وعلى ما بعدَه إلى ما لا نهاية لَهُ.
والإيمان بالحسَاب وهو عرض أعمال العباد عليهم يعرض عليهم ما عملوا في الدنيا.
الثواب والعذاب
والإيمان بالثوابِ والعذابِ أَمَّا الثواب فهو الجزاء الذي يجازاه المؤمنُ في الآخرة على العمل الصالح ممَّا يسرُّهُ وأمَّا العذاب فهو ما يسوء العبدَ ذلك اليومَ من دخول النار وما دون ذلك من العقوبات على المعاصي.
الميزان
والإيمان بالميزان أي ما يوزن عليه أعمالُ العباد1 فالكافر ليسَ له حسناتٌ يوم القيامة2 إنَّما تُوضَع سيئاته في كفّة من الكفتين وأَمَّا المؤمن فتوضَع حسناته في كفّة وسيئاتُه في الكفّة الأخرى.
————-
1- قال أبو حنيفة في الوصية والميزان حق لقوله تعالى ﴿ونَضَعُ الموازينَ القِسْطَ ليوم القيامة﴾ اﻫ
2- روى ابن حبان (1\297-298) انظر الإحسان حديث «فأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا فإذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يعطى بها خيرًا» اﻫ رواه في باب ذكر البيان بأن الله جل وعلا قد يجازي المؤمن في الدنيا كما يجازي على سيئاته فيها.
النار
والإيمان بالنارِ أي جهنمَ أي بأنَّها مخلوقةٌ الآن ولا تزال باقيةً إلى ما لا نهاية له1، هذا مذهب أهل الحقّ وليس الأَمر كما يقول ابن تيمية2 إنَّها تفنى لا يبقى فيها أحدٌ. وقد قال قبل ذلك في كتابه “منهاج السُّنّة النبويّة” اتّفق المسلمون على بقاء الجنّة والنار وخالف في ذلك جَهْمُ بنُ صفوانَ3 فكفّره المسلمون اﻫ ثم قال بعد ذلك النار تفنى ولا يبقى فيها أحد فكما كَفَّر هو جهمًا لقوله بأن الجنةَ والنار تفنيان يُكفّر هو لقوله بفناء النار لأنه تكذيب للنص القرءاني4. وللإِمام السُّبكيّ ردٌّ على ابن تيمية سمَّاه “الاعتبار ببقاء الجنَّةِ والنَّار” وجهنم دار العذاب المقيم للكافرين لا يخرجون منها أبداً وأما بعض العصاة فيُعذبون فيها مدة ثم يُخْرَجُونَ منها وما يذكره بعض المنتسبين للتصوف من أن الكفار يتلذذون بالنار ولا يرضون الخروج منها فهو كفرٌ تكذيبٌ للنصوص.
————-
1- قال أبو حنيفة في الوصية والجنة والنار حق وهما مخلوقتان لأهلهما لقوله تعالى في حق المؤمنين ﴿أُعِدَّت للمتقين﴾ وفي حق الكفرة ﴿أعدت للكافرين﴾ خلقهما الله للثواب والعقاب اﻫ وقال في الفقه الأكبر(ص\165) والجنة والنار مخلوقتان اليوم لا تفنيان أبدًا اﻫ
2- هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقي. ولد بِحَرَّان سنة 661ﻫ ثم انتقل إلى دمشق. ظهرت منه بدع كثيرة حتى قال الحافظ أبو زرعة العراقي إنه خرق الإجماع في أكثر من ستين مسئلة بعضها في الأصول وبعضها في الفروع وقال فيه علمه أكبر من عقله اﻫ رد عليه علماء عصره وبدّعوه وألفوا في ذلك كالسبكي فإنه صنف شفاء السقام في زيارة خير الأنام والاعتبار ببقاء الجنة والنار في الرد عليه. استتيب عدة مرات وكان في كل مرة ينقض عهوده ومواثيقه حتى حبس بفتوى من قضاة المذاهب الأربعة سنة 726 ﻫ بالقلعة ومات فيها سنة 728 ﻫ. انظر الأجوبة المرضية على الأسئلة المكية للحافظ ولي الدين العراقي ونجم المهتدي ورجم المعتدي لابن المعلم القرشي.
3- جهم بن صفوان أبو محرز الراسبي السمرقندي أس الضلالة ورأس الجهمية. كان ينكر الصفات وينـزه الباري عنها بزعمه ويقول بخلق القرءان وأن الله تعالى في الأمكنة كلها. قتله سلم بن أحوز وكان قتله سنة مائة وثمان وعشرين ﻫ.
انظر لسان الميزان وسير اعلام النبلاء
4- قال الله تعالى ﴿إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرًا خالدين فيها أبدًا لا يجدون وليًّا ولا نصيرًا﴾ [سورة الأحزاب/آية ٦٤]. وقال التميمي في أصول الدين(ص\238) أجمع أهل السنة وكل من سلف من أخيار الأمة على دوام بقاء الجنة والنار وعلى دوام نعيم أهل الجنة ودوام عذاب الكفرة في النار وزعم قوم من الجهمية أن الجنة والنار تفنيان اﻫ
الصراط
والإيمان بالصراط وهو جسرٌ يُمدُّ على ظهر جهنَّم فَيَرِدُهُ الناسُ أحد طرفَيْهِ في الأرض المبدَّلة والطرف الآخَرُ فيما يَلي الجنّةَ بعدَ النارِ فيمرُّ الناسُ فيما يسامتُ الصِّراط فالمؤمنون في ذلك على قسمين قسمٌ لا يدوسون الصِّراط إِنَّما يمرّون في هوائه طائرين1 وهؤلاء يَصدُق عليهم أنّهم وردوها أي وردوا النار لأنه ليس من شرط الورود المذكور في القرءان بقوله تعالى ﴿وإن منكم إلا واردها﴾2 دخولُها3 وقسم يدوسونه ثم هؤلاء قسمٌ منهم يُوْقَعون في النار وقسمٌ يُنْجيهم اللهُ فيَخلُصونَ منها.
————-
1- في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال في وصف الصراط «دَحْضٌ مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم» اﻫ رواه في كتاب الإيمان: باب معرفة طريق الرؤية.
2- [سورة مريم/ الآية ٧١].
3- قال النووي في شرح مسلم(16\58) والصحيح أن المراد بالورود في الآية المرور على الصراط وهو جسر منصوب على جهنم فيقع فيها أهلها وينجو الآخرون ونقل الطبري في تفسيره(9\110) عن قتادة وغيره أن المراد بالورود في الآية المرور فعن قتادة قال وإن منكم إلا واردها يعني جهنم مر الناس عليها وعن عبد الله قال وإن منكم إلا واردها قال الصراط على جهنم مثل حد السيف فتمر الطبقة الأولى كالبرق والثانية كالريح والثالثة كأجود الخيل والرابعة كأجود البهائم اﻫ قال القرطبي في تفسيره(11\136) وقالت فرقة الورود الممر على الصراط وروي عن ابن عباس وابن مسعود وكعب الأحبار والسدي ورواه السدي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم وقاله الحسن أيضًا قال ليس الورود الدخول إنما تقول وردت البصرة ولم أدخلها قال فالورود أن يمروا على الصراط اﻫ
الحوض
والإيمانُ بالحوض وهو مكانٌ أَعَدَّ الله فيه شرابًا لأَهل الجنّة يشربونَ منه بعد عبور الصراط قبل دخول الجنّة1 فلا يصيبهم بعد ذلك ظمأٌ وإنما يشربون من شراب الجنّة تلذّذًا2.
————-
1- قال في شرح الفقه الأكبر(ص\164) على خلافٍ في أنه (أي الحوض) قبل الصراط أو بعده وهو الأقرب والأنسب اﻫ
2- قال صلى الله عليه وسلم «حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء من شرب منها فلا يظمأ أبدًا» اﻫ صحيح البخاري، كتاب الرقاق:بابٌ في الحوض.
الشفاعة
والإيمان بالشفاعة1 وهي تكون للمسلمين فقط2 فالأَنبياء يشفعون وكذلك العلماءُ العاملون وشهداءُ المعركة والملائكة3. والشفاعة هي طلب الخير من الغير للغير فالشفعاء في الآخرة يطلبون من الله إسقاط العقاب لبعض العصاة من المسلمين وذلك قد يكون قبل دخول النار وقد يكون بعده4.
————-
1- قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر(ص\159) وشفاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حق وشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم حق للمؤمنين المذنبين ولأهل الكبائر منهم المستوجبين العقاب حق ثابت اﻫ وقد روى الحاكم في المستدرك في كتاب الإيمان أنه صلى الله عليه وسلم قال «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» اﻫ
2- قال البيهقي في الاعتقاد أخبرنا يحيى بن إبراهيم أنا أبو الحسن الطرايفي ثنا عثمان بن سعيد ثنا عبد الله ابن الحاج عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول الله عز وجل ﴿ولا يشفعون إلا لمن ارتضى﴾ يقول الذين ارتضاهم بشهادة أن لا إله إلا الله اﻫ
3- قال في شرح الفقه الأكبر(ص\159-160) ومن الأدلة على تحقيق الشفاعة قوله تعالى ﴿واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات﴾ ومنه قوله سبحانه وتعالى ﴿فما تنفعهم شفاعة الشافعين﴾ إذ مفهومه أنها تنفع المؤمنين وكذا شفاعة الملائكة لقوله تعالى ﴿يوم يقوم الروحُ والملائكةُ صفًّا لا يتكلمون إلا من أَذِنَ له الرحمـٰنُ وقال صوابًا﴾ وكذا شفاعة العلماء والأولياء والشهداء اﻫ
4- روى البخاري في صحيحه كتاب التوحيد:باب قوله تعالى سورة ص قوله صلى الله عليه وسلم «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من إيمان» اﻫ رواه في باب زيادة الإيمان ونقصانه.
الجنة
والإيمان بالجنَّة وهي دار السلام أي دار النعيم المقيم الدائم والنعيمُ فيها قسمان نعيم لا ينالُه إلا الأتقياء1 ونعيم يناله كلُّ أهل الجنة ومن هذا النعيم العامّ أنَّ أهل الجنة كلَّهم شباب لا يهرمون أبدًا وكلهم أصحاء لا يسقمون أي لا يمرضون أبدًا وكلهم في سرور لا يصيبهم همٌّ وحزن ونكد وكرب وكلهم يبقون أحياءً في نعيم دائم لا يموتون أبدًا2.
————-
1- وفي الحديث القدسي «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» رواه البخاري كتاب بدء الخلق في باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة.
2- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ينادي مناد إنّ لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا وإنّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا وإنّ لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا وإنّ لكم أن تنعَموا فلا تبأسوا أبدًا فذلك قوله عز وجل ﴿ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون﴾» اﻫ رواه مسلم في صحيحه كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب دوام نعيم أهل الجنة.
رؤية المؤمنين لله تعالى في الآخرة
بلا كيف ولا مكان ولا جهة
والإيمان بالرؤية لله تعالى بالعين في الآخرة بأنّها حقٌّ وهذا خاصٌّ بالمؤمنين يرونه وهم في الجنّة بِلا كيفٍ ولا تشبيه ولا جهة كما نصَّ على ذلك الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه1 أي أنّه تعالى لا يكون في جهة ولا مكان إِنَّما هم في مكانهم في الجنّة يرونه رؤية لا يكون عليهم فيها اشتباه لا يشكّون هل الذي رأوه هو اللهُ أو غيرُه كما لا يشكّ مبصِرُ القمرِ ليلةَ البدرِ ليس دونه سحابٌ أَنَّ الذي رءاه هو القمر ففي ذلك قال الرَّسول صلى الله عليه وسلم «إِنَّكم سترون ربَّكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلةَ البدرِ لا تَضامُّون في رؤيته» رواه مسلم أي لا تتزاحمون في رؤيته وفي روايةٍ «لا تُضَامُونَ» أي لا يلحقكم ضررٌ2 شبَّه رُؤْيَتَنَا له من حيثُ عدمُ الشَّكِ برؤيةِ القمر ليلة البدر3 ولم يشبِّه الله تعالى بالقمر كما زَعَمَ بعض الجُهّال فإن الذي لم يتعلم التوحيد إذا سمع هذا الحديث قد يعتقد أن الله يشبه القمر ليلة البدر وقد صرَّحَ بعضُ العوامّ بذلك.
————-
1- قال في الفقه الأكبر والله تعالى يُرى في الآخرة ويراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بلا تشبيه ولا كيفية ولا كمية ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة اﻫ
2- قال النووي في شرح مسلم(3-17-18) عند قوله صلى الله عليه وسلم «هل تضارون في القمر ليلة البدر» وفي الرواية الأخرى «هل تضامون» قال ومعنى المشدَّد هل تضارون غيركم في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية أو غيرها ومعنى المخفف هل يلحقكم ضيم وهو المشقـة والتعـب اﻫ
3- قال النووي في شرح مسلم(3-18) ومعناه تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال الشكِ والمشقةِ والاختلافِ اﻫ
أهل الجنة يخلدون فيها
وأهل النار يخلدون فيها
والإيمان بالخلود فيهما فيجب الإِيمان بأنَّ أهل الجنّة يخلدون في الجنّة وأهلَ النار يخلدون فيها وأنه لا موتَ بعد ذلك1.
————-
1- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رءاه ثم ينادي يا أهل النار فيشرئبون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا فيقولون نعم هذا الموت وكلهم قد رءاه فَيُذْبَحُ ثم يقول يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت» اﻫ رواه البخاري في صحيحه كتاب التفسير باب ﴿وأنذرهم يوم الحسرة﴾.
الملائكة
والإيمان بملائكة الله أي بوجودهم وأنّهم عبادٌ مكرمون وهم أجسام نورانية لطيفة ألطف من الهواء ذوو أرواحٍ مشرَّفةٍ ليسوا ذكورًا ولا إناثًا لا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتوالدون مكلَّفون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يُؤمرون1.
————-
1- قال ابن حجر العسقلاني في الفتح(6\306) في باب ذكر الملائكة وقد جاء في صفة الملائكة وكثرتهم أحاديث منها ما أخرجه مسلم عن عائشة مرفوعًا «خلقت الملائكة من نور» الحديث ومنها ما أخرجه الترمذي وابن ماجه والبزار من حديث أبي ذر مرفوعًا «أطَّت السماء وحقَّ لها أن تَئِطَّ ما فيها موضع أربع أصابع الا وعليه ملك ساجد» الحديث ومنها ما أخرجه الطبراني من حديث جابر مرفوعًا «ما في السموات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو راكع أو ساجد» وللطبراني نحوه من حديث عائشة وروي عن سعيد بن المسيب قال الملائكة ليسوا ذكورًا ولا إناثًا ولا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون ولا يتوالدون اﻫ
الفرق بين النبي الرسول
والنبي غير الرسول
والإيمان برسله أي أنبيائه من كان رسولاً ومن لم يكن رسولاً1 فالنَّبيُّ غيرُ الرَّسول هو إنسانٌ أُوحيَ إليه لا بِشَرعٍ جديد بل أُوحيَ إليه باتِّباع شرع الرَّسول الذي قبله وأن يُبلّغ ذلك والنبي الرَّسول مَن أُوحيَ إِليه بشرع جديد وأُمِر بتبليغه2. ومن الغلط الشنيع ما ذكره بعض العلماء أنَّ النبيّ من أوحيَ إليه بشرع ولم يُؤمَرْ بتبليغه وهذا كلامٌ شنيع كيفَ يُنبَّأُ ثم لا يؤمر بالتبليغ وكيف يصح أن يُنبأ النبيُّ لنفسه فقط فما أشنع هذه الغلطةَ3 وهذه الغلطة موجودة في تفسير الجلالين وفي كتب عديدةٍ.
————-
1- قال الرازي في التفسير الكبير(2\189) في بيان معنى قوله تعالى ﴿وَقَفَّيْنا مِنْ بعدِهِ بالرُّسُل﴾ المسئلة الثانية روي أن بعد موسى عليه السلام إلى أيام عيسى عليه السلام كانت الرسل تتواتر ويظهر بعضهم في أثر بعض والشريعة واحدة إلى أيام عيسى عليه السلام فإنه صلوات الله عليه جاء بشريعة مجددة واستدلوا على صحة ذلك بقوله تعالى ﴿وَقَفَّيْنَا مِنا بَعْدِه بالرُّسُل﴾ فإنه يقتضي أنهم على حدٍّ واحد في الشريعة يتبع بعضهم بعضاً فيها اﻫ
2- قال الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي في أصول الدين(ص\154) ما نصه والفرق بينهما أي النبي والرسول أن النبيّ من أتاه الوحي من الله عز وجل ونزل عليه الملك بالوحي والرسول من يأتي بشرع على الابتداء أو ينسخ بعض أحكام شريعةٍ قبله اﻫ وذكر البيضاوي مثله في تفسيره أنوار التنـزيل وأسرار التأويل (٤/٥٧) فقال الرسول من بعثه الله بشريعة مجددة والنبي يعمه ومن بعثه لتقرير شرع سابق اﻫ
3- قال الحافظ أحمد الغماري في كتابه جؤنة العطار في بيان فساد هذا القول فإن قول الله تعالى ﴿وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي﴾ صريح في إرسالهما حقًّا وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامّة» اﻫ والحديث رواه البخاريفي صحيحه في كتاب التيمم باب قوله الله{فلم تجدوا ماءً فتيمموا}.
الدليل على نبوة ءادم
وأوّلُ من أُرسل إلى الكفّار سيدنا نوحٌ عليه السلام وقد صحّ أنّه أوّل الرُّسل إلى أهل الأرض1 أي بعد حدوث الكفر بين البشر2 وليس معناه أنّه لم يكن قبله نبيّ ولا رسول بل كان ءادم نبيًّا رسولاً كما يشهد لنبوَّتهِ حديثُ الترمذيّ «ما من نبي يومئذ ءادمَ فمن سواه إلا تحت لوائي» حسّنه الترمذي3 وأجمع المسلمون على ذلك وعُرِف هذا الأمر بينهم بالضرورة4 فمن نفى نبوته فهو كافر بالإجماع كما في مراتب الإجماع5، فالذي يشك في نبوة ءادم أو في كفر الشاك فيها كافر والذي يشك في رسالته أيضًا كافر.
————-
1- كما روى البخاري في صحيحه حديث الشفاعة أن الناس يقولون لنوح في الموقف أنت أول الرسل إلى أهل الأرض اﻫ رواه في كتاب التفسير باب ﴿ذرية من حملنا مع نوح﴾.
2- قال ابن حجر في الفتح(11\434) رسالة ءادم كانت إلى بنيه وهم موحدون ليعلمهم شريعته ونوح كانت رسالته إلى قوم كفار يدعوهم إلى التوحيد اﻫ قاله في باب صفة الجنة.
3- سنن الترمذي كتاب المناقب باب في فضل النبي صلى الله عليه وسلم.
4- ويدل على نبوته من القرءان الكريم قوله تعالى ﴿إن الله اصطفى ءادم ونوحًا وءال إبراهيم وءال عمران على العالمين﴾ [سورة ءال عمران/ الآية ٣٣]
5- قال ابن حزم في باب ذكر مسائل قام الإجماع على تكفير من خالف فيها واتفقوا أن كل نبيّ ذكر في القرءان حق كآدم اﻫ وقال البغدادي في أصول الدين(ص\159) في الأصل السابع في معرفة الأنبياء عليهم السلام أجمع المسلمون وأهل الكتاب على أن أول من أرسل من الناس ءادم عليه السلام اﻫ
الكتب السماوية
والإيمان بالكتب وهي كثيرة لكن أشهرها هؤلاء الأَربعُ التوراةُ والإنجيل والزّبور والفُرْقان أي القرءان. قال وَهْبُ بنُ منبِّهٍ1 قرأتُ سبعين كتابًا2 مما أنزل الله3.
————-
1- هو وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن ذي كبار الاخباري القصصي أبو عبد الله اليماني الذماري الصنعاني. أبوه منبه من أهل هراة خرج أيام كسرى وكسرى أخرجه من هراة ثم إنه أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فحسن إسلامه لكنه لم يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولد وهب في صنعاء في زمن عثمان سنة أربع وثلاثين. رحل وحج وأخذ عن ابن عباس وأبي سعيد والنعمان بن بشير وجابر وابن عمر. توفي بصنعاء سنة 114 ﻫ. انظر سير أعلام النبلاء(4\544).
2- عدد الكتب السماوية مائة وأربعة كما رواه ابن حبان في صحيحه نظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان(1\287-289) من حديث أبي ذر قال قلت يا رسول الله كم كتابًا أنزله الله قال «مائة كتاب وأربعة كتب أنزل على شيث خمسون صحيفة وأنزل على أخنوخ ثلاثون صحيفة وأنزل على إبراهيم عشر صحائف وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والقرءان» اﻫ رواه في في ذكر الاستحباب للمرء أن يكون له من كل خير حظ رجاء التخلص في العقبى بشىء منها.
3- قال الأصبهاني في حلية الأولياء(4\26) حدثنا محمد بن أحمد بن علي ثنا الحارث بن أبي أسامة ثنا داود ابن المحبر ثنا عباد بن كثير عن أبي إدريس عن وهب بن منبه قال قرأت أحدًا وسبعين كتابًا فوجدت في جميعها أن الله عز وجل لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقل محمد صلى الله عليه وسلم إلا كحبة رمل من بين رمال جميع الدنيا وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم أرجح الناس عقلاً وأفضلهم رأيًا اﻫ
الإيمان بالقدر خيره وشره
والإيمان بالقدر خيره وشرّه1 فالواجب الذي هو أحد أركان الإيمان الستة هو الرضا بقدر الله أي تقديره وأما المقدور فيجب الإيمان بأنَّ كلَّ المقدورات أي المخلوقات بتقدير الله تحصل ما كان خيرًا وما كان شرًا فما كان من المقدور خيرًا يجب الرضا به وما كان منه شرًا يجب كراهيته كالكفر والمعاصي، ومعنى ذلك أن كل ما دخل في الوجود من خيرٍ وشر هو بتقدير الله الأَزلي فالخير من أعمال العباد بتقدير الله ومحبَّتِه ورضاهُ والشرُّ من أعمال العباد بتقدير الله لا بمحبَّته ورضاه2. وقد ورد في حديث جبريل الصحيح المشهور لفظُ «والقدرِ خيره وشرّه» رواه مسلم3 وفي لفظ «والقدرِ كلّه»4.
————-
1- قال في الاعتقاد(ص\83) باب القول في الإيمان بالقدر فالإيمان بالقدر هو الإيمان بتقدم علم الله سبحانه بما يكون من أكساب الخلق وغيرها من المخلوقات وصدور جميعها عن تقدير منه وخلقٍ لها خيرها وشرِّها اﻫ
2- قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر(ص\94) والطاعة كلها ما كانت واجبة بأمر الله تعالى ومحبته وبرضائه وعلمه ومشيئته وقضائه وتقديره والمعاصي كلها بعلمه وقضائه وتقديره ومشيئته لا بمحبته ولا برضائه ولا بأمره اﻫ وقال في الوصية والمعصية ليست بأمر الله تعالى ولكن بمشيئته لا بمحبته وبقضائه لا برضاه وبتقديره لا بتوفيقه وبخذلانه وعلمه وكتابته في اللوح المحفوظ اﻫ
3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عن الإيمان «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره» اﻫ رواه مسلم في كتاب الإيمان في باب بيان الإيمان والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله سبحانه وتعالى.
4- كذا في سنن النسائي كتاب الإيمان: أول باب نعت الإسلام وفي سنن البيهقي الكبرى(10\203) في باب ما ترد به شهادة أهل الأهواء.
بيان أن سيدنا محمد
صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء
ويتضمَّن الإيمانُ برسالة النبيّ صلى الله عليه وسلم الإيمانَ بأنّه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيّين لأنّه أخبر بذلك قال عليه الصلاة والسلام «وخُتم بي النبيُّون» رواه مسلم1. وقوله بأنَّ سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم سيِّد ولد ءادم أجمعين هذا متفقٌ عليه عند العلماء وهو مأخوذٌ من حديثٍ رواه الترمذيّ «أنا سيد ولد ءادم يوم القيامة ولا فخر»2 أي لا أقول ذلك افتخارًا إنَّما أقول ذلك تحدّثًا بنعمة الله3 وفي ذلك جواز وصفه بأنّه سيد البشر.
————-
1- صحيح مسلم، أول كتاب المساجد ومواضع الصلاة.
2- سنن الترمذي، كتاب تفسير القرءان: باب ومن سورة بني إسرائيل.
3- قال النووي في شرح مسلم كتاب الفضائل(15\35) بل صرح بنفي الفخر في غير مسلم في الحديث المشهور «أنا سيد ولد ءادم ولا فخر» وإنما قاله لوجهين أحدهما امتثال قوله تعالى ﴿وأما بنعمة ربك فحدث﴾ اﻫ قاله في باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق.
الأنبياء
قال المؤلف رحمه الله (ويجبُ اعتقادُ أَنَّ كلَّ نبيٍّ منْ أنبياءِ الله يجبُ أَنْ يكونَ متّصفًا بالصدقِ والأمانةِ والفطانةِ فيستحيلُ عليهم الكذبُ والخـيانةُ والرذالةُ1 والسـفاهةُ2 والبلادةُ3 والجبن وكـلُّ ما يُنَفِّرُ عن قبـول الدعوة منهم)
الشرح أن الأنبياء يجبُ لكلٍّ منهم أنْ يكونَ بهذه الأخلاقِ وهي الصدق فيستحيل عليهم الكذب4 لأَنَّ ذلك نقصٌ ينافي منصب النبوّة وأما قولُ إبراهيمَ عليهِ السلامُ عن زَوجتِهِ سارةَ «إنها أختي» وهي ليستْ أختَهُ في النَّسبِ فكانَ لأنها أُختُه في الدين فهو ليسَ كَذِبًا مِنْ حيثُ الباطنُ والحقيقةُ إنما هو صِدقٌ. وكذلكَ وردَ في أمرِ إبراهيم في القرءانِ الكريمِ أَنّهُ قالَ ﴿بَل فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَسْئَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾5 وليسَ هذا كذبًا حقيقيًّا بل هذا صدقٌ من حيث الباطن والحقيقة لأَنَّ كبير الأصنام هو الذي حمله على الفتك بهم أي الأصنام الأخرى من شدّة اغتياظه منه لمبالغتهم في تعظيمه بتجميل هيئته وصورته فحمله ذلك على أن يكسِّر الصغار ويهينَ الكبير فيكونُ إسناد الفعل إلى الكبير إسنادًا مجازيًّا6 فلا كذب في ذلك أي هو في الحقيقة ليس كذبًا وأما حديث «كَذَبَ إبراهيمُ ثلاثَ كَذَبَاتٍ» فقد اعترضَ عليه بعضُ العلماءِ7 وأَوَّلَهُ بعضهم8 9.
والأمانة فيستحيل عليهم الخيانةُ فلا يكذبونَ على الناسِ إن طلبوا منهم النصيحة ولا يأكلون أموالَ الناس بالباطل.
والفطانة فكلُ الأنبياءِ أذكياءُ يستحيل عليهم الغباوةُ أي أن يكونوا ضعفاءَ الأفهام لأن الغباوةَ تنافي مَنصِبَهم لأنهم لو كانوا أغبياء لنفر منهم الناس لغباوتِهم والله حكيم لا يجعل النبوة والرسالة في الأغبياء فإنهم أُرسلوا ليبلّغوا الناسَ مصالح ءاخرتهم ودنياهم والبلادة تنافي هذا المطلوب منهم.
ويستحيل على الأنبياء الرذالة والسفاهة والبلادة فليس في الأنبياء من هو رذيلٌ يختلس النظر إلى النساء الأجنبيات بشهوةٍ مثلاً10 وليس فيهم من يسرق ولو حبة عنب وليس في الأنبياء من هو سفيهٌ يقول ألفاظًا شنيعة تستقبحُهَا النفس وليس في الأنبياء من هو بليدُ الذهن عاجز عن إقامة الحجة على من يعارضهُ بالبيان ولا ضعيفُ الفهم لا يفهم الكلام من المرة الأولى إلا بعد أن يُكرَّرَ عليه عدةَ مراتٍ11.
ويستحيل على الأنبياء سبقُ اللسان في الشرعيات12 والعاديَّات13 لأنه لو جاز عليهم لارتفعت الثقة في صحة ما يقولونه ولقال قائل عندما يبلغه كلام عن النبي ما يدرينا أن يكون قاله على وجه سبق اللسان لذلك لا يصدر من نبيٍّ كلامٌ غيرُ الذي يريد قوله ولا يصدر منه كلامٌ وهو لا يريد الكلام بالمرة كما يحصل لمن يتكلم وهو نائم. وكذلك يستحيل عليهم الأمراض المُنَفِّرَةُ كخروج الدود من الجسم14.
وكذلك يستحيل على الأنبياء الجبن أما الخوفُ الطبيعي فلا يستحيل عليهم بل الخوف الطبيعي موجود فيهم وذلك مثل النفور من الحية فإن طبيعة الإنسان تقتضي النفور من الحية وما أشبه ذلك. ولا يقال عن النبي صلى الله عليه وسلم هَرَبَ لأن هربَ يُشْعِرُ بالجبن أما فَرَّ من الأذى مثلاً فلا يشعر بالجبن يقال هاجر فرارًا من الكفار أي من أذى الكفار هذا جائز ما فيه نقص وعلى هذا المعنى قولُ الله تعالى إخبارًا عن موسى أنه قال ﴿فَفَرَرْتُ مِنكُم لَمَّا خِفْتُكُمْ﴾15 16.
قال المؤلف رحمه الله (وتجبُ لهم العصمةُ منَ الكفرِ17 والكبائرِ18 وصغائرِ الخِسَّةِ قَبلَ النُبوّة وبعدَهَا.)
الشرح الأنبياء معصومون أي محفوظون من الكفر قبل أن يُوحَى إليهم بالنبوة وبعدَ ذلك أيضًا19 وأمَّا قول سيدنا إبراهيم عن الكوكب حين رءاه ﴿هَذَا رَبِّي﴾20 فهو على تقدير الاستفهام الإنكاريّ فكأَنَّه قال أَهذا ربِّي كما تَزعُمُونَ21 ثم لَمَّا غابَ قال ﴿لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾22 أي لا يصلح أن يكون هذا ربًّا فكيف تعتقدون ذلك23. ولمّا لم يفهموا مقصوده بل بقُوا على ما كانوا عليه قال حينما رأى القمر مثل ذلك فلما لم يجد منهم بغيته أظهر لهم أنّه بريء من عبادته وأنّه لا يصلح للربوبيّة ثم لما لم ير منهم بغيته قال حينما ظهرت الشمسُ ﴿هَذَا رَبِّي هذا أكبر﴾ أي على زعمكم فلم ير منهم بغيته أيضًا فأَيِسَ منهم من عدم انتباههم وفَهمِهم للمراد أي أن هذه الثلاثة لا تصلح للألوهية24 فتبرأ مما هم عليه من الشرك ثم لم يمكث فيهم بل ذهب إلى فِلَسْطين فأقام هناك وتوفي فيها وأمَّا إبراهيمُ في حدِّ ذاته فكان يعلم قبل ذلك أنَّ الربوبيّة لا تكون إلا لله بدليل قوله تعالى ﴿وَلَقَدْ ءَاتينَا إبراهيم رُشْدَهُ مِن قَبْلُ﴾25 26 27.
والأنبياء عليهم السلام معصومون من الوقوع في المعاصي الكبيرة28 وكذلك عصمهم الله من التلبُّس بالذنوب الصغيرة التي فيها خِسَّةٌ ودناءة كسرقة حبة عنب فإن هذه صغيرةٌ لكنها تدل على دناءة نفس29.
قال المؤلف رحمه الله (ويجوزُ عليهِم ما سوى ذلكَ مِنَ المعاصي لكنْ يُنبَّهونَ فورًا للتوبةِ قبلَ أن يقتديَ بهمْ فيهَا غيرُهُمْ)
الشرح الصَّغائرُ التي ليس فيها خسةٌ ودناءة تجوز على الأنبياء ويدل على جواز حصولِ ذلك منهم ءاياتٌ منها قوله تعالى ﴿وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾30 31 وقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه قال ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾32 ولكنَّ الأنبياء إن حصل منهم شىءٌ من المعاصي الصغيرةِ التي ليس فيها خسةٌ ولا دناءةٌ يُنَبَّهون فورًا للتوبة فيتوبون قبل أن يقتديَ بهم في تلك الصغيرة غيرُهم فيفعلَ مثلما فعلوا لأنهم قُدوةٌ للناس33.
قال المؤلف رحمه الله (فمِنْ هنا يُعْلَمُ أنّ النبوّةَ لا تصحُّ لإخوةِ يوسفَ الذينَ فعلوا تلكَ الأفاعيلَ الخسيسةَ34 وهمْ مَنْ سوى بِنيامينَ)
الشرح من هذا الذي ذكرناه يُعلم أنه لا تصحُّ النبوّةُ لإخوة يوسفَ وهم العشرةُ الذين فعلوا تلك الأفاعيلَ الخسيسةَ من ضربهم يوسفَ ورميهم له في البئر وتسفيههم أباهم بقولهم ﴿إِنَّكَ لَفي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ﴾35 36 ونحو ذلك وهم مَنْ عدا بِنيامينَ أي ليس بنيامين من هؤلاء العشرة.
قال المؤلف رحمه الله (والأسباطُ الذينَ أُنزلَ عليهمُ الوحيُ همْ مَنْ نُبِّئ مِنْ ذريتِهِم.)
الشرح الأسْباط الذين ذكرهم الله في القرءان أنه أُنزل عليهم الوحيُ هم غيرُ هؤلاء الذين ءاذَوا سيدنا يوسف بل هم من ذريتهم لأن ذرّيتهم منهم من أُوتي النبوة. والسِّبْطُ لُغَةً يُطلق على الولد وولد الولد37. قال تعالى ﴿قُولُوا ءَامَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُم وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾38.
————-
1- قال في الصحاح(ص\257) الرَذْلُ الدونُ الخسيسُ اﻫ
2- قال في المصباح المنير(ص\106) والسَّفَهُ نقص في العقل وأصله الخفة اﻫ وفي تهذيب اللغة(2\1710) وقال بعض أهل اللّغة أصل السَّفَه الخفّة ومعنى السَّفِيه الخفيفُ العَقْل اﻫ
3- قال في الصحاح(ص\86) والبَلادَةُ ضدُّ الذكاء اﻫ قال في المصباح(ص\24) وبَلُدَ الرجل بالضم بلادة فهو بَلَيدٌ أي غير ذكي ولا فطن اﻫ
4- قال القاضي عياض في الشفا(2\136) والصواب تنـزيه النبوة عن قليله (أي الكذب) وكثيره وسهوه وعمده اﻫ
5- في تفسير القرطبي(15\93) وقال الضحاك معنى سقيم سأسقم سقم الموت لأن من كتب عليه الموت يسقم في الغالب ثم يموت وهذا تورية وتعريض كما قال للملك لما سأله عن سارة هي أختي يعني إخوة الدين اﻫ وقال في الفتح(6\392) كتاب الأنبياء باب قوله تعالى{واتخذ الله إبراهيم خليلا}سورة النساء وقوله هذه أختي يُعْتَذَرُ عنه بأن مراده أنها أخته في الإسلام اﻫ
6- [سورة الأنبياء/ الآية ٦٣].
7- في النهر الماد لأبي حيان الأندلسي (ج2\1\ص\496) قال بل فعله كبيرهم وأسند الفعل إلى كبيرهم على جهة المجاز لمّا كان سببًا في كسر هذه الأصنام هو تعظيمهم وعبادتهم له ولما دونه من الأصنام كان ذلك حاملاً على تحطيمها وتكسيرها فأسند الفعل إلى الكبير إذ كان تعظيمهم له أكثر من تعظيم ما دونه اﻫ
8- كالرازي في تفسيره(22\185).
9- قال في الفتح(6\391) في شرح باب قول الله تعالى ﴿واتخذ اللهُ إبراهيمَ خليلاً﴾سورة النساء وأما إطلاقه الكذب على الأمور الثلاثة فلكونه قال قولاً يعتقده السامع كذبًا لكنه إذا حقق لم يكن كذبًا لأنه من باب المعاريض المحتملة للأمرين اﻫ
10- قال الرازي في عصمة الأنبياء(ص\71) فإن قلت روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «ما كذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات قوله إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله لسارة إنها أختي» قلت هذا من أخبار الآحاد فلا يعارض الدليل القطعي الذي ذكرناه ثم إن صح حُمل على ما يكون ظاهره الـكذب اﻫ
11- وأما قوله تعالى في سورة يوسف ﴿ولقد همت به وهمَّ بها لولا أن رءا برهان ربِّه﴾ فليس معناه أن يوسف عليه السلام همَّ بالزنا بامرأة العزيز بل بين الرازي (18\118) في تفسيره بطلان هذا القول وأنه لا يصح تفسير الآية على أنه عليه السلام هم بالزنا فقال إن يوسف عليه السلام كان بريئًا عن العمل الباطل والهَمِّ المحرم وهذا قول المحققين من المفسرين والمتكلمين وبه نقول وعنه نذب اﻫ وقال في كتاب عصمة الأنبياء(ص\89) في تفسير الآية الوجه الثاني في حمل الهم على العزم أن يحمل الكلام على التقديم والتأخير والتقدير ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها ويجري ذلك مجرى قولك قد كنت هلكت لولا أن تدراكته اﻫ
12- قال الشيخ محمد ميارة المالكي في الدر الثمين وكذا يمتنع في حقهم الجنون قليله وكثيره لأنه نقص بل يجب في حقهم كمال العقل والذكاء والفطنة وقوة الرأي اﻫ
13- قال القاضي عياض في الشفا(2\123) لا يجوز عليه خُلْفٌ في القول في إبلاغ الشريعة والإعـلام بما أخبر به عن ربه وما أوحـاه إليه من وحيه لا على العمد ولا على غير عمد اﻫ
14- قال القاضي عياض في الشفا(2\135) في الكلام على حاله صلى الله عليه وسلم في أخبار الدنيا فالذي يجب اعتقاده تنـزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يقع خبره في شىء من ذلك بخلاف مُخْبَرِهِ لا عمدًا ولا سهوًا ولا غلطًا اﻫ
15- قال الشيخ محمد ميارة المالكي في الدر الثمين(ص\50) عند ذكره ما يجب للأنبياء عليهم الصلاة والسلام “والسلامة من كل ما ينفر مما يوجب ثلمًا في النفس والخلق والخلق كالفظاظة والعيوب المنفرة كالبرص والجذام والأدرة لأنهم على غاية الكمال في خلقهم وخلقهم” اﻫ
16- [سورة الشعراء/ الآية ٢١].
17- قال القشيري في تفسيره(2\398) قوله ﴿ففرت منكم لما خفتكم﴾ سورة الشعراء يجوز حمله على الظاهر وأنه خاف منهم على نفسه اهـ وقد قال الله تعالى مخاطبًا نبيه موسى عليه السلام ﴿خُذْها ولا تَخَفْ﴾ [سورة طه/ الآية ٢١]. وقال تعالى ﴿فأَوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيْفَةً موسى﴾ [سورة طه/ الآية ٦٧].
18- قال في الشفا(2\109) والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته والتشكيك في شـىء من ذلك اﻫ
19- قال في الشفا(2\143) فصل وأما ما يتعلق بالجوارح من الأعمال ولا يخرج من جملتها القول باللسان فيما عدا الخبر الذي وقع فيه الكلام ولا الاعتقاد بالقلب فيما عدا التوحيد وما قدمناه من معارفه المختصة به فأجمع المسلمون على عصمة الأنبياء من الفواحش والكبائر الموبقات اﻫ
20- قال أبو المظفر السمعاني المتوفى سنة أربعمائة وتسع وثمانين في كتابه القواطع وأما الأنبياء عليهم السلام فلا يصح منهم وقوع الكبائر لعصمة الله تعالى إياهم عن ذلك فأما الصغائر فقالوا أي أهل السنة لا يصح وقوع ما ينفر عنهم مثل الكذب وما يضع من أقدارهم وما يدعو إلى البعد عنهم مثل الغلظة والفظاظة اﻫ ثم قال وأما ما عدا ما ذكرناه من الصغائر فقد أبى بعض المتكلمين وقوع ذلك من الأنبياء أيضًا والأصح أن ذلك يصح وقوعه منهم ويتداركون ذلك إبّان موته قبل اخترام المنيّة اﻫ
21- [سورة الأنعام/ الآية ٧٦].
22- قال أبو حيان في النهر الماد(1\706) ولا يريد بذلك الاعتقاد وإنما ذلك مثل أن ترى رجلاً ضعيف القوة لا يكاد ينهض فيقول إنسان هذا ناصري بمعنى أنه لا يقدر على نصرتي مثل هذا اﻫ
23- [سورة الأنعام/ الآية ٧٦].
24- قال الأسفرايني في التبصير(ص\160) وأن تعلم أن الحوادث لا يجوز حلولها في ذاته وصفاته لأن ما كان محلاًّ للحوادث لم يخل منها وإذا لم يخل منها كان محدثًا مثلها ولهذا قال الخليل عليه الصلاة والسلام لا أحب الآفلين بيّن به أن من حل به من المعاني ما يغيره من حال إلى حال كان محدثًا لا يصح أن يكون إلهـًا اﻫ
25- قال الرازي في كتابه عصمة الأنبياء(ص\62) والأصح من هذه الأقوال أن ذلك (أي قول إبراهيم هذا ربي) على وجه الاعتبار والاستدلال لا على وجه الإخبار ولذلك فإن الله تعالى لم يذم إبراهيم عليه السلام على ذلك بل ذكره بالمدح والتعظيم وأنه أراه ذلك كي يكون من الموقنين، هذا هو البحث المشهـور في الآية اﻫ
26- [سورة الأنبياء/ الآية ٥١].
27- قال القرطبي في تفسيره(16\56) وقال المفسرون في قوله تعالى ﴿ولقد ءاتينا إبراهيم رشده من قبل﴾ سورة الأنبياء أي هديناه صغيرًا قاله مجاهد وغيره اﻫ ذكره في تفسير سورة الشورى.
28- قال أبو الوليد بن رشد المتوفى سنة ٥٢٠ ﻫ في المقدمات (ص \٧) ولم يَستدلَّ إبراهيم بما عاينه في الكواكب والشمس والقمر لنفسه إذ لم يكن جاهلاً بربِّه ولا شاكًّا في قِدَمِهِ وإنما أراد أن يُريَ قومه وجه الاستدلال بذلك ويُعَيِّرَهم بالذهول على هذا الدليل الواضح ويُوْقِفَهم على باطل ما هم عليه اﻫ
29- وأما قتل موسى عليه السلام للقبطي فقد قال الرازي في عصمة الأنبياء(ص\151) في بيان معنى ما ورد في ذلك تمسكوا بقوله تعالى ﴿فوكزه موسى فقضى عليه﴾ فإن ذلك القبطي إما أن يكون مستحقًا للقتل أو لا فإن كان الأول فلم قال ﴿هذا من عمل الشيطان﴾ و﴿ربي إني ظلمت نفسي﴾ الآية و﴿فعلتها إذن وأنا من الضالين﴾ وإن كان الثاني كان عاصيًا في قتله. جوابه يحتمل أن يقال إنه لكفره كان مستحقًا للقتل وأنه لم يكن لكن موسى قتله خطأ وأنه لم يقصد إلا تخليص الذي من شيعته من ذلك القبطي فتأدى به ذلك إلى القتل من غير قصد. أما الآيات فمن جوّز الصغيرة أي على الأنبياء حملها عليه فإن الاستغفار والتوبة تجب من الصغيرة كما تجب من الكبيرة اﻫ وأما ما ينسب إلى سيدنا داود عليه السلام من أنه أرسل رجلاً من قوّاد جنده إلى القتال حتى يموت فيتزوج امرأته فباطل لا يصح ولا يليق بنبي من أنبياء الله. قال الرازي في عصمة الأنبياء(ص\111) الأول أن الذي حكاه المفسرون عن داود وهو أنه عشق امرأة أوريا فاحتال حتى قتل زوجها فتزوجها لا يليق بالأنبياء بل لو وصف به أفسق الملوك لكان منكرًا اﻫ
30- كما قال التفتازاني في شرح العقائد(ص\171) عند كلامه على جواز وقوع الصغائر من الأنبياء قال إلا ما يدل على الخسة كسرقة لقمة والتطفيف بحبة اﻫ
31- [سورة طه/ الآية ١٢١].
32- قال الطبري(16\224) وقوله ﴿وعصى ءادم ربه فغوى﴾ يقول وخالف أمر ربه فتعدى ثم قال(16\224) وقوله ﴿ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى﴾ يقول اصطفاه ربه من بعد معصيته إياه اﻫ
33- [سورة الشعراء/ الآية ٨٢].
34- قال التفتازاني في شرح العقائد(ص\171) لكن المحققين اشترطوا أن ينبهوا عليه فينـتهوا عنه اﻫ
35- قال القرطبي في تفسيره(9\133) وفي هذا ما يدل على أن إخوة يوسف ما كانوا أنبياء لا أولاً ولا ءاخرًا لأن الأنبياء لا يدبرون في قتل مسلم اﻫ
36- [سورة يوسف/ الآية ٩٥].
37- قال القشيري في تفسيره لطائفِ الإشارات(2\93) قرنوا كلامهم بالشتم ولم يحتشموا أباهم ولم يراعوا حقه في المخاطبة فوصفوه بالضلال في المحبة اﻫ
38- والسبط واحد الأسباط وهم ولد الولد كذا في مختار الصحاح(ص\120). وفي لسان العرب(7\310) قال أبو العباس سألت ابن الأعرابي ما معنى السبط في كلام العرب قال السبط والسبطان والأسباط خاصة الأولاد والمصاص منهم وقيل السبط واحد الأسباط وهو ولد الولد اﻫ
39- [سورة البقرة/ الآية ١٣٦].