كتاب عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب

شرح مقدمة المصنف

قال المؤلف رحمه الله رحمة واسعة (الحمدُ لله ربِّ العالمينَ الحيِّ القيومِ المُدبّر لجميعِ المخلوقينَ)
الشرح أن معنى “بسم الله” أبتدئُ باسم الله. ولفظ الجلالة “الله” عَلَمٌ للذات المقدسِ المستحق لنهاية التعظيم وغاية الخضوع ومعناه من له الإلهية وهي القدرة على الاختراع أي إبراز المعدوم إلى الوجود. و”الرحمـٰن” أي الكثير الرحمةِ للمؤمنين والكافرين في الدنيا وللمؤمنين في الآخرة و”الرحيم” أي الكثير الرحمة للمؤمنين(1). ومعنى “الحمد لله” نثني على الله ونمدحُه بألسنتنا على ما أنعم به علينا من النعم التي لا نُحصيها من غير وجوب عليه. و”ربّ العالمين(2)” معناه مالك العالمين أي مالكُ كل ما دخل في الوجود. و”المدبر لجميع المخلوقين” أي الذي قَدر كل ما يجري في العالم.
قال المؤلف رحمه الله (والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه)
الشرح: الصلاة هنا معناها نطلب من الله تعالى أن يزيدنا سيدنا محمداً تعظيماً وأما السلام فمعناه نطلب من الله لرسوله الأمان مما يخافه على أمته .
————-

1- قال البيهقي في الأسماء والصفات قال الخطابي فالرحمـٰن ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم وأسباب معايشهم ومصالحهم وعمت المؤمن والكافر والصالح والطالح وأما الرحيم فخاص للمؤمنين كقوله ﴿وكان بالمؤمنين رحيمًا﴾ اﻫ وقد قال تعالى ﴿ورحمتي وسعت كل شىء فسأكتبها للذين يتقون﴾ قال ابن الجوزي في تفسيره هذه الرحمة على العموم في الدنيا والخصوص في الآخرة وتأويلها ورحمتي وسعت كل شىء في الدنيا البرَّ والفاجر وفي الآخرة هي للمتقين خاصة اﻫ قال ابن الأثير في النهاية الرحمـٰن الرحيم وهما اسمان مشتقان من الرحمة مثل ندمان ونديم وهما من أبنية المبالغة ورحمان أبلغ من رحيم والرحمـٰن خاص لله لا يسمى به غيره ولا يوصف والرحيم يوصف به غير الله تعالى فيقال رجل رحيم ولا يقال رحمان اﻫ.
2- قال ابن منظور في لسان العرب الرب هو الله عز وجل وهو رب كل شىء أي مالكه وله الربوبية على جميع الخلق لا شريك له وهو رب الأرباب ومالك الملوك والأملاك، ولا يقال الرب في غير الله إلا بالإضافة اﻫ ثم قال في نفس الصحيفة” ورب كل شىء مالكه ومستحقه وقيل صاحبه ويقال فلان رب هذا الشىء أي مِلكه له وكل من ملك شيئًا فهو ربه يقال هو رب الدابة ورب الدار اﻫ.

بيان ما يشتمل عليه علم الدين الضروري

قال المؤلف رحمه الله (وبعدُ فهذا مختصرٌ جامعٌ لأغلبِ الضروريّاتِ التي لا يجوزُ لكلِّ مكلّفٍ جهلها مِن الاعتقادِ ومسائلَ فقهيّةٍ مِنَ الطهارةِ إلى الحجِ وشىءٍ من أحكامِ المعاملاتِ على مذهبِ الإمامِ الشافعيِّ).
الشرح في هذا الكتاب أغلب أُمور الدين الضرورية التي يجب على كل مكلفٍ بالغ عاقلٍ معرفتُها في العقيدة والعبادات وواجباتِ القلب ومعاصي الجوارح والتوبة. وليس معنى ذلك أنَّ كلَّ ما فيه معرفتُهُ فرض عين فمعرفة نسب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عبد مناف المذكورِ في هذا المختصر ليست من فروض العين بل من فروض الكفاية وكذلك مسائل أُخرى فيه من العبادات والمعاملات.
والعبادات هي الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج أما المعاملات فهي البيع والشراء والشركة والقرض ونحو ذلك.
وأما الإمام الشافعي رضي الله عنه فاسمه محمّد بن إدريس وهو قرشي مطلبي وُلِدَ سنة مائةٍ وخمسين وتُوفي سنة مائتين وأربع للهجرة وفي أجداده شخص اسمُهُ شافع لذلك لُقب بالشافعي ومذهبه يقال له “المذهب الشافعي” ومَنْ عرف مذهبه وعمل به يُقال له “شافعي”.

قال المؤلف رحمه الله (ثم بيانِ معاصي القلب والجوارح كاللسان وغيره)
الشرح: في هذا الكتاب بيان معاصي القلب والجوارح أي بيان ذنوب القلب وذنوب الجوارح السبعة. والجوارح جمع جارحة وهي أعضاء الإنسان1 كاليد والرِّجلِ والأُذُن والعين واللسان.
قال المؤلف رحمه الله (الأصل لبعض الفقهاء الحضرميينَ وهو عبد الله بنُ حسين بن طاهر ثم ضُمِّنَ زياداتٍ كثيرةً من نفائس المسائل) الشرح أصلُ هذا الكتاب للشيخ عبد الله بن حُسين بن طاهر العلوي الحضرمي توفي سنة ألفٍ ومائتين واثنتين وسبعينَ للهجرة. والعلوي نسبةٌ إلى علوي بن عبيد الله2 فى اصطلاح أهل حضرموت. ثم زاد المؤلف على الأصل زيادات جيدة وهذا هو شأن الاختصار المعروف عند المؤلفين لأنه ليس ملتزمًا عندهم أن لا يُبدِلَ المختصِرُ في مختصَرِهِ بعض ما في الأصل أو أن لا يأتي بزيادة3.
ونفائس المسائل معناها المسائل الحسنة فإن الشىء الحسن يقال له “نفيس”*.

قال المؤلف رحمه الله (معَ حذفِ ما ذكرَهُ في التصوّف وتغييرٍ لبعض العباراتِ مما لا يؤدّي إلى خلافِ الموضوعِ. وقدْ نذكرُ ما رجّحَه بعضٌ منَ الفقهاءِ الشافعيينَ كالبُلْقينيّ لتضعيفِ ما في الأصل)
الشرح ترك المصنف رحمه الله من أصل هذا الكتاب ما يتعلق بالتصوف مما ليس من الفرض العيني وضعّف بعض المواضع التي في الأصل وذكر ما رجحه البلقيني رحمه الله وهو الشيخ سراج الدين عمر بن رَسلان4 وكان في عصره عالم الدنيا.

قال المؤلف رحمه الله (فينبغي عنايتُهُ بِهِ ليُقبَلَ عملُهُ أسمينَاهُ مختصرَ عبدِ الله الهرريِّ الكافلَ بِعلمِ الدينِ الضَّروريّ.)
الشرح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «طلبُ العِلم فريضةٌ على كل مسلم» رواه البيهقي وحسنه الحافظ المزي5. والمراد بالعلم في هذا الحديث علمُ الدين الضروري الشاملُ لمعرفة الله ومعرفة رسوله وغيرهما من ضروريّات الاعتقاد والشاملُ أيضًا لمعرفة أحكام الصّلاة والطهارة شروطًا وأركانًا ومبطلاتٍ وغيرهما من ضروريّات علم الدين. ولمّا كان هذا المختصر حاويًا لهذه الأشياء مشتملاً عليها كان ينبغي لطالب العلم أن يعتني بتحصيل ما فيه ويُخلِصَ النية فيه لله ليكون عمله مقبولاً عند الله.
“والكافل بعلم الدين الضروري” معناه الجامع لعلم الدين الضروري.
————-

1- قال في لسان العرب وجوارح الإنسان أعضاؤه وعوامل جسده كيديه ورجليه واحدتها جارحة اﻫ
2- هو علوي بن عبيد الله بن أحمد بن عيسى النقيب بن محمد النقيب بن علي العُرَيضيّ ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
3- كما بَيَّنَ النووي في مقدمة كتابه روضة الطالبين.
* في مختار الصحاح نفس الشيء من باب ظرف صار مرغوبا فيه وفي المصباح نفس الشيء بالضم نفاسة كَرُم فهو نفيس اهـ.
4- سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكناني العسقلاني الأصل ثم البلقيني المصري الشافعي ولد سنة 724 ﻫ ليلة الجمعة ثاني عشر شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة وحفظ القرءان العظيم وهو ابن سبع سنين وحفظ المحرر في الفقه والكافية لابن مالك في النحو ومختصر ابن الحاجب في الأصول والشاطبية في القراءات وأقدمه أبوه إلى القاهرة وله اثنتا عشرة سنة فطلب العلم واشتغل على علماء عصره وأذن له في الفتيا وهو ابن خمس عشرة سنة وسمع من الميدومي وغيره وقرأ الأصول على شمس الدين الأصفهاني والنحو على أبي حيان وأجاز له من دمشق الحافظان المزي والذهبي وغيرهما وفاق الأقران وقيل إنه اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها فقيل أنه مجدد القرن التاسع أو الثامن وولي قضاء الشام سنة 769 ﻫ من كتبه التدريب ولم يتمه وتصحيح المنهاج في ست مجلدات والملمات برد المهمات في الفقه ومحاسن الاصطلاح في مصطلح الحديث. توفي بالقاهرة نهار الجمعة حادي عشر ذي القعدة سنة 805 ﻫ وصلى عليه ولده جلال الدين عبد الرحمن ودفن بمدرسته التي أنشأها اﻫ
انظر شذرات الذهب والأعلام. 5- كما قال السيوطي في رسالته المسماة التنقيح في مسئلة التصحيح. انظر مجلة المعتمـد العدد الأول ١٤٠٨ ﻫ ص ١١٤، وقد صححه السيوطي في رسالته المذكورة وحسّنه في تدريب الراوي فقال ومثاله أي المشهور وهو حسن حديث طلب العلم فريضة على كل مسلم اﻫ

ضروريّات الاعتقاد

الشرح أنَّ “ضرورياتُ” جمع ضروري وهو هنا ما لا يجوز للمكلف جهله أي أن هذا الفصل معقود لبيان ما يَلزَمُ ويجب اعتقاده على المكلف.

قال المؤلف رحمه الله (فصلٌ) (يجبُ على كافةِ المكلّفينَ الدُّخولُ في دينِ الإسلامِ والثُّبوتُ فيه على الدَّوامِ والتزامُ ما لزمَ عليه من الأحكامِ).
الشرح المكلّفُ هو البالغُ العاقلُ الذي بلغته دعوة الإسلام أي من بلغه أنه لا إله إلاَّ الله وأنَّ محمدًا رسولُ الله فهذا هو المكلّف الذي هو مُلْزَمٌ بأن يَدِيْن بدين الإسلام1 ويعمل بشريعته أي أن يؤدِّيَ الواجبات ويجتنبَ المحرّمات. أما من مات قبل البلوغ فليس عليه مسئولية في الآخرة وكذلك من اتّصل جنونه إلى ما بعد البلوغ فمات وهو مجنون فليس مكلّفًا2 وكذلك الذي عاش بالغًا ولم تبلغه دعوةُ الإسلام أي أصلُ الدعوةِ. وليس شرطًا لبلوغِ الدعوةِ أن تبلغه تفاصيلُ عقائدِ الإسلام بأدلّتها بل يكون مكلّفًا بمجرّد أن يبلغه أصلُ الدعوة3 ولا يكون له عذرًا أنه لم يكن فكّر في حقيّة الإسلام برهة من الزمن فإن من سمع في الأذان الشهادتين وهو يفهم العربيّة فهو مكلّف فإن مات ولم يُسلم استحقّ عذابَ اللهِ المؤبّدَ في النار.
ثم إنَّ نية الثبوت على الإسلام ضرورية أي أن يخلو قلبُه عن أي عزم على ترك الإسلام في المستقبل أو تردُدٍ في ذلك فإن من نوى الكفر في المستقبل كفر في الحال4.
————-

1- قال الله تعالى ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾ [سورة ءال عمران/ الآية ١٩] وقال تعالى ﴿ومن يبتغِ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾ [سورة ءال عمران/ الآية ٨٥] 2- قال النووي في شرحه على صحيح مسلم باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا واعلم أن مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف أن من مات مُوَحِّدًا دخل الجنة قطعًا على كل حال فإن كان سالمًا من المعاصي كالصغير والمجنون والذى اتصل جنونه بالبلوغ والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا لم يحدث معصية بعد توبته والموفق الذى لم يبتل بمعصية أصلاً فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلاً اﻫ
3- في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لهرقل «من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون﴾» رواه البخاري، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4- قال الشيخ زكريا الأنصاري في شرح الروض في باب الردة أو عزم على الكفر أو علَّقه بشىء كقوله إن هلك مالي أو ولدي تهودت أو تنصرت أو تردد هل يكفر أو لا لأن استدامة الإيمان واجبة فإذا تركها كفر اﻫ

بيان أن أول ما يجب على العبد معرفة الله ورسوله

قال المؤلف رحمه الله (فممّا يجبُ علمُهُ واعتقادُهُ مطلقًا والنطقُ به في الحالِ إن كان كافرًا وإلا ففي الصلاةِ الشهادتانِ وهما أشهدُ أنْ لا إِله إِلاَّ اللهُ وأشهدُ أنَّ محمّدًا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.)

الشرح أنّ أول ما يجب على الإنسان معرفةُ الله1 ومعرفةُ رسوله2 والنطقُ بالشهادتين مرةً واحدة للدخول في الإسلام إن لم يكن مسلمًا3 ومن حصل منه ذلك مع الاعتقاد الجازم فهو مسلم مؤمن4 ثم لا يكمل إيمانه وإسلامه إلا بأداء الواجبات واجتنابِ المحرّمات. ثم اختلف العلماء في وجوب النطق بالشهادتين بعد تلك المرة وأكثر العلماء على وجوب النطق بالشهادتين في كل صلاة.
ثمّ إنّ النطق الذي يجب على الكافر يحصل بلفظ أشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وأشهد أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ باللغة العربيّة وبترجمته لغيرها من اللّغات5 فمن كان أعجميًّا يقول (أنّ مهمدًا) بالهاء يُقال له قُلْ (أبا القاسم رسولُ الله)6 وإذا لم يكن يأتي بهاء لفظ الجلالة (الله) فيكفي ترجمته بلغته. ولا يُشترط خصوصُ هذا اللفظ بل يكفي ما يعطي معناه كأن يقول لا ربَّ إلا اللهُ أو لا خالقَ إلا اللهُ7 ويكفي “محمّدٌ نبيّ الله” لكن لفظ أشهدُ أفضلُ من سائر الألفاظ8 لأن معناها اللغويَّ يتضمن العلمَ والاعتقادَ والاعتراف. ومن عجز عن النطق باللسان يكفيه إيمانه بالقلب9.
————-

1- قال الإمام أبو الحسن الأشعري أول ما يجب على العبد العلم بالله ورسوله ودينه اﻫ
فائدة. ذكر العلماء أنه يجب على كل مكلف معرفة الدليل العقلي الإجمالي على وجود الله تعالى كأن يقول الشخص في نفسه الكتابة لا بد لها من فاعل والبناء لا بد له من فاعل والكتابة والبناء جزء من هذا العالم فهذا العالم بالأولى لا بد له من خالق خَلَقَهُ لا يشبهه بوجه من الوجوه أو يقولَ في نفسه أنا كنت بعد أن لم أكن وما كان بعد أن لم يكن لا بد له من مكوِّن فإذًا أنا لا بد لي من مكوِّن كَوَّنَني موجودٍ لا يشبه شيئًا وهكذا سائر أفراد العالم لا بد لها من مكون كونها لا يشبهها بحال.
أما الدليل العقلي التفصيلي على وجود الله تعالى فقد قال علماء أهل السنة يجب معرفته وجوبًا كفائيًّا وذلك مثل أن يقال العالَم بجميع أجزائه محدَث إذ هو أعيانٌ وأعراضٌ فالأعيان جمع عين وهو ما له قيام بذاته والعرض ما لا يقوم بذاته بل بغيره والأعيان لا تخلو من الأعراض كالحركة والسكون وهذا أمر ظاهر مدرَك بالبديهة والحركة والسكون حادثان لأنه بحدوث أحدهما ينعدم الآخر فما من ساكن إلا والعقل قاضٍ بحواز حركته وما من متحرك إلا والعقل قاضٍ بجواز سكونه فالطارئ منهما حادث بطَرَيانه والسابق حادث لعدمه لأنه لو ثبت قِدَمُهُ لاستحال عدمه فالأعراض حادثة. والأعيان حادثة لأنها ملازمة للأعراض الحادثة وما لا يخلو عن الحادث حادثٌ لأنه لو لم يكن حادثًا لكان قبل كل حادث حوادثُ لا أول لها وهو محال لأن وجود حوادث لا أول لها يستلزم استحالة وجود الحادث الحاضر لأن انقضاء ما لا نهاية له محال ووجودُ الحادث الحاضر ثابت بالحس فبطل القول بوجود حوادث لا أول لها. وقد قال أهل الحق في إبطال القول بحوادث لا أول لها ما كفى وشفى فمثَّلوا ذلك بملتزِمٍ قال لا أعطي فلانًا في اليوم الفلاني درهمًا حتى أعطيه درهمًا قبله ولا أعطيه درهمًا قبله حتى أعطيَه درهمًا قبله وهكذا لا إلى أول فمن المعلوم أن إعطاء الدرهم الموعودِ به في اليوم الفلاني محالٌ لتوقفه على محال وهو فـراغ ما لا نهاية له من إعطائه شيئًا بعد شىء ولا ريب أن ادعاء حوادث لا أول لها مطابق لهذا المثال فتبين أن الأعيان حادثة والأعـراض حـادثة فالعالم حادث له بداية.
ثم الحادث محتاجٌ إلى محدِثٍ فاعلٍ بالإرادة والاختيار ولا يصح أن يكون وجود العالم بالصدفة لأن العقل يحيل وجود شىء ما بدون فاعل لأنه يلزم على ذلك محال وهو تَرَجُّحُ وجود الجائز على عدمه بدون مرجح وذلك لأن وجود الممكن وعدمه متساويان عقلاً فلا يترجح أحدهما على مقابله إلا بمرجح.
وكذلك لا يصح أن يكون العالم خلق نفسه لأن في ذلك جمعًا بين متنافِيَيْنِ لأنك إذا قلت خلق زيدٌ نفسَه فقد جعلته قبل نفسه باعتبار ومتأخرًا عن نفسه باعتبار فباعتبار خالقيته جعلته متقدمًا وباعتبار مخلوقيته جعلته متأخرًا وذلك محال عقلاً.
ولا يصح أن يكون ذلك المحدث طبيعة لا اختيار لها ولا إرادة إذ لا يتأتى منها تخصيص الممكن بالوجود بدل العدم وبوقت دون وقت أو بصفة دون صفة.
ولا بد أن يكون محدِث العالم أزليًّا لأنه لو لم يكن أزليًّا للزم حدوثه فيفتقر إلى محدث فيلزم الدور أو التسلسل وكلٌّ منهما محال فالتسلسل هو توقف وجود شىء على شىء قبله متوقفٍ على شىء قبله إلى غير نهاية وهذا محال كما بيَّنَّا والدورُ توقف وجود الشىء على ما يتوقف وجوده عليه وهذا أيضًا محال لأنه يلزم عليه تقدم الشىء على نفسه باعتبار توقفِ وجودِهِ على سَبْقِ وجودِ غيره المسبوقِ بوجوده هو فيكون سابقًا لنفسه بهذا الاعتبار وتأخرُهُ عنها باعتبار تأخرِ وجودِهِ عن وجودِ غيرِهِ المتأخرِ عن وجوده هو فيكون متأخرًا عن نفسه بهذا الاعتبار فثبت أن لهذا العالم محدِثًا أزليًّا فاعلاً بالإرادة والاختيار وهو الله.
2- قال محمد ميارة المالكي في الدر الثمين والمورد المعين أَخْبَرَ أن أولَ ما يجب على المكلف وهو البالغ العاقل حالةَ كونه ممكنًا من النظر معرفةُ الله تعالى ومعرفةُ رسله عليهم الصلاة والسلام اﻫ والسبيل إلى معرفة النبي المعجزة وهي أمر خارق للعادة يظهر على يد مدعي النبوة موافق لدعواه سالم من المعارضة بالمثل وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء معجزات إذ رُوي عنه الآلاف منها فمن هذه المعجزات ما وقع إلينا بالتواتر ومنها ما لم يصل في الشهرة إلى ذلك الحد. والخبر المنقول بالتواتر يفيد علمًا قطعيًّا وليس من قبيل الأخبار التي تحتمل الصدق والكذب وتعريف الخبر المتواتر أنه ما نقله جمع عن جمع لا يُقبل اتفاقهم على الكذب بحيث يكون مستنده الحس ولا ينـزل الناقلون عن العدد الذي يفيد التواتر في أي طبقة من طبقات الرواة. وبهذه الطريقة نقل إلينا القرءان الكريم ونبوع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم وحنين الجذع فوجب التصديق بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والقطع بها إذ لا يَرُدُّ الخبرَ المتواتر إلا معاند.
3- قال النووي في شرح حديث معاذ وفيه أنه لا يحكم بإسلامـه إلا بالنطق بالشهادتيـن اﻫ
4- قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر والإسلام هو التسليم والانقياد لأوامر الله تعالى فمن طريق اللغة فرق بين الإيمان والإسلام ولكن لا يكون إيمان بلا إسلام ولا يوجد إسلام بلا إيمان فهما كالظهر مع البطن اﻫ قال ملا علي القاري فإن الإيمان في اللغة هو التصديق كما قال الله تعالى ﴿وما أنت بمؤمن لنا﴾ والإسلام مطلق الانقياد ومنه قوله تعالى ﴿وله أسلم﴾ أي انقاد ﴿من في السموات والأرض طوعًا﴾ أي الملائكة والمسلمون ﴿وكَرْهًا﴾ أي الكفرة حين البأس فالإيمان مختص بالانقياد الباطني والإسلام مختص بالانقياد الظاهري كما يشير إليه قوله تعالى ﴿قالت الأعراب ءامنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم﴾ وكما يدل عليه حديث جبرائيل حيث فرق بين الإيمان والإسلام بأن جعل الإيمان محض التصديق والإسلام هو القيام بالإقرار وعمل الأبرار في مقام التوفيق (ولكن لا يكون) أي لا يوجد في اعتبار الشريعة (إيمان بلا إسلام) أي انقياد باطني بلا انقياد ظاهري اﻫ ثم قال (فهما) أي الإسلام والإيمان كشىء واحد حيث لا ينفكان (كالظهر مع البطن) أي للإنسان فإنه لا يتحقق وجود أحدهما بدون الآخر اﻫ
5- قال الإردبيلي في الأنوار ويصح الإسلام بجميع اللغات اﻫ
6- قال في الأنوار(2\493) وقوله أحمد أو أبو القاسم رسول الله كقوله محمد رسول الله اﻫ
7- قال في الأنوار في الكلام على الردة قال الحليمي في كتابه المنهاج ولا خلاف أن الإيمان يصح بغير كلمة لا إله إلا الله حتى لو قال لا إله غير الله أو لا إله سوى الله أو ما عدا الله أو ما من إله إلا الله أو لا إله إلا الرحمـٰن … فكقوله لا إله إلا الله اﻫ
8- قال في تحفة المحتاج(9\123)” وقال الزنكلوني في شرح التنبيه وهما لا إله إلا الله محمد رسول الله وظاهره أن لفظة أشهد لا تشترط في الشهادتين اﻫ ثم قال والذي يظهر لي أن ما قاله ابن النقيب -أي من اشتراط لفظ أشهد- محمول على الكمال وما قاله الزنكلوني محمول على أقل ما يحصل به الإسلام” اﻫ
9- قال النووي في شرحه على مسلم كتاب الإيمان باب من مات على التوحيد دخل الجنة ومذهب أهل السنة أن المعرفة مرتبطة بالشهادتين لا تنفع إحداهما ولا تنجي من النار دون الأخرى إلا لمن لم يقدر على الشهادتين لآفة بلسانه اﻫ وقال في الروضة في كتاب الكفارات(8\181)” فرع يصح إسلام الأخرس بالإشارة المفهمة” اﻫ

معنى الشهادة الأولى

قال المؤلف رحمه الله (ومعنى أشهدُ أنْ لا إله إلا الله أعلمُ وأعتقدُ وأعترفُ أنْ لا معبودَ بحقٍ إلا الله).

الشرح معنى قول الفقهاء لا معبودَ بحقّ إِلا الله لا يستحق أحدٌ أن يُعبَد أي أن يُتذلّل له نهايةُ التذلّل إلاّ الله1 كما قال ذلك الإمام الحافظ الفقيه اللغويُّ تقي الدين السبكي2 وغيره ولفظه العبادةُ أقصى غاية الخشوع والخضوع اﻫ3 ولو كان معنى العبادة مطلقَ الطاعةِ لمخلوق في أيّ شىء طاعةً كان أو معصيةً لكان عمّال الحكّام الجائرين كفّارًا فهل يقول هؤلاء الذين يقولون إن مجرد الطاعة أو التوسل عبادة ويكفرون المتوسلين بالأنبياء والأولياء عن أنفسهم إنهم مشركون. أَلَيس هؤلاء أنفسهم يطيعون الحكّام في بعض المعاصي فيكونون كفَّروا أنفسهم وإن لم يشعروا. فهؤلاء الذين يكفّرون المستغيثين بالأولياء والأنبياء ليتعلّموا معنى العبادة في لغة العرب قبل إطلاق ألسنتهم بالتكفير.
وما ذكرناه هو معنى العبادة المرادة بقوله تعالى ﴿لا إله إلا أنا فاعبدون﴾4 وبقوله تعالى ﴿إياك نعبد﴾5 وهذه هي العبادة المختصّة لله تعالى التي من صَرَفها لغيره صار مشركًا وليس معناها مجرّد النداء أو الاستعانةِ أو الاستغاثةِ أو الخوفِ أو الرَّجاءِ.
————-

1- قال الراغب الأصبهاني في مفردات القرءان(ص\542)” العبادة غاية التذلل” وقال الأزهري في التهذيب(ص\2302)”ومعنى العبادة في اللغة الطاعة مع الخضوع”اهـ.
2- هو علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم السبكي تقي الدين أبو الحسن الشافعي ولد بسبك العبيد أول يوم من صفر سنة 683 ﻫ وتفقه على والده ودخل القاهرة واشتغل على ابن الرفعة وأخذ الأصلين عن الباجي والخلاف عن السيف البغدادي والنحو عن أبي حيان والتفسير عن العلم العراقي والقراءات عن التقي الصائغ والحديث عن الدمياطي وطلب الحديث بنفسه ورحل فيه إلى الشام والإسكندرية والحجاز وولي بالقاهرة تدريس المنصورية وجامع الحاكم والكهارية وغيرها ولما توفي القاضي جلال الدين القزويني بدمشق طلبه الناصر في جماعة ليختار منهم من يقرره مكانه فوقع الاختيار على الشيخ تقي الدين فوليها سنة 739 ﻫ وأضيفت إليه الخطابة بالجامع الأموي فباشرها مدة في سنة 742 ﻫ وقال الذهبي في ذلك
لِيَهْـنَ المنـبرُ الأمويُّ لمـا ***** علاه الحاكم البحـر التقيُّ
شيوخ العصر أحفظهم جميعا ***** وأخـطبهم وأقضاهم عليُّ
ثم أعيدت لابن الجلال القزويني وولي التدريس بدار الحديث الأشرفية بعد وفاة المزي وتدريس الشامية البرانية بعد موت ابن النقيب في أوائل سنة 746 ﻫ وكان لا يقع له مسألة مستغربة أو مشكلة إلا ويعمل فيها تصنيفا يجمع فيه شتاتها طال أو قصر وذلك يبين في تصانيفه وقد جمع ولده فتاويه ورتبها في أربع مجلدات. توفي رحمه الله سنة 756ﻫ قال الإسنوي فى الطبقات كان أنظر من رأيناه من أهل العلم ومن أجمعهم للعلوم وأحسنهم كلامًا فى الأشياء الدقيقة وأجلهم على ذلك وكان فى غاية الإنصاف والرجوع إلى الحق فى المباحث ولو على لسان ءاحاد الطلبة مواظبًا على وظائف العبادات مراعيًا لأرباب الفنون محافظًا على ترتيب الأيتام فى وظائف ءابائهم اهـ. انظر طبقات الشافعية الكبرى (10\139).
3- ونقل ذلك الزبيدي في شرح القاموس مذكور في كتابه قال ابن الأثير ومعنى العبادة في اللغة الطاعة مع الخضوع(ج2\ص410).
4- [سورة الأنبياء/ الآية٢٥].
5- [سورة الفاتحة/ الآية ٤].

معنى اسم الله الواحد واسم الله الأحد

قال المؤلف رحمه الله (الواحدُ الأحدُ الأولُ القديمُ الحيُّ القيّومُ الدائمُ).

الشرح أن معنى الواحد الذي لا ثاني له أي لا شريك له في الألوهيّة فالله واحد لا من طريق العدد1. وأمّا الأحد فقال بعض العلماء هو بمعنى الواحد وقال بعضهم الأحد هو الذي لا يقبل الانقسام والتجزؤ أي ليس جسمًا2 لأن الجسم يقبل الانقسام عقلاً والله ليس جسمًا3. والجسم ما له طول وعرض وسَمْك.
ومعنى الأوّلِ الذي لا ابتداءَ لوجوده فهو وحده الأوّلُ بهذا المعنى وبمعناه القديمُ إذا أُطلق على الله4 لأنَّ قِدَم الله ذاتيٌّ وليس زمنيًّا. وأمّا معنى الحيّ إذا وُصِف الله به فهو أنه موصوف بحياة أزليّة أبديّة ليست بروح ولحم ودم وعصب ومخٍ بل حياته صفة قديمة قائمة بذاته5. ومعنى القيّوم الدائمُ الذي لا يزول6. وأمّا الدائم فمعناه الذي لا يلحقه ولا يجوز عليه الفناءُ وبمعناه الباقي فالله يستحيل عليه الفناء عقلاً ولا دائم بهذا المعنى إلا الله فلا شريك لله في الديمومية7 لأن ديموميته استحقها لذاته لا شىء غيره أوجب له ذلك وأما ديمومية غيره كالجنة والنار فهي ليست ذاتية بل هما شاء الله لهما البقاء أما من حيث ذاتُهما فيجوز عليهما عقلاً الفناء لكن ورد في الشرع بقاؤهما بنص القرءان والسنة النبوية وإجماع الأُمة8 ولذلك فإنَّ القول بفنائهما أو فناء النار دون الجنة كفر9. وقد قال ابن تيمية* بفناء النار10 بعد أن ذكر في كتابه منهاج السنة النبوية أن المسلمين اتفقوا على بقاء الجنة والنار وأنَّ جهم بن صفوان11خالف في ذلك فقال بفنائهما فكفره المسلمون فحكمُهُ حكمُ جهمٍ فكلاهما كافرٌ.
————-

1- قال أبو حنيفة رضي الله عنه في الفقه الأكبر(صط30)” والله واحد لا من طريق العدد ولكن من طريق أنه لا شريك له” اﻫ
2- قال البيهقي في الأسماء والصفات(ص\31-32) في جماع أبواب ذكر الأسماء التي تتبع نفي التشبيه عن الله منها الأحد “قال الحليمي وهو الذي لا شبيه له ولا نظير كما أن الواحد هو الذي لا شريك له ولا عديد ولهذا سمى الله عز وجل نفسه بهذا الاسم لما وصف نفسه بأنه ﴿لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد﴾ فكأن قوله جل وعلا ﴿لم يلد ولم يولد﴾ من تفسير قوله ﴿أحد﴾ والمعنى لم يتفرع عنه شىء ولم يتفرع هو عن شىءكما يتفرع الولد عن أبيه وأمه ويتفرع عنهما الولد أي فإذا كان كذلك فما يدعوه المشركون من دونه إلهًا لا يجوز أن يكون إلهًا إذ كانت أمارات الحدوث من التجزي والتناهي قائمة فيه لازمة له والبارئ تعالى لا يتجزأ ولا يتناهى اﻫ
3- قال الإمام أبو الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز البغدادي التميمي رئيس الحنابلة ببغداد في كتابه اعتقاد الإمام أحمد وأنكر أحمد على من يقول بالجسم وقال إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طول وعرض وسَمك وتركيب وصورة وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله فلم يجز أن يسمى جسمًا لخروجه عن معنى الجسمية ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل اﻫ
4- قال البيهقي في كتاب الاعتقاد )ص\39)” القديم هو الموجود لم يزل” اﻫ فالقديم إذا أطلق على الله فمعناه الأزلي الذي ليس له بداية. وقد نقل الزبيدي الإجماع على جواز إطلاق القديم على الله، ذكره في شرح(قديم لا أول له) إتحاف السادة المتقين في المجلد الثاني من اتحاف السادة المتقين”2\21)
5- أي ثابتة له.
6- كما في تفسير الطبري(1\69) عن الضحاك في تفسير قوله تعالى ﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم﴾ “قال القيوم الدائم” اﻫ قال البيهقي في الاعتقاد(ص\36)” القيّوم هو القائم الدائم بلا زوال فيرجع معناه إلى صفة البقاء” اﻫ
7- أي البقاء إلى ما لا نهاية.
8- قال البغدادي في الفرق بين الفرق(ص\331)” وأجمعوا أيضًا على جواز الفناء على العالم كلـه من طريق القدرة والإمكان وإنما قالوا بتأبيد الجنة وتأبيد جهنم وعذابـها من طريق الشرع اﻫ
وقال الشيرازي في اللمع في تعريف الإجماع(ص\87)” وأما في الشرع فهو اتفاق علماء العصر على حكم الحادثة” ثم قال “والدليل على أنه حجة قوله عز وجل ﴿ومَنُ يُشاقِقِ الرسولَ من بعد ما تَبَيَّنَ له الهدى ويَتَّبِعْ غيرَ سبيلِ المؤمنين نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ونُصْلِهِ جهنَّمَ وساءَتْ مصيرًا﴾ فتَوَعَّدَ على اتباع غير سبيلهم فدل على أن اتباع سبيلهم واجب ومخالفتهم حرام” اﻫ
9- قال البغدادي في الفرق بين الفرق(ص\331)” وأكفروا من قال من الجهمية بفناء الجنة والنار” اﻫ
*هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم الخضر النميري الحراني الدمشقي.ولد بِحَرَّان سنة 661هـ ثم انتقل إلى دمشق.ظهرت منه بدع كثيرة حتى قال الحافظ أبو زرعة العراقي إنه خرق الإجماع في أكثر من ستين مسئلة بعضها في الأصول وبعضها في الفروع وقال فيه علمه أكبر من عقله اهـ رد عليه علماء عصره وبدعوه وألفو في ذلك كالسبكي فإنه صنف شفاء السقام في زيارة خير الأنام والاعتبار ببقاء الجنة والنار في الرد عليه استتيب عدة مرات وكان في كل مره ينقض عهوده ومواثيقه حتى حبس بفتوى من قضاة المذاهبالأربعة سنة 762هـ بالقلعة ومات فيها سنة 728هـ.انظر الأجوبة المرضيةعلى الأسئلة المكية للحافظ ولى الدين العراقي ونجم المهتدى ورجم المعتدى لابن المعلم القرشي وشفاء السقام للسبكي والفتاوى الحديثية (ص\156هـ-157) لابن حجر الهيتمي والدرر الكامنة(1\145)للحافظ ابن حجر.
10- قاله في رسالة له سمّاها تلبيسًا الرد على من قال بفناء الجنة والنار ونقله عنه علماء عصره ونقله ايضا تلميذه ابن قيم الجوزية في كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح وأثبته عنه الصنعاني والألباني وغيرهما من محبيه فضلا عن منتقديه.
11- جهم بن صفوان أبو محرز الراسبي السمرقندي أسُّ الضلالة ورأس الجهمية. كان ينكر الصفات وينـزه البارئ عنها بزعمه ويقول بخلق القرءان وأن الله تعالى في الأمكنة كلها. قتله سلم بن أحوز وكان قتله سنة مائة وثمان وعشرين اﻫ.
انظر لسان الميزان(2\179) وسير أعلام النبلاء(6\26).

بيان معنى اسم الله الخالق

قال المؤلف رحمه الله (الخالقُ الرازقُ العالِمُ القديرُ الفعَّالُ لِمَا يُريد ما شاء الله كان وما لم يشأْ لم يكن).

الشرح معنى الخالق الذي أبدع وكَوَّنَ جميعَ الكائنات وأبرزها من العدم إلى الوجود فلا خَلْقَ بهذا المعنى إلا للهِ فما سوى الله تعالى حدث بخلقه تعالى وتكوينه وإبداعِه فالخلقُ هو الإِبراز من العدم إلى الوجود ولا خالقَ إِلا اللهُ. قال الله تعالى ﴿قل الله خالق كل شىء﴾1 والشىء يشمل الأجسام والأعمال2 وقال ﴿والله خلقكم وما تعملون﴾3 4 فالآيتان صريحتان في أن الله هو خالق الأجسام والأعمال5.
ومعنى الرَّازق الذي يوصل الأرزاقَ إلى عباده6.
ومعنى العالم المتّصفُ بالعلم فالله موصوفٌ بعلمٍ أزليّ أبديّ لا يتغيَّر لا يزداد ولا ينقص فهو عالِمٌ لا كالعلماء لأنَّ عِلْمَ غيرِه حادثٌ. ومعنى القدير المتَّصفُ بالقدرة التامة وهي صفةٌ أزليّةٌ أبديةٌ يؤثّر بها في الممكنات أي في كل ما يجوز في العقل وجوده وعدمه بها يوجِد ويُعْدِم وبمعناه القادر إلا أن القدير أبلغ7.
ومعنى الفعّال لِمَا يُريد أنه يكوّن ما سبقت به إرادته8 لا يعجزه عن ذلك شىء، يفعل ما يشاء بلا مشقة ولا يمانعه أحدٌ ولا يحتاج إلى استعمال ءالةٍ وحركةٍ ولا إلى استعانة بغيره ولا تخلّفَ لمرادِه9.
ومعنى ما شاء الله كان وما لم يشأْ لم يكن أن كل ما شاء الله في الأزل أن يكون كان وما لم يشأ الله في الأزل أن يكون لا يكون ولا تتغيّر مشيئته لأنَّ تغيّر المشيئة دليلُ الحدوث والحدوثُ مستحيلٌ على الله فهو على حسب مشيئته الأزليّة يغيِّر المخلوقات من غير أن تتغيّر مشيئته.
————-

1- [سورة الرعد/ الآية ١٦].
2- قال الرازي في تفسير هذه الآية(19\34)” ولا شك أن فعل العبد شىء فوجب أن يكون خالقه هو الله” اﻫ
3- [سورة الصافات/ الآية ٩٦].
4- قال البيهقي في القضاء والقدر(ص\169) عن قتادة عند ذكر هذه الآية وما يعمله ابن ءادم ليس هو الصنم وإنما هو حركاته واكتساباته وقد حكم بأنه خَلَقَنا وخَلَقَ ما نعمله وهو حركاتنا واكتساباتنا اﻫ قال الأشعري رحمه الله في اللمع وليس يجوز أن يعملوا الخشب في الحقيقة فلم يجُز أن يكون الله تعالى رجع بقوله ﴿خلقكم وما تعملون﴾ إليها ووجب أن يرجع إلى الأعمال كما رجع بقوله ﴿جزاء بما كانوا يعملون﴾ إلى الأعمال اﻫ
5- قال البيهقي في كتاب الاعتقاد(ص\91) في باب القول في خلق الأفعال “ومعلوم أن الأفعال أكثر من الأعيان فلو كان الله خالق الأعيان والناس خالقي الأفعال لكان خلقُ الناس أكثر من خلقه ولكانوا أتم قوة منه وأولى بصفة المدح من ربهم سبحانه ولأن الله تعالى قال ﴿والله خلقكم وما تعملون﴾ فأخبر أن أعمالهم مخلوقة لله عز وجل” اﻫ
6- قال في مختار الصحاح(ص\257)” الرزق ما ينتفع به” اﻫ قال البيهقي في الاعتقاد(ص\34)” وما مَكَّنَها من الانتفاع به من مباح وغير مباح رزقٌ لها” اﻫ
7-قال الرازي في تفسير سورة الفاتحة(1\145)” والأسماء الدالة على صفة القدرة كثيرة الأول القادر قال تعالى ﴿قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم﴾ ثم قال(1\146)” الثاني القدير قال تعالى ﴿تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شىء قدير﴾ وهذا اللفظ يفيد المبالغة في وصفه بكونه قادرًا” اﻫ وقال البيهقي في الأسماء والصفات(1\41)” قال الحليمي والقدير التام القدرة لا يلابس قدرته عجز بوجه” اﻫ
8- أي ما شاء في الأزل أن يكون.
9- أي إذا أراد شيئًا فلا بد أن يحصل.

بيان معنى لا حول ولا قوة إلا بالله

قال المؤلف رحمه الله (الذي لا حول ولا قوَّة إِلا به الموصوفُ بكل كمالٍ يليق به المنـزهُ عن كل نقصٍ في حقِّه ﴿ليسَ كَمِثْلِهِ شىءٌ وهو السميعُ البصيرُ﴾).

الشرح معنى لا حول ولا قوّة إلا بالله لا حولَ عن معصية اللهِ إلا بعصمة الله ولا قوّةَ على طاعة الله إلا بعون الله كما ورد ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه البزار1.
والله تعالى موصوفٌ بكل كمالٍ يليق به وإنَّما قُيّدت هذه العبارةُ بلفظِ يليقُ به لأنَّ الكمالَ إِمَّا أنْ يكون كمالاً في حقّ الله وفي حقّ غيره كالعلم أو لا2 كالوصف بالجبّار مدحٌ في حقّ الله وذمٌّ في حقّ الإنسان3 وكالوصف برجاحة العقل هو مدح في حقّ الإنسان ولا يجوز أن يوصف الله بذلك4 فكما أنَّه تعالى متّصفٌ بكل كمالٍ في حقّه فهو منـزهٌ عن كل نقصٍ أي ما لا يليق به تعالى كالجهل والعجز واللون5 والحدّ والتحيز في المكان والجهة6. قال أبو جعفر الطحاوي أحمد بن سلامةَ المتوفى في أول القرن الرابع الهجري7 “لا تحويه الجهاتُ الست كسائر المبتدعات” وذلك في عقيدته التي ذكر أنّها بيانُ عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدةِ أبي حنيفة8 وصاحِبَيْهِ أبي يوسفَ القاضي9 ومحمّدِ بنِ الحسنِ الشيباني10 وهم من أئمَّة السَّلف وذلك لأنه سبك عبارته في هذا الكتاب على أسلوب هؤلاء الأئمة الثلاثةِ لا لأن ما يذكره في هذا الكتاب مما انفرد به هؤلاء الأئمة الثلاثة، ومعنى ما قاله لا يجوز على الله أن يكون محدودًا والمحدود عند العلماء ما له حجم كبيرًا كان أو صغيرًا كثيفًا كالإنسان والشجر أو لطيفًا كالنور والظلام فإذًا هو منـزه عن أن يكون جالسًا لأن المتصف بالجلوس لا بُدَّ أن يكون محدودًا والمحدودُ يحتاج إلى من حده بذلك الحدّ ولا يجوز أن يحدَّ نفسه بحدٍّ يكون عليه لأنَّ معنى ذلك أنه خلق نفسه وذلك محال لأن الشىء لا يخلق نفسه11.
أما الآية ﴿ليسَ كمثلِهِ شىءٌ﴾12 فهي أصرح ءاية في القرءان في تنـزيه الله تعالى التنـزيهَ الكليَّ13 وتفسيرها أن الله لا يشبهه شىء بأي وجه من الوجوه*، والكاف في ﴿كمثله﴾ لتأكيد النفي14 ففي الآية نفيُ ما لا يليق بالله عن الله. وأما قوله تعالى ﴿وهو السميع البصير﴾ ففيه إثبات ما يليق بالله، السمعُ صفةٌ لائقة بالله والبصر كذلك وإنما قدّم الله تعالى في هذه الآية التنـزيهَ حتى لا يُتوهم أن سمعه وبصره كسمع وبصر غيره15 فالله تعالى موصوفٌ بأنَّه ليس كمثله شىء من اللطائف كالنور والروح والهواء ومن الكثائف كالشجر والإنسان16. والجسم اللطيف ما لا يضبط باليد والجسم الكثيف ما يضبط باليد أي ما يجسُّ باليد وهو تعالى لا يُشبه العلويات ولا السفليات17.
————-

1- في مسند البزار(5\374)” عن القاسم بن عبد الرحمـٰن عن أبيه عن عبد الله قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لا حول ولا قوة إلا بالله فقال رسول الله «تدري ما تفسيرها» قلت الله ورسوله أعلم قال «لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله» اﻫ
2- ومن أسماء الله تعالى ما هو خاص به لا يجوز أن يسمى به غيره. قال أبو منصور البغدادي في أصول الدين(ص\128)” أما التسمية بالإله والرحمن والخالق والقدوس والرزّاق والمحيي والمميت ومالك الملك وذي الجلال والإكرام فلا يليق بغير الله عز وجل ويجوز تسمية غيره بما خرج من معاني تلك الأسماء الخاصة” اﻫ
3- في لسان العرب(4\113)” الجبار من الملوك العاتي”اهـ وفيه جبروت أي كبر كما في المصباح(ص\35) وفي اللسان(4\113)”أيضا الجبار الذي يقتل على الغضب والجبار القتال في غير حق” ثم قال(4\114)”وكله راجع إلى معنى التكبر”اهـ. قال البيهقي في الاعتقاد(ص\33)”الجبار هو الذي لا تناله الأيدي ولا يجري في ملكه غير ما أراد وهو من الصفات التي يستحقها بذاته”اهـ ثم قال”وقيل هو الذي جبر مفاتر العباد وهو على هذا المعنى من صفات فعله”اهـ.
4- لأن العقل من صفات المخلوقين.
5- قال المتولي :”أو أثبت ما هو منفي عنه- أي الله- بالإجماع كالألوان أو أثبت له الاتصال والانفصال كان كافرًا” اﻫ ونقله النووي في الروضة وأقره(10\64).
6- قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأبسط(ص\57)”كان الله تعالى ولا مكان ، كان قبل أن يخلق الخلق، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خلق ولا شىء وهو خالق كل شىء”اهـ.
7- أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الطحاوي أبو جعفر صاحب التصانيف الفائقة والأقوال الرائقة والعلوم الغزيرة والمناقب الكثيرة. ولد سنة 239 ﻫ في طحا من صعيد مصر ونشأ فيها وتفقه على مذهب الشافعي ثم تحول حنفيًّا.
سمع هارون بن سعيد الإربيلي وأبا حازم القاضي وغيرهما وتصانيفه تطفح بذكر شيوخه وكثرة من روى عنه وأخذ منه. من تصانيفه شرح معاني الآثار طبع في مجلدين، ورسالة بيان السنة وقد طبعت وكتاب الشفعة والمحاضر والسجلات ومشكل الآثار وكلها طبعت وله يضًا أحكام القرءان والمختصر في الفقه وشرحه كثيرون. قال أبو عمر بن عبد البر كان الطحاوي كوفي المذهب وكان عالماً بجميع مذاهب الفقهاء. توفي رحمه الله سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة.
انظر الطبقات السنية(2\49) في تراجم الحنفية.
8- هو النعمان بن ثابت بن زوطي التيمي الكوفي مولى بني تيم الله بن ثعلبة. يقال إنه من أبناء الفرس إمام الحنفية الفقيه المجتهد المحقق أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة. ولد بالكوفة سنة ثمانين في حياة صغار الصحابة ونشأ فيها وكان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه ثم انقطع للتدريس والإفتاء. وأراده عمر بن هبيرة أمير العراقين على القضاء فامتنع ورعًا وأراده المنصور العباسي بعد ذلك على القضاء ببغداد فأبى. كان قوي الحجة من أحسن الناس منطقًا وكان كريمًا في أخلاقه جوادًا حسن المنطق والصورة جهوري الصوت إذا حدث انطلق في القول وكان لكلامه دوي. وعن الإمام الشافعي الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة. وفي أخبار أبي حنيفة أخبرنا عبد الله بن محمد قال ثنا مكرم قال ثنا أحمد بن عطية قال ثنا علي بن معبد قال ثنا عبيد الله بن عمر قال كنا عند الأعمش وهو يسأل أبا حنيفة عن مسائل ويجيبه أبو حنيفة فيقول له الأعمش من أين لك هذا فيقول أنت حدثتنا عن إبراهيم بكذا وحدثتنا عن الشعبي بكذا قال فكان الأعمش عند ذلك يقول يا معشر الفقهاء أنتم الأطباء ونحن الصيادلة اﻫ له مسندٌ في الحديث جمعه تلاميذه والمخارجُ في الفقه رواه عنه تلميذه أبو يوسف وخمسُ رسائل في التوحيد هي الرسالة والوصية والفقه الأكبر والفقه الأبسط والعالم والمتعلم ونص الزبيدي على صحة إسنادها إليه في شرح الإحياء(2\13). توفي رضي الله عنه ببغداد سنة مائة وخمسين للهجرة.
انظر الأعلام(6\390).
9- هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن خنيس بن سعد بن حبتة الأنصاري أول أصحاب أبي حنيفة وأعلاهم ذكرًا. نشأ في طلب العلم وكان أبوه فقيرًا فكان أبو حنيفة يتعاهد يعقوب بمائة بعد مائة. كان فقيهًا عالمًا حافظًا كان يعرف بحفظ الحديث يحضر المحدث فيحفظ خمسين وستين حديثًا ثم يقوم فيمليها على الناس وكان كثير الحديث. سمع هشام بن عروة وأبا إسحاق الشيباني وعطاء بن السائب وطبقتهم. وعنه محمد بن الحسن الفقيه وأحمد بن حنبل وبشر بن الوليد ويحيى بن معين وعلي بن الجعد وعلي بن مسلم الطوسي وعمرو بن أبي عمرو وخلق سواهم توفي في ربيع الآخر من سنة اثنتين وثمانين ومائة عن سبعين سنة إلا سنة.
انظر سير أعلام النبلاء(8\535).
10- محمد بن الحسن بن فرقد من موالي بني شيبان أبو عبد الله. إمام بالفقه والأصول وهو الذي نشر علم أبي حنيفة. أصله من قرية حرستا في غوطة دمشق وولد بواسط سنة 131 ﻫ ونشأ بالكوفة فسمع من أبي حنيفة وغلب عليه مذهبه وعرف به وانتقل إلى بغداد فولاه الرشيد القضاء بالرقة ثم عزله ولما خرج الرشيد إلى خراسان صحبه فمات في الري. ونعته الخطيب البغدادي بإمام أهل الرأي.
له كتب كثيرة في الفقه والأصول منها المبسوط في فروع الفقه والزيادات والجامع الكبير والجامع الصغير والآثار والسير والموطأ والأمالي والمخارج في الحيل. توفي سنة 189ﻫ.
انظر سير أعلام النبلاء(9\134).
11- قال أبو منصور البغدادي في أصول الدين(ص\69)” فإن قيل لم لا يجوز أن يكون الحادث أحدث نفسه قيل لأنه يستحيل من المعدوم إحداث نفسه لاستحالة كون المعدوم فاعلاً وإذا حدث فحدوثه يغنيه عن إحداث نفسه فبطل إحداث نفسه وصح أن محدثه غيره” اﻫ
12- [سورة الشورى/ الآية ١١].
13 وليس معنى وصف هذه الآية بأنها أصرح ءاية في التـنزيه أنها أفضل ءاية بل ورد في ءاية الكرسي أنها سيدة ءاي القرءان اهـ.
* قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر اﻫ
14- قال الحطاب في شرحه على الورقات فالكاف مزيدة للتأكيد اﻫ
15- قال العراقي في الغيث الهامع شرح جمع الجوامع(3\917) في كتاب الاجتهاد “وقوله ﴿ليس كمثله شىء﴾ تتمته في التنـزيل ﴿وهو السميع البصير﴾ فأول هذه الآية تنـزيه وءاخرها إثبات وصدرها رد على المجسمة وعجزها رد على المعطلة والنكتة في نفي التشبيه أولاً أنه لو بدأ بذكر السميع والبصير لأوهم التشبيه فاستفيد من الابتداء بنفي التشبيه أنه لا يشابهه في السمع والبصر غيره” اﻫ
16- قال الرازي في تفسير سورة الأنبياء(11\203)” واعلم أن أجسام هذا العالم إما كثيفة أو لطيفة” اﻫ
17- العلويات ما كان في السموات والسفليات ما كان في الأرض.

بيان معنى القديم والخالق

قال المؤلف رحمه الله (فهو القديمُ وما سواهُ حادثٌ وهو الخالقُ وما سواهُ مخلوقٌ).

الشرح أن العالم حادثُ الجنسِ والأفرادِ وخالفت الفلاسفة في ذلك فقال قسم منهم “العالم العلويُّ أزلي بمادته وأفراده” ومن هؤلاء إرسطو وتَبِعَه ابنُ سينا1 والفارابيُّ2 3 وقال بعضهم “العالم قديمُ الجنس والنوعِ حادثُ الأفراد” وهؤلاء متأخرو الفلاسفة وتبعهم أبو العباس أحمدُ بن تيمية من غير أن ينسُبَ نفسه إلى اتّباعهم بل نسب ذلك زورًا وبهتانًا إلى أئمَّة الحديث4. قال الإمام بدرُ الدين الزركشي5 في الفريقين في “تشنيف المسامع” “وضللهم المسلمون وكفّروهم” معناه أنَّ الفريقين كفّار بالإجماع.
وذكر تلك العقيدة الفاسدة أي أنَّ العالم أزليٌّ بنوعه حادث بأفراده ابنُ تيمية في سبعةٍ من كتبه منهاج السُّنة النبويّة وموافقة صريح المعقول لصحيح المنقول وكتاب شرح حديث النـزول وكتاب شرح حديث عمران بن حصين وكتاب نقد مراتب الإجماع وكتاب الفتاوى وفي تفسير سورة الأعلى. قال شيخنا العبدري رحمه الله تعالى وقد رأيت ذلك بعيني فيها اﻫ
والقول بأزلية العالم كالقول بنفي وجود الله تعالى وهما من أكفر الكفر6 فإن الأول وهو القول بأزلية العالم نفيٌ لخالقية الله7 والقول بنفي وجود ذات الله أشد وهو تعطيل للشرائع كلها لأن الشرائع كلّها جاءت بإثبات ذات الله.
————-

1- الحسين بن عبد الله بن سينا أبو علي. أصله من بلخ ومولده سنة 370 ﻫ في إحدى قرى بخارى ونشأ فيها. عاد في أواخر أيامه إلى همـذان، فمرض في الطريق ومات بها سنة 428 ﻫ. انظر الأعلام(2\241).
2- محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ أبو نصر الفارابي. تركي الاصل مستعرب. ولد سنة 260 ﻫ في فاراب على نهر جيحون وانتقل إلى بغداد فنشأ فيها ورحل إلى مصر والشام وتوفي بدمشق سنة 339 ﻫ.
انظر الأعلام(7\20).
3- كما ذكر الزركشي قول ابن سينا والفارابي بذلك في تشنيف المسامع (4\69).
4- قال ابن تيمية في كتابه المسمى درء التعارض(2\75)” وأما أكثر أهل الحديث ومن وافقهم فإنهم لا يجعلون النوع حادثًا بل قديمًا” اﻫ وكذب في ذلك، وهكذا يفعل فيما يميل إليه من الآراء الشاذة ينسبها إلى أهل الحديث ولا يسمي أحدًا منهم تلبيسا وتدليسا.
5- هو بدر الدين أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله المصري الزركشي الشافعي الإمام العلامة المصنف المحرر ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة وأخذ عن الشيخين جمال الدين الأسنوي وسراج الدين البلقيني ورحل إلى حلب إلى الشيخ شهاب الدين الأذرعي وسمع الحديث بدمشق وغيرها وكان فقيهًا أصوليًّا أديبًا فاضلاً في جميع ذلك ودرس وأفتى وولي مشيخة خانقاه كريم الدين بالقرافة الصغرى قال البرماوي “كان منقطعًا إلى الاشتغال لا يشتغل عنه بشىء وله أقارب يكفونه أمر دنياه ومن تصانيفه تكملة شرح المنهاج للإسنوي والروضة وهو كتاب كبير فيه فوائد جليلة والنكت على البخاري والبحر في الأصول في ثلاثة أجزاء جمع فيه جمعًا كثيرًا لم يُسبق إليه وتشنيف المسامع شرح جمع الجوامع للسبكي في مجلدين ولقطة العجلان وبلة الظمآن وله غير ذلك وكان خطه ضعيفًا جدًّا قل من يحسن استخراجه”. توفي بمصر في رجب سنة أربع وتسعين وسبعمائة ودفن بالقرافة الصغرى بالقرب من تربة بكتمر الساقي.
انظر شذرات الذهب (6\335).
6- نفي وجود الله هو أشد الكفر على الإطلاق.
7- قال الزركشي في تشنيف المسامع(4\633):” وقالوا- أي المسلمون- من زعم أنه قديم فقد أخرجه عن كونه مخلوقًا لله” اﻫ

بيان أن كل ما دخل في الوجود هو بخلق الله

قال المؤلف رحمه الله (فكلُّ حادث دخل في الوجود من الأعيان والأعمالِ من الذرة إلى العرشِ ومن كل حركة للعباد وسكون والنوايا والخواطرِ فهو بخلق الله لم يخلقهُ أحدٌ سوى الله).

الشرح الأعيان هي الأشياء التي لها حجم إن كانت صغيرة كالذرة1 أو أصغر منها أو كبيرة كالعرش الذي هو أكبرُ المخلوقات حجمًا وأوسعُها مِساحة2. والذرة هي أصغر الأجرام التي تراها العين وتسمى أيضًا الهباءَ ويوجد ما هو أصغر من الهباء مما لا تراه العيون3 وله حجم ومن ذلك أصغر حجم خلقه الله وهو الذي يسميه علماء التوحيد “الجوهر الفرد” وهو الجزء الذي لا يتجزأ4، هذا وما زاد عليه اللهُ تعالى هو الذي أوجده وكذلك أعمال العباد حركاتهم وسكناتهم وأفكارهم ونيّاتهم وعلومهم وخواطرهم التي تطرأ عليهم بدون إرادتهم ونظرُهم بقصدٍ إلى شىء وطرْفُ أعينهم بقصدٍ وبغير قصد اللهُ تعالى هو خلقها فيهم أما العباد فلا يخلقون شيئًا5.
————-

1- قال في تاج العروس(4\633)” في الذرة: ويـراد بها ما يرى في شعاع الشمس الداخل من النافذة” اﻫ
2- وهذا يفهم من حديث «ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة» رواه ابن حبان في باب ما جاء في الطاعات وثوابها وصححه(1\288)انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان لابن بلبان.
3- كما ذكر الزركشي في تشنيف المسامع.
4- قال أبو منصور التميمي في أصول الدين(ص\36)” فأما إثبات الجوهر جزءًا لا يتجزأ فعليه جمهور المسلمين” اﻫ
5- قال البيهقي في الاعتقاد(ص\95) في باب القول في خلق الأفعال “وليس لقائل أن يقول إذا خلق كسبه ويسره لعمل أهل النار ثم عاقبه عليه كان ذلك منه ظلمًا كما ليس له أن يقول إذا مكّنه منه وعلم أنه لا يتأتى منه غيره ثم عاقبه كان ذلك منه ظلمًا لأن الظلم في كلام العرب مجاوزة الحد والذي هو خالقنا وخالق أكسابنا لا ءامر فوقه ولا حادّ دونه وكل من سواه خلقه وملكه فهو يفعل في ملكه ما يشاء لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون” اﻫ

خالق العالم لا يصح أن يكون لا طبيعة ولا علة

قال المؤلف رحمه الله (لا طبيعةٌ ولا علّةٌ1).

الشرح الطبيعة هي الصفة التي جعل الله عليها الأجرام وعرّفها بعضُهم بأنها العادة فهذه لا يصح أن تكون خالقة لشىء من الأشياء لأنه لا إرادة لها ولا مشيئة ولا اختيار. والسبب هو حادث يُتوصل به إلى حادث ءاخر وقد يتخلف مُسَبَّبُهُ عنه. أما العلة فهي عند أهل الاصطلاح ما يوجد المعلول بوجوده ويعدم بعدمه مثل حركة الإصبع الذي فيه خاتمٌ فحركةُ الإصبع عندهم علةٌ لحركة الخاتم لأن حركةَ الخاتم تتبع حركة الإصبع فتوجد بوجودها وتعدم بعدمها.

قال المؤلف رحمه الله (بل دخولُهُ في الوجودِ بمشيئةِ الله وقدرتِهِ بتقديرهِ وعلمهِ الأزليّ لقولِ الله تعالى ﴿وخَلَقَ كلَّ شىءٍ﴾2أي أحدثَهُ من العدمِ إلى الوجودِ فلا خلْقَ بهذا المعنى لغيرِ الله قال الله تعالى ﴿هل مِنْ خالقٍ غيرُ الله﴾3)

الشرح أن كل ما دخل في الوجود أي وُجدَ بعد أن كان معدومًا من الأعيان أي الأجسام ونحوِها مما يقوم بذاته ومن الأعراض التي تقوم بغيرها كالأعمالِ ما كان منها خيرًا وما كان منها شرًا والنيات والخواطرِ التي لا نملك منعها من أن تَرِدَ هو بخلق الله تعالى فيدخلُ في ذلك أعمالُ العباد الاختياريةُ وغيرُ الاختياريةِ وخالفت في ذلك المعتزلةُ أي في أفعال العبد الاختياريةِ فقالت إن العبد هو خالقها فكفَّرهم العلماء المحقّقون كأبي منصور البغداديّ4 5 والإمام البُلقينيّ6 وهو من أكابر أصحاب الوجوه من الشافعية والإمامِ أبي الحسن شيثِ بن إبراهيمَ المالكيّ7 وغيرِهم وكذَّبت في ذلك المعتزلةُ قولَ الله تعالى ﴿وخلق كل شىء﴾ وقولَه ﴿هل من خالقٍ غيرُ الله﴾ وغيرَهما من الآيات. ومعنى الخلق هنا الإبرازُ من العدم إلى الوجود، ولفظةُ شىء في الآية الأولى شاملةٌ لكل ما دخل في الوجود.
————-

1- قال الجويني في لمع الأدلة(ص\80)” ويستحيل أن يكون مخصص العالم طبيعة كما صار إليه الطبائعيون ويستحيل أن يكون علة موجبة كما صار إليه الأوائل” اﻫ أي الفلاسفة القدماء. وقال القاضي عياض في الشفا بعد أن ذكر بعض المكفرات(2\283)” فذلك كله كفر بإجماع المسلمين كقول الإلهيين من الفلاسفة والمنجمين والطبائعيين” اﻫ
2- [سورة الفرقان/ الآية٢].
3- [سورة فاطر/ الآية ٣].
4- هو عبد القاهر بن طاهر الاستاذ أبو منصور البغدادي نزيل خراسان وصاحب التصانيف البديعة وأحد أعلام الشافعية. حدث عن إسماعيل بن نجيد وأبي عمرو محمد بن جعفر بن مطر وبشر بن أحمد وطبقتهم. وحدث عنه أبو بكر البيهقي وأبو القاسم القشيري وعبد الغفار ابن محمد الشيرويي وخلق. كان أكبر تلامذة أبي إسحاق الاسفراييني وكان يدرِّس في سبعة عشر فنًّا ويضرب به المثل قال أبو عثمان الصابوني كان الاستاذ أبو منصور من أئمة الاصول مات بإسفرايين في سنة تسع وعشرين وأربع مئة وقد شاخ وله تصانيف في النظر والعقليات. انظر سير أعلام النبلاء وطبقات.
5- في الفرق بين الفرق.
6- في حواشي الروضة مخطوط.
7- في حز الغلاصم في إفحام المخاصم. وهو شيث بن إبراهيم بن محمد بن حيدرة بن الحاج ضياء الدين أبو الحسن. ولد بقفط سنة 511 ﻫ. كان فقيهًا نحويًّا بارعًا وله في الفقه تعاليق ومسائل وله في النحو تصانيف فمنها المختصر والمعتصر من المختصر وحز الغلاصم في إفحام المخاصم وتهذيب ذهن الواعي في إصلاح الرعية والراعي ولطائف السياسة في أحكام الرئاسة وله كلام في الرقائق.
كان حسن العبادة يسير في أفعاله وأقواله سيرة السلف الصالح وكان ملوك مصر يعظمونه ويرفعون ذكره على كثرة طعنه عليهم وعدم مبالاته بهم . وله
هـي الدنيا إذا اكتملت ***** وطـاب نعيـمها قتـلت
فـلا تـفـرح بلذتـها ***** فبالـلذات قـد شغلـت
وكـن منها على حـذر ***** وخَـفْ منها إذا اعتدلت
عَمِيَ في كبره وتوفي سنة ثمان وتسعين وخمسمائة عن ثمان وثمانين سنة.
انظر الأعلام (ص\208\209).

قول النسفي

قال المؤلف رحمه الله (قال النسفي* فإذا ضربَ إنسانٌ زجاجًا بحجرٍ فكسرهُ فالضربُ والكسرُ والانكسارُ بخلقِ الله تعالى فليسَ للعبدِ إلا الكسبُ وأمّا الخلقُ فليسَ لغيرِ الله1. قال الله تعالى ﴿لها ما كَسَبَتْ وعليها ما اكْتَسبَتْ﴾2).

الشرح الضربُ هو فعل العبد وقد يحصل منه انكسارٌ وقد لا يحصل والكسرُ هو فعل العبد الذي فعله في الزجاج بواسطة الرمي بالحجر وأما الانكسار فما يحصل من الأثر في الزجاج فليس للعبد من عمله الاختياري إلا الكسبُ فهو يوجه قصدَه وإرادتَه نحوَ العملِ فيخلُقه اللهُ في العبد عند ذلك3. قال تعالى ﴿لها ما كسبت﴾ أي من الخير ﴿وعليها ما اكتسبت﴾ أي من الشر. قال الله تعالى ﴿وما رميتَ إذ رميتَ ولكن الله رمى﴾4 فأثبت الله تعالى الخلقَ لنفسه وتمدَّح بذلك لأنه شىء يختـص به وأثبت للعبد الكسب5. وهذا هو المـذهب الحقّ6.
————-

*هو العلامة المحدث أبو حفص نجم الدين عمر بن أحمد ابن لقمان النسفي الحنفي من أهل سمرقند. ولد نحو سنة إحدى وستين وأربعمائة قال فيه المؤرخ ابن شاكر الكتبي كان فقيها فاضلا مفسرا اديبا محدثا مفنا وقال السمعانى فقيه فاضل عارف بالمذهب والدب.قاربت مؤلفاته المائة منها بعث الرغائب لبحث الغرائب والقند في تاريخ سمرقند والعقيدة النسفية والفتاوى النسفية توفي رحمه الله بسمرقند بثانى عشر جماد الأوله سنة سبع وثلاثين وخمسمائة انظر سير أعلام النبلاء(20\126-127).
1- هذا معنى كلام النسفي ونصُّه وما يوجد من الألم في المضروب عقيب ضرب إنسان والانكسار في الزجاج عقيب كسر إنسان وما أشبهه كل ذلك مخلوق لله تعالى لا صُنْعَ للعبد في تخليقه اﻫ
2- [سورة البقرة/ الآية ٢٨٦].
3- قال البيهقي في الاعتقاد في باب القول في خلق الأفعال ولأنه قال ﴿فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم﴾ ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾ وقال ﴿أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون﴾ فسلب عنهم فعل القتل والرمي والزرع مع مباشرتهم إياه وأثبت فعلها لنفسه ليدل بذلك على أن المعنى المؤثر في وجودها بعد عدمها هو إيجاده وخلقه وإنما وجدت من عباده مباشرة تلك الأفعال بقدرة حادثة أحدثها خالقنا عز وجل على ما أراد فهي من الله سبحانه خلق على معنى أنه هو الذي اخترعها بقدرته القديمة وهي من عباده كسب على معنى تعلق قدرة حادثة بمباشرتهم التي هي أكسابهم اﻫ قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة والله تعالى خالقها وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره اﻫ
4- [سورة الأنفال/ الآية ١٧].
5- فأهل السنّة في مسئلة القدر عدول بين طرفي شذوذ، فإنا نثبت أن للعبد فعلاً يقوم به بإرادته والله تعالى خالقُه كما يفهم من قوله تعالى ﴿وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى﴾ خلافًا للمعتـزلة والجبرية، فالمعتزلة قالت بأن العبد خالق أفعاله فكذبوا قوله تعالى ﴿الله خالق كل شىء﴾ [سورة النمل/ الآية ٩١] وخالفوا حكم العقل وبيانُ ذلك أن العبد لو كان خالقًا لأفعاله لكان عالمًا بتفاصيلها ضرورة أن إيجاد الشىء بالقدرة والاختيار لا يكون إلا كذلك ولازم ذلك باطل فإن المشي من موضع إلى ءاخر قد يشتمل على سكنات متخللة وعلى حركات بعضها أسرع وبعضها أبطأ ولا شعور للماشي بذلك وليس هذا ذهولاً عن العلم بل لو سئل لم يعلم فإن كان هذا في أظهر أفعاله فما الظن بحال العبد إذا تأملنا في حركات أعضائه في المشي والأخذ والبطش ونحو ذلك فالأمر أظهر. أما الجبرية فقد زعمت أنه لا فعل للعبد أصلاً وأن حركاته بمنـزلة حركات الجمادات لا قدرة عليها ولا قصد ولا اختيار للعبد وهذا باطل لأننا نفرق بالضرورة بين حركة البطش وحركة الارتعاش، ولو لم يكن للعبد فعل أصلاً لما صح تكليفه ولا ترتب استحقاق الثواب والعقاب على أفعاله.
والحق ما قاله سيدنا علي رضي الله عنه لسائله عن القدر لا جبر ولا تفويض. قال أبو منصور البغدادي في أصول الدين في الأصل السادس في بيان عدل الصانع وحكمته واختلفوا في أكساب العباد وأعمال الحيوانات على ثلاثة مذاهب أحدها قول أهل السنّة إن الله عز وجل خالقها كما أنه خالق الأجسام والألوان والطعوم والروائح لا خالق غيره وإنما العباد مكتسبون لأعمالهم. والمذهب الثاني قول الجهمية إن العباد مضطرون إلى الأفعال المنسوبة إليهم وليس لهم فيها اكتساب ولا لهم عليها استطاعة وإن حركاتهم الاختيارية بمنـزلة حركة العروق النوابض في اضطرارهم إليها والمذهب الثالث قول القدرية الذين زعموا أن العباد خالقون لأكسابهم وكل حيوان محدِث لأعماله وليس لله في شىء من أعمال الحيوان صنع اﻫ ثم قال والدليل على جميع القدرية من القرءان قوله عز وجل ﴿والله خلقكم وما تعملون﴾ فأثبت في هذه الآية للعباد أعمالاً خلاف قول الجهمية إن العبد ليس له عمل وأخبر عن نفسه بأنه خالق لأعمالهم فدلّت الآية على بطلان قول الجهمية والقدرية اﻫ
6- قال الامام أبو حنيفة في الفقه الأكبر وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة والله تعالى خالقها وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره اﻫ وقد تقدم.

كلام الله قديم كسائر صفاته

قال المؤلف رحمه الله (وكلامُهُ قديمٌ كسائِرِ صفاتِهِ لأنَّه سبحانَهُ مباينٌ لجميعِ المخلوقاتِ في الذّاتِ والصِّفاتِ والأَفعالِ سبحانَهُ وتعالى عمَّا يقولُ الظالمونَ عُلُوًّا كبيرًا1).

الشرح أَنَّ كلامَ الله وسمعه وبصره وقدرتَه وحياته ومشيئته وعلمه وبقاءه هذه الصفات صفات ثابتة لذات الله الأزلي الأبدي فهي أزلية أبدية لأن الذاتَ الأزلي لا يقوم به صفة حادثة فكلامه قديمٌ أزليٌّ لا ابتداءَ له2 وما كان كذلك فلا يكون حرفًا وصوتًا ولغةً ولا يُبتدأ ولا يُختتم ولذلك لا يقال عن الله ناطق لأن النطق لا يكون إلا بحرف وصوت والله لا يتكلم بحرف وصوت بل يقال متكلم لأنه يتكلم بكلام3 ليس بحرف وصوت4. القرءانُ والتوراة والإنجيل والزَّبور وسَائر كتب الله إن قُصد بها الكلامُ الذاتيُ فهي أزليّة ليست بحرف ولا صوت وإن قُصد بها اللفظُ المنـزَّل الذي بعضه بلغة العرب وبعضُه بالعبرانيّة وبعضه بالسُّريانية فهو حادثٌ مخلوقٌ لله لكنها لَيْسَت من تصنيف مَلَك ولا بَشَر وهي عباراتٌ5 عن الكلام الذاتيّ الذي لا يوصف بأنّه عربيٌّ ولا بأنّه عبرانيٌّ ولا بأنّه سُريانيٌّ وكلٌّ يُطلق عليه كلامُ الله أي أنَّ صفةَ الكلامِ القائمةَ بذات الله يُقال لها كلام الله واللفظَ المنـزلَ الذي هو عبارة عن كلام الله الذاتيّ الأزليّ الأبديّ يقالُ له كلامُ اللهِ فتبيَّن أَنَّ القرءانَ له إطلاقان أي له معنيان الأول إطلاقه على الكلام الذاتي الذي ليس هو بحرفٍ ولا صوت ولا لغةٍ عربية ولا غيرِها والثاني إطلاقه على اللفظ المنـزل الذي يقرؤه المؤمنون. وتقريب ذلك أنَّ لفظ الجلالة (الله) عبارة عن ذات أزليّ قديمٍ أبديّ فإذا قلنا نعبد الله فذلك الذات هو المقصود وإذا كُتِبَ هذا اللفظُ فقيل ما هذا يُقال الله بمعنى أنَّ هذه الحروف تدلّ على ذلك الذات الأزليّ الأَبديّ لا بمعنى أَنَّ هذه الحروفَ هي الذاتُ الذي نعبده.
والله سبحانه مباينٌ أي غيرُ مشابِهٍ لجميع المخلوقات في الذات أي ذاتُه لا يشبه ذوات المخلوقات أي حقيقته لا تشبه الحقائق والصِّفاتِ أي صفاتُه لا تشبه صفات المخلوقات والفعلِ أي فعلُه لا يشبه فعل المخلوقات لأنَّ فعلَ الله تعالى أزليّ أبديّ والمفعولَ حادث. ومعنى سبحانه تنـزيهٌ لله تعالى ومعنى تعالى تَنَـزَّهَ6 وهو تبارك7 وتعالى متعالٍ أي متنـزهٌ عمّا يقول الظالمون أي الكافرون، ولَمّا كان الكفر هو أعلى الظلم وأكبرَهُ وأشدَّه أطلق اللهُ في القرءان الظالمين وأراد به الكافرين لأنَّ كلَّ الظلمِ الذي هو دون الكفر بالنسبة إلى الكفر كلا ظلمٍ. قال تعالى ﴿والكافرون هم الظالمون﴾8. الكفار هم أكبر ظلمًا أي أنَّ كفرهم أكبر من كل ذنب9 وكلُّ الظلم دونَهُ10.
————-

1- أي تنـزُّهًا مؤكَّدًا.
2- قال العلامة أبو علي السكوني الإشبيلي المالكي المتوفى سنة سبعمائة وسبعة عشر في كتابه التمييز لما أودعه الزمخشري من الاعتزال في تفسير الكتاب العزيز في المجلد الأول ما نصه مسئلة وما يستدل به من السمع على ثبوت الكلام القديم صفة لله سبحانه ﴿وكلم الله موسى تكليمًا﴾ أكد ذلك بالمصدر رفعًا للمجاز. فوجب أن يكون كلامه تعالى صفة له حقيقة قديمة لاستحالة اتصاف القديم بما يدل على حدوثه. ويدل على ذلك أيضًا قوله سبحانه ﴿إنما قولنا لشىء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون﴾ فلو كان كلامه تعالى مخلوقًا لم يكن صفةً له ولزم أن يقول له كن فيكون بكلام ءاخر ويلزم منه التسلسل وهو محال فلا بد من قدمه فاستحال حدوثه واستحالة كونه ليس بصفة حقيقة سبحانه فوجب قدمه وكونه صفة حقيقية له سبحانه وهو المطلوب ويدل على ذلك أيضًا قوله سبحانه ﴿ألا له الخلق والأمر﴾ ففرق تعالى بين الخلق والأمر فوجب أنّ أمرَهُ سبحانه ليس بمخلوق اﻫ وقال أيضًا ما نصه وكلام الله سبحانه واحد بإجماع الأمة اﻫ
3- قال الفيوميّ في المصباح المنير والكلام في الحقيقة هو المعنى القائم بالنفس لأنه يقال في نفسي كلام وقال تعالى ﴿ويقولون في أنفسهم﴾ اﻫ قال ابن عصفور في شرح جمل الزجاجي في باب أقسام الكلام لأن الكلام بالنظر إلى اللغة لفظٌ مشترك بين معان كثيرة منها المعاني التي في النفس دليلُ ذلك قول الأخطل من الكامل
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما ***** جعل اللسان على الفؤاد دليلا اﻫ
4- قال أبو حنيفة في الفقه الأكبر ونحن نتكلم بالآلات والحروف والله تعالى يتكلم بلا ءالة ولا حروف والحروف مخلوقة وكلام الله تعالى غير مخلوق اﻫ وقال الباقلاني في الإنصاف ويجب أن يعلم أن الله تعالى لا يتصف كلامه القديم بالحروف والأصوات ولا شىء من صفات الخلق وأنه تعالى لا يفتقر في كلامه إلى مخارج وأدوات بل يتقدس عن جميـع ذلك اﻫ
5- قال أبو حنيفة في الوصية لأن الكتابة والحروف والكلمات والآيات دلالة القرءان لحاجة العباد إليها وكلام الله تعالى قائم بذاته ومعناه مفهوم بهذه الأشياء اﻫ وقال الباقلاني فلغةُ العرب غيرُ لغةِ العبرانية ولغةُ السريانية غيرُهما لكن الكلام القديم القائم بالنفس شىء واحد لا يختلف ولا يتغير وقد يَدُلُّ على الكلام القائم بالنفس الخطوطُ المصطلح عليها بين كل أهل خط اﻫ
6- قال الطبري في تفسير سورة الإسراء يعني تعالى ذكره بقوله ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً﴾ تنـزيهًا للذي أسرى بعبده وتبرئة له مما يقوله المشركون اﻫ ثم قال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن التسبيح أن يقول الإنسان سبحان الله قال «إنـزاه الله عن السوء» اﻫ وقال النووي في المجموع
في كتاب الصلاة فرعٌ التسبيحُ في اللغة معناه التنـزيه قال الواحدي أجمع المفسرون وأهل المعاني على أن معنى تسبيح الله تعالى تنـزيهه وتبرئته من السوء اﻫ
7- قال البيهقي في الاعتقاد باب بيان صفة الذات وصفة الفعل قال أبو منصور الأزهري معنى تبارك تعالى وتعظّم اﻫ
8- [سورة البقرة/ الآية ٢٥٤].
9- روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سألت أو سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب عند الله أكبر قال أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك اﻫ ذكره في كتاب التفسير باب قوله تعالى ﴿والذين لا يدعون مع الله إلها آخر﴾.
10- قال الرازي في تفسيره والتأويل السادس ﴿والكافرون هم الظالمون﴾ أي الكاملون في الظلم البالغون المبلغ العظيم فيه كما يقال العلماء هم المتكلمون أي هم الكاملون في العلم فكذا ههنا اﻫ

إثبات ثلاث عشرة صفة لله تعالى تجب معرفتها على كل مكلف

قال المؤلف رحمه الله (فيتلخصُ مِن معنَى مَا مَضَى إِثباتُ ثلاثَ عشْرةَ صفةً لله تعالى تكرَّرَ ذِكرُها في القرءانِ إمَّا لفظًا وإما معنًى كَثيرًا وهي الوُجودُ والوَحدانيةُ والقِدمُ أي الأزليةُ والبَقاءُ وقِيامُهُ بنفسِهِ والقُدرةُ والإِرادةُ والعِلمُ والسَمْعُ والبَصَرُ والحَيَاةُ والكَلامُ والمخالفة للحوادثِ).

الشرح أن هذه الصفاتِ الثلاثَ عشرة الواجبةَ لله تجب معرفتها على كل مكلف ولا يجب عليه حفظ ألفاظها بل الواجب اعتقاد معانيها. ويتلخص من معنى ما مضى إثباتُ هذه الصفات الثلاثَ عشْرةَ لله تعالى وقد تكرر ذكرها إما باللفظ الظاهر وإما بالمعنى الوارد في النصوص أي في القرءان والحديث وهي
الوجود أي أن الله تعالى موجود. قال الله تعالى ﴿أفيْ اللهِ شكٌ﴾1 وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم «كان اللهُ ولم يكن شىءٌ غيرُهُ» رواه البخاري2 وغيره3.
والوحدانية أي أنه واحد لا شريك له قال الله تعالى ﴿لو كان فيهما ءالهةٌ إلا اللهُ لفسدتا﴾4 أي لو كان لهما5 أي للسمـٰوات والأرض ءالهـة غـيرُ الله لفسدتا.
والقِدَم أي أنه لا ابتداء لوجوده قال الله تعالى ﴿هو الأول والآخر﴾6.
والبقاء أي أنه لا نهاية لوجوده لا يموت ولا يَهلِكُ ولا يتغير قال الله تعالى ﴿ويبقى وجهُ ربِّكَ﴾7 أي ذاته8.
والقيام بالنفس أي أنه مستغن عن كل ما سواه وكل ما سواه محتاج إليه فالعالم لا يستغني عن الله طرفة عين قال الله تعالى ﴿فإن الله غني عن العالمين﴾9.
والقدرة فالله قادر على كل شىءٍ أي كلِّ ممكنٍ عقليٍّ وهو ما يجوز عقلاً وجوده وعدمه، فالقدرة صفة أزلية لله تعالى بها يوجِد ويُعْدِم. والله لا يُعجزه شىء. قال الله تعالى ﴿وهو على كل شىءٍ قدير﴾10.
والإرادة أي المشيئة وهي تخصيص الممكن العقليّ ببعض ما يجوز عليه من الصفات دون بعض وبوقت دون ءاخر قال الله تعالى ﴿وما تشاءون إلا أن يشاء اللهُ ربُّ العالمين﴾11.
والعِلم أي أن الله يعلم كل شىء بعلمه الأزلي ولا يتجدد له علم لأن عِلْمهُ علم واحد شامل لكل المعلومات يعلم به سبحانه ذاتَه وصفاتِه وما يُحْدِثه من مخلوقاته يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف يكون. قال الله تعالى ﴿وأن الله قد أحاط بكل شىءٍ عِلمًا﴾12.
والسمع والبصر أي أن الله يسمع بسمعه الأزلي الذي ليس كسمع غيره ويرى برؤيته التي ليست كرؤية غيره قال الله تعالى ﴿وهو السميع البصير﴾13.
والحياة أي أن الله حي بحياةٍ أزلية أبدية ليست بروحٍ ولحم ودمٍ قال الله تعالى ﴿الله لا إله إلا هو الحيُّ القيومُ﴾14.
والكلام أي أنه سبحانه وتعالى متكلم بكلام واحد أزلي أبدي ليس حرفًا ولا صوتًا ولا لغةً قال الله تعالى ﴿وكلَّم اللهُ موسى تكليمًا﴾15 16 17.
والمخالفة للحوادث أي جميعِ المخلوقات أي أنه لا يشبه شيئًا من خلقه قال الله تعالى ﴿ليس كمثله شىء﴾18.

قال المؤلف رحمه الله (فلما كانت هذه الصفات ذكرها كثيرًا في النصوص الشرعية قال العلماء تجب معرفتها وجوبًا عينيًا.)

الشرح تجب معرفة هذه الصفات وجوبًا عينيًّا على كل مكلفٍ. نصَّ على ذلك العديد من العلماء المتأخرين منهم محمّد بن يوسف السنوسيُّ19 20 صاحبُ العقيدةِ السنوسيةِ21 ومحمد بن الفَضاليّ الشافعيُّ22 23 وعبد المجيد الشُّرنوبيُّ المالكي24 25 وقبلهم بكثيرٍ ذكر مثلَ ذلك الإمام أبو حنيفة في “الفقه الأكبر” ومثله نصَّ على ذلك الحافظ النوويُّ في كتاب “المقاصد” وغيرهم كثير.

قال المؤلف رحمه الله (ولَمَّا ثبتَتِ الأَزليةُ لذَاتِ الله وجبَ أَن تكونَ صفاتُهُ أزليّةً لأنَّ حُدوثَ الصّفةِ يستلزمُ حدوثَ الذَّاتِ.)

الشرح لما كان ذات الله أزليًا وجب أن تكون صفاته القائمة بذاته أزليةً لأنه لو كان يحدث في ذات الله تعالى حوادثُ لوجب أن يكون ذاتُه حادثًا لأن قيام الحوادث بذاته معناه أنه يتغير من حالٍ إلى حال والمتغيِّر لا يكون إلهًا فلما ثبت في العقل قِدمُ الله تعالى وأزليتُه ثبوتًا قطعيًّا وجب أن تكون صفاتُه أزليةً26.
————-

1- [سورة إبراهيم/ الآية ١٠].
2- صحيح البخارى: في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قوله تعالى ﴿وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه﴾.
3- وهذا العالم دليل على وجود الله لأنه لا يصح في العقل وجود فعل ما بدون فاعل كما لا يصح وجود ضرب بلا ضارب ووجود نسخ وكتابة بلا ناسخ وكاتب. قال المقري في إضاءة الدجنة
أما الدليل لوجود الحـق ***** سبحانه فهو حدوث الخلـق
لأنه من المحـال الباطـل ***** وجود فعل مـا بدون فاعـل
قال الشارح الشيخ محمد بن أحمد في فصل في الصفات النفسية والسلبية وما ينافيهما (لأنه من المحال) المستحيل (الباطل) المنتفي الذي لا يقبل الثبوت (وجود فعل ما) أي فعل كان (بدون فاعل) بلا فاعل يفعله اﻫ
4- [سورة الأنبياء/ الآية ٢٢].
5- حرف “في” قد يكون بمعنى اللام كما في قوله تعالى في سورة الحج الآية ٧٨ ﴿وجاهِدوا في الله حقَّ جهاده﴾. ذكره الحافظ الفقيه المفسر عبد الرحمـٰن بن الجوزي في كتابه نـزهة الأعين النواظر.
6- [سورة الحديد/ الآية ٣].
7- [سورة الرحمـٰن/ الآية ٢٧].
8- وقال الرازي في تفسير الآية والمراد بوجهه ذاته اﻫ وقال البيضاوي في تفسيره ﴿ويبقى وجه ربك﴾ ذاتُـه اﻫ
9- [سورة ءال عمران/ الآية ٩٧].
10- [سورة الحديد/ الآية ٢].
11- [سورة التكوير/ الآية ٢٩].
12- [سورة الطلاق/ الآية ١٢].
13- [سورة الشورى/ الآية ١١].
14- [سورة البقرة/ الآية ٢٥٥].
15- [سورة النساء/ الآية ١٦٤].
16- قال أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط ﴿وكلم الله موسى تكليمًا﴾ هذا إخبارٌ بأن الله شرّف موسى بكلامه وأكّد بالمصدر دلالةً على وقوع الفعل على حقيقته لا على مجازه اﻫ
17- والمعنى أن الله أزال عن سمع موسى الحجاب المعنوي المانع من سماع كلام الله فسَمِعَ موسى كلام الله الذاتي ليس بحادث. فسَمْعُ موسى حادث، ومسموعه الذي هو كلام الله الذاتيّ ليس بحادث.
18- [سورة الشورى/ الآية ١١].
19- أبو عبد الله محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي التلمساني الحسني محدث متكلم مقرئ. من تصانيفه الكثيرة أم البراهين في العقائد وحاشية على صحيح مسلم،و له أيضاً شرح عجيب على البخاري لم يكمله وحاشية لطيفة على مشكلاته وغير ذلك. توفي بتلمسان سنة 895 ﻫ.
انظر معجم المؤلفين.
20- المتوفى سنة 895 ﻫ
21- في عقيدته الصغرى.
22- هو محمد بن شافع الفضالي فقيه مصري شافعي من كتبه كفاية العوام فيما يجب عليهم من علم الكلام توفي سنة 1236 ﻫ. انظر معجم المؤلفين.
23- في شرح السنوسية.
24- عبد المجيد بن إبراهيم الشرنوبي الأزهري المالكي. عالم مشارك في الفقه والحديث والتصوف واللغة والنحو وغيرها. ولد في بلدة شرنوب بمصر والتحق بالأزهر وعين بدار الكتب الأزهرية. توفي سنة 1348 ﻫ عن سن عالية. من تصانيفه شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية وإرشاد السالك إلى ألفية ابن مالك في النحو والكواكب الدرية على متن العزية في فروع الفقه المالكي وشرح تائية السلوك. انظر معجم المؤلفين.
25- في شرح تائية السلوك.
26- قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر وصفاته في الأزل غير محدثة ولا مخلوقة فمن قال إنها محدثة أو مخلوقة أو وقف أو شك فيها فهو كافر بالله تعالى اﻫ

شاهد أيضاً

صحيح مسلم – الجزء الأول – القسم2

الجزء الأول – القسم2 أبواب مختلفة بَابٌ فِي الرِّيحِ الَّتِي تَكُونُ قُرْبَ الْقِيَامَةِ، تَقْبِضُ مَنْ …