فصل معقود لبيان شروط صحة الصلاة زيادة على الطهارة من الحدث وعن النجاسة ولبيان مبطلات الصلاة
قال المؤلف رحمه الله (فصلٌ)
الشرح أن هذا فصل معقود لبيان شروط صحة الصلاة زيادة على الطهارة من الحدث وعن النجاسة ولبيان مبطلات الصلاة.
قال المؤلف رحمه الله (وَمِنْ شروطِ الصلاةِ استقبالُ القِبلةِ1)
الشرح يشترط لصحة الصلاة استقبال الكعبة أي جرمِها أو ما يحاذي جرمها إلى السماء السابعة أو الأرض السابعة2، فلو استقبل مُشاهِدُ الكعبةِ الكعبةَ ببعض بدنه وبعضُ بدنه خارج عنها لم يكف. والمرادُ بالكعبة القدرُ القائم الآن. والمراد بالاستقبال أن يستقبل بالصدر3 في القيام والقعود وبمعظم البدن في الركوع والسجود. والقادر على الاجتهاد في القِبلة لا يأخذ بقول مجتهد غيره وإنْ فعل لا تنعقد صلاته بل يجتهد هو لنفسه وأما إن دخل بيت ثقة فقال له صاحبُ البيتِ الثقةُ عن علمٍ لا عن اجتهاد القبلةُ هكذا يجوز له الاعتماد على كلامه. وأما الطفـل المميز الذي لا يستطيع الاجتهاد فيقال له القبـلة من هنا.
قال المؤلف رحمه الله (ودخولُ وقتِ الصلاةِ)
الشرح من شروط صحة الصلاة معرفة دخول الوقت يقينًا كأن يعاين الزوال برؤية زيادة الظل عمّا كان عليه عند بلوغ الشمس وسط السماء أو يُعايِنَ تحوّله إلى جهة المشرق بعد أن كانت الشمس في وسط السماء أو ظنًّا باجتهاد كأن يعتمد على صياح الديك المجرَّب. وإذا عمل التقيُّ الثقة العارف تقويمًا لأوقات الصلاة اعتمادًا على مراقبته يجوز أن يُعتمد عليه لكن الأفضل أن ينظر الشخص بنفسه إلى الظل لصلاة الظهر والعصر وإلى الأفق للصلوات الثلاث المغرب والعشاء والصبح. وكذلك يُعرفُ دخول الوقت بقول الثقة أو بسماع أذانه. ولا يكفي القيام للصلاة والدخول فيها بمجرد التوهم بل تلك الصلاة فاسدة ولو صادفت الوقت4. وأما من اشتبه عليه الوقتُ لأجل غيم فيجتهد بناء على ما مضى من الأيام التي راقب فيها على التحقيق.
قال المؤلف رحمه الله (والإسلامُ والتمييزُ وهوَ أَنْ يكونَ الولدُ بلغَ مِنَ السنِّ إلى حيثُ يفهمُ الخطابَ ويردُّ الجوابَ)
الشرح من شروط صحة الصّلاة أن يكون المصلي مسلمًا فالكافر لا تصح منه الصلاة. كذلك التمييزُ شرطٌ فالولد غير المميز لا تصح منه الصلاة فلا يقال لغير المميز صلّ بل يقال له انظر كيف الصلاة
قال المؤلف رحمه الله (والعلمُ بفَرضيتِهَا)
الشرح كذلك يشترط لصحة الصلاة العلمُ بفرضيتها فلو كان يتردّد فيها هل هي فرض أو لا أو اعتقد أنَّها نفل ليست فرضًا لم تنعقد صلاته حتى يعرِفَ أنَّها فرض فتصحَّ منه.
قال المؤلف رحمه الله (وأنْ لا يعتقدَ فرضًا مِنْ فروضها سنةً5)
الشرح أن من شروط صحة الصلاة أن لا يعتقد أن فرضًا من فروضها سُنّةٌ أي غيرُ واجب كالركوع والسجود والقراءة للفاتحة وغير ذلك مما هو فرضٌ مُتّفق عليه في مذهب الشافعيّة. أمَّا من اعتقد أن أفعالها أو أقوالها كلَّها فروضٌ صحت صلاته، ومن اعتقد أن بعض أفعالها فرض وبعض أفعالها سُنّة ولم يقصد بفرض معيّن أنَّه سنّة فإن صلاته صحيحة سواء في ذلك العامي وغيره6.
قال المؤلف رحمه الله (والسترُ بِمَا يسترُ لونَ البشرةِ لجميعِ بدنِ الحرةِ إلا الوجهَ والكفين وبما يسترُ ما بين السرةِ والركبةِ للذكرِ والأمة من كل الجوانبِ لا الأسفلِ.)
الشرح يشترط لصحة الصلاة ستر العورة مع القدرة ولو كان في ظلمة وخاليًا تأدّبًا مع الله تعالى. والعورة في الصلاة في حق المرأة الحرّة أي الأنثى التي هي غير مملوكةٍ جميع بدنها إلا الوجه والكفين .
والستر يحصل بما يستر لون الجلد والشعر وأمّا ما لا يستر اللون فلا يكفي، فلا يكفي الثوبُ الرقيقُ الذي تُميَّزُ من خلفه البشرةُ السمراءُ من البشرة البيضاء7. وأمّا حدّ العورة بالنسبة للذكر والأَمةِ فهو ما بين السرّة والركبة فليست السرة والركبة عورةً إنما العورة ما بينهما. وهذا الستر المشترط إنما هو من الأعلى والجوانب لا من الأسفل فإِنه لو صلى الشخص على مكانٍ مرتفع وكانت تُرى عورته لمن نظر من أسفلَ لكنها لا تُرى من الأعلى والجوانب صحّت صلاته8 9.
قال المؤلف رحمه الله (وتبطلُ الصلاةُ بالكلامِ وَلَو بحَرفَيْنِ أوْ بحرفٍ مُفهِمٍ إلا أنْ نسيَ وقلَّ)
الشرح الصلاةُ تبطل بما هو من كلام النَّاس عمدًا مع ذِكرِ أنّه في الصلاة أي من غير أن يكون مغلوبًا لايستطيع ترك ذلك النطق ولو كان ذلك النطقُ بحرفين كهَلْ وبَلْ ولو لم يكن لهما معنًى وبحرف ممدود كأن يقول ءَا أو إيْ أو أُو فإنه بسبب المد صار حرفين. وكذلك تبطل الصلاة بالنطق بحرف مفهم وذلك كأن يقول قِ بقاف مكسورة لا يتبعها شىء وكذلك عِ بعين مكسورة10 وكذلك فِ بكسر الفاء لأنّ هذه الحروف الثلاثةَ كل واحد منها له معنًى يُفْهَم منه فَقِ يُفهم منه الأمر بالوقاية وَعِ يفهم منه الأمر بالوعي وفِ يُفهم منه الأمر بالوفاء، فهذا وما أَشْبهه يُبطل الصلاة إن كانَ عمدًا أي ومع ذِكرِ أنّه في الصلاة وكان عالِمًا بالتَّحريم. فأَمَّا النّاسي أنّه في الصلاة إذا تكلَّم بكلام قليل أي ستِّ كلمات عُرْفيةٍ فأقلَّ فلا يبطل نطقه هذا صلاته وهذا مثلُ أن يقول اذهب إلى السوق واشترِ لي خُبزًا ثم أحْضره لي ثم ضعه في مكان كذا ونحوَ هذا. ومن كان جاهلاً بحرمة الكلام في الصلاة لكونه ممَّن أسلم من وقتٍ قريب أو لكونه نشأ في بلدٍ بعيدة عمَّن يعرف أحكام الشرع فإنه لا يُبطل كلامُهُ في الصلاة صلاتَه. وأَمَّا التنحنح ففي مذهب الإِمام الشافعي فيه رأيان أحدهما أنه يبطل والآخر لا يبطل. وخرج بكلام الناس ذكرُ الله فإنه لا يبطل.
قال المؤلف رحمه الله (وبالفعلِ الكثير وهو عندَ بعضِ الفقهاءِ ما يسَعُ قدرَ ركعةٍ منَ الزمن، وقيل ثلاثُ حركاتٍ متوالياتٍ، والأولُ أقوى دليلاً)
الشرح ممَّا يُبطل الصلاة الفعلُ الكثير المتوالي11 وضبطوه بثلاث حركات سواء كان بثلاثة أعضاء كحركة يديه ورأسه12 على التعاقب أو دَفعةً واحدةً13 أو ثلاث خطوات14، هذا هو المشهور عند الشافعيّة، أما ثلاث حركاتٍ غير متواليات فلا تفسد الصلاة عندهم. وقال بعضهم لا يبطل الصلاةَ مِنَ الفعل إِلا ما وسع مقدار ركعة من الزَّمن في ءان واحد أي متواليًا وبين القولين فرق كبير15. وهذا الوجه الثاني يجوز العمل به لأنَّه أوفق لظاهر بعض الأحاديث.
قال المؤلف رحمه الله (وبالحركةِ المُفرِطةِ وبزيادةِ ركنٍ فعليٍّ16 وبالحركةِ الواحدةِ للَّعبِ)
الشرح من الفعل المبطل الحركةُ المفرطة كالوثبة17. ومن المبطل أيضًا الحركة الواحدةُ إذا كانت للَّعب ولو لم تكن مفرطة أما إذا ابتسم أو مسح على رأس ولد صغير مثلاً لإيناسه فلا يُبطل ذلك الصلاة. ولا يُفسد الصلاةَ تحريكُ الأصابع مع استقرار الكفِّ وإن كَثُرَ، وكذلك تحريك الجفْن أو اللسان أو الأذن وحلّ زرٍّ وعقده ولو كثر إن كان الكف قَارًّا ما لم يكن للَّعب18. وكذلك تبطل الصلاة بزيادة ركن فعليّ كأن عمل ركوعين في ركعة واحدة من صلاة الصبح مثلاً ذاكرًا ذلك أما الركن القوليُّ إذا كرّره فلا يُبطل الصلاة فلو كرر الفاتحة أربع مرات مثلاً في ركعة واحدةٍ لم تفسد صلاته.
قال المؤلف رحمه الله (وبالأكلِ والشربِ إِلا أنْ نسِيَ وقلَّ19)
الشرح من مبطلات الصلاة الأكل والشرب إِلا ما كان مع النسيان فإِنه لا يبطل إن كان أكلُهُ وشربه قليلاً. وكذا تَبطلُ الصلاة إذا تقيأ عامدًا أو مغلوبًا وكذا لو تجشّأ فوصل الجُشاء إلى ظاهر الفم ولو لم يبلعه أما إن شك هل خرج شىء من الجوف إلى ظاهر الفم عندما تجشأ أو لا فلا تفسد صلاته بذلك.
قال المؤلف رحمه الله (وبنيّةِ قطعِ الصلاةِ وبتعليقِ قطعِهَا على شىءٍ وبالتردُّدِ فيهِ)
الشرح مَن نوى في قلبه أن يقطع الصلاة في الحال أو بعد مُضيِّ ركعة مثلاً بَطَلَت صلاتُه20. وكذلك تبطل بتعليق القطع بشىءٍ21 كأن قال في نفسه إن حصل كذا فإنّي أقطعها فإنها تبطل حالاً، وكذلك بالتردُّد فيه22 كأن قال “أقطعها أم أستمرُّ فيها” فإنها تبطل. هذا إذا لم يكن خاطراً أي بحيث لم يورثه ترددًا ولا عزمًا على القطع.
قال المؤلف رحمه الله (وبأنْ يمضيَ ركنٌ معَ الشكِّ في نيّةِ التحرُّمِ أو يطولَ زمنُ الشكِّ.)
الشرح مَنْ شك في نية الصلاة هل نَوَى في التحرّم أو لا واستمر هذا الشكُّ حتى مضى ركنٌ وهو يشكُّ فإن صلاتَه تبطل كأنْ قرأ الفاتحةَ وهو في هذا الشك فإنها تبطل أو شكَّ في ذلك ثم رَكَعَ وهو شاكٌّ فإنها تبطُلُ، وكذلك إذا طال زمنُ الشك ولو لم يمضِ معه ركنٌ ، فأَمَّا إن تذكر قبل أن يمضي مع الشك ركن أو يطولَ وقت الشك لم تبطل وذلك بأن يشك فيزول سريعًا23. وأمَّا ظنُّ أنّه في صلاةٍ غيرِ الصلاة24 التي دخل بِنِيَّتها فلا يُبْطِلُ الصلاة ولو أتمَّها وهو على ذلك.
————-
1- قال في شرح الروض لقوله تعالى ﴿فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره﴾ أي جهته والاستقبال لا يكون في غير الصلاة فتعين أن يكون فيها اﻫ
2- قال في إعانة الطالبين في بيان استقبال القبلة وهو سمت البيت وهواؤه إلى السماء والأرض السابعة والمعتبر مسامتتها عرفًا لا حقيقة اﻫ
3- قال في إعانة الطالبين المراد بالصدر جميع عرض البدن اﻫ
4- قال في المجموع إذا شك في دخول وقت الصلاة فصلى بلا اجتهاد فوافق الوقت لا يجزيه اﻫ
5- قال في إعانة الطالبين فلو اعتقد في فرض من فروضها أنه سنة بطلت صلاته اﻫ
6- قال السيوطي في شرح التنبيه وقال في الروضة بعد نقله له هكذا ذكروا ولم يفرقوا بين العامي وغيره اﻫ
7- قال في شرح الروض ولا يكفي سترة تحكي اللون ثم قال ولا يضر أن تحكي الحجم لكنه للمرأة مكروه وللرجال خلاف الأولى اﻫ
8- قال في شرح الروض ولا يجب عليه الستر إلا من أعلاه وجوانبه لأنه الستر المعتاد بخلافه من أسفل اﻫ
9- ولو كان الإزار يستر عورته حال القيام ثم انكشف عن شىء منها بسبب سجوده أو قعوده بطلت صلاته.
10- قال في شرح الروض فإن نطق فيها بحرفين فأكثر ولو بغير إفهام أو حرف يفهم نحو قِ من الوقاية وعِ من الوعي أو حرف ممدود وإن لم يفهم نحو ءا والمد ألف أو واو أو ياء فالممدود في الحقيقة حرفان ولو لمصلحة الصلاة كقوله لإمامه قم أو اقعد بطلت اﻫ
11- قال في إعانة الطالبين بخلاف الكثير المتفرق فإنه لا يبطل لأنه عليه الصلاة والسلام صلى وهو حامل أمامة فكان إذا سجد وضعها وإذا قام حملها اﻫ
12- قال في إعانة الطالبين قوله وكتحريك رأسه ويديه أي لأن المجموع ثلاث حركات وهي لا يشترط فيها أن تكون من عضو واحد اﻫ قال في نهاية المحتاج في شرح المنهاج وذهاب اليد وعودها على التوالي مرة واحدة فيما يظهر اﻫ
13- قال في إعانة الطالبين أي أنها تبطل بذلك اﻫ
14- قال في إعانة الطالبين إن المعتبر في الكثرة العرف فما يعده العرف كثيرًا كثلاث خطوات ضر اﻫ
15- قال النووي في المجموع أما حكم المسئلة فمختصر ما قاله أصحابنا أن الفعل الذي ليس من جنس الصلاة إن كان كثيرًا أبطلها بلا خلاف وإن كان قليلاً لم يبطلها بلا خلاف هذا هو الضابط ثم اختلفوا في ضبط القليل والكثير على أربعة أوجه أحدها القليل ما لا يسع زمانه فعل كل ركعة والكثير ما يسعها حكاه الرافعي وهو ضعيف أو غلط والثاني كل عمل لا يحتاج إلى يديه جميعًا كرفع عمامة وحل أشرطة سراويل ونحوهما قليل وما احتاج كتكوير العمامة وعقد الإزار والسراويل كثير حكاه الرافعي والثالث القليل ما لا يظن الناظر إليه أن فاعله ليس في الصلاة والكثير ما يظن أنه ليس فيها وضعفوه بأن من رءاه يحمل صبيًّا أو يقتل حية أو عقربًا ونحو ذلك يظن أنه ليس في صلاة وهذا القدر لا يبطلها بلا خلاف والرابع وهو الصحيح المشهور وبه قطع المصنف والجمهور أن الرجوع فيه إلى العادة فلا يضر ما يعده الناس قليلاً كالإشارة برد السلام وخلع النعل ورفع العمامة ووضعها ولبس ثوب خفيف ونزعه وحمل صغير ووضعه ودفع مارٍّ ودلك البصاق في ثوبه وأشباه هذا وأما ما عده الناس كثيرًا كخطوات كثيرة متوالية وفعلات متتابعة فتبطل الصلاة قال أصحابنا على هذا الفعلة الواحدة كالخطوة والضربة قليل بلا خلاف والثلاث كثير بلا خلاف وفي الاثنين وجهان حكاهما المصنف والأصحاب أصحهما قليل وبه قطع الشيخ أبو حامد والثاني كثير ثم اتفق الأصحاب على أن الكثير إنما يبطل إذا توالى فإن تفرق بأن خطا خطوة ثم سكت زمنًا ثم خطا أخرى أو خطوتين ثم خطوتين بينهما زمن إذا قلنا لا يضر الخطوتان وتكرر ذلك مرات كثيرة حتى بلغ مائة خطوة فأكثر لم يضر بلا خلاف وكذلك حكم الضربات المتفرقة وغيرها قال أصحابنا وحدُّ التفريق أن يعد الثاني منقطعًا عن الأول وقال البغوي عندي أن يكون بينهما ركعة لحديث أمامة بنت أبي العاص وهذا غريب ضعيف ولا دلالة في هذا الحديث لأنه ليس فيه نهي عن فعل ثانٍ في دون ذلك الزمان اﻫ
16- قال في فتح المعين وتبطل بزيادة ركن فعلي اﻫ
17- قال في إعانة الطالبين وتبطل بالوثبة ولم يقيدها بالفاحشة لأنها لا تكون إلا كذلـك اﻫ
18- قال في إعانة الطالبين كتحريك أصبع تمثيل لما يحصل به الحركات الخفيفة وقوله (في حك) أي أو حل أو عقد قوله (مع قرار الكف) أي استقرارها وعدم تحريكها أو تحريك جفن ثم قال قوله (لأنها) أي المذكورات من الجفن والشفة والذكر واللسان قوله (تابعة) أي فلا يضر تحريكها مع استقرار محالها وعدم تحريكها اﻫ
19- قال في إعانة الطالبين وتبطل بمفطر وصل لجوفه. ثم قال وإن قل أي المفطر كسمسمة اﻫ
20- قال في إعانة الطالبين في باب مبطلات الصلاة قوله بنية قطعها أي حالاً أو بعد مضي ركن ولو بالخروج إلى صلاة أخرى وذلك لمنافاة ذلك للجزم بالنية المشروط دوامه فيها اﻫ
21- قال في إعانة الطالبين وتبطل الصلاة بنية تعليق القطع على حصول شىء كما إذا نوى إن جاء فلان قطعت صلاتي اﻫ
22- قال في المجموع والمراد بالتردد أن يطرأ شك مناقض جزم النية اﻫ قال في إعانة الطالبين قال ش ق وكالتردد في قطعها التردد في الاستمرار فيها فتبطل حالاً لمنافاته الجزم المشروط دوامه كالإيمان والمراد بالتردد أن يطرأ شك مناقض للجزم اﻫ
23- قال في شرح الروض ولو شك هل أتى بتمام النية أو لا أو هل نوى ظهرًا أو عصرًا فإن تذكر بعد طول زمان أو بعد إتيانه بركن ولو قوليًّا كالقراءة بطلت صلاته اﻫ
24- قال في شرح روض الطالب لو ظن أنه في صلاة أخرى فأتم عليه صحت صلاته اﻫ
فصل معقود لبيان شروط قبول الصلاة
قال المؤلف رحمه الله (فصل)
الشرح أن هذا فصل معقود لبيان شروط قبول الصلاة.
قال المؤلف رحمه الله (وشُرِطَ معَ مَا مَرَّ لقبولهِا عندَ الله سبحانَهُ وتعالى أن يقصدَ بها وجهَ الله وحدَهُ وأنْ يكونَ مأكلُهُ وملبوسُهُ ومصلاهُ حلالاً وأَنْ يخشعَ لله قلبُهُ فيها ولو لحظةً فإِنْ لمْ يحصلْ ذلك صحّتْ صلاتُهُ بِلا ثوابٍ)
الشرح هذا بيانٌ لشروطِ القبَول وهي غيرُ شروط الصحّة المذكورة فيما قبل لأنَّ تلك لا تصح الصلاةُ بدونها وأمَّا المذكورة في هذا الفصل فهي شرائطُ لنَيْل الثواب فلو لم تحصل صحت صلاتُهُ لكن بلا ثواب وهذه الشروط هي الإخلاصُ لله تعالى أي أن يقصد بصلاته امتثالَ أمرِ الله لا أن يمدحه الناس ويثنوا عليه1
وأن يكون مأكله وملبوسه ومكان صلاته حلالاً فمن كان مأكله أو ملبوسه أو مكان صلاته حرامًا فإنه لا ثواب له مع كونها صحيحة أي مجزئة.
ومنها إحضارُ القلب أي أن يخشع لله ولو لحظة فَمَن لم يخشع لله لحظة في صلاته فإنه يخرج منها بلا ثواب. قال الله تعالى ﴿قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون﴾2 ومعنى الخشوع هو استشعار الخوف من الله عزَّ وجلَّ باستشعار محبته وتعظيمه.
————-
1- قال في إعانة الطالبين الإخلاص كما ورد في الخبر العمل لله وحده اﻫ
2- [سورة المؤمنون/ الآية 2].
فصل معقود لبيان أركان الصلاة
قال المؤلف رحمه الله (فصلٌ)
الشرح أن هذا فصل معقود لبيان أركان الصلاة.
قال المؤلف رحمه الله (أركانُ الصلاة سبعةَ عشر1 الأولُ النيةُ بالقلبِ للفعلِ ويعيِّنُ ذاتَ السَّببِ أو الوقتِ وينوِي الفرضيةَ في الفرضِ)
الشرح أن النيّة هي ركنٌ من أركان الصلاة وهي عملٌ قلبيٌّ فالنطق بها باللسان ليس بفرض2 فالأمر الضروريُّ في النيّة هو أن يقصد فعل الصلاة3 في التكبير. ويجب مع ذلك أن يُعيّن الصلاة التي لها سببٌ4 كالخسوف والصلاةَ التي لها وقتٌ كالضُّحى، وأن ينويَ إن كانت الصلاة مفروضةً أنها فرض5، كلُّ ذلك يجب تحصيله مع التكبير أي ضمنه في مذهب الإمام الشافعي، يقول بقلبه مثلاً أصلي فرض الظهر أو أصلي فرض العصر أو أصلي الضحى أو أصلي الوتر. وقال بعض الشافعية إِنَّ نية الفرضية غير لازمةٍ فتصحُّ الصلاةُ بدونها على هذا الوجه
قال المؤلف رحمه الله (ويقولُ بحيثُ يُسمعُ نفسَهُ ككُلِّ ركنٍ قَوْليٍّ الله أكبرُ وهو ثاني أركانِهَا)
الشرح أن ممَّا هو لازمٌ لا يصحُّ التكبير بدونه أن ينطِق به بحيث يُسمع نفسه6 جميعَ حروفه ، وكذا كلُّ ركن من الفاتحة والتَّشَهُّد الأخير والصلاة على النَّبيّ والسلام فإنه يُشترط فيه أن ينطق به بحيث يسمع نفسه7.
والتكبير هو الركنُ الثاني من أركان الصلاة ، ويُشترط فيه أن لا يَمُدَّ الباء بحيث يكون اللفظ “أكبار” فإنه يفسد الصلاة8 أي لا تنعقدُ الصلاة بذلك لأنَّ الأكبار في اللغة جمعُ كَبَر وهو الطبلُ الكبير9، فإن قال ذلك وكان جاهلاً بالمعنى لم تصحَّ صلاتُه، وإن كان عالمًا بالمعنى وقال ذلك عمدًا كفر والعياذ بالله. وقد نص على أنّ ذلك كفر مع العلم بالمعنى والتعمد للنطق بعضُ الشافعية والمالكية10 فليُحذر ذلك في الأذان أيضًا.
وكذلك يُشترط أن لا يَمُدَّ الهمزة التي هي أوَّلَ لفظ الجلالة فلو قال ءآلله أكبر لم تنعقد صلاتُه ويحرم ذلك لأن المعنى يتغير، وإن فَهِمَ المعنى الذي هو الاستفهام ونطق به عمدًا فقد كفر لأنه يكون كأنّه قال هل الله أكبر من غيره أي قدرًا وعلمًا أو ليس أكبر؟ ويُشترط أن لا يزيد واوًا قبل لفظ الجلالة فلو قال والله أكبر لم تصِحَّ صلاته، كذلك لو زاد واوًا بين لفظ الجلالة و(أكبر) وكذلك لو أبدلَ همزة أكْبرَ بالواو فقال “الله وَكْبَر”.
فائدة. لو توسوس المأموم في تكبيرة الإحرام فصار يعيد التكبير على وجه يشوش على غيره من المأمومين حرم عليه ذلك كمن قعد يتكلم بجوار المصلي أي بحيث يشوش عليه.
قال المؤلف رحمه الله (الثالثُ القيامُ في الفرضِ للقادرِ)
الشرح أنَّ من أركانها القيامَ في الصلاة المفروضة ولو نَذْرًا أو صلاةَ جنَازةٍ فيشترط لصحتها من الصبي القيام كما يشترط في الكبير فإِنْ عَجَزَ عن القيام بنفسه أو بالاستعانة بأن كانَت تلحقه مشقةٌ شديدةٌ لا تحتمل عادةً11 صحّت صلاته قاعدًا12، ويكون ركوع القاعد بأن يحاذيَ رأسُه ما قُدَّام ركبتيه والأفضل أن يحاذي موضع سجوده13، فإن عجز عن القعود وجب عليه أن يُصلّيَ الفرض مُضطجعًا على جنب14 فإن لم يستطع أن يصليها على جنب وجب عليه أن يصليها مستلقيًا ويرفعُ رأسه ومقدم صدره وجوبًا ولو قليلاً ليتوجَّه بوجهه إلى القِبلة15 لأنه إن لم يفعل ذلك يكون استقبل السماء فلا تصح صلاته16 فإن لم يستطع رفع رأسه اقتصر على توجيه أخمصيه17 إلى القِبلة، فإن عجز عن ذلك كلّه كأنْ يكونَ لا يستطيع إِلا أن ينبطح على وجهه صلَّى وهو على هذه الحال ورَفع رأسه إن أمكن وأشار به للركوع وللسجود أخفض فإن عجز عن تحريك رأسه صلَّى بطرفه أي بجفنه أي يُحرّك جفنه بنيَّة الرُّكوع ثم بنية السجود ويَخْفِضُ للسجود أشدَّ ولا يصح الإغماض إشارة للركوع. فإن عجز عن ذلك كلّه أجرى الأركان الفعلية على قلبه. وأَمَّا الأركان القولية فيقرؤها بلسانه فإن ارتبط لسانه أجراها أيضًا على قلبه. ثم شرطُ القيام الاعتمادُ على قدميه ونصب فَقار ظهره18. ولا يجب نصب الرَّقبة بل يُسنُّ خفض رأسه إلى الأمام قليلاً19.
ويسنُّ وضع يديه بعد التحرم تحت صدره وفوق سُرَّته.
قال المؤلف رحمه الله (الرابعُ قراءةُ الفاتحةِ بالبسملةِ والتشديداتِ ويشترط موالاتُها وترتيبُها وإخراج الحروفِ مِنْ مخارِجِها)
الشرح هذه الجملة فيها بيانُ أحكامٍ تتعلق بقراءة الفاتحة التي هي الركنُ الرابع للصلاة، فهي فرضٌ فلا يُستثنى المأمومُ عند الشافعي كما يُستثنى في المذاهب الثلاثة الأخرى مذهب مالكٍ ومذهب أبي حنيفة ومذهب أحمد بن حنبل فإنَّ قِراءة الإِمام قراءة للمأموم عندهم
ثم إن الفاتحة سبع ءايات والبسملة ءاية منها فلو تركها لم تصحّ قراءتُه.
وكذلك تجب التَّشديدات الأَربع عشرة فيها فمن ترك شيئًا منها لم تصح قراءته للفاتحة فلا تصحُّ صلاته ، فلو خفَّف مشدَّدًا لم تصِحَّ صلاته إن لم يُعد تلك الكلمة على الصواب بخلاف تشديد المُخفَّف فإنه لا يبطل الصلاة20.
وإن ترك التشديد على لفظ إيّاك وخفّف الياء فإن تعمّد ذلك وهو يعرف معناه صار كافرًا21 لأنّ الإِيَا ضوء الشمس فيصير كأنَّه قال نعبد ضوء الشمس.
وتجبُ مراعاة موالاتها بأن لا يفصل بين شىء منها وما بعده بأكثر من سكتةِ التَّنفُّس وإن لم ينوِ قطع القراءة إلا أن كان لعذر فيجوز أكثرَ من ذلك كأن غلبه السُّعال مثلاً. وسكتةُ التنفُّس هي مقدار ما يسكتُ الناس عادة أثناء كلامهم إذا أرادوا أن يتنفّسوا ليست مُقدَّرةً بمقدارِ قولِ سبحان الله بل هي أكثرُ من ذلك. وتنقطع الموالاة بالذكر وإن قلَّ كالحمدُ لله للعاطس، نعم إن سُنَّ فيها لمصلحتها كالتأمين لقراءة إمامِهِ ونحوِ قول “بلى وأنا على ذلك من الشَّاهدين” ءاخرَ قراءةِ والتِّين من الإِمام فلا تنقطع بذلك موالاةُ قراءةِ الفاتحة من المأموم22.
ويجب ترتيب الفاتحة أيضًا بأن يأتي بها على نظمها المعروف. ويجب أيضًا إخراج الحروف من مخارجها. وأولى الحروف عناية بذلك الصاد فإن كثيرًا من الناس يخرجونها غير صافية. وقد قال الإِمام أبو محمد الجوينيُّ23 بعدم صحة قراءة من يقرأ كذلك أي يأتي بالصَّاد بينها وبين السين لا هي صاد محضة ولا هي سين محضة وأقرَّه النوويُّ وغيره. قال الشيخ زكريا الأنصاري24 في شرح الجَزَريّة25 “حروفُ الصفير (صادٌ) مهملةٌ (وزايٌ) و(سينٌ) مهملةٌ سميت بذلك لصوت يخرج معها يشبه صفير الطائر، وفيها لأجل صفيرها قوة، وأقواها في ذلك الصاد للإطباق26 والاستعلاء27” اﻫ
قال المؤلف رحمه الله (وعدمُ اللحنِ28 المخلِّ بالمعنى كضمِّ تاءِ أنعمتَ، ويحرمُ اللحنُ الذي لم يُخلَّ ولا يُبطل)
الشرح من شروط الفاتحة أن لا يأتيَ بلحن يُخلُّ بالمعنى أي يغيِّر المعنى أو يبطله فمن أتى بلحن فيها يُغيِّر المعنى كأن يقول صراط الذين أنعمتُ عليهم بضمِّ التاء لم تَصِحَّ قراءته بل تبطل صلاته بذلك إن علم وتعمّد وإلا فقراءته فيجب عليه إعادتها على الصواب وإِلا فسدت صلاتُهُ.
وأمَّا اللحن المبطل للمعنى فهو كقراءة الذين بالزَّاي فإنه لا معنى له ألبتَّة فهو كالمغيّر للمعنى .
وأمَّا اللحن الذي لا يخل بالمعنى فتصح معه صلاته كقراءة نِعْبُدُ بكسر النون فإنها لا تغيِّر المعنى ولكن يحرم عليه ذلك29. ومن المبطل قراءةُ نَعبَد بفتح الباء فهو من اللحن المغيّر للمعنى فإن تعمده بطلت صلاته وإلا فقراءته فلا تصحُّ الصلاةُ إن لم يُعد الكلمةَ على الصواب، وتَعَمُّدها مع معرفةِ المعنى كفرٌ لأن معنى نعبَدُ نأنَفُ ونَغْضَبُ، يقال عَبِدَ يَعبَدُ كغضب يَغضبُ وزنًا ومعنًى30 فليُحذر ما في كتاب فتح العلاّم31 من أنه لا يُبطِلُ.
قال المؤلف رحمه الله (الخامسُ الركوعُ بأنْ ينحنيَ بحيثُ تنال راحتاهُ ركبَتَيْهِ)
الشرح أنّ الركن الخامس هو الركوع ويحصل بالانحناء إلى الحدِّ الذي تنال أي تبلغ الراحتان ركبتيه لو وضعهما عليهما مع اعتدال الخلقة ، والراحتان هما ما عدا الأصابعَ من الكفين فالراحةُ هي ما بين الأصابع والسّاعد32.
ويشترط أن يكون هذا الانحناءُ بلا انخناس أي ثنيِ الركبتين كثيرًا33. ولا يكفي بلوغ الأصابع دون الراحتين أو إحداهما. ويُشترط اليقين في ذلك فلو شكَّ في بلوغه هذا القدر المجزئ لم يصحَّ ركوعه.
قال المؤلف رحمه الله (السادسُ الطُّمأنينةُ فيه بقدر سبحانَ الله وهي سكونُ كلِّ عظمٍ مكانه دفعةً واحدةً)
الشرح أن الركنَ السَّادسَ هو الطُّمأنينة في الركوع، والمراد بالطمأنينة استقرار الأعضاء دفعة واحدة.
قال المؤلف رحمه الله (السابعُ الاعتدالُ بأنْ ينتصبَ بعدَ الركوعِ قائمًا الثامن الطمأنينة فيه)
الشرح معنى الاعتدال عودُ الراكعِ إلى ما كان عليه قبل ركوعه إنْ كان قيامًا أو غيره34.
قال المؤلف رحمه الله (التاسعُ السجودُ مرتينِ بأنْ يضعَ جبهتَهُ كلَّها أو بعضَها على مُصَلاهُ مكشوفةً ومتثاقلاً بهَا ومنكسًا أي يجعلُ أسافله أعلى مِنْ أعالِيهِ)
الشرح أن الركن التاسع هو السجود مرتين في كل ركعة، والسجود في الشَّرع هو وضع الجبهة والرُّكبتين وما يتبع ذلك على الأرض.
ومن شروطه أن يكون متثاقلاً بجبهته بحيث لو كان تحته قطن لانكبَسَ وظهر أثره على يده لو فُرضت تحت القطن35 وتنكيسُ رأسه بارتفاع أسافله على أعاليه36.
قال المؤلف رحمه الله (ويضعَ شيئًا مِنْ ركبَتَيْهِ ومِنْ بطونِ كفيْهِ ومِنْ بطونِ أصابعِ رِجلَيهِ)
الشرح أنّ مِنْ شرط صحَّة السجود أن يضع جزءًا من ركبتيه ومن بطون كفيه ومن بطونِ أصابع رجليه ولو لم تكن مكشوفة على الأرض.
قال المؤلف رحمه الله (وقَالَ بعضُ العلماءِ خارجَ المذهبِ ليسَ شرطًا في السجودِ التنكيسُ فلَوْ كانَ رأسُهُ أعلى مِنْ دُبرِهِ صحّتِ الصلاةُ عندَهُمْ)
الشرح هذا مذهب الإمامِ أحمدَ بنِ حنبل37 ولكن الشرطُ عندهم أن لا يخرج عن اسم السجود.
قال المؤلف رحمه الله (العاشرُ الطُّمأنينةُ فيه الحاديْ عشرَ الجلوسُ بينَ السجدتينِ الثاني عشرَ الطمأنينةُ فيهِ)
الشرح في هذه الجُمل ذكر ثلاثة أركان أحدها الطمأنينة في السجودين وثانيها الذي هو الركن الحادي عشر الجلوسُ بين السجدتين وهو ركنٌ ولو كانت الصلاة نفلاً وثالثها الطُّمأنينة في هذا الجلوس وهي رُكنٌ من أركان الصلاة.
قال المؤلف رحمه الله (الثالثَ عشرَ الجلوسُ للتشهُّدِ الأخيرِ وما بَعدَهُ مِنَ الصَّلاةِ على النبيِّ والسلامِ الرَّابعَ عشرَ التشهُّدُ الأخيرُ فيقول التحيّاتُ المباركاتُ الصلواتُ الطيّباتُ لله السلامُ عليك أيّها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتُهُ السلامُ علينا وعلى عبادِ الله الصالحينَ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله38 أو أقلَّه وهو التحيّات لله سلام عليك أيّها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاتُه سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إِله إِلا الله وأنّ محمدًا رسولُ الله)
الشرح أنّ من أركان الصلاة وهو الركنُ الثالثَ عشرَ الجلوسَ للتشهُّد الأخير وما بعده. وللتشهُّد أقلُّ وأكملُ فأقلُّه الذي لا تصحُّ الصلاةُ بدونه التحيَّاتُ لله سلامٌ عليك أَيُّها النَّبيُّ ورحمة الله وبركاته سلامٌ علينا وعلى عباد الله الصالحـين أَشْهد أَنْ لا إله إِلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله وقد ذكره المؤلـف رحمه الله في المتن.
قال المؤلف رحمه الله (الخامِسَ عشرَ الصلاةُ علَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأقلُّها اللَّهمَّ صلِّ علَى محمدٍ)
الشرح ليس المرادُ به تعيينَ هذا اللفظ بحروفه بحيث لا يجوز إبدالُ كلمةٍ منه بغيرها بل يصح صلى الله على محمد ونحوُهُ.
قال المؤلف رحمه الله (السادسَ عشرَ السلامُ وأقلُّه السلامُ عليكُمْ)
الشرح من شروط إجزاء السلام الإِتْيان بأل فلا يكفي سلامٌ عليكم. وكذلك لا يكفي إبدال كلمة عليكم بعليك بدون ميم. وتشترط الموالاة بين كلمتيه وأن يكونَ بحيث يسمع نفسه وكونُهُ مستقبل القِبلة بصدره إلى تمامه وذلك بالإِتيان بميم عليكم. أمّا أكمله فيحصل بزيادة ورحمةُ الله39.
قال المؤلف رحمه الله (السَّابعَ عَشَرَ الترتيبُ)
الشرح أنه لا بد من الترتيب لأركانها كما ذُكر في تعدادها وقد اشتمل على قَرْن النيّة في التكبير بالقيامِ في الفرض للمُستطيع وإيقاعِ القراءة في القيام وإيقاعِ التشهُّد والصلاة على النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في القعود.
قال المؤلف رحمه الله (فإن تعمَّد تركَهُ كأن سَجد قبل ركوعه بطلت)
الشرح أنّ مَنْ تَعمَّد تَرْكَ الترتيب بأن قدَّم ركنًا قوليًّا هو السَّلام أو ركنًا فعليًّا مطلقًا بطلت صلاته وذلك كأن يسجد قبل ركوعه فتبطل صلاته إجماعًا لتلاعبه.
قال المؤلف رحمه الله (وإنْ سها فلْيَعُدْ إِليه إِلا أَنْ يكُونَ في مثلِهِ أَوْ بعدَهُ فتتمُّ بهِ ركعتُهُ ولَغَا مَا سَهَا بهِ فلوْ لمْ يذكرْ تركَهُ للركوعِ إلا بعدَ أَنْ ركعَ فِي القيامِ الذي بعدَهُ أو في السجودِ الذي بعدَهُ لَغَا ما فعلَهُ بينَ ذلكَ).
الشرح أنَّ من ترك الترتيب سهوًا ثم ذَكر الركن المتروك فما فعله بعده لغوٌ أي لا يُحسَبُ لعدم وقوعه في محلّه فليرجع إليه فورًا محافظةً على الترتيب، وهذا إن تذكَّر قبل أن يكون في مثله فإن تذكَّر وقد صار في مثله تمَّت بهذا ركعته. وكذلك إذا تذكَّر وهو فيما بعدَ مثلِ المتروك فتتم ركعته بما فعل ويُلْغي ما بينهما40. وهذا الحكم في غير المأموم أما المأمومُ فلا يعود له بل يأتي بركعةٍ بعد سلام إمامه.
مسئلة. الشك في هذه المسئلة كالتذكر فلو ركع ثم شك هل قرأ الفاتحة أو لا أو شك وهو ساجدٌ هل ركع واعتدل أو لا قام فورًا وجوبًا ولا يكفيه لو قام راكعًا وأما من شك وهو قائم قبل أن يركع هل قرأ الفاتحة أو لا في ركعته هذه فلا يجب عليه أن يقرأ فورًا لأنه لم ينتقل عن محلها لكن لا بد له أن يقرأ الفاتحة قبل أن يركع إن لم يَزُلْ شكه قبل الركوع ويتيقنْ أنه قرأها.
فائدة. مذهب الشَّافعي رضي الله عنه أن من شكّ في عدد الركعات يجب عليه أن يأخذ بالأقل.
————-
1- قال في شرح الروض وأركانها سبعة عشر بجعل الطمأنينة في محالها الأربـع من الركوع وما بعده أركانًا اﻫ
2- قال في فتح الوهاب في بيان أركانها نية بقلب فلا يكفي النطق مع غفلته اﻫ
3- قاله في فتح الوهاب.
4- قاله في فتح الوهاب.
5- قاله في فتح الوهاب.
6- قال في شرح روض الطالب وأن يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع لا عارض عنده من لغـط أو غيره اﻫ
7- قال في إعانة الطالبين قوله (كسائر ركن قولي) أي مثل باقي الأركان القولية فإنه يجب فيها الإسماع اﻫ
8- قال في شرح روض الطالب أو زاد حرفًا فيه يغير المعنى كمد همزة الله وألف بعد الباء أو زاد واوًا ساكنة أو متحركة بينهما أي بين الكلمتين لأن ذلك لا يسمى حينئذ تكبيرًا اﻫ
9- قال في إعانة الطالبين قوله وكألف بعد الباء أي فهو يغير المعنى أيضًا لأنه يصير بذلك جمع كبر بفتح أوله وهو طبل له وجه واحد اﻫ
10- وفي مواهب الجليل في شرح مختصر خليل فوائد الأولى في بيان أمور يغلط فيها المؤذنون منها مد الباء من أكبر فيصير جمع كبر بفتح الباء وهو الطبل فيخرج إلى معنى الكفر ومنها المد في أول أشهد فيخرج إلى حيز الاستفهام والمراد أن يكون خبرًا إنشائيًّا وكذلك يصنعون في خبر الجلالة اﻫ
11- قال الشيرازي في شرح التنبيه قال الأصحاب ولا يشترط في العجز أن لا يتأتى القيام ولا يكفي أدنى مشقة بل المعتبر المشقة الظاهرة اﻫ
12- قال في شرح الروض وتجب القراءة في هوي العاجز لأنه أكمل مما بعده اﻫ
13- قال في المجموع وأما ركوع القاعد فأقله أن ينحني قدر ما يحاذي جبهته ما وراء ركبته من الأرض وأكمله أن ينحني بحيث يحاذي جبهته موضع سجوده اﻫ قال في شرح الروض وإن قدر على القيام بعدها أي بعد القراءة وجب قيام بلا طمأنينة ليركع منه لقدرته عليه اﻫ
14- قال في إعانة الطالبين ويجب استقبالها بالصدر والوجه لمن كان مضطجعًا اﻫ
15- قال في شرح الروض بأن يرفع وسادته ليتوجه بوجهه القبلة اﻫ
16- قال في إعانة الطالبين ويجب استقبالها بالصدر والوجه لمن كان مضطجعًا وبالوجه والأخمصين لمن كان مستلقيًا اﻫ
17- الأخمص ما دخل في باطن القدم فلم يصب الأرض كذا في مختار الصحاح اﻫ
18- قال في فتح الوهاب بنصب ظهر ولو باستناد إلى شىء كجدار فلو وقف منحنيًا أو مائلاً بحيث لا يسمى قائمًا لم يصح اﻫ قال البجيرمي بأن يكون للقيام أقرب منه إلى أقل الركوع أو كان إليهما على حد سواء اﻫ
19- قال في إعانة الطالبين ويحصل القيام بنصب فقار ظهره أي لأن اسم القيام لا يوجد إلا معه فلا يضر إطراق الرأس بل يسن. ثم قال ولو باستناد أي يحصل القيام بما ذكر ولو مع استناد المصلي لشىء لو زال ذلك الشىء المستند إليه لسقط المصلي بخلاف ما لو كان بحيث يرفع قدميه إن شاء فلا يصح لأنه لا يسمى قائمًا بل هو معلق نفسه اﻫ
20- قال في شرح الروض لو خفف مع سلامة لسانه حرفًا مشدَّدًا من الفاتحة أو أبدل به أي بحرف حرفًا ءاخر كظاء بضاد بطلت قراءته لتلك الكلمة لتغييره النظم. ثم قال وخرج بتخفيف المشدد عكسُهُ فيجوز وإن أساء اﻫ أي ما لم يغير المعنى مع التعمد ففي حاشية قليوبي أو شدد مخففًا أو زاد حرفًا حرم عليه ولا تبطل صلاته إلا أن غيّر المعنى وتعمد اﻫ
21- قال الأردبيلي في الأنوار لأعمال الأبرار ولو ترك لفظة “إياك” وخففها متعمدًا عالمًا بمعناها كفر وبطلت صلاته اﻫ
22- قال في شرح الروض تجب موالاة الفاتحة ولا تضر نية قطع القراءة فإن سكت يسيرًا مع نية قطعها أو طويلاً يزيد على سكتة الاستراحة استأنف القراءة وكذا إن أتى في أثنائها بذكر وإن قل اﻫ
23- شيخ الشافعية أبو محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه الطائي السنبسي كذا نسبه الملك المؤيد الجويني والد إمام الحرمين كان فقيهًا مدققًا محققًا نحويًّا مفسرًا تفقه بنيسابور على أبي الطيب الصعلوكي وبمروٍ على أبي بكر القفال وسمع من أبي نعيم الأسفراييني وابن محمش وببغداد من أبي الحسين بن بشران وطائفة روى عنه ابنه أبو المعالي وعلي بن أحمد بن الأخرم وسهل بن إبراهيم المسجدي رجع من عند القفال وتصدر للإفادة والفتوى سنة سبع وأربع مائة وكان مجتهدًا في العبادة مهيبًا بين التلامذة صاحب جد ووقار وسكينة تَخَرَّجَ به ابنه وله من التواليف كتاب التبصرة في الفقه وكتاب التذكرة وكتاب التفسير الكبير وكتاب التعليقة توفي في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين وأربع مائة وهو صاحبُ وجهٍ في المذهب. انظر سير أعلام النبلاء.
24- هو زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الانصاري السنيكي ثم القاهري الأزهري الشافعي قال في النور السافر عن أخبار القرن العاشر ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة بسنيكة من الشرقية ونشأ بها وحفظ القرءان وعمدة الأحكام وبعض مختصر التبريزي ثم تحول إلى القاهرة سنة إحدى وأربعين فقطن في جامع الأزهر وكمل حفظ المختصر ثم حفظ المنهاج الفرعي والألفية النحوية والشاطبية والرائية وبعض المنهاج الأصلي ونحو النصف من ألفية الحديث ومن التسهيل. ولاه السلطان قايتباي الجركسي قضاء القضاة فلم يقبله إلا بعد مراجعة وإلحاح ثم بعد ذلك عزل فعاد إلى اشتغاله بالعلم إلى أن توفي. له تصانيف كثيرة منها تحفة الباري على صحيح البخاري وفتح الجليل تعليق على تفسير البيضاوي وشرح ألفية العراقي في مصطلح الحديث وشرح شذور الذهب في النحو والدقائق المحكمة في القراءات وفتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام وغاية الوصول في أصول الفقه وأسنى المطالب في شرح روض الطالب ومنهج الطلاب في الفقه. وتوفي رحمه الله تعالى يوم الجمعة رابع ذي الحجة سنة ست وعشرين وتسعمائة بالقاهرة ودفن بالقرافة.
انظر شذرات الذهب والأعلام.
25- انظر الدقائق المحكمة في شرح المقدمة.
26- الإطباق لغة الالتصاق وسميت حروفه منطبقة لانطباق طائفة من اللسان على الحنك عند النطق بها.
27- الاستعلاء لغة الارتفـاع وسميـت حروفه مستعلية لأن اللسـان يعلو عند النطق بها إلى الحنك.
28- في مختار الصحاح اللحن الخطأ في الإعراب وبابه قطع ويقال فلان لحان ولحانة أيضًا أي يخطئ والتلحين التخطئة اﻫ
29- قال في أسنى المطالب وإن لحن فيها فغير المعنى كضم تاء أنعمت أو كسرها وأمكنه التعلم ولم يتعلم فإن تعمد بطلت صلاته وإلا فقراءته. ثم قال وإن لم يغير المعنى كفتح دال نعبد لم يضر لكنه إن تعمده حرم اﻫ
30- وعَبِدَ من باب طرب أي غضب وأنف كذا في مختار الصحاح اﻫ
31- فتح العلام بشرح مرشد الأنام للجرداني.
32- في حاشية الرشيدي المغربي والراحة بطن الكف أي من غير الأصابع اﻫ
33- قال في شرح التنبيه ولو تمكن من وضع اليدين على الركبتين بلا انحناء بأن انخنس وأخرج ركبتيه أو بالانحناء والانخناس جميعًا لم يكف ذلك في الركوع اﻫ
34- قال في شرح الروض ولو عجز الراكع عن الاعتدال سجد من ركوعه وسقط الاعتدال لتعذره اﻫ
35- قال في شرح الروض فيضعه على الموضع المسجود عليه بتحامل عليه بثقل رأسه ورقبته بحيث لو سجد على قطن أو نحوه لانْدَكَّ اﻫ
36- قال في شرح الروض وتنكيس بارتفاع أسافله أي عجيزته وما حولها على أعاليه اﻫ
37- أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني الفقيه والمحدث صاحب المذهب. ولد ببغداد سنة 164 ﻫ ونشأ بها ومات والده وهو صغير فتعهدته أمه ووجهته إلى دراسة العلوم الدينية فحفظ القرءان وتعلم اللغة. ذهب إلى الكوفة ومكة والمدينة والشام واليمن ثم رجع إلى بغداد ودرس فيها على الشافعي أثناء قيام الشافعي برحلاته إليها وكان من أكبر تلاميذ الشافعي ببغداد. درس على يد كثير من علماء العراق منهم إبراهيم بن سعيد وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد ويزيد ابن هارون وأبو داود الطيالسي ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي. برز على أقرانه في حفظ السنة وجمع شتاتها حتى أصبح إمام المحدثين في عصره. قال الشافعي خرجت من بغداد وما خلفت فيها أفقه ولا أورع ولا أزهد ولا أعلم ولا أحفظ من ابن حنبل. وكان قوي العزيمة صبورًا ثابت الرأي قوي الحجة جريئًا في التكلم بالحق عند الخلفاء مما كان سببًا له في محنته المشهورة. توفي سنة 241 ﻫ.
انظر سير أعلام النبلاء ومناقب أحمد.
38- روى مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة باب التشهد في الصلاة عن ابن عباس أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرءان فكان يقول «التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله».
39- ذَكَرَ كلَّ ذلك في إعانة الطالبين.
40- قال في شرح الروض ترتيب الأركان واجب فلو ترك ركنًا عامدًا بطلت صلاته كما علم مما مرّ أو ساهيًا وكان غير مأموم عاد إليه إن تذكر وإلا لم يعتد بما فعله حتى يأتي بالمتروك فتتم به الركعة المختلّة اﻫ
فصل معقود لبيان أحكام الجماعة والجمعة
قال المؤلف رحمه الله (فصلٌ)
الشرح هذا فصل معقود لبيان أحكام الجماعة والجمعة.
قال المؤلف رحمه الله (الجماعةُ على الذكورِ الأحرارِ المقيمينَ البالغينَ غيرِ المعذورينَ فرضُ كفايةٍ)
الشرح الحالُ التي تكون فيها الجماعة فرضَ كفاية هي الجماعة في الصلوات الخمس في حقّ الذكور الأحرار المقيمين البالغين غير المعذورين فخرج بالذكور النساء فليْست فرضًا عليهنَّ ، وخرج بالأحرار العَبيدُ فليست فرضًا عليهم. وخرج بالمقيمين المسافرون فمن دخل بلدةً بنيّة الإقامة أقلّ من أربعة أيّام فالجماعة في حقّه غير فرض.
وخرج بالبالغين الصبيان فليست فرضًا في حقّهم لعدم التكليف لكن يجب على الوليّ أن يأمرَ الطفلَ المميز بالجماعة والجمعة. وخرج بغير المعذورين المعذورون بعذر من الأعذار المسقطة لوجوب الجماعة كالمطر الذي يَبُلُّ الثوب والخوفِ من العدو بذهابه إلى مكان الجماعة وغيرِ ذلك من أعذار ترك الجماعة وهي كثيرة. ويشترط لوجوبها أيضًا العقلُ ولم يُذْكر في المتن لظهور حكمه. ويحصل فرض الكفاية بإقامتها بحيث يظهر الشعار بأن تقام في البلد الصغيرة في محل وفي الكبيرة في محالَّ متعددةٍ بحيث يمكن قاصدَها إدراكُها بلا مشقّة ظاهرة1.
قال المؤلف رحمه الله (وفي الجمعةِ فرضُ عينٍ عليهِمْ إذا كانُوا أربعينَ مكلّفينَ مستوطنينَ في أبنيةٍ لا في الخيامِ لأنها لا تجبُ على أهل الخيامِ. وتجبُ علَى مَنْ نَوَى الإِقامةَ عندَهُمْ أربعةَ أَيَّامٍ صحاح أي غيرَ يومَيِ الدخولِ والخروج وعلَى مَنْ بلغَهُ ندَاءُ صيِّتٍ مِنْ طرفٍ يليهِ مِنْ بلدِهَا)
الشرح أَنَّ الجماعة في الجمعةِ فرض عين فلا تصحّ فُرادى، وفرضيَّتُها على من كان موصوفًا بالأوصاف السابقة الذكورةِ والحريّة والإقامة والعقل والبلوغ وفقدان العذر، وكلُّ ما هو عذرٌ في ترك الجماعة فهو عذرٌ في ترك الجمعة. وإنَّما تجب الجمعة عليهم إذا كانوا أربعين ذكرًا مستوطنًا2 إقامتهم في خِطَّة أبنية3 أي في مكان معدود من البلد ولو كانت الأبنية من خشـب أو قصب أو سَعَفٍ4.
ولا تجب على أهل الخيام5.
وتجب الجمعة على من نوى الإِقامة في بلد الجمعة أربعة أيّام صحاحٍ أي كواملَ غير يومي الدّخول والخروج فأكثر لأنه بذلك ينقطع السفر.
وتجب أيضًا على من توطَّن محلاً يبلغه منه النداء من شخص صيّت أي عالي الصوت باعتبار كونه واقفًا بمستوٍ من طرفٍ يلي السامعَ من بلد الجمعة مع اعتبار سكون الريح6 بحيث يعلم أَنَّ ما يسمعه نداءُ الجمعة ولو لم تتبيَّن الكلمات وذلك باعتبار معتدل السَّمع.
ولا تجب على مسافر إلا أن يكون عاصيًا بسفره. ولا يشترط في المسافر الذي سفره مباحٌ أن يكون سفره مسافة قصر بشرط أن يكون في حكم المسافر قبل الفجر7.
قال المؤلف رحمه الله (وشرطُها وقت الظهر وخطبتانِ قبلَها فيهِ يسمَعُهُما الأربعونَ وأنْ تُصلَّى جماعةً بهم وأَنْ لا تقارنَهَا أخرى ببلدٍ واحدٍ فإِنْ سَبَقَتْ إِحداهُما بالتحريمةِ صحتِ السابقةُ ولم تصحَّ المسبوقةُ، هذا إذا كان يمكنُهُم الاجتماعُ في مكانٍ واحدٍ فإنْ شقّ ذلك صحتِ السابقةُ والمسْبوقةُ)
الشرح شرط صحّة الجمعة أن تقع وقتَ الظهر فلا تُقضى الجمعة جمعةً وإِنَّما تقضى إذا فات وقتها ظهرًا. وتدرك الجمعة بإدراك ركعة مع الإمام وأما إذا لم يدرك المأموم الإمام إلا بعد الركوع من الركعة الثانية في الجمعة فإنه عندئذ ينوي الجمعة ويصلي أربع ركعات. وتشترط خطبتان قبلها بعد دخول الوقت فلو ضاق الوقت عن الخطبتين والركعتين صلَّوْا ظهرًا. ويشترط في الخطبتين أن يسمعهما الأربعون8 وأن تُصلَّى جماعة بهم وأن لا تقارنها أو تسبقها جمعةٌ أخرى ببلدها، قال الشافعيُّ رضي الله عنه وإن كَبُرَت البلدُ، قال أصحابه يعني إذا لم يشقَّ اجتماع أهل البلد فإذا سبقت إحدى الجمعتين صحَّت وبطلت التي بعدها وإن تقارنتا بطلتا وكذلك إذا لم تُعلم السابقة، والعبرة في السبق والمقارنة بالراء من تكبيرة الإِمام.
قال المؤلف رحمه الله (وأركانُ الخطبتينِ حَمدُ الله والصلاةُ على النبيّ صلى الله عليه وسلم والوصيةُ بالتقوى فيهِما وءايةٌ مُفْهِمَةٌ في إِحدَاهُما والدعاءُ للمؤمنينَ في الثانية.)
الشرح أن الخطبتين لا تكونان مجزئتين إِلا بهذه الأمور الخمسة أولها حمد الله بلفظ الحَمْدُ لله أو لله الحَمدُ أو حَمدًا لله أو نحو ذلك. والثاني الصلاة على النَّبيّ بنحو اللَّهمَّ صلِّ على محمّد أو صلَّى الله على محمد. والثالثُ الوصيةُ بالتقوى وهي المقصود الأعظم فلا يكفي التحذير من الدُّنيا بل لا بد من الحثّ على الطاعة أو الزَّجر عن المعصية ، ولا يُشترط لفظُ التقوى فلو قال أطيعوا الله كَفَى. وهذه الثلاثة يُشترط أن تكون في كُلٍّ من الخطبتين. والرَّابع ءاية مفهمةٌ كاملة وإن كانت متعلقة بقصة في إحداهما في ابتدائها أو انتهائها أو وسطها والأفضل أن تكون قراءة الآية في الخُطبة الأولى لتقابل الدعاء في الثانية. والخامس الدعاءُ لِلْمُؤمِنينَ الشاملُ للمؤمنات في الخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ.
قال المؤلف رحمه الله (وشروطُهُما الطهارةُ عن الحدثيْنِ وعنِ النجاسةِ في البدن والمكانِ والمحمولِ وسترُ العورةِ والقيامُ والجلوسُ بينَهُما والموالاةُ بينَ أركانِهِما وبينهُما وبينَ الصلاةِ وأَنْ تكونا بالعَربيةِ.)
الشرح أن للخُطبتين شروطًا وهي تسعةٌ الأول الطهارةُ عن الحدث الأصغر والأكبر والطهارة عن النَّجاسة غيرِ المعفوّ عنها في البدن والْمَكانِ وما يحمله من ثوب وغيره. والثَّاني ستر العورة. والثالث القيام فيهما للقادر بالمعنى السَّابق في قيام الفرض فإن عجز فجالسًا ثم مُضطجعًا، والأَولى في هذه الحال الاستخلاف9. والرَّابع الجلوس بينهما فلو تركه ولو سهْوًا لم تصِحَّا وأَمَّا من كان يخطب جالسًا بعذر فيفصل بين الخطبتين بسكتة. وأقلُّ هذا الجلوس قدر الطمأنينة وأكمله قدر سورة الإِخلاص10. والخامس الموالاة بينهما بمعنى أركانهما وبينهما وبين الصلاة لئلا يطول الفصل عرفًا بما لا يتعلّق بهما11 والسادس أن تكون أركان كلٍّ منهما بالعربيّة وإن كان كلُّ الحاضرين أعاجم12. والسَّابع كونهما بعد الزوال. والثامن سماع الأربعين الأركان13 ولا يشترط سماعهم كلَّ الخطبة14. والتاسع كونهما قبل الصلاة.
مسئلة. يحرم التشاغل عن الجمعة ببيع ونحو ذلك كالإجارة15 وكأن يهب مالاً ليهبَهُ في مقابله غرضًا بعد الأذان الثاني ويكره قبله وبعد الزَّوال16، وأما لو ركب الشخص سيارة الأجرة للذهاب لصلاة الجمعة فيجوز لأن هذا ليس فيه تشاغل عنها.
سئل الشيخ: عمن اشترى شيئًا بعد ناسيًا فقال صح شراؤه بلا إثم.
ولا تدرك الجمعة إِلا بركعة كما تقدم.
————-
1- قال في شرح الروض حتى يظهر الشعار أي شعار الجماعة بإقامتها بمكان في قرية وأمكنة في البلد الكبير اﻫ
2- قال في فتح الوهاب متوطنًا بمحلها (أي الجمعةِ) أي لا يظعن عنه شتـاء ولا صيفًا إلا لحاجة اﻫ
3- قال في شرح التنبيه في شروط صحة الجمعة أحدها أن تكون في أبنية مجتمعة اﻫ
4- السَّعَفة بفتحتين غصن النخل والجمع سعف كذا في مختار الصحاح.
5- قال في إعانة الطالبين ولا تصح من أهل خيام بمحلهم لأنهم على هيئة المستوفزين ولأن قبائل العرب كانوا حول المدينة ولم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بحضورها اﻫ
6- قال في شرح الروض والمعتبر نداء رجل عالي الصوت يقع على طرف البلد من الجانب الذي يليه وهو في طرف موضعه ويؤذن والأصوات هادئة والرياح ساكنة اﻫ
7- قال في أسنى المطالب فرعٌ. العذر الطارئ ولو بعد الزوال يبيح ترك الجمعة إلا السفر فلا ينشئه بعد الفجر ولو لطاعة كسفر حج فرضًا أو نفلاً كما لا ينشئه مباحًا كسفر تجارة أما بعد الزوال فلأنها لزمته فيجرم اشتغاله بما يفوتها كالتجارة واللهو ولا يقدح كون الوجوب موسعًا إذ الناس تبع للإمام فيها فتعين انتظاره وأما قبله فلأنها مضافة إلى اليوم وإن كان وقتها بالزوال اﻫ
8- أي يسمعون أركانهما.
9- قال في روضة الطالبين الثالث القيام فيهما مع القدرة فإن عجز عن القيام فالأولى أن يستنيب ولو خطب قاعدًا أو مضطجعًا للعجز جاز كالصلاة ويجوز الاقتداء به اﻫ
10- قال في إعانة الطالبين (وأن يقرأها فيه) أي وسن أن يقرأ سورة الإخلاص في الجلوس المذكور اﻫ
11- قال في إعانة الطالبين والحاصل الولاء معتبر في ثلاثة مواضع الأول بين الخطبتين فلا يطيل الفصل بينهما والثاني بين أركانهما والثالث بينهما وبين الصلاة فلا يطيل الفصل بين الثانية منهما وبين الصلاة اﻫ
12- قال في إعانة الطالبين وشرط فيها عربية وإن كانوا كلهم عجمًا اﻫ
13- قال في إعانة الطالبين قوله إسماع أربعين أي بأن يرفع الخطيب صوته بأركانهما حتى يسمعها تسعة وثلاثون غيره كاملون اﻫ
14- قال في إعانة الطالبين قوله لا جميع الخطبة أي لا يشترط إسماعهم جميع الخطبة فلو أَسَرَّ في غير الأركان صحت الخطبة اﻫ
15- قال في إعانة الطالبين قوله وحرم على من تلزمه الجمعة نحو مبايعة أي لقوله تعالى ﴿يا أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعَوا إلى ذكر الله وذروا البيع﴾ فورد النص في البيع وقيس عليه غيره ومحل الحرمة في حق من جلس له في غير الجامع أما من سمع النداء فقام قاصدًا الجمعة فباع في طريقه أو قعد في الجامع وباع فإنه لا يحرم عليه اﻫ قال في فتح الوهاب كما صرح به في التتمة ونقله في الروضة قال وهو ظاهر لكن البيع في المسجد مكروه اﻫ
16- كما في فتح الجواد وغيره.