عمدة الراغب في مختصر بغية الطالب – فقه
المقدمة
الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على رسول الله محمد وعلى ءاله وصحبه وسلّم.
وبعد فإن الله تبارك وتعالى يقول ﴿فاعلمْ أنه لا إله إلا الله واستغفِرْ لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات﴾1 ويقول سبحانه وتعالى ﴿وقل ربِّ زدني علمًا﴾2 ويقول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقيّ «طَلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ» أيْ أن طلب العلم الشرعيّ فريضة على كل مسلم مكلف، وليس المراد أنه يجب على كل مسلم معرفة جميع مسائل الدين بتفاصيلها إنما المراد أن هناك قدرًا من علم الدين يجب معرفته على كل مسلم مكلف ذكرًا كان أو أنثى.
وقد اهتم العلماء بالجمع والتأليف في مختلف فنون العلم فصنَّفوا الكتب المختلفة من مبسوطات ومتوسطات ومختصرات. ومن أهم هذه الكتب كتب الإمام محمد بن إدريس الشافعي المطلبي رضي الله تعالى عنه. وقد قام أصحابه القدماء بجمع كتبه ومتفرقات كلامه وشرحها واختصارها وتخريج الوجوه والأقوال منها حتى استقر ما علَّمه الشافعي رضي الله عنه مذهبًا مُدَوَّنًا محرَّرًا مضبوطًا منتشرًا في مشارق بلاد المسلمين ومغاربها شاهدًا على أن الشافعي رضي الله عنه هو المقصود بحديث البيهقي3 عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «عالمُ قريشٍ يملأُ طِباقَ الأرضِ عِلْمًا» اﻫ
واهتم عدد من علماء المذهب الشافعي باختصار المطولات وجمع ما يتعلق بالفرض العيني من علم الدين وكان منهم عبد الله بن حسين بن طاهر رحمه الله تعالى أشهر علماء حضرموت في زمانه وأكثرهم تبجيلاً من أهل بلاده فصنف مختصرًا سماه سلم التوفيق إلى محبة الله على التحقيق وشرحه محمد بن عمر النواوي الجاوي رحمهما الله تعالى شرحًا لطيفًا. على أن الكتاب مع اختصاره لم يُفْرَد لبيان العلم الضروري بل كان معه أشياء أخرى زائدة على ذلك فرأى الفقيه المحدث الشيخ عبد الله بن محمد الهرري رحمه الله تعالى أن يحذف كثيرًا من هذه الزوائد ويُبدل بعض العبارات بأوضح منها أو بأقوى فاختصر كتاب سلم التوفيق في كتاب سماه مختصر عبد الله الهرري الكافل بعلم الدين الضروري ثم شرحه شرحًا مبسوطًا سماه بغية الطالب في معرفة العلم الديني الواجب، على أنّ المبتدئ الذي لم يتلق إلا حَلاً وجيزًا لهذا المختصر قد يجد صعوبة في الانتقال مباشرة إلى دراسة كتاب البغية واستيعاب كل ما فيه من تفصيلات وتنبيهات ونُقُول نفيسة فكانت حاجةٌ إلى تصنيف متوسّط بين مرحلة حلّ الألفاظ ومرحلة البَسط في الشرح. ولأهمية هذا الموضوع وتسهيلاً على المبتدئين في دراسة الفقه الشافعي وعلى الراغبين في تحصيل القدر الضروري من علم الدين وتوطئة لدراسة كتاب بغية الطالب رأينا استخلاص محتويات الكتب الأربعة المتقدمة في صورة شرح موجز على ألفاظ المختصر الأخير مع حواشٍ وإحالات وتراجم وفهارس نافعة نهديها لطلبة علم الدين الشريف. وسمينا هذا التعليق «عُمدة الراغب في مختصر بغية الطالب» جعل اللهُ فيه النفعَ العميم لمدَرِّسه ودارسه وهو الوليُّ الوكيل وعليه الاعتماد والتكلان.
————-
1- [سورة محمد/ الآية ١٩].
2- [سورة طه/ الآية ١١٤].
3- رواه البيهقي في مناقب الشافعي.
فصل معقود لبيان الصلوات الواجبة ومواقيتها
قال المؤلف رحمه الله (فصل) الشرح أن هذا فصل معقود لبيان الصلوات الواجبة ومواقيتها. قال المؤلف رحمه الله (فمنَ الواجبِ خمسُ صلواتٍ في اليومِ والليلةِ)1
الشرح أنَّه لا صلاة واجبة غيرُ هؤلاء الخمس فيُفهَم من ذلك أَنَّ الوتر 2 غيرُ واجبة وأن من ترك نوافل الصلوات كسنة الظهر وسنة العصر وغيرهما فلا إثم عليه وهو كذلك. وأما حديث البخاري «من رغب عن سُنتي فليس مني»3 فمعناه من ترك شريعتي وهو كاره طريقتي التي جئت بها فهو كافر. ويدلّ على أنه لا صلاة واجبة غيرُ هؤلاء الخمس وأنه لا مؤاخذة على الشخص بترك النوافل الحديثُ المرفوعُ حديثُ طلحةَ ابنِ عبيد الله أنّ رجلاً ثائر الرأس4 جاء إلى النبيّ فقال يا رسولَ الله أخبرني بما افترض الله عليّ من الصلاة فقال «خمس صلوات» ثم قال أخبرني بما افترض الله عليّ من الصيام ثم قال أخبرني بما افترض الله عليّ من الزكاة فعلمَهُ شرائع الإسلام فولّى الرجل وهو يقول والذي أكرمك بالنبوّة لا أتطوع شيئًا ولا أَنْقُصُ مما افترض الله عليّ شيئًا فقال صلى الله عليه وسلم «أفلح الرجل إن صدق» رواه البخاري في كتاب الصيام5 ، فقوله صلى الله عليه وسلم «أفلح الرجل إن صدق» أي فيما حلف عليه وهو أنّه لا يفعل شيئًا من النوافل ولا يترك شيئًا ممّا افترض الله عليه من أداء الواجب واجتناب المحرّم لأنه كان علّمه ما هو فرض وما هو حرام.
وإذا عُلم هذا ظهرَ بُطلانُ ما شاع عند بعض العوامّ من قولِ بعضهم إنَّ الرسول قال من لم يُصلِّ سُنتي فليس من أُمتي وقولِ بعضهم إنه قال من لم يصل سُنتي يأتي يوم القيامة وليس على وجهه قطعة لحم وقولِ بعضهم إنه قال من لم يصل سُنتي لم تنله شفاعتي يريدون به النوافل فكل ذلك كذب على الرسول صلى الله عليه وسلم وضـلالٌ ولا ينفعهم قصـدهم بذلـك حثَّ الناس على النوافل.6
قال المؤلف رحمه الله (الظهرُ ووقتُها إذا زالت الشمس إلى مصيرِ ظلِّ كلِّ شىءٍ مثلَهُ غيرَ ظل الاستواء والعصرُ ووقتُها مِنْ بعدِ وقتِ الظهرِ إلى مغيبِ الشمسِ والمغربُ ووقتُها مِنْ بعدِ مغيبِ الشمسِ إلى مغيبِ الشفقِ الأحمرِ والعشاءُ ووقتُها مِنْ بعدِ وقتِ المغربِ إلى طلوعِ الفجرِ الصادقِ والصبحُ ووقتُها مِنْ بعدِ وقتِ العشاءِ إلى طلوعِ الشمس.)7
الشرح تجب معرفة أوقات هذه الصلوات الخمس وسائرِ ما يتعلّق بها من أحكامِهَا الضرورية. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِنَّ خيارَ عباد الله الذين يُرَاعون الشَّمْسَ والقَمَرَ والأَظلّة لذكر الله» أي للصلاة حسّنه الحافظ ابن حجر في الأمالي وفي رواية أخرى أخرجها الحاكم في المستدرك زيادةُ ذكرِ «النجوم»8 ولم يكن في أيام الصحابة هذه الآلات الموضوعة لمعرفة الوقت بل كانوا يعرفونه بالمراقبة العِيانية،. ومعرفة المواقيت الأصلية التي علّمها الرسولُ صلى الله عليه وسلم الصحابةَ فرض عين على المكلف ولا يجوز ترك تعلمها اعتمادًا على ما عمله الناس من تعيين مواقيتَ للمدن كالقاهرة ودمشق وحلبَ ونحوِ ذلك لأن دخول الأوقات يختلف باختلاف البلدان. فالظُّهْرُ أول وقتها زوال الشمس9 أي مَيْلها عن وسط السماء إلى جهة المغرب وانتهاء وقتها أن يصيرَ ظل كل شىء مثله زائدًا على ظل الاستواء فإذا صارَ الظلّ الجديد بعد طرح ظل الاستواء مثل الشىء انتهى وقت الظهر ودخل وقت العصر. وظل الاستواء10 هو الظل الذي يكون حين تكون الشمس في وسط السماء ووسط السماء يُعرَف على حسب تحديد الجهات بالنجم أو بالبوصلة المجربة أو نحوهما. نجمُ القطب مهم لمعرفة الجهات الأربع لأنه يلزم جهة الشّمال، يُضْبَطُ موضعه في الليل وتُغرز خشبة على اتجاهه ثم في النهار يُنظر إلى الظل على حسبه.
وأَمَّا وقت المغرب فيدخل بمغيب قُرص الشمس كله11 وينتهي بمغيب الشفق الأحمر والشفقُ الأحمر هو الحمرة التي تظهر بعد مغيب الشمس في جهة الغروب.
وأمّا العشاء فوقتها من بعد وقت المغرب أي بعد مغيب الشفق الأحمر كله إلى طلوع الفجر الصادق12. وأَمَّا الصبح فوقتها من بعد وقت العشاء أي من طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس. والفجر الصادق هو البياض المعترض في الأفق الشرقي الذي يبدو دقيقًا ثم يَنْتَشِرُ ويتوسّع ويسبق الفجرَ الصادق الفجرُ الكاذب13 وهو بياضٌ عموديٌّ يظهر في جهة الأُفق الشرقي وهو لا يدل على دخول وقت الصبح وإنما يدل على اقتراب دخوله.
قال المؤلف رحمه الله (فتجبُ هذهِ الفروضُ في أوقاتِها على كلِّ مسلمٍ بالغٍ عاقلٍ طاهرٍ أي غير الحائض والنفساء14)
الشرح أَنَّ معرفةَ هذه الأوقاتِ وإيقاعَ الصلاة فيها لا قَبْلَها ولا بعدَها فرضٌ فيجب أداء كلٍّ من الخمس في وقتها ولا يجوز تقديمها على وقتها أي فعلها قبل دخول وقتها ولا تأخيرها عن وقتها بلا عذر لأنَّ الله تعالى قال ﴿فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون﴾15. والمراد بالسهو عن الصلاة في هذه الآية تأخير الصلاة عن وقتها حتى يدخل وقتُ الصلاة الأُخرى16 فتوعَّدَ الله من يُخْرِجُها عن وقتها بالويل17 وهو الهلاكُ الشَّديد.
وقول المؤلف “على كل مسلم”18 يعني به أنَّ الكافر لا يقال له صَلّ وهو على كفره إنما يُقال له أَسْلِمْ فإذا أسلم أمرناه بالصلاة.
ويعني بقوله “بالغ” أنَّ غير البالغ لا تجب عليه الصلاة19 بحيث يعاقب على تركها وهو دون البلوغ وإنما يجب أمره بالصلاة، متى ما بلغ سبع سنين قمرية إذ ا كان مميزًا
ويعني بقوله “عاقل” أن المجنون لا تجب عليه الصلاة ، والمجنون هو من فقد عقله فلا يدري ما يفعل أو يقول.
ويعني بقوله “طاهر” أي من الحيض والنفاس ويقال امرأة طاهر وامرأة حائض.
قال المؤلف رحمه الله (فيحرمُ تقديمُها على وقتِها وتأخيرُها عنه لغيرِ عذرٍ)
الشرح يُفْهَمُ من هذا أَنَّ من قدّم الصَّلاة على وقتها لا تصح صلاته ومَنْ أَخَّرهَا عَنْه عصى الله بتأخيره. وأشد المعصيتيْن معصية التقديم على الوقت لأَنَّه لا تبرأ ذمَّته ولا تقع صلاته أَداءً ولا قضاءً.
وقول المؤلف “لغير عذر” أخرج ما إذا كان التقديم أو التأخيرُ لعذر فإنه لا إثم في ذلك. والعذر في ذلك ما يبيح الجمع من سفر أو مرض20 أو نحو ذلك بشروطه.
قال المؤلف رحمه الله (فإِنْ طرأَ مانعٌ كحيضٍ بعدما مضى منْ وقتِها ما يسعُها وطهرَها لنحوِ سَلسٍ لزمَهُ قضاؤُها) الشرح أن الذي طرأ عليه المانع بعد دخول الوقت كأنْ حاضَت المرأة21 في أثناء وقت الظهر أو أُصيب شخصٌ بالجنون أو الإغماء بعدما مضى من أوّل وقت الصلاة ما يسعُ الصلاةَ مع طهرها لمن لا يُمْكنه تقديمُ طهرِهِ على الوقت22 كَسَلِسِ البول يلزمه أن يقضيهَا بعد زَوَال المانع أي بَعْدَ ذهاب الحيض بالنسبة للحائض وبعد زوال غَيْبوبَة العقل بالنسبة للمجنون والْمُغْمَى عليه.
ومثل السَّلِس في هذا الحكم نحوُهُ كالمستحاضة . والمقصود بالطهر الاستنجاءُ والوضوءُ أو التيممُ لمن كان مريضًا ونحوَه ممن لا يمكنه استعمال الماء.
قال المؤلف رحمه الله (أو زالَ المانعُ وقدْ بقيَ من الوقتِ قدرُ تكبيرةٍ لزمتْه23ُ وكذا ما قبلَها إِن جُمِعَتْ معها فيجبُ العصرُ معَ الظهرِ إِنْ زالَ المانعُ بقدرِ تكبيرةٍ قبلَ الغروبِ والعشاءُ معَ المغربِ بِإِدراكِ قدرِ تكبيرةٍ قبلَ الفجرِ.)
الشرح إنْ زالَ المانع كالحيض أو الجنون أو الإغماء وكان القدرُ الذي بقيَ قدرَ ما يسعُ تكبيرة الإحرام فقط وجبت تلك الصلاةُ والتي قبلها إن كانت تجمع معها أي في السفر ونحوه24 كأن كانت تلك الصلاة العصرَ لأن العصر تجمع في السفر مع ما قبلها وهي الظهر وكذلك العشاءُ لأنها تجمع مع ما قبلها وهي المغرب.
————-
1- قال في أسنى المطالب هي لغة الدعاء بخير قال تعالى ﴿وصل عليهم﴾ أي ادع لهم وشرعًا أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم اﻫ
2- قال في المجموع أجمعت الأمة على أن الصلوات الخمس فرض عين وأجمعوا أنه لا فرض عين سواهن واختلفوا في الوتر هل هو سنة أم واجب مع إجماعهم أنه ليـس بـفرض اﻫ
3- قال في فتح الباري المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض، والرغبةُ عن الشىء الإعراض عنه إلى غيره. ثم قال إن كان إعراضًا وتنطعًا يفضي إلى اعتقاد أرجحية عمله فمعنى فليس مني ليس على ملتي لأن اعتقاد ذلك نوع من الكفر اﻫ
4- قال في المجموع قوله «ثائر» أي منتفش شعره اﻫ
5-قال البخاري في كتاب الصيام عن طلحة بن عبيد الله أن أعرابيًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله عليّ من الصلاة فقال «الصلوات الخمس إلا أن تطوّع شيئًا» فقال أخبرني ما فرض الله عليّ من الصيام فقال «شهر رمضان إلا أن تطوع شيئًا» فقال أخبرني بما فرض الله عليّ من الزكاة فقال فأخبره رسول الله عليه وسلم شرائع الإسلام قال والذي أكرمك لا أتطوّع شيئًا ولا أنقص مما فرض الله عليّ شيئًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفلح إن صدق» أو «دخل الجنة إن صدق» اﻫ
6-وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري «إن كذبًا عليّ ليس ككذب على أحد فمن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»، ذكره في باب ما يكره من النياحة على الميت.
7- روى أبو داود في سننه في باب في المواقيت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «أَمَّني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك وصلى بي العصر حين كان ظله مثله وصلى بي يعني المغرب حين أفطر الصائم وصلى بي العشاء حين غاب الشفق وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل وصلى بي الفجر فأسفر ثم التفت إلي فقال يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت ما بين هذين الوقتين».
8- قال الحاكم في المستدرك في كتاب الإيمان قال رسول الله إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله اﻫ
9- قاله في شرح الروض.
10- قال الشيخ زكريا الأنصاري في شرح الروض هو الظل الموجود عنده اﻫ
11-قاله في شرح التنبيه للسيوطي.
12-قاله في شرح التنبيه.
13-قال في شرح الروض الكاذب هو ما يطلع مستطيلاً بأعلاه ضوء كذنب السِّرحان وهو الذئب ثم يذهب وتعقبه ظلمة ثم يطلع الفجر الصادق مستطيرًا بالراء أي منتشرًا وسمي الأول كاذبًا لأنه يضيء ثم يَسْوَدُّ ويذهب والثاني صادقًا لأنه يصدق عن الصبح ويبيّنه اﻫ
14- روى البخاري في صحيحه في باب ترك الحائض الصوم عن أبي سعيد الخدري أنه قال خرج رسول الله في أضحى أو فطر إلى المصلى فمرَّ على النساء فقال «يا معشر النساء تَصَدَّقْنَ فإني أريتكن أكثر أهل النار» فقلن وبم يا رسول الله قال «تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن» قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله قال «أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل» قلن بلى قال «فذلك من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم» قلن بلى قال «فذلك من نقصان دينها» اﻫ
15- [سورة الماعون/ الآية ٥].
16- قال البيهقي في السنن الكبرى في باب الترغيب في حفظ مواقيت الصلاة عن سعد أنه قال سألت النبي عن قوله ﴿الذين هم عن صلاتهم ساهون﴾ قال الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها اﻫ
17-قال الرازي في تفسيره ﴿فويل﴾واعلم أن هذا اللفظ إنما يستعمل عند الجريمة الشديدة اﻫ
18- قال في شرح التنبيه وأما الكافر فإن كان أصليًا لم يجب عليه وجوب مطالبة بها في الدنيا لعدم صحتها منه في الكفر وبعد الإسلام لا يؤمر بقضائها ترغيبًا له في الإسلام نعم تجب عليه وجوب عقاب في الآخرة كما تقرر في الأصول لتمكنه من فعلها في الإسـلام اﻫ
19- روى النسائي في سننه الكبرى عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم «رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق» اﻫ وفي سنن أبي داوود بلفظ «رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتـى يحتلم» اﻫ
20- قال في شرح التنبيه ولا يعذر أحد من أهل فرض الصلاة في تأخيرها عن الوقت إلا لنائم أو ناس أو معذور بسفر أو مرض أو مطر فإنه يؤخرها بنية الجمع اﻫ
21-قاله في فتح الوهاب.
22- قال النووي في الروضة ولا يعتبر مع إمكان فعلها إمكان الطهارة لأنه يمكن تقديمها قبل الوقت إلا إذا لم يجز تقديم طهارة صاحب الواقعة كالمتيمم والمستحاضة اﻫ
23-قاله في الأنوار لأعمال الأبرار للأردبيلي.
24- قال النووي في المجموع في باب صلاة المسافر قال المتولي قال القاضي حسين يجوز الجمع بعذر الخوف والمرض كجمع المسافر يجوز تقديمًا وتأخيرًا والأولى أن يفعل أوفقهما به اﻫ
فصل معقود لبيان ما يجب على أولياء الصبيان والصبيات وغير ذلك
قال المؤلف رحمه الله (فصلٌ) الشرح أن هذا فصل معقود لبيان ما يجب على أولياء الصبيان والصبيات وغير ذلك.
قال المؤلف رحمه الله (يجبُ على وليِّ الصبيِّ والصبيَّةِ المُمَيّزَيْنِ أنْ يأمرَهُمَا بالصلاةِ ويعلّمَهُمَا أحكامَها بعدَ سبعِ سنينَ قمرية)
الشرح أنه يجب على وليّ الصبي والصبية أمرهما بالصلاة بعد سبع سنين قمرية أي بعد تمام سبع سنين1 على الفور إن حصل التَّمْييز وذلك بأن يَفْهَم الخطابَ وَيَرُدَّ الجوابَ2.
وبعضهم فسَّر التمييز بالاستقلال بالأكل والشرب والاستنجاء3. ويكون الأمر بالصلاة بعد تعليم أحكامها وأمورها فإن تعليمهما أمورَها بعد سبع سنين واجب ويكون الأمر بالصلاة بتشديد وليس بطريقة لا تشعرهما بأهمية أداء فرائض الصلوات4. والصبي يؤمر بالقضاء كما يؤمر بالأداء5 وكذلك يؤمر بقضاء الصوم إن كان يطيقه6.
قال المؤلف رحمه الله (ويضربَهُما على تركها بعد عشرِ سنين كصومٍ أطاقاه.)
الشرح يجب على الأب والأم ضربُ الصبيِّ والصبيَّة على تركِ الصّلاة بعْدَ عشر سنين7 والصيامُ الذي يطيقه الصبيُّ والصَّبيّة كذلك يجب على الآباء والأمهات الأمرُ به لسبعٍ وضربُهما عليه بعد إكمال عشر سنين. والعبرةُ بالسنينَ القمريّةِ لا بالسنينَ الشَّمْسِيَّةِ أَمَّا إن كانا لا يطيقان الصيام فلا يجب الأمر بالصيام. وهذا الضرب يُشْتَرَط أن يكون غيْرَ مُبَرِّح8 أي غير مؤدٍّ إلى الهلاك لأنَّ الضَّرْبَ المؤدِّيَ للهلاك حرامٌ على الولي.
قال المؤلف رحمه الله (ويجبُ عليهِ9 أيضًا تَعْليمُهُمَا مِنَ العقائدِ والأحكام يجبُ كذا ويحرمُ كذا ومشروعيةَ السواك والجماعة)
الشرح من الواجب على الأبوين نحوَ أولادِهما تعليمُ الصبيّ والصبية ما يجب عليهما بعد البلوغ أي من أمور الدين الضروريّة التي يشترك في معرفتها الخاصُّ والعامُّ وهو ما كان من أصولِ العقيدة10 من وجود الله ووَحدانيته وقِدَمِهِ وبقائه وقيامه بنفسه ومخالفته للحوادث في الذات والصفات أي أنه لا يشبه شيئًا من المخلوقات لا يشبهُ الضوءَ والظلام والإنسان والنبات والجمادات من الكواكب وغيرها، وأنه ليس جسمًا وأَنَّ لله قدرةً وإرادةً وسمعًا وبصرًا وعلمًا وحياةً وكلامًا و أَنَّ مُحمَّدًا عبدُ الله ورسوله وأَنَّه خاتمُ الأنبياء وأَنَّه عربيٌّ وأنّه وُلِدَ بمكّة وهاجرَ إلى المدينةِ ودفن فيها وأَنَّ الله أرسل أنبياء أولهم ءادمُ وأنَّه أنـزل كُتبًا على الأنبياء وأَنَّ لله ملائكةً وأنّه سيفني الجن والإِنس والملائكة وكلَّ ذي روح ثم يُعادون إلى الحياة وأنَّ الإنس والجن يُجْزَوْنَ بعد ذلك على حسناتهم بالنعيم المقيم وعلى سيئاتهم بالعذاب الأليم وأنَّ الله أعدَّ للمؤمنين دارًا يتنعّمون فيها تُسمّى الجنة وللكافرين دارًا يتعذبون فيها تسمّى جهنم وأنَّ الكافرَ حرامٌ عليه الجنة وأن كل من لا يؤمن بالله وبرسوله محمد كافر وما أشبه ذلك. وكذلك تعليمهم حرمة السرقة والكذب ولو مزحًاَ وحرمة الزنى وهو إدخال الذكر في فرج المرأة غير زوجته وأمته واللواطِ وهو إدخال الذكر في الدبر أي دبر غير زوجته وأمته11 وتعليمهم حرمة الغيبة والنميمة وضربِ المسلم ظلمًا ونحوَ ذلك من الأمور الظاهرة12. وكذلك تعليمهم أن استعمال السواك سنةٌ وأن الشرع أمر بصلاة الجماعة وما أشبه ذلك، قال ابن الجوزي في كتابه الحث على حفظ العلم في باب الإعلام بما ينبغي تقديمه من المحفوظات “أولُ ما ينبغي تقديمه مقدمة في الاعتقاد تشتمل على الدليل على معرفة الله سبحانه ويُذكر فيها ما لا بد منه ثم يُعرَّف الواجباتِ ثم حِفظُ القرءان ثم سماعُ الحديث” اﻫ
قال المؤلف رحمه الله (ويجبُ على ولاةِ الأمرِ قتلُ تاركِ الصلاةِ كسلاً إن لم يتب)
الشرح يجب على إمام المسلمين والسلطانِ الذي ولاه الإمامُ والقاضي أن يقتل تارك الصلاة كسلاً بعد إنذاره13 أنّه إن ترك الظهر مثلاً إلى أن تغيبَ الشمسُ يقتله فإذا لم يصلّها حتى غربت الشمس وجب عليه أن يقتلَه14 ويكون هذا القتلُ كفّارةً أي تطهيرًا له لأنه مسلم حيث إنه لا يُنْكرُ فرضيةَ الصلاة وأَمَّا تاركها جُحُودًا فهو مرتَدٌّ فيطالبه السلطان بالرجوع إلى الإسلام فإن رَجَعَ وإلا قَتَلَهُ لكفره لا لِلْحَدِّ. وقوله إنْ لم يَتُبْ أراد به أنّه إن تاب قبل أن يُقتل تُرك من القتل15.
قال المؤلف رحمه الله (وحكمُهُ أَنَّهُ مسلمٌ)
الشرح أنَّ الذي يترك الصلاة كسلاً إذا قتله الإمام أو نائبه حَدًّا لتطهيره يُجْرَى عليه أحكام المسلمين فيجب تجهيزه بالغَسل والتكفين والصلاة عليه والدفن16. وَلا يجوز قتله لغير الإمام وَمَنْ فَوَّضَ إليه الإمامُ الأَمْرَ. ومعنى قتله حدًا لتطهيره أنّ الله لا يُعذّبُه على هذا الذنب الذي أُقيم عليه الحد فيه وهذا الحكم في كل الحدود لقوله عليه الصلاة والسلام «الحدود كفارات» رواه البيهقي17 وروى البخاري ما يعطي معناه18.
قال المؤلف رحمه الله (ويجبُ على كلِّ مسلمٍ أمرُ أهلِهِ بِالصلاةِ)
الشرح المراد بهذا الوجوبُ الكفائيُّ والمرادُ بالأهل زوجتُهُ وأولاده ومن في معناهم19 فهذا إن كان عالِمًا بنفسه فيجب عليه أن يُعَلِّمَهُمْ ما يجب عليهم عينًا تعلمه من علم الدين أو يُمَكِّنَهم من التعلُّم عند من يُعَلِّمهم فَيَحْرُم عليه عندئذٍ مَنْعُهُم من الخروج للتعلُّم حتى الزوجةُ لا يجوز للزوج أن يمنعَهَا من الخروج للتعلُّم إذا لم يكن هو عالِمًا بذلك أو كان عالِمًا بذلك لكنه أهمل التعليم ولم يأتها بمن يعلمها. وهذا مأخوذٌ من قول الله تعالى ﴿يا أيها الذين ءامنوا قوا أنفسَكُم وأهلِيْكُم ناراً وقودُها الناسُ والحجارة﴾20 قال سيدنا عليٌّ رضي الله عنه في تفسير هذه الآية علِّمُوا أَنْفُسَكم وأهليكم الخيرَ اﻫ أي أمور الدِّين رواه الحاكم21. فمَنْ تعلَّم لنفسه ضرورياتِ علم الدين وعلّم أهله فقد حَفِظَ نفسَه وأهلَه من نار جهنم ومَنْ لم يَفْعَلْ فقد أهلكَ نفسَه وأهلَه.
قال المؤلف رحمه الله (وكلِّ مَنْ قَدَرَ عليه مِن غيرهم.) الشرح يجب على المسلم والمسلمة الأمرُ بالمعروف من صلاة وصيامٍ ونحو ذلك من الواجبات مع تعليم من يستطاع تعليمه أحكامَها الضروريةَ إن كانوا لا يعلمون ذلك وجوبًا كفائيًّا في حقِّ غيرِ أهله من سائر المسلمين.
————-
1- قال في شرح التنبيه المراد بالسبع والعشر استكمالهما اﻫ وقال في شرح الروض إن السبع لا بد منها في وجوب الأمر وإن وجد التمييز قبلها وقد صرح في المجموع بما يدل عليه اﻫ
2- قال البجيرمي في حاشيته على فتح الوهاب التمييز فهم الخطاب ورد الجواب قاله الإسنوي اﻫ ذكره في الكلام على حرمة التفريق بين الجارية وولدها قبل التمييز.
3- قال في شرح الروض وكذا عليهم أمره بالصوم ومحل أمره به وبالصلاة إن ميز بأن انفرد بالأكل والشرب والاستنجاء وأطاق فعلهما لسبع من السنين أي بعد تمامها اﻫ قال في إعانة الطالبين وقيل يحصل التمييز بأن يفهم الخطاب ويرد الجواب اﻫ
4- قال في الأنوار لأعمال الأبرار في فصل إذا بلغ الصبي يجب أمر الصبي بالصلاة مع التهديد اﻫ وقال شمس الدين الرملي في نهاية المحتاج ولا يقتصر كما قاله الطبري على مجرد الصيغة بل لا بد معه من التهديد اﻫ
5- قاله في شرح روض الطالب.
6- قال في نهاية المحتاج والصوم كالصلاة فيما تقرر إن أطاقه بأن لم يحصل له به مشقة لا تحتمل عادة وإن لم يبح التيمم فيما يظهر اﻫ قال في الحاشية فحيث ظهر لوليه عدم إطاقته امتنع عليه أمره وحيث ظهرت وجب أمره اﻫ
7- روى أبو داود في سننه في باب متى يؤمر الغلام بالصلاة عن النبي صلى الله علي وسلم قال «مروا الصبي بالصلاة إذا بلغ سبع سنين وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليـها» اﻫ
8- قال في حاشية نهاية المحتاج ويضرب عليها أي وجوبًا زاد ابن حجر أي ضربًا غير مبرح ولو لم يفد إلا بمبرح تركه وفاقًا لابن عبد السلام اﻫ
9- قال في الأنوار لأعمال الأبرار يجب على الآباء والأمهات تعليم الأولاد المميزين الطهارة والصلاة والشرائع بعد سبع اﻫ
10- عن جندب بن عبد الله قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرءان ثم تعلمنا القرءان فازددنا به إيمانًا اﻫ رواه ابن ماجه في سننه في افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم بابٌ في الإيمان. قال في الزوائد إسناد هذا الحديث صحيح رجاله ثقات اﻫ وفي معجم الطبراني الكبير عن أبي عمران الجوني عن جندب قال كنا مع نبينا صلى الله عليه وسلم فتيانًا حزاورة فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرءان ثم تعلمنا القرءان فنـزداد به إيمانًا فإنكم اليوم تعلمون القرءان قبل الإيمان اﻫ
11- جماع الزوجة في دبرها حرام لكنه ليس لواطًا يجب فيه الحد.
12- قال النووي في المجموع قال أصحابنا ويأمره الولي بحضور الصلوات في الجماعة وبالسواك وبسائر الوظائف الدينية ويعرفه تحريم الزنا واللواط والخمر والكذب والغيبة وشبهها اﻫ
13- قال في شرح التنبيه ومن امتنع من فعلها غير جاحد لوجوبها بل كسلاً حتى خرج الوقت قتل حدًا لا كفرًا بصلاة واحدة في ظاهر المذهب بشرط إخراجها عن وقت الجمع إن كانت تجمع بما بعدها فيقتل بالصبح بعد الشمس وبالظهر كالعصر بعد الغروب وبالمغرب كالعشاء بعد الفجر اﻫ
14-فالقاعدة في ذلك أنه إذا مضى وقت الصلاة الثانية وكانت تجمع معها للعذر ولم يصلها قضاء يقتل وإلا بأن كانت التي بعدها لا تجمع معها فيقتل بعد انتهاء وقت الأولى إن لم يشرع فيها ففي صلاة الصبح مثلاً يقتل بعد توعده على تركها إذا طلعت الشمس ولم يشتغل بالقضاء.
15- قال الدمياطي في إعانة الطالبين واستشكل كونه (أي قتل تارك الصلاة) حدًّا بأن القتل يسقط بالتوبة والحدود لا تسقط بالتوبة وأجيب بأن المقصود من هذا القتل الحمل على أداء ما توجه عليه من الحق وهو الصلاة فإذا أداه بأن صلى سقط لحصول المقصود بخلاف سائر الحدود فإنها وضعت عقوبة على معصية سابقة فلا تسقط بالتوبة اﻫ قال ابن حجر الهيتمي في المنهج القويم ولا يقتل بفائتة إن فاتته بعذر مطلقًا أو بلا عذر وقال أصليها لتوبته بخلاف ما إذا لم يقل ذلك اﻫ
16- قال في شرح التنبيه ويستتاب كما يستتاب المرتد ثم يقتل ويغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين اﻫ
17- رواه البيهقي في سننه بلفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من أصاب ذنبًا فأقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته» وذكره في باب الحدود كفارات.
18- روى البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس فقال بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا ولا تسرقوا ولا تزنوا وقرأ هذه الآية كلها فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به فهو كفارته ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله عليه إن شاء غفر له وإن شاء عذبه اﻫ
19- قال القرطبي في تفسيره قوله تعالى﴿يا أيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا ﴾ قال عمر يا رسول الله نقي أنفسنا فكيف لنا بأهلينا فقال تنهونهم عما نهاكم الله وتأمرونهم بما أمر وقال مقاتل ذلك حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيده وإمائه اﻫ
20- [سورة التحريم/ الآية ٢٤].
21- روى الحاكم في المستدرك عن علي بن أبي طالب في قوله عز وجل ﴿قوا أنفسكم وأهليكم نارًا﴾ قال علموا أنفسكم وأهليكم الخير هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه اﻫ
فصل معقود لبيان أركان الوضوء
قال المؤلف رحمه الله (فصل)
الشرح أن هذا فصل معقود لبيان أركان الوضوء.
قال المؤلف رحمه الله (ومِنْ شروطِ الصلاةِ الوضوءُ)
الشرح الوضوء هو أول مقاصد الطهارة1 فُرِضَ عندما فُرِضت الصلاة. والشرط في اصطلاح الفقهاء غيرُ الركن وهو ما يتوقف عليه صحةُ الشىء وليس جزءًا منه كالطهارة واستقبال القبلة بالنسبة للصلاة وأما الركن فهو جزء من الشىء ويتوقف صحة الشىء عليه كالركوع والسجود.
قال المؤلف رحمه الله (وفروضُه ستةٌ)
الشرح أن فروض الوضوء ستَّةٌ أربعةٌ عُرفت بالكتاب والسُّنَّة واثنان بالسُّنَّة فغسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين هذه الأربعة دليلها الكتاب والسُّنَّة أَمَّا النيَّة والترتيب فدليلهما الحديث.
قال المؤلف رحمه الله (الأولُ نيةُ الطهارةِ للصلاةِ أو غيرُها مِنَ النيّاتِ المجزئةِ عندَ غسلِ الوجهِ أي مقترنةً بغسلِهِ عند الإمام الشافعي وتكفي النيةُ إن تقدمت على غسل الوجه بقليل عند مالك)
الشرح الفرضُ الأول من فروض الوضوء النيّة ولا بدّ فيه لصحّته من نية مجزئة كأن ينويَ الطهارة للصلاة بقلبه2 فلا يكفي التلفّظ بها من غير استحضارها بقلبه3 ويكفي أن ينويَ فرضَ الوضوء أو الوضوء فقط أو ينويَ استباحة مُفْتَقِرٍ إلى وضوء كأن ينويَ استباحةَ الصلاة4 أو استباحةَ مَسِّ المصحف فَمَن توضَّأ بنيَّة شىء مِنْ هذه المذكورات استباحَ الصلاة وغيرَها أي مما يحتاج إلى الطهارة. ولا تجزئُ نيّةُ استباحة ما تُسْتَحَبُّ له الطهارة كنويت استباحة قراءة القرءان5. ويجب أن تكون هذه النيّة في مذهب الإمام الشافعي عند غسل الوجه أي مقترنةً بغسل جزءٍ من الوجه أي عند إصابة الماء لأول جزء من الوجه6 فإذا قَرَنَ النيّةَ بأوّل غسل الوجه كَفَتْ تلك النيّة ولو غسل جزءًا من وجهه قبل هذه النيّة ثم نوى في أثناء غَسْلِ الوجه وَجَبَ عليه إعادةُ غسل ذلكَ الجزءِ7.
قال المؤلف رحمه الله (الثاني غَسلُ الوجه جميعِهِ من منابت شعرِ رأسه إلى الذَّقَن ومن الأذن إلى الأذن شعرًا وبشرًا لا باطنَ لحية الرجل وعارضيْه إذا كَثُفَا)
الشرح الفرض الثاني من فرائض الوضوء غسلُ الوجه جميعه. والمراد غسل ظاهره8 فلا يجب غسل باطن العين والفم والأنف9. وحدُّ الوجه من منابت شعر الرأس باعتبار الغالب إلى الذقَن. والذقن هو مجتمع اللَّحيَيْن وهما العظمان اللذان أسفلَ الأذن10 يجتمعان في أسفل الوجه فيُسمَّى مجتمَعَهُما الذقَنَ هذا حد الوجه طولاً وأَمَّا حدُّه عرضًا فهو من الأذن إلى الأذن أي من وَتِدِ الأذن11 إلى وتد الأُذن ولا يدخل الوتد فيما يجب غسله12 ولا تدخل الأذنان في الوجه ولا يجب غسلُهما إنما الذي يجب غسلُه ما بينهما13 فما كان ضمن هذا من شعرٍ وبشرٍ أي جلدٍ فغسله فرض14 فمما يجب غسله الغمم15 وهو الشعر الذي ينبت على الجبهة لأنَّ هذا خلافُ غالب الناس. ولا يجب غسل ما ينحسر عنه الشعر16 كالنّاصية17 فمن كان مقدم رأسه انحسر عنه الشعر فلا يجب عليه غسله مع الوجه. ومما يجب غسله من الوجه ما يظهر من حمرة الشفتين عند إطباق الفم18 بخلاف ما لا يظهر عند الإطباق فإنه لا يجب غسله. ويُسْتَثْنَى من ذلك باطنُ لحية الرجل الكثيفة وباطن عارضيْه19 الكثيفين والكثيفُ هو ما لا تُرى البَشَرةُ من خلاله20 فإن خفَّ شعرُ اللحية والعارضَيْن وَجَبَ غسلُ باطنه كذلك. قال الفقهاءُ يجب غسْلُ جُزءٍ زائد على الوجه مِنْ سائر جوانب الوجه للتَّحَقُّقِ من استيعابه21 وهذا يحصل بقدر قُلامة ظفر.
قال المؤلف رحمه الله (الثالث غسلُ اليدين مع المرفقين وما عليهما)
الشرح أن الفرضَ الثالث من فروض الوضوء غسل اليدين مع المرفقين ولو كانت زائدة التَبَسَتْ بالأصليّة22 مع المِرْفَقَين ويقال المَرْفِقين والمرفق هو مجتمعُ عظمَي الساعد وعظم العَضُد فقوله تعالى ﴿وأيديَكم إلى المرافق﴾23 أي مع المرافق فإذا تُرِكَ المرفقان لم يصحَّ الوضوء وذلك لأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنّه كان يغسل مرفَقَيْهِ ولا يقتصرُ على ما قبلهما كما رواه مسلم24. ولو قُطع بعضُ ما يجب غسله وجب غسل ما بقيَ25. ويجب أيضًا غسلُ ما عليهما من شعر ولو كان كثيفًا طويلاً26. ويجب غسلُ الظفر أيضًا27 وأما الوسخ الذي تحت الظفر المانعُ من وصول الماء فقد قال بعضهم يعفى عنه في الوضوء وبعضهم قال لا يعفى عنه28. ويجب غسل الشَّقّ أي إذا كان في يده شقوق يجب إيصالُ الماء إليها29. أَمَّا الشوكةُ فإِن استَتَرت وتجاوزت الجلدَ فلا يجب إخراجها لغسل موضعها أَمَّا إن كانت ظاهرة لم تستتر فيخرجها وجوبًا30. ويكفي غسلُ قشر الجرح ولا يجب رفعه وإزالته فلو أزالَه بعد إتمام الوضوء لم يجب غسل ما ظهر.
وقوله “وما عليهما” أي إن كان على يده سِلعةٌ أي قطعة لحم زائدةٌ نبتت على يده31 فإنه يجب غسلها32.
قال المؤلف رحمه الله (الرابعُ مسح الرأسِ أو بعضِه ولو شعرةً في حدِّه)
الشرح الفرض الرابع من فرائض الوضوء مسح بعض الرأس. والواجب في مذهب الشافعي رضي الله عنه مسحُ شىء من شعر الرأس ولو بعض شعرةٍ أو جزءًا من الرأس لا شعر عليه33 لكنه يُشترط في الشعر أن يكون في حدّ الرأس34 فلو مَسَحَ القدر الذي يخرج عن حدّ الرأس عند مدِّه لجهة نـزوله فلا يكفي35.
ولو وضَع يده المبتلَّةَ36 أو خرقة مبتلَّة بالماء37 فوصل البلَلُ منها إلى الرأس كفى ذلك.
قال المؤلف رحمه الله (الخامسُ غسلُ الرّجلينِ مع الكعبينِ أو مسحُ الخفّ إذا كَمَلَتْ شروطُهُ)
الشرح الفرضُ الخامس من فرائض الوضوء غسل الرجلين مع الكعبين وما عليهما من شعر وسِلعة وشقوق ونحو ذلك38 وهذا في غير لابس الخفّ39 أما مَنْ لبس الخف المستوفِيَ للشروط فيكفيه مسحُ الخف بَدَلاً عَن غسل الرجلين وذلك بأن يكونَ الخفُّ طاهرًا لا نحوَ جلدِ ميتة ساترًا لجميع القدم يمكن المشي عليه بلا نعلٍ لحاجات المسافر عند الحطِّ والتّرْحال أي الرحيل بعد الاستراحة في السفر ونحوهما وأن يبتدئ لُبسهما بعد كمال الطهارة وأن يكون الخف مانعًا لنفوذ الماء40 وأمّا في غير ذلك فلا يكفي المسحُ.
ويمسح المقيم يومًا وليلة والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن41 وابتداء المدة من حين يُحدِث بعد لُبس الخفين42 ولا يشترط أن يكون للخف نَعل يقيه بل يجوز المسح على الخف الذي يُمشى به في الشوارع في الطين لأن طين الشوارع المتنجسَ يُعفى عنه43. ويَبطل المسحُ على الخفين بثلاثة أشياء بخلعهما وانقضاء المدة وما يوجب الغسل.
قال المؤلف رحمه الله (السادس الترتيب هكذا)
الشرح الفرضُ السادس من فرائض الوضوء أن يبدأ بغسل الوجه المقرون بالنيَّة ثم اليدين ثم مسحِ الرأس ثم غسلِ الرجلين فلو ترك الترتيب بأن قدّم شيئًا من هذه المذكورات على ما قبله لم يصح ما قدَّمه أمَّا إن حصل الترتيب تقديرًا فَيَكْفِي ذلك كأنْ غَطَس في ماء مع النيّة فخرج ولم يمكث زمنًا يمكنه الترتيبُ الحقيقيُ فيه44.
————-
1- قال في حاشية الجمل باب الوضوء أي باب بيان أحكامه وهو أول مقاصد الطهـارة اﻫ
2- قاله في نهاية المحتاج.
3- قال في المجموع النية الواجبة في الوضوء هي النية بالقلب ولا يجب اللفظ باللسان معها ولا يجزئ وحده وإن جمعهما فهو ءاكد اﻫ
4- قاله في شرح التنبيه.
5- قاله في شرح التنبيه.
6- قاله في شرح التنبيه.
7- قال في نهاية المحتاج ويجب قرنها بأول غسل الوجه فما تقدم عليها منه لاغٍ وما قارنها هو أوله فتجب إعادة ما غسل منه قبلها اﻫ
8- قاله في نهاية المحتاج.
9- قاله في نهاية المحتاج.
10- قال في نهاية المحتاج هما العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان السفلى اﻫ
11- قال في إعانة الطالبين الوتد الهنية الناشزة في مقدم الأذن اﻫ
12- قال في المجموع قال ابن الرفعة ولا تدخل الشحمة ولا الوتد بالاتفاق اﻫ
13- قال الدِمياطيّ في إعانة الطالبين دون محل التحذيف وضابطه كما قاله الإمام أن تضع طرف خيط على رأس الأذن والمراد به الجزء المحاذي لأعلى العذار قريبًا من الوتد والطرف الثاني على أعلى الجبهة اﻫ وفي حواشي الشرواني قال علي الشبراملسي قوله أي محمد الرملي على رأس الأذن المراد برأس الأذن الجزء المحاذي لأعلى العذار قريبًا من الوتد وليس المراد به أعلى الأذن من جهة الرأس لأنه ليس محاذيًا لمبدأ العذار اﻫ
14- قال الجويني أي إمام الحرمين عبد الملك يمد خيط من منابت شعر الرأس عادة إلى رأس الأذن فما كان من هذا الخيط إلى جهة الوجه فيجب غسله.
15- قال في نهاية المحتاج أما موضع الغمم فمنه أي من الوجه اﻫ
16- قال النووي في الروضة ليست النـزعتان من الوجه وهما البياضان المكتنفان للناصية أعلى الجبينين ولا موضع الصلع وهو ما انحسر عنه الشعر فوق ابتداء التسطيح اﻫ
17- قال في لسان العرب قال الأزهري الناصية عند العرب منبت الشعر في مقدم الرأس الذي تسميه العامة الناصية وسمي الشعر ناصية لنباته في ذلك الموضع اﻫ
18- قاله في الروضة اﻫ
19- العارضان يراد بهما الشعر النابت على العظمين جانبي الوجه الملتقيين في أسفله. قال في الروضة شعر الذقن والعارضين وهما الشعران المنحطان عن محاذاة الأذنين فإن كان خفيفًا وجب غسل ظاهره وباطنه مع البشرة وإن كان كثيفًا وجب غسل ظاهر الشعر فقط اﻫ
20- قال في الروضة الصحيح الذي عليه الأكثرون وهو ظاهر النص أن الخفيف ما تتراءى البشرة تحته في مجلس التخاطب والكثيف ما يمنع الرؤية اﻫ
21- قال في الروضة قال أصحابنا يجب غسل جزء من رأسه ورقبته وما تحت ذقنه مع الوجه ليتحقق استيعابه اﻫ
22- قاله في الروض.
23- [سورة المائدة/ الآية ٦].
24- روى مسلم عن نعيم بن عبد الله المجمر قال رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد ثم مسح رأسه ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق ثم قال هكذا رأيت رسول الله يتوضأ اﻫرواه في باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل.
25- قاله في الروضة.
26- قال في الروضة ولو نبت على ذراعه أو رجله شعر كثيف وجب غسل ظاهره وباطنه مع البشرة تحته لندوره اﻫ
27- قال في نهاية المحتاج ويجب غسل ما على اليدين من شعر وإن كثف وأظفار وإن طالت اﻫ
28- قال في فتح المعين وكذا يشترط على ما جزم به كثيرون أن لا يكون وسخ تحت ظفر يمنع وصول الماء لما تحته خلافًا لجمع منهم الغزالي والزركشي وغيرهما وأطالوا في ترجيحه وصرحوا بالمسامحة عما تحتها من الوسخ دون نحو العجين وأشار الأذرعي وغيره إلى ضعف مقالتهم وقد صرح في التتمة وغيرها بما في الروضة وغيرها من عدم المسامحة بشىء مما تحتها حيث منع وصول الماء بمحله وأفتى البغوي في وسخ حصل من غبار بأنه يمنع صحة الوضوء بخلاف ما نشأ من بدنه وهو العرق المتجمد وجزم به في الأنوار اﻫ
29- قاله في نهاية المحتاج.
30- قال في نهاية المحتاج ولو دخلت شوكة إصبعه مثلاً وصار رأسها ظاهرًا غير مستور فإن كانت بحيث لو قلعت بقي موضعها مجوفًا وجب قلعها ولا يصح غسل اليد مع بقائها وإن كانت بحيث لو قلعت لا يبقى موضعها مجوفًا بل يلتحم وينطبق لم يجب قلعها وصح غسل اليد مع وجودها لعدم ظهورها اﻫ
31- قال ابن منظور في لسان العرب السلعة بكسر السين الضواة وهي زيادة تحدث في الجسد مثل الغدة اﻫ
32- قاله في الروضة.
33- قال في نهاية المحتاج الرابع من الفروض مسمى مسح لبشرة رأسه وإن قل أو بعض شعر ولو واحدة في حده أي الرأس اﻫ
34- حد الرأس من منابت الشعر غالبًا إلى النقرة، ونقرة القفا حفرة في ءاخر الدماغ كما في المصباح.
35- قال في الروضة وشرط الشعر الممسوح أن لا يخرج عن حد رأسه لو مُدَّ سَبطًا كان أو جعدًا ولا يضر مجاوزته منبته على الصحيح اﻫ وفي كتاب بشرى الكريم شرح مسائل التعليم بأن لا يخرج عنه بالمد إلى جهة نزول الشعر فجهة نزول شعر الناصية الوجه وشعر القرنين المنكبان ومؤخر الرأس القفا فما يخرج لا يجزئه المسح عليه اﻫ
36- قاله في الروضة.
37- قال في الروضة ولا تتعين اليد للمسح بل يجوز بإصبع أو خشبـة أو خرقـة أو غيرها اﻫ
38- قال في نهاية المحتاج ويأتي فيهما ما تقدم من غسل شعر وسلعة ونحو ذلك اﻫ
39- قال في نهاية المحتاج ومحل تعين وجوب غسلهما في حق من لم يرد المسح على الخفيـن اﻫ
40- قال في نهاية المحتاج وشرطه أن يلبس بعد كمال طهر ساترَ محلِ فرضٍ طاهرًا يمكن تتابع المشي فيه لتردد مسافر لحاجاته ولا يجزئ منسوج لا يمنع ماء في الأصح اﻫ
41- قال في نهاية المحتاج للمقيم ولو عاصيًا بإقامته وللمسافر سفرًا غير مرخِّصٍ للقصر يومًا وليلة وللمسافر سفر قصر ثلاثة أيام بلياليهن اﻫ
42- كما في متن أبي شجاع. والمراد انتهاء الحدث كما في التحفة والنهاية وغيرهما.
43- قال الشيخ زكريا الأنصاري في شرح الروض ويعفى عن قليل طين الشوراع المتنجس لعسر تجنبه بخلاف كثيره كدم الأجنبي. ثم قال والقليل ما لا ينسب صاحبه إلى سقطة أي على شىء من بدنه أو كبوة على وجهه أو قلة تحفظ وهو ما يتعذر الاحتراز منه غالبًا ويختلف بالوقت وموضعه من الثوب والبدن وخرج بالنجس غيرُهُ فطاهر وإن ظن نجاسته عملاً بالأصل اﻫ
44- قاله في الروضة.