كتاب ذكر الموت

بسم الله الرحمن الرحيم
مُقَدِّمَةٌ

الحمدُ للهِ خالِقِ الليلِ والنهارِ، الواحِدِ العزيزِ القهارِ، والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ المصطَفَى المختارِ وعلى ءالِهِ وأصحابِهِ الأخيارِ، وبعدُ فهذا مؤلَّفٌ أُلِّفَ لتَعليمِ المسلِمِ ما ينبَغِي قولُهُ من بعضِ الأذكارِ الواردَةِ عن النبيِّ المصطَفَى صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فإنَّ فَضلَ الذكرِ عَظيمٌ فقد جاءَ في القرءانِ الكريمِ ءاياتٌ كثيرةٌ تحُثُّ عليه مِنها قولُهُ تَعالى ﴿واذْكُرْ ربَّكَ كثيرًا وسبِّحْ بالعَشِيِّ والإبكارِ﴾ آلِ عِمران آية (41)، وقولُهُ تَعالى ﴿واذكُرْ اسمَ ربِّكَ بُكرَةً وأصِيلًا﴾ الإنسان آية (25)، وقولُهُ تَعالى ﴿والذاكِرينَ اللهَ كثيرًا والذاكِراتِ أعدَّ اللهُ لهم مَغفِرةً وأجرًا عَظيمًا﴾ الأحزاب آية (35). والأحاديثُ في ذلك أيضًا كثيرَةٌ.

وإنَّنا نَسألُ اللهَ أن يجعَلَ عملَنا هذا مَقبولًا إنَّه على كلِّ شىءٍ قَديرٍ.
قِسمُ الأبحاثِ والدراساتِ الإسلاميةِ
في جمعيةِ الثقافةِ العربيةِ الإسلاميةِ

بسم الله الرحمن الرحيم
﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ءامَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)﴾ سورةُ البقرة.

بسم الله الرحمن الرحيم
﴿اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ(255)﴾ سورةُ البقرة.

بسم الله الرحمن الرحيم
يَس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الأذْقَانِ فَهُم مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12) وَاضْرِبْ لَهُم مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُرْسَلُونَ (14) قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُم مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (19) وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) ءَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ (27) وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ (28) إِن كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ (29) يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِن رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31) وَإِن كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32) وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَنَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) وَآيَةٌ لَهُمُ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُم مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِن نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنقَذُونَ (43) إِلا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45) وَمَا تَأْتِيهِم مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (47) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (48) مَا يَنظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49) فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (50) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِنْ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ (51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52) إِن كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (53) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (54) إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الأرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَا يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلًا مِن رَبٍّ رَحِيمٍ (58) وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَن لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاً كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (64) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65) وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66) وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (67) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (68) وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69) لِيُنْذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ (74) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (76) أَوَلَمْ يَرَ الإنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِنْ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُم مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) سورةُ يَس.

بسم الله الرحمن الرحيم
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ السَّعِيرِ (11) إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) ءأَمِنتُم مَن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنتُمْ مَن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (19) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُمْ يَنصُرُكُمْ مِن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلا فِي غُرُورٍ (20) أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (21) أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (22) قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (23) قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (26) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ (27) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَعِي أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (28) قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (29) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَعِينٍ (30) سورةُ الملك.

بابُ ما يُقالُ عندَ الصباحِ والمساءِ

ـ رَوَى البُخاريُّ في صَحيحِهِ وأحمَدُ في مُسندِهِ عن شَدادِ بنِ أوسٍ رضِيَ اللهُ عنه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: “سيِّدُ الاستِغفارِ؛ اللهُمَّ أنتَ رَبِّي لا إلهَ إلَّا أنتَ خَلقتَنَي وأنا عبدُكَ وأنا على عهدِكَ ووعدِكَ ما استطَعتُ، أعوذُ بكَ من شرِّ ما صنَعتُ، أبوءُ لك بنِعمتِكَ علَيَّ وأبوءُ بذَنبِي فاغفِرْ لي فإنَّهُ لا يَغفِرُ الذنوبَ إلَّا أنتَ، إذا قالَ ذلك حينَ يُمسِي فَماتَ دَخلَ الجنَّةَ، أو كانَ من أهلِ الجنة، وإذا قالَ ذلك حينَ يُصبِحُ فماتَ من يومِهِ مثله”.

ـ ورَوَى الترمِذيُّ وابنُ السنِّيِّ عن مَعقِلِ بنِ يَسارٍ رَضِيَ اللهُ عنه عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “مَن قالَ حينَ يُصبِحُ ثلاثَ مراتٍ؛ أعوذُ باللهِ السميعِ العليمِ منَ الشيطانِ الرجيمِ وقرَأَ ثلاثَ ءاياتٍ من سورةِ الحَشرِ وكَّلَ اللهُ تَعالى به سَبعينَ ألفَ مَلَكٍ يُصلُّونَ عليه حتى يُمسِي، وإن ماتَ في ذلك اليومِ ماتَ شَهيدًا، ومَن قالَها حينَ يُمسِي كانَ بتِلكَ المنزِلَة”.

ـ ورَوَى النسائيُّ وابنُ السُّنيِّ والحاكِمُ عن أنَسٍ رضِيَ اللهُ عنه قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لفاطمةَ رضِيَ اللهُ عنها: “ما يمنعُكِ أن تَسمَعِي ما أُوصيكِ به؟ تَقولينَ إذا أصبَحتِ وإذا أمسَيتِ؛ يا حَيُّ يا قَيُّومُ برَحمتِكَ أستَغيثُ أصلِحْ لي شأنِي كُلَّهُ ولا تَكِلنِي إلى نَفسِي طَرفَةَ عَين”.

ـ ورَوَى أبو داودَ والترمذيُّ والنسائيُّ في السننِ وأحمدُ في مُسندِهِ عن عُثمانَ بنِ عفانَ رضِيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “ما مِن عَبدٍ يقولُ في صباحِ كلِّ يومٍ ومساءِ كلِّ ليلةٍ، بِسمِ اللهِ الذي لا يَضُرُّ مع اسمِهِ شَىءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ وهو السميعُ العليمُ ثلاثَ مراتٍ لم يَضُرّهُ شىءٌ” وفي روايةٍ: “لم تُصِبهُ فَجأَةُ بَلاءٍ”.

ـ ورَوَى الترمذيُّ عن ثَوبانَ رضِيَ اللهُ عنه قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “مَن قالَ حينَ يُصبِحُ وحينَ يُمسِي ثلاثَ مراتٍ؛ رَضيتُ باللهِ رَبًّا، وبالإسلامِ دِينًا، وبمحمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نبيًا، كانَ حقًا على اللهِ أن يُرضِيَهُ”.
ـ ورَوَى ابنُ السنيِّ عن أبي الدرداءِ رضِيَ اللهُ عنه عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: “مَن قالَ في كلِّ يومٍ حين يُصبِحُ وحينَ يُمسِي؛ حَسبِيَ اللهُ لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ تَوكَّلتُ وهوَ ربُّ العرشِ العظيمِ سبعَ مراتٍ كَفاهُ اللهُ تَعالى ما أهَمَّهُ مِن أمرِ الدنْيا والآخِرَةِ”.

بابُ في فَضلِ قَولِ لا إلِهَ إلَّا اللهُ

ـ رَوَى الطبرانيُّ عن مُعاذِ بنِ جبَلٍ رضِيَ اللهُ عنه قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “مَن ماتَ وفي قلبِهِ لا إلهَ إلا اللهُ موقِنًا دخَلَ الجنَّة”.

ـ ورَوَى الترمذيُّ وابنُ حِبانَ وغيرُهُما عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنه قالَ سمِعتُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: “أفضلُ الكلامِ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأفضَلُ الذكِرِ الحمدُ للهِ”.

بابٌ في فَضلِ قَولِ لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ

ـ رَوَى أحمدُ وغيرُهُ عن أبي أيوبَ الأنصارِيِّ رضِيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليلةَ أُسرِيَ بهِ مَرَّ على إبراهيمَ فقالَ له إبراهيمُ: “مُرْ أُمَّتَكَ فليُكثِروا من غِراسِ الجنةِ فإنَّ تُربتَها طيِّبةٌ وأرضَها واسِعةٌ، قالَ: وما غِراسُ الجنةِ؟، قالَ: لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ”.

ـ ورَوَى البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي موسَى رضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ له: “يا عبدَ اللهِ بنَ قَيسٍ، ألا أدُلُّكَ على كلِمةٍ من كُنوزِ الجنةِ؛ قُلْ لا حَولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ”.

بابُ ما جاءَ في الاستِغفارِ

ـ رَوَى النسائيُّ في عمَلِ اليومِ والليلَةِ عن أبِي موسَى رضِيَ اللهُ عنه قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “إنِّي لأَستَغفِرُ اللهَ عَزَّ وجَلَّ وأتوبُ إليهِ في اليومِ مِائَةَ مرةٍ”.

ـ ورَوَى البيهقيُّ والحاكِمُ عن ابنِ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “مَن قالَ أستَغفِرُ اللهَ الذي لا إلهَ إلَّا هوَ الحَيُّ القَيُّومُ وأتوبُ إليهِ ثَلاثاً غُفرَتْ ذُنوبُهُ وإن كانَ فارًا منَ الزَّحفِ”.

بابٌ في فضلِ الصلاةِ على النبيِّ ﷺ

ـ قالَ اللهُ تَعالى: ﴿إنَّ اللهَ ومَلائكتَهُ يُصلُّونَ على النبِيِّ يا أيُّها الذين ءامَنوا صلُّوا عليه وسلِّموا تَسليمًا﴾ الأحزاب/56.

ـ ورَوَى البخاريُّ في الأدَبِ المفرَدَ ومسلِمٌ وأبو داودَ وغيرُهم عن أبي هُريرَةَ رضِيَ اللهُ عنه قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “ما مِن أحَدٍ يُسَلِّمُ علَيَّ إلَّا رَدَّ اللهُ عَلَيَّ روحِي حتى أرُدَّ عليه السلامُ”. مَعناهُ وقد رُدَّتْ روحِي قبلَ ذلك، تَوفيقًا بينَهُ وبينَ حَديثِ “الأنبِياءُ أحياءٌ في قُبورِهِم يُصلُّونَ ” رَواهُ البيهَقيُّ.

بابٌ في كَفَّارَةِ المجلِسِ

ـ رَوَى الطبرانيُّ والحاكمُ عن جُبَيرِ بنِ مطعمٍ رضِيَ اللهُ عنه قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “مَن قالَ سُبحانَ اللهِ وبَحمدِهِ، سُبحانَكَ اللهُمَّ وبحَمدِكَ أشهدُ أن لا إلهَ إلَّا أنتَ أستَغفرُكَ وأتوبُ إليكَ، فقالَها في مجلِسِ ذِكرٍ كانَت كالطابِعِ يطبعُ علَيها، ومَن قالَها في غيرِ مجلِسِ ذكرٍ كانَت كفارةً لَهُ”.

بابُ الدعاءِ عندَ الكَربِ والشدائدِ

ـ رَوَى أبو داودَ في السنَنِ والنسائِيُّ في اليومِ والليلةِ وابنُ حبانَ وغيرُهُم عن أبي بَكرَةَ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: “دَعواتُ المكروبِ؛ اللهُمَّ رَحمتَكَ أرجُو فلا تَكِلنِي إلى نَفسِي طَرفَةَ عَينٍ، أصلِحْ لي شَأنِي كُلَّهُ، لا إلهِ إلَّا أنتَ”.

ـ ورَوَى النسائيُّ والحاكمُ وأحمدُ والبيهَقيُّ عن سعدِ بنِ أبِي وقّاصٍ رضِيَ اللهُ عنه قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “دَعوةُ ذِي النونِ التي دَعا بها في بَطنِ الحوتِ؛ لا إلهَ إلَّا أنتَ سُبحانَكَ إنِّي كُنتُ من الظالِمينَ، لم يَدْعُ بها مُسلمٌ في كُربَةٍ إلَّا استَجابَ اللهُ لهُ”.

بابُ تَلقينِ الميتِ، وما يُقالُ عندَ حُضورِ الميتِ

ـ رَوَى مسلمٌ والترمذيُّ وغيرُهُما عن أبِي سعيدٍ الخدريِّ رضِيَ اللهُ عنه قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “لَقِّنُوا مَوتاكُم لا إلهَ إلَّا اللهُ”.

ـ ورَوَى مسلمٌ والبيهقيُّ وأحمدُ وغيرُهُم عن أمِّ سَلَمةَ رضِيَ اللهُ عنها قالَت دخَلَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على أبي سلَمَةَ وقد شَقَّ بَصرَهُ فأغمَضَهُ ثم قالَ: “إنَّ الروحَ إذا قُبِضَ تَبِعَهُ البصَرُ” فصاحَ ناسٌ من أهلِهِ، فقالَ: “لا تَدعوا على أنفُسَكُم إلا بخَيرٍ فإنَّ الملائِكةَ يؤَمِّنونَ على ما تَقولونَ، ثم قالَ، اللهُمَّ اغفِرْ لأبِي سلَمةَ وارفَعْ درجَتَهُ في المهدِيينَ، وأخلِفهُ في عَقِبِهِ في الغابِرينَ، واغفرْ لنا وله يا رَبَّ العالَمينَ، اللهُمَّ افسَحْ له في قَبرِهِ ونَوِّرْ له فيه”.

(ويُستحَبُّ تَلقينُ الميِّتِ عقِبَ دَفنِهِ، فيَجلِسُ عند رأسِهِ إنسانٌ ويقولُ: يا فُلانُ ابنُ فلان، ويا عبدَ اللهِ ابنَ أمَةِ اللهِ اذكُرِ العَهدَ الذي خرَجتَ عليه منَ الدنْيا، شهادَةَ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ له، وأنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، وأنَّ الجنةَ حَقٌ، وأنَّ النارَ حَقٌ، وأنَّ الَبعثَ حقٌّ، وأنَّ الساعَةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها، وأنَّ اللهَ يبعَثُ مَن في القُبورِ، وأنَّكَ رَضيتَ باللهِ رَبًا، وبالإسلامِ دِينًا، وبمحمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَبيًا، وبالقرءانِ إمامًا، وبالكعبةِ قِبلَةً، وبالمؤمِنينَ إخوانًا)(1).
ومنَ الأدِلَّةِ على جَوازِ التلقينِ ما رَواهُ الطبرانيُّ عن أبي أُمامةَ الباهِليِّ رضيَ اللهُ عنه قالَ: “إذا أنا مِتُّ فاصْنَعوا بي كما أُمِرنا أن نَصنَعَ بمَوتانا فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إذا ماتَ أحدٌ من إخوانِكُم فسوَّيتُم عليه الترابَ على قَبرِه ِفليَقُم أحدُكُم على رأسِ قبرِهِ ثم لِيقُلْ يا فلانُ ابنُ فلانَة، فإنَّهُ يسمَعُهُ ولا يُجيبُ ثم يقولُ: يا فلانُ ابنُ فلانَة، فإنَّهُ يستَوِي قاعِدًا ثم يقولُ: يا فلانُ ابنُ فُلانَة، فإنَّهُ يقولُ: أرشِدْنا رحِمَكَ اللهُ ولكن لا تَشعُرونَ فليَقَلْ: اذكُرْ ما خَرجْتَ عليه من الدنْيا شهادَةَ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وأن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، وأنَّكَ رَضيتَ باللهِ رَبًّا، وبالإسلامِ دينًا، وبمحمدٍ نبيًا وبالقرءانِ إمامًا فإنَّ مُنكرًا ونَكيرًا يأخذُ كلُّ واحدٍ منهُما بيدِ صاحبِهِ فيقولُ: انطلِقْ بِنا ما يُقعِدُنا عندَ مَن لُقِّنَ حُجَّتَهُ، فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللهِ فإنْ لم يعرِفْ أمَّهُ، قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: “يَنسبُهُ إلى أمِّهِ حَوَّاءَ يا فلانُ ابنُ حَوَّاءَ”.
——————–

(1)ذكره النووي في المجموع شرح المهذب ـ كتاب الجنائز ـ باب حمل الجنازة والدفن ( الجزء الخامس / صحيفة 266 ـ 267 ) الطبعة الأولى 1996 دار الفكر.

بابُ ما يقالُ في تَدلِيَةِ الميتِ في قبرِه

ـ رَوَى الطبرانيُّ وغيرُهُ عن ابنِ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهُما قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “إذا وضَعتُم موتاكُم في قُبورِهِم فقولوا: بِسمِ اللهِ وعلى سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ”.

بابُ الاستِرجاعِ عند المصيبِةِ

ـ رَوى مسلمٌ والطبرانيُّ في الكبيرِ عن أم سلَمةَ رضيَ اللهُ عنها قالَت: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: “ما من عبدٍ تُصيبُهُ مُصيبَةٌ فيقول: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجِعونَ، اللهُمَّ أجرنِي في مُصيبَتِي وأخلِفنِي خَيرًا منها، إلَّا ءاجَرَهُ اللهُ تَعالى في مُصيبَتِهِ وأخلَفَهُ خيرًا منها”.

بابُ ما يُقالُ عندَ زيارةِ القُبورِ وجوازِ الزيارَةِ

ـ رَوى مسلمٌ وابنُ ماجَه وأحمدُ وغيرُهُم عن بَريدةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعلِّمُهم إذا خرَجوا إلى المقابرِ فكانَ قائلُهُم يقولُ: “السلامُ على أهلِ الديارِ منَ المؤمِنينَ والمسلِمينَ، وإنَّا إن شاءَ اللهُ للاحِقونَ”.

ـ ورَوى مسلمٌ والطبرانيُّ عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أتَى المقبرَةَ فقالَ: “السلامُ عليكم دارَ قَومٍ مؤمِنينَ، وإنَّا إن شاءَ اللهُ بكُم لَلاحِقونَ”.

ـ ورَوى مسلمٌ أيضًا والنسائيُّ وغيرُهُما عن عائشَةَ رضيَ اللهُ عنها قالَت قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “السلامُ على أهلِ الديارِ منَ المؤمنينَ والمسلمينَ، يَرحمِ اللهُ المستَقدمينَ منَّا والمستأخِرينَ، وإنَّا إن شاءَ اللهُ لَلاحِقونَ”.

ـ ورَوى الترمذيُّ في سننِهِ عن ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُما قالَ مَرَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقبورِ المدينةِ فأقبَلَ عليهم بوجهِهِ فقالَ: “السلامُ عليكُم يا أهلَ القُبورِ، يغفرُ اللهُ لنا ولكُم، أنتُم سلَفُنا ونحنُ بالأثَرِ”.

أما حديثُ: “لعَنَ اللهُ زوّاراتِ القبورِ” فهوَ مَنسوخٌ(1) بحديثِ: “كنتُ نَهيتُكُم عن زيارةِ القبورِ، فزُوروها” رواهُ مسلمٌ. فهو صريحٌ بجوازِ زيارةِ القبورِ، وأجمَعوا على أنَّ زيارَتَها سُنةٌّ.

وزيارةُ قبرِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سُنَّةٌ من سُننِ المسلمينَ مُجمعٌ عليها(2)، وفَضيلةٌ مُرغَّبٌ فيها، ومنَ الأدلَّةِ على جوازِ زِيارتِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ـ عن عبدِ اللهِ بنِ نافعٍ، عن ابنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما قالَ قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “مَن زارَ قَبري وجبَتْ له شفاعتِي” رَواهُ الدارقطنيُّ ،وصححَهُ الحافظُ السبكِيُّ.

ـ رَوى البخاريُّ عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهم قالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ”

ـ وعن انَسِ بنِ مالكٍ قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “مَن زارَني في المدينةِ مُحتسِبًا كانَ في جِواري، وكنتُ له شَفيعًا يومَ القيامةِ”.

ـ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “مَن جاءَني زائِرًا لا يهمُّهُ إلا زيارَتي كانَ حقًا علَيَّ أن أكونَ له شَفيعًا” صححَهُ الحافظُ ابنُ السكَنِ.

ـ وأما قولُ مالكٍ (أكرَهُ أن يقولَ زُرتُ قبرَ النبيِّ) فقد حمَلَهُ أصحابُهُ أي أهلُ مذهبِهِ على أنهُ كرِهَ هذا اللفظَ أدَبًا، فلا حجَّةَ فيه لمنْ يحرِّمُ زيارتَهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، لأنَّ مالِكًا رأَى قولَ الزائرِ (زُرتُ النبيَّ) أولَى مِن أن يقولَ (زُرتُ قبرَ النبيِّ)، وهذا توجيهٌ وَجيهٌ.
——————–

(1)) النسخُ: هو رفعُ حكمٍ شرعيٍ سابقٍ بحكمٍ شرعيٍ لاحق
(2)نقل الإجماعَ القاضي عياضٌ المالكيُ في كتابِ الشفا بتعريف حقوقِ المصطفى، فصل في زيارةِ قبره صلى الله عليه وسلم وفضيلةِ من زاره وكيف يُسلِّمُ عليه ويدعوا له ( الجزء الثاني / صحيفة 71 ) الطبعة الأولى 1995 مؤسسة الكتب الثقافية

بابُ مَن ماتَ وعليه صَومٌ

ـ رَوى البخاريُّ في صحيحِهِ عن عائشةَ رضيَ اللهُ عنها: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “مَن ماتَ وعليه صيامٌ صامَ عنه وَلِيُّهُ”.

بابُ الحجِّ عنِ الغَيرِ

ـ رَوى البخاريُّ في صحيحِهِ عن عبدِ اللهِ بنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُما أنَّ امرأةً خَثعميَّةً قالَت: “يا رسولَ اللهِ إنَّ فريضةَ اللهِ على عبادِهِ في الحجِّ أدرَكتْ أبي شَيخًا كبيرًا لا يثبُتُ على الراحلةِ، أفأحُجُّ عنه؟ قالَ: ” نَعَم”، وذلك في حجَّةِ الوداعِ.

ثوابُ مَن تصدَّقَ عن ميِّتِهِ

ـ رَوى البخاريُّ في صحيحِهِ عن ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنه أنَّ سعيدَ بنَ عبادَةَ رضيَ اللهُ عنه توفِّيتْ أمُّهُ وهو غائِبٌ عنها، فقالَ: “يا رسولَ اللهِ، إنَّ أمِّي توفيتْ وأنا غائبٌ عنها، أينفَعُها شىءٌ إن تصدَّقْتُ بهِ عَنها؟ قالَ: نَعَم، قالَ: فإنِّي أُشهِدُكَ أنَّ حائِطِي(1) المخْرافَ(2) صدقَةٌ عليها”.
——————–

(1) الحائط هو البستان
(2)) أي المكان المثمر

بابُ انتِفاعِ المسلِمينَ بالدعاءِ والقرءانِ

ـ قالَ النوويُّ في كتابِهِ (الأذكار) ما نصُّهُ: بابُ ما ينفَعُ الميتُ من قولِ غيرِهِ: “أجمَعَ العلماءُ على أنَّ الدعاءَ للأمواتِ ينفعُهُم ويصِلُهُم ثوابُهُ واحتَجُّوا بقولِهِ تَعالى: ﴿والذينَ جاءُوا مِن بعدِهِم يقولونَ ربَّنا اغفِرْ لنا ولإخوانِنا الذين سبَقونا بالإيمانِ﴾ الحشر/10، وغيرِ ذلكَ من الآياتِ المشهورَةِ بمَعناها، وفي الأحاديثِ المشهورَةِ كقولِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “اللهُمَّ اغفِرْ لأهلِ بقيعِ الغَرقدِ”، وكقولِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “اللهُمَّ اغفِرْ لحَيِّنا ومَيِّتِنا” رواهُ الترمذيُّ والنسائيُّ وأبو داودَ وغيرِ ذلك .

ومما يَشهدُ لنَفعِ الميتِ بقراءةِ غيرِهِ حديثُ معقلِ بنِ يَسارٍ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: “اقرَءوا يَس على مَوتاكُم” رَواهُ أبو داودَ، والنسائيُّ في عمَلِ اليومِ والليلةِ، وابنُ ماجَه، واحمدُ، والحاكمُ، وابنُ حِبانَ.

ـ ورَوى الطبرانيُّ في المعجمِ الكبيرِ عن عبدِ الرحمنِ بنِ العَلاءِ بنِ اللجْلاجِ عن أبيهِ قالَ قالَ لي أبي: “يا بُنيَّ إذا أنا مِتُّ فألحدني، فإذا وضعتَنِي في لَحدِي فقُلْ بِسمِ اللهِ وعلى مِلَّةِ رسولِ اللهِ ثم سُنَّ علَيَّ الثرَى سَنًا، ثم اقرَأ عندَ رأسِي بفاتحةِ البقرةِ وخاتِمتِها، فإنِّي سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ ذلك” (1).

ـ ورَوى الطبرانيُّ أيضًا في المعجمِ الكبيرِ عن ابنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنه أنَّهُ قالَ سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: “إذا ماتَ أحدُكُم فلا تَحبِسوهُ وأسرِعوا به إلى قبرِهِ وليُقرَأ عند رأسِهِ بفاتحةِ الكتابِ وعند رِجلَيهِ بخاتمةِ البقرةِ في قبرِهِ” (2).

ومما استَدلَّ به العلماءُ على جوازِ قراءةِ القرءانِ على قبرِ الميتِ المسلمِ وانتِفاعِهِ بالقراءةِ حديثُ البخاريِّ ومسلمٍ عن ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُما قالَ: مَرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بحائِطٍ(3) من حيطانِ المدينةِ أو مَكَّةَ فسمِعَ صوتَ إنسانَينِ يُعذَّبانِ في قبريهما، فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “يُعذَّبانِ، وما يُعذبانِ في كبيرٍ”، ثم قالَ: “بَلَى، كانَ أحدُهُما لا يستَتِرُ من بَولِهِ، وكانَ الآخرُ يمشِي بالنميمةِ”، ثم دَعا بجريدَةٍ فكَسرَها كِسرتَينِ، فوضَعَ على كلِّ قبرٍ منهما كِسرةً، فقيلَ له: يا رسولَ اللهِ لِمَ فعلتَ هذا؟ قالَ: “لعلَّهُ أن يُخفَّفَ عنهما ما لم يَيْبَسا” أو قالَ: “إلى أن يَيبَسا”(4).
——————–

(1) قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ( الجزء الثالث / صحيفة 44 ) رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثوقون
(2)) قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ( الجزء الثالث / صحيفة 184 ) أخرجه الطبراني بإسناد حسن
(3)) أي بستان
(4)) قال النووي في شرح صحيح مسلم ( الجزء الثالث / صحيفة 202 ) ما نصه: “استحبَّ العلماءُ قراءةَ القرءانِ عند القبرِ لهذا الحديثِ لأنه إذا كان يُرجُى التخفيفُ بتسبيحِ الجريدةِ فتلاوةُ القرءانِ أولى”.

فَضلُ قراءةِ سورةِ يَس

ـ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “يَس قَلبُ القرءانِ لا يقرَؤها رجلٌ يريدُ اللهَ والدارَ الآخرةَ إلا غُفِرَ له، واقرَءوها على مَوتاكُم ” رَواهُ أحمدُ في مُسندِهِ.

فَضلُ قراءةِ سورةِ تَبارَك

ـ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “إنَّ سورةً منَ القرءانِ ثلاثونَ ءايةً شَفعَت لرجُلٍ حتى غُفِرَ له، وهي سورةُ تَباركَ الذي بيدِهِ الملكُ” رَواهُ أبو داودَ والنسائيُّ وابنُ ماجَه. وقالَ النبيُّ عنها: “هي المانِعةُ هي المنجيَةُ تُنجيهِ من عذابِ القبرِ” رَواهُ الترمذيُّ.

فَضلُ قراءةِ سورةِ الواقعةِ

عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: “مَن قرَأ سورةَ الواقعةِ في كلِّ ليلةٍ لم تُصبْهُ فاقَةٌ أبَدًا”، أي فَقرٌ.

فَضلُ قراءةِ سورةِ الدخانِ

ـ عن أبي هريرةَ رضِيَ اللهُ عنه قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “مَن قَرأَ حَم الدخان في ليلةٍ أصبَحَ يَستغفِرُ له سبعونَ ألفَ مَلكٍ” رَواهُ الترمذيُّ في سُننِهِ .

فَضلُ قراءةِ سورةِ الإخلاصِ

ـ عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضِيَ اللهُ عنه أنهُ سمعَ رجلًا يقرَأُ ﴿قُلْ هوَ اللهُ أحَد﴾ يُردِّدُها، فلمّا أصبحَ جاءَ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فذكَرَ ذلك لهُ، وكأنَّ الرجلَ يتَقالُّها(1)، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “والذي نَفسِي بيدِهِ، إنَّها لتَعدِلُ ثلُثَ القرءانِ”.

ـ ووَردَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ لرجلٍ من أصحابِهِ: “حُبُّك إيَّاها ـ أي سورةَ الإخلاصِ ـ أدخلَكَ الجنةَ” رَواهُ البخاريُّ.

وكانَ سبَبُ نزولِها أنَّ اليهودَ قالَت للرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “يا محمدُ صِفْ لَنا ربَّكَ الذي تَعبُدُهُ” وكانَ سؤالُهم تَعنُّتًا لا حُبًا للعِلمِ واستِرشادًا به.

فنزلَتْ: ﴿قُلْ هوَ اللهُ أحَدٌ﴾ أي الذي لا شريكَ له في الذاتِ أو الصفاتِ أو الأفعالِ، وليسَ لأحدٍ صفةٌ كصِفاتِهِ.
﴿اللهُ الصمَدُ﴾ أي الذي تفتَقِرُ إليه جميعُ المخلوقاتِ مع استِغنائِهِ عن كلِّ مَوجودٍ.
﴿لم يَلِدْ ولم يولَدْ﴾ نَفيٌ للمادِّيَّةِ والانحِلالِ، فاللهُ عَزَّ وجَلَّ لا يحلُّ في شىءٍ ولا يَنحلُّ منه شَىءٌ.
﴿ولم يَكُنْ له كُفوًا أحَدُ﴾ أي لا نَظيرِ له بَوجهٍ من الوجوهِ.
فلمّا انتَهَى الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن قِراءتِها قالَ: “هذِهِ صِفَةُ رَبِّي”.
——————–

(1) ) أي يراها شيئًا قليلًا .

بابٌ في صَلاةِ الحاجَةِ

روَى الطبرانيُّ في مُعجمَيهِ الكبيرِ والصغيرِ والبَيهقيِّ في الدلائلِ عن عثمانَ بنِ حُنيفٍ: أنَّ رجلًا كانَ يختلِفُ إلى عثمانَ بنِ عفانَ رضِيَ اللهُ عنه في حاجةٍ له، فكانَ عثمانُ بنُ عفانَ لا يلتفِتُ إليه، ولا ينظُرُ في حاجتِهِ، فلَقِيَ عثمانَ بنَ حُنيفٍ فشكَى إليه ذلك، فقالَ له عثمانُ بنُ حُنيف: “إيتِ الميضَأةَ فتوَضَّأ ثم إيتِ المسجِدَ فصَلِّ فيه ركعَتينِ ثم قُلْ: اللهُمَّ إنِّي أسألُكَ وأتوجَّهُ إليكَ بنَبيِّكَ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَبيِّ الرحمَةِ يا محمدُ إنِّي أتوَجَّهُ بكَ إلى ربِّي لتُقضَى لي حاجَتَي (وتذكُرُ حاجتَكَ)، وَرُحْ إليَ حتى أروحَ معكَ”. فانطلَقَ الرجلُ فصنَعَ ما قالَ له عثمانُ بنُ حُنيفٍ ثم أتَى بابَ عثمانَ بنِ عفانَ، فجاءَ البوابُ حتى أخَذَ بيدِهِ فأدخَلَهُ على عثمانَ بنِ عفانَ فأجلسَهُ معه على الطنفِسَةِ وقالَ له: ما حاجتُكَ؟ فذكَرَ حاجتَهُ فقَضاها له، ثم قالَ: ما ذكَرتُ حاجتَكَ حتى كانَت هذه الساعةُ، وقالَ عثمانُ بنُ عفانَ: ما كانَت لك من حاجَةٍ فائتِنا”.

ثم إنَّ الرجلَ خرجَ من عندِهِ فلَقِيَ عثمانَ بنَ حنيفٍ فقالَ له: جَزاك اللهُ خيرًا، ما كانَ ينظُرُ في حاجَتِي ولا يلتَفِتُ إليَّ حتى كلَّمتَهُ فِيَّ. فقالَ عثمانُ بنُ حنيفٍ: “واللهِ ما كلَّمتُهُ ولكِن شهِدتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأتاهُ رجلٌ ضَريرٌ فشَكَى إليه ذهابَ بَصرِهِ فقالَ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ “أوَ تصبِرُ؟” فقالَ الرجلُ الضريرُ: يا رسولَ اللهِ إنهُ ليسَ لي قائدٌ وقد شَقَّ علَيَّ، فقالَ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ “إيتِ الميضأةَ فتوَضَّأ ثم صَلِّ ركعَتينِ ثم ادعُ بهذه الدعَواتِ”، قالَ عثمانُ بنُ حنيفٍ: “فواللهِ ما تفرَّقْنا ولا طالَ بِنا الحديثُ حتى دخلَ علَينا الرجلُ كأنهُ لم يكُنْ بهِ ضرٌ قطُّ”. صححَهُ الحافظُ الطبرانيُّ وغيرُه.

بابُ الاستِخارَةِ

رَوى البخاريُّ والترمذيُّ وغيرُهما عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنه قالَ: كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يعلِّمُنا الاستِخارَةَ كما يعلِّمُنا السورةَ منَ القرءانِ يقولُ: “إذا هَمَّ أحدُكُم بالأمرِ فليركَعْ ركعَتينِ مِن غيرِ الفريضَةِ ثم يقولُ: اللهُّمَ إنِّي أستَخيرُكَ بعِلمِكَ وأسْتَقْدِرُكَ بقُدرَتِكَ وأسألُكَ من فَضلِكَ، فإنَّكَ تعلَمُ ولا أعلَمُ وتَقْدِرُ ولا أقدِرُ وأنتَ علَّامُ الغُيوبِ، اللهُمَّ إنْ كُنتَ تعلَمُ هذا الأمرَ خَيرًا لي في دِينِي ومَعاشِي وعاقبَةِ أمرِي أو في عاجِلِ أمرِي وءاجِلِهِ فاقْدُرْهُ لي ويَسِّرْهُ لي، وإنْ كُنتَ تعلَمُ هذا الأمرَ شَرًا لي في دِينِي ومَعاشِي وعاقَبَةِ أمرِي أو في عاجِلِ أمرِي وءاجِلِهِ فاصرِفْهُ عنِّي واصرِفْنِي عنهُ واقْدُرْ ليَّ الخيرَ حيثُ كانَ ورَضِّنِي به ويُسَمِّ؟ يُسمِّي حاجتَهُ باسْمِها”.

بابُ جامِعِ الدعَواتِ

ـ رَوى البخاريُّ ومسلمٌ وغيرُهُما عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رضِيَ اللهُ عنه قالَ: كانَ أكثرُ دُعاءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “اللهُمَّ ءاتِنا في الدنْيا حسنَةً وفي الآخِرَةِ حسنَةً وقِنا عذابَ النارِ”.

ـ رَوى البخاريُّ في الأدَبِ المفرَدِ والترمذيُّ وغيرُهُما عن مُعاذِ بنِ جَبلٍ رضِيَ اللهُ عنه قالَ: مَرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ برجلٍ وهو يقولُ يا ذا الجَلالِ والإكرامِ، قالَ: “قد استُجيبَ لك فَسَلْ”.

ـ ورَوى البيهقيُّ والحاكِمُ عن رَبيعَةَ بنِ عامرٍ رضِيَ اللهُ عنه قالَ: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “ألِظُّوا بِياذا الجلالِ والإكرامِ” أي الزَموا هذه الدعوَةَ وأكثِروا مِنها.

بابُ الثَّباتِ على الإيمانِ

يقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ في القرءانِ الكريمِ: ﴿يا أيُّها الذينَ ءامَنوا اتَّقوا اللهَ ولتَنظُرْ نفسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ واتَّقوا اللهَ إنَّ اللهَ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ﴾ الحَشر/ 18، ويقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿واعبُدْ ربَّكَ حتى يأتِيَكَ اليَقينُ﴾ الحِجر/ 99، أي الموتُ، ويقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الذين ءامَنوا اتَّقوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ ولا تمُوتُنَّ إلَّا وأنتُم مُسلِمونَ﴾آل عِمران/ 102. أما بَعدُ.

يجبُ على كلَّ مسلمٍ حِفظُ إسلامِهِ وصونُهُ عمَّا يُفسِدُهُ ويُبطِلُهُ ويَقطعُهُ وهو الرِّدَةُ والعياذُ باللهِ تَعالى، وقد كثُرَ في هذا الزمانِ التساهُلُ في الكلامِ حتى إنهُ يخرُجُ من بعضِهِم ألفاظًا تُخرِجُهُم عن الإسلامِ ولا يرَونَ ذلك ذَنبًا فَضلًا عن كونِهِ كُفرًا، وذلك مِصداقُ قولِهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “إنَّ العبدَ ليتَكلَّمُ بالكلِمةِ لا يَرى بها بأسًا(1) يَهوِي بها في النارِ سَبعينَ خَريفًا”(2) رَواهُ الترمِذيُّ، أي أنَّ الإنسانَ قد يتكلَّمُ بالكلمةِ لا يَراها ضارَّةً له يَستوجِبُ بها النزولَ في قَعرِ جَهنَّمَ وهو مسافَةُ سبعينَ عامًا وذلك محَلُّ الكفارِ. وفي مَعناهُ حديثٌ رَواهُ البخاريُّ ومسلمٌ: “إنَّ العبدَ لَيَتكلَّمُ بالكلمةِ ما يتَبيَّنُ فيها يَهوِي بها في النارِ أبعدَ ممّا بينَ المشرِقِ والمغرِبِ”(3).

وهذا الحديثُ دليلٌ على أنهُ لا يُشترطُ في الوقوعِ في الكفرِ مَعرفةُ الحُكمِ ولا انْشِراحُ الصدرِ ولا اعتِقادُ مَعنَى اللفظِ، وكذلك لا يُشترطُ في الوقوعِ في الكفرِ عدمُ الغَضبِ كما أشارَ إلى ذلك النوَويُّ، قالَ: “لو غَضِبَ رجُلٌ على ولدِهِ أو غُلامِهِ فضرَبَهُ ضَربًا شَديدًا فقالَ له رجلٌ: ألَستَ مُسلِمًا؟ فقالَ: لا، متَعمِّدًا كَفرَ(4)”، وقالَهُ غيرُهُ مِن حَنفِيَّةٍ وغيرِهِم.

أما قولُ اللهِ تَعالى: ﴿ولكنْ مَّنْ شَرحَ بالكُفرِ صَدرًا فعَليهِم غَضَبٌ منَ اللهِ﴾ النحل/106، فهذا ورَدَ في الْمُكرَهِ على كلمةِ الكُفرِ فإنهُ لا يكفُرُ إن كانَ نطقُهُ بالكفرِ بدونِ انشِراحِ صَدرٍ لذلكَ الكُفرِ، وإنَّما يكفُرُ هذا المكرَهُ إن انشَرَحَ صدرُهُ حالةَ النطقِ بالكفرِ لِما قالَهُ منَ الكفرِ، كما جاءَ عن رسولِ اللهِ أنهُ قالَ لعَمَّارِ بنِ ياسِرٍ: “هل كُنتَ شارِحًا صدرَكَ حينَ قُلتَ ما قُلتَ أم لا؟ فقالَ: لا (5)”.

فالضميرُ في قولِهِ تَعالى: ﴿ولكِنْ مَّن شرَحَ﴾ يعودُ إلى المكرَهِ الذي انشرَحَ صدرُهُ حينَ النطقِ فهذا الذي يَكفُرُ.
——————–

(1) أي لا يعتبرُها معصيةً
(2) أي سبعينَ عامًا
(3) قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ العسقلاني في تفسيرِهِ الحديثَ المذكور: “وذلك ما كانَ استخفافًا باللهِ أو بشريعتِهِ”.
(4) أي ليسَ سبقَ لِسانٍ إنما بإرادتِهِ واختيارِهِ.
(5) رواه الإمامُ ابنُ المنذرِ في كتابِهِ الإشرافِ

بيانُ أقسامِ الكُفرِ

واعلَمْ يا أخِي المسلمَ أنَّ هناكَ اعتِقاداتٍ وأفعالًا وأقوالًا تَنقُضُ الشهادَتينِ وتوقِعُ في الكُفرِ، لأنَّ الكفرَ ثلاثةُ أنواعٍ: كفرٌ اعتقاديٌ، وكفرٌ فِعلِيٌّ، وكفرٌ قَوليٌّ، وذلكَ باتِّفاقِ المذاهبِ الأربعةِ كالنوويِّ وابنِ المقريِّ من الشافعيةِ وابنِ عابدينَ منَ الحنفيَّةِ والبُهوتيِّ منَ الحنابلَةِ والشيخِ محمدِ علِّيشٍ منَ المالكيَّةِ وغيرِهِم.

الكفرُ الاعتِقادِيُّ: ومكانُهُ القلبِ، قالَ تَعالى: ﴿إنَّما المؤمِنونَ الذينَ ءامَنوا باللهِ ورَسولِهِ ثم لم يَرتابوا﴾ الحُجُرات/15، أي لم يَشُكُّوا والشكُّ مكانُهُ القَلبُ، ومنَ الكفرِ الاعتِقادِيِّ نَفيُ صِفةٍ مِن صِفاتِ اللهِ تَعالى الواجِبةِ له إجماعًا، أو اعتِقادُ أنَّهُ نورٌ بمَعنَى الضوءِ أو أنَّهُ روحٌ أو جِسمٌ أو له شَكلٌ أو صورَةٌ أو هَيئَةٌ أو اعتِقادُ أنَّهُ يَحويهِ مَكانٌ والعِياذُ باللهِ تَعالى، قالَ تَعالى: ﴿ليسَ كمِثلِهِ شَىءٌ وهو السميعُ البَصيرُ﴾ الشورى/11، وقالَ الشيخُ عبدُ الغَنيُّ النابلسيُّ: “مَنِ اعتقَدَ أنَّ اللهَ مَلَأ السماواتِ والأرضَ أو أنهُ جِسمٌ قاعِدٌ فوقَ العَرشِ فهوَ كافرٌ وإن زَعمَ أنهُ مسلِمٌ”، وقالَ سيدُنا علِيُّ بنُ أبي طالِبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ: “إنَّ اللهَ خلَقَ العرشَ إظهارًا لقُدرتِهِ ولم يتخِذْهُ مَكانًا لذاتِهِ”.
فيجِبُ اعتِقادُ أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لا يُشبِهُ شَيئًا منَ المخلوقاتِ ولا بأَيِّ وَجهٍ منَ الوجوهِ، قالَ الإمامُ أحمدُ بنُ حَنبل: “مَهما تصوَّرتَ بِبالِكَ فاللهُ بخِلافِ ذلك”.

الكفرُ الفِعلِيُّ: ومَكانُهُ الجوارحُ، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿لا تَسجُدوا للشمسِ ولا للقَمَرِ﴾فُصِّلَت/37، ومنَ الكفرِ الفِعليِّ إلقاءُ المصحَفِ في القاذوراتِ، قالَ ابنُ عابدينَ: “ولَو لَم يقصِدْ الاستِخفافَ، لأنَّ فِعلَهُ يدُلُّ على الاستِخفافِ”، أو الدوسُ على المصحَفِ عَمدًا والعياذُ باللهِ تَعالى، وتَعليقُ شِعارِ الكفرِ على نفسِهِ من غيرِ ضَرورَةٍ فإنْ كانَ بنِيَّةِ التبَرُّكِ أو التعظيمِ أو الاستِحلالِ فإنَّهُ يكفُرُ.
كذلك منَ الكفرِ الفِعليِّ السجودُ لصَنمٍ وهو ما اتُّخِذَ من دونِ اللهِ إن كانَ من حَديدٍ أو خَشبٍ أو حجَرٍ أو غيرِ ذلك، فمَن سجَدَ لصنَمٍ اعتِقادًا أو بغيرِ اعتِقادٍ فقد كفَرَ، كذلك الذي يَسجُدُ للشمسِ أو للقَمرِ.
وكذا يكفُرُ مَن يَسجُدُ لأيِّ مَخلوقٍ ءاخَرَ لعِبادَتِهِ؛ أما مَن يَسجُدُ لملِكٍ أو نَحوِهِ على وَجهِ التحِيَّةِ لا على وجهِ العِبادةِ له فلا يَكفُرُ لكنَّهُ حَرامٌ في شرعِ نَبيِّنا محمدٍ على الإطلاقِ، وكانَ جائزًا في شَرائعَ مَن قبلَهُ منَ الأنبياءِ السجودُ للإنسانِ على وَجهِ التعظيمِ(1).
ودَليلُ تَحريمِهِ في شرعِ سيدِنا محمدٍ قولُهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمعاذِ بنِ جبلٍ رضِيَ اللهُ عنه حينَ قَدِمَ منَ الشامِ فسجَدَ له قالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “ما هذا؟” قالَ: يا رسولَ اللهِ رأيتُ أهلَ الشامِ يَسجُدونَ لبَطارِقَتِهِم(2) وأساقِفَتِهم وأنتَ أولَى بذلكَ فقالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: “لا تفعَلْ، لو كُنتُ ءامرًا أحدًا أن يسجُدَ لأحَدٍ لأمَرتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزَوجِها” هذا الحديثُ رَواهُ ابنُ حِبانَ وابنُ ماجَه وغيرُهُما.

الكُفرُ القَوليُّ(3): ومَكانُهُ اللسانُ، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿ولَئِنْ سألتَهُم ليَقولُنَّ إنَّما كُنّا نَخوضُ ونلعَبُ قُلْ أبِاللهِ وءاياتِهِ ورَسولِهِ كُنتُم تَستَهزِءونَ لا تَعتَذِروا قد كَفرتُم بعدَ إيمانِكُم﴾ التوبة/65، وقالَ تَعالى: ﴿ولَقد قالوا كلِمةَ الكفرِ وكَفروا بعدَ إسلامِهِم﴾ التوبة/74، وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “أكثَرُ خَطايا ابنِ ءادَمَ مِن لِسانِهِ” رواهُ الطبرانيُّ بإسنادٍ صَحيحٍ من حديثِ ابنِ مَسعودٍ، وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “ستَكونُ فِتنٌ كَقِطعِ الليلِ المظلِمِ يُصبِحُ المرءُ فيها مُؤمِنًا ويُمسِي كافِرًا ويُمسِي مؤمِنًا ويصبِحُ كافِرًا يَبيعُ دينَهُ بِعرَضٍ منَ الدنْيا قَليل” رَواهُ مسلمٌ.

ومنَ الأمثلَةِ على الكفرِ القَوليِّ كمَن يَقولُ (أُخْت ربِّكَ)، أو (ابْن اللهِ)، فهذا يقعُ في الكفرِ ولو لم يعتَقِدْ أنَّ للهِ أختًا أو ابنًا لأنَّهُ شتَمَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ. وكذا يَكفرُ مَن يقولُ لزَوجتِهِ (أنتِ أحَبُّ إليَّ منَ اللهِ) والعياذُ باللهِ تَعالى. ويَكفُرُ مَن يقولُ (يَلعَن ربَّكَ)، وكذا يكفرُ مَن يقولُ (يَلعَن دينَكَ)، أو يقولُ:(فُلانٌ زاحَ ربِّي)، وكذلك يكفرُ مَن يقولُ (خَوَتَ ربِّي)، ويكفُرُ مَن يقولُ (عايَف الله) أي كَرِهتُ اللهَ والعياذُ باللهِ تَعالى. ويكفُرُ مَن يقولُ ( اللهُ يَظلِمُكَ) قالَ تَعالى: ﴿وما ربُّكَ بظَلَّامٍ للعَبيدِ﴾ ويكفُرُ مَن يقولُ (اللهُ يأكُلُك)، ويكفرُ مَن يقولُ (يَلعَن سماءَ رَبِّكَ)، لأنهُ استَخَفَّ باللهِ تَعالى.
ويكفرُ مَن يقولُ عن الجنةِ (خَشخاشَة الصبيانِ)، أو يقولُ عن النارِ: (غدًا نتَدَفَّأُ علَيها) فهذا استِخفافٌ بما عظَّمَ اللهُ.
ويكفرُ مَن يقولُ (أكونَ قوّادًا إن صَلَّيتُ)، ويَكفرُ مَن يقولُ (صُمْ وصَلِّ تَركَبُكَ القِلَّةُ)، أو يقولُ والعياذُ باللهِ تَعالى (ما أصَبتُ خَيرًا منذُ صَلَّيتُ)، وكذا يكفُرُ مَن شًتمَ نبيًّا منَ الأنبياءِ أو مَلَكًا منَ الملائكَةِ.
وكذا يَكفرُ مَن قالَ لكافِرٍ جاءَهُ لِيُسْلِمَ (اذهَبْ فاغتَسِلْ ثم أسْلِمْ) لأنَّهُ رضِيَ لهُ البقاءَ على الكفرِ تلكَ اللحظةَ(4)، لأنَّ الرِّضا بالكفرِ كُفرٌ والغُسلُ ليسَ شَرطًا في صحةِ الإسلامِ.

وقد عَدَّ كثيرٌ منَ الفُقهاءِ كالفَقيهِ الحنَفِيِّ بَدرِ الرشيدِ(5) والقاضِي عِياضِ المالكِيِّ أشياءَ كثيرةً ينبَغِي الاطلاعُ علَيها فإنَّ مَن لم يَعرِفِ الشرَّ يقَع فيه.

ويجِبُ على مَن وقَعَ في الكفرِ العودُ فورًا إلى الإسلامِ بالنطقِ بالشهادَتينِ، والإقلاعُ عمّا وقعَتْ به الردَّةُ، ويجبُ عليه الندمُ على ما صَدرَ منه والعَزمُ على أن لا يعودَ لمثلِهِ، ولا ينفَعُهُ قولُ أستغفِرُ اللهَ قبلَ التشهُّدِ بل ينفَعُهُ بعد التشهدِ.
قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “أمِرتُ أن أقاتِلَ الناسَ حتى يَشهدوا أن لا إلهَ إلَّا اللهُ ويؤمِنوا بي وبما جِئتُ به فإذا فَعَلوا ذلك عَصَموا منِّي دِماءَهُم وأموالَهُم إلا بحَقِّها وحِسابُهم على اللهِ” رَواهُ مسلمٌ.
قالَ ابنُ نجيمٍ الحَنفيُّ في كتابِ البحرِ الرائقِ ما نصُّهُ: “إنَّ المرتَدَّ لا ينفَعُهُ الإتيانُ بالشهادَةِ على وجهِ العادَةِ ما لم يرجِعْ عمَّا قالَ.
ونَقلَ ابنُ المنذرِ الإجماعَ(6) في كتابِهِ الإجماعِ ما نصُّهُ: “لا يَصِحُّ الدخولُ في الإسلامِ إلا بالنطقِ بالشهادَتينِ”.
وفي نهايةِ المحتاجِ على شرحِ المنهاجِ(7) لشمسِ الدينِ الرملِيِّ ما نصُّهُ: “ولا بُدَّ في صحَّةِ الإسلامِ منَ النطقِ بالشهادَتينِ ولو بالعجَميةِ ولو أحسَنَ العَربيَّةَ”.
——————–

(1) في شرعِ سيدِنا يعقوبَ كان جائزًا سجودُ التحيةِ ولكن هذا الحكمُ نُسِخَ
(2) البطارقةُ هم القُوَّادُ في ذلك الزمَنِ
(3) إنَّ ما سيُذكَرُ في بيانِ القولِ الكُفريِّ من تَعدادِ الكلِماتِ بالعاميةِ وغيرِها من المكفراتِ هو لمسيسِ الحاجةِ، حيث إنه كثُرَ استِعمالُها بين السفهاءِ، فوجبَ علَينا تحذيرُهم بالنصِ عليها.
(4) نقلَ ذلك في كتابِ الاقناعِ في حلِ ألفاظِ أبي شُجاع لمحمدِ الشربينيِ الخطيب ( الجزء الأول / صحيفة 61 ) طبعة دار الفكر
(5) ألَّفَ رسالةً سمّاها رسالةً في ألفاظِ الكفر. ِ
(6) باب المرتد (صحيفة : 111 ) الطبعة الأولى 1993 مؤسسة الكتب الثقافية ِ
(7) ) الجزء السابع / صفحة 419

فائدَةٌ في فَضلِ العِلمِ

ـ يقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فاعلَمْ أنَّهُ لا إلهَ إلَّا اللهُ واستَغفِرْ لذَنبِكَ وللمؤمِنينَ والمؤمِناتِ﴾ محمد/19، وقالَ تَعالى: ﴿قُلْ هل يَستَوي الذين يعلَمونَ والذين لا يَعلَمونَ﴾ الزمر/9.

ـ وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الحديثِ الذي رَواهُ البَيهقيُّ: “طلبُ العلمِ فَريضَةٌ على كلِّ مُسلمٍ” أي علمِ الدينِ الضروريِّ وهو القدرُ الذي يجِبُ تعلُّمُهُ من علمِ الاعتِقادِ ومنَ المسائلِ الفِقهيَّةِ ومن أحكامِ المعامَلاتِ لمن يتَعاطاها وغيرِها، كمعرفَةِ معاصِي القلبِ والجوارحِ كاللسانِ وغيرِهِ، ومعرفةِ الظاهرِ من أحكامِ الزكاةِ لمن تجبُ عليه، والحجِّ للمستَطيعِ ، ويشمَلُ المسلِماتِ.

ـ ورَوى الطبرانيُّ في معجمِهِ وابنُ أبي عاصِمٍ في كتابِهِ بالإسنادِ الصحيحِ من حديثِ مُعاويَةَ قالَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “يا أيُّها الناسُ تعَلَّموا فإنَّما العلمُ بالتعلُّمِ والفِقهُ بالتفقُّهِ فمَن يُرِدِ اللهُ به خَيرًا يُفقِّههُ في الدينِ”.

ـ وقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “مَن سَلكَ طَريقًا يلتَمِسُ فيه عِلمًا سهَّلَ اللهُ به له طَريقًا إلى الجنَّةِ. وإنَّ الملائكةَ لتَضَعُ أجنحَتَها لطالِبِ العلمِ وإنَّ العالِمَ ليَستَغفِرُ له مَن في السماواتِ والأرضِ والحيتانُ في جوفِ الماءِ، وإنَّ فَضلَ العالِمِ على العابِدِ كفَضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكِبِ. وإنَّ العُلماءَ ورثَةُ الأنبياءِ، وإنَّ الأنبياءَ لم يُوَرِّثوا دِينارًا ولا دِرهَمًا، وإنَّما وَرَّثوا العِلمَ فمَن أخذَهُ أخَذَ بحَظٍ وافِرٍ” رَواهُ أبو داودَ.

ـ وعن أبي هريرةَ رضِيَ اللهُ عنه قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “مَن سَلكَ طريقًا يلتَمِسُ فيه عِلمًا سَهَّلَ اللهُ له طريقًا إلى الجنةِ ومَن أبطَأ به عَمَلُهُ لم يُسرِعْ به نسَبُهُ” رَواهُ أبو داودَ والترمذِيُّ.

ـ وعن أنَسِ بنِ مالِكٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: “مَن خرجَ في طلَبِ العلمِ فهوَ في سبيلِ اللهِ حتى يَرجِعَ”. رَواهُ الترمذيُّ.

ـ وعن أبي أمامَةَ رضِيَ اللهُ عنه قالَ ذُكرَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رجُلانِ عابِدٌ وعالِمٌ فقالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: “فضَلُ العالِمِ على العابِدِ كفَضلِي على أدْناكُم” أخرجَهُ الترمذيُّ وصححَهُ.

ـ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلّمَ: “أفضَلُ الأعمالِ إيمانٌ باللهِ ورسولِهِ ” رَواهُ البخاريُّ.

ـ وقالَ أبو الحَسنِ الأشعريُّ: “أولُ ما يجِبُ على العبدِ معرفَةُ اللهِ ورسولِهِ ودينِهِ”.

ـ وقالَ أبو حنيفَةَ النُّعمانُ في الفِقهِ الأبسطِ: “اعلَمْ أنَّ الفِقهَ في الدينِ أفضلُ منَ الفِقهِ في الأحكامِ، والفِقهُ مَعرِفةُ النفسِ ما لَها وما علَيها”. ـ وقالَ أبو حامِدٍ الغزاليُّ: “لا تصِحُّ العِبادةُ إلَّا بعدَ معرفَةِ المعبودِ”.

أدعِيَةٌ وارِدَةٌ في القرءانِ والسُّنَّةِ

﴿ربِّ اغفِرْ لي ولوالِدَيَّ ولِمَن دخَلَ بَيتِي مُؤمِنًا وللمؤمِنينَ والمؤمِناتِ﴾ نوح/28.
﴿ربَّنا تَقبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أنتَ السميعُ العَليمُ﴾ البقرة/127.
﴿وتُبْ علَينا إنَّكَ أنتَ التوابُ الرحيمُ﴾ البقرة/128.
﴿ربِّ هَبْ لِي حُكمًا وألحِقنِي بالصالِحينَ/ واجعَلْ لِي لِسانَ صِدقٍ في الآخِرينَ/ واجعَلنِي مِن ورَثَةِ جَّنةِ النعيمِ﴾ الشعراء/83/84/85.
﴿ربِّ لا تَذَرنِي فَردًا وأنتَ خَيرُ الوارِثينَ﴾ الأنبياء/89.
﴿ربِّ اشرَح لي صَدرِي ويَسِّرْ لي أمرِي واحلُلْ عُقدَةً مِن لِسانِي يَفقَهوا قَولِي﴾ طه/25-28.
﴿رِّب زِدنِي عِلمًا طه/114.
﴿ربَّنا ءاتِنا في الدنْيا حَسنَةً وفي الآخِرةِ حسَنةً وقِنا عذابَ النارِ﴾ البقرة/201.
﴿ربَّنا لا تُزِغْ قُلوبِنا بعد إذ هَديتَنا وهَبْ لَنا مِن لدُنكَ رحمةً إنَّكَ أنتَ الوهَّاب﴾ آل عمران/8.
﴿ربَّنا اصرِفْ عنَّا عذابَ جهنَّمَ إنَّ عَذابَها كانَ غَرامًا إنَّها ساءَتْ مُستَقرًا ومُقامًا﴾ الفُرقان/65-66.
– اللهُمَّ إنِّي أعوذُ بكَ من فِتنَةِ النارِ وعذابِ النارِ، وفِتنَةِ القَبرِ وعَذابِ القبرِ وشَرِّ فتنةِ الغِنَى وشَرِّ فتنَةِ الفَقرِ اللهمُّ إنِّي أعوذُ بكَ من شرِّ فتنةِ المسيحِ الدجالِ، اللهمَّ اغسِلْ قَلبِي بماءِ الثلجِ والبَرَدِ، ونَقِّ قَلبِي منَ الخَطايا كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيَضُ منَ الدنَسِ، وباعِدْ بَينِي وبينَ خَطايايَ كما باعَدتَ بين المشرقِ والمغربِ، اللهمَّ إنِّي أعوذُ بكَ منَ الكسَلِ والمأثَمِ والمغرَمِ.
– اللهُمَّ أصلِحْ لي دينِي الذي هو عِصمَةُ أمرِي ، وأصلِحْ لي دُنيايَ التي فيها مَعاشِي وأصلِحْ لي آخِرَتِي التي فيها مَعادِي واجعلِ الحياةَ زيادَةً لي في كلِّ خيرٍ واجعلِ الموتَ راحَةً لي من كلِّ شَرٍ.
– اللهُمَّ أنِّي أعوذُ بكَ منَ العَجزِ والكسَلِ، والجُبنِ والبُخلِ، والهرَمِ وعذابِ القبرِ، اللهُمَّ آتِ نَفسِي تَقواها وزكِّها أنتَ خيرُ مَن زكَّاها أنتَ وَلِيُّها ومَولاها، اللهمَّ إني أعوذُ بكَ من عِلمٍ لا ينفَعُ، ومن قلبٍ لا يخشَعُ، ومِن نَفْسٍ لا تشبَعُ، ومن دُعاءٍ لا يُستَجابُ.
– اللهُمَّ رحمتَكَ أرْجو فلا تكِلنِي إلى نفسِي طرفَةَ عينٍ، وأصلِحْ لي شَأنِي كلَّهُ، لا إلهَ إلَّا أنتَ.
– اللهُمَّ إني عبدُكَ وابنُ عبدِكَ ابنُ أمتِكَ، ناصِيَتي بيدِكَ، ماضٍ في حُكمُكَ، عَدلٌ فيَّ قَضاؤكَ، أسألُكَ بكلِّ اسمٍ هو لك سمَّيتَ به نفسَكَ، أو أنزَلتَهُ في كِتابِكَ أو علَّمتَهُ أحدًا مِن خَلقِكَ أو استَأثَرتَ به في عِلمِ الغَيبِ عِندكَ، أن تجعلَ القرءانَ رَبيعَ قَلبِي ونورَ صَدري وجَلاءَ حُزني وذَهابَ همِّي.
– اللهمَّ مُقلِّبَ القلوبِ والأبصارِ ثَبِّتْ قَلبِي على دينِكَ.
– اللهُمَّ إني أسألُكَ منَ الخَيرِ كلِّهِ، عاجِلِهِ وءاجلِهِ، ما علِمتُ منه وما لم أعلَمْ، وأعوذُ بك منَ الشرِّ كلِّهِ عاجلِهِ وءاجلِهِ، ما علِمتُ منهُ وما لم أعلَمْ، اللهمَّ إني أسألُكَ مِن خيرِ ما سألَكَ به عبدُكَ ونَبيُّكَ، اللهُمَّ إني أسألُكَ الجنةَ وما قرَّبَ إليها من قَولٍ أو عملٍ، وأعوذُ بكَ من النارِ وما قرَّبَ إليها من قَولٍ أو عملٍ.
– الَلهمَّ اقسِمْ لنا مِن خشيتِكَ ما تَحولُ به بَينَنا وبينَ مَعاصيكَ ومِن طاعتِكَ ما تُبلِّغُنا به جنَّتكَ، ومنَ اليقينِ ما تُهوِّنُ به علَينا مَصائبَ الدنْيا، اللهمَّ مَتِّعنا بأسماعِنا وأبصارِنا وقواتِنا أبدًا ما أحيَيتَنا واجعَلْهُ الوارِثَ مِنَّا واجعَلْ ثَأرَنا على مَن ظَلمَنا وانصُرْنا على من عادَانا، ولا تجعَلْ مُصِيبَتَنا في دِينِنا، ولا تجعلِ الدُّنْيا أكبرَ هَمِّنا ولا مَبلَغَ عِلمِنا ولا تُسلِّطْ علَينا مَن لا يرحَمُنا.
– اللهُمَّ إني أعوذُ بك منَ الجوعِ فإنَّهُ بِئسَ الضَّجيعُ وأعوذُ بكَ منَ الخِيانَةِ فإنَّها بِئسَتِ البِطانَةُ.
– اللهمَّ إنِّي اسألُكَ بانَّ الحمدَ لك لا إلهَ إلَّا أنتَ وحدَكَ لا شَريكَ لكَ المنان يا بديعَ السماواتِ والأرضِ يا ذَا الجَلالِ والإكرامِ، يا حَيُّ يا قيُّومُ إني أسألُكَ الجنةَ وأعوذُ بك منَ النارِ.
– اللهمَّ إني أسألُكَ عِلمًا نافِعًا ورِزقًا طَيِّبًا وعمَلًا مُتقبَلًا.
– اللهُمَّ ربَّ السماواتِ السبْعِ وربَّ الأراضِي السبعِ وربَّ العرشِ العظيمِ ربَّنا وربَّ كلِّ شَىءٍ فالِقَ الحبِّ والنَّوى ومُنزِّلَ التوراةِ والإنجيلِ والفُرقانِ، أعوذُ بكَ مِن شرِّ كلِّ شَىءٍ، أنتَ آخِذٌ بناصِيَتِهِ اللهُمَّ أنتَ الأولُ فليسَ قبلكَ شىءٌ وأنتَ الآخِرُ فليسَ بعدَكَ شىءٌ وأنتَ الظاهِرُ فليسَ فوقَكَ شىءٌ وأنتَ الباطِنُ فليسَ دونَكَ شىءٌ اقضِ عنّا الدَّينَ وأغنِنَا منَ الفَقرِ.
– اللهمَّ ألِّفْ بين قُلوبِنا، وأصلِحْ ذاتَ بينِنا، واهدِنا سُبُلَ السلامِ، ونجِّنا من الظلماتِ إلى النورِ، وجنِّبْنا الفواحِشَ ما ظَهرَ مِنها وما بَطنَ، وبارِكْ لنا في أسماعِنا وأبصارِنا وقلوبِنا وأزواجِنا وذُرياتِنا وتُبْ علَينا إنَّكَ أنتَ التوابُ الرحيمُ، واجعَلْنا شاكِرَينِ لِنعمَتِكَ مُثنِينَ بِها عليكَ قابِلينَ لَها وأتِمَّها علَينا.
– اللهُمَّ جنِّبنِي مُنكَراتِ الأخلاقِ والأهواءِ والأعمالِ والأدواءِ.
– اللهُمَّ أعِنَّا على ذِكرِكَ وشُكرِكَ وحُسنِ عِبادَتِكَ.
– اللهُمَّ إني أعوذُ بكَ من غلَبةِ الدينِ ومن غَلبَةِ العَدُوِّ وشَماتَةِ الأعداءِ.
– اللهُمَّ قِنِي شَرَّ نَفسِي واعزِمْ لِي على أرشَدِ أمرِي اللهُمَّ اغفِرْ لي ما أسرَرتُ وما أعلَنتُ وما عَمدتُ وما أخطَأتُ وما علِمتُ وما جهِلتُ.
– اللهُمَّ آتِنِي الحِكمَةَ التي مَن أوتِيَها فقد أُوتِىَ خَيرًا كثيرًا اللهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ على نبِيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وأصحابِهِ أجمَعينَ ومَن تبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.
نَسألُ اللهَ تعالى أن يُلحِقَنا بالشهَداءِ والصالِحينَ وأن يَجعَلَنا مِن عِبادِهِ المتَّقينَ الفائزينَ وأن يجعَلَ ما كُتِبَ خالِصًا لوَجهِ اللهِ الكريمِ.
وآخِرُ دَعوانا أنِ الحَمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ

الخاتمَةُ

يقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿كلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ الموتِ وإنَّما تُوَفَّونَ أجورَكُم يومَ القيامَةِ فمَن زُحزِحَ عن النارِ وأُدخِلَ الجنةَ فقد فازَ وما الحياةُ الدنْيا إلا مَتاعُ الغُرورِ﴾ آل عِمران/185، وقالَ اللهُ سُبحانَهُ وتَعالى: ﴿إنَّكَ مَيِّتٌ وإنَّهم ميِّتونَ﴾ الزمَر/30، أي أنَّك يا محمدُ يا أشرفَ الخلقِ ويا حبيبَ الحقِّ إنَّكَ ستَموتُ وإنَّهم سيَموتونَ. رَوى الطبرانيُّ أنَّ جبريلَ جاءَ إلى الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ له: “يا محمدُ عِشْ ما شِئتَ فإنَّكَ ميِّتٌ، وأحبَبْ مَن شِئتَ فإنَّكَ مُفارِقُهُ”.

إنَّ اللهَ تباركَ وتَعالى لم يخلُقْنا في هذه الدنْيا لنُعمِّرَ بها إلى الأبدِ، لم يخلُقْنا لنَأكُلَ ونَشربَ ونَنغَمِسَ في شهَواتَها وملذَّاتِها وإنَّما خلَقَنا ليأمُرَنا بعبادَتِهِ كما قالَ تَعالى في القرءانِ الكريمِ: ﴿وما خَلقتُ الجنَّ والإنسَ إلا ليعبُدونَ﴾ الذاريات/56، فاللهُ تَعالى خلَقَ الخلقَ وقدَّرَ لهم آجالًا، فطُوبَى لِمَنِ استَعدَّ لما بعدَ الموتِ، وتزوَّدَ من دارِ الفَناءِ لدارِ البَقاءِ، تزوَّدَ من دُنياهُ لآخِرتِهِ، الذكِيُّ الفطِنُ هو الذي يأخُذُ من دُنياهُ لآخِرتِهِ يأخذُ الزادَ وهو زادُ التَّقوى، كما أمرَنا اللهُ عَزَّ وجَلَّ في القرءانِ الكريمِ: ﴿وابتَغِ فيما آتاكَ اللهُ الدارَ الآخرَةَ ولا تَنسَ نَصيبَكَ منَ الدنْيا﴾ القَصص/77، أي لا تنسَ نصيبَكَ من الزادِ للآخرَةِ، ويقولُ الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “الكيِّسُ مَن دانَ نفسَهُ وعمِلَ لما بعدَ الموتِ والعاجِزُ مَن أتبَعَ نفسَهُ هَواها وتّمنَّى على اللهِ” رواهُ البخاريُّ. فالإنسانُ الذي دانَ نفسَهُ وعملَ لما بعدَ الموتِ هو الذكيُّ الفَطِنُ هذا الذي عرَفَ أنَّ اللهَ سيجمَعُ العِبادَ كلَّهُم ليومٍ لا رَيبَ فيه ويسألُهم عن كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، فمَن آمَنَ بالحسابِ جهَّزَ الجوابَ.
وأما العاجِزُ فهوالذي أتبَعَ نفسَهُ هَواها وهو الذي انتَهَكَ حُرُماتِ اللهِ تَعالى وتَعدَّى حُدودَهُ واقتَرفَ الآثامَ ثم تمنَّى على اللهِ ما تمنَّى.
فإذا ماتَ العبدُ يتبعُهُ أهلُهُ ومالُهُ وعمَلُهُ فيرجِعُ أهلُهُ ومالُهُ ويَبقَى عملُهُ، وقد قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: “أسرِعوا بالجنازَةِ إن تَكُ صالحَةً فخيرٌ تُقدِّمونَها إليه وإن تكُ سِوى ذلك فشَرٌّ تضَعونَهُ عن رِقابِكُم” رواهُ أبو داودَ، وورَدَ عنه عليه الصلاةُ والسلامُ أنهُ مرَّتْ به جنازةٌ فقالَ: “إما مُستَريحٌ وإما مُستَراحٌ منهُ” رَواهُ البخاريُّ ومسلمٌ وغيرُهُ فالإنسانُ الذي آمَنَ باللهِ ورسولِهِ وثَبتَ على الإيمانِ إلى ءاخِرِ العُمرِ واتَّقَى اللهَ عَزَّ وجَلَّ بأداءِ الواجباتِ واجتِنابِ المحرَّماتِ وحِفظِ جَوارحِهِ ولسانِهِ منَ الكلامِ الفاسِدِ هذا الميتُ المسترِيحُ، قالَ تَعالى: ﴿إنَّ الأبرارَ لفِي نَعيمٍ على الأرائكِ ينظُرونَ تعرِفُ في وجوهِهِم نَضرَةَ النعيمِ يُسقَونَ مِن رَحيقٍ مَختومٍ خِتامُهُ مِسكٌ وفي ذلكَ فليتَنافَسِ المتَنافِسونَ﴾ المطففين/22/26.
أما الميتُ المستَراحُ منه هو الإنسانُ الذي كانَ كافِرًا باللهِ العظيمِ، وماتَ من غيرِ توبةٍ مِن كُفرِهِ، قالَ تَعالى: ﴿وإنَّ الفُجّارَ لفي جَحيمٍ يَصلَونَها يومَ الدينِ وما هُم عنها بغائِبينَ﴾ الانفطار/14/16.

فاللهَ نَسألُ وبنَبيِّهِ نتَوسَّلُ أن يُميتَنا مؤمِنينَ موحِّدينَ وأن يَحشُرَنا في زُمرَةِ الأولياءِ والأنبياءِ والمرسَلينَ إنهُ على كلِّ شىءٍ قَديرٍ.
تمَّ بحمدِ اللهِ تَعالى وءاخرُ دَعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالَمينَ

شاهد أيضاً

صحيح مسلم – الجزء الأول – القسم2

الجزء الأول – القسم2 أبواب مختلفة بَابٌ فِي الرِّيحِ الَّتِي تَكُونُ قُرْبَ الْقِيَامَةِ، تَقْبِضُ مَنْ …