كتاب الصراط المستقيم

البِدْعَةُ

البِدْعَةُ لُغَةً مَا أُحْدِثَ علَى غَيرِ مِثَالٍ سَابِقٍ، وشَرعًا المُحْدَثُ الذي لَم يَنُصَّ علَيهِ القُرءَانُ ولا الحدِيثُ.
وتَنْقَسِمُ إلى قِسْمَين كَما يُفهَمُ ذلكَ مِن حَديثِ عائِشَةَ1 رضِيَ الله عنْها قالَت: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم”مَن أَحْدَثَ في أمْرِنا هَذا مَا لَيسَ منْهُ فَهُوَ رَدٌّ”، أي مَردُودٌ.
القِسْمُ الأَوَّلُ البِدْعَةُ الحَسَنَةُ وتُسَمَّى السُّنَّةَ الحسَنَةَ، وهي المُحدَثُ الذي يُوافِقُ القُرءانَ والسُّنَّةَ.
القِسْمُ الثَّاني البدْعَةُ السَّيّئَةُ وتُسَمَّى السُّنَّةَ السَّيّئةَ، وهي المُحْدَثُ الذي يُخَالِفُ القُرءانَ والحَدِيثَ2 .
وهَذا التَّقْسِيمُ مَفْهُومٌ أيضًا مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بنِ عَبد الله البَجَليّ رَضيَ الله عنهُ قالَ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم”مَنْ سَنَّ في الإسلام سُنَّةً حسَنَةً فَلَهُ أجرُها وأجرُ مَن عَمِلَ بها بعدَهُ مِن غير أن يَنْقُصَ من أجُورِهم شَىءٌ، ومَن سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً سَيّئةً كانَ عليه وِزْرُها ووِزْرُ مَن عَمِلَ بِها مِنْ بَعْدِه مِن غَيرِ أن يَنْقُصَ مِن أَوزَارِهم شَىءٌ”رَواهُ مسلمٌ3 .
فَمِنَ القِسْم الأَوَّلِ الاحْتِفَالُ بمَولِدِ النَّبي صلى الله عليه وسلم في شهرِ ربيعٍ الأولِ، وأوَّلُ مَنْ أحدَثَهُ المَلِكُ المُظَفَّرُ مَلِكُ إرْبِل في القَرْنِ السَّابِع الهِجْرِيّ، وتَنْقيطُ التَّابعيّ الجليلِ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ المُصْحَفَ وكانَ مِن أهْلِ العِلْمِ والتَّقْوى، وأقَرَّ ذَلِكَ العُلَماءُ مِن مُحَدّثينَ وغَيْرِهم واسْتَحْسَنُوهُ ولَم يكُن مُنَقَّطًا عِنْدَما أَمْلَى الرَّسُولُ علَى كتَبَةِ الوَحْي، وكذَلِكَ عُثمانُ بنُ عَفّانَ لمّا كتَبَ المصَاحِفَ الخَمْسَةَ أو السّتَّة لم تَكُن مُنَقَّطَةً، ومُنْذُ ذَلك التَّنقِيطِ لم يَزَل المُسلِمونَ على ذَلكَ إلى اليَوم، فَهلْ يُقالُ في هَذا إنَّه بِدْعَةُ ضَلالةٍ لأَنَّ الرَّسُولَ لَم يَفْعَلهُ؟ فإنْ كانَ الأمْرُ كذَلِكَ فليَتْركُوا هذِهِ المصَاحِفَ المُنَقّطَةَ أو لِيَكْشِطُوا هَذَا التَّنقِيطَ مِنَ المَصَاحِفِ حتَّى تعودَ مجرَّدَةً كما في أيّامِ عُثمانَ. قالَ أبو بكر بنُ أبي دَاودَ صَاحِبِ السُّنَنِ في كِتَابِه المَصَاحِف4 “أَوّلُ مَن نَقَطَ المَصَاحِفَ يَحيى بنُ يَعْمَرَ”.اهـ وهوَ مِنْ عُلَماءِ التَّابِعينَ رَوَى عَن عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ وغَيرِه.
ومِنَ القِسْمِ الثَّاني المُحْدَثاتُ في الاعْتِقادِ كبِدْعَةِ المُعتَزِلَةِ والخوارِجِ وغَيْرِهم مِنَ الذينَ خَرجُوا عَمَّا كانَ علَيه الصَّحابةُ رِضْوانُ الله علَيْهم في المُعتَقَد، وكِتَابة (ص) أو (صلعم)5 بعدَ اسم النَّبي بدَلَ (صلى الله عليه وسلم) وقَد نَصَّ المُحدّثونَ في كتُبِ مُصْطَلَح الحَديثِ علَى أنَّ كِتَابةَ الصَّادِ مُجَرَّدةً مَكروهٌ6 ، ومعَ هذَا لمْ يُحَرّمُوها، فَمِن أينَ لهؤلاءِ المُتَنَطّعينَ المُشَوّشِينَ أن يقولوا عن عَمَلِ المولدِ بدعَةٌ محرّمةٌ، وعَن الصَّلاةِ على النَّبي جَهْرًا عقِبَ الأذانِ إنَّهُا بدعةٌ محرّمةٌ بدَعْوَى أن الرسولَ ما فعلَهُ والصَّحابةَ لم يفعَلُوهُ.
ومنه تحريفُ اسمِ الله إلى ءاهٍ ونحوِه كما يَفعَلُ ذلكَ كثيرٌ من المنتسبينَ إلى الطُّرُقِ فإنّ هذا من البِدَعِ المُحرَّمَةِ.
قَالَ الإمامُ الشَّافِعيُّ رضيَ الله عنهُ “المُحدَثاتُ مِنَ الأمُورِ ضَربانِ، أحَدُهُما مَا أُحدِثَ ممّا يُخَالِفُ كِتابًا أَو سُنَّةً أو إجْماعًا أَو أثَرًا فَهذِه البِدْعَةُ الضّلالَةُ، والثّانِيةُ مَا أُحْدِثَ مِنَ الخَيرِ ولا يُخَالِفُ كِتَابًا أو سُنَّةً أو إجْماعًا وهَذه مُحْدَثَةٌ غَيرُ مَذْمُومَةٍ”، رَواهُ البَيْهقيُّ بالإسْنادِ الصّحيح في كتابِه “مَنَاقِبُ الشَّافِعيّ”7 .
——————

1 ) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الصلح: باب إذا اصطلحوا على صلح جور.
2 ) انظر تقسيم البدعة: مناقب الشافعي للبيهقي (1/468-469)، تهذيب الأسماء واللغات للنووي (3/22)، رد المحتار الحنفي (1/376).
3 ) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الزكاة: باب الحث على الصدقة.
4 ) كتاب المصاحف (ص/858).
5 ) وكتابةُ (صَلعَم) بعدَ اسم النّبي صلى الله عليه وسلم أقبح من كتابة (ص).
6 ) تدريب الراوي (ص/284).
7 ) مناقب الشافعي (1/469).

إثْباتُ أنَّ التَّوسُّلَ بالأنْبِياءِ والأولياءِ جائزٌ، وأنّهُ لَيْسَ شِرْكًا كما تقولُ الوهابيةُ

اعْلَم أنَّه لا دَليلَ حَقِيقيٌّ يَدُلُّ على عَدَمِ جَوازِ التَّوسُّلِ بالأَنْبِياءِ والأَوْلِياءِ في حَالِ الغَيْبةِ أو بَعْدَ وفَاتِهم بدَعْوى أنَّ ذَلكَ عِبَادَةٌ لغَيْرِ الله لأنَّهُ لَيْسَ عِبادَةً لغَيْرِ الله مُجَرَّدُ النّداءِ لحَيّ أو مَيّتٍ ولا مُجَرَّدُ التَّعظِيْمِ ولا مُجرَّدُ الاسْتِغَاثَةِ بغَيْرِ الله، ولا مُجَرَّدُ قَصْدِ قَبْرِ وَليّ للتّبرّكِ، ولا مُجرَّدُ طلَبِ مَا لَمْ تَجْرِ بهِ العَادَةُ بينَ النَّاسِ، ولا مُجرَّدُ صِيغَةِ الاسْتِعَانَةِ بغَيرِ الله تَعالى أي لَيْسَ ذلكَ شِرْكًا لأنَّهُ لا يَنْطبِقُ علَيْهِ تَعْرِيفُ العِبَادَةِ عِنْدَ اللُّغَوِيّينَ لأنَّ العِبَادةَ عِنْدَهُم الطَّاعةُ معَ الخُضوعِ.
قالَ الأَزْهَرِيُّ الذي هُوَ أحَدُ كِبارِ اللُّغَوِيّينَ في كتَابِ تَهذِيبِ اللُّغَةِ1 نَقْلا عَن الزَّجَّاجِ الذي هوَ مِنْ أشْهَرِهِم: “العِبَادَةُ في لُغَةِ العَربِ الطَّاعَةُ مَعَ الخُضُوعِ” اهـ وقالَ مثلَهُ الفَرّاءُ كما في لسانِ العَرَبِ2 لابنِ منظور اهـ وقَالَ بَعْضُهُم3 أقْصَى غَايَةِ الخُشُوع والخُضُوعِ اهـ وقالَ بَعْضٌ نِهَايةُ التَّذلُّلِ كَما يُفْهَم ذَلكَ مِن كَلامِ شَارحِ القَاموسِ4 مُرتَضى الزَّبيدِيّ خَاتِمَةِ اللّغَوِيّين، وهَذا الذي يَسْتَقِيمُ لُغَةً وعُرْفًا.
ولَيْسَ مُجَردُ التَّذَللِ عِبادَةً لِغَيرِ الله وإلا لَكَفَر كُلُّ مَن يتَذَلَّلُ لِلْمُلُوكِ والعُظَماءِ. وَقَد ثبَتَ أنَّ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ لمَّا قَدِمَ مِنَ الشَّامِ سَجَد لِرَسُولِ الله فَقالَ الرَّسُولُ: “مَا هَذَا”فَقالَ: يَا رَسُولَ الله إنّي رَأَيتُ أهْلَ الشّام يَسْجُدُونَ لبَطارِقَتِهم5 وأسَاقِفتهم6 وأنتَ أوْلَى بذَلِكَ، فَقَالَ: “لا تَفْعَلْ، لَو كُنْتُ ءامرُ أَحدًا أَن يَسْجُدَ لأحَدٍ لأمَرتُ المَرأةَ أنْ تسْجُدَ لِزَوْجِها”، رَواهُ ابنُ حِبّانَ وابنُ مَاجَهْ وغَيْرُهُما7 . ولَم يَقُلْ لهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم كفَرْتَ، ولا قالَ لهُ أشْرَكْتَ مَع أنَّ سجُودَهُ للنَّبِي مَظْهَرٌ كَبِيرٌ مِنْ مَظاهِرِ التَّذَلُّلِ8 .
فَهؤلاءِ الذينَ يُكَفّرونَ الشَّخْصَ لأَنَّهُ قَصدَ قَبْرَ الرّسُولِ أو غَيْرِه من الأوْلياءِ للتبرُّكِ فَهُم جَهِلُوا معنى العِبادةِ، وخَالَفُوا ما علَيهِ المُسلِمونَ، لأنَّ المُسْلمينَ سَلَفًا وخَلَفًا لَمْ يَزالُوا يَزُورُونَ قَبْرَ النّبيّ للتبرك وليسَ مَعْنى الزّيارةِ لِلتَّبرُّكِ أنَّ الرَّسُولَ يَخْلُقُ لَهُمُ البَركَةَ بل المَعْنَى أنَّهُم يَرْجُونَ أن يَخلُقَ الله لهمُ البَرَكَةَ بزِيارَتِهم لقَبْرِه.
والدَّليلُ علَى ذلكَ مَا رَواهُ البَيهقيُّ9 بإسْنادٍ صَحِيح عن مَالكِ الدَّارِ10 وكانَ خَازِنَ عُمرَ قالَ أصَابَ النّاسَ قَحْطٌ11 في زَمانِ عُمَرَ12 فَجاءَ رَجُلٌ13 إلى قبرِ النَّبي صلى الله عليه وسلم فقالَ يا رسُولَ الله اسْتَسْقِ لأُمّتِكَ فَإنَّهُم قَدْ هَلَكُوا14 فأُتِيَ الرجلُ في المََنامِ15 فقِيلَ لَهُ أقْرِئ عُمرَ السَّلامَ16 وأخْبِرْهُ أنَّهُم يُسْقَوْنَ17 ، وقُلْ لَهُ عَليكَ الكَيْسَ الكَيْسَ18 . فأَتَى الرَّجلُ عُمَرَ فأَخْبرَهُ، فَبكَى عُمَرُ وقَالَ يا رَبّ مَا ءَالُو إلا مَا عَجَزْتُ19 . وقَد جاءَ في تَفْسِيرِ هذَا الرَّجُلِ20 أنّهُ بلالُ بنُ الحارِثِ المُزَنيُّ الصّحَابِيُّ. فهذَا الصَّحابِيُّ قَدْ قصَدَ قبرَ الرَّسُولِ للتبرُّكِ فَلَم يُنكِرْ علَيهِ عُمَرُ ولا غَيْرُهُ فَبطَل دَعْوى ابنِ تَيميةَ أنَّ هذهِ الزّيارَة شِركيَّةٌ.
وقَد قَالَ الحَافِظُ وليُّ الدّينِ العِرَاقيُّ21 في حَديثِ أبي هُريرةَ22 أنَّ مُوسَى قالَ “ربّ أَدْنِني مِنَ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجرٍ”، وأنَّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ23 “والله لَو أني عِندَهُ لأَريْتُكم قَبْرَهُ إلى جَنْبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الكَثِيْبِ الأحْمَرِ”فيهِ اسْتِحْبَابُ مَعْرِفَةِ قُبورِ الصَّالحِينَ لزِيَارتها والقِيامِ بحقّهَا اهـ.
وقَالَ الحَافِظُ الضّياءُ حَدَّثَنِي سَالِمُ التَّلّ قالَ: “مَا رأَيتُ اسْتِجَابة الدُّعاءِ أسْرعَ مِنها عندَ هذَا القَبْرِ، وحدثني الشيخُ عبد الله بن يونس المعروف بالأرمني أنه زار هذا القبرَ وأنَّهُ نَامَ فَرأى في مَنَامِه قُبَّةً عِنْدَهُ وفيها شَخْصٌ أَسْمَرُ فسَلَّم علَيْهِ وقالَ لَهُ أنْتَ مُوسَى كلِيْمُ الله أو قالَ نَبيُّ الله، فَقالَ: نَعَم، فَقُلْتُ قُلْ لي شَيئًا، فأَوْمَأَ إليَّ بأرْبعِ أصَابِعَ ووَصفَ طُولَهُنَّ، فانتَبهْتُ ولَم أدْرِ ما قالَ، فأَخْبَرتُ الشَّيخَ ذَيَّالا بذَلكَ فقالَ: يُولَدُ لَكَ أربعةُ أولادٍ، فقلْتُ: أنا قَد تزَوَّجْتُ امرأةً لَم أقْرَبْها، فقالَ: تَكُونُ غَيرُ هَذِه، فتَزوَّجْتُ أُخْرَى فَولَدت لي أرْبَعةَ أولادٍ”. انْتَهى.
وأخْرجَ أحْمدُ24 في المُسْنَدِ بإسْنادٍ حَسَنٍ كَما قَالَ الحَافِظُ ابنُ حجَرٍ25 أنَّ الحارِثَ بنَ حسَّانٍ البَكْرِيَّ قَالَ لِرَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم: “أَعُوذُ بالله ورَسُولِه أَن أَكُونَ كَوافِدِ عَادٍ” الحديث بطُولِهِ دليلٌ يُبطِلُ قولَ الوهابيةِ الاستعاذَةُ بغيرِ الله شِركٌ.
وعن ابنِ عبَّاس أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ “إنَّ لله مَلائِكةً في الأرْضِ سِوَى الحَفَظَةِ يَكتُبونَ مَا يَسْقُطُ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ فَإذَا أصَابَ أحدَكُم عَرْجَةٌ بأرْضٍ فَلاةٍ فلْيُنَادِ أعِيْنُوا عِبادَ الله”،رَواهُ الطَّبَرانيُّ، وقَالَ الحَافِظُ الهَيْثَميُّ26 “رجَالُهُ ثِقَاتٌ”.
وقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم “حَياتِي خَيْرٌ لَكُم ومَمَاتي خَيرٌ لَكُم تُحْدِثُونَ ويُحْدَثُ لَكُم، وَوفَاتي خَيرٌ لَكُم تُعْرَضُ عَليَّ أعْمالُكُم فَما رَأيتُ مِنْ خَيْرٍ حَمِدْتُ الله علَيهِ وما رأيتُ مِنْ شَرّ استَغْفَرْتُ لَكُم”،رَواهُ البَزَّارُ27 ورِجالُهُ رجالُ الصَّحيحِ28 .
وأَخْرجَ الطَّبرانيُّ في مُعْجَمَيهِ الكَبِيرِ29 والصَّغيرِ30 عَن عُثمانَ بنِ حُنَيفٍ أنَّ رَجُلا كانَ يَخْتلِفُ31 إلى عثمانَ بنِ عَفّانَ، فكَانَ عُثْمانُ لا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ ولا يَنْظُرُ في حَاجَتِه فَلقِي عُثْمانَ بنَ حُنَيْفٍ فشَكَى إلَيْهِ ذلكَ فقَالَ ائتِ المِيْضأَةَ فَتَوضَّأْ ثُمّ صَلّ رَكْعتينِ ثمَّ قُلْ: اللّهُمَّ إنّي أسْألُكَ وأتَوَجَّهُ إلَيكَ بنَبِيّنا محمّدٍ نَبيّ الرَّحْمةِ، يَا مُحَمَّدُ إنِيّ أتَوجَّهُ بكَ إلى رَبي في حَاجَتِي لتُقْضَى لي ثمَّ رُحْ حتَّى أرُوْحَ مَعَكَ، فانْطلَق الرجلُ ففَعلَ ما قَالَ، ثُمّ أتَى بَابَ عُثْمانَ فَجاءَ البَوَّابُ فأخَذَ بِيَدِه فأَدْخلَهُ على عُثْمانَ بنِ عَفّانَ فأجْلسَهُ علَى طِنْفِسَتِه32 فَقالَ مَا حَاجَتُكَ؟ فذَكَرَ لَهُ حَاجَتَهُ، فقَضى لَهُ حاجَتَهُ وقَالَ مَا ذَكَرْتُ حَاجَتَكَ حتّى كانَت هذِه السَّاعَةُ، ثُمّ خَرجَ مِنْ عِنْده فلَقِيَ عثمانَ ابنَ حُنَيْفٍ فَقالَ جَزاكَ الله خَيْرًا، مَا كانَ يَنْظُر في حَاجَتي ولا يَلْتَفِتُ إلَيَّ حَتَّى كلَّمْتَهُ فِيَّ، فَقالَ عُثْمانُ بنُ حُنَيفٍوالله ما كَلّمْتُهُ ولكِنْ شَهِدْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وقَدْ أتاهُ ضَرِيرٌ فشَكَى إلَيهِ ذَهَابَ بَصَرِه، فَقالَ “إن شِئْتَ صَبَرْتَ وإنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لكَ”، قالَ يَا رَسُولَ الله إنّه شَقَّ عَليَّ ذَهابُ بَصَري وإنَّهُ لَيْسَ لي قَائِدٌ فقال له”ائتِ المِيْضَأةَ فتَوضَّأ وصَلّ ركعتينِ ثمّ قلْ هؤلاءِ الكَلماتِ” ففَعلَ الرجُلُ ما قَال، فوَالله مَا تَفَرَّقْنا ولا طالَ بِنا المجْلِسُ حَتّى دخَلَ علَيْنا الرّجُلُ وقَد أبْصَرَ كأنَّهُ لَم يكنْ بهِ ضُرٌّ قَطُّ.اهـ
قالَ الطَّبرَانِيُّ: “والحَدِيْثُ صَحِيْحٌ” اهـ. والطَّبرَانيُّ مِنْ عَادَتِهِ أنَّهُ لا يُصَحّحُ حَديثًا معَ اتّسَاع كِتابِه المعجَمِ الكَبيرِ ما قالَ عن حدِيثٍ أوْردَهُ ولو كَانَ صَحِيحًا الحَدِيثُ صَحِيحٌ إلا عن هَذَا الحَدِيْثِ.
فَفِيهِ دَليلٌ أنَّ الأَعْمَى تَوسَّلَ بالنَّبي في غَيْرِ حَضْرَتِهِ بدَليلِ قَوْلِ عُثمانَ بنِ حُنَيفٍ “حَتَّى دَخَلَ علَيْنا الرَّجُلُ”، وفيهِ أنَّ التَّوسُّلَ بالنَّبي جَائِزٌ في حَالَةِ حَيَاتِه وبعْدَ ممَاتِه فبَطَل قَوْلُ ابنِ تَيْميةَ “لا يَجُوزُ التَّوسلُ إلا بالحَيّ الحَاضِر”ِ، وكلُّ شَرْطٍ لَيْسَ في كِتابِ الله فهُوَ بَاطِلٌ وإنْ كَانَ مِائَةَ شَرطٍ.
وأما تمسكُ بعضِ الوهابيةِ لِدعوى ابنِ تيميةَ هذه في روايةِ حديثِ الترمذيِ33 الذي فيه”اللهمَّ شَفعْهُ فيَّ وشَفعني في نفسِي”،فلا يفيدُ أنه لا يُتبركُ بذاتِ النبي بل التبركُ بذاتِ النَّبيّ إِجماعٌ لم يخالفْه إلا ابنُ تيمية، والرسولُ هو الذي قالَ فيه القائلُ: [الطويل] وأبيضَ يُسْتَسْقَى الغَمَامُ بوجهِهِ ثِمَالَ اليَتَامى34 عِصْمَةٌ للأَرَامِلِ
أَوْرَدَهُ البُخَاريُّ35 .
وأمَّا تَوسُّلُ عُمرَ بالعَبَّاسِ بعدَ مَوتِ النَّبي صلى الله عليه وسلم فليسَ لأَنَّ الرّسُولَ قدْ مَاتَ، بلْ كانَ لأجْلِ رِعَايةِ حَقّ قَرابَتِه مِنَ النَّبي صلى الله عليه وسلم، بدَليلِ قَولِ العبّاسِ حِينَ قَدَّمَهُ عُمَرُ “اللّهُمَّ إنّ القَوْمَ تَوجَّهُوا بي إلَيْكَ لِمَكَانِي36 مِنْ نَبيّكَ”، فَتَبيَّنَ بُطْلانُ رأْيِ ابنِ تَيْمِيَةَ ومَنْ تَبِعَهُ مِنْ مُنْكِرِي التَّوسُلِ. رَوى هذا الأَثَرَ الزُّبَيرُ بنُ بكَّار كما قالَ الحافظُ ابن حجر37 .
ويُسْتَأنسُ لَهُ أَيضًا بِما رَواهُ الحاكِمُ في المستَدْرَكِ38 أنَّ عُمرَ رَضِيَ الله عَنْهُ خَطَب النَّاسَ فقالَ “أيُّها النَّاسُ إنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كانَ يَرَى للعَبّاسِ مَا يَرَى الولَدُ لِوَالدِه، يُعَظّمُهُ ويُفَخّمُهُ ويَبَرُّ قَسَمَهُ، فاقْتَدُوا أيُّها النّاسُ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم في عَمّهِ العبَّاسِ واتّخِذُوه وسِيلةً إلى الله فِيما نَزَلَ بكُم”، فَهذا يُوضِحُ سَببَ تَوسُّلِ عُمَرَ بالعَبّاسِ.
فَلا التِفَاتَ بَعْدَ هَذا إلى دَعْوَى بَعْضِ هَؤلاءِ المُشَوّشِينَ أنَّ الحدِيثَ المذْكُورَ في إسنَادِهِ أبو جَعْفَرٍ وهوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ، ولَيْسَ كَما زَعَمُوا بل أبو جَعْفرٍ هَذا هُوَ أبو جَعْفَرٍ الخِطْمِيُّ ثِقَةٌ، وكذلكَ دَعْوَى بَعْضِهم وهوَ نَاصِرُ الدّينِ الأَلْبانيُّ39 أنَّ مُرادَ الطَّبرَانيّ بقَولِه “والحدِيثُ صَحِيحٌ” القَدْرُ الأَصْلِيُّ وهوَ مَا فَعلَهُ الرَّجُلُ الأَعْمَى في حَياةِ رسُولِ الله فَقَط، وَلَيْسَ مُرادُه ما فَعلَهُ الرَّجُلُ أيّامَ عُثمانَ بنِ عَفَّانَ بَعْدَ وفاةِ الرسولِ وهذا مردودٌ، لأَنَّ عُلَماءَ المُصْطَلح قَالُوا “الحَدِيثُ يُطلَقُ علَى المَرْفُوعِ إلى النّبيّ والمَوقُوفِ على الصَّحابَةِ”، أي أنَّ كَلامَ الرسولِ يُسَمَّى حَدِيثًا وقَولَ الصَّحابِيّ يُسَمَّى حَدِيثًا، ولَيسَ لَفْظُ الحَدِيثِ مَقْصُورًا على كلامِ النّبيِ فَقط في اصطِلاحِهِمْ، وهَذا المُمَوِّهُ كلامُهُ لا يُوافِقُ المُقَرَّرَ في عِلْمِ المُصْطَلَحِ فَليَنْظُرْ مَنْ شَاءَ في كِتَابِ تَدْرِيْبِ الرَّاوِي40 والإفْصَاحِ وغَيرِهما مِن كُتُبِ المُصْطَلَحِ، فإنَّ الألبانيَّ لم يجرهُ إلى هذهِ الدَّعوى إلا شِدة تعصبهِ لهواهُ وعَدم مبالاتِهِ بمخالفةِ العلماءِ كَسَلَفِهِ ابن تيمية.
أَمَّا حَدِيثُ ابنِ عَبّاسٍ الذي رواهُ التّرمذيُّ41 أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ لهُ”إذَا سَألْتَ فاسْألِ الله وإذَا اسْتَعَنْتَ فاسْتَعِن بالله”فلََيسَ فيهِ دَليلٌ أيْضًا علَى مَنْعِ التَّوسُّلِ بالأَنبياءِ والأَوْلياءِ لأنَّ الحديثَ معناهُ أن الأوْلى بأن يُسألَ ويُسْتَعانَ بهِ الله تَعالى، وليسَ مَعناهُ لا تَسْألْ غيرَ الله ولا تَسْتَعِنْ بغَيْرِ الله. نَظِيرُ ذَلِكَ قَولُه صلى الله عليه وسلم42 “لا تُصَاحِبْ إلا مُؤْمِنًا ولا يأكُلْ طَعامَكَ إلا تَقِيٌّ”،فكَما لا يُفهَمُ مِنْ هَذا الحَديثِ عَدَمُ جَوازِ صُحْبَةِ غَيرِ المُؤمنِ وإطْعامِ غَيرِ التَّقِيّ وإنَّما يُفْهَمُ مِنهُ أنَّ الأَوْلَى في الصُّحبَةِ المُؤمنُ وأنَّ الأَوْلَى بالإطْعامِ هُوَ التَّقيُّ، كذلكَ حَديثُ ابنِ عبَّاسٍ لا يُفهَمُ مِنهُ إلا الأوْلَوِيّةُ وأمّا التَّحريمُ الذي يدعونه فلَيسَ في هذا الحَدِيثِ.
ولا فَرقَ بينَ التَّوسُّلِ والاسْتِغاثَةِ، فالتَّوسُّلُ يُسَمَّى استِغاثةً كمَا جاءَ في حَدِيثِ البُخَاريّ43 أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ”إنَّ الشَّمسَ تَدْنُو يَومَ القِيامةِ حَتّى يَبْلُغَ العَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ فبَيْنَما هُمْ كذَلكَ اسْتَغاثُوا بآدَمَ ثمَّ مُوسَى ثمَّ بمُحمَّدٍ” صلى الله عليه وسلم الحديث في روايةِ عبدِ الله ابن عمرَ لحديثِ الشفاعَةِ يوم القيامَةِ، وفي روايةِ أنسٍ44 رُوِيَ بلفظِ الاستِشفَاعِ وكلتَا الروايتينِ في الصحيحِ فَدَلَّ ذلك على أن الاستشفاعَ والاستغَاثَةَ بمعنًى واحدٍ فسَمَّى الرّسُولُ صلى الله عليه وسلم هذا الطَّلَبَ مِنْ ءادَمَ أَن يَشْفَعَ لَهُم إلى رَبّهِمُ اسْتِغَاثةً.
ثم الرسولُ سمَّى المَطَر مُغِيثًا فقد رَوَى أبو داودَ وغيرُهُ45 بالإسنادِ الصَّحيحِ أنّ الرسولَ قال”اللهمَّ اسقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَريعًا نافِعًا غيرَ ضارّ عاجِلا غيرَ ءاجِلٍ”، فالرسولُ سَمَّى المَطَرَ مُغيثًا لأنّه يُنْقِذُ مِن الشّدّةِ بإذنِ الله، كذلكَ النبيُّ والوَليُّ يُنقِذان مِنَ الشّدَّةِ بإذنِ الله تَعَالى.
——————

1 ) تهذيب اللغة (3/2302).
2 ) لسان العرب (3/273) معاني القرءان وإعرابه (1/48).
3 ) هذا قول السبكي في فتاويه (1/10) وعبارته أقصى غاية الخضوع والتذلل.
4 ) تاج العروس (2/410).
5 ) البِطْريقُ بالكَسْر منَ الرُّوم كالقَائدِ منَ العَربِ.
6 ) علماءُ النصارى يقال لهم أسَاقِفةٌ.
7 ) أخرجه البيهقي في سننه (7/291-292)، وأخرجه ابن ماجه في سننه: كتاب النكاح: باب حق الزوج على المرأة. وانظر الإحسان (6/186-187).
8 ) السجود لإنسان ولو لنبي حرام في الشريعة المحمدية ولو كان بقصد التحية.
9 ) دلائل النبوة (7/47)، وصحح إسناده ابن كثير في البداية والنهاية (7/92)، والحافظ ابن حجر في الفتح (2/495).
10 ) قول بعض الوهابية إن مالك الدار مجهول يرده أن عمر لا يتخذ خازنًا إلا خازنًا ثقة، ومحاولتهم لتضعيف هذا الحديث بعدما صححه الحافظ ابن حجر لغوٌ لا يُلتفت إليه. ويقال لهذا المدعي: لا كلام لك بعد تصحيح أهل الحفظ أنت ليس لك في اصطلاح أهل الحديث حظ. في التصحيح والتضعيف فإنه خاص بالحافظ وأنت تعرف نفسك أنك بعيد من هذه المرتبة بعد الأرض من السماء فما حصل من هذا الصحابيّ استغاثة وتوسل. وبهذا الأثر يبطل أيضًا قول الوهابية إن الاستغاثة بالرسول بعد وفاته شرك. وقد قال الحافظ الفقيه اللغوي تقي الدين السبكي إن التوسل والاستغاثة والتوجه والتَّجوُّهَ بمعنى واحد ذكر ذلك في كتابه شفاء السَّقام الذي ألفه في الرد على ابن تيمية في إنكاره سنية السفر لزيارة قبر الرسول وتحريمه قصر الصلاة في ذلك السفر.
11 ) أي وَقَعت مَجاعَةٌ، تِسْعَةَ أشْهُرٍ انقَطعَ المطَرُ عَنْهُم.
12 ) أي في خِلافَتِه.
13 ) أي مِنَ الصّحابةِ
14 ) معناهُ اطلُب منَ الله المَطَرَ لأُمّتِكَ فَإنَّهُم قَدْ هَلَكُوا.
15 ) أي أُرِيَ في المنام أن رسول الله يكلمه.
16 ) أي سلّم لي عليهِ.
17 ) أي سَيأْتيْهِم المَطَرُ، ثم سَقَاهُم الله تعالى حتَّى سُمِّيَ ذلكَ العامُ عامَ الفَتْقِ مِنْ شِدَّةِ ما ظهَرَ منَ الأعْشَابِ وسَمِنَتِ المواشِي حتّى تَفتَّقَتْ بالشَّحْمِ.
18 ) أي عَليكَ بالتفكر فيما تركت فعله مما ينبغي لتزول هذه النازلة عن المسلمين.
19 ) أي لا أُقَصِّرُ إلا ما عَجَزْتُ، أي سَأفْعَلُ مَا في وُسْعِي لخدْمَةِ الأُمَّةِ.
20 ) رواه سيف في الفتوح كما في فتح الباري (2/496).
21 ) طرح التثريب (3/303).
22 ) رواه أحمد في مسنده (2/315).
23 ) رواه أحمد في مسنده (2/315).
24 ) مسند أحمد (3/482).
25 ) فتح الباري (8/578).
26 ) عزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (10/132) للطبراني وقال: “رواه الطبراني ورجاله ثقات”.
27 ) مسند البزار (5/308-309).
28 ) انظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (9/24).
29 ) المعجم الكبير (7/411). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/279) “وقد قال الطبراني عليه والحديث صحيح بعد ذكر طرقه التي روى بها”.
30 ) المعجم الصغير (ص/201-202).
31 ) أي يتردد.
32 ) أي سجادته.
33 ) أخرج الترمذي في سننه أول الحديث: كتاب الدعوات: باب 119 وقال: “هذا حديث حسن صحيح”، أما لفظ “وشفعني في نفسي” فلم يخرجه الترمذي إنما رواه البيهقي في دلائل النبوة (6/166).
34 ) أي غياثهم.
35 ) صحيح البخاري: كتاب الاستسقاء: باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء.
36 ) أي لمكانتي عنده.
37 ) فتح الباري (2/497).
38 ) المستدرك (3/334).
39 ) انظر كتابه التوسل (ص/96).
40 ) تدريب الراوي (ص/116).
41 ) أخرجه الترمذي: كتاب صفة القيامة: باب 58.
42 ) أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الأدب: باب من يؤمر أن يجالس.
43 ) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الزكاة: باب من سأل الناس.
44 ) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب تفسير القرءان: باب قول الله وعلم ءادم الأسماء كلها.
45 ) رواه أبو داود في سننه: كتاب الصلاة: باب رفع اليدين في الاستسقاء.

التَّبَركُ بآثارِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم

اعْلَم أنَّ الصّحابةَ رضوانُ الله عليهم كانوا يتبَرَّكونَ بآثار النَّبي صلى الله عليه وسلم في حياتِه وبعدَ مَماتِه ولا زالَ المسلمونَ بعدَهُم إلى يومِنا هذا على ذلكَ، وجوازُ هذا الأمرِ يُعرَفُ مِن فِعلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وذلكَ أنّه صلى الله عليه وسلم قَسَمَ شَعَرهُ حينَ حَلَقَ في حَجَّةِ الودَاعِ وأظفَارَهُ.
أمّا اقتسَامُ الشَّعر فأخرجَهُ البخاريُّ1 ومسلِمٌ2 من حديثِ أنَسٍ، ففي لفظِ مسلمٍ أنهُ قال لمَّا رَمَى صلى الله عليه وسلم الجمْرَةَ ونَحَرَ نُسُكَهُ وحلَقَ ناولَ الحالِقَ شِقَّهُ الأيمنَ فحلَقَ ثمَّ دَعَا أبا طلحةَ الأنصاريَّ فأعطاهُ ثمَّ ناولَهُ الشِّقَّ الأيْسَرَ فقال: “احْلِق”، فحلَقَ فأعطاهُ أبا طلحةَ فقالَ: “اقسِمْهُ بينَ النَّاسِ”. وفي روايةٍ لمسلم أيضًا3 “فبدأَ بالشّقّ الأيْمَنِ فوزَّعَهُ الشّعْرَةَ والشَّعرَتينِ بين النَّاسِ” ثم قالَ بالأيْسَرِ فصنَعَ مثلَ ذلكَ ثم قال: “هاهُنا أبو طلحةَ”فدفعَهُ إلى أبي طلحةَ.وفي روايةٍ أُخرى لمسلمٍ4 أيضًا أنّه عليه الصلاةُ والسلامُ قال للحَلاقِ”ها”،وأشارَ بيدِهِ إلى الجانبِ الأيْمَنِ فقسَمَ شعَرَهُ بينَ مَن يليْهِ، ثم أشارَ إلى الحلاقِ إلى الجانبِ الأيْسَرِ فحلَقَهُ فأعْطاهُ أُمَّ سُلَيْم، فمعنَى الحديثِ أنّهُ وزَّعَ بنَفْسِه بَعْضًا بينَ النّاسِ الذينَ يَلُونَهُ وأعْطَى بعضًا لأبي طلحةَ ليوزّعَهُ في سائرِهم وأعْطَى بعضًا أمّ سُلَيم ففيهِ التبَرُّكُ بآثارِ الرسولِ، فقد قَسمَ صلى الله عليه وسلم شعرَهُ ليتَبرَّكُوا به وليسْتَشفِعُوا إلى الله بما هو منهُ ويتقرَّبوا بذلكَ إليهِ، قسمَ بينَهُم ليكونَ برَكةً باقيةً بينَهُم وتَذْكِرَةً لهم. ثم تَبِعَ الصَّحابةَ في خُطَّتِهم في التبرّكِ بآثارِهِ صلى الله عليه وسلم من أَسْعَدَهُ الله وتوارَدَ ذلكَ الخَلَفُ عن السَّلَفِ.
وأمَّا اقتِسامُ الأظْفارِ فأخرجَ الإمامُ أحمدُ في مُسْنَدِه5 أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قلَّمَ أظفَارَهُ وقسَمَها بينَ النّاس، ومعلومٌ أنَّ ذلكَ لم يكن ليأكُلَها الناسُ بل ليتبرَّكُوا بها.
أمّا جُبَّتُه صلى الله عليه وسلم فقد أخْرَجَ مسلمٌ في الصّحيح6 عن مَوْلَى أسْماءَ بنتِ أبي بكرٍ قال “أخرجَتْ إلينا جُبَّةً طيالِسَةً كِسْروانيّة لها لَبِنَةُ دِيْبَاج وفَرجَاهَا مكفُوفينِ7 ، وقالت هذهِ جُبَّةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كانت عندَ عائشةَ، فلمّا قُبِضَتْ قَبضتُها وكانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يلبَسُهَا فنحنُ نغسِلُها للمرضَى نَستَشْفِي بها”، وفي روايةٍ8 “نغسِلُها للمريض مِنّا”.
وعن حنظلَةَ بنِ حَذْيَم قالَ “وفَدْتُ معَ جَدّي حَذْيَم إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقالَ يا رسولَ الله إنَّ لي بنينَ ذوي لِحًى وغيرَهُم وهذا أصغرُهم فأدْناني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ومَسَحَ رأسي، وقال باركَ الله فيكَ، قال الذَّيَّالُ فلَقد رأيتُ حَنظلَةَ يُؤتَى بالرَّجلِ الوَارمِ وجهُهُ أو الشاةِ الوارمِ ضَرعُها فيقولُ بسمِ الله على مَوضعِ كفّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فيمسَحُه فيذهبُ الورَمُ”، رواهُ الطبرانيُّ في الأوسطِ والكبيرِ بنحوِه9 ، وأحمدُ10 في حديثٍ طويلٍ ورجالُ أحمدَ ثقاتٌ11 .
وعن ثابتٍ قالَ “كنتُ إذا أتيتُ أنَسًا يُخبَرُ بمَكاني فأَدخلُ عليه فآخذُ بيدَيه فأقبِلُهما وأقولُ بأبي هاتانِ اليَدانِ اللَّتانِ مسَّتا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأُقَبّلُ عَينيه وأقولُ بأبي هاتانِ العَيْنانِ اللّتانِ رأتا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم”. رواه أبو يَعْلَى12 ورجالُه رجالُ الصّحيح غيرُ عبد الله بن أبي بكر المَقدِميّ وهو ثقةٌ13 .
وعن داودَ بنِ أبي صالحٍ قالَ “أقْبَلَ مَروانُ14 يومًا فوَجَد رَجُلا واضِعًا وجْهَه على القبرِ فقالَ أتَدْرِي ما تَصْنَعُ، فأقْبَلَ عليهِ فإذَا هو أبو أيّوب15 فقال نعم جئتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ولم ءاتِ الحَجر سمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: “لا تَبْكُوا على الدّيْنِ إذا ولِيَهُ أهْلُهُ ولكن ابكُوا عليهِ إذا ولِيَهُ غيرُ أَهْلِه”16 رواه أحمدُ17 والطبرانيُّ في الكبيرِ والأوسطِ18 .
وروى البيهقيُّ في دلائلِ النُّبوةِ19 والحاكمُ في مُستَدْرَكِهِ20 وغيرُهما بالإسنادِ أن خالدَ بنَ الوليدِ فَقَدَ قَلَنْسُوَةً له يومَ اليَرْمُوكِ فقالَ اطلبُوها، فَلَم يجِدُوها، ثمَّ طلبُوها فوجَدُوها، فقال خالدٌ “اعتمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فحلَقَ رأسَهُ فابتَدَرَ الناسُ جوانِبَ شَعَرِهِ فسَبَقْتُهُم إلى نَاصيتِهِ فجعَلْتُها في هذهِ القلَنسُوَةِ فلَمْ أشهدْ قِتالا وهي معي إلا رُزِقتُ النَّصْرَ”. وهذه القصةُ صحيحة كما ذكرَ ذلك الشيخُ حبيبُ الرحمن الأعظميّ في تعليقهِ على المطالبِ العاليةِ21 فقال “قال البوصيري22 رواه أبو يعلى بسندٍ صحيحٍ23 وقال الهيثميُّ24 رواهُ الطبرانيُّ وأبو يعلى بنحوهِ ورجالُهما رجالُ الصحيحِ” اهـ.
فلا التفاتَ بعدَ هذا إلى دَعوَى مُنكري التوسلِ والتبركِ بآثارِهِ الشريفةِ صلى الله عليه وسلم.
——————

1 ) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الوضوء: باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان.
2 ) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الحج: باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي.
3 ) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الحج: باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي.
4 ) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الحج: باب بيان أن السنة يوم النحر أن يرمي.
5 ) أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/43).
6 ) صحيح مسلم” كتاب اللباس والزينة: باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة غلى الرجال والنساء.
7 ) قال النووي في شرح مسلم (14/44): “كذا وقع في جميع النسخ “وفرجيها مكفوفين” وهما منصوبان بفعل محذوف أي ورأيت فرجيها مكفوفين”، ووقع عند أحمد في مسنده (6/348) لفظ: “وفرجاها مكفوفان”.
8 ) رواه أحمد في مسنده (6/347).
9 ) المعم الأوسط (3/269) والمعجم الكبير (4/16). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/211): “رواه أحمد ورجاله ثقات”.
10 ) رواه أحمد في مسنده (5/67-68).
11 ) قاله الهيثمي في مجمع الزوائد (9/408).
12 ) أخرجه أبو بعلى في مسنده (6/211).
13 ) قاله الحافظ الهيثمي في المجمع (9/325).
14 ) يعني مروان بن الحكم وكان حاكمًا على المدينة من قبل معاوية، ولم ير رسول الله كما قال البخاري.
15 ) واسمه خالد بن زيد.
16 ) معناه أنت من غير أهله يا مروان، لست أهلاً لتولي الأمر.
17 ) رواه أحمد في مسنده (5/422)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/245): “رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط وفيه كثير من زيد وثقه أحمد وغيره وضعفه النسائي وغيره”.
18 ) المعجم الكبير (4/189) والمعجم الأوسط (1/145).
19 ) دلائل النبوة (6/249).
20 ) المستدرك (3/299) وسكت عليه الحاكم، وقال الذهبي “منقطع”.
21 ) انظر الكتاب (4/90).
22 ) إتحاف الخيرة المهرة (7/271).
23 ) مسند أبي يعلى (13/106).
24 ) مجمع الزوائد (9/349).

الاجتهادُ والتَّقليدُ

الاجتهادُ هو استِخراجُ الأحكامِ التي لم يَرِدْ فيها نصٌّ صريحٌ لا يحتمِلُ إلا معنًى واحدًا.
فالمجتهدُ مَن له أهليّةُ ذلكَ بأن يكونَ حافظًا لآياتِ الأحكامِ وأحاديثِ الأحكامِ ومعرفَةِ أسانيدِهَا ومعرفَةِ أحوالِ رجالِ الإسنادِ ومعرفَةِ النَّاسِخِ والمَنسوخِ والعَامّ والخَاصّ والمُطلَقِ والمُقَيَّدِ، ومعَ إتْقانِ اللُّغَةِ العربيّةِ بحَيثُ إنّه يَحفَظُ مَدْلُولاتِ ألفاظِ النُّصوصِ على حسَب اللُّغَةِ التي نزَل بها القرءانُ، ومعرفةِ ما أجْمَعَ عليهِ المجتهدونَ وما اختَلَفُوا فيهِ لأنّهُ إذا لم يَعْلَمْ ذلكَ لا يُؤمَنُ عليهِ أن يَخْرِقَ الإجماعَ أي إجْماعَ مَن كانَ قبلَهُ.
ويُشْتَرَطُ فوقَ ذلكَ شرطٌ وهو ركنٌ عظيمٌ في الاجتهادِ وهو فِقْهُ النَّفْسِ أي قُوّةُ الفَهْمِ والإدراكِ.
وتشترَط العدالةُ وهي السلامَةُ من الكبائِرِ ومن المداومَةِ على الصَّغَائِرِ بحيثُ تَغْلِبُ على حسَناتِهِ من حيثُ العَدَدُ.
وأمّا المقلّدُ فهو الذي لم يَصِلْ إلى هذهِ المَرتَبَةِ.
والدَّليلُ على أن المسلمينَ على هاتين المَرتَبتَينِ قولُه صلى الله عليه وسلم”نضَّرَ الله امرأً سَمِعَ مقالَتِي فَوَعَاهَا فأدَّاهَا كما سمِعَها، فرُبَّ مُبَلِّغٍ لا فِقْهَ عندَهُ”. رواهُ التّرمذيُّ1 وابنُ حِبَّانَ2 .
الشَّاهِدُ في الحديثِ قولُه”فَرُبَّ مُبَلِّغٍ لا فِقْه عندَهُ”،وفي روايةٍ3 “ورُبَّ مُبَلَّغ أوْعَى من سَامِعٍ”، فإنَّه يُفهِمنا أنَّ ممن يَسمعونَ الحديثَ منَ الرسولِ مَن حظه أن يرويَ ما سمعَهُ لغيرهِ ويكون هو فهمه أقل من فهمِ من يبلغه بحيثُ إن من يبلغه هذا السامع يستطيع من قوةِ قريحتهِ أن يستخرجَ منه أحكامًا ومسائل ويسمى هذا الاستنباط، والذي سمعَ ليس عنده هذه القريحة القوية إنما يفهم المعنى الذي هو قريب من اللفظ. من هنا يعلم أن بعضَ الصحابةِ يكون أقل فهمًا ممن يسمع منهم حديث رسول الله. وفي لفظٍ لهذا الحديثِ: “فرُبَّ حاملِ فِقْهٍ إلى من هوَ أفقَهُ منهُ”،وهاتانِ الرّوايتانِ في التّرمذي وابنِ حبَّان4 .
وهذا المجتهدُ هو مَوْرِدُ قولِه صلى الله عليه وسلم “إذَا اجتَهدَ الحاكمُ فأصابَ فلَهُ أجْرانِ وإذا اجتهدَ فأخطأَ فله أجرٌ”رواهُ البخاريُّ5 ، وإنّما خَصَّ رسُولُ الله في هذا الحديثِ الحاكمَ بالذّكْرِ لأنَّهُ أحْوجُ إلى الاجتهادِ من غَيرِهِ فقد مضَى مُجتهدونَ في السّلَفِ مع كونِهم حاكمينَ كالخلفاءِ الستَّةِ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليّ والحسَنِ بنِ عليّ وعمرَ بنِ عبدِ العزيزِ وشُرَيْحٍ القَاضي.
وقد عَدَّ عُلَمَاءُ الحَديثِ الذين ألَّفُوا في كتُبِ مُصطَلحِ الحديثِ المُفْتِينَ في الصَّحابةِ أقَلَّ مِن عشَرةٍ6 قِيلَ نحو سِتّةٍ، وقالَ بعضُ العلماءِ نحو مائتينِ منهم بَلَغَ رُتْبَةَ الاجتهادِ، وهذا القولُ هو الأصَحُّ. فإذا كانَ الأمرُ في الصَّحابَةِ هكذا فمِن أينَ يصحُّ لِكُلّ مسلمٍ يستطيعُ أن يقرأَ القرءانَ ويطالعَ في بعضِ الكتبِ أن يقولَ أولئكَ رجالٌ ونحنُ رجالٌ فليسَ علينا أن نقلّدَهُم، وقَدْ ثبتَ أنّ أكْثرَ السَّلَفِ كانوا غير مجتهدينَ بلْ كانوا مُقلّدِينَ للمجتهدينَ فيهم، ففي صحيحِ البُخاريّ7 أن رجلا كانأجِيرًا لرجُلٍ فزنى بامرأَتِه فسألَ أبوه فقيلَ له إنَّ على ابنِكَ مائة شاةٍ وأَمَة، ثمّ سألَ أهلَ العِلْم فقالوا له إنّ على ابنِك جَلْدَ مائةٍ وتغريبَ عامٍ، فَجَاءَ إلى الرسولِ صلى الله عليه وسلم مع زوجِ المرأةِ فقالَ يا رسولَ الله إنّ ابني هذا كان عَسِيفًا8 على هذا وزَنَى بامرأتِهِ فقالَ لي ناسٌ على ابنكَ الرجمُ ففديتُ ابني منهُ بمائةٍ مِنَ الغنمِ ووليدةٍ، ثم سألتُ أهلَ العِلمِ فقالوا: إنما على ابنك جلدُ مائة وتغريبُ عام، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “لأقضِيَنَّ بينكُمَا بكتابِ الله، أمَّا الولِيْدَةُ والغَنَمُ فرَدٌّ عليهِ، وعلى ابْنِكَ جَلْدُ مائةٍ وتغريبُ عامٍ”9 .
فهذا الرجلُ معَ كونِهِ مِنَ الصَّحابةِ سألَ أناسًا مِنَ الصَّحابةِ فأخطأوا الصوابَ ثم سأَلَ علماءَ منهم ثمّ أفْتَاهُ الرسولُ بما يوافِقُ ما قالَهُ أولئكَ العلماءُ، فإذا كانَ الرسولُ أفهَمنا أنّ بعضَ مَنْ كانوا يسمعونَ منه الحديثَ ليس لهم فِقْهٌ أي مَقْدِرَةٌ على استخراجِ الأحكامِ مِن حديثِهِوإنما حَظُّهُمْ أن يَرْوُوا عنهُ ما سمِعُوهُ معَ كونهِم يفهَمُونَ اللغةَ العربيّةَ الفُصْحَى فما بالُ هَؤلاءِ الغوْغاءِ الذين يتجرَّءونَ على قولِ “أولئك رجالٌ ونحن رجالٌ”، أولئكَ رجالٌ يعنونَ المجتهدينَ كالأئِمَّةِ الأربَعةِ.
وفي هذا المعنَى ما أخرَجَهُ أبو داودَ10 مِنْ قِصّةِ الرّجلِ الذي كانت برأسِهِ شَجَّةٌ فأجْنَبَ في ليلةٍ باردَةٍ فاستَفْتَى من معَهُ فقالُوا له اغتَسِل، فاغتسَلَ فماتَ فأُخبِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقالَ: “قتَلُوهُ قتلَهُمُ الله، ألا سَأَلُوا إذْ لم يعلموا، فإنّمَا شِفاءُ العِيّ السُّؤالُ” أي شِفَاءُ الجَهلِ السؤالُ أي سؤال أهل العلمِ، وقالَ عليه الصلاةُ والسلامُ “إنما كانَ يكفيهِ أن يتيممَ ويعصب على جُرحِهِ خرقةً ثم يمسحُ عليها ويَغسِلُ سائرَ جسدِهِ” الحديثُ رواهُ أبو داودَ وغيرُه فإنّه لو كانَ الاجتهادُ يصِحُّ مِنْ مُطلَقِ المسلمينَ لَما ذمَّ رسولُ الله هؤلاءِ الذينَ أفْتَوهُ ولَيْسُوا من أهلِ الفَتْوَى.
ثمّ وظيفةُ المجتهدِ التي هي خاصّةٌ لهُ القياسُ، أي أن يعتَبِرَ ما لَم يَرِدْ به نصٌّ بما وردَ فيهِ نصٌّ لشَبَهٍ بينَهُما.
فالحذرَ الحذرَ مِنَ الذينَ يحثّونَ أتباعَهُمْ على الاجتهادِ مَعَ كونِهِمْ وكونِ متبوعِيهِمْ بعيدينَ عَنْ هذِهِ الرتبةِ فهؤلاء يُخَرّبُونَ ويَدعونَ أَتباعَهُم إلى التخريبِ في أُمورِ الدّين. وشَبيهٌ بهؤلاءِ أُنَاسٌ تَعَوَّدُوا في مجالِسِهِمْ أن يُوَزّعوا على الحَاضِرينَ تفسيرَ ءايةٍ أو حديثٍ مَعَ أنهُ لم يسبق لَهُمْ تلقٍّ مُعْتَبَرٌ مِن أفواهِ العلماء. فهؤلاء المدعونَ شَذُّوا عَنْ علماءِ الأصولِ لأن علماءَ الأصولِ قالوا “القياسُ وظيفةُ المجتهدِ” وخالفوا علماءَ الحديثِ أيضًا.
——————

1 ) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب العلم: باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع.
2 ) انظر الإحسان (1/143-144).
3 ) انظر الإحسان (1/143-144).
4 ) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب العلم: باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، وابن حبان في صحيحه انظر الإحسان (2/35).
5 ) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة: باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ.
6 ) تدريب الراوي للسيوطي (ص/380).
7 ) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الصلح: باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود.
8 ) أي أجيرًا.
9 ) أي يخرج من بلده إلى مسافة القصر لمدة سنة.
10 ) أخرجه أبو داود في سننه: كتاب الطهارة: باب في المجروح يتيمم.

شاهد أيضاً

صحيح مسلم – الجزء الأول – القسم2

الجزء الأول – القسم2 أبواب مختلفة بَابٌ فِي الرِّيحِ الَّتِي تَكُونُ قُرْبَ الْقِيَامَةِ، تَقْبِضُ مَنْ …