كتاب الصراط المستقيم

البَعْثُ

البَعْثُ حَقٌّ، وهوَ خُروجُ الموتَى من القُبورِ بعدَ إعادَةِ الجسَدِ الذي أكلَهُ التُّرابُ إن كانَ منَ الأجسَادِ التي يأْكلُها التُّرابُ وهي أجسَادُ غَيرِ الأَنْبياءِ وشُهداءِ المعركةِ وبَعضِ الأولياءِ لِمَا تواتَرَ مِن مُشَاهدَةِ بعضِ الأولياءِ. وأوَّلُ مَن يَنْشَقُّ عنهُ القَبرُ سيّدُنا محمّدٌ صلى الله عليه وسلم، وأهلُ مكّةَ والمدينةِ والطّائفِ من أوَّلِ من يُبْعَثُ.

الحَشْرُ

والحَشْرُ حَقٌّ، وهو أن يُجمَعُوا بعدَ البَعثِ إلى مكانٍ، ويكونُ على الأرْضِ المبدَّلَةِ، وهي أرضٌ مُستَوِيةٌ كالجِلْدِ المَشْدُودِ لا جِبالَ فيها ولا وِدْيَانَ، أكْبَرُ وأَوْسَعُ منْ أَرضِنا هَذه بَيضاءُ كالفِضّةِ.
ويَكُونُ الحَشْرُ على ثلاثةِ أحْوالٍ:
(1) قِسْمٌ طَاعِمُونَ كَاسُونَ رَاكِبُونَ علَى نُوْقٍ رحَائِلُها مِن ذَهَبٍ وهُم الأَتْقِياءُ.
(2) وقسمٌ حُفاةٌ عُراةٌ وهُم المسلمونَ من أهْلِ الكَبائرِ.
(3) وقِسمٌ يُحشَرُونَ ويُجَرُّونَ على وجُوهِهم وهمُ الكفّارُ.

الحسَابُ

والحسَابُ حقٌّ، وهوَ عَرْضُ أعْمالِ العِبادِ علَيهم، ويكُونُ بتَكليم الله للعِبادِ جَمِيعِهم، فَيفهَمُونَ منْ كلامِ الله السُؤالَ عمَّا فَعَلُوا بالنّعَمِ التي أعْطاهُمُ الله إيَّاها، فيُسَرُّ المؤمِنُ التَّقيُّ ولا يُسَرُّ الكَافرُ لأنّه لا حَسَنَة لهُ في الآخرةِ، بلْ يكادُ يَغشَاهُ المَوتُ، فقَد وَردَ في الحديثِ الصَّحيحِ: “مَا مِنكم من أحَدٍ إلا سَيُكلّمُهُ رَبُّهُ يَومَ القِيامَةِ لَيسَ بَينَهُ وبَينَهُ تَرْجُمَانٌ”، رواهُ أحمدُ والتّرمذيُّ1.
——————

1 ) أخرجه الترمذي في سننه: كتاب صفة القيامة: باب ما في القيامة، وقال: “هذا حديث حسن صحيح”، وأحمد في مسنده (4/256).

المِيْزانُ

والمِيْزانُ حَقٌّ، وهو كَمِيْزانِ الدُّنْيا لَهُ قَصَبَةٌ وعَمُودٌ وكفَّتانِ كَفّةٌ للحسَنَاتِ وكَفّةٌ للسَّيئاتِ تُوزَنُ بهِ الأعْمالُ يَومَ القيامةِ، والذي يتَولَّى وزْنَها جِبْريلُ وميكَائيلُ، وما يُوزَنُ إنّما هوَ الصّحائِفُ التي كُتِب عليها الحسَناتُ والسَّيئاتُ، فَمن رجَحَتْ حَسَناتُه على سَيّئاتِه فَهُو مِنَ أهْلِ النَّجاةِ، ومَنْ تسَاوَتْ حسَناتُه وسيّئاتُه فهوَ مِن أهل النَّجاةِ أيضًا ولكِنَّهُ أقَلُّ رُتْبةً من الطَّبَقةِ الأُولَى وأَرفَعُ من الثَّالِثَةِ، ومنْ رَجَحَتْ سَيِّئاتُه على حسَناتِه فَهُو تَحتَ مَشيْئةِ الله إن شَاءَ عذَّبَهُ وإن شَاءَ غَفَرَ لَهُ. وأمَّا الكافِرُ فتَرْجَحُ كفَةُ سيِّئاتِه لا غيرَ لأنَّهُ لا حسَنَات1 لهُ في الآخِرةِ لأَنَّه أُطْعِمَ بحسَناتِه في الدُّنْيا.
——————

1 ) يجوز فتح التاء وكسرها بلا تنوين في الحالين.

الثَّوابُ والعِقَابُ

الثَّوابُ عِنْدَ أهْلِ الحَقّ ليسَ بحَقّ للطَّائِعينَ واجِبٍ على الله، وإنَّما هُو فَضْلٌ مِنهُ وهُو الجَزاءُ الذي يُجْزَى به المُؤْمِنُ مِمَّا يَسُرُّه في الآخِرَةِ.
والعِقَابُ لا يَجبُ علَى الله أيْضًا إيقَاعُه للعُصَاةِ، وإنَّما هوَ عدْلٌ مِنهُ، وهوَ ما يَسُوءُ العَبْدَ يَومَ القِيَامةِ.
وهُوَ على قِسْمَينِ أَكْبرَ وأصْغَرَ، فالعِقَابُ الأكْبرُ هوَ دُخولُ النّارِ والعِقابُ الأصْغَرُ ما سِوى ذلكَ كأذَى حَرّ الشَّمْسِ يَوْمَ القِيامَةِ فَإنَّها تُسَلَّطُ علَى الكُفَّارِ فيَعرَقُونَ حتّى يَصِلَ عَرَقُ أحَدِهم إلى فِيهِ ولا يتَجَاوزُ عَرقُ هذَا الشَّخْصِ إلى شَخصٍ ءاخرَ بل يَقْتصرُ عليه حتّى يقُولَ الكافِرُ من شِدَّةِ ما يُقاسِي منها: رَبّ أرِحْني ولَو إلى النَّارِ، ويَكونُ المؤمنُونَ الأَتْقياءُ تلكَ السَّاعَةَ تحتَ ظِلّ العَرْشِ، وهذَا مَعنَى الحدِيثِ1: “سَبْعةٌ يُظِلُّهمُ الله في ظِلّهِ”، أي في ظِلّ عَرْشِه.
——————

1 ) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الأذان: باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة.

الصّراطُ

والصّراطُ حَقٌّ، وهوَ جِسْرٌ عَريضٌ مَمدُودٌ علَى جَهنّمَ تَرِدُ عَليهِ الخلائِقُ، فمِنهُم مَن يَرِدُه ورُوْدَ دخُولٍ وهمُ الكفّارُ وبَعضُ عُصَاةِ المُسْلِمينَ، أي يَزِلُّونَ مِنهُ إلى جَهنَّمَ، ومنهُم من يَرِدُه ورُودَ مرُورٍ في هَوائِه، فمِن هؤلاءِ مَن يَمُرُّ كالبَرْقِ الخَاطِفِ، ومنهُم مَن يمُرُّ كطَرفَةِ عَيْنٍ، وهوَ مَحمُولٌ على ظَاهرِه بغَيرِ تأويلٍ، وأحَدُ طرَفَيْهِ في الأَرضِ المُبَدَّلَةِ والآخَرُ فيْما يَلي الجَنّةَ، وقَد وَردَ في صِفَتِهِ أنّه “دَحْضٌ مَزَلَّةٌ”1.
وَممّا وَردَ أنَّه أحَدُّ مِن السَّيفِ وأدَقُّ من الشَّعرَة، كَما رَوى مُسلِمٌ2 عن أبِي سَعِيد الخُدْرِيّ “بلَغنِي أنَّهُ أدَقُّ مِنَ الشَّعْرةِ وأَحدُّ منَ السَّيفِ” ولم يرد مرفوعًا إلى رسول الله، ولَيسَ المُرادُ ظَاهِرَهُ بلْ هو عَريضٌ وإنَّما المرادُ بذلِكَ أنَّ خَطَرَهُ عظِيمٌ، فإنَّ يُسْرَ الجَوازِ علَيه وعُسْرَهُ علَى قَدْرِ الطَّاعَاتِ والمعَاصِي ولا يَعْلَمُ حُدُودَ ذلِكَ إلا الله، فقد ورَدَ في الصَّحِيحِ3 أنَّهُ تَجرِي بِهم أعْمالُهم. معناه أن أعمالَهم تصِيْرُ لهم قوّةَ السَّيْرِ.
——————

1 ) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب معرفة طريق الرؤية.
2 ) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب معرفة طريق الرؤية.
3 ) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان: باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها.

الحَوضُ

والحَوضُ حَقٌّ، وهو مكانٌ أعَدَّ الله فيه شَرابًا لأَهْل الجنَّةِ يشْرَبُونَ مِنه قبلَ دخُولِ الجنّةِ وبَعدَ مُجاوزَةِ الصّرَاطِ، فَلِنبيّنا حوضٌ تردُهُ أمته فقط لا تردُه أمم غيرهِ طولُهُ مَسِيرَةُ شَهْرٍ وعَرضُهُ كَذَلِكَ، ءانِيَتُهُ كَعدَدِ نُجومِ السَّماءِ، شَرابُه أبيَضُ منَ اللَّبَنِ وأحْلَى من العسَلِ وأطْيَبُ منْ رِيحِ المِسْكِ. وقد أعَدَّ الله لكلّ نبيٍّ حوضًا وأكبرُ الأحواضِ حوضُ نبيّنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم.

صفةُ الجنَّةِ

والجنَّةُ حَقٌّ فيَجِبُ الإيْمانُ بِها وأنَّها مَخلُوقةٌ الآنَ كَما يُفهَم ذَلكَ منَ القُرءانِ والحَديثِ الصَّحيح1 ، وهي فَوقَ السَّماءِ السَابِعةِ2 ليسَت متّصِلةً بها، وسَقْفُها عَرشُ الرّحمنِ، وأهْلُها علَى صُورةِ أَبِيهم ءادمَ سِتّونَ ذِراعًا طُولا في سَبْعةِ أذرُعٍ عَرْضًا جمِيلُو الصُّورةِ، جُرْدٌ مُرْدٌ في عُمرِ ثَلاثةٍ وثَلاثِيْنَ عَامًا، خالِدُونَ فِيها لا يَخرجُونَ مِنها أبدًا. وقد صحَّ الحديث3 بأنّ أهْلَ الجنّةِ على صُورةِ أبِيهِم ءادَمَ سِتّونَ ذِراعًا في السَّماءِ في سَبْعَةِ أذْرُعٍ عَرْضًا.
وقَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في وَصْفِها “هِيَ ورَبّ الكَعْبةِ نُورٌ يتَلأْلأُ ورَيْحَانَةٌ تَهتَزُّ، وقَصرٌ مَشِيدٌ ونَهرٌ مُطَّرِدٌ، وفَاكهةٌ كثيرةٌ نَضِيجَةٌ، وزَوجةٌ حَسناءُ جَميلةٌ، وحُلَلٌ كثيرةٌ في مُقَامٍ أبَديّ في حَبْرَةٍ ونَضْرَةٍ” رواهُ ابنُ حبانَ4 .
——————

1 ) كحديث: “دخلت الجنة فرأيت فيها دارًا وقصرًا”، رواه مسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه.
2 ) كما في الحديث الصحيح الذي رواه البيهقي في دلائل النبوة (6/232)، وقال تعالى {عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوَى (15)} [سورة النجم]، أي عند سدرة المنتهى.
3 ) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب أحاديث الأنبياء: باب خلق ءادم وذريته.
4 ) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (9/238).

صفةُ جهنَّمَ

والنَّارُ حَقٌّ، فَيَجِبُ الإيْمانُ بها وبأنَّها مَخلُوقَةٌ الآنَ كَما يُفْهَم ذلِكَ منَ الآيَاتِ والأحادِيثِ الصّحيحةِ، وهيَ مَكانٌ أعَدَّهُ الله لِعَذابِ الكُفَّارِ الذي لا يَنْتَهي أبدًا وبَعْضِ عُصَاةِ المُسْلِمينَ، ومَكانُها تَحْتَ الأرْضِ السَّابعةِ مِن غَيرِ أن تَكُونَ مُتَّصِلةً بها.
ويَزِيْدُ الله في حَجْمِ الكَافِر في النّارِ لِيَزْدَادَ عَذَابًا حَتّى يكونَ ضِرْسُه كجبَلِ أُحُدٍ، وهوَ خَالِدٌ في النَّار أبدًا لا يَمُوتُ فِيْها ولا يَحْيا أي حَياةً فيها راحة، لَيْسَ لَهُم فِيها طَعامٌ إلا مِن ضَرِيْعٍ، وشَرابُهُم منَ الماءِ الحارّ المُتنَاهي الحرارةِ.
وأمَّا كَونُ الجَنَّةِ فَوقَ السَّماءِ السَّابعةِ فذَلِكَ ثابِتٌ فِيْمَا صَحَّ مِنَ الحديثِ1 وهو قوله صلى الله عليه وسلم “وفوقَه” يعني الفردوسَ “عرشُ الرحمن”، وأمّا كَونُ جهَنّمَ تَحْتَ الأَرْضِ السَّابعةِ فقَد قالَ أبو عبدِ الله الحاكمُ في المُسْتَدرَكِ2 إنَّ ذلكَ جاءَت فيهِ رِواياتٌ صَحيحةٌ.
——————

1 ) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجهاد: باب درجات المجاهدين.
2 ) المستدرك (4/596).

الشَّفَاعَةُ

والشَّفَاعَةُ حَقٌّ وهي سُؤالُ الخَيرِ منَ الغَيْرِ لِلْغَيرِ فيَشْفَعُ النَّبيُّونَ والعُلَماءُ العَامِلُونَ والشُّهدَاءُ والملائكةُ، ويشفَعُ نبيُّنا لأهْلِ الكبَائرِ مِن أمَّتِه، فَقد جَاءَ في الحَديثِ الصَّحيحِ “شَفَاعَتِي لأَهْلِ الكبَائرِ مِن أمَّتي” رَواهُ ابنُ حِبّانَ1، أي غَيرُ أهْلِ الكَبَائرِ لَيْسُوا بحَاجَةٍ للشَّفَاعةِ، وتَكُونُ لبَعْضِهم قبلَ دخولِهِمُ النّارَ ولِبَعْضٍ بَعدَ دخُولِهمْ قَبْلَ أن تَمضِيَ المُدَّةُ التي يَسْتَحِقُّونَ بِمَعَاصِيْهِم، ولا تكونُ للكُفَّارِ قَالَ الله تَعالى ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى (28)﴾ [سورة الأنبياء]، وأوَّلُ شَافِعٍ يَشْفَعُ هُوَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
——————

1 ) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (8/132).

الرُّوْحُ

يَجبُ الإيمانُ بالرُّوحِ وهي جِسْمٌ لَطِيفٌ لا يَعلَمُ حَقِيقَتَهُ إلا الله، وقَد أَجْرَى الله العَادَةَ أن تَسْتَمرَّ الحيَاةُ في أجْسَامِ الملائِكَةِ والإنسِ والجِنّ والبَهائمِ مَا دامَت تِلكَ الأجْسَامُ اللطيفَةُ مُجتَمِعةً معَها، وتُفَارِقَها إذَا فارَقَتْها تلكَ الأجْسَامُ، وهيَ حادِثةٌ لَيسَت قَديمَةً، فَمن قالَ إنَّها قَدِيمةٌ ليسَت مخلُوقَةً فقَد كَفَرَ، وكذلكَ مَن قالَ البَهائمُ لا أَرْواحَ لهَا كمَا قالَ ذلكَ مُحمّدُ مُتَوَلّي الشَّعْراوِيُّ في كتابَيْه التفسير والفتاوى1. وذَلِكَ تَكْذِيبٌ للقُرْءَانِ وإنكارٌ للعِيان قَالَ تَعالى ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5)﴾ [سورة التكوير]. وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “لَتُؤَدَّنَّ الحُقوقُ إلى أهْلِها يَومَ القِيامةِ حَتّى يُقادَ لِلشَّاةِ الجَلْحاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْناءِ” رَواهُ مُسْلِمٌ2.
——————

1 ) انظر كتابه الفتاوى (1/218).
2 ) أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب البر والصلة: باب تحريم الظلم.

بَيانُ أنَّ رَحْمَةَ الله شَامِلَةٌ في الدُّنيا للمؤمنين والكَافرينَ خاصَّةٌ بالمُؤمنِينَ في الآخِرَةِ

والله تَعالى يَرْحَمُ المُؤْمِنينَ والكَافِرينَ في الدُّنْيا وَسِعَتْ رَحمَتُه كُلا، أَمّا في الآخرةِ فرَحمَتُه خَاصَّةٌ للمؤمنينَ، قالَ الله تعالى ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ (156)﴾ [سورة الأعراف].
أَي وسِعَت في الدُّنيا كلَّ مُسْلمٍ وكَافِرٍ، قَالَ ﴿فَسَأَكْتُبُهَا (156)﴾ أي في الآخِرةِ، ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ (156)﴾، أي أخُصُّها لمن اتَّقَى الشّرْكَ وسَائِرَ أنْواعِ الكُفْرِ.
وقَالَ تَعالى ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قَالُواْ إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)﴾ [سورة الأعراف].
أي أنَّ الله حرَّمَ على الكَافِرينَ الرّزقَ النَّافِعَ والماءَ المُرْوِيَ في الآخِرَةِ، وذَلكَ لأنَّهُم أضَاعُوا أعْظَمَ حُقُوقِ الله الذي لا بدِيلَ لهُ وهوَ الإيمانُ بالله ورسولِه.
ثمَّ إنَّ الله جَعلَ الدُّخُولَ في الإسْلامِ الذي هوَ أفضَلُ نِعَمِ الله سَهْلا وذَلِكَ بالنُّطقِ بالشَّهادَتينِ بَعْدَ مَعْرفةِ الله ورسُولِه، وجعَلَ الكفرَ سَهْلا فكلِمةٌ واحدةٌ تَدُلُّ على الاسْتِخْفافِ بالله أو شَريعَتهِ تُخْرجُ قَائِلَها منَ الإيمانِ، وتوقِعُهُ في الكفرِ الذي هو أسْوأُ الأحوالِ حتّى يكونَ عنْدَ الله أحْقَرَ مِنَ الحَشَراتِ والوُحوشِ، سَواءٌ تكَلَّمَ بِها جَادًّا أو مَازِحًا أو غَضْبانَ، وقَد شُرِحَ ذَلكَ في كتُبِ الفِقْهِ في المذَاهبِ المُعْتَبرَةِ وحَكَمُوا أنّ المتلَفّظَ بها يكفرُ. قالَ الله تَعالى ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (55)﴾ [سورة الأنفال].

شاهد أيضاً

صحيح مسلم – الجزء الأول – القسم2

الجزء الأول – القسم2 أبواب مختلفة بَابٌ فِي الرِّيحِ الَّتِي تَكُونُ قُرْبَ الْقِيَامَةِ، تَقْبِضُ مَنْ …