فضل يوم الجمعة

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البرّ الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد النبيّ الأمّي وعلى ءاله وصحبه الطيّبين وعلى جميع إخوانه النّبيّين والمرسلين.

اعلم أخي المسلم أن ربنا عزّ وجلّ قال في كتابه العزيز: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.

وورد في مستدرك الحاكم وسنن البيهقي وغيرهما من حديث شدّاد بن أوس رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ ءَادَمُ وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ” قيل: وكيف تعرض صلاتنا عليك يا رسول الله وقد أَرِمْتَ؟ (أي بليت) قال: “إَنَّ اللهَ حَرَّمَ عَلَى الأرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادِ الأنْبِيَاءِ”.

هذا الحديث يتضمّن فضل يوم الجمعة وإنّما قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: “من أفضل أيّامكم” ولم يقل إنّ أفضل أيّامكم لأنّ هناك أيّامًا لها مزايا وفضائل كيوم الحجّ الأكبر وهو يوم العيد، المُحْرِمُ في الحجّ يوم العيد بالنسبة إليه هو يوم الحج الأكبر أمّا يوم عرفة فهو قبل يوم العيد، وسُمّي يوم العيد للحاج يوم الحج الأكبر لأنّ معظم أعمال الحج تكون فيه، الطّواف والحلق أو التقصير ورمي جمرة العقبة، ولا تنافي هذه التسمية حديث: “الحجّ عرفة” لأنّ معناه إنّ أشد أعمال الحج هوعرفة لضيق وقته، فمن لم يتمكّن من الوقوف بعرفة في هذه المدّة التي هي أقل من يوم وليلة فاته الحجّ، لذلك قال الرسول: “الحجّ عرفة”.

قوله عليه الصلاة والسلام: “فيه خلق ءادم وفيه قُبِض وفيه النّفخة وفيه الصعقة” هذه الأمور الأربعة أمور عظام، فأمّا ءادم فلأنّه أوّل النّوع البشري الذي فضّله الله على سائر أنواع المخلوقات، فالنوع البشري أفضل من الملكي ومن النوع الجنّي.

فآدم الذي هو أوّل فرد من أفراد البشر، من أفراد هذا النوع الكريم على الله تعالى، خلق في يوم الجمعة وتمام خلق ءادم عليه السلام كان في الجنّة، فقد أورد الحاكم في المستدرك أنّ ءادم عليه السلام لم يمكث في الجنّة إلا ساعة من العصر إلى الغروب، ولكن تلك الساعة ورد أثر بأنّها مقدار مائة وثلاثين عامًا، والأيّام الستة التي خلق الله فيها الأرض والسموات وخلق ءادم في ءاخر الخلق كلّ يوم منها قَدْرُ ألف سنة بتقدير أيّامنا هذه، وإنّما أخّر خلق ءادم إلى ءاخر ذلك اليوم الذي هو ءاخر الأيام الست التي خلقت فيه السموات والأرض لأنّ ءادم صفوة الخلق أي أفضل ممّا خلق قبله فكان مناسبًا أن يكون ءاخر الخلق كما أنّ محمدًا صلّى الله عليه وسلّم الذي هو سيّد خلق الله على الإطلاق وإمام الأنبياء وأشرف المرسلين خلق ءاخر الأنبياء، لم يبعث إلا بعد أن بعث جميع الأنبياء، فليس الفضل عند الله تعالى بطول الزمن وبطول العمر بالنسبة للعبد من عباد الله الصالحين إنّما الفضل بتفضيل الله. ءادم عليه السلام عاش ألف سنة ونوح عليه السلام عاش أكثر من ذلك ومع ذلك فليسا أفضل الأنبياء، والخضر على القول بحياته أي أنه لم يمت بعد وهو قول أكثر العلماء وهو نبيّ على القول الصحيح أطول عمرًا من سائر البشر ومع ذلك فليس هو أفضل الأنبياء، إنما أفضل الأنبياء هم خمسة، روى الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: “خيار الأنبياء خمسة محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح وخيار الخمسة محمد” كان سيدنا محمد أقل الأنبياء عمرًا عاش بعد نزول النبوّة عليه ثلاثًا وعشرين عامًا مع ذلك الله تعالى فضّله على غيره من الأنبياء.

وأمّا أنّ النفخة فيه، فالمراد النفخ في الصور أي البوق الذي وُكِّل إسرافيل بالنفخ فيه، وأمّا قوله عليه الصلاة والسلام: “وفيه الصعقة” فالصعقة هي الموت بالنسبة لقسم من العباد والغشية بالنسبة لبعض، لأنّه يحدث من النفخة أمران: قسم من الخلق وهم الذين تدركهم النفخة وهم أحياء على وجه الأرض يموتون عند هذه النفخة وذلك شامل للإنس والجن الذين يكونون ذلك الوقت أحياء. وأمّا الصعقة التي هي غشية ليست موتًا فهي لمن كان قد مات قبل ذلك من الأنبياء وغيرهم فإنهم يصعقون أي يغشى عليهم ولا يموتون لأن الموت لا يعاد عليهم مرة ثانية لأنهم قد ماتوا إلا أنه ورد في حق موسى احتمالان أحدهما: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنّ موسى يجوز عليه أن يغشى عليه كما يغشى على غيره عند النفخة من الذين ماتوا قبل النفخة. والاحتمال الثاني: أنّه لا يغشى عليه بل يكون جوزي بصعقة الطور فيكون بذلك مستثنى من الغشية، لأنه صعق في الطور لما رأى الجبل ءانذاك بتجلى الله له. ومعنى تجلي الله للجبل أنّ الله خلق في الجبل رؤية أي إدراكًا فرأى ربه أي خلق الله فيه الرؤية لكنه اندك أي من شدّة خشيته من الله تعالى لأن هذه الجمادات الله تبارك وتعالى يخلق في بعضها في بعض الأوقات إدراكًا وحياة ثم تعود إلى حالتها ومن الدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ﴾ وقول الرسول عن الصخرة التي سدّت فم الغار على الثلاثة الذين دخلوه: “إن هذا الحجر من الحجر الذي يهبط من خشية الله”.

شاهد أيضاً

نبي الله ءادم عليه الصلاة والسلام

قال الله تعالى :{ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءادَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرَاهِيمَ وَءالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} …