قال الله تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌ إلا المتقين}(سورة الزخرف).
إخوة الإسلام، يخبرنا الله تبارك وتعالى في هذه الآية إنّ الذين كانوا في هذه الدنيا أخلاء أحباء ينقلبون في الآخرة أعداء بعضهم لبعض إلا المتقين فإنهم تبقى مودتهم بينهم في الآخرة، والمتقون هم الذين يقومون بحقوق الله وحقوق العباد فهم الذين أدوا ما افترض الله عليهم واجتنبوا ما حرم عليهم وعاملوا العباد معاملة صحيحة موافقة لشرع الله.
وذلك لما روى في صحيح ابن حبان من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “المتحابون في الله يكونون يوم القيامة في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء”. معنى يغبطهم أي يسرّون لرؤيتهم في ظل العرش من غير تمني زوال هذه النعمة عنهم أي لا يحسدونهم، وفي رواية أخرى في صحيح ابن حبان أنه قال: “إنّ المتقين يتحابون بنور الله”. ومعنى نور الله أي مرضاة الله، يتحابون لأن طاعة الله تجمعهم من غير أرحام بينهم ولا أنساب ولا علاقات مالية، لا يجد أحد في ذلك اليوم ظلا يستظل به فيريحه من حر الشمس إلا من جعله الله تعالى في ظل العرش.
معنى التحابب في الله
فهؤلاء المتقون من شأنهم أنهم كانوا في الدنيا يتعاونون على ما يرضي الله تعالى يجتمعون على طاعة الله ويفترقون على طاعة الله لا يغش بعضهم بعضا ولا يخون بعضهم ولا يدل بعضهم بعضا إلى بدعة ضلالة أو فسق أو فجور أو ظلم، اجتمعوا على محبة بعضهم في الله وهذا هو الصدق في المحبة، ثم إن حصل من أحدهم معصية ينهاه أخوه ويزجره لأنه يحب له الخير، هؤلاء هم المتحابون في الله الذين يتعاونون على البر والتقوى ولا يتعاونون على الإثم والعدوان، وليس معنى التحابب في الله مجرد اجتماع أشخاص تحت اسم طريقة معينة يذكرون الله ويخلطونها بالمنكرات كالذين يجتمعون باسم حلقات الذكر ويقولون: آه آه بدل: الله الله، ثم لا يتناصحون فهؤلاء تصاحبوا على بدعة ضلالية وليسوا متحابين في الله ولا ينطبق عليهم أنهم يكونون تحت ظل العرش، إنما المستظلون بظل العرش أولئك الذين كانت مجالسهم فيما يرضي الله تعالى ولم تكن لمعصيته أو للجحود بنعمته أولئك الذين يأمرون بعضهم بالمعروف وينهون بعضهم عن المنكر وقد مدح الله تبارك وتعالى أمة محمد بقوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} سورة آل عمران.
فضل التزاور والتحابب والتناصح والتباذل في الله:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: {وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين فيّ والمتزاورين فيّ} حديث صحيح رواه مالك في الموطأ.
هؤلاء يكرمهم الله تعالى بهذا النعيم لأنهم من عباده المتقين بينما الكفار يتأذون من حرّ الشمس بحيث يقول الكافر: يا رب أرحني ولو إلى النار، فهذا الإكرام الذي يناله هؤلاء المتحابون في الله وأمثالهم يعجب له الناظرون بحيث أن الأنبياء والشهداء يغبطونهم مع أن الأنبياء أعلى أهل الله درجة ومع كونهم أفضل خلق الله فإنهم يغبطون هؤلاء المؤمنين الذين كانوا يتحابون في الله تعالى وهم الذين لم تكن محبتهم من أجل نسب يجمعهم أو من أجل مال غرهم إنما محبتهم لمرضاة الله تعالى.
الإعانة على عمل الخير من التحابب في الله:
فالحب في الله درجات وهو عبارة عن أن يكون المؤمن يجبّ المؤمن لله تعالى لا لغاية دنيوية لأن ذلك يفوت الأجر، والحب الكامل باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في سيرته العطرة.
فكن أخي المسلم ممن أحبه الله تعالى وتجمل بهذه الصفات الحميدة بالمحبة والتناصح والتزاور والتباذل لله وحده بدون رياء لأنه محبط للثواب حتى ينور الله وجهك في الآخرة ويبعد عنك الخوف والحزن وهذا شأن الصالحين، فساعد أخاك المسلم على عمل البر والخير الذي يرضاه الله وأعنه على أداء الواجبات فإذا رأيت صديقك جاهلا بعلم الدين لم يتعلم ما افترض الله وما حرم على عباده فليس من حق الصحبة أن تسكت من غير أن ترشده لأن الطريق إلى الله مسدود إلا على المقتفين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبعون شريعته ويسلكون نهجه القويم.
أخي المسلم، إذا زرت أهلك أو صديقك فأخلص في نيتك وإذا ما أحببت أحدا من الناس فليكن ذلك لمصلحة شرعية لا شخصية وإذا ما بذلت صدقة لقريب أو يتيم أو منكوب فليكن ذلك ابتغاء مرضاة الله وليكن كل مجتمع تحضره ففي سبيل تحقيق مصلحة إسلامية لا دنيوية تكن عند الله من الفائزين.
اللهم اجعلنا من المتحابين فيك ومن الذين يجتمعون على طاعتك وثبتنا على الإيمان وسدد خطانا نحو الخير.