الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الحمدُ للهِ الذي تَنَزَهَ عنِ الشبيهِ والنظيرِ وتعالى عن المثيلِ فقالَ عز وجل: {ليس كمثله شئ وهو السميع البصير}، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى ءالِه وأصحابِهِ الكرام.. أما بعدُ إخوةَ الإيمان، فإنَّ خَيْرَ ما أوصيكُمْ بِهِ في هذِهِ الصّبيحَةِ المُبَارَكَةِ تَقْوَى اللهِ والمُسارَعَةُ إلى الطّاعاتِ.
معشرَ الإخوةِ المؤمنين، ما أعظمَهُ زمانٍ تتأَلَّقُ فيهِ آياتُ المَوَدَّةِ والْمَحَبَّةِ بينَ أعضاءِ هذا المجتمعِ الإسلاميِّ، وها هي مظاهرُ العيدِ من فُرصِ التزاوُرِ وصلةِ الرحمِ تغمُرُ قلوبَ المؤمنينَ أُنْساً ومحبةً ومودةً، وها هُم أخوتُنا عندَ الحبيبِ محمدٍ وحولَ الكعبةِ يُؤَدُّونَ الشعائِرَ والمناسِكَ ويردِّدُونَ كلماتِ التعظيمِ والتهليلِ والتكبيرِ بصوتٍ واحدٍ، لبيكَ اللهمَّ لبَّيْك، لبيكَ لا شريكَ لك لبيك، إنَّ الحمدَ والنعمةَ لك والملك لا شريكَ لك.
معشر الإخوة المؤمنين إنِّ يومَ العاشِرِ من ذي الحِجَّةِ هو عيدُ الأضْحى المُباركُ أعادَهُ اللهُ على المُسْلِمِينَ بالخيْرِ والنصرِ والبَرَكَةِ وفي هذِهِ الصَّبيحةِ المُبارَكَةِ من هذا العيدِ وهُوَ يوْمُ النَّحرِ يَتَوَجَّهُ الحُجّاجُ إلى مِنى لرَمْيِ جَمرةِ العَقَبَةِ كما فَعَلَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وَلَنَا معاشِرَ المؤمِنِينَ في رميِ الجِمارِ حِكْمَةٌ عظيمةٌ ففيهِ يَتَذَكّرُ الحاجُّ كيفَ ظَهَرَ الشّيطانُ لسيِدِنَا إبراهيمَ لِيُوَسْوِسَ له فرماهُ بالحَصَى إهانةً لَهُ ، فَنَحْنُ مَعَاشرَ المؤمنينَ أُمّةُ مُحمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أُمِرْنَا بهذا الرّمْيِ إحياءً لِسُنّةِ نبيِّ اللهِ إبراهيمَ وفي ذلِكَ رمزٌ لمخالَفَةِ الشّيْطانِ وإهانَتِهِ.
أيّها المُسْلِمونَ إن عيدَ الأضحى يحمِلُ بينَ طيَّاتِهِ كثيراً من المعاني السامِيَةِ والأضاحي التي يذبحُهَا المُسْلِمونَ تَقَرُّباً إلى اللهِ سُبْحَانَهُ في يومِ العيدِ تحمِلُ ذكرىً عظيمةً، إنَّهُ يُذَكّرُنا بنبيِ اللهِ إبراهيمَ عِنْدَمَا أُمِرَ بِذَبْحِ ابنِهِ إسماعيلَ، وكيفَ فُدِيَ بِذِبْحٍ عَظيمٍ، فكيْفَ كانَ ذلِكَ وما هِيَ قصّةُ هذِهِ الحادِثَةِ. إنّ نبيّ اللهِ إبراهيمَ كانَ قَدْ ءاتاهُ اللهُ الحُجَّةَ عَلَى قَوْمِهِ وَجَعَلَهُ نبيّاً رسولاً فكانَ عَارِفاً باللهِ يَعبُدُ اللهَ وَحْدَهُ ويَعْتَقِدُ أنّ اللهَ خالِقُ كُلِ شيءٍ وهُوَ الذي يَسْتَحِقُ العِبَادَةَ وَحْدَهُ مِن غيْر شكٍ ولا ريْبٍ وعندَمَا دَعَا قَوْمَهُ إلى عبادَةِ اللهِ وتركِ عِبادةِ الأوثانِ والأصْنامِ والكواكِبِ كَذّبَهُ قَوْمُهُ بَعْدَ أن رأوْا مِنهُ المعجِزاتِ الدّالّةَ على صِدْقِهِ وأرادُوا بِهِ كَيْداً فَنَجّاهُ اللهُ من كَيْدِهِمْ وَهَاجَرَ يَدْعُو إلى دينِ اللهِ الإسلامِ وعِبادَةِ اللهِ الملِكِ الدّيّانِ ثُم طَلَبَ من رَبِهِ أن يَرْزُقَهُ أولاداً صالحينَ فَرَزَقَهُ اللهُ إسماعيلَ وإسحاقَ ولما كَبرَ ابْنُهُ إسماعيلُ وتَرَعْرَعَ كما يُحِبُّ سيّدُنَا إبراهيمُ وصارَ يُرافِقُ أباهُ ويمشي مَعَهُ رأى إبراهيمُ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ في المنامِ أنّهُ يَذْبَحُ ابْنَهُ إسماعيلَ ورؤيا الأنبياءِ وَحْيٌ فَمَا كانَ من إبراهيمَ إلا أن عَزَمَ عَلَى تحقِيقِ هذِهِ الرّؤيا كَمَا أَمَرَهُ اللهُ تعالى، يقولُ أهلُ العلمِ بالسِيَرِ أنّ إبراهيمَ لمّا أرادَ ذَبْحَ وَلَدِهِ قالَ لَهُ: “انْطلِقْ فَنُقَرّبْ قُرباناً إلى اللهِ عزَّ وجلَّ” فَأَخَذَ سِكّيناً وحَبْلاً ثُمّ انطَلَقَ مَعَ ابْنِهِ حتّى إذا ذَهَبَا بَينَ الجبالِ قالَ لَهُ إسماعيلُ: “يا أَبَتِ أينَ قُربانُكَ” فَقَالَ: “يا بُنيَّ إنّي أرى في المنامِ أنّي أذْبَحُكَ” فَقَالَ لَهُ: “أُشْدُدْ رِباطِي حتّى لا أضّطَرِبَ واكْفُفْ عني ثِيابك حتّى لا يَنْتَضِحَ عليْكَ من دَمِي فَتَراهُ أُمّي فَتَحْزَنْ وأَسْرِعْ مرَّ السّكِينِ على حَلْقِي لِيَكُونَ أَهْوَنَ لِلْمَوْتِ عَلَيَّ فإذا أتيتَ أُمّي فاقْرَأْ عَلَيْها السّلام مِنّي. فَأَقْبَلَ
عَلَيْهِ إبراهيمُ يُقَبّلُهُ ويبْكي ويَقُولُ: “نِعْمَ العونُ أنتَ يا بُنيّ على أمرِ اللهِ عزَّ وجلَّ”
ثُمّ إنّهُ أَمَرَّ السّكينَ على حَلْقِهِ فلمْ يحكَّ شيئاً وقيلَ انْقَلَبَتْ فقالَ لَهُ إسماعيلُ: “ما لَكَ؟” قالَ: “انْقَلَبَتْ” قالَ لَهُ وَلَدُهُ: “إطْعَنْ بها طَعْنا”ً فلمّا طَعَنَ بها نَبَتْ ولم تَقْطَعْ شَيْئاً لأنّ اللهَ ما شاءَ ذلِكَ ولأنّ كُلَّ شيءٍ في هذا العالمِ يَحْدُثُ بمشيئةِ اللهِ فلا حَرَكَةَ ولا سُكُونْ ، إلا بمشيئةِ اللهِ تَكُونْ، وعَلِمَ اللهُ بعلمه الأزلي مِنهُمَا الصّدْقَ في التّسْليمِ فَنُودِيَ: “يا إبراهيمُ قدْ صَدّقْتَ الرُؤيا هذا فِدَاءُ ابْنِكَ” فَنَظَرَ إبراهيمُ فإذا جِبْريلُ مَعَهُ كبشٌ أملح عَظِيمٌ.
واعلَموا إخْوَةَ الإيمانِ والإسْلامِ أنّ الأُضْحِيَةَ سُنّةٌ عن رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ فَقَدْ كانَ صلّى اللهُ عليهِ وَسلّمَ يُضَحّي بِكَبشَيْنِ وقالَ {ضَحُّوا وَطيبُوا أَنْفُسَكُم فإنّهُ ما من مُسلِمٍ يَسْتَقْبِلُ بِذبيحَتِهِ القِبلَةَ إلا كانَ دَمُهَا وَفَرثُها وصُوفُهَا حَسَنَاتٍ في مِيزانِهِ يومَ القِيامَةِ} وَيُجزِئُ في الأُضْحِيةِ الجذعَةُ مِنَ الضّأنِ والثّنيةُ مِنَ المَعزِ والإبلِ والبَقَرِ. والجذعُ مِنَ الضّأنِ ( وَهُوَ الخَرُوفُ) ما استَكْمَلَ سَنَةً وأمّا الثنيُ مِنَ المعزِ فهُوَ ما استكْمَلَ سَنَتَيْنِ سَوَاءً كانَ ذكراً أو أُنثى ويَدْخُلُ وقْتُ الأُضْحِيةِ إذا طَلعَتْ شمسُ يومِ العيدِ يومِ النحرِ ومضى بعْدَ طُلُوعِهَا قَدْرَ رَكْعَتَينِ وخُطْبَتَينِ، وَيَخرُجُ وقتُهَا بغروبِ شمسِ اليومِ الثّالِثِ من أيّامِ التّشريقِ، ولا يُجزِئُ في الأضاحي العَوْراءُ البيّنُ عَوَرُهَا والمريضَةُ البيّنُ مَرَضُهَا والعَرْجاءُ التي تَعْجَزُ عنِ المشْيِ في المرْعى ، وأفضَلُها أحسَنُهَا وأسْمَنُهَا وأطْيَبُهَا ، ويُسْتَحَبُّ أن يُوَجّهَ الذّبيحَةَ إلى القِبلَةِ وأنْ يُسَمّيَ اللهَ تَعَالى وَيُكَبّرَ ويقولَ: {اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنّي} وإذا ضَحّى المُسلِمُ يُستَحَبُّ إن كانَ مُتَطَوّعاً أن يأكُلَ الثّلثَ ويهْدِيَ الثّلثَ وَيَتَصَدّقَ بالثّلثِ ، ولا يَجُوزُ بَيعُ شيءٍ من الأُضْحِيَةِ سَوَاءً كَانَتْ نَذْراً أو تَطَوّعاً ، ولا يَجُوزُ جَعْلُ الجِلْدِ وغَيْرِهِ أُجْرَةً للجزّارِ بلْ يَتَصَدّقُ بِهِ المُضَحّي أو يَتّخِذُ منهُ ما يُنْتَفَعُ بِهِ ، والأفْضَلُ أنْ يُضَحّي المسلِمُ في دارِهِ بمشْهَدٍ من أهْلِهِ ، وإذا دَفَعَ الأُضْحِيَةَ كُلَّهَا للفُقَرَاءِ كانَ جَائِزاً وأمّا أنْ يَأْكُلَهَا كُلَّهَا معْ أهْلِهِ الذينَ يَلْزَمُهُ نَفَقَتَهُمْ فإنّهُ لا يجوزُ. تَقَبّلَ اللهُ منّا صالحَ الطّاعاتِ وَجَمَعَنَا وإياكُمُ العامَ القَادِمَ على عَرَفَات وَرَزَقَنَا زِيارَةَ قَبْرِ حَبيبِهِ مُحمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وَسلّمَ وَثَبّتَنَا على كامِلِ الإيمانِ .