عاشوراء عبر التاريخ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأشرف محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد.

اعلم أخي المسلم أن من أفضل أيام السنة الهجرية المباركة يوم عاشوراء، وهو العاشر من شهر محرم الذي وقعت فيه حوادث فاصلة، ففي هذا اليوم المبارك نجى الله تبارك وتعالى نبيه موسى عليه السلام ومن اتبعه من المؤمنين من الغرق، وأغرق فرعون وقومه الكافرين، وفي هذا اليوم تاب الله عزّ وجلّ على نبيه ءادم عليه السلام من المعصية التي ارتكبها بأكله من الشجرة التي نهى عن الأكل منها وهي معصية صغيرة ليس فيها خسّة ولا دناءة وليست كفرًا ولا معصية كبيرة، وفي هذا اليوم أيضًا نجى الله تبارك وتعالى سفينة نوح عليه السلام فاستوت واستقرّت على جبل الجوديّ في العراق بعد أن مكثت حوالي مائة وخمسين يومًا على الماء، وكان فيها نبيّ الله نوح عليه السلام ومن معه من المؤمنين الذين اتبعوه.

قصة نجاة موسى ومن معه وإغراق فرعون وقومه:

كان الله سبحانه وتعالى قد أرسل موسى وأخاه هارون عليهما السلام ليدعوا فرعون وقومه إلى دين الإسلام وعبادة الله وحده، وكان فرعون جبّارًا طاغيًا ادّعى الألوهيّة وقال لأهل مصر: أنا ربّكم الأعلى، فلمّا قابلاه دعياه إلى دين الإسلام وأمراه بعبادة الله تعالى وحده، فأبى وعاند وأظهر جبروته، ثم ءال الأمر إلى أن خرج موسى عليه السلام بمن ءامن معه واتبعه من بني إسرائيل من مصر بأمر من الله عزّ وجلّ، فلحقهم فرعون الطاغية في جيش كبير ليبيدهم، وكانت عدة جنوده ألف ألف وستمائة ألف من المقاتلين مجهّزين بخيلهم وسلاحهم، وكان مع موسى عليه السلام من المؤمنين ستمائة ألف، وكان هذا اللحاق عند شروق الشمس، فلما تراءى الجمعان وعاين كل من الفريقين الآخر وتحققه ورأى قوم موسى عليه السلام فرعون في جنوده وجيوشه وعدته دخلهم الفزع والخوف والهلع وقالوا لنبيّهم موسى عليه السلام إنا لمدركون، ولكن موسى تكلم معهم بكلام يهدىء بَالَهُمْ ويزيل الاضطراب من نفوسهم.

ولمّا وصلوا إلى البحر وكان يتلاطم بأمواجه الهائلة أوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى أن يضرب بعصاه البحر، فلمّا ضربه انفلق بإذن الله ومشيئته اثني عشر فرقًا، وكان كل فرق كالجبل العظيم، وكان بين كل فرقين طريق يبس، وهكذا اجتاز موسى عليه السلام ومن كان معه من المؤمنين البحر، وجاء فرعون اللعين بعتاده وعدده فوجد البحر على تلك الحال فقال مغرورًا بقوته وجبروته لنلحقهم ولندركهم، فلمّا دخلوا البحر أمر الله عزّ وجلّ البحر أن يلتطم عليهم، فالتطمت عليهم هذه الأمواج القائمة والهائلة فهلك هو وجنوده غرقًا في البحر جزاء وفاقًا على كفرهم وجبروتهم، فقال بعض أتباعه إنه اختفى ولم يمت، فأظهر الله تعالى جسده فوُجد ميتًا منتفخًا.

قال الله تعالى: ﴿فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ فَلَمَّا تَرَاءَ الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.

فضل صيام يوم عاشوراء:

لقد حض النبي الأعظم أمّته على صيام العاشر من محرّم لما له من فضل عند الله تعالى، وصيام عاشوراء سنّة عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال عندما سئل عن صوم عاشوراء: “يكفّر السنة الماضية”. رواه مسلم

وقد اتفق العلماء الأجلاء على أنّ صيام يوم عاشوراء سنّة مستحبّة، وثبت عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنه قال: “قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسُئِلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون فنحن نصومه تعظيمًا له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نحن أولى بموسى منكم، وأمر بصومه”. رواه مسلم

صيام يوم عاشوراء ليس فرضًا واجبًا كما قال العلماء لما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في يوم عاشوراء: “إن هذا اليوم يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطر”. رواه البخاري ومسلم

ويسن أيضًا صيام يوم تاسوعاء وهو التاسع من شهر محرّم لقوله عليه الصلاة والسلام: “لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع” رواه مسلم، ولكنه عليه الصلاة والسلام توفّاه الله عزّ وجلّ قبل ذلك. ولقد قال بعض العلماء الأجلاء إن الحكمة من صوم يوم تاسوعاء مع عاشوراء الاحتياط له لاحتمال الغلط في أول الشهر، ولمخالفة اليهود فإنهم يصومون العاشر من محرّم فقط، والحكمة أيضًا الاحتراز من إفراده بالصوم كما في يوم الجمعة فإن لم يصم معه تاسوعاء سُنّ أن يصوم معه الحادي عشر.

غزوة ذات الرقاع:

وفي العاشر من شهر محرّم من السنة الرابعة للهجرة حصلت غزوة ذات الرقاع فلم تقع حرب وقتال لأن الله تعالى قذف الرعب في قلوب قبائل المشركين وكانوا جموعًا كثيرة فتفرّقوا بعيدًا عن المسلمين وهربوا تاركين وراءهم نساءهم وكفى اللهُ عزّ وجلّ نبيَّه ومن معه من الصحابة شرّ هذه الجموع الكافرة.

استشهاد الإمام الحسين بن علي:

في اليوم العاشر من محرّم سنة إحدى وستين من الهجرة جرت حادثة مروعة مفجعة، ألَمَّت المسلمين وأفجعتهم، قُتِلَ أبو عبد الله الحسينُ بنُ عليٍّ رضي الله عنه حفيدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابنُ ابنتِهِ فاطمةَ الزهراءِ رضي الله عنهما، على أيدي فئة ظالمة، ومما ورد في فضله مع أخيه الحسن رضي الله عنهما قوله عليه الصلاة والسلام: “الحسنُ والحسينُ سيِّدَا شبابِ أهلِ الْجَنَّةِ” وقوله عليه الصلاة والسلام: “هذانِ ابْنَايَ فَمَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي”.

شاهد أيضاً

نبي الله ءادم عليه الصلاة والسلام

قال الله تعالى :{ إِنَّ اللهَ اصْطَفَى ءادَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرَاهِيمَ وَءالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} …