يقولُ الله تعالى في القرءانِ الكريمِ يمدحُ أمةَ نبيِّه محمدٍ عليه الصلاة والسلام: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ [سورة ءال عمران].
أيها الأحبةُ الكرامُ: مفتاحُ الجنةِ الإيمانُ باللهِ ورسولِهِ، وكمالُ الإيمانِ يكونُ بأداءِ الواجباتِ واجتنابِ المحرماتِ، ومن شغله الفرضُ عن النفلِ فهو معذورٌ ومن شغله النفلُ عن الفرضِ فهو مغرورٌ فلا بد لكلِّ ذِي لُبٍّ من أن يهتدِي إلى جواهرِ الأمورِ، وأن يعرفَ الفرضَ ليؤدِّيه بتمامِه ويقدمَه علَى المندوبِ ويعرفَ المندوبَ ليؤديَه في حينِه بعدَ أن يكونَ سبقَ له أن أدَّى الواجباتِ واجتنب المحرماتِ. والواجباتُ واجبات علمية وعملية، ومن الواجباتِ العمليةِ ما يتعلقُ بالفردِ ومنها ما يتعلقُ ببناءِ الأسرةِ ومنهَا ما يتعلقُ برعايةِ الأسرةِ ومنهَا ما يتعلقُ برعايةِ المجتمعِ ومنهَا ما يتعلقُ برعايةِ الوطنِ وبنائِه وتحصينِه. فأمَّا على الصعيدِ الفردي فقدْ فرضَ اللهُ على كلِّ مسلمٍ مكلفٍ الصلواتِ الخمس وصيامَ رمضان وغيرَها من الواجباتِ التي هي حقوقُ اللهِ.
وأما بِناء الأسرةِ فلا بدَّ لك من أن ترعى شئونَ زوجتِك، ولا بد لك من أن ترعى شئون أولادِك، أما الديوث فهو الذي يرى الزنا في أهلِه ويسكتُ عن هذَا بلا عذر، وكذلكَ هناكَ الأبُ المهمِلُ الذي يرى أولادَه ضائعين تائهين. ولا يُشترط أن يكون الضياعُ والتيهُ في الشارِع والأزقةِ بلْ قد يكونُ الأولادُ في الجامعاتِ ضائعين، وفي المدارسِ تائهين ويلبسونَ الثيابَ الفاخرةَ ويأكلون الطعامَ اللذيذَ الفاخرَ ولكنهم في حكمِ الدينِ يكونون تائهين ضائعين، وذلك لأنَّ بناءَ الأسرةِ بالبناءِ الديني السليمِ أهمُّ من أثاثِ المنزلِ والمفروشاتِ، وأهمُّ من اللباسِ والطعامِ والشرابِ، وأهمُّ من الرحلاتِ والنزهاتِ. إن بناءَ الأسرةِ مقدِّمةٌ لبناء المجتمعِ، وصلاح الفرد يؤثر في صلاحِ الأسرةِ، وصلاح الأسرة يؤثر في صلاحِ المجتمعِ، وصلاح المجتمع يؤثر في بناءِ الاوطانِ، فإن أنت أهملتَ زوجتك وأولادَك وَفَعَلَ مِثلَ ذلك غيرُك من الناسِ بشكلٍ واسعٍ انعكسَ هذا على المجتمعِ.
إن بناءَ المجتمعِ هو نتيجةُ صلاحِ الفردِ، نتيجةُ الاشتغالِ بالأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ، وعلى صعيدِ الأسرةِ هو نتيجةُ مشاركةِ كلِّ فردٍ بما يُثمر في مجتمعِهِ. فالفردُ ينبغي أن يكونَ عاملَ بناءٍ وخير لا أن يكون عالةً على غيرِه ولا أن يكونَ سبباً لهدمِ الأسرةِ وتفكيكِ المجتمعِ، ولهذا حالات متعددة منها حالةُ الغني المبذِّر، وحالةُ حامل الشهادة الذي همه الرياءُ والسمعةُ، وخطيب المنبر الذي يدعو الى الفسادِ والفتنةِ، والواعظُ باسمِ التدريسِ الديني الذي ينشرُ الفسادَ وينشرُ كثيراً من الأمورِ التي ديننا مِنها براء. وكذلك حينما يكونُ الأبُ منشغلَ البالِ متعلقَ القلبِ بمجرد تمضية وقته في التسليةِ والقيامِ بالرحلاتِ ومشاهدةِ أفلامِ الفيديو دون أن يكترثَ ويهتمَّ بأمورِ أولادِه الذكورِ والإناثِ، ويتابعَ أخبارَهُم ويراقبَ تصرفاتهم ويطَّلعَ على طبيعة العلاقاتِ والصداقاتِ القائمة بينهم وبين غيرِهم. فإن الصاحبَ ساحبٌ في الغالبِ، وكثيراً ما ينجر الشخصُ بسببِ أصدقائِه ورفاقِه في الجامعةِ والمدرسةِ والعملِ والشارعِ إِلى المفاسدِ ثم يُفَاجَأُ بعد ذلك أهله بما تورّطَ فيهِ ابنهم أو ابنتهم من مفاسد ورذائل. إذن صلاحُ الفردِ يؤثّر على صلاحِ الأسرةِ، وصلاحُ الأسرةِ يؤثّرعلَى صلاحِ وحالةِ المجتمعِ. وما يمرُّ على مسامِعِنَا عنْ أوضاعِ المسلمينَ وتردي أوضاع الكثيرين منهم بسببِ الإهمالِ والجهلِ والانشغالِ بالدنيَا وجمعِ المالِ. مما يجعلنَا نسأل عن الأسبابِ التي توصلُ إلى مثلِ هذه النتائج. الجوابُ معروفٌ، إِنه عدم المبالاةِ بتعلمِ الشرعِ، الآباءُ لا يتعلمونَ ولا يعلمونَ أبناءَهم فيسهل عليهم الانجرافُ في تياراتِ الرذائلِ والانحرافِ وما أكثرَها في هذا الزمانِ. اللهمَّ استُر علينا وعلَى ذرياتنَا في الدنيَا والآخرة.
