المقدمة
الحَمدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ العِلمَ لِلعُلَمَاءِ نَسَبًا، وَأَغنَاهُم بِهِ وَإِن عَدِمُوا مَالًا وَسَبَبًا، وَلِطَلَبِهِ قَامَ الكَلِيمُ وَيُوشَعُ وَانتَصَبَا، فَسَارَا إِلَى أَن لَقِيَا مِن سَفَرِهِمَا نَصَبًا، أَحمَدُهُ حَمدًا يَدُومُ مَا هَبَّت جَنُوبٌ وَصَبَا، وَأُصَلِّي عَلَى رَسُولِهِ أَشرَفِ الخَلَائِقِ عَجَمًا وَعَرَبًا، وَعَلَى أَبِي بَكرٍ الَّذِي أَنفَقَ المَالَ وَمَا قَلَّلَ حَتَّى تَخَلَّلَ بِالعَبَا، وَعَلَى عُمَرَ الَّذِي مِن هَيبَتِهِ وَلَّى الشَّيطَانُ هَرَبَا، وَعَلَى عُثمَانَ الَّذِي لَمَّا جَاءَتهُ الشَّهَادَةُ مَا اهتَزَّ وَقَالَ مَرحَبًا، وَعَلَى عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ الَّذِي مَا فُلَّ سَيفُ شَجَاعَتِهِ قَطُّ وَلَا نَبَا، وَعَلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ المُجتَهِدِينَ النُّجَبَا، أَمَّا بَعدُ:
الشرح
ونكمل فِي شَرحِنَا لِكِتَابِ العِلمِ مِن صَحِيحِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ إِلَى قَولِهِ:
باب من رفع صوته بالعلم
(أَحيَانًا أَثنَاءَ التَّدرِيسِ يَرفَعُ العَالِمُ أَوِ المُدَرِّسُ صَوتَهُ، هَل هَذَا مِنَ الأَدَبِ؟ نَعَم، إِذَا كَانَ فِي مَحَلِّهِ، وَهَذَا المَذكُورُ فِي هَذَا البَابِ وَجهٌ لِإِيصَالِ العِلمِ لِلنَّاسِ عِندَ الحَاجَةِ إِلَيهِ، وَهُوَ مِن بَابِ طُرُقِ التَّعلِيمِ الَّتِي يُرشِدُنَا إِلَيهَا النَّبِيُّ ﷺ)
٢ – حَدَّثَنَا أَبُو النُّعمَانِ عَارِمُ بنُ الفَضلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَن أَبِي بِشرٍ، عَن يُوسُفَ بنِ مَاهَكَ، عَن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا
(أَي: تَأَخَّرَ خَلفَنَا)
النَّبِيُّ ﷺ فِي سَفرَةٍ سَافَرنَاهَا،
(هَذِهِ السَّفرَةُ قَد جَاءَت مُبَيَّنَةً فِي بَعضِ طُرُقِ رِوَايَاتِ مُسلِمٍ: رَجَعنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِن مَكَّةَ إِلَى المَدِينَةِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي الطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَومٌ عِندَ العَصرِ فَتَوَضَّئُوا وَهُم على عجل فَانتَهَينَا إِلَيهِم وَأَعقَابُهُم تَلُوحُ لَم يَمَسَّهَا المَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “وَيلٌ لِلأَعقَابِ مِنَ النَّارِ، أَسبِغُوا الوُضُوءَ“)
فَأَدرَكَنَا
(أَي: لَحِقَ بِنَا)
وَقَد أَرهَقَتنَا الصَّلَاةُ
(قَالَ ابنُ حَجَرٍ: وَمَعنَى الإِرهَاقِ الإِدرَاكُ ، قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: كَأَنَّ الصَّحَابَةَ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الوَقتِ طَمَعًا أَن يَلحَقَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ فَيُصَلُّوا مَعَهُ، فَلَمَّا ضَاقَ الوَقتُ بَادَرُوا إِلَى الوُضُوءِ وَلِعَجَلَتِهِم لَم يُسبِغُوهُ، فَأَدرَكَهُم عَلَى ذَلِكَ فَأَنكَرَ عَلَيهِم)
وَنَحنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلنَا نَمسَحُ عَلَى أَرجُلِنَا،
(لِأَنَّنَا مُستَعجِلُونَ وَخِفنَا أَن تَفُوتَنَا الصَّلَاةُ، تَوَضَّأنَا بِسُرعَةٍ فَوَصَلنَا لِأَرجُلِنَا، قَالَ فَجَعَلنَا نَمسَحُ عَلَى أَرجُلِنَا قَالَ ابنُ حَجَرٍ: انتَزَعَ مِنهُ البُخَارِيُّ أَنَّ الإِنكَارَ عَلَيهِم كَانَ بِسَبَبِ المَسحِ لَا بِسَبَبِ الِاقتِصَارِ عَلَى غَسلِ بَعضِ الرِّجلِ)
فَنَادَى بِأَعلَى صَوتِهِ:
(أَيِ النَّبِيُّ ﷺ لِيُعَلِّمَهُم وَلِيُسمِعَ جَمِيعَهُم)
وَيلٌ
(وَيلٌ: الهَلَاكُ الشَّدِيدُ)
لِلأَعقَابِ
(وَالعَقِبُ مُؤَخَّرُ القَدَمِ، قَالَ البَغَوِيُّ: مَعنَاهُ وَيلٌ لِأَصحَابِ الأَعقَابِ المُقَصِّرِينَ فِي غَسلِهَا، وَقِيلَ: أَرَادَ أَنَّ العَقِبَ مُختَصٌّ بِالعِقَابِ إِذَا قُصِّرَ فِي غَسلِهِ، فَالَّذِي لَا يُوصِلُ المَاءَ فِي الوُضُوءِ إِلَى العَقِبِ استِعجَالًا يَجِبُ عَلَيهِ أَن يَغسِلَ العَقِبَ وَلَا يَصِحُّ وُضُوؤُهُ بِدُونِهِ)
مِنَ النَّارِ“، مَرَّتَينِ أَو ثَلَاثًا.
(وَاستَدَلَّ البخاري عَلَى جَوَازِ رَفعِ الصَّوتِ بِالعِلمِ بِقَولِهِ: فَنَادَى بِأَعلَى صَوتِهِ، وَإِنَّمَا يَتِمُّ الِاستِدلَالُ بِذَلِكَ حَيثُ تَدعُو الحَاجَةُ إِلَيهِ لِبُعدٍ أَو كَثرَةِ جَمعٍ أَو غَيرِ ذَلِكَ، وَيَلحَقُ بِذَلِكَ مَا إِذَا كَانَ فِي مَوعِظَةٍ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا خَطَبَ وَذَكَرَ السَّاعَةَ اشتَدَّ غَضَبُهُ وَعَلَا صَوتُهُ، الحَدِيثَ، أَخرَجَهُ مُسلِمٌ.
باب قول المحدث حدثنا أو أخبرنا وأنبأنا
(إِذَا تَتَبَّعتَ طُرُقَ المُحَدِّثِينَ فِي التَّحدِيثِ بِالإِسنَادِ، تَسمَعُ مِنهُم يَقُولُونَ أَخبَرَنَا، وَتَسمَعُ مِنهُم يَقُولُونَ أَنبَأَنَا، تَسمَعُ مِنهُم يَقُولُونَ سَمِعتُ أَو سَمِعنَا، عِبَارَاتٌ يَستَعمِلُهَا أَهلُ الحَدِيثِ سَوَاءٌ كُنَّا نَقرَأُ فِي كُتُبِ الحَدِيثِ أَو كُنَّا جَالِسِينَ مَعَ المَشَايِخِ، نَسمَعُهُم يَستَعمِلُونَ هَذِهِ العِبَارَاتِ، أَخبَرَنَا حَدَّثَنَا أَنبَأَنَا، هَل هَذِهِ العِبَارَاتُ لَهَا نَفسُ المَعنَى؟ أَم لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَعنًى يَختَلفُ عَنِ الآخَرِ؟، لِمَاذَا يَقُولُ حَدَّثَنَا وَمَا قَالَ أَخبَرَنَا، لِمَاذَا يَقُولُ أَنبَأَنَا وَمَا قَالَ سَمِعتُ، هُنَا البُخَارِيُّ يَشرَحُ وَيَقُولُ: بَابُ قَولِ المُحَدِّثِ، وَالمُحَدِّثُ يَعنِي الَّذِي يُحَدِّثُ غَيرَهُ، حَدَّثَنَا أَو أَخبَرَنَا وَأَنبَأَنَا، هُنَا نَفهَمُ مِن كَلَامِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهَا فِي رَأيِهِ وَقَولِهِ كُلُّهَا بِنَفسِ المَعنَى، وَبَعضُ العُلَمَاءِ مِثلُ البُخَارِيِّ، وَالقِسمُ الآخَرُ مِنَ العُلَمَاءِ وَهُمُ الأَكثَرُ قَالُوا بِينَهَا فَرقٌ، إِذَا سَمِعتَ عَالِمًا يَقُولُ حَدَّثَنَا لَهَا مَعنًى غَيرُ مَعنَى أَخبَرَنَا وَغَيرُ مَعنَى أَنبَأَنَا، إِذَا سَمِعتَ الشَّيخَ المُحَدِّثَ يَروِي الحَدِيثَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “أَفضَلُ الأَعمَالِ إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ”، أَقُولُ حَدَّثَنَا شَيخُنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: “أَفضَلُ الأَعمَالِ إِيمَانٌ لَا شَكَّ فِيهِ”، فِي بَعضِ الأَحَادِيثِ أَفضَلُ الأَعمَالِ إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ هُنَا يَقُولُ حَدَّثَنَا، أَمَّا إِذَا أَنَا مَا سَمِعتُ الشَّيخَ يَتَكَلَّمُ بَل أَنَا سَمِعتُ الشَّيخَ نِزَارًا يَقرَأُ عَلَى الشَّيخِ سَمِعتُهُ يَقُولُ لِلشَّيخِ: مَولَانَا الحَدِيثُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: “أَفضَلُ الأَعمَالِ إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ”، أَنَا الَّذِي أَسمَعُهُ قِرَاءَةُ الشَّيخِ نِزَارٍ عَلَى الشَّيخِ فَهُنَا أَقُولُ أَخبَرَنَا الشَّيخُ بِقِرَاءَةِ الشَّيخِ نِزَارٍ، أَو أَنَا أَقرَأُ عَلَى الشَّيخِ: قَالَ رَسُولُ اللهِ كَذَا كَذَا ثُمَّ أَنَا أَحبَبتُ أَن أَروِيَ لَكُم مَا سَمِعتُهُ أَقُولُ أَخبَرَنَا شَيخُنَا بِالقِرَاءَةِ عَلَيهِ، أَستَعمِلُ حَدَّثَنَا إِذَا سَمِعتُهُ مِنَ الشَّيخِ، وَأَستَعمِلُ أَخبَرَنَا إِذَا أَنَا أَو غَيرِي قَرَأَ عَلَى الشَّيخِ، فَلَمَّا نَروِي نَقُولُ أَخبَرَنَا، وَمَتَى نَقُولُ أَنبَأَنَا؟ إِذَا لَم أَسمَع مِنَ الشَّيخِ مُبَاشَرَةً وَلَم أَسمَعَ وَاحِدًا قَرَأَ عَلَيهِ إِنَّمَا الشَّيخُ أَجَازَنِي بِكِتَابٍ مَوثُوقٍ مَضبُوطٍ، قَالَ هَذَا كِتَابِي أَنَا أَلَّفتُهُ أَو فِيهِ رِوَايَتِي أَجَزتُكَ بِهِ، فَلَا أَقُولُ حَدَّثَنَا شَيخُنَا؟ بَل أَقُولُ أَنبَأَنَا شَيخُنَا، فَإِذَا سَمِعنَا المُحَدِّثِينَ يَستَعمِلُونَ هَذِهِ الكَلِمَةَ حَدَّثَنَا أَخبَرَنَا أَنبَأَنَا فِيمَا يَرَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا بِمَعنًى وَاحِدٍ مَا عِندَهُ فَرقٌ بَينَهَا، أَمَّا الآخَرُونَ مِنَ العُلَمَاءِ عِندَهُم فَرقٌ بَينَهَا.
وَقَالَ لَنَا الحُمَيدِيُّ:
(الحُمِيدِيُّ هُوَ أَحَدُ شُيُوخِ البُخَارِيِّ الَّذِينَ رَوَى عَنهُم فِي الصَّحِيحِ وَغَيرِهِ، وَهُوَ عَبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ بنِ عِيسَى بنِ عُبَيدِ اللهِ أَبُو بَكرٍ الأَسَدِيُّ الحُمَيدِيُّ المَكَّيُّ، رَوَى عَنِ ابنِ عُيَينَةَ، وَإِبرَاهِيمَ بنِ سَعدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِدرِيسَ الشَّافِعِيِّ وَغَيرِهِم، وَرَوَى عَنهُ البُخَارِيُّ، وَمُسلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابنُ مَاجَه، وَغَيرُهُم.
قَالَ أَحمَدُ: الحُمَيدِيُّ عِندَنَا إِمَامٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ أَثبَتُ النَّاسِ فِي ابنِ عُيَينَةَ، وَهُوَ رَئِيسُ أَصحَابِهِ، وَهُوَ ثِقَةٌ إِمَامٌ، وَقَالَ ابنُ سَعدٍ: مَاتَ بِمَكَّةَ سَنَةَ تِسعَ عَشرَةَ وَمِائَتَينِ، وَكَانَ ثِقَةً، كَثِيرَ الحَدِيثِ، وَقَالَ ابنُ عَدِيٍّ: ذَهَبَ مَعَ الشَّافِعِيِّ إِلَى مِصرَ، وَكَانَ مِن خِيَارِ النَّاسِ، وَقَالَ الحَاكِمُ: ثِقَةٌ مَأمُونٌ، وَالبُخَارِيُّ إِذَا وَجَدَ الحَدِيثَ عَنهُ لَا يُخَرِّجُهُ إِلَى غَيرِهِ مِنَ الثِّقَةِ بِهِ، رَوَى عَنهُ البُخَارِيُّ خَمسَةً وَسَبعِينَ حَدِيثًا.اهـ)
كَانَ عِندَ ابنِ عُيَينَةَ:
(أَبُو مُحَمَّدٍ الهِلَالِيُّ سُفيَانُ، وَعُيَينَةُ أَبُوهُ، وُلِدَ بِالكُوفَةِ وَلَهُ تِسعَةُ إِخوَةٍ وَكَانَ لَهُ فِي العِلمِ قَدرٌ كَبِيرٌ أَدرَكَ ثَلَاثِينَ وَنَيِّفًا مِنَ التَّابِعِينَ، سَمِعَ مِنِ ابنِ شِهَابٍ الزُّهرِيِّ وَعَمرِو بنِ دِينَارٍ وَأَبِي إِسحَاقَ السَّبِيْعِيِّ وَأَبِي الزِّنَادِ وَأَيُّوبَ السِّختِيَانِيِّ، وَرَوَى عَنهُ الأَعمَشُ وَالثَّورِيُّ وَشُعبَةُ وَابنُ المُبَارَكِ وَوَكِيعٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحمَدُ وَابنُ مَعِينٍ وَهُوَ أَتقَنُ أَصحَابِ الزُّهرِيِّ، قِيلَ فِيهِ وَبِمَالِكٍ لَولَاهُمَا لَذَهَبَ عِلمُ الحِجَازِ، مَاتَ سَنَةَ 198ﻫ)
حَدَّثَنَا وَأَخبَرَنَا وَأَنبَأَنَا وَسَمِعتُ وَاحِدًا،
(الإِمَامُ البُخَارِيُّ يَقُولُ هَكَذَا مَشَايِخِي عَلَّمُونِي الحُمَيدِيُّ مِن مَشَايِخِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ مِنَ المَشَاهِيرِ يَقُولُ الحُمَيدِيُّ نَحنُ كُنَّا عِندَ ابنِ عُيَينَةَ وَهُوَ سُفيَانُ بنُ عُيَينَةَ أَحَدُ العُلَمَاءِ الكِبَارِ يَقُولُ حَدَّثَنَا وَأَخبَرَنَا وَأَنبَأَنَا وَسَمِعتُ قَالَ وَاحِدًا، قَالَ هَؤُلَاءِ الأَربَعُ الكَلِمَاتُ مِثلُ بَعضِهَا، هَذَا رَأيُ البُخَارِيِّ وَالحُمَيدِيِّ وَابنُ عُيَينَةَ
وَقَالَ ابنُ مَسعُودٍ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ،
(مِن قُوَّةِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ وَقُوَّةِ حَافِظَتِهِ يَأتِي بِالدَّلِيلِ عَلَى كَلَامِهِ مِن كَلَامِ الصَّحَابَةِ أَنفُسِهِم، بَعضُ الصَّحَابَةِ استَعمَلَ الأَلفَاظَ كُلَّهَا بِمَعنًى وَاحِدٍ، ابنُ مَسعُودٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الكِرَامِ، عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ لَمَّا كَانَ يَروِي كَانَ يَقُولُ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصدُوقُﷺ، الصَّادِقُ فِي قَولِهِ وَفِعلِهِ وَحَالِهِ ﷺ المَصدُوقُ فِيمَا يَأتِيهِ مِنَ الوَحيِ الكَرِيمِ فَمَا يَأتِيهِ إِلَّا الصِّدقُ،
هُنَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنِ ابنِ مَسعُودٍ دُونَ أَن يَذكُرَ السَّنَدَ، وَمِثلُ هَذَا يُسَمِّيهِ العُلَمَاءُ الحَدِيثَ المُعَلَّقَ، قَالَ ابنُ حَجَرٍ فِي تَغلِيقِ التَّعلِيقِ: هَذَا أَوَّلُ الحَدِيثِ المَشهُورِ المُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ مِن حَدِيثِ ابنِ مَسعُودٍ فِي خَلقِ الوَلَدِ وَجَمعِ خَلقِهِ، وَهُوَ السَّيفُ المَسلُولُ عَلَى مُنكِرِي القَدَرِ، وَرُوِيَ فِي البُخَارِيِّ مُتَّصِلًا بِسَنَدِهِ فِي كِتَابِ القَدَرِ لِأَنَّ فِيهِ إِثبَاتَ تَقدِيرِ اللهِ لِكُلِّ شَيءٍ، وَنَصُّهُ هُنَاكَ: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا أَبُو الأَحوَصِ عَن الأَعمَشِ عَن زَيدِ بنِ وَهبٍ قَالَ عَبدُ اللهِ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ وَهُوَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ قَالَ: “إِنَّ أَحَدَكُم يُجمَعُ خَلقُهُ فِي بَطنِ أُمِّهِ أَربَعِينَ يَومًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضغَةً مِثلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبعَثُ اللهُ مَلَكًا فَيُؤمَرُ بِأَربَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ اكتُب عَمَلَهُ وَرِزقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَو سَعِيدٌ ثُمَّ يُنفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنكُم لَيَعمَلُ بعمل اهل الجنة حَتَّى مَا يَكُونُ بَينَهُ وَبَينَ الجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسبِقُ عَلَيهِ كِتَابُهُ فَيَعمَلُ بِعَمَلِ أَهلِ النَّارِ، وَيَعمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَينَهُ وَبَينَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ فَيَعمَلُ بِعَمَلِ أَهلِ الجَنَّةِ“).
وَقَالَ شَقِيقٌ
(مَعرُوفٌ، وَهُوَمِن رُوَاةِ ابنِ مَسعُودٍ،هو شَقِيقُ بنُ سَلَمَةَ الأَسَدِيُّ أَبُو وَائِلٍ الكُوفِيُّ مِن كِبَارِ التَّابِعِينَ، رَوَى عَن: أَبِي بَكرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثمَانَ، وَعَلِيٍّ وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَعَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ، وَقَالَ إِسحَاقُ بنُ مَنصُورٍ عَنِ ابنِ مَعِينٍ: ثِقَةٌ، لَا يُسأَلُ عَن مِثلِهِ، وَقَالَ وَكِيعٌ: كَانَ ثِقَةً، قَالَ خَلِيفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: مَاتَ بَعدَ وَقعَةِ الجَمَاجِمِ سَنَةَ 82، وَقِيلَ: مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بنِ عَبدِ العَزِيزِ.اهـ)
عَن عَبدِ اللهِ:
(أَي عَن عَبدِ اللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ، وَالعَبَادِلَةُ فِي الصَّحَابَةِ أَكثَرُ مِن وَاحِدٍ: عَبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ عَبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ لَكِن إِذَا أُطلِقَ لَفظُ عَبدِ اللهِ يُرِيدُونَ بِهِ عَبدَ اللهِ بنَ مَسعُودٍ)
سَمِعتُ النَّبِيَّ ﷺ كَلِمَةً،
(قَالَ عَبدُ اللهِ بنُ مَسعُودٍ سَمِعتُ وَقَبلَهَا قَالَ حَدَّثَنَا وَسَمِعتُ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الجَنَائِزِ مُتَّصِلًا حَيثُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ إِسمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبدُ الوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَعمَشُ، عَن شَقِيقٍ، عَن عَبدِ اللهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ كَلِمَةً وَقُلتُ أُخرَى: “مَن مَاتَ يَجعَلُ للهِ نِدًّا أُدخِلَ النَّارَ“، وَقُلتُ أُخرَى: مَن مَاتَ لَا يَجعَلُ للهِ نِدًّا أُدخِلَ الجَنَّةَ، مَعنَاهُ مَاتَ عَلَى الإِيمَانِ مُجتَنِبًا الكُفرَ بِاللهِ).
وقد قال بعض علماء أهل السنة ولجماعة:
قل للمشبهة الذين تجاوزوا
حجج العقول بكل قول منكر
ياويلكم قستم صفات إلهكم
بصفاتكم هذا قياس الأخسر
أيقاس صانع صنعة بصنيعه
أيقاس كاتب أسطر بالأسطر
من قال إن الله يشبه خلقه
كانت مقالته مقالة مفتري
أو قال إني في التكلم مثله
فهو الكفور بلا محالة فاحذر
لله سمع لا كأسماع الورى
ويد وعين لا كعين المحجر
وكذا كلام الله ليس كلفظنا
فافهم مقالي في الصفات وفكر
فعن سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رضيَ اللهُ عنه قالَ: «سيرجعُ قومٌ مِنْ هذه الأُمَّةِ عندَ اقترابِ السَّاعَةِ كُفَّارًا، قالَ رَجُلٌ: يا أميرَ المؤمنينَ؛ كُفْرُهُم بماذا؟ أَبِالإِحْدَاثِ أَمْ بِالإِنْكَارِ؟ فَقَالَ: بل بالإنكارِ، يُنْكِرُونَ خَالِقَهُم فَيَصِفُونَهُ بالجسمِ والأعضاءِ». ابن المُعَلِّم القرشي، نجم المهتدي ورجم المعتدي، دار التقوى، ط1، 1441هـ/2019ر، (2/483).
وعلى ذلكَ دَرَجَ السَّلَفُ الصالحُ بلا خلافٍ، فقد روى اللَّالَكَائِيُّ في «شرح أُصُولِ اعتقادِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ» عن نُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ قالَ: «مَنْ شَبَّهَ الخالقَ بالمخلوقِ فقد كَفَرَ، فليسَ فِيمَا وَصَفَ اللهُ به نفسَهُ ورسولُهُ تَشْبِيهٌ» اهـ ، اللالكائي، شرح أصول اعتقاد أهل السنة، دار طيبة، ط8، 1423هـ/2003ر، (3/587).
ورَوَى أيضًا عن إسحاقَ بنِ راهويه قالَ: «مَنْ وَصَفَ اللهَ فَشَبَّهَ صِفَاتِهِ بصفاتِ أحدٍ مِنْ خَلْقِ اللهِ فهو كافرٌ باللهِ العظيمِ». المصدر السابق، (3/588).
قولُهُ تَعَالَى: ((ليس كمثله شيء)) [سورة الشورى:11]، هيَ أَصْرَحُ آيةٍ في تنزيهِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنِ الشَّبِيهِ والمثيلِ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ جسمٌ فقد كَذَّبَ بها، قَالَ الرَّازِيُّ في تفسيره: «احْتَجَّ عُلَمَاءُ التَّوْحِيدِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا بِهَذِهِ الآيَةِ في نَفْيِ كَوْنِهِ تَعَالَى جِسْمًا مُرَكَّبًا مِنَ الأَعْضَاءِ وَالأَجْزَاءِ وَحَاصِلًا في المكَانِ وَالجِهَةِ، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ جِسْمًا لَكَانَ مِثْلًا لِسَائِرِ الأَجْسَامِ، فَيَلْزَمُ حُصُولُ الأَمْثَالِ وَالأَشْبَاهِ لَهُ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (ليس كمثله شيء)» اهـ . محمد بن عمر بن الحسن، فخر الدين الرازي، خطيب الري، تفسير الرازي، دار إحياء التراث العربي، ط3، 1420هـ، (27/582).
إن ممن حكى الإجماع على تكفير المجسم الإمام الطحاوي حيث قال في عقيدته التي ذكر أنها عقيدة جميع أهل السنة والجماعة فلم يقل إنها عقيدته وحده ولا إنها ما استقر عليه رأي الحنفية فحسب ولا حتى الجمهور بل قال إنها عقيدة أهل السنة والجماعة، ويقول فيها “ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر” ولا نزاع أن المجسم قد وصف الله بالجسم وهو من معاني البشر، والطحاوي توفي في سنة ثلاثمائة وإحدى وعشرين للهجرة، فإذا تحقق أن الإجماع كان منعقدا في ذلك العصر، فمن المعلوم في علم أصول الفقه أن الخلاف العارض بعد الإجماع لا يرفعه لأن الإجماع حجة قطعية فلا يدفعها بعد ثبوتها خلاف حتى ولو كان المخالف من أهل الاجتهاد المطلق ومن ثَمّ حكموا بنقض حكم الحاكم ولو كان مجتهدا إذا وقع في مقابلة الإجماع، وعليه فإن جميع من جئتنا بهم ممن حكوا الخلاف كانوا متأخرين عن الإمام الطحاوي في الزمان، وعليه فخلافهم –لو فرض متحققا على ما زعمتَ- لا يدفع الإجماع الذي سبقه، بل يكون الإجماع السابق حجة عليهم وعليك … على أننا ههنا نقول إنك لم تفهم كلام من نقلت عنهم وهذا سبب وهمك لانتقاض الإجماع.
إذا تبين أن الإجماع قديم من أيام السلف الصالح فإذن الإجماع منعقد وأين في هؤلاء الأوائل من خالف في هذه المسألة؟! ومن المعلوم في أصول الفقه أن الإجماع إذا انعقد على قول لا يجوز إحداث قول ثان كما نص على ذلك الزركشي وغيره.
قوله الاجماع الذي يكفر منكره ما تواتر وكان قطعي مثل الصلوات الخمس.
وَقَالَ حُذَيفَةُ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ حَدِيثَينِ،
(الإِمَامُ أَبُو عَبدِ اللهِ البُخَارِيُّ رَحَمَاتُ اللهِ عَلَيهِ أَورَدَ هَذِهِ التَّعَالِيقَ الثَّلَاثَةَ عَنِ ابنِ مَسعُودٍ وَعَن حُذَيفَةَ، وَالمُعَلَّقُ يَعنِي ذَكَرَهُ مِن غَيرِ إِسنَادٍ، لَكِنَّهُ فِي كِتَابِهِ الصَّحِيحِ أَعَادَ ذِكرَ هَذِهِ الأَشيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَذَكَرَهَا مَوصُولَةً فِي كِتَابِهِ، لَكِن هُوَ مُرَادُهُ مِن هَذِهِ التَّعَالِيقِ أَنَّ الصَّحَابِيَّ قَالَ تَارَةً حَدَّثَنَا وَتَارَةً سَمِعتُ، مُرَادُهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ مَا فَرَّقُوا بَينَ هَذَا اللَّفظِ وَبَينَ هَذَا اللَّفظِ، هَذَا هُوَ مُرَادُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى، عِندَهُم حَدَّثَنَا سَمِعتُ أَخبَرَنَا هَذِهِ كُلُّهَا بِمَعنًى وَاحِدٍ
وَقَالَ أَبُو العَالِيَةِ: عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا يَروِي عَن رَبِّهِ،
هُنَا زِيَادَةُ خَيرٍ وَزِيَادَةُ فَائِدَةٍ بَعدَمَا سَمِعنَا كَلِمَةَ أَخبَرَنَا حَدَّثَنَا أَنبَأَنَا سَمِعتُ، البخاري ذَكَرَ أَحَادِيثَ ابنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيرَةَ أَنَّهُم ذَكَرُوهَا بِلَفظِ عَن عَن عَن، هَذِهِ يُقَالُ لَهَا العَنعَنَةُ، فَمُرَادُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ أَنَّ هَذِهِ العَنعَنَةَ حُكمُهَا الوَصلُ عِندَ ثُبُوتِ اللِّقَاءِ، إِذَا سَمِعنَا الثِّقَةَ يَقُولُ عَن فُلَانٍ وَمَا قَالَ حَدَّثَنَا مَا قَالَ سَمِعتُ مَا قَالَ أَخبَرَنَا قَالَ عَن فُلَانٍ عَنِ الشَّيخِ فُلَانٍ فَهَذِهِ كَلِمَةُ عَن تَأتِي بِأَكثَرَ مِن مَعنًى، مُمكِنٌ أَن يَكُونَ اجتَمَعَ بِهَذَا الشَّيخِ وَأَخَذَ عَنهُ، وَمُمكِنٌ أَن يَكُونَ بَينَهُ وَبَينَهُ وَاسِطَةٌ وَأَكثَرُ، لَكِن مَتَى يُحكَمُ عَلَى هَذِهِ العَنعَنَةِ بِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ، الإِمَامُ أَبُو عَبدِ اللهِ البُخَارِيُّ اختَارَ أَنَّ العَنعَنَةَ حُكمُهَا الوَصلُ عِندَمَا يَثبُتُ عِندَنَا بِأَنَّ فُلَانًا التَقَى بِفُلَانٍ، إِذَا ثَبَتَ اللِّقَاءُ ثُمَّ هَذَا الثِّقَةُ قَالَ عَن فُلَانٍ يَكفِي ذَلِكَ لِنَحكُمُ أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ إِسنَادُهُ مَوصُولٌ، أَمَّا غَيرُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ مِن بَعضِ أَهلِ الحَدِيثِ يَكتَفِي بِأَنَّ العَنعَنَةَ يُحكَمُ عَلَيهَا بِالوَصلِ بِشَرطِ المُعَاصَرَةِ، يَعنِي إِذَا لَم يَثبُت عِندَنَا أَنَّ فُلَانًا التَقَى بِفُلَانٍ لَكِن لِأَنَّهُ ثِقَةٌ وَقَالَ عَن فُلَانٍ وَكَانَا فِي نَفسِ العَصرِ يَكفِي أَن نَحكُمَ مِن بَابِ تَحسِينِ الظَّنِّ أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ إِسنَادُهُ مَوصُولٌ)
(قَالَ البُخَارِيُّ فِي كِتَابِ التَّوحِيدِ: حَدَّثَنَا حَفصُ بنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعبَةُ، عَن قَتَادَةَ وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بنُ زُرَيعٍ، عَن سَعِيدٍ، عَن قَتَادَةَ، عَن أَبِي العَالِيَةِ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا يَروِيهِ عَن رَبِّهِ قَالَ: “لَا يَنبَغِي لِعَبدٍ أَن يَقُولَ إِنَّهُ خَيرٌ مِن يُونُسَ بنِ مَتَّى“، وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ).
وَقَالَ أَنَسٌ: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ يَروِيهِ عَن رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ،
(قَالَ البُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَن يَحيَى، عَنِ التَّيمِيِّ، عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: رُبَّمَا ذَكَرَ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ الله تعالى: “إِذَا تَقَرَّبَ العَبدُ مِنِّي شِبرًا تَقَرَّبتُ مِنهُ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبتُ مِنهُ بَاعًا، أَو بُوعًا“، وَقَالَ مُعتَمِرٌ: سَمِعتُ أَبِي قَالَ: سَمِعتُ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ يَروِيهِ عَن رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ).
وَقَالَ أَبُو هُرَيرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ ﷺ يَروِيهِ عَن رَبِّكُم عَزَّ وَجَلَّ.
(قَالَ البُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعبَةُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ زِيَادٍ قَالَ سَمِعتُ أَبَا هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ يَروِيهِ عَن رَبِّكُم قَالَ: “لِكُلِّ عَمَلٍ كَفَّارَةٌ، وَالصَّومُ لِي وَأَنَا أَجزِي بِهِ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطيَبُ عِندَ اللهِ مِن رِيحِ المِسكِ“)
عِندَ الإِمَامِ البُخَارِيِّ (عَن) بِكِتَابِهِ الصَّحِيحِ تُفِيدُ السَّمَاعَ، فَحَلَّ لَنَا مُشكِلَةً كَبِيرَةً بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، إِذَا قَرَأنَا فِي كِتَابِهِ حَدَّثَنَا فُلَانٌ عَن فُلَانٍ عَن فُلَانٍ خَلَص أَنَا فَهِمتُ عَلَيهِ، البُخَارِيُّ يُرِيدُ فُلَانٌ اجتَمَعَ بِفُلَانٍ وَسَمِعَ مِنهُ، هَذَا عِندَ الإِمَامِ البُخَارِيِّ، لِذَلِكَ هُنَا ذَكَرَ أَنَّهُ حَتَّى الصَّحَابَةُ هَكَذَا يَستَعمِلُونَ، يَقُولُونَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ، لَو مَا قَالَ حَدَّثَنَا النَّبِيُّ، هُوَ رَأَى النَّبِيَّ وَسَمِعَ مِنهُ، فَهُنَا عَن تُفِيدُ السَّمَاعَ، لَكِن لَيسَ فِي كُلِّ كِتَابِ حَدِيثٍ، وَشُرُوطُ البُخَارِيِّ فِي العَنعَنَةِ أَكثَرُ وَأَشَدُّ احتِيَاطًا مِن شُرُوطِ غَيرِهِ.
٣ – حَدَّثَنَا قُتَيبَةُ، حَدَّثَنَا إِسمَاعِيلُ بنُ جَعفَرٍ، عَن عَبدِ اللهِ بنِ دِينَارٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ
(أَي مِن جِنسِهِ)
شَجَرَةً لَا يَسقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ المُسلِمِ،
(قَالَ القَسطَلَّانِيُّ: كَأَنَّهُ قَالَ: حَالُ المُسلِمِ العَجِيبُ الشَّأنِ كَحَالِ النَّخلَةِ أَو صِفَتُهُ الغَرِيبَةُ كَصِفَتِهَا فَالمُسلِمُ هُوَ المُشَبَّهُ وَالنَّخلَةُ هِيَ المُشَبَّهُ بِهَا) (وَوَجهُ الشَّبَهِ بَينَ النَّخلَةِ وَالمُسلِمِ مِن جِهَةِ عَدَمِ سُقُوطِ الوَرَقِ مَا رَوَاهُ الحَارِثُ بنُ أَبِي أُسَامَةَ فِي هَذَا الحَدِيثِ مِن وَجهٍ آخَرَ عَنِ ابنِ عُمَرَ وَلَفظُهُ: قَالَ: كُنَّا عِندَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ذَاتَ يَومٍ فَقَالَ: “إِنَّ مَثَلَ المُؤمِنِ كَمِثلِ شَجَرَةٍ لَا تَسقُطُ لَهَا أُنمُلَةٌ، أَتَدرُونَ مَا هِيَ؟”، قَالُوا: لَا. قَالَ: “هِيَ النَّخلَةُ، لَا تَسقُطُ لَهَا أُنمُلَةٌ، وَلَا تَسقُطُ لِمُؤمِنٍ دَعوَةٌ“، وَفِي رِوَايَةٍ عِندَهُ عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: بَينَا نَحنُ عِندَ النَّبِيِّ ﷺ إِذ أُتِيَ بِجُمَّارٍ [هُوَ شَحمُ النَّخِيلِ]، فَقَالَ: “إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ المُسلِمِ“، وَهَذَا أَعَمُّ مِنَ الَّذِي قَبلَهُ، وَبَرَكَةُ النَّخلَةِ مَوجُودَةٌ فِي جَمِيعِ أَجزَائِهَا، مُستَمِرَّةٌ فِي جَمِيعِ أَحوَالِهَا، فَمِن حِينِ تَطلُعُ إِلَى أَن تَيبَسَ تُؤكَلُ أَنوَاعًا، ثُمَّ بَعدَ ذَلِكَ يُنتَفَعُ بِجَمِيعِ أَجزَائِهَا، حَتَّى النَّوَى فِي عَلفِ الدَّوَابِّ وَاللِّيفِ فِي الحِبَالِ وَغَيرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخفَى، وَكَذَلِكَ بَرَكَةُ المُسلِمِ الصالح عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الأَحوَالِ، وَنَفعُهُ مُستَمِرٌّ لَهُ وَلِغَيرِهِ حَتَّى بَعدَ مَوتِهِ، النَّبِيُّ شَبَّهَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ بِالمُسلِمِ مِن حَيثُ أَنَّ هَذَا المُسلِمَ أَي هَذَا العَبدَ المُسلِمَ الصَّالِحَ مَا شَاءَ اللهُ خَيرُهُ كَثِيرٌ، مِن كَثرَةِ طَاعَاتِهِ وَمَكَارِمِ أَخلَاقِهِ وَمُوَاظَبَتِهِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَطَلَبِ العِلمِ وَالصَّدَقَةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ، فَالنَّبِيُّ شَبَّهَ هَذِهِ الشَّجَرَةَ بِهَذَا المُسلِمِ الصَّالِحِ مِن هَذِهِ النَّاحِيَةِ
فَحَدِّثُونِي
(فِعلُ أَمرٍ، أَي إِن عَرَفتُمُوهَا فَحَدِّثُونِي) (وَبِسَبَبِ هَذِهِ الكَلِمَةِ البُخَارِيُّ وَضَعَ هَذَا الحَدِيثَ فِي هَذَا البَابِ، البُخَارِيُّ غَزِيرٌ فِي العِلمِ وكَلِمَاتُهُ لَهَا مَعَانٍ كَثِيرَةٌ، يَقُولُ بَعضُ العُلَمَاءِ: تَبوِيبُهُ لِكِتَابِهِ بِهَذَا الشَّكلِ بِهَذِهِ العِبَارَاتِ تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ استِنبَاطِهِ، أَحيَانًا تَقرَأُ البَابَ يَضَعُ تَحتَهُ حَدِيثًا فَتَقُولُ أَنتَ بَينَكَ وَبَينَ نَفسِكَ مَا دَخلُ الحَدِيثِ بِهَذَا البَابِ لَكِن هُوَ لَهُ مُرَادٌ استَنبَطَهُ مِن هَذَا الحَدِيثِ فَهُنَا يَقُولُ حَتَّى النَّبِيُّ استَعمَلَ كَلِمَةَ فَحَدِّثُونِي، ثُمَّ هُم قَالُوا لَهُ حَدِّثنَا يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الِاستِعمَالُ عِندَ الإِمَامِ البُخَارِيِّ مُستَدِلًّا بِهَذَا الحَدِيثِ أَنَّهَا مِثلُ كَلِمَةِ سَمِعتُ، مِثلُ كَلِمَةِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ عَن أَبِي هُرَيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ، هَذَا مُرَادُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ)
مَا هِيَ؟”، فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي،
(أَي جَعَلَ كُلٌّ مِنهُم يُفَسِّرُهَا بِنَوعٍ مِنَ الأَنوَاعِ وَذُهِلُوا عَنِ النَّخلَةِ) (أَي ذَهَبَت أَفكَارُهُم فِي أَشجَارِ البَادِيَةِ، فَجَعَلَ كُلٌّ مِنهُم يُفَسِّرُهَا بِنَوعٍ مِنَ الأَنوَاعِ وَذَهِلُوا عَنِ النَّخلَةِ)
قَالَ عَبدُ اللهِ:
(هُوَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وَهُوَ الرَّاوِي)
وَوَقَعَ فِي نَفسِي
(وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: فَظَنَنتُ أَنَّهَا النَّخلَةُ مِن أَجلِ الجُمَّارِ الَّذِي أُتِيَ بِهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ المُلغَزَ لَهُ يَنبَغِي أَن يَتَفَطَّنَ لِقَرَائِنِ الأَحوَالِ الوَاقِعَةِ عِندَ السُّؤَالِ، وَأَنَّ المُلغِزَ يَنبَغِي لَهُ أَن لَا يُبَالِغَ فِي التَّعمِيَةِ بِحَيثُ لَا يَجعَلُ لِلمُلغَزِ بَابًا يَدخُلُ مِنهُ، بَل كُلَّمَا قَرَّبَهُ كَانَ أَوقَعَ فِي نَفسِ سَامِعِهِ)
أَنَّهَا النَّخلَةُ، فَاستَحيَيتُ،
(أَيِ استَحيَيتُ أَن أَتَكَلَّمَ، وَعِندَهُ أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ وَغَيرُهُمَا رَضِيَ اللهُ عَنهُم هَيبَةً مِنهُ وَتَوقِيرًا لَهُم) (وَفِي رِوَايَةٍ: فَأَرَدتُ أَن أَقُولَ هِيَ النَّخلَةُ فَإِذَا أَنَا أَصغَرُ القَومِ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنَا أَحدَثُهُم، وَفِي رِوَايَةٍ: وَرَأَيتُ أَبَا بَكرٍ، وَعُمَرَ لَا يَتَكَلَّمَانِ فَكَرِهتُ أَن أَتَكَلَّمَ، فَلَمَّا قُمنَا قُلتُ لِعُمَرَ: يَا أَبَتَاهُ، وَفِي رِوَايَة قَالَ عَبدُ اللهِ: فَحَدَّثتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفسِي فَقَالَ: لَأَن تَكُونَ قُلتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِن أَن يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا وَكَذَا، زَادَ ابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: أَحسَبُهُ قَالَ: حُمرِ النَّعَمِ)
ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: “هِيَ النَّخلَةُ“.
الدعاء
الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرسَلِينَ
رَبَّنَا اجعَلنَا لَكَ ذَاكِرِينَ شَاكِرِينَ، إِلَيكَ أَوَّابِينَ مُنِيبِينَ، تَقَبَّل يَا رَبِّ تَوبَتَنَا، وَاغسِل حَوبَتَنَا، وَأَجِب دَعَوَاتِنَا، وَثَبِّت حُجَّتَنَا، وَاسلُل غِلَّ صُدُورِنَا، وَعَافِنَا وَاعفُ عَنَّا.
إِلَهَنَا لَا تَحرِمنَا مِن نَبِيِّكَ الشَّفَاعَةَ، وَاجعَلِ التَّقوَى لَنَا أَربَحَ بِضَاعَةٍ، وَلَا تَجعَلنَا مِن أَهلِ التَّفرِيطِ وَالإِضَاعَةِ، وَءَامِنَّا مِن خَوفِنَا يَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ بِرَحمَتِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللهم اجعَلنَا مِنَ الَّذِينَ يَعلَمُونَ فَيَعمَلُونَ، وَيَعمَلُونَ فَيُخلِصُونَ، وَيُخلِصُونَ فَيُقبَلُونَ، وَيُقبَلُونَ فَيُنَعَّمُونَ، بِرَحمَتِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ.
سُبحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ، وَسُبحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الأَرضِ، وَسُبحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا بَينَ ذَلِكَ، وَسُبحَانَ اللهِ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ، وَاللهُ أَكبَرُ مِثلَ ذَلِكَ، وَالحَمدُ للهِ مِثلَ ذَلِكَ، وَلَا حَولَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ مِثلَ ذَلِكَ.
اللهم لَا تَدَع لَنَا ذَنبًا إِلَّا غَفَرتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجتَهُ، وَلَا عَيبًا إِلَّا أَصلَحتَهُ، وَلَا حَاجَةً لَنَا مِن حَوَائِجِ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ لَكَ فِيهَا رِضًى وَلَنَا فِيهَا صَلَاحٌ إِلَّا يَسَّرتَهَا وَقَضَيتَهَا بِرَحمَتِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ.
أَعُوذُ بِاللهِ السَّمِيعِ العَلِيمِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، مِن نَفخِهِ، وَنَفثِهِ، وَهَمزِهِ. أَعُوذُ بِاللهِ العَظِيمِ وَبِوَجهِهِ الكَرِيمِ وَسُلطَانِهِ القَدِيمِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ. سُبحَانَ اللهِ وَبِحَمدِهِ عَدَدَ خَلقِهِ وَرِضَا نَفسِهِ وَزِنَةَ عَرشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ. اللهم لَا تَجعَلِ الدُّنيَا أَكبَرَ هَمِّنَا وَلَا مَبلَغَ عِلمِنَا. اللهم لَا تَدَع لَنَا ذَنبًا إِلَّا غَفَرتَهُ، وَلَا هَمًّا إِلَّا فَرَّجتَهُ، وَلَا عَيبًا إِلَّا أَصلَحتَهُ، وَلَا حَاجَةً لَنَا مِن حَوَائِجُ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ لَكَ فِيهَا رِضًى وَلَنَا فِيهَا صَلَاحٌ إِلَّا يَسَّرتَهَا وَقَضَيتَهَا بِرَحمَتِكَ يَا أَرحَمَ الرَّاحِمِينَ.
رَبَّنَا يَا وَاسِعَ الفَضلِ وَالرَّحمَةِ تَوَلَّ أَمرَنَا وَأَحسِن خَلَاصَنَا، كُن لَنَا وَلِيًّا وَمُعِينًا وَظَهِيرًا وَنَصِيرًا، انصُرنَا بِمَا تَنصُرُ بِهِ أَولِيَاءَكَ، استَعمِلنَا فِيمَا تَشغَلُ بِهِ أَحبَابَكَ، دُلَّنَا بِهِدَايَتِكَ لِمَا يُرضِيكَ عَنَّا وَخُذ بِنَوَاصِينَا إِلَيهِ وَحُلْ بَينَنَا وَبَينَ مَا يُغضِبُكَ وَاصرِفهُ عَنَّا.
يَا أَكرَمَ الأَكرَمِينَ نَسأَلُكَ بَرَكَتَكَ وَلُطفَكَ وَعَافِيَتَكَ وَرَحمَتَكَ وَحُبَّكَ، نَعُوذُ بِكَ مِن تَقَلُّبَاتِ القُلُوبِ وَالأَيَّامِ، اعصِمنَا مِنَ المَعَاصِي وَالآثَامِ، اشغَلنَا بِخَيرِ مَا يُرضِيكَ عَنَّا، احمِنَا مِن أَذَى النَّاسِ، اشغَلنَا بِكَ عَن هُمُومِنَا اجعَلِ الآخِرَةَ كُلَّ هَمِّنَا.
رَبَّنَا يَا وَهَّابُ نَسأَلُكَ بَرَكَاتِ مَا أَنزَلتَ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا أَخرَجتَ مِنَ الأَرضِ، رَبَّنَا امنَحنَا وَلَا تَمتَحِنَّا، أَنزِل رَحمَتَكَ وَبَرَكَتَكَ وَعَافِيَتَكَ عَلَينَا وَلَا تَبتَلِنَا، نَعُوذُ بِكَ مِن فَرَاغِ العَينِ وَالقَلبِ، نَعُوذُ بِكَ مِن حُبِّ الدُّنيَا وَالتَّعَلُّقَ بِشَيءٍ مِنهَا أَو الِانشِغَالَ بِهِ عَنكَ.
اللهم فَرِّجِ الكَربَ عَنِ الأَقصَى يَا رَبَّ العَالَمِينَ، يَا الله احفَظِ المُسلِمِينَ وَالمَسجِدَ الأَقصَى مِن أَيدِي اليَهُودِ المُدَنِّسِينَ، يَا الله ارزُقنَا صَلَاةً فِي المَسجِدِ الأَقصَى مُحَرَّرًا، نَسجُدُهَا شُكرًا لَكَ عَلَى النَّصرِ يَا رَبَّ العَالَمِينَ، يَا الله انصُرِ الإِسلَامَ وَالمُسلِمِينَ، يَا قَوِيُّ يَا مَتِينُ انصُرِ المُسلِمِينَ فِي غَزَّةَ، يَا الله يَا مَن لَا يُعجِزُكَ شَيءٌ ثَبِّتِ المُسلِمِينَ فِي غَزَّةَ وَأَمِدَّهُم بِمَدَدٍ مِن عِندِكَ، وَارزُقهُم نَصرًا قَرِيبًا مُؤَزَّرًا، اللهم عَلَيكَ بِاليَهُودِ أَعدَاءِ هَذَا الدِّينِ، اللهم أَحصِهِم عَدَدًا، وَاقتُلهُم بَدَدًا، وَلَا تُغَادِر مِنهُم أَحَدًا، يَا اللهُ يَا رَحمَنُ يَا رَحِيمُ اشفِ جَرحَى المُسلِمِينَ فِي غَزَّةَ وَفِلِسطِينَ، وَتَقَبَّل شُهَدَاءَهُم، وَأَنزِلِ الصَّبرَ وَالسَّكِينَةَ عَلَى قُلُوبِ أَهلِهِم، اللهم إِنَّا نَستَودِعُكَ غَزَّةَ وَأَهلَهَا، وَأَرضَهَا وَسَمَاءَهَا، وَرِجَالَهَا وَنِسَاءَهَا وَأَطفَالَهَا، فَيَا رَبِّ احفَظهُم مِن كُلِّ سُوءٍ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ وَسَلَامٌ عَلَى المُرسَلِينَ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.