صحيح البخاري – كتاب العلم – الدرس (4)

المقدمة

الحَمدُ للهِ الَّذِي أَنشَأَ الآدَمِيَّ وَقَوَّمَهُ، وَشَقَّ سَمعَهُ وَبَصَرَهُ وَفَمَهُ، وَكَلَّفَهُ مَا شَاءَ وَأَلزَمَهُ، وَفَرَضَ عَلَيهِ مَا أَرَادَ وَحَتَّمَهُ، وَأَخَّرَهُ إِذَا شَاءَ وَقَدَّمَهُ، أَحمَدُهُ تَعَالَى الَّذِي جَعَلَنَا بِإِنعَامِهِ عَلَينَا خَيرَ أُمَّةٍ، وَمَنَحَنَا الأَنَفَةَ مِنَ الجَهلِ وَعُلُوَّ الهِمَّةِ، وَرَزَقَنَا حِفظَ القُرآنِ وَالعُلُومِ المُهِمَّةِ، وَشَرَّفَنَا بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحمَةِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ مَا اختَلَفَ ضَوءٌ وَظُلمَةٌ، وَعَلَى الصِّدِّيقِ صَاحِبِهِ فِي الهِجرَةِ وَعَضُدِهِ فِي كُلِّ مُلِمَّةٍ، وَعَلَى عُمَرَ الفَارُوقِ مَن فَتَحَ البِلَادَ وَنَصَرَ اللهُ بِهِ الأُمَّةَ، وَعَلَى عُثمَانَ الحَيِيِّ الَّذِي اشتَرَى الجَنَّةَ، وَعَلَى عَلِيٍّ ابنِ عَمِّهِ وَكَاشِفِ هَمِّهِ الَّذِي فَدَاهُ بِنَفسِهِ وَمَا أَهَمَّهُ، وَعَلَى ءَالِهِ وَأَصحَابِهِ وَمَن تَبِعَ طَرِيقَهُ وَأَمَّهُ، أَمَّا بَعدُ:
الشرح

نكمل فِي شَرحِنَا لِكِتَابِ العِلمِ مِن صَحِيحِ الإِمَامِ البُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللهُ:

‌‌٥ – بَابُ طَرحِ

(أَي إِلقَاءِ)

الإِمَامِ المَسأَلَةَ عَلَى أَصحَابِهِ لِيَختَبِرَ مَا عِندَهُم

(أَي لِيَمتَحِنَ الَّذِي عِندَهُم)

مِنَ العِلمِ

يَحصُلُ أَحيَانًا مِنَ الإِمَامِ مِنَ المُحَدِّثِ مِنَ المُدَرِّسِ أَن يُخَاطِبَ الطُّلَّابَ وَيَسأَلَهُم بَعضَ الأَسئِلَةِ حَتَّى يَختَبِرَهُم، فَإِذَا سَأَلَ المُحَدِّثُ أَوِ الشَّيخُ أَوِ المُدَرِّسُ مَا مَعنَى كَذَا مَن يَعرِفُ مَا مَعنَى هَذِهِ الآيَةِ مَن يَعرِفُ مَا مَعنَى هَذَا الحَدِيثِ هَذَا لَا يَكُونُ مُخَالِفًا للأَدَبِ، الرَّسُولُ فَعَلَ ذَلِكَ ﷺ، وَهَذَا أَحَدُ أَسَالِيبِ التَّعلِيمِ، مَعَ الِانتِبَاهِ، فَقَد فَهِمَ كَثِيرٌ مِنَ العَصرِيِّينَ فِي زَمَانِنَا هَذَا الأَمرَ عَلَى غَيرِ وَجهِهِ، فَصَارَ بَعضُهُم يَطرَحُ المَسَائِلَ لِطُلَّابٍ جُهَّالٍ فَيُجَرِّؤُونَهُم عَلَى الفَتوَى بِغَيرِ عِلمٍ فَلَا يُنَبِّهُونَهُم إِلَى فَسَادِ الإِفتَاءِ بِغَيرِ عِلمٍ فَيَهلِكُ الطَّالِبُ وَأُستَاذُهُ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، مِثلُ مَا فَعَلَ بَعضُهُم كَانَ يُرِيدُ أَن يُعَلِّمَ الطُّلَّابَ أَنَّ اللهَ خَالِقٌ، فَقَالَ لَهُم وَالعِيَاذُ بِاللهِ: مَن خَلَقَ اللهَ، فَهَلَكَ وَأَهلَكَهُم، وَشَتَّانَ بَينَ هَذَا الفَاسِدِ المُفسِدِ وَبَينَ طَرِيقَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَعَادَ البُخَارِيُّ الحَدِيثَ السَّابِقَ بِسَنَدٍ آخَرَ وَقَالَ:

٤ – حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ مَخلَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيمَانُ، حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ بنُ دِينَارٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ،

قَد يَقُولُ أَحَدُهُم لِي: لِمَاذَا أَعَادَهُ مَرَّتَينِ؟، إِذَا لَاحَظتُم كُلُّ وَاحِدٍ بِسَنَدٍ، لِفَائِدَةٍ، مَن فَهِمَهَا؟ انظُرُوا قُوَّةَ البُخَارِيِّ، ذَكَرَ أَوَّل مَرَّةٍ عَلَى كَلِمَةِ فَحَدِّثُونِي وَحَدِّثنَا، ثُمَّ أَعَادَهُ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ قَد يَقرَأُ الشَّيخُ وَالمُدَرِّسُ وَالمُحَدِّثُ أَسئِلَةً عَلَى طُلَّابِهِ حَتَّى يَختَبِرَهُم، وطَرحُ السُّؤَالَ مِنَ الأُستَاذِ عَلَى الطُّلَّابِ لَيسَ مُخَالِفًا للأَدَبِ بَل شَيءٌ فَعَلَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ)

عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ المُسلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟”،

قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ البَوَادِي، قَالَ عَبدُ اللهِ: فَوَقَعَ فِي نَفسِي أَنَّهَا النَّخلَةُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: “هِيَ النَّخلَةُ“.

٦ – ‌‌بَابُ مَا جَاءَ فِي العِلمِ وَقَولِهِ تَعَالَى: ﴿وَقُل رَبِّ زِدنِي عِلمًا﴾،

هَذِهِ الآيَةُ تَكفِينَا لِتَحُثَّنَا عَلَى طَلَبِ العِلمِ مِن أَهلِ العِلمِ وَالمَعرِفَةِ، اليَومَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِذَا دُعُوا إِلَى مَجَالِسِ عِلمِ الدِّينِ يَقُولُ لَكَ مَشغُولٌ وَعَلَيَّ دُيُونٌ وَمَرِيضٌ، أَمَّا لَو دُعِيَ إِلَى أَمرٍ مِن أُمُورِ الدُّنيَا أَو طَعَامٍ أَو شَرَابٍ أَو مَجلِسِ قَالَ وَقِيلَ يَسبِقُكَ إِلَيهِ، فَيَا أَحبَابَنَا الكِرَامُ كُلَّمَا انتَشَرَ العِلمُ بَينَ النَّاسِ كُلَّمَا ارتَقَتِ الأُمَّةُ، قُوَّةُ الأُمَّةِ بِقُوَّةِ العِلمِ فِيهِم، كُلَّمَا قَوِيَ النَّاسُ فِي عِلمِ الدِّينِ، كُلَّمَا تَحَسَّنَ الحَالُ بِإِذنِ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ)

القِرَاءَةُ وَالعَرضُ عَلَى المُحَدِّثِ،

(هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الإِمَامَ البُخَارِيَّ صَاحِبُ عِلمٍ كَبِيرٍ وَاسِعٍ، القِرَاءَةُ وَالعَرضُ عَلَى المُحَدِّثِ يَعنِي إِذَا جَاءَ فُلَانٌ مَعَهُ نُسخَةٌ مَضبُوطَةٌ أَو مِن حِفظِهِ قَرَأَ عَلَى الشَّيخِ المُحَدِّثِ فَالشَّيخُ المُحَدِّثُ وَافَقَ، هَل لِهَذَا الطَّالِبِ الَّذِي قَرَأَ أَن يَروِيَ لِلنَّاسِ مَا قَرَأَهُ عَلَى الشَّيخِ؟ الجَوَابُ نَعَم، مَثَلًا أَنَا أَتَيتُ بِنَفسِي عِندَ أَحَدِ المُحَدِّثِينَ الثِّقَاتِ وَقَرَأتُ عَلَيهِ إِمَّا مِن نُسخَةٍ مَضبُوطَةٍ أَو مِن حِفظِي أَو هُوَ أَملَى عَلَينَا فكَتَبنَا ثُمَّ نَحنُ رَجَعنَا عَرَضنَا عَلَيهِ مَا سَمِعنَاهُ مِنهُ فَأَنَا لَمَّا عَرَضتُ عَلَيهِ أَو قَرَأتُ عَلَيهِ وَهُوَ قَبِلَ وَوَافَقَ قَالَ: صَحِيحٌ هَذَا الكَلَامُ هَل لِي أَن أَروِي لِلنَّاسِ مَا قَرَأتُهُ عَلَى الشَّيخِ؟ نَعَم، هَل لِي أَن أَروِيَ لِلنَّاسِ مَا عَرَضتُهُ عَلَى هَذَا الشَّيخِ؟ نَعَم، هَذَا مَعرُوفٌ لِذَلِكَ قَالَ القِرَاءَةُ وَالعَرضُ عَلَى المُحَدِّثِ، فَهَذَا نَوعٌ مِن أَنوَاعِ التَّلَقِّي.

التَّلَقِّي مَعنَاهُ أَن تَسمَعَ مِنَ الشَّيخِ، هَذَا أَعلَى دَرَجَاتِ التَّلَقِّي بَعدَهُ أَن تَقرَأَ أَنتَ عَلَى الشَّيخِ فَيَسمَعَكَ وَيُقِرَّكَ، أَو يُقرَأَ عَلَى الشَّيخِ بِحَضرَتِكَ، وَهُنَاكَ أَنوَاعٌ أُخرَى تَمُرُّ مَعَنَا بَعدَ قَلِيلٍ، إِذَن أَعلَى أَنوَاعِ التَّلَقِّي هِيَ أَن تَسمَعَ لَفظَ الشَّيخِ وَبَعدَ ذَلِكَ أَن تَقرَأَ أَنتَ عَلَى الشَّيخِ أَو يُقرَأَ عَلَيهِ بِحَضرَتِكَ،

يَعنِي لَا يَكُونُ العِلمُ بِالتَّلَقِّي إِذَا فَتَحتَ الإِنتَرنِتَّ وَتَصَفَّحتَ بِجُوجِلَ وَتَسأَلَ جُوجِلَ وَيُجِيبَكَ أَو تَقرَأَ فِي الكُتُبِ وَحدَكَ مِن غَيرِ ضَبطٍ أَو إِجَازَةٍ، إِنَّمَا التَّلَقِّي يَكُونُ بِسَمَاعِ لَفظِ الشَّيخِ، وَهَذَا أَعلَى أَنوَاعِ التَّلَقِّي أَو بِالقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيخِ أَو غَيرِ ذَلِكَ مِن أَنوَاعِ التَّلَقِّي إِذَا كَانَ ضِمنَ هَذِهِ الأَنوَاعِ لَكَ أَن تَروِيَ عَن هَذَا الشَّيخِ يُقَالُ أَنتَ تَلَقَّيتَ عَنهُ فَلَكَ أَن تَروِيَ عَنهُ)

وَرَأَى الحَسَنُ وَالثَّورِيُّ وَمَالِكٌ القِرَاءَةَ جَائِزَةً،

(يَعنِي الحَسَنُ البِصرِيُّ وَسُفيَانُ الثَّورِيُّ وَمَالِكُ بنُ أَنَسٍ كُلٌّ مِنهُم يَرَى القِرَاءَةَ جَائِزَةً يَعنِي القِرَاءَةَ عَلَى الشَّيخِ وَالمُحَدِّثِ أَمرٌ مَقبُولٌ فِي رِوَايَتِهِ تُقبَلُ عِندَهَا الرِّوَايَةُ).

وَقَد كَانَ بَعضُ السَّلَفِ لَا يَعتَدُّونَ إِلَّا بِمَا سَمِعُوهُ مِنَ أَلفَاظِ المَشَايِخِ دُونَ مَا يُقرَأُ عَلَيهِم، وَلِهَذَا بَوَّبَ البُخَارِيُّ عَلَى جَوَازِهِ وَأَورَدَ فِيهِ قَولَ الحَسَنِ – وهو البَصرِيُّ – لَا بَأسَ بِالقِرَاءَةِ عَلَى العَالِمِ، ثُمَّ أَسنَدَهُ إِلَيهِ بَعدَ أَن عَلَّقَهُ وَكَذَا ذُكِرَ عَن سُفيَانَ الثَّورِيِّ، وَمَالِكٍ مَوصُولًا أَنَّهُمَا سَوَّيَا بَينَ السَّمَاعِ مِنَ العَالِمِ وَالقِرَاءَةِ عَلَيهِ) (وقوله: “جَائِزَةً” أَيِ: القِرَاءَةَ، لِأَنَّ السَّمَاعَ لَا نِزَاعَ فِيهِ).

وَاحتَجَّ بَعضُهُم فِي القِرَاءَةِ عَلَى العَالِمِ بِحَدِيثِ ضِمَامِ بنِ ثَعلَبَةَ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ:

(البُخَارِيُّ يَقُولُ: وَاحتَجَّ بَعضُهُم أَي أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ القِرَاءَةَ عَلَى المُحَدِّثِ كَافِيَةٌ فِي التَّلَقِّي وَصِحَّةِ النَّقلِ عَنهُ مَا حَصَلَ فِي حَدِيثِ ضِمَامِ بنِ ثَعلَبَةَ، احتَجَّ بَعضُهُم (قِيلَ: هُوَ شَيخُ البُخَارِيِّ الحُمِيدِيُّ أَو أَبُو سَعِيدٍ الجَلَّادُ، كَمَا مَالَ إِلَى ذَلِكَ الحَافِظُ ابنُ حَجَرٍ فِي كِتَابِهِ فَتحِ البَارِي)

آللَّهُ أَمَرَكَ أَن نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ؟ قَالَ: “نَعَم”، قَالَ: فَهَذِهِ قِرَاءَةٌ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، أَخبَرَ ضِمَامٌ قَومَهُ بِذَلِكَ فَأَجَازُوهُ،

(أَخبَرَ ضِمَامٌ قَومَهُ بِذَلِكَ فَأَجَازُوهُ مَعنَاهُ قَبِلُوا مِنهُ ذَلِكَ، هُنَا لَا يُقصَدُ بِكَلِمَةِ فَأَجَازُوهُ الإِجَازَةَ المُصطَلَحَةَ بَينَ أَهلِ الحَدِيثِ هُنَا مُرَادُهُ أَي قَبِلُوهُ)

(وَأَمَّا تَمَامُ حَدِيثِ ضِمَامِ بنِ ثَعلَبَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ وَفِيهِ كَثِيرٌ مِن قَوَاعِدِ الدِّينِ وَذِكرِ أَولَوِيَّاتِهِ وَفُرُوعِهِ فَقَد رَوَاهُ أَحمَدُ وَالحَاكِمُ وَالبَيهَقِيُّ وَغَيرُهُم عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا قَالَ: بَعَثَت بَنُو سَعدِ بنِ بَكرٍ ضِمَامَ بنَ ثَعلَبَةَ إِلَى رَسُولِ الله ﷺ، فَقَدِمَ عَلَينَا، فَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ المَسجِدِ، فَعَقَلَهُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ الله ﷺ وَهُوَ فِي المَسجِدِ جَالِسٌ مَعَ أَصحَابِهِ، فَقَالَ: أَيُّكُم ابنُ عَبدِ المُطَّلِبِ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ: “أَنَا ابنُ عَبدِ المُطَّلِبِ”، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: “نَعَم”، قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي سَائِلُكَ وَمُغَلِّظٌ عَلَيكَ فِي المَسأَلَةِ، فَلَا تَجِدَنَّ فِي نَفسِكَ، فَإِنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفسِي، قَالَ: “سَل عَمَّا بَدَا لَكَ”، قَالَ: أَنشُدُكَ الله، إِلَهَكَ وَإِلَهَ مَن قَبلَكَ، وَإِلَهَ مَن هُوَ كَائِنٌ بَعدَكَ، آلله بَعَثَكَ إِلَينَا رَسُولًا؟ فَقَالَ: “اللهم نَعَم”، قَالَ: أَنشُدُكَ الله إِلَهَكَ، وَإِلَهَ مَن قَبلَكَ، وَإِلَهَ مَن هُوَ كَائِنٌ بَعدَكَ، آلله أَمَرَكَ أَن نَعبُدَهُ لَا نُشرِكَ بِهِ شَيئًا، وَأَن نَخلَعَ هَذِهِ الأَوثَانَ وَالأَندَادَ الَّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعبُدُونَ؟ فَقَالَ ﷺ: “اللهم نَعَم”، ثُمَّ جَعَلَ يَذكُرُ فَرَائِضَ الإِسلَامِ فَرِيضَةً فَرِيضَةً، الصَّلَاةَ، وَالزَّكَاةَ، وَالصِّيَامَ، وَالحَجَّ، وَفَرَائِضَ الإِسلَامِ كُلَّهَا، يَنشُدُهُ عِندَ كُلِّ فَرِيضَةٍ كَمَا أَنشَدَهُ فِي الَّتِي كَانَ قَبلَهَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ، قَالَ: فَإِنِّي أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّكَ عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَسَأُؤَدِّي هَذِهِ الفَرَائِضَ، وَأَجتَنِبُ مَا نَهَيتَنِي عَنهُ، لَا أَزِيدُ وَلَا أَنقُصُ، ثُمَّ انصَرَفَ رَاجِعًا إِلَى بَعِيرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ حِينَ وَلَّى: “إِن يَصدُق ذُو العَقِيصَتَينِ يَدخُلِ الجَنَّةَ”، وَكَانَ ضِمَامٌ رَجُلًا أَشعَرَ، ذَا غَدِيرَتَينِ، ثُمَّ أَتَى بَعِيرَهُ، فَأَطلَقَ عِقَالَهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَومِهِ، فَاجتَمَعُوا إِلَيهِ، فَكَانَ أَوَّلُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ وَهُوَ يَسُبُّ اللَّاتَ وَالعُزَّى، فَقَالُوا: مَه يَا ضِمَامُ، اتَّقِ البَرَصَ، وَالجُذَامَ، وَالجُنُونَ، فَقَالَ: وَيلَكُم، إِنَّهُمَا وَالله مَا يَضُرَّانِ وَلَا يَنفَعَانِ، إنَّ الله قَد بَعَثَ رَسُولًا، وَأَنزَلَ عَلَيهِ كِتَابًا استَنقَذَكُم بِهِ مِمَّا كُنتُم فِيهِ، وَإِنِّي أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِنِّي قَد جِئتُكُم مِن عِندِهِ بِمَا أَمَرَكُم بِهِ وَنَهَاكُم عَنهُ، فَوَاللهِ مَا أَمسَى ذَلِكَ اليَومَ مِن حَاضِرَتِهِ رَجُلًا وَلَا امرَأةً إلَّا مُسلِمٌ، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُمَا: فَمَا سَمِعنَا بِوَافِدِ قَومٍ كَانَ أَفضَلَ مِن ضِمَامِ بنِ ثَعلَبَةَ رضي الله عنه)

وَاحتَجَّ مَالِكٌ بِالصَّكِّ

(قَالَ الجَوهَرِيُّ: الصَّكُّ – يَعنِي بِالفَتحِ – الكِتَابُ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالجَمعُ صِكَاكٌ وَصُكُوكٌ، وَالمُرَادُ هُنَا المَكتُوبُ الَّذِي يُكتَبُ فِيهِ إِقرَارُ المُقِرِّ، لِأَنَّهُ إِذَا قُرِئَ عَلَيهِ فَقَالَ: نَعَم سَاغَتِ الشَّهَادَةُ عَلَيهِ بِهِ وَإِن لَم يَتَلَفَّظ هُوَ بِمَا فِيهِ، وَهَذَا زِيَادَةٌ مِن جُملَةِ الأَدِلَّةِ أَنَّ القِرَاءَةَ عَلَى المُحَدِّثِ كَافِيَةٌ فِي النَّقلِ عَنهُ وَلَو مَا سَمِعتَ مِن لَفظِهِ، يَقُولُ: مَالِكٌ احتَجَّ بِالصَّكِّ وَالصَّكُّ المُرَادُ مِنهُ الشَّيءُ المَكتُوبُ الَّذِي يُكتَبُ فِيهِ إِقرَارُ المُقِرِّ مَثَلًا مَكتُوبٌ فِي هَذِهِ الوَرَقَةِ مَثَلًا الشَّيخُ نِزَارٌ استَدَانَ مِنَ الشَّيخِ جِيل، فُلَانٌ اقتَرَضَ مِن فُلَانٍ أَلفَ دُولَارٍ مَكتُوبٌ فَقُلنَا لَهُ أَنتَ استَدَنتَ مِن فُلَانٍ؟ قَالَ نَعَم أَقَرَّ فَصَارَت هَذِهِ الوَرَقَةُ فِيهَا إِقرَارُ هَذَا المُقِرِّ، فَالشُّهُودُ يَشهَدُونَ بِذَلِكَ أَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ بِمَا فِي هَذِهِ الوَرَقَةِ، فَالإِمَامُ مَالِكٌ استَدَلَّ بِهَذَا الصَّكِّ المَكتُوبِ بِالوَرَقَةِ المَكتُوبَةِ لِأَنَّ صَاحِبَ الأَمرِ أَقَرَّ بِذَلِكَ فَهُوَ كَافٍ فِي أَن يُنقَلَ عَنهُ فَيَشهَدَ الشُّهُودُ عَلَيهِ بِذَلِكَ، لَيسَ شَرطًا أَن يَقُولَ أَنَا اقتَرَضتُ مِن فُلَانٍ فَيَطلُبَ مِنَ الشُّهُودِ أَن يَسمَعُوا مِنهُ أَنَا اقتَرَضتُ، بَل يَكفِي الوَرَقَةُ المَكتُوبَةُ الَّتِي هُوَ أَقَرَّ أَنَّهُ هُوَ عَلَى هَذَا)

(وَأَمَّا قِيَاسُ مَالِكٍ قِرَاءَةَ الحَدِيثِ عَلَى قِرَاءَةِ القُرآنِ فَرَوَاهُ الخَطِيبُ فِي الكِفَايَةِ مِن طَرِيقِ ابنِ وَهبٍ قَالَ: سَمِعتُ مَالِكًا، وَسُئِلَ عَنِ الكُتُبِ الَّتِي تُعرَضُ عَلَيهِ أَيَقُولُ الرَّجُلُ حَدَّثَنِي؟ قَالَ: نَعَم، كَذَلِكَ القُرآنُ. أَلَيسَ الرَّجُلُ يَقرَأُ عَلَى الرَّجُلِ فَيَقُولُ: أَقرَأَنِي فُلَانٌ؟

وَرَوَى الحَاكِمُ فِي عُلُومِ الحَدِيثِ مِن طَرِيقِ مُطَرِّفٍ قَالَ: صَحِبتُ مَالِكًا سَبعَ عَشرَةَ سَنَةً، فَمَا رَأَيتُهُ قَرَأَ المُوَطَّأِ عَلَى أَحَدٍ، بَل يَقرَءُونَ عَلَيهِ، قَالَ: وَسَمِعتُهُ يَأبَى أَشَدَّ الإِبَاءِ عَلَى مَن يَقُولُ: لَا يَجزِيهِ إِلَّا السَّمَاعُ مِن لَفظِ الشَّيخِ، وَيَقُولُ: كَيفَ لَا يَجزِيكَ هَذَا فِي الحَدِيثِ، وَيَجزِيكَ فِي القُرآنِ، وَالقُرآنُ أَعظَمُ؟ قَالَ ابنُ حَجَرٍ: وَقَدِ انقَرَضَ الخِلَافُ فِي كَونِ القِرَاءَةِ عَلَى الشَّيخِ لَا تُجزِئُ).

يُقرَأُ عَلَى القَومِ فَيَقُولُونَ:

(يَعنِي الشَّاهِدُونَ لَيسَ القَومَ).

أَشهَدَنَا فُلَانٌ، وَيُقرَأُ ذَلِكَ قِرَاءَةً عَلَيهِم،

(هَذَا دَلِيلٌ قَوِيٌّ جِدًّا، إِن كُتِبَ فِي الوَرَقَةِ فُلَانٌ أَقَرَّ بِكَذَا وَكَذَا فِي المَحكَمَةِ قَامَ الشُّهُودُ وَقَرَأَ الوَرَقَةَ يَا فُلَانٌ أَنتَ تُقِرُّ بِكَذَا وَكَذَا يَقُولُ نَعَم فَالشُّهُودُ يَكتَفُونَ بِذَلِكَ، مَعنَاهُ إِذَا كَانَ هَذَا فِي هَذَا الأَمرِ صَحِيحٌ وَيُعتَبَرُ إِخبَارًا فَمَا بَالُكُم بِالقِرَاءَةِ عَلَى الإِمَامِ المُحَدِّثِ وَعَلَى الشَّيخِ الحَافِظِ، مَعنَاهُ مِن بَابِ أَولَى أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَالنَّقلُ عَنهُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ كَذَلِكَ جَائِزٌ)

وَيُقرَأُ عَلَى المُقرِئِ فَيَقُولُ القَارِئُ: أَقرَأَنِي فُلَانٌ،

(زَادَ كَذَلِكَ فِي بَيَانِ الحُجَّةِ أَنَّ النَّاسَ تَقرَأُ عَلَى المُقرِئِ، وَالمُرَادُ بِالمُقرِئِ هُنَا المُعَلِّمَ لِلقُرءَانِ، مَعنَاهُ أَنتَ جِئتَ إِلَى مُعَلِّمِ القُرءَانِ قَرَأتَ عَلَيهِ القُرءَانَ وَأَقَرَّكَ وَافَقَكَ صَوَّبَ لَكَ وَأَقَرَّكَ بِأَنَّكَ صِرتَ تُجِيدُ القِرَاءَةَ، فَتَقُولُ: القَارِئُ أَقرَأَنِي فُلَانٌ أَقرَأَنِي الشَّيخُ فُلَانٌ عَلَّمَنِي الشَّيخُ فُلَانٌ وَأَقَرَأَنِي القُرءَانَ مَعَ أَنَّكَ أَنتَ تَقرَأُ عَلَيهِ لَيسَ فَقَط هُوَ يَقرَأُ وَأَنتَ تَسمَعُ، فَإِذَا كَانَ فِي كِتَابِ اللهِ لَكَ أَن تَقرَأَ عَلَى المُعَلِّمِ لِلقُرءَانِ ثُمَّ يُصَوِّبَ لَكَ وَيُقِرَّكَ ثُمَّ تَنقُلَ عَنهُ وَتَروِيَ عَنهُ وَتَقُولَ بِسَنَدِي إِلَى هَذَا الشَّيخِ، فَمَا بَالُكَ بِالحَدِيثِ الشَّرِيفِ، فَمِن بَابِ أَولَى لَو أَنَّكَ قَرَأتَ الحَدِيثَ عَلَى مُحَدِّثٍ ثِقَةٍ وَأَقَرَّ لَكَ أَن تَروِيَ عَنهُ)

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلَامٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ الوَاسِطِيُّ، عَن عَوفٍ، عَنِ الحَسَنِ قَالَ: لَا بَأسَ بِالقِرَاءَةِ عَلَى العَالِمِ،

(رُوِيَ هَذَا الأَثَرُ عَنِ الحَسَنِ البِصرِيِّ مِن طَرِيقِ أَحمَدَ بنِ حَنبَلٍ، عَن مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ الوَاسِطِيِّ، عَن عَوفٍ الأَعرَابِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ الحَسَنَ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنزِلِي بَعِيدٌ، وَالِاختِلَافُ يَشُقُّ عَلَيَّ، فَإِن لَم تَكُن تَرَى بِالقِرَاءَةِ بَأسًا قَرَأتُ عَلَيكَ، قَالَ: مَا أُبَالِي قَرَأتُ عَلَيكَ أَم قَرَأتَ عَلَيَّ، قَالَ: فَأَقُولُ حَدَّثَنِي الحَسَنُ؟ قَالَ: نَعَم، قُل حَدَّثَنِي الحَسَنُ) (الحَسَنُ البِصرِيُّ يَقُولُ هَذَا مَعنَاهُ لَا بَأسَ بِأَن تَقرَأَ عَلَى العَالِمِ وَيَجُوزُ أَن تَنقُلَ عَنهُ مَا قَرَأتَهُ بَعدَ أَن أَقَرَّكَ لَو لَم تَسمَع لَفظَ الشَّيخِ فِي هَذَا الحَدِيثِ أَنتَ قَرَأتَ عَلَيهِ الحَدِيثَ أَقَرَّ لَكَ أَن تَروِيَ عَنهُ)

وَأَخبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُفَ الفِرَبرِيُّ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسمَاعِيلَ البُخَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيدُ اللهِ بنُ مُوسَى، عَن سُفيَانَ

(هُوَ سُفيَانُ الثَّورِيُّ)

قَالَ: إِذَا قُرِئَ عَلَى المُحَدِّثِ فَلَا بَأسَ أَن يَقُولَ حَدَّثَنِي،

(لِأَنَّهُ عِندَ الإِمَامِ البُخَارِيِّ لَا فَرقَ بَينَ حَدَّثَنَا وَبَينَ أَخبَرَنَا، فَإِذَا قَرَأَ عَلَى المُحَدِّثِ لَهُ أَن يَروِيَ عَنهُ بِقَولِهِ حَدَّثَنِي وَبِقَولِهِ أَخبَرَنِي، هَذَا رَأيُ الإِمَامِ البُخَارِيِّ، وَبَعضُ العُلَمَاءِ الآخَرُونَ يَقُولُونَ إِذَا أَنَا سَمِعتُ لَفظَ الشَّيخِ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَو سَمِعتُ مِنهُ إِذَا أَنَا قَرَأتُ عَلَيهِ عِندَمَا أَروِي عَنهُ يَقُولُ أَخبَرَنِي الشَّيخُ فُلَانٌ)

قَالَ: وَسَمِعتُ أَبَا عَاصِمٍ يَقُولُ عَن مَالِكٍ

(هُوَ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ)

وَسُفيَانَ: القِرَاءَةُ عَلَى العَالِمِ وَقِرَاءَتُهُ سَوَاءٌ.

(مَعنَاهُ فِي صِحَّةِ النَّقلِ وَالرِّوَايَةِ، هُنَا يَقُولُ البُخَارِيُّ وَبَعضُ أَهلِ العِلمِ: القِرَاءَةُ عَلَى العَالِمِ أَن يَقرَأَ الطالب على الشيخ أَو أَن يَسمَعَ الطَّالِبُ لَفظَ الشَّيخِ كِلَاهُمَا فِي مَرتَبَةٍ وَاحِدَةٍ كِلَاهُمَا سَوَاءٌ، هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيهِ بَعضُ العُلَمَاءِ المُعتَبَرينَ، وَذَهَبَ الأَكثَرُ مِن أَهلِ العِلمِ إِلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الشَّيخِ أَرجَحُ مِن قِرَاءَةِ الطَّالِبِ عَلَيهِ، مَعنَاهُ أَرفَعُ رُتبَةً، أن تَسمَعَ لَفظَ الشَّيخِ أَعلَى رُتبَةً مِن أَن تَقرَأَ أَنتَ بِنَفسِكَ عَلَى الشَّيخِ، وَكِلَاهُمَا تَصِحُّ الرِّوَايَةُ عَنهُ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ، وَالجُمهُورُ مِنَ العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الشَّيخِ أَرجَحُ مِن قِرَاءَةِ الطَّالِبِ عَلَيهِ).

٥ – حَدَّثَنَا عَبدُ اللهِ بنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيثُ، عَن سَعِيدٍ هُوَ المَقبُرِيُّ، عَن شَرِيكِ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ أَبِي نَمِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بنَ مَالِكٍ يَقُولُ: بَينَمَا نَحنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي المَسجِدِ

(أَي فِي مَسجِدِ رَسُولِ اللهِ فِي المَسجِدِ النَّبَوِيِّ)

دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ، فَأَنَاخَهُ فِي المَسجِدِ،

(أَي فِي سَاحَةِ المَسجِدِ)

ثُمَّ عَقَلَهُ،

(مَعنَاهُ شَدَّ عَلَى سَاقِ الجَمَلِ مَعَ ذِرَاعِهِ حَبلًا بَعدَ أَن ثَنَى رُكبَتَهُ)

ثُمَّ قَالَ لَهُم: أَيُّكُم مُحَمَّدٌ؟ وَالنَّبِيُّ ﷺ مُتَّكِئٌ بَينَ ظَهرَانَيهِم،

(وَالنَّبِيُّ ﷺ قَاعِدٌ مُمَكِّنٌ مَقعَدَتَهُ عَلَى وِطَاءٍ بَينَ ظَهرَانِي أَصحَابِهِ مَحفُوفٌ ﷺ بِهِم مِن جَانِبَيهِ، وَالعَامَّةُ مِنَ النَّاسِ تَحسَبُ أَنَّهُ إِذَا قِيلَ فُلَانٌ مُتَّكِئٌ مَعنَاهُ هُوَ قَاعِدٌ وَيَمِيلُ إِلَى أَحَدِ شِقَّيهِ، هَكَذَا عِندَ العَامَّةِ أَنَّهَا دَائِمًا تَأتِي بِهَذَا المَعنَى، وَهَذَا فِي لُغَةِ العَرَبِ لَيسَ شَرطًا، بَل لَهَا مَعَانٍ أُخرَى، هُنَا جَاءَت بِهَذَا المَعنَى أَنَّه قَاعِدٌ مُتَمَكِّنٌ ﷺ عَلَى وِطَاءٍ وَدَخَلَ هَذَا الرَّجُلُ)

فَقُلنَا: هَذَا الرَّجُلُ الأَبيَضُ المُتَّكِئُ،

(لَمَّا سَأَلَ الدَّاخِلُ أَيُّكُم مُحَمَّدٌ قِيلَ لَهُ هَذَا الرَّجُلُ الأَبيَضُ، مَعنَاهُ الأَبيَضُ المُشرَبُ بِحُمرَةٍ ﷺ، وَهَذَا المَوضِعُ مِنَ الحَدِيثِ يُبَيِّنُ تَوَاضُعَ النَّبِيِّ ﷺ، لِأَنَّهُ مَا كَانَ يُمَيِّزُ جِلسَتَهُ بَينَ أَصحَابِهِ بَل كَانَ يَجلِسُ كَأَيِّ وَاحِدٍ مِنهُم)

فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: ابنَ عَبدِ المُطَّلِبِ،

فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: “قَد أَجَبتُكَ”،

(يَعنِي سَمِعتُكَ)

فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيكَ فِي المَسأَلَةِ، فَلَا تَجِد عَلَيَّ فِي نَفسِكَ،

(أَنَا سَأَسأَلُكَ وَلَكِن أَنتَ لَا تَغضَب هَذَا مَعنَاهُ)

فَقَالَ: “سَل عَمَّا بَدَا لَكَ”،

(أَي سَل عَمَّا ظَهَرَ لَكَ)

فَقَالَ: أَسأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَن قَبلَكَ،

(أَسأَلُكَ بِحَقِّ رَبِّكَ)

آللَّهُ أَرسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِم؟ فَقَالَ: “اللَّهُمَّ نَعَم”، قَالَ: أَنشُدُكَ بِاللهِ،

(مَعنَاهُ أَسأَلُكَ بِاللهِ)

آللَّهُ أَمَرَكَ أَن نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الخَمسَ فِي اليَومِ وَاللَّيلَةِ؟ قَالَ: “اللَّهُمَّ نَعَم”، قَالَ: أَنشُدُكَ بِاللهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَن نَصُومَ هَذَا الشَّهرَ مِنَ السَّنَةِ؟

(يَقصِدُ شَهرَ رَمَضَانَ)

قَالَ: “اللَّهُمَّ نَعَم”، قَالَ: أَنشُدُكَ بِاللهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَن تَأخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ

(يَعنِي الزَّكَاةَ الوَاجِبَةَ)

مِن أَغنِيَائِنَا فَتَقسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟

(قَولُهُ فَتَقسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا أَخَذَهَا مَأخَذَ الأَغلَبِ وَإِلَّا هِيَ لِلمَصَارِفِ الثَّمَانِيَةِ وَمِنهُمُ الفُقَرَاءُ)

فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “اللَّهُمَّ نَعَم”، فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنتُ بِمَا جِئتَ بِهِ،

(ءَامَنتُ قَبلَ أَن آتِيَ بِمَا جِئتَ بِهِ وَأَوحَى اللهُ تَعَالَى إِلَيكَ، وَلَكِن مَعنَى كَلَامِهِ لَمَّا جَاءَ رَسُولُ رَسُولِ اللهِ إِلَينَا وَسَمِعنَا مِنهُ مَا أَنتَ تَأمُرُنَا بِهِ أَنَا رَجَعتُ إِلَيكَ وَجِئتُ إِلَيكَ أَعرِضُ عَلَيكَ مَا سَمِعتُ لِأَزدَادَ تَثَبُّتًا)

وَأَنَا رَسُولُ مَن وَرَائِي مِن قَومِي،

(مَعنَاهُ: أَنَا أُبَلِّغُ قَومِيَ الَّذِي سَمِعتُهُ مِنكَ، النَّبِيُّ لَم يَقُل لَهُ: لَا تُبَلِّغ أَنتَ مَا سَمِعتَ مِنِّي بَعدُ، أَنتَ عَرَضتَ عَلَيَّ مَا سَمِعتَهُ مِن رَسُولِي وَأَنَا أَقرَرتُكَ عَلَيهِ، فَلَم تَسمَعهُ مِنِّي، لَم يَقُل لَهُ ذَلِكَ)

وَأَنَا ضِمَامُ بنُ ثَعلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعدِ بنِ بَكرٍ، رَوَاهُ مُوسَى، وَعَلِيُّ بنُ عَبدِ الحَمِيدِ، عَن سُلَيمَانَ، عَن ثَابِتٍ، عَن أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِهَذَا.

الحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ المُرسَلِينَ…..
الدعاء

اللهم أَصلِح لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصمَةُ أَمرِنَا، وَأَصلِح لَنَا دُنيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصلِح لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيهَا مَعَادُنَا، وَاجعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيرٍ، وَاجعَلَ المَوتَ رَاحَةً لَنَا مِن كُلِّ شَرٍّ.

اللهم إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِن سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِن عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنكَ، لَا أُحصِي ثَنَاءً عَلَيكَ أَنتَ كَمَا أَثنَيتَ عَلَى نَفسِكَ.

اللهم عَافِنِي فِي بَدَنِي، اللهم عَافِنِي فِي سَمعِي، اللهم عَافِنِي فِي بَصَرِي.

رَبِّ اعصِمنَا مِنَ الزَّلَلِ، وَاجبُر مَا بِنَا مِن خَلَلٍ، نَعُوذُ بِكَ مِن طُولِ الأَمَلِ، وَحُبُوطِ العَمَلِ.

يَا مَن تَزِيدُ فِي الخَلقِ مَا تَشَاءُ زِدنَا قُوَّةً نَتَقَوَّى بِهَا عَلَى طَاعَتِكَ، نَلتَمِسُ عَونًا مِنكَ لِنَقُومَ بِشُكرِ نِعَمِكَ، أَطفِئ لَوعَةَ قُلُوبِنَا بِفَيضِ مَنِّكَ بِلُطفِكَ.

يَا رَحمَنَ الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ارحَمنَا وَارضَ عَنَّا فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، اكتُب لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنيَا حَسَنَةً إِنَّا تُبنَا إِلَيكَ، اجعَلنَا مِمَّن يَأتِيكَ يَومَ القِيَامَةِ بِقَلبٍ سَلِيمٍ مُنِيبٍ.

اللهم إِنَّا نَشهَدُ أَنَّكَ لَا تَظلِمُ وَنَشهَدُ أَنَّ وَعدَكَ الحَقُّ، فَأَكرِمنَا وَلَا تُهِنَّا، وَعَافِنَا، وَأَنزِل بِمَن ظَلَمَ وَبَغَى وَاعتَدَى عَلَى إِخوَانِنَا فِي غَزَّةَ سَخَطَكَ وَغَضَبَكَ وَعَذَابَكَ، دَمِّر أَسلِحَتَهُم وَفَجِّرهَا فِيهِم، وَانتَقِم مِنهُم.

رَبِّ انصُر أَهلَ غَزَّةَ المَظلُومِينَ وَالمُستَضعَفِينَ، احمِهِم وَادفَع عَنهُم، انتَقِم مِمَّن ظَلَمَهُم وَبَغَى عَلَيهِم، كُفَّ بَأسَ أَعدَائِهِم وَاستَأصِل شَأفَتَهُم، نَستَغِيثُ بِكَ فَأَغِثنَا.

وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرسَلِينَ وَسَلَامٌ عَلَى المُرسَلِينَ وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

شاهد أيضاً

شرح دعاء “اللهم إني أسألك من الخير كله” ودلالاته في طلب الجنة والوقاية من النار

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم الحمدُ لله الذي أنزلَ على عبده الكتاب ولم يجعل لهُ …